منصور بالله
18-03-2005, 10:40 AM
محنة الاعلام العربي
2005/03/17
عبد الباري عطوان
اعرب الرئيس الامريكي جورج بوش عن استيائه من الاعلام العربي ووسائله بسبب انتقاده للولايات المتحدة، واخذ علي عاتقه مهمة التصدي له من خلال تعيين السيدة كارن هيوز مستشارته المقربة، لكي تقوم بمهمة تحسين الصورة الامريكية في الخارج.
ويمكن تقسيم تصريحات الرئيس بوش هذه الي قسمين، الاول هو كيفية التصدي لهذا الاعلام، والثاني هو كيفية تحسين الصورة الامريكية في الخارج.
الرئيس بوش اعترف بان اسباب موجة الانتقادات الاعلامية لبلاده راجعة الي صداقتها القوية مع اسرائيل، وطمأننا بأنه لن يتخلي عن هذه الصداقة مطلقا، وليشرب الاعلام العربي وفرسانه من البحر الذي يريد، سواء البحر الاسود او البحر الاحمر.
تصريحات الرئيس بوش هذه تصيب المرء بالحيرة والخوف معا. الحيرة لان معظم الاعلام العربي بات مدجنا. والخوف لان قراره بالتصدي ربما يترجم عمليا، وفي الاشهر المقبلة، باغلاق المنابر القليلة التي ما زالت قابضة علي الجمر، وتعبر عن حقيقة المشاعر العربية والاسلامية تجاه عمليات الاذلال والهيمنة الامريكية علي المنطقة.
الغالبية الساحقة من وسائل الاعلام العربية تتبع الانظمة الحاكمة، وهذه الانظمة باتت تنفذ الاملاءات الامريكية بحذافيرها، واصبح المسؤولون والسفراء الامريكيون يطوفون علي القنوات الفضائية العربية حاملين التعليمات، وقوائم سوداء تتضمن المحظورات، والشخصيات المسموح باستضافتها والاخري الممنوعة من الاقتراب.
القنوات الفضائية العربية في معظمها اصبحت نسخة من قناة الحرة ، بل لا نبالغ اذا قلنا ان مساحة الحرية في قناة الحرة باتت اوسع من نظيراتها العربيات.
السفراء الامريكيون في العواصم العربية باتوا الرقباء الحقيقيين علي الصحف ووسائل الاعلام، بعد ان نجحوا في مراقبة المساجد، ومنع خطباء صلاة الجمعة من الحديث عن الجهاد في فلسطين والعراق وافغانستان، بما في ذلك خطيب الحرم المكي الشريف. وبلغت الوقاحة اعلي درجاتها عندما احتج احد السفراء الامريكيين علي استضافة فضائيات عربية لشخصيات عربية تنتقد امريكا في مؤتمر انعقد في لندن وشارك فيه مديرو هذه الفضائيات، وذكر فيه كاتب هذا المقال بالاسم. وعندما رد عليه احدهم بان الرأي الامريكي ممثل في معظم برامج محطته، قال ان هذا لا يكفي.
الادارة الامريكية في عهد الرئيس بوش اصبحت تنافس دكتاتوريات العالم العربي في قمع الرأي الآخر، وتمويل محطات تلفزيونية تشوه الحقائق، وتتخصص في بث الدعايات المغرضة من خلال اخبار وبرامج تصاغ بعناية في اقسام التضليل التي اقيمت خصيصا في البنتاغون ووزارة الخارجية، وتعتمد اعتمادا كليا علي بعض المتأمركين العرب.
فبعد اطلاق قناة الحرة ، ومحطة سوا الاذاعية، مولت الادارة الامريكية محطات تلفزيونية وصحفا في العراق بطريقة مباشرة، وخارج العراق بطريقة غير مباشرة، فاحدي القنوات العربية التلفزيونية حصلت علي مئة مليون دولار مقابل ارشيف قديم، وتدريب بعض المذيعين والمذيعات، حتي ان احد المسؤولين العراقيين عن محطة تلفزيونية عراقية معين من قبل الامريكيين استقال احتجاجا.
وشاهدنا كيف تم اغراق محطات تلفزيونية عربية معينة بحملات اعلانية مغرية للغاية، اثناء الانتخابات العراقية الاخيرة، وهي الحملات التي جعلت هذه المحطات تصور الاوضاع في العراق بأنها تسير من حسن الي احسن، وتوحي بان بغداد باتت اكثر ازدهارا من نيويورك والموصل اكثر امانا من جنيف.
قبل عام ارسلت الولايات المتحدة مجموعة من الخبراء بقيادة السفير السابق ادوارد دجيرجيان لزيارة العواصم العربية والاسلامية، للبحث عن اسباب كراهية العرب والمسلمين لامريكا، وكأن معرفة هذه الاسباب تحتاج الي خبراء، وجاء تقرير هذه اللجنة مغرقا في الجهل والسذاجة، فقد اعترف ان معدلات الكراهية هذه وصلت الي درجات مقلقة، وكشف ان المبلغ الذي خصصته الادارة الامريكية للاعلام والعلاقات العامة وهو مليار دولار سنويا غير كاف، واوصي بمضاعفته.
اذكر يومها ان محطة سي. ان. ان استضافتني مع السفير دجيرجيان (عمل سفيرا في سورية وهو من اصل ارمني ويعرف العرب جيدا) للحديث عن التقرير ونتائجه، وقلت له بالحرف الواحد ان المشكلة ليست في البائع وانما في السلعة. فالسلعة الامريكية فاسدة وكريهة، ولذلك سيكون من الصعب جدا تسويقها، مهما كان حجم الانفاق المالي علي الدعاية والمتخصصين فيها.
الصورة الامريكية سيئة ليس في الوطن العربي فقط. وانما في مختلف انحاء العالم، بما في ذلك اوروبا، وكل اموال العالم لن تنجح في اصلاحها، طالما استمرت السياسة الامريكية الاستفزازية الحالية علي حالها.
كيف يمكن التوقف عن كراهية هذه الادارة الامريكية وهي تتحدي العالم بأسره، وتستفز مشاعره، بتعيين اكبر عدو للامم المتحدة جون بولتون مندوبا لها فيها، ومكلفا بمهمة اصلاح هذه المنظمة الدولية. واكبر مؤيد للحرب علي العراق وافغانستان بول وولفوفيتز رئيسا للبنك الدولي، الذي من ابرز مهماته مكافحة الفقر ومساعدة مليار انسان في العالم يقل دخلهم عن دولار في اليوم علي العيش حياة كريمة.
وولفوفيتز هذا يكره العرب والمسلمين، ويعتبر انفاق ملياري دولار في الحرب العراقية، ومقتل مئة الف عراقي انتصارا كبيرا للديمقراطية وحقوق الانسان. وتعيينه في هذا المنصب الدولي الرفيع والمؤثر يعني استخدام المساعدات كسلاح ضد من لا يوافق علي الظلم الامريكي، او يتمرد علي الدكتاتوريات الفاسدة والحليفة لامريكا في العالم الثالث، والوطن العربي بالذات!
الرئيس بوش الذي ينتقد الاعلام العربي ويريد تكميمه، ليس عيدي امين، ولا هو الجنرال بينوشيه، ولا حتي رئيس كوريا الشمالية، وانما رئيس الدولة التي تقدم نفسها علي انها زعيمة العالم الحر، وحامية الديمقراطيات وحريات التعبير.
الصحف البريطانية والاوروبية الاخري مليئة بالمقالات التي تتهجم علي الرئيس بوش وادارته، وتتهمه بانه مجرم حرب يقود العالم الي الكوارث، ولكن الرئس بوش غير مستاء من هذه الصحف، ولا كتابها، لانه يخاف من شعبه قبل شعوب الآخرين، ولكنه لا يتورع عن انتقاد الاعلام العربي ورصد المليارات لتطويعه وتركيعه، لان الاعلام العربي اهين من حكوماته، ولان الرئيس بوش استمرأ اهانة معظم الزعماء العرب، وتلذذ برضوخهم لاملاءاته، والتعامل معهم بعقلية راعي القطيع.
نشعر بالحزن والاسي لهذه الدرجة من الهوان التي وصلنا اليها كاعلاميين عرب، وبتنا نخشي ان نصل الي زمن نقدم فيه مقالاتنا و بروفات صحفنا الي السفارات الامريكية لأخذ الاذن بالنشر قبل الطباعة، ولا نعتقد ان هذا الزمن بات بعيدا.
2005/03/17
عبد الباري عطوان
اعرب الرئيس الامريكي جورج بوش عن استيائه من الاعلام العربي ووسائله بسبب انتقاده للولايات المتحدة، واخذ علي عاتقه مهمة التصدي له من خلال تعيين السيدة كارن هيوز مستشارته المقربة، لكي تقوم بمهمة تحسين الصورة الامريكية في الخارج.
ويمكن تقسيم تصريحات الرئيس بوش هذه الي قسمين، الاول هو كيفية التصدي لهذا الاعلام، والثاني هو كيفية تحسين الصورة الامريكية في الخارج.
الرئيس بوش اعترف بان اسباب موجة الانتقادات الاعلامية لبلاده راجعة الي صداقتها القوية مع اسرائيل، وطمأننا بأنه لن يتخلي عن هذه الصداقة مطلقا، وليشرب الاعلام العربي وفرسانه من البحر الذي يريد، سواء البحر الاسود او البحر الاحمر.
تصريحات الرئيس بوش هذه تصيب المرء بالحيرة والخوف معا. الحيرة لان معظم الاعلام العربي بات مدجنا. والخوف لان قراره بالتصدي ربما يترجم عمليا، وفي الاشهر المقبلة، باغلاق المنابر القليلة التي ما زالت قابضة علي الجمر، وتعبر عن حقيقة المشاعر العربية والاسلامية تجاه عمليات الاذلال والهيمنة الامريكية علي المنطقة.
الغالبية الساحقة من وسائل الاعلام العربية تتبع الانظمة الحاكمة، وهذه الانظمة باتت تنفذ الاملاءات الامريكية بحذافيرها، واصبح المسؤولون والسفراء الامريكيون يطوفون علي القنوات الفضائية العربية حاملين التعليمات، وقوائم سوداء تتضمن المحظورات، والشخصيات المسموح باستضافتها والاخري الممنوعة من الاقتراب.
القنوات الفضائية العربية في معظمها اصبحت نسخة من قناة الحرة ، بل لا نبالغ اذا قلنا ان مساحة الحرية في قناة الحرة باتت اوسع من نظيراتها العربيات.
السفراء الامريكيون في العواصم العربية باتوا الرقباء الحقيقيين علي الصحف ووسائل الاعلام، بعد ان نجحوا في مراقبة المساجد، ومنع خطباء صلاة الجمعة من الحديث عن الجهاد في فلسطين والعراق وافغانستان، بما في ذلك خطيب الحرم المكي الشريف. وبلغت الوقاحة اعلي درجاتها عندما احتج احد السفراء الامريكيين علي استضافة فضائيات عربية لشخصيات عربية تنتقد امريكا في مؤتمر انعقد في لندن وشارك فيه مديرو هذه الفضائيات، وذكر فيه كاتب هذا المقال بالاسم. وعندما رد عليه احدهم بان الرأي الامريكي ممثل في معظم برامج محطته، قال ان هذا لا يكفي.
الادارة الامريكية في عهد الرئيس بوش اصبحت تنافس دكتاتوريات العالم العربي في قمع الرأي الآخر، وتمويل محطات تلفزيونية تشوه الحقائق، وتتخصص في بث الدعايات المغرضة من خلال اخبار وبرامج تصاغ بعناية في اقسام التضليل التي اقيمت خصيصا في البنتاغون ووزارة الخارجية، وتعتمد اعتمادا كليا علي بعض المتأمركين العرب.
فبعد اطلاق قناة الحرة ، ومحطة سوا الاذاعية، مولت الادارة الامريكية محطات تلفزيونية وصحفا في العراق بطريقة مباشرة، وخارج العراق بطريقة غير مباشرة، فاحدي القنوات العربية التلفزيونية حصلت علي مئة مليون دولار مقابل ارشيف قديم، وتدريب بعض المذيعين والمذيعات، حتي ان احد المسؤولين العراقيين عن محطة تلفزيونية عراقية معين من قبل الامريكيين استقال احتجاجا.
وشاهدنا كيف تم اغراق محطات تلفزيونية عربية معينة بحملات اعلانية مغرية للغاية، اثناء الانتخابات العراقية الاخيرة، وهي الحملات التي جعلت هذه المحطات تصور الاوضاع في العراق بأنها تسير من حسن الي احسن، وتوحي بان بغداد باتت اكثر ازدهارا من نيويورك والموصل اكثر امانا من جنيف.
قبل عام ارسلت الولايات المتحدة مجموعة من الخبراء بقيادة السفير السابق ادوارد دجيرجيان لزيارة العواصم العربية والاسلامية، للبحث عن اسباب كراهية العرب والمسلمين لامريكا، وكأن معرفة هذه الاسباب تحتاج الي خبراء، وجاء تقرير هذه اللجنة مغرقا في الجهل والسذاجة، فقد اعترف ان معدلات الكراهية هذه وصلت الي درجات مقلقة، وكشف ان المبلغ الذي خصصته الادارة الامريكية للاعلام والعلاقات العامة وهو مليار دولار سنويا غير كاف، واوصي بمضاعفته.
اذكر يومها ان محطة سي. ان. ان استضافتني مع السفير دجيرجيان (عمل سفيرا في سورية وهو من اصل ارمني ويعرف العرب جيدا) للحديث عن التقرير ونتائجه، وقلت له بالحرف الواحد ان المشكلة ليست في البائع وانما في السلعة. فالسلعة الامريكية فاسدة وكريهة، ولذلك سيكون من الصعب جدا تسويقها، مهما كان حجم الانفاق المالي علي الدعاية والمتخصصين فيها.
الصورة الامريكية سيئة ليس في الوطن العربي فقط. وانما في مختلف انحاء العالم، بما في ذلك اوروبا، وكل اموال العالم لن تنجح في اصلاحها، طالما استمرت السياسة الامريكية الاستفزازية الحالية علي حالها.
كيف يمكن التوقف عن كراهية هذه الادارة الامريكية وهي تتحدي العالم بأسره، وتستفز مشاعره، بتعيين اكبر عدو للامم المتحدة جون بولتون مندوبا لها فيها، ومكلفا بمهمة اصلاح هذه المنظمة الدولية. واكبر مؤيد للحرب علي العراق وافغانستان بول وولفوفيتز رئيسا للبنك الدولي، الذي من ابرز مهماته مكافحة الفقر ومساعدة مليار انسان في العالم يقل دخلهم عن دولار في اليوم علي العيش حياة كريمة.
وولفوفيتز هذا يكره العرب والمسلمين، ويعتبر انفاق ملياري دولار في الحرب العراقية، ومقتل مئة الف عراقي انتصارا كبيرا للديمقراطية وحقوق الانسان. وتعيينه في هذا المنصب الدولي الرفيع والمؤثر يعني استخدام المساعدات كسلاح ضد من لا يوافق علي الظلم الامريكي، او يتمرد علي الدكتاتوريات الفاسدة والحليفة لامريكا في العالم الثالث، والوطن العربي بالذات!
الرئيس بوش الذي ينتقد الاعلام العربي ويريد تكميمه، ليس عيدي امين، ولا هو الجنرال بينوشيه، ولا حتي رئيس كوريا الشمالية، وانما رئيس الدولة التي تقدم نفسها علي انها زعيمة العالم الحر، وحامية الديمقراطيات وحريات التعبير.
الصحف البريطانية والاوروبية الاخري مليئة بالمقالات التي تتهجم علي الرئيس بوش وادارته، وتتهمه بانه مجرم حرب يقود العالم الي الكوارث، ولكن الرئس بوش غير مستاء من هذه الصحف، ولا كتابها، لانه يخاف من شعبه قبل شعوب الآخرين، ولكنه لا يتورع عن انتقاد الاعلام العربي ورصد المليارات لتطويعه وتركيعه، لان الاعلام العربي اهين من حكوماته، ولان الرئيس بوش استمرأ اهانة معظم الزعماء العرب، وتلذذ برضوخهم لاملاءاته، والتعامل معهم بعقلية راعي القطيع.
نشعر بالحزن والاسي لهذه الدرجة من الهوان التي وصلنا اليها كاعلاميين عرب، وبتنا نخشي ان نصل الي زمن نقدم فيه مقالاتنا و بروفات صحفنا الي السفارات الامريكية لأخذ الاذن بالنشر قبل الطباعة، ولا نعتقد ان هذا الزمن بات بعيدا.