السرحاني
18-05-2004, 12:53 AM
فضيحة التعذيب غير المعهودة امريكيا ودوليا لن تغير شيئا سواء بالنسبة للفلسفة البراغماتية التي هي عقيدة الدولة والمجتمع، او بالنسبة لمنطق العنف النظامي المسيطر علي المؤسسة العسكرية منذ عهد نشأتها الاولي، حينما مارست تمارينها في استئصال تواريخ وحضارات كاملة للسكان الاصليين، مع قدوم المستعمرين الاوروبيين، اذ ان الفضيحة لن تعلم العقل الامريكي حقيقة لا يعرفها في ذاته دائما، ويضاعف من فعاليتها ويعمق تجذرها من مرحلة سياسية الي اخري. لكن الجديد والمفاجيء حقا هو في طريقة انفجار هذه الفضيحة والشكل العالمي الذي لا تزال اسيرة لتوسع حدوده، فلم يسبق ان حدث ما يشبه ثورة اعلامية كبري شاركت فيها وسائل اعلام دول المعمورة جميعها، وخضعت كلها الي ما يشبه المانشيتات الواحدة والعناوين المتماثلة، كأنما راح يصدر كل يوم بيان اعلامي متكامل، تساهم في صياغته مختلف لغات العالم. انها تتناول الموضوع الواحد عينه وتردد دلالات الاستنكار والادانة وحتي التجريم. ولم يشذ عن هذه القاعدة اعلام الدولة المدانة نفسها، بل شارك المسؤولون عن الجريمة كبارهم وصغارهم، في توصيف الفظاعات التي ارتكبها رجالهم، وتسابق رجال مؤسسة الحكم من داخلها وخارجها في الانضمام الي جوقة الاعترافات العامة، فالجميع لا ينكرون الذنوب والمخازي والمآثم لكنهم يتهربون من تحمل التبعات ويتقاذفون فيما بينهم الاتهامات، دون ان تنفع معها كل اساليب التلعيب والمسخ والتشويه التي تتقنها الآلة الدبلوماسية، او الاجهزة الاستخبارية وامتداداتها الحزبية والاعلامية. انها الفضيحة الهائلة التي تضيع فيها الحدود بين القضاة والمجرمين، بين محامي الدفاع ومحامي الاتهام، ويكاد يختلط مع هؤلاء جميعا الجمهور نفسه، فالامبراطورية الوهمية تهزمها لا اخلاقيتها في مرآة ذاتها قبل ان تسقط جيوشها الغازية المقاومات الشعبية التي تنتظرها في كل مكان بدءا من دروس العراق وفلسطين. ومع ذلك فليس هناك بين حكام واشنطن من يدان من قبل مؤسساته (الديمقراطية) ولا من يستقيل تحت ضغط الرأي العام الشعبي الذي يبدو انه آخر من يتأثر بآلام الشعوب الاخري وان كانت صحافته تتباري في تظهير صور الفحش اللاانساني الذي يرتكبه ابناؤه الاشاوس في اوطان الاخرين المستباحة لعربدة (الاولاد) الـ Boys كما يسمون جنودهم تدليلا.
اخيرا يتجرأ جون كيري فيصف بوش بالغرور وهو الذي ينتقل من خطأ في الحساب الي خطأ آخر منذ قرار الحرب علي العراق، كأنما كان من المفترض في رأي كيري هذا الا تخطيء تلك الحرب الامريكية القذرة في شيء حتي في اخفاء عدد ضحاياها من (العدو) فكيف اذا تكشف الامر عن قصص التعذيب، تلك هي الخطيئة الكبري اذن! الان يجري الحديث المعاتب عن خسارة امريكا لمصداقيتها كأنما كانت لها تلك المصداقية وهي تشن في الاساس حربا جهنمية لا مشروعة ضد شعب صغير بحجة اسقاط نظامه، فاذا بجيش (الديمقراطية) العتيد يتابع تدمير النظام بتدمير الدولة والمجتمع والحضارة، يؤلف عصابات القتلة واللصوص من كل نوع، او يسمح بانتشار وبائها لترويع الامنين في بيوتهم وشوارعهم، واغتيال العلماء والاساتذة والاطباء، ودفع الاخرين الي الهجرة. ليس التعذيب محصورا في سجن ابو غريب واشباهه ملء الوطن المنكوب، بل اصبح الاحتلال هو اداة التعذيب والتخريب الكبري الموجهة ضد الانسان وعمرانه ومكتسباته الاهلية والحضارية، فقد اعلن بوش الاب منذ حربه الاولي علي العراق بحجة تحرير الكويت انه سيعيد العراق الي القرون الوسطي. وذلك هو صميم الهدف المطلوب حقا الذي نفذه ابنه الفذ باستعارة النهج الصهيوني القائم علي مبدأ تصحير الارض من شعبها وحضارته، للاستفراد بمواقعها والاستيلاء علي ثرواتها. وعلي هذا فكل شيء مستباح ومقبول من اجل الفوز بالعراق بلا شعب موحد، ولا مجتمع عالم متقدم، ولا كيان دولتي راسخ وصامد، وهذا التعذيب المشرعن من قبل قادة المؤسسة العسكرية وتقاليدها العريقة في اساليب استئصال (العدو) والمقنن والمنظم والمبرمج من قبل خبرائها النفسيين، او الجلادين المثقفين بالأحري، ليس سوي المثال المادي المفضوح عن معني العلاقة (الانسانية) الوحيدة التي يمكن ان تقوم بين غطرسة الاحتلال واجهزته البربرية من جهة والشعب المقموع وارادته المتمردة من جهة اخري. فاذا ما تفجرت فضائح التعذيب علي هذا النحو الراهن من الشمول العالمي، والاختراقات العميقة لدروع النظام الامريكي في عقر داره حتي كأنما تحدث وقائع الفظائع في مكاتب المسؤولين وغرف نومهم نفسها، فهذا يعني ان مآل الاحتلال قد قارب اللحظة التي سوف ينقلب فيها علي ذاته وعلي اصحابه. والانقلاب المنتظر هذا يعني ان يدفع مخططو الخطيئة الكبري وابطالها الاثمان السياسية وربما القانونية كذلك.. هذا اذا كانت اسطورة الارهاب ومحاربته قد ابقت علي شيء من العلاقات الديمقراطية ما بين مؤسسات الدولة الامريكية ازاء بعضها وتجاه مؤسسات المجتمع المدني من صحافة وثقافة ومعارضة منظمة او فردية. ذلك ان تصرفات بوش ووزرائه والتصريحات المتناقضة الصادرة عن رموز السياسة الرسمية وعسكر البنتاغون كلها تدل علي ان الجميع يشاركون في لعبة تهريب المأزق والتهرب معا من اية مواجهة جدية مع مقتضياته. هذا مع ان الجميع يعترفون بالفظاعات المرتكبة الا ان احدا لا يريد ان يكون كبش فداء لسواه.
هنا يجد الاوروبيون ربما فرصتهم المرتقبة طويلا لتدخل مباشرة في لب الازمة وقد اصبح مطلوبا حتي من قبل الصديق اللدود، ذلك الامريكي البشع الذي وقع اخيرا في شر اعماله، كما كان هؤلاء يتوقعون له علي الاقل منذ ان ضرب بوش في عرض الحائط بكل نصائح زملائه من قادة العالم (القديم) اوروبا الاستعمارية سابقا، وكل خبراتها العريقة في هذا المضمار وخاصة في مصارعة اقطار العرب ومصائر احتلالاتها لها. ودون ان يعني ذلك ان اوروبا كله متفقة علي حلول معينة، او انها تدعي معجزة ما خاصة بعد ان اوصل الامريكيون بغطرستهم وجهلهم المركب، كل الامور في العراق الي اصعب مراحلها تحت وطأة فضائح التعذيب، فأمريكا لم تعد مدانة بلا شرعية الاحتلال وحدها، وبانعدام المصداقية في تبرير الحرب واسبابها الزائفة بل امست الامة الامريكية نفسها، مطعونة في انسانيتها، مذلة مهانة في شرفها الاخلاقي في عين ابنائها. واوروبا تضع يدها علي الجرح وتحاول استثماره بذكاء. ما دام بوش ورامسفيلد وفريقهما الحاكم يتنصلون من اية تبعات حقيقية عما مارسه جنودهم من احط الشناعات المندرجة تحت خانة جرائم الحرب ضد الانسانية. وذلك بناء علي اوامر وتعليمات (الواجبات) العسكرية الموجهة من قادتهم، فهل سوف يرضي المجتمع الامريكي بأن يكون هو نفسه البديل عن حكامه في تحمل مسؤولية جرائمهم. ذلك هو السؤال الشاق الذي شرع بعض المثقفين في تداوله وطرحه علي الرأي العام. الامر الذي لن ينتظر جوابه الحاسم حتي موعد الانتخاب الرئاسي. كذلك لا تبدو الطبقة السياسية العارفة بكل اسرار السجون العراقية والساكتة عن الانتهاكات المبرمجة، لا تبدو انها قادرة علي لفلفة الفضائح بعد ان اصبحت اخبارها الرهيبة ملكا للاعلام المحلي والدولي المتسابق علي اختطاف قصص الهول الرهيب من السنة الجنود الجلادين انفسهم، ونقلا عن معاناة الضحايا كذلك، وهناك في امريكا من ينتظر ان تعاد المقدمات عينها التي وضعت حدا لحرب فيتنام عندما انطلقت الثورة الشبابية ضد دعاة الحرب، وكانت ظهرت صورة الفتاة الصغيرة الفيتنامية في الصحافة وقد مزقت وجهها البريء شظايا النابالم فتعاظم الرفض الجماهيري العارم آنذاك، حتي اضطر الرئيس نيكسون الي اتخاذ قرار الانسحاب الفجائي والكامل للوجود الامريكي في شطري فيتنام شمالها وجنوبها معا. واليوم يراود مثل هذا القرار التاريخي اذهان بعض المسؤولين، حتي ان الحاكم بريمر المح الي ذلك صراحة عندما ربط القرار بما تطلبه الحكومة القادمة، مع استبعاده طبعا لمثل هذه الامكانية، ومع ذلك تتركز جهود الدبلوماسية الامريكية حاليا علي ايجاد المخرج الملائم في مجلس الامن يضطر وزير الخارجية باول الي اعادة صياغة مسودة القرار الذي ينقل الاشراف علي عملية نقل السلطة الي الامم المتحدة، وذلك تحت ضغط رفض فرنسا وروسيا للصياغة الاولي، وقد تدعم هذا الرفض بأصداء الفضيحة. وكذلك كان لهذه الاصداء تأثيرها علي جو المحادثات المعقودة في واشنطن بين وزراء خارجية الدول الصناعية الكبري الثماني، في هذا الظرف بالذات. في كل الاحوال يشارف مشروع الاحتلال نهايته، والمهم الآن هو تحويل مصطلح نقل السلطة الي الاصل الذي يعني اعادة السيادة كليا للعراقيين اصحابها الشرعيين، ما يقطع الطريق علي مخطط المناورة القادمة التي ينتويها الاحتلال للتغطية علي تسميته المباشرة تلك وراء حكومة العوبة فاقدة سلفا لقرارها الامني وتابعة مباشرة لسلطة السفارة الامريكية العملاقة المؤلفة من ثلاثة الاف موظف فقط، بقيادة سفير معروف بماضيه الارهابي القمعي حيثما حل، وخاصة في امريكا الجنوبية من قبل.
يوم الثلاثين من حزيران (يونيو) يجب ان يكون فاتحة التحرير. هذا التاريخ (المقدس) لم يعد ملكا امريكيا استعماريا. كل القوي الاخري في العراق حتي الامم المتحدة، تريد ان تكون لها الكلمة الفصل فيما سيعقب هذا الموعد ضدا علي كل المسيرة البائسة التي سبقته. لن تستطيع شركتا هايبورتون وبيكتيل ان تحميا الاحتلال الذي حماهما ومنحهما احتكار مشاريع اعادة اعمار والسيطرة علي ارقامه الفلكية لحساب طغمة المال المنهوب علنا وشركائها في البيت الابيض والبنتاغون المعروفين. هذا السر ليس سرا عند احد اليوم، وتتردد مفرداته مدوية ما بين ضفتي الاطلسي، وقبل ان تجرؤ اية السنة عربية رسمية علي تلفظ بعض حروفه فقط، لكن ينبغي الاعتراف منذ الان ان تدويل الازمة العراقية لا يعني ان العراق استرد سيادته حقا، وكاملة غير منقوصة، اية وصاية، وان كانت أممية لن تكون في المحصلة بديلة عن الاستقلال السياسي الناجز لعل العراق الذي اثبتت مقاومته مناعته الانسانية ضد اقوي جيوش العالم لن يكون من السهل علي احد تغييبه يوم تعاد المحاصصة الدولية مجددا، بعد ان تدفع امريكا فاتورة فشلها العسكري السياسي والاخلاقي اخيرا، بانهاء عصر احتلالها الاسود مع انفجار ابشع فضيحة لا اخلاقية تلحق بجيشها وطبقتها الحاكمة ليس ثمة حل للازمة العراقية الدولية وتداعياتها علي الجميع سوي ان يسترد البلد العظيم الجريح استقلاله كاملا ناجزا. وقد كان اول بلد عربي اكتسابا لاستقلاله منذ ثورة 1922 واستطاع ان يحافظ عليه رغم التقلبات الداخلية والتدخلات الاستعمارية طيلة القرن الماضي. اما جيش الامبراطورية الخرافية الذي لا تقهره اقوي الجيوش فقد هزمته لا اخلاقيته، وكتبت نهاية تمرينه الاول بدءا من الفلوجة وابوغريب وكربلاء.
اخيرا يتجرأ جون كيري فيصف بوش بالغرور وهو الذي ينتقل من خطأ في الحساب الي خطأ آخر منذ قرار الحرب علي العراق، كأنما كان من المفترض في رأي كيري هذا الا تخطيء تلك الحرب الامريكية القذرة في شيء حتي في اخفاء عدد ضحاياها من (العدو) فكيف اذا تكشف الامر عن قصص التعذيب، تلك هي الخطيئة الكبري اذن! الان يجري الحديث المعاتب عن خسارة امريكا لمصداقيتها كأنما كانت لها تلك المصداقية وهي تشن في الاساس حربا جهنمية لا مشروعة ضد شعب صغير بحجة اسقاط نظامه، فاذا بجيش (الديمقراطية) العتيد يتابع تدمير النظام بتدمير الدولة والمجتمع والحضارة، يؤلف عصابات القتلة واللصوص من كل نوع، او يسمح بانتشار وبائها لترويع الامنين في بيوتهم وشوارعهم، واغتيال العلماء والاساتذة والاطباء، ودفع الاخرين الي الهجرة. ليس التعذيب محصورا في سجن ابو غريب واشباهه ملء الوطن المنكوب، بل اصبح الاحتلال هو اداة التعذيب والتخريب الكبري الموجهة ضد الانسان وعمرانه ومكتسباته الاهلية والحضارية، فقد اعلن بوش الاب منذ حربه الاولي علي العراق بحجة تحرير الكويت انه سيعيد العراق الي القرون الوسطي. وذلك هو صميم الهدف المطلوب حقا الذي نفذه ابنه الفذ باستعارة النهج الصهيوني القائم علي مبدأ تصحير الارض من شعبها وحضارته، للاستفراد بمواقعها والاستيلاء علي ثرواتها. وعلي هذا فكل شيء مستباح ومقبول من اجل الفوز بالعراق بلا شعب موحد، ولا مجتمع عالم متقدم، ولا كيان دولتي راسخ وصامد، وهذا التعذيب المشرعن من قبل قادة المؤسسة العسكرية وتقاليدها العريقة في اساليب استئصال (العدو) والمقنن والمنظم والمبرمج من قبل خبرائها النفسيين، او الجلادين المثقفين بالأحري، ليس سوي المثال المادي المفضوح عن معني العلاقة (الانسانية) الوحيدة التي يمكن ان تقوم بين غطرسة الاحتلال واجهزته البربرية من جهة والشعب المقموع وارادته المتمردة من جهة اخري. فاذا ما تفجرت فضائح التعذيب علي هذا النحو الراهن من الشمول العالمي، والاختراقات العميقة لدروع النظام الامريكي في عقر داره حتي كأنما تحدث وقائع الفظائع في مكاتب المسؤولين وغرف نومهم نفسها، فهذا يعني ان مآل الاحتلال قد قارب اللحظة التي سوف ينقلب فيها علي ذاته وعلي اصحابه. والانقلاب المنتظر هذا يعني ان يدفع مخططو الخطيئة الكبري وابطالها الاثمان السياسية وربما القانونية كذلك.. هذا اذا كانت اسطورة الارهاب ومحاربته قد ابقت علي شيء من العلاقات الديمقراطية ما بين مؤسسات الدولة الامريكية ازاء بعضها وتجاه مؤسسات المجتمع المدني من صحافة وثقافة ومعارضة منظمة او فردية. ذلك ان تصرفات بوش ووزرائه والتصريحات المتناقضة الصادرة عن رموز السياسة الرسمية وعسكر البنتاغون كلها تدل علي ان الجميع يشاركون في لعبة تهريب المأزق والتهرب معا من اية مواجهة جدية مع مقتضياته. هذا مع ان الجميع يعترفون بالفظاعات المرتكبة الا ان احدا لا يريد ان يكون كبش فداء لسواه.
هنا يجد الاوروبيون ربما فرصتهم المرتقبة طويلا لتدخل مباشرة في لب الازمة وقد اصبح مطلوبا حتي من قبل الصديق اللدود، ذلك الامريكي البشع الذي وقع اخيرا في شر اعماله، كما كان هؤلاء يتوقعون له علي الاقل منذ ان ضرب بوش في عرض الحائط بكل نصائح زملائه من قادة العالم (القديم) اوروبا الاستعمارية سابقا، وكل خبراتها العريقة في هذا المضمار وخاصة في مصارعة اقطار العرب ومصائر احتلالاتها لها. ودون ان يعني ذلك ان اوروبا كله متفقة علي حلول معينة، او انها تدعي معجزة ما خاصة بعد ان اوصل الامريكيون بغطرستهم وجهلهم المركب، كل الامور في العراق الي اصعب مراحلها تحت وطأة فضائح التعذيب، فأمريكا لم تعد مدانة بلا شرعية الاحتلال وحدها، وبانعدام المصداقية في تبرير الحرب واسبابها الزائفة بل امست الامة الامريكية نفسها، مطعونة في انسانيتها، مذلة مهانة في شرفها الاخلاقي في عين ابنائها. واوروبا تضع يدها علي الجرح وتحاول استثماره بذكاء. ما دام بوش ورامسفيلد وفريقهما الحاكم يتنصلون من اية تبعات حقيقية عما مارسه جنودهم من احط الشناعات المندرجة تحت خانة جرائم الحرب ضد الانسانية. وذلك بناء علي اوامر وتعليمات (الواجبات) العسكرية الموجهة من قادتهم، فهل سوف يرضي المجتمع الامريكي بأن يكون هو نفسه البديل عن حكامه في تحمل مسؤولية جرائمهم. ذلك هو السؤال الشاق الذي شرع بعض المثقفين في تداوله وطرحه علي الرأي العام. الامر الذي لن ينتظر جوابه الحاسم حتي موعد الانتخاب الرئاسي. كذلك لا تبدو الطبقة السياسية العارفة بكل اسرار السجون العراقية والساكتة عن الانتهاكات المبرمجة، لا تبدو انها قادرة علي لفلفة الفضائح بعد ان اصبحت اخبارها الرهيبة ملكا للاعلام المحلي والدولي المتسابق علي اختطاف قصص الهول الرهيب من السنة الجنود الجلادين انفسهم، ونقلا عن معاناة الضحايا كذلك، وهناك في امريكا من ينتظر ان تعاد المقدمات عينها التي وضعت حدا لحرب فيتنام عندما انطلقت الثورة الشبابية ضد دعاة الحرب، وكانت ظهرت صورة الفتاة الصغيرة الفيتنامية في الصحافة وقد مزقت وجهها البريء شظايا النابالم فتعاظم الرفض الجماهيري العارم آنذاك، حتي اضطر الرئيس نيكسون الي اتخاذ قرار الانسحاب الفجائي والكامل للوجود الامريكي في شطري فيتنام شمالها وجنوبها معا. واليوم يراود مثل هذا القرار التاريخي اذهان بعض المسؤولين، حتي ان الحاكم بريمر المح الي ذلك صراحة عندما ربط القرار بما تطلبه الحكومة القادمة، مع استبعاده طبعا لمثل هذه الامكانية، ومع ذلك تتركز جهود الدبلوماسية الامريكية حاليا علي ايجاد المخرج الملائم في مجلس الامن يضطر وزير الخارجية باول الي اعادة صياغة مسودة القرار الذي ينقل الاشراف علي عملية نقل السلطة الي الامم المتحدة، وذلك تحت ضغط رفض فرنسا وروسيا للصياغة الاولي، وقد تدعم هذا الرفض بأصداء الفضيحة. وكذلك كان لهذه الاصداء تأثيرها علي جو المحادثات المعقودة في واشنطن بين وزراء خارجية الدول الصناعية الكبري الثماني، في هذا الظرف بالذات. في كل الاحوال يشارف مشروع الاحتلال نهايته، والمهم الآن هو تحويل مصطلح نقل السلطة الي الاصل الذي يعني اعادة السيادة كليا للعراقيين اصحابها الشرعيين، ما يقطع الطريق علي مخطط المناورة القادمة التي ينتويها الاحتلال للتغطية علي تسميته المباشرة تلك وراء حكومة العوبة فاقدة سلفا لقرارها الامني وتابعة مباشرة لسلطة السفارة الامريكية العملاقة المؤلفة من ثلاثة الاف موظف فقط، بقيادة سفير معروف بماضيه الارهابي القمعي حيثما حل، وخاصة في امريكا الجنوبية من قبل.
يوم الثلاثين من حزيران (يونيو) يجب ان يكون فاتحة التحرير. هذا التاريخ (المقدس) لم يعد ملكا امريكيا استعماريا. كل القوي الاخري في العراق حتي الامم المتحدة، تريد ان تكون لها الكلمة الفصل فيما سيعقب هذا الموعد ضدا علي كل المسيرة البائسة التي سبقته. لن تستطيع شركتا هايبورتون وبيكتيل ان تحميا الاحتلال الذي حماهما ومنحهما احتكار مشاريع اعادة اعمار والسيطرة علي ارقامه الفلكية لحساب طغمة المال المنهوب علنا وشركائها في البيت الابيض والبنتاغون المعروفين. هذا السر ليس سرا عند احد اليوم، وتتردد مفرداته مدوية ما بين ضفتي الاطلسي، وقبل ان تجرؤ اية السنة عربية رسمية علي تلفظ بعض حروفه فقط، لكن ينبغي الاعتراف منذ الان ان تدويل الازمة العراقية لا يعني ان العراق استرد سيادته حقا، وكاملة غير منقوصة، اية وصاية، وان كانت أممية لن تكون في المحصلة بديلة عن الاستقلال السياسي الناجز لعل العراق الذي اثبتت مقاومته مناعته الانسانية ضد اقوي جيوش العالم لن يكون من السهل علي احد تغييبه يوم تعاد المحاصصة الدولية مجددا، بعد ان تدفع امريكا فاتورة فشلها العسكري السياسي والاخلاقي اخيرا، بانهاء عصر احتلالها الاسود مع انفجار ابشع فضيحة لا اخلاقية تلحق بجيشها وطبقتها الحاكمة ليس ثمة حل للازمة العراقية الدولية وتداعياتها علي الجميع سوي ان يسترد البلد العظيم الجريح استقلاله كاملا ناجزا. وقد كان اول بلد عربي اكتسابا لاستقلاله منذ ثورة 1922 واستطاع ان يحافظ عليه رغم التقلبات الداخلية والتدخلات الاستعمارية طيلة القرن الماضي. اما جيش الامبراطورية الخرافية الذي لا تقهره اقوي الجيوش فقد هزمته لا اخلاقيته، وكتبت نهاية تمرينه الاول بدءا من الفلوجة وابوغريب وكربلاء.