عبدالغفور الخطيب
12-03-2005, 02:25 AM
خاص – الوطن)
سؤال: مما لا شك فيه أن هناك معارضة شعبية في الولايات المتحدة للحرب على العراق، لكنها هزمت في فوز بوش، ثم أن حرب الولايات المتحدة اليوم ليست كحرب فيتنام بالماضي فافراد الجيش الأميركي متطوعون، ولم يجندوا اجباريا كما فيتنام، والبعض منهم مهاجرون جدد لم يتجنسوا بعد
جواب: كونهم متطوعون فهذه نقطة ضعف ولم تعد نقطة قوة ، لان المتطوعين اخذوا يبتعدون عن التطوع ،كما تعترف وزارة الدفاع الامريكية أما كونهم لا يحملون الجنسية الأمريكية فهذه كذلك نقطة ضعف مزدوجة : لان المهاجر اقنع في البداية انه ذاهب الى نزهة فاكتشف انه ذاهب الى الجحيم، فتدهورت ارقام من يريدون مقايضة الجنسية الامريكية بحياتهم ، اضافة لذلك فان من اتى مهاجرا وطلب الجنسية هرب من بلده طلبا للسلامة والرزق، لهذا فان معنوياته القتالية تحت الصفر كما اثبتت تجرية العراقسؤال: الرأي العام الأميركي يتأثر كثيراً بالاعلام. والاعلام هنا لا ينقل صورة المقاومة كما تتحدثون عنها.جواب: بعد ان اثبتت تجربة العدوان على العراق في عام 1991 وتجربة غزوه في عام 2003 ان الاعلام الامريكي المهيمن هو اعلام سلطة ، ويخدم اهداف امريكا ونخبها ، وانه لا يكتب او يبث الا ما يخدم الطغمة الحاكمة كما جسده اسلوب المراسل المدمج Embodied Correspondent، فقد الاعلام الكثير من صدقيته واتجه جزء كبير من الراي العام في امريكا واوربا الى مواقع الانترنيت ، وهذا الامر ينطبق على الفضائيات العربية ايضا ، لذلك هناك نافذة يستطيع الامريكيون الاطلال منها على احداث العالم دون الاعتماد الكلي على الاعلام التابع للمؤسسة غير الرسمية الحاكمة ، وحتى لو افترضنا ان الراي العام مغسول الدماغ تماما فان ذلك يعطل قليلا او كثيرا الانفجار الرافض للحرب ولا يمنعه كليا).
سؤال: ألا ترى أن عدد الجنود الأمريكيين الذين يسقطون في العراق، رغم تضارب الأنباء حول عددهم الحقيقي، لن يدفع على ما يبدو الأمريكيين المطالبة بالانسحاب، وخصوصاً أنهم صدقوا رئيسهم بأن العراق هو مركز الحرب على الارهاب، ولا بد لهم أن يخوضوا هذه الحرب كي لا يأتي الارهابيون ويضربونهم ثانية في عقر دارهم.
جواب: يوما بعد اخر يدرك الامريكيون ان ابناءهم يقتلون في العراق ، ويزداد عدد العوائل المكلومة بفقد ابن لها ، ولذلك تنشأ حركة شبه منظمة تتألف من عوائل ضحايا الحرب الامريكيين ، وكلما زاد عدد هؤلاء تكبر الحركة ويزداد تاثيرها ، وليس صحيحا ان بالامكان اخفاء الحقائق والسيطرة على ردود الافعال بصورة تامة ، واذا كان ادراك الامريكيين للحقائق يسير ببطئ نتيجة خطة استعباد الامريكيين وجعلهم مخلوقات تستهلك نمط مختار لهم بقصدية من المعلومات ، كما يختار لهم الطعام بواسطة الدعاية ، فان تلك حالة مؤقتة ، والدليل هو بدأ الكشف عن ان التهم التي وجهت للعراق لتبرير غزوه قد تم الاعتراف رسميا بانها كانت مجموعة تلفيقات .
سؤال: قد تحاول الولايات المتحدة الى الانسحاب المنظم كما وصفته، ولكنها منذ البداية لم يكن من خططها البقاء في العراق، بل هدفها استعماره ومصادرة ارادته
جواب: هناك تناقض في السؤال : اذ كيف تريد امريكا استعمار العراق دون البقاء فيه ؟ ان الاستعمار لا يمكن ان يقوم الا باحتلال الارض والبقاء فيها لادارة المستعمرة ، هذه نقطة ، اما النقطة الاخرى فهي انه لم يكن من خطط امريكا البقاء في العراق ، وهذا امر غير صحيح تماما ، لان الغزو بالاصل هو خطوة ستراتيجية عظمى في مخطط كوني للسيطرة على العالم واقامة امبراطورية امريكية عالمية انطلاقا من العراق ، انت تذكر ان التصريحات الرسمية التي صدرت من جنرالات ومسؤولين رسميين في الكونغرس ، ومن رموز المحافظون الجدد كريتشارد بيرل وبول ولفووتز وغيرهم قد اكدت بحزم وحسم تامين ان مدة بقاء امريكا في العراق غير محددة وانها قد تتراوح بين 20 – 25 سنة ، واستنادا على ذلك تقرر بناء 14 قاعدة عسكرية رئيسية في العراق ، واعلن رسميا ان العراق سيكون انموذجا للشرق الاوسط الجديد ).
سؤال: واضح أنكم متفاءلون بقرب اندحار القوات الأمريكية من العراق، لكن تحليلكم لمجرى الأمور والأوضاع يبتعد عن تناول المشهد الأميركي الداخلي الذي له تأثير قوي على مصير الاحتلال الأميركي للعراق.
الجواب: المشهد الامريكي الظاهري ليس هو المعيار الصحيح اثناء تحليل الاحداث ، رغم انه مؤشر مهم جدا يؤكد كل تحليلاتنا ، بل ان المشهد الامريكي المموه وغير المرئي بوضوح هو المعيار الحاسم ، وهذا المشهد يتأثر بشدة بما يجري في العراق . ما الذي اقصده ؟ ان من يحكم امريكا ليس الرئيس ولا الكونغرس في الواقع، بل القوى الاقتصادية العظمى ، فالرئيس والكونغرس والاعلام واللوبيات، انما تمثل مصالح كتل عظمى اقتصادية ، وهؤلاء وصلوا الى مواقعهم بفضل عقد جنتلمن يقوم على تبادل الخدمات ، وهنا تكمن قوة امريكا وعناصر ضعفها بنفس الوقت ، فالادراة هي مسوق لمصالح القوى الاقتصادية العظمى ، وهي مصالح اقتصادية وليست اعمالا خيرية ، لذلك فان ما يقرر الموقف الامريكي في نهاية المطاف هو ميزان الخسارة والربح وليس اي اعتبار اخلاقي او سياسي . ان امريكا ليست امة وانما هي شركة كبرى لها مصالح ، بل ان الادارة الحالية هي الادارة الاكثر خضوعا للمصالح الاقتصادية ، وما قصة شركة هالبرتون وشركات النفط الا مثال واضح على ذلك . وغطاء التدين ( الاصولية المسيحية ) ما هو الا حيلة ايديولوجية مفضوحة لا تختلف عن حيلة امراء الاقطاع الاوربي اثناء الحروب الصليبيبة . ومن مفارقات ازمنتنا الغريبة هزيمة الايديولوجية البرجوازية امام اللايديولوجية الشيوعية ، رغم ان الاخيرة كانت هي الاخرى تحتضر ، الا انها كانت تملك جاذبية كانت كافية لدحر الايديولوجيا البورجوازية . وساهمت، بقوة وحسم ، حركات التحرر في العالم الثالث في السبعينات من القرن الماضي في عزل ودحر الراسمالية وايديولوجيتها ، و كان ذلك هو المحرك الاساسي لاستخدام سلاح الاصولية الدينية . علينا ان لاننسى ان الاصولية الدينية قد انطلقت مباشرة بعد هزيمة امريكا في فيتنام ، والسقوط الصريح لمنطق وحيل البورجوازية الفكرية ، وكانت اول اصولية تطلق وتشجع هي الاصولية المسيحية ، ممثلة في بابا الفاتيكان الحالي الذي استخدم لزرع بذور انهيار الشيوعية الاوربية الحاكمة ، انطلاقا من بولونيا ونقابة التضامن فيها . بعد ذلك اطلقت الاصولية اليهودية واوصلت الى السلطة في اسرائيل بفوز الليكود ، وعلى الصعيد الاسلامي تبنت امريكا الاصولية الاسلامية في افغانستان ضد الاتحاد السوفيتي . هذا التوقيت والتزامن ليسا صدفة بل هما ثمرة تخطيط تعويضي قامت به المخابرات الامريكية لفبركة قوى نشطة تستطيع دحر الشيوعية واعادة الامل للراسمالية المهزومة .صفقة تجاريةاذن نحن لسنا بصدد موجة تدين مسيحية يمثلها المحافظون الجدد او جورج بوش ، بل نحن بازاء موجة توسع راسمالي جديدة في (مستعمرات جديدة ) ، والاصولية المسيحية الحالية ليست سوى غطاء ايديولوجي لهذه الموجة ، وهو امر يدركه قادتها ، تماما كما ادرك اقطاعيوا القرون الوسطى انهم لم يكونوا يذهبون للشرق لحماية المقدسات المسيحية بل للنهب والسيطرة . انني اذ اذكر بكل ذلك فلانني اريد ان الفت النظر الى الطبيعة الاستعمارية لغزو العراق ، وهي بالتالي غزوة تخضع للقواعد التي تخضع لها اي صفقة تجارية اي الربح والخسارة . ففي اللحظة التي يتم التاكد فيها من ان كفة الخسارة قد تغلبت وان لا امل في تغيير ذلك ، سيتخذ نفس من قرر غزو العراق قرار الانسحاب منه ، لان الراسمالية بشكل عام والراسمالية الامريكية بشكل خاص غير مستعدة على الاطلاق للتعرض لخسائر كبرى من المستحيل تعويضها . ان المشهد الداخلي الامريكي كالظاهري يبدو وكانه لم يتاثر بهزائم امريكا في العراق، للاسباب التي ذكرتها ، ولكن المشهد الداخلي الامريكي الاخر ، اي مشهد من اتخذوا قرار غزو العراق ودفعوا الادارة لتنفيذه، وهي الشركات الكبرى التي رأت في العراق جائزة ثمينة جدا ، يدركون بعمق طبيعة مأزق امريكا في العراق ، وهو مأزق مدمر وقاتل لمستقبل امريكا ومصالحها الستراتيجية البعيدة المدى ، لان الجائزة الثمينة هذه تحولت الى خرم ابرة استنزاف سريع وخطر جدا .دعني اذكرك باساسيات خطة غزو العراق كي تعرف لم انا متفائل من اقتراب نصر المقاومة العراقية المسلحة . كانت الفرضية الاساسية هي ان وضع اليد على العراق سيؤمن لامريكا مستقبلا نفطيا مشرقا يزيل الخوف من ازمة طاقة قادمة ، توقعها تقرير المخابرات الامريكية للخمسة عشر سنة القادمة ، من جهة كما يؤمن لها سلاحا جبارا للابتزاز تستطيع استخدامه لتركيع العالم، دون الاضطرار لخوض حروب عسكرية لا تستطيع امريكا تحمل تكاليفها البشرية والمادية ، من جهة ثانية . فاذا سيطرت امريكا على منابع النفط العراقية وضمتها الى بقية المنابع التي تسيطر عليها حاليا تمسك بمسقبل الطاقة ، ومن ثم تتحكم بمستقبل القوى المنافسة والصاعدة كاليابان واوربا والهند والصين ، لان من يمسك بحنفية النفط العالمي يستطيع فرض شروطه على الاخرين المحتاجين له . ومن جهة ثالثة كانت الحسابات الاصلية للادارة الامريكية، تقوم على فرضية ان غزو العراق سيتم تمويله ذاتيا ، اي بموارد عراقية وهي النفط ، فافتراض ان العراق سيسقط ، وان الشعب العراقي سيستقبل الجيش الامريكي بالورود، كان يجب ان يقود الى توفير موارد عراقية لتمويل الغزو، دون ان تتحمل الخزينة الامريكية دولارا واحدا . واستنادا لهذه الفرضية تم التخلص من احراج مناقشة التمويل . اضافة لذلك افترضت ادارة بوش ان الغزو الناجح للعراق سيسمح بتحويله الى انموذج لشرق اوسط جديد ، تتم فيه عملية سهلة وهي اعادة تركيب ، وليس اعادة ترتيب ، كل دول المنطقة ، بطريقة توفر فرص الاستقرار السياسي على قاعدة التطبيع مع اسرائيل من جهة ، والخضوع التام للولايات المتحدة الامريكية من جهة ثانية . واذا تمت هذه العملية بنجاح فان النظام العالمي الجديد الذي تريد امريكا اقامته سيبدأ من العراق .تحريم النفط على أميركا لكن ماذا حصل ؟ لقد امسكت المقاومة بهذا الخيط الرفيع ، ولكن المتين جدا ، وقلبت المعادلة راسا على عقب ، فالنفط العراقي وهو الهدف الرئيسي للغزو ، منعت المقاومة استخدامه والسيطرة عليه ، بتبني خطة تحريم النفط على امريكا ، والان وبعد مرور حوالي العامين على الغزو ، ورغم كل الاجراءات الامريكية للسيطرة على النفط العراقي، فانه اصبح كالرمال التي تتسرب من بين الاصابع .ان ضرب خطوط لنفط ومنع تصديره قد ضمن ان الاحتلال لن يمسك بالدجاجة التي تبيض ذهبا ، وان عليه ان يصرف من الميزانية الامريكية كل تكاليف الاحتلال . وهكذا بدأ كابوس امريكا في العراق في مجال النفط ، حيث صرفت من اموال دافعي الضرائب الامريكيين مبالغ وصلت الى اكثر من 300 مليار دولار ، حسب مصادر امريكية، وهذا المبلغ يتزايد بسرعة ، لان الاحتلال مضطر لصرف اربعة مليارات ونصف الملياردولار شهريا على غزو العراق ! ولمعرفة اثار ذلك المدمرة على الاقتصاد الامريكي ، يكفي ان نشير الى ان العجز في الميزانية الفدرالية الامريكية قد ارتفع من حوالي 300 مليار دولار قبل الغزو الى 600 مليار في عام 2004 ، وسيصبح في العام الحالي ، حسب توقع الخبراء الامريكيين ، اكثر من 700 مليار دولار ! وهذا الارتفاع لا يمكن ابدا فصله عن تاثيرات غزو العراق ، لان هذا الغزو قد هدم الحسابات الاقتصادية الامريكية .
سؤال: وهل تكاليف الحرب وحدها سيجعلها تتراجع عن خططها وأهدافها في العراق؟
جواب: بالطبع كلا فازمة امريكا في العراق تشبة مشكلة التفاعل المتسلسل في علم الذرة ، فالانفجار الاول يولد سلسلة انفجارات متعاقبة ، ومنع المقاومة العراقية امريكا من السيطرة على النفط العراقي ادى ايضا الى تحرير الامم الاخرى من مخاطر ابتزازها نفطيا ، وشجعها على الدفاع عن استقلاليتها السياسية ، واقنعها بان امريكا في ورطة استنزافية في العراق ، لذلك تعرض االمشروع الامبراطوري الامريكي العالمي الى تهديد الفشل والانهيار. فالعراق الذي اريد له ان يكون عامل نجاح ودعم للتطلع الامبراطوري اصبح عامل تهديد مباشرله . وزاد الكابوس الامريكي من مظاهر القلق العميق على مستقبل امريكا ، حينما نجحت المقاومة العراقية ليس فقط في ايقاظ عقدة فيتنام فقط بل ايضا في اضافة عوامل اخرى، جعلت من عقدة العراق اشد خطرا من عقدة فيتنام . ان عقدة فيتنام نشات في بيئة كانت فيها امريكا لا تسود العالم بمفردها، لان الاتحاد السوفيتي والصين واوربا والعالم الثالث كانت تتقاسم النفوذ مع امريكا ، ومع ذلك تعرضت امريكا الى هزيمة كبرى عمقت مشكلة العجز عن تحمل الخسائر البشرية عند تجاوزها رقما معينا ، ومن ثم الانسحاب من الحرب دون التعرض لهزيمة عسكرية حاسمة ورئيسية في جبهات القتال . الان وامريكا سيدة العالم بلا منازع ، بعد ان غاب الاتحاد السوفيتي ، وحيدت الصين واوربا والهند ، تواجه امريكا عجزا عسكريا خطيرا في العراق يهدد بسقوط كافة اعمدة هيمنتها العالمية . ان معارك الفلوجة بشكل خاص ، ومعارك بقية العراق بشكل عام ، قد اكدت ان امريكا لا تستطيع قهر شعب قرر القتال والتضحية حتى النصر . ففي الفلوجة تم تحييد اغلب عناصر التفوق الامريكي العسكري والتكنولوجي المطلقين ، رغم ان اخر معارك الفلوجة الكبرى قد استمرت ثلاثة اشهر دمرت خلالها الفلوجة لكن المقاومة لم تهزم ، بل انسحبت الى مناطق محيط المدينة ثم اخذت تعود تدريجيا اليها ! فاذا كانت الفلوجة المدينة الصغيرة قد كلفت امريكا هيبتها ، واظهرت بقوة محدودية تاثير تفوقها ، فكيف ستستطيع الاستمرار في معارك مثلها وربما اشد واوسع منها ؟ بعد النفط جاء قلب المقاومة العراقية لعناصر التفوق الامريكي بجعل امريكا تدفع بارواح امريكيين وغيرالامريكيين ثمنا لغزوها للعراق . صحيح ان الادارة الامريكية لا تواجه الان رفضا شاملا لغزوها للعراق ، الا ان الخسائر المادية الباهضة والبشرية الكبيرة ستتحول تدريجيا الى عناصر ضغط على الادارة الامريكية لتجبرها على الانسحاب . لا تنسى ان الانسحاب الامريكي من فيتنام لم يحصل الا بعد حملات اعلامية كانت اغلبها فاشلة ، ولكن بعد عشر سنوات نجح الاعلام في فضح حقيقة ما يجري ، وستاتي اللحظة التي سيدرك فيها الراي العام الامريكي حقيقة الوضع في العراق ، وما التسريب المتعمد لمعلومات حول فضيحة ابو غريب وغيرها الا محاولة استباقية ، كالضربة الاستباقية ، لمنع الفضائح الاكبر والاخطر ، والتي ستتفجر حتما ، لان المقاومة العراقية لم تتراجع ابدا ، بل هي تتقدم وتتسع . فبعد معركة الفلوجة الاولى تصاعدت المقاومة المسلحة في جنوب العراق ، وبعد معركة الفلوجة الثانية نجحت المقاومة ليس فقط في نشر الثورة المسلحة في الجنوب وجعله قاعدة اساسية لها بل ايضا وصلت الثورة الى الشمال الكردي ، حيث تحدث عمليات مسلحة كثيرة ضد الطالباني والبارزاني ، رغم التعتيم الاعلامي الشديد .مائة عراقي يضم الى المقاومة مقابل كل شهيد بتضافر الاستنزاف المادي والبشري الامريكي ، واستمرار توسع الثورة المسلحة والفشل في القضاء عليها ، وانضمام مائة عراقي اليها مقابل كل شهيد يسقط ، ضمنت المقاومة الاستمرارية ، والاستمرارية في حرب العصابات تعني تقريب المحتل تدريجيا من الاقتناع بان مهمته فاشلة وانه يخسر ، وان لا امل في تحقيق كسب مادي . ان امريكا قد وصلت الان الى هذه المرحلة ، وهذا يعني ان قرار الانسحاب قد اتخذ ولكن ترك تنفيذه وتحديد موعده للمخابرات والقادة العسكريين . فكما ان غزو العراق سبقته عمليات شيطنة للقيادة العراقية وللعراق استمرت اكثر من عقدين من الزمن ، فان الانسحاب هو الاخر يحتاج لعميات اعادة غسل ادمغة الامريكيين والعالم ، لتجنب الظهور بمظهر المهزوم . وهذه الحقيقة تفسر لم يقوم مسؤولون امريكيون باطلاق تصريحات عن قوة المقاومة وصعوبة القضاء عليها ، والاعترافات المتتالية بان الاسباب التي استخدمت لشن الحرب والقيام بالغزو كانت خاطئة ... الخ
سؤال: لكن هذا التحليل نظري؟
الجواب: ردي على ذلك هو عشرات التصريحات والبيانات التي تعترف بالفشل في العراق او تتحدث عن المصاعب والخسائر ، لذلك اسمح لي بعرض بعضها فقط . ان من اهم ما قيل مؤخرا هو تقرير امريكي حول عدد من تعرضوا للتعويق ، جسديا ونفسيا في امريكا ، اصدره مركز قدامى المحاربين الامريكيين في مدينة مورجنتاو: ذكر ان عدد الجرحي والمعاقين من الجنود والمجندات باصابات خطيرة خرجوا علي اثرها من الخدمة نتيجة الحرب في العراق بلغ 48733 جندياً.. وأكد ان من بين 244045 جنديا سرحوا من الخدمة العسكرية بعد الخدمة في العراق وافغانستان اصيب 12422 جندياً باعاقات نفسية خطيرة وفي حالة اضطراب عقلي يمكن ان تؤثر علي حياة اسرهم بصورة خطيرة. صرح جيري هاريس مدير المركز بأن بعض المعاقين نفسياً يعانون من عقدة الزيف والاكتئاب والهلوسة والكوابيس والارق والانفعالات السلبية الخطيرة
سؤال: وما الذي ينطوي على هذا التقرير؟
ان وجود اكثر من 48 الف معوق امريكي بسبب الحرب ضد العراق يعني ان ما بين 150 – 200 الف امريكي يعانون من هذا العوق ، فعوائل المعوقين لا يقل عدد افرادها عن هذا الرقم المتواضع ، وهذا الواقع اشد خطورة وضرررا على امريكا من اثار حرب فيتنام ، لان 58 الف امريكي ماتوا في فيتنام وطويت صفحتهم ، والمعوقون في الحرب الفيتنامية اصاباتهم محدودة الاثر بالنظر لكونها اصابات بسيطة ، مقارنة بتعقيد الاصابات في العراق ، فمثلا ان اغلب الاصابات في فيتنام كانت بالرصاص ، وهي بالتالي جروح وندبات سهلة الاندمال ، اما في العراق فهي غالبا اصابات معقدة لانها بغالبيتها ناجمة عن متفجرات ادت لقطع اذرع او ارجل ، او اجزاء اخرى تشل الانسان عن الحركة الطبيعية . لذلك فان اثار وجود اكثر من 48 معوق ستبقى زمنا يقترب من استمرار عيش هؤلاء ، اي عقودا طويلة قد تصل الى خمسين سنة ,وهي فترة ستشهد تفاعلات عائلية واجتماعية سلبية في امريكا، من الاكيد ان اثارها ستكون اكثر عمقا واتساعا واذى من اثار حرب فيتنام .لقد دفنت المشاكل الاساسية لحرب فيتنام من الناحية الانسانية مع مقتل الجنود، اما في حالة المصابين في العراق فان مشكلتهم ستبقى حية مع حياة المعوقين نفسيا وجسديا ،اننا بازاء اموات نفسيا لكنهم احياء جسديا يتعذبون يوميا من هول ما شاهدوه في العراق من فظائع وجرائم وقسوة لا حدود لها، وذلك اقسى بكثير من الموت . اذن في حين ان اثار حرب فيتنام تندمل وتتلاشى ، بعد ان كانت مصدر الم وازعاج، فان اثار حرب العراق اكثر عمقا واذى واشد تاثيرا في حياة الناس .ألف قتيل أميركي واذا اضفنا عدد القلى الامريكيين فان الوضع النفسي والاجتماعي الامريكي يزداد تعقيدا ، والرقم المقصود هو ليس الذي تعلنه امريكا ، اي 1500 قتيل ، فهذا الرقم متوضع جدا ، ولا يعكس الحقيقة ابدا ، لان الاعتراف الامريكي بعد طول تردد وكذب ، بان عدد عمليات المقاومة يتراوح بين 80 -120 عملية في اليوم ، يقدم قاعدة متينة لتحديد الرقم التقريبي لعدد قتلى امريكا في العراق ، وتعرض المقاومة العراقية رقما اقرب الى الواقع ، وهو ان امريكا قد خسرت على الاقل 27 الف قتيل منذ غزو العراق ، وستثبت السنين القادمة صحة هذا الرقم ، او رقم قريب منه . وعند ضرب هذا الرقم بمتوسط عدد الاسرة الامريكية ، يصبح عدد من اصيبوا بضربة نفسية، من جراء مقتل ابن لهم ، هو حوالي 80 الف امريكي ! وبجمع الرقمين يصبح العدد الاجمالي لضحايا حرب امريكا ضد العراق بين 200 –220 الف امريكي ! ان هذا الرقم مهم جدا ومؤثر جدا على المجتمع الامريكي ، وهو اقوى من التعتيم الاعلامي والكذب وسياسة الاخفاء المتعمد للعدد الحقيقي للقتلى والمعوقين ، وهو سيفعل فعله تدريجيا في تقرير انهاء الحرب . وتشير المصادر الامريكية الى ان عدد الامريكيين الذين شاركوا في الحرب على العراق قد تجاوز رقم ال 900 الف امريكي ، ومن ثم فان مليوني امريكي ،على الاقل، يعرفون حقيقة الحرب هذه واثارها ونتائجها ومفاعيلها القريبة والبعيدة . نعم هناك عملية اخفاء منظم لهذه الحقائق ، لكنه اخفاء خطر لمشاكل وعقد نفسية تكونت وهي تنمو باستمرار ، وهذه العملية تشبه تماما زرع الغام دون وجود خريطة تحدد اماكنها وطريقة توزيعها ، لذلك فان من سيعاني اكثر واخطر في المستقبل هم الامريكيون . وكما ادت حرب فيتنام الى نشوء جيل كامل من المعوقين نفسيا في امريكا ، لعب دورا خطير في تدمير استقرار المجتمع وزيادة نسبة الجريمة والاضطراب الاجتماعي، فان الحرب ضد العراق قد ادت وستؤدي الى بروز مشاكل اكبر واخطر . ولعل من افضل تشخيصات طبيعة الحرب على العراق هو ذلك الذي قدمه الرئيس الامريكي السابق بيل كلنتون ، حينما أكد يوم السبت (26-2-2005 )، أنه يتوقع أن تلعب الدبلوماسية دورًا أكثر فاعلية خلال فترة الحكم الثانية الخاصة بالرئيس الأمريكي جورج بوش، وذلك بسبب حالة الإجهاد التي يعاني منها الجيش الأمريكي حاليًا.وأثناء كلمته التي وجهها أمام المنتدى الدولي في اليابان قال كلنتون: (مجرد إقدام الرئيس بوش على تعيين كوندليزا رايس في منصب وزيرة الخارجية خلال ولايته الثانية يعتبر مؤشرًا شديد الوضوح على رغبته في بداية عهد جديد يتسم بالتركيز على التحركات الدبلوماسية). وأضاف الرئيس الأمريكي السابق: 'أعتقد أنه مع تعيين كوندوليزا في وزارة الخارجية يرسل الرئيس بوش رسالة إلى العالم مفادها، أن الدبلوماسية ستحتل منزلة رفيعة خلال فترة حكمه الثانية. لأن حالة الانهيار والإجهاد الشديد التي يعاني منها الجيش تجعل الإدارة الأمريكية أكثر جنوحًا إلى طريق الدبلوماسية'.وفيما يخص بالاضطرابات الحاصلة بين الولايات المتحدة وكل من إيران وكوريا الشمالية، أكد بيل كلنتون أن واشنطن في حاجة ماسة للاستعانة بكل مهارتها الدبلوماسية للتعامل مع هذين الملفين.وأضاف: 'مع تقدير حالة الإجهاد الشديدة والتخبط اللتين يمر بهما جيشنا في هذه المرحلة، فإن أغلب رموز إدارة بوش سيميلون بشدة للحل الدبلوماسي مع إيران'.وبالنسبة لكوريا الشمالية قال الرئيس الأمريكي: 'المحادثات السداسية هامة جدًا، ولن تخسر الإدارة الأمريكية شيئًا لو تعهدت لبيونج يانج بتقديم مساعدات من أجل تمكينها من تحسين مستواها الاقتصادي'. اذن الرئيس السابق يعترف باوضاع خطيرة : أغلب رموز إدارة بوش سيميلون بشدة للحل الدبلوماسي ! كما يعترف : حالة الانهيار والإجهاد الشديد التي يعاني منها الجيش تجعل الإدارة الأمريكية أكثر جنوحًا إلى طريق الدبلوماسية'. ما معنى هذا ؟ هذا رئيس سابق يعرف الوضع جيدا ، وحينما يقول ذلك فانه يعرف ما يقول . ويمكن تلخيص المشكلة بكلمات محددة : الجيش الامريكي عاجز عن قمع الثورة المسلحة في العراق ، رغم انه اقوى جيش في العالم ، ورغم انه استخدم ارقى واعظم ما عنده من معدات وتكنولوجيا وبشر . اما الجنرال ريتشارد مايرز، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، فقد كشف عن وجه اخر مظلم للوضع الامريكي في العراق، حينما ادلى باعتراف هو الاخطر الصادر عن جهات عسكرية امريكية ،أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ حول عمليات ا لمقاومة العراقية، حيث قال( في 18 -2-2005 ) :أن المسلحين العراقيين يستطيعون شن ما يصل إلى 60 هجومًا في اليوم الواحد، وربما زاد هذا الرقم بين الحين والآخر. وأشار الجنرال مايرز إلى أن بوسع المسلحين تنفيذ ما يتراوح بين 50 و60 هجومًا يوميًا .وكانت تقارير صحافية إحصائية قد أشارت، في أوقات سابقة، إلى أن نسبة هجمات المقاومة تفوق هذا الرقم الذي ذكره مايرز بمراحل، غير أن لهذا الرقم دلالاته، كونه صدر عن رئيس هيئة الأركان الأمريكية. كما يعكس هذا التصريح زيف التصريحات التي تحدثت عن انخفاض العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال بعد إجراء الانتخابات العراقية المزورة الأخيرة . وفي الواقع فان عدد العمليات العسكرية اليومية في العراق والتي تقوم بها المقاومة العراقية ، طبقا لمصادرها ، يتراوح بين 250 -300 عملية . وهناك مشكلة اخرى معقدة تواجه الجيش الامريكي وهي نقص الاحتياط ، حيث تسود حالة من القلق في أروقة الأوساط العسكرية الأمريكية، جراء النقص الحاد الذي يواجهه الجيش الأمريكي في قوات الاحتياط في الوقت الذي تتصاعد فيه هجمات المقاومة العراقية.ويقول بعض المحللين الأمريكيين: إن سرعة وحجم انتشار القوات الأمريكية في العراق؛ جعل من أعداد قوات الاحتياط المستعدة للقتال مشكلة بالنسبة للجيش الأمريكي.ونقلت وكالة الإسوشيتد برس عن روبرت جولديش الخبير في شؤون الدفاع التابع للكونجرس قوله: بسبب الانتشار المتوقع للقوات في الصيف القادم فإن قوات الاحتياط ستتأثر كثيرًا بذلك.ويؤكد الخبراء أن أحد أسباب هذه المشكلة الإجهاد الذي تتعرض له القوات الأمريكية بسبب المقاومة العراقية، والتي لم تكن في حسبان الجيش الأمريكي قبل العدوان على العراق. وعن أعداد قوات الاحتياط المتوفرة حاليًا، يقول الحرس الوطني: إن لديه 86 ألف جندي في الاحتياط، وهو رقم أقل مما أرسل إلى العراق خلال العامين الماضيين، ولمواجهة هذا النقص قرر الحرس الوطني مضاعفة مكافأة الانضمام له ثلاث مرات.أما بالنسبة لاحتياطي الجيش؛ فيقول المسؤولون: إن 18 % فقط من قواته مهيأة للانتشار مرة ثانية، بينما تم تعبئة أغلبية قوات احتياطي سلاح البحرية لمرة واحدة على الأقل. هذه المشاكل ليست هي كل ما تواجهه امريكا ، فهناك المشكلة الاقتصادية المتفاقمة والمزمنة ، والتي لا يمكن حلها لانها تعبير عن ازمة بنيوية، اشد خطرا وعمقا، ومن المستحيل معالجها بصورة ناجحة ، وساقدم بعض مؤشرات هذه الازمة . في عام 1971 كان العجز في الميزانية الفدرالية لا يزيد على 6 مليار دولار ، وفي عام 1993 اصبح 340 مليار . وفي نهاية ادارة كلنتون خفض بشكل كبير نتيجة العدوان على العراق في عام1991 ، وما اعقبه من عمليات شراء اسلحة امريكية بكميات ضخمة من قبل حكومات الخليج العربي، اصبح العجز حوالي 60 مليار دولار، ووعد كلنتون بازالته في نهاية ادارته . لكن انخفاض هذا العجز كان نتيجة عوامل اصطناعية مؤقتة ، وهي شن الحرب على العراق ، وما فرضه ذلك من الحاجة الى شراء السلاح ، فنشطت الصناعة الحربية الامريكية وتوفرت ارباح ممتازة . وتاكد ذلك في زمن بوش الابن ، حيث عاد العجز الى مستواه السابق قبل غزو العراق ، وهو حوالي 300 دولار ، وكان مفروضا ان يؤدي غزو العراق الى توفير فرص ربح وعمل للصناعات العسكرية الامريكية ، اضافة لكون غزو العراق اساسا افترض ان السيطرة على نفط العراق سوف يوفر موارد ضخمة تمول الغزو ، من جهة ، وتسمح بتحويل العراق الى بقرة حلوب تستغلها امريكا ، من جهة ثانية . لكن هذا التخطيط قابله تخطيط عراقي مضاد عطل وافشل التخطيط الامريكي ، اذ ان المقاومة منعت تحقيق استثمار حقيقي للنفط العراقي ، فاصبحت ادارة بوش تمول الغزو من الخزينة الامريكية ، ووصلت المبالغ المصروفة حتى الان اكثر من 300 مليار دولار امريكي ، وقد ساعد ذلك ، بالتظافر مع عاملي الفشل في العراق ، والقلق الناجم عنه ، على رفع العجز في الميزانية الى 600 مليار في عام 2004 ، ويتوقع ان يرتفع في هذا العام الى اكثر من 700 مليار ! وهناك مظهر اخر للازمة البنيوية في النظام الراسمالي الامريكي ، وهي ازمة الدين العام الخطيرة ، ففي عام 1981 كان الدين العام لا يتجاوز التريليون دولار( التريليون يساوي الف مليار ) ، وقفز الدين العام في عام 1992 الى حوالي 5 تريليون دولار، وهذا الرقم يعادل حوالي 80 % من حجم الناتج القومي الامريكي . و قفز الدين الخارجي فقط الى حوالي 6 تريليون ونصف التيريليون دولار في نهاية عام 2003، طبقا لما اعلنته وزارة الخزانة الامريكية . وتاكد ان هذا الدين يزداد بصورة متصاعدة وان لا امل في خفضه او السيطرة عليه ، حينما ذكر مكتب الادارة والميزانية التابع للبيت الابيض ان الحكومة ستضيف اكثر من تريليوني دولار للدين القومي في السنوات الخمس المقبلة ، كما قالت قناة الجزيرة يوم 1-1-2004 ! واذا اضفنا لهذا الرقم الدين الداخلي ، يبدو لنا مستقبل امريكا مخيفا، لعدة اسباب، اهمها انها دولة تستهلك اكثر مما تنتج ، اي انها مدينة وتاكل بالدين ، وهذا الوضع هو مقدمة افول وتداعي اي دولة ، فكيف الحال اذا كانت هذه الدولة تواجه تحديات حربية خطيرة كتلك التي اشرنا لها ؟ اذا جمعنا ما قاله كلنتون ومايرز عن تدهور القدرة القتالية للجيش الامريكي وعدم وجود امكانية للانتصار على المقاومة ، واضفناه الى الوضع الاقتصادي المتدهور والازمة البنيوية غير القابلة للحل، يتضح لنا ان امريكا في جوهرها وواقعها دولة هشة وسهلة الاختراق وقابلة للانهيار في اي لحظة ، اذا عرف خصمها كعب اخيل فيها ، وضربها عليه ، والمقاومة العراقية تعرف على وجه الدقة اين يقع كعب اخيل امريكا ، وهي تضرب عليه بقوة . وهذا الضعف يعرفه من يقرر الخط العام للساسة الخارجية الامريكية لذلك ، فهو يدرك ان الظاهر المتماسك والقوي لامريكا ليس سوى غشاء رقيق يمكن ان يتمزق في لحظة مفاجئة . الم يحصل ذلك في فيتنام ؟ نعم انا متفائل ولكن تفاؤلي مبني على دراسة دقيقة وعلمية لطبيعة المجتمع الامريكي ، بكافة عناصر القوة والضعف فيه.
سؤال: مما لا شك فيه أن هناك معارضة شعبية في الولايات المتحدة للحرب على العراق، لكنها هزمت في فوز بوش، ثم أن حرب الولايات المتحدة اليوم ليست كحرب فيتنام بالماضي فافراد الجيش الأميركي متطوعون، ولم يجندوا اجباريا كما فيتنام، والبعض منهم مهاجرون جدد لم يتجنسوا بعد
جواب: كونهم متطوعون فهذه نقطة ضعف ولم تعد نقطة قوة ، لان المتطوعين اخذوا يبتعدون عن التطوع ،كما تعترف وزارة الدفاع الامريكية أما كونهم لا يحملون الجنسية الأمريكية فهذه كذلك نقطة ضعف مزدوجة : لان المهاجر اقنع في البداية انه ذاهب الى نزهة فاكتشف انه ذاهب الى الجحيم، فتدهورت ارقام من يريدون مقايضة الجنسية الامريكية بحياتهم ، اضافة لذلك فان من اتى مهاجرا وطلب الجنسية هرب من بلده طلبا للسلامة والرزق، لهذا فان معنوياته القتالية تحت الصفر كما اثبتت تجرية العراقسؤال: الرأي العام الأميركي يتأثر كثيراً بالاعلام. والاعلام هنا لا ينقل صورة المقاومة كما تتحدثون عنها.جواب: بعد ان اثبتت تجربة العدوان على العراق في عام 1991 وتجربة غزوه في عام 2003 ان الاعلام الامريكي المهيمن هو اعلام سلطة ، ويخدم اهداف امريكا ونخبها ، وانه لا يكتب او يبث الا ما يخدم الطغمة الحاكمة كما جسده اسلوب المراسل المدمج Embodied Correspondent، فقد الاعلام الكثير من صدقيته واتجه جزء كبير من الراي العام في امريكا واوربا الى مواقع الانترنيت ، وهذا الامر ينطبق على الفضائيات العربية ايضا ، لذلك هناك نافذة يستطيع الامريكيون الاطلال منها على احداث العالم دون الاعتماد الكلي على الاعلام التابع للمؤسسة غير الرسمية الحاكمة ، وحتى لو افترضنا ان الراي العام مغسول الدماغ تماما فان ذلك يعطل قليلا او كثيرا الانفجار الرافض للحرب ولا يمنعه كليا).
سؤال: ألا ترى أن عدد الجنود الأمريكيين الذين يسقطون في العراق، رغم تضارب الأنباء حول عددهم الحقيقي، لن يدفع على ما يبدو الأمريكيين المطالبة بالانسحاب، وخصوصاً أنهم صدقوا رئيسهم بأن العراق هو مركز الحرب على الارهاب، ولا بد لهم أن يخوضوا هذه الحرب كي لا يأتي الارهابيون ويضربونهم ثانية في عقر دارهم.
جواب: يوما بعد اخر يدرك الامريكيون ان ابناءهم يقتلون في العراق ، ويزداد عدد العوائل المكلومة بفقد ابن لها ، ولذلك تنشأ حركة شبه منظمة تتألف من عوائل ضحايا الحرب الامريكيين ، وكلما زاد عدد هؤلاء تكبر الحركة ويزداد تاثيرها ، وليس صحيحا ان بالامكان اخفاء الحقائق والسيطرة على ردود الافعال بصورة تامة ، واذا كان ادراك الامريكيين للحقائق يسير ببطئ نتيجة خطة استعباد الامريكيين وجعلهم مخلوقات تستهلك نمط مختار لهم بقصدية من المعلومات ، كما يختار لهم الطعام بواسطة الدعاية ، فان تلك حالة مؤقتة ، والدليل هو بدأ الكشف عن ان التهم التي وجهت للعراق لتبرير غزوه قد تم الاعتراف رسميا بانها كانت مجموعة تلفيقات .
سؤال: قد تحاول الولايات المتحدة الى الانسحاب المنظم كما وصفته، ولكنها منذ البداية لم يكن من خططها البقاء في العراق، بل هدفها استعماره ومصادرة ارادته
جواب: هناك تناقض في السؤال : اذ كيف تريد امريكا استعمار العراق دون البقاء فيه ؟ ان الاستعمار لا يمكن ان يقوم الا باحتلال الارض والبقاء فيها لادارة المستعمرة ، هذه نقطة ، اما النقطة الاخرى فهي انه لم يكن من خطط امريكا البقاء في العراق ، وهذا امر غير صحيح تماما ، لان الغزو بالاصل هو خطوة ستراتيجية عظمى في مخطط كوني للسيطرة على العالم واقامة امبراطورية امريكية عالمية انطلاقا من العراق ، انت تذكر ان التصريحات الرسمية التي صدرت من جنرالات ومسؤولين رسميين في الكونغرس ، ومن رموز المحافظون الجدد كريتشارد بيرل وبول ولفووتز وغيرهم قد اكدت بحزم وحسم تامين ان مدة بقاء امريكا في العراق غير محددة وانها قد تتراوح بين 20 – 25 سنة ، واستنادا على ذلك تقرر بناء 14 قاعدة عسكرية رئيسية في العراق ، واعلن رسميا ان العراق سيكون انموذجا للشرق الاوسط الجديد ).
سؤال: واضح أنكم متفاءلون بقرب اندحار القوات الأمريكية من العراق، لكن تحليلكم لمجرى الأمور والأوضاع يبتعد عن تناول المشهد الأميركي الداخلي الذي له تأثير قوي على مصير الاحتلال الأميركي للعراق.
الجواب: المشهد الامريكي الظاهري ليس هو المعيار الصحيح اثناء تحليل الاحداث ، رغم انه مؤشر مهم جدا يؤكد كل تحليلاتنا ، بل ان المشهد الامريكي المموه وغير المرئي بوضوح هو المعيار الحاسم ، وهذا المشهد يتأثر بشدة بما يجري في العراق . ما الذي اقصده ؟ ان من يحكم امريكا ليس الرئيس ولا الكونغرس في الواقع، بل القوى الاقتصادية العظمى ، فالرئيس والكونغرس والاعلام واللوبيات، انما تمثل مصالح كتل عظمى اقتصادية ، وهؤلاء وصلوا الى مواقعهم بفضل عقد جنتلمن يقوم على تبادل الخدمات ، وهنا تكمن قوة امريكا وعناصر ضعفها بنفس الوقت ، فالادراة هي مسوق لمصالح القوى الاقتصادية العظمى ، وهي مصالح اقتصادية وليست اعمالا خيرية ، لذلك فان ما يقرر الموقف الامريكي في نهاية المطاف هو ميزان الخسارة والربح وليس اي اعتبار اخلاقي او سياسي . ان امريكا ليست امة وانما هي شركة كبرى لها مصالح ، بل ان الادارة الحالية هي الادارة الاكثر خضوعا للمصالح الاقتصادية ، وما قصة شركة هالبرتون وشركات النفط الا مثال واضح على ذلك . وغطاء التدين ( الاصولية المسيحية ) ما هو الا حيلة ايديولوجية مفضوحة لا تختلف عن حيلة امراء الاقطاع الاوربي اثناء الحروب الصليبيبة . ومن مفارقات ازمنتنا الغريبة هزيمة الايديولوجية البرجوازية امام اللايديولوجية الشيوعية ، رغم ان الاخيرة كانت هي الاخرى تحتضر ، الا انها كانت تملك جاذبية كانت كافية لدحر الايديولوجيا البورجوازية . وساهمت، بقوة وحسم ، حركات التحرر في العالم الثالث في السبعينات من القرن الماضي في عزل ودحر الراسمالية وايديولوجيتها ، و كان ذلك هو المحرك الاساسي لاستخدام سلاح الاصولية الدينية . علينا ان لاننسى ان الاصولية الدينية قد انطلقت مباشرة بعد هزيمة امريكا في فيتنام ، والسقوط الصريح لمنطق وحيل البورجوازية الفكرية ، وكانت اول اصولية تطلق وتشجع هي الاصولية المسيحية ، ممثلة في بابا الفاتيكان الحالي الذي استخدم لزرع بذور انهيار الشيوعية الاوربية الحاكمة ، انطلاقا من بولونيا ونقابة التضامن فيها . بعد ذلك اطلقت الاصولية اليهودية واوصلت الى السلطة في اسرائيل بفوز الليكود ، وعلى الصعيد الاسلامي تبنت امريكا الاصولية الاسلامية في افغانستان ضد الاتحاد السوفيتي . هذا التوقيت والتزامن ليسا صدفة بل هما ثمرة تخطيط تعويضي قامت به المخابرات الامريكية لفبركة قوى نشطة تستطيع دحر الشيوعية واعادة الامل للراسمالية المهزومة .صفقة تجاريةاذن نحن لسنا بصدد موجة تدين مسيحية يمثلها المحافظون الجدد او جورج بوش ، بل نحن بازاء موجة توسع راسمالي جديدة في (مستعمرات جديدة ) ، والاصولية المسيحية الحالية ليست سوى غطاء ايديولوجي لهذه الموجة ، وهو امر يدركه قادتها ، تماما كما ادرك اقطاعيوا القرون الوسطى انهم لم يكونوا يذهبون للشرق لحماية المقدسات المسيحية بل للنهب والسيطرة . انني اذ اذكر بكل ذلك فلانني اريد ان الفت النظر الى الطبيعة الاستعمارية لغزو العراق ، وهي بالتالي غزوة تخضع للقواعد التي تخضع لها اي صفقة تجارية اي الربح والخسارة . ففي اللحظة التي يتم التاكد فيها من ان كفة الخسارة قد تغلبت وان لا امل في تغيير ذلك ، سيتخذ نفس من قرر غزو العراق قرار الانسحاب منه ، لان الراسمالية بشكل عام والراسمالية الامريكية بشكل خاص غير مستعدة على الاطلاق للتعرض لخسائر كبرى من المستحيل تعويضها . ان المشهد الداخلي الامريكي كالظاهري يبدو وكانه لم يتاثر بهزائم امريكا في العراق، للاسباب التي ذكرتها ، ولكن المشهد الداخلي الامريكي الاخر ، اي مشهد من اتخذوا قرار غزو العراق ودفعوا الادارة لتنفيذه، وهي الشركات الكبرى التي رأت في العراق جائزة ثمينة جدا ، يدركون بعمق طبيعة مأزق امريكا في العراق ، وهو مأزق مدمر وقاتل لمستقبل امريكا ومصالحها الستراتيجية البعيدة المدى ، لان الجائزة الثمينة هذه تحولت الى خرم ابرة استنزاف سريع وخطر جدا .دعني اذكرك باساسيات خطة غزو العراق كي تعرف لم انا متفائل من اقتراب نصر المقاومة العراقية المسلحة . كانت الفرضية الاساسية هي ان وضع اليد على العراق سيؤمن لامريكا مستقبلا نفطيا مشرقا يزيل الخوف من ازمة طاقة قادمة ، توقعها تقرير المخابرات الامريكية للخمسة عشر سنة القادمة ، من جهة كما يؤمن لها سلاحا جبارا للابتزاز تستطيع استخدامه لتركيع العالم، دون الاضطرار لخوض حروب عسكرية لا تستطيع امريكا تحمل تكاليفها البشرية والمادية ، من جهة ثانية . فاذا سيطرت امريكا على منابع النفط العراقية وضمتها الى بقية المنابع التي تسيطر عليها حاليا تمسك بمسقبل الطاقة ، ومن ثم تتحكم بمستقبل القوى المنافسة والصاعدة كاليابان واوربا والهند والصين ، لان من يمسك بحنفية النفط العالمي يستطيع فرض شروطه على الاخرين المحتاجين له . ومن جهة ثالثة كانت الحسابات الاصلية للادارة الامريكية، تقوم على فرضية ان غزو العراق سيتم تمويله ذاتيا ، اي بموارد عراقية وهي النفط ، فافتراض ان العراق سيسقط ، وان الشعب العراقي سيستقبل الجيش الامريكي بالورود، كان يجب ان يقود الى توفير موارد عراقية لتمويل الغزو، دون ان تتحمل الخزينة الامريكية دولارا واحدا . واستنادا لهذه الفرضية تم التخلص من احراج مناقشة التمويل . اضافة لذلك افترضت ادارة بوش ان الغزو الناجح للعراق سيسمح بتحويله الى انموذج لشرق اوسط جديد ، تتم فيه عملية سهلة وهي اعادة تركيب ، وليس اعادة ترتيب ، كل دول المنطقة ، بطريقة توفر فرص الاستقرار السياسي على قاعدة التطبيع مع اسرائيل من جهة ، والخضوع التام للولايات المتحدة الامريكية من جهة ثانية . واذا تمت هذه العملية بنجاح فان النظام العالمي الجديد الذي تريد امريكا اقامته سيبدأ من العراق .تحريم النفط على أميركا لكن ماذا حصل ؟ لقد امسكت المقاومة بهذا الخيط الرفيع ، ولكن المتين جدا ، وقلبت المعادلة راسا على عقب ، فالنفط العراقي وهو الهدف الرئيسي للغزو ، منعت المقاومة استخدامه والسيطرة عليه ، بتبني خطة تحريم النفط على امريكا ، والان وبعد مرور حوالي العامين على الغزو ، ورغم كل الاجراءات الامريكية للسيطرة على النفط العراقي، فانه اصبح كالرمال التي تتسرب من بين الاصابع .ان ضرب خطوط لنفط ومنع تصديره قد ضمن ان الاحتلال لن يمسك بالدجاجة التي تبيض ذهبا ، وان عليه ان يصرف من الميزانية الامريكية كل تكاليف الاحتلال . وهكذا بدأ كابوس امريكا في العراق في مجال النفط ، حيث صرفت من اموال دافعي الضرائب الامريكيين مبالغ وصلت الى اكثر من 300 مليار دولار ، حسب مصادر امريكية، وهذا المبلغ يتزايد بسرعة ، لان الاحتلال مضطر لصرف اربعة مليارات ونصف الملياردولار شهريا على غزو العراق ! ولمعرفة اثار ذلك المدمرة على الاقتصاد الامريكي ، يكفي ان نشير الى ان العجز في الميزانية الفدرالية الامريكية قد ارتفع من حوالي 300 مليار دولار قبل الغزو الى 600 مليار في عام 2004 ، وسيصبح في العام الحالي ، حسب توقع الخبراء الامريكيين ، اكثر من 700 مليار دولار ! وهذا الارتفاع لا يمكن ابدا فصله عن تاثيرات غزو العراق ، لان هذا الغزو قد هدم الحسابات الاقتصادية الامريكية .
سؤال: وهل تكاليف الحرب وحدها سيجعلها تتراجع عن خططها وأهدافها في العراق؟
جواب: بالطبع كلا فازمة امريكا في العراق تشبة مشكلة التفاعل المتسلسل في علم الذرة ، فالانفجار الاول يولد سلسلة انفجارات متعاقبة ، ومنع المقاومة العراقية امريكا من السيطرة على النفط العراقي ادى ايضا الى تحرير الامم الاخرى من مخاطر ابتزازها نفطيا ، وشجعها على الدفاع عن استقلاليتها السياسية ، واقنعها بان امريكا في ورطة استنزافية في العراق ، لذلك تعرض االمشروع الامبراطوري الامريكي العالمي الى تهديد الفشل والانهيار. فالعراق الذي اريد له ان يكون عامل نجاح ودعم للتطلع الامبراطوري اصبح عامل تهديد مباشرله . وزاد الكابوس الامريكي من مظاهر القلق العميق على مستقبل امريكا ، حينما نجحت المقاومة العراقية ليس فقط في ايقاظ عقدة فيتنام فقط بل ايضا في اضافة عوامل اخرى، جعلت من عقدة العراق اشد خطرا من عقدة فيتنام . ان عقدة فيتنام نشات في بيئة كانت فيها امريكا لا تسود العالم بمفردها، لان الاتحاد السوفيتي والصين واوربا والعالم الثالث كانت تتقاسم النفوذ مع امريكا ، ومع ذلك تعرضت امريكا الى هزيمة كبرى عمقت مشكلة العجز عن تحمل الخسائر البشرية عند تجاوزها رقما معينا ، ومن ثم الانسحاب من الحرب دون التعرض لهزيمة عسكرية حاسمة ورئيسية في جبهات القتال . الان وامريكا سيدة العالم بلا منازع ، بعد ان غاب الاتحاد السوفيتي ، وحيدت الصين واوربا والهند ، تواجه امريكا عجزا عسكريا خطيرا في العراق يهدد بسقوط كافة اعمدة هيمنتها العالمية . ان معارك الفلوجة بشكل خاص ، ومعارك بقية العراق بشكل عام ، قد اكدت ان امريكا لا تستطيع قهر شعب قرر القتال والتضحية حتى النصر . ففي الفلوجة تم تحييد اغلب عناصر التفوق الامريكي العسكري والتكنولوجي المطلقين ، رغم ان اخر معارك الفلوجة الكبرى قد استمرت ثلاثة اشهر دمرت خلالها الفلوجة لكن المقاومة لم تهزم ، بل انسحبت الى مناطق محيط المدينة ثم اخذت تعود تدريجيا اليها ! فاذا كانت الفلوجة المدينة الصغيرة قد كلفت امريكا هيبتها ، واظهرت بقوة محدودية تاثير تفوقها ، فكيف ستستطيع الاستمرار في معارك مثلها وربما اشد واوسع منها ؟ بعد النفط جاء قلب المقاومة العراقية لعناصر التفوق الامريكي بجعل امريكا تدفع بارواح امريكيين وغيرالامريكيين ثمنا لغزوها للعراق . صحيح ان الادارة الامريكية لا تواجه الان رفضا شاملا لغزوها للعراق ، الا ان الخسائر المادية الباهضة والبشرية الكبيرة ستتحول تدريجيا الى عناصر ضغط على الادارة الامريكية لتجبرها على الانسحاب . لا تنسى ان الانسحاب الامريكي من فيتنام لم يحصل الا بعد حملات اعلامية كانت اغلبها فاشلة ، ولكن بعد عشر سنوات نجح الاعلام في فضح حقيقة ما يجري ، وستاتي اللحظة التي سيدرك فيها الراي العام الامريكي حقيقة الوضع في العراق ، وما التسريب المتعمد لمعلومات حول فضيحة ابو غريب وغيرها الا محاولة استباقية ، كالضربة الاستباقية ، لمنع الفضائح الاكبر والاخطر ، والتي ستتفجر حتما ، لان المقاومة العراقية لم تتراجع ابدا ، بل هي تتقدم وتتسع . فبعد معركة الفلوجة الاولى تصاعدت المقاومة المسلحة في جنوب العراق ، وبعد معركة الفلوجة الثانية نجحت المقاومة ليس فقط في نشر الثورة المسلحة في الجنوب وجعله قاعدة اساسية لها بل ايضا وصلت الثورة الى الشمال الكردي ، حيث تحدث عمليات مسلحة كثيرة ضد الطالباني والبارزاني ، رغم التعتيم الاعلامي الشديد .مائة عراقي يضم الى المقاومة مقابل كل شهيد بتضافر الاستنزاف المادي والبشري الامريكي ، واستمرار توسع الثورة المسلحة والفشل في القضاء عليها ، وانضمام مائة عراقي اليها مقابل كل شهيد يسقط ، ضمنت المقاومة الاستمرارية ، والاستمرارية في حرب العصابات تعني تقريب المحتل تدريجيا من الاقتناع بان مهمته فاشلة وانه يخسر ، وان لا امل في تحقيق كسب مادي . ان امريكا قد وصلت الان الى هذه المرحلة ، وهذا يعني ان قرار الانسحاب قد اتخذ ولكن ترك تنفيذه وتحديد موعده للمخابرات والقادة العسكريين . فكما ان غزو العراق سبقته عمليات شيطنة للقيادة العراقية وللعراق استمرت اكثر من عقدين من الزمن ، فان الانسحاب هو الاخر يحتاج لعميات اعادة غسل ادمغة الامريكيين والعالم ، لتجنب الظهور بمظهر المهزوم . وهذه الحقيقة تفسر لم يقوم مسؤولون امريكيون باطلاق تصريحات عن قوة المقاومة وصعوبة القضاء عليها ، والاعترافات المتتالية بان الاسباب التي استخدمت لشن الحرب والقيام بالغزو كانت خاطئة ... الخ
سؤال: لكن هذا التحليل نظري؟
الجواب: ردي على ذلك هو عشرات التصريحات والبيانات التي تعترف بالفشل في العراق او تتحدث عن المصاعب والخسائر ، لذلك اسمح لي بعرض بعضها فقط . ان من اهم ما قيل مؤخرا هو تقرير امريكي حول عدد من تعرضوا للتعويق ، جسديا ونفسيا في امريكا ، اصدره مركز قدامى المحاربين الامريكيين في مدينة مورجنتاو: ذكر ان عدد الجرحي والمعاقين من الجنود والمجندات باصابات خطيرة خرجوا علي اثرها من الخدمة نتيجة الحرب في العراق بلغ 48733 جندياً.. وأكد ان من بين 244045 جنديا سرحوا من الخدمة العسكرية بعد الخدمة في العراق وافغانستان اصيب 12422 جندياً باعاقات نفسية خطيرة وفي حالة اضطراب عقلي يمكن ان تؤثر علي حياة اسرهم بصورة خطيرة. صرح جيري هاريس مدير المركز بأن بعض المعاقين نفسياً يعانون من عقدة الزيف والاكتئاب والهلوسة والكوابيس والارق والانفعالات السلبية الخطيرة
سؤال: وما الذي ينطوي على هذا التقرير؟
ان وجود اكثر من 48 الف معوق امريكي بسبب الحرب ضد العراق يعني ان ما بين 150 – 200 الف امريكي يعانون من هذا العوق ، فعوائل المعوقين لا يقل عدد افرادها عن هذا الرقم المتواضع ، وهذا الواقع اشد خطورة وضرررا على امريكا من اثار حرب فيتنام ، لان 58 الف امريكي ماتوا في فيتنام وطويت صفحتهم ، والمعوقون في الحرب الفيتنامية اصاباتهم محدودة الاثر بالنظر لكونها اصابات بسيطة ، مقارنة بتعقيد الاصابات في العراق ، فمثلا ان اغلب الاصابات في فيتنام كانت بالرصاص ، وهي بالتالي جروح وندبات سهلة الاندمال ، اما في العراق فهي غالبا اصابات معقدة لانها بغالبيتها ناجمة عن متفجرات ادت لقطع اذرع او ارجل ، او اجزاء اخرى تشل الانسان عن الحركة الطبيعية . لذلك فان اثار وجود اكثر من 48 معوق ستبقى زمنا يقترب من استمرار عيش هؤلاء ، اي عقودا طويلة قد تصل الى خمسين سنة ,وهي فترة ستشهد تفاعلات عائلية واجتماعية سلبية في امريكا، من الاكيد ان اثارها ستكون اكثر عمقا واتساعا واذى من اثار حرب فيتنام .لقد دفنت المشاكل الاساسية لحرب فيتنام من الناحية الانسانية مع مقتل الجنود، اما في حالة المصابين في العراق فان مشكلتهم ستبقى حية مع حياة المعوقين نفسيا وجسديا ،اننا بازاء اموات نفسيا لكنهم احياء جسديا يتعذبون يوميا من هول ما شاهدوه في العراق من فظائع وجرائم وقسوة لا حدود لها، وذلك اقسى بكثير من الموت . اذن في حين ان اثار حرب فيتنام تندمل وتتلاشى ، بعد ان كانت مصدر الم وازعاج، فان اثار حرب العراق اكثر عمقا واذى واشد تاثيرا في حياة الناس .ألف قتيل أميركي واذا اضفنا عدد القلى الامريكيين فان الوضع النفسي والاجتماعي الامريكي يزداد تعقيدا ، والرقم المقصود هو ليس الذي تعلنه امريكا ، اي 1500 قتيل ، فهذا الرقم متوضع جدا ، ولا يعكس الحقيقة ابدا ، لان الاعتراف الامريكي بعد طول تردد وكذب ، بان عدد عمليات المقاومة يتراوح بين 80 -120 عملية في اليوم ، يقدم قاعدة متينة لتحديد الرقم التقريبي لعدد قتلى امريكا في العراق ، وتعرض المقاومة العراقية رقما اقرب الى الواقع ، وهو ان امريكا قد خسرت على الاقل 27 الف قتيل منذ غزو العراق ، وستثبت السنين القادمة صحة هذا الرقم ، او رقم قريب منه . وعند ضرب هذا الرقم بمتوسط عدد الاسرة الامريكية ، يصبح عدد من اصيبوا بضربة نفسية، من جراء مقتل ابن لهم ، هو حوالي 80 الف امريكي ! وبجمع الرقمين يصبح العدد الاجمالي لضحايا حرب امريكا ضد العراق بين 200 –220 الف امريكي ! ان هذا الرقم مهم جدا ومؤثر جدا على المجتمع الامريكي ، وهو اقوى من التعتيم الاعلامي والكذب وسياسة الاخفاء المتعمد للعدد الحقيقي للقتلى والمعوقين ، وهو سيفعل فعله تدريجيا في تقرير انهاء الحرب . وتشير المصادر الامريكية الى ان عدد الامريكيين الذين شاركوا في الحرب على العراق قد تجاوز رقم ال 900 الف امريكي ، ومن ثم فان مليوني امريكي ،على الاقل، يعرفون حقيقة الحرب هذه واثارها ونتائجها ومفاعيلها القريبة والبعيدة . نعم هناك عملية اخفاء منظم لهذه الحقائق ، لكنه اخفاء خطر لمشاكل وعقد نفسية تكونت وهي تنمو باستمرار ، وهذه العملية تشبه تماما زرع الغام دون وجود خريطة تحدد اماكنها وطريقة توزيعها ، لذلك فان من سيعاني اكثر واخطر في المستقبل هم الامريكيون . وكما ادت حرب فيتنام الى نشوء جيل كامل من المعوقين نفسيا في امريكا ، لعب دورا خطير في تدمير استقرار المجتمع وزيادة نسبة الجريمة والاضطراب الاجتماعي، فان الحرب ضد العراق قد ادت وستؤدي الى بروز مشاكل اكبر واخطر . ولعل من افضل تشخيصات طبيعة الحرب على العراق هو ذلك الذي قدمه الرئيس الامريكي السابق بيل كلنتون ، حينما أكد يوم السبت (26-2-2005 )، أنه يتوقع أن تلعب الدبلوماسية دورًا أكثر فاعلية خلال فترة الحكم الثانية الخاصة بالرئيس الأمريكي جورج بوش، وذلك بسبب حالة الإجهاد التي يعاني منها الجيش الأمريكي حاليًا.وأثناء كلمته التي وجهها أمام المنتدى الدولي في اليابان قال كلنتون: (مجرد إقدام الرئيس بوش على تعيين كوندليزا رايس في منصب وزيرة الخارجية خلال ولايته الثانية يعتبر مؤشرًا شديد الوضوح على رغبته في بداية عهد جديد يتسم بالتركيز على التحركات الدبلوماسية). وأضاف الرئيس الأمريكي السابق: 'أعتقد أنه مع تعيين كوندوليزا في وزارة الخارجية يرسل الرئيس بوش رسالة إلى العالم مفادها، أن الدبلوماسية ستحتل منزلة رفيعة خلال فترة حكمه الثانية. لأن حالة الانهيار والإجهاد الشديد التي يعاني منها الجيش تجعل الإدارة الأمريكية أكثر جنوحًا إلى طريق الدبلوماسية'.وفيما يخص بالاضطرابات الحاصلة بين الولايات المتحدة وكل من إيران وكوريا الشمالية، أكد بيل كلنتون أن واشنطن في حاجة ماسة للاستعانة بكل مهارتها الدبلوماسية للتعامل مع هذين الملفين.وأضاف: 'مع تقدير حالة الإجهاد الشديدة والتخبط اللتين يمر بهما جيشنا في هذه المرحلة، فإن أغلب رموز إدارة بوش سيميلون بشدة للحل الدبلوماسي مع إيران'.وبالنسبة لكوريا الشمالية قال الرئيس الأمريكي: 'المحادثات السداسية هامة جدًا، ولن تخسر الإدارة الأمريكية شيئًا لو تعهدت لبيونج يانج بتقديم مساعدات من أجل تمكينها من تحسين مستواها الاقتصادي'. اذن الرئيس السابق يعترف باوضاع خطيرة : أغلب رموز إدارة بوش سيميلون بشدة للحل الدبلوماسي ! كما يعترف : حالة الانهيار والإجهاد الشديد التي يعاني منها الجيش تجعل الإدارة الأمريكية أكثر جنوحًا إلى طريق الدبلوماسية'. ما معنى هذا ؟ هذا رئيس سابق يعرف الوضع جيدا ، وحينما يقول ذلك فانه يعرف ما يقول . ويمكن تلخيص المشكلة بكلمات محددة : الجيش الامريكي عاجز عن قمع الثورة المسلحة في العراق ، رغم انه اقوى جيش في العالم ، ورغم انه استخدم ارقى واعظم ما عنده من معدات وتكنولوجيا وبشر . اما الجنرال ريتشارد مايرز، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، فقد كشف عن وجه اخر مظلم للوضع الامريكي في العراق، حينما ادلى باعتراف هو الاخطر الصادر عن جهات عسكرية امريكية ،أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ حول عمليات ا لمقاومة العراقية، حيث قال( في 18 -2-2005 ) :أن المسلحين العراقيين يستطيعون شن ما يصل إلى 60 هجومًا في اليوم الواحد، وربما زاد هذا الرقم بين الحين والآخر. وأشار الجنرال مايرز إلى أن بوسع المسلحين تنفيذ ما يتراوح بين 50 و60 هجومًا يوميًا .وكانت تقارير صحافية إحصائية قد أشارت، في أوقات سابقة، إلى أن نسبة هجمات المقاومة تفوق هذا الرقم الذي ذكره مايرز بمراحل، غير أن لهذا الرقم دلالاته، كونه صدر عن رئيس هيئة الأركان الأمريكية. كما يعكس هذا التصريح زيف التصريحات التي تحدثت عن انخفاض العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال بعد إجراء الانتخابات العراقية المزورة الأخيرة . وفي الواقع فان عدد العمليات العسكرية اليومية في العراق والتي تقوم بها المقاومة العراقية ، طبقا لمصادرها ، يتراوح بين 250 -300 عملية . وهناك مشكلة اخرى معقدة تواجه الجيش الامريكي وهي نقص الاحتياط ، حيث تسود حالة من القلق في أروقة الأوساط العسكرية الأمريكية، جراء النقص الحاد الذي يواجهه الجيش الأمريكي في قوات الاحتياط في الوقت الذي تتصاعد فيه هجمات المقاومة العراقية.ويقول بعض المحللين الأمريكيين: إن سرعة وحجم انتشار القوات الأمريكية في العراق؛ جعل من أعداد قوات الاحتياط المستعدة للقتال مشكلة بالنسبة للجيش الأمريكي.ونقلت وكالة الإسوشيتد برس عن روبرت جولديش الخبير في شؤون الدفاع التابع للكونجرس قوله: بسبب الانتشار المتوقع للقوات في الصيف القادم فإن قوات الاحتياط ستتأثر كثيرًا بذلك.ويؤكد الخبراء أن أحد أسباب هذه المشكلة الإجهاد الذي تتعرض له القوات الأمريكية بسبب المقاومة العراقية، والتي لم تكن في حسبان الجيش الأمريكي قبل العدوان على العراق. وعن أعداد قوات الاحتياط المتوفرة حاليًا، يقول الحرس الوطني: إن لديه 86 ألف جندي في الاحتياط، وهو رقم أقل مما أرسل إلى العراق خلال العامين الماضيين، ولمواجهة هذا النقص قرر الحرس الوطني مضاعفة مكافأة الانضمام له ثلاث مرات.أما بالنسبة لاحتياطي الجيش؛ فيقول المسؤولون: إن 18 % فقط من قواته مهيأة للانتشار مرة ثانية، بينما تم تعبئة أغلبية قوات احتياطي سلاح البحرية لمرة واحدة على الأقل. هذه المشاكل ليست هي كل ما تواجهه امريكا ، فهناك المشكلة الاقتصادية المتفاقمة والمزمنة ، والتي لا يمكن حلها لانها تعبير عن ازمة بنيوية، اشد خطرا وعمقا، ومن المستحيل معالجها بصورة ناجحة ، وساقدم بعض مؤشرات هذه الازمة . في عام 1971 كان العجز في الميزانية الفدرالية لا يزيد على 6 مليار دولار ، وفي عام 1993 اصبح 340 مليار . وفي نهاية ادارة كلنتون خفض بشكل كبير نتيجة العدوان على العراق في عام1991 ، وما اعقبه من عمليات شراء اسلحة امريكية بكميات ضخمة من قبل حكومات الخليج العربي، اصبح العجز حوالي 60 مليار دولار، ووعد كلنتون بازالته في نهاية ادارته . لكن انخفاض هذا العجز كان نتيجة عوامل اصطناعية مؤقتة ، وهي شن الحرب على العراق ، وما فرضه ذلك من الحاجة الى شراء السلاح ، فنشطت الصناعة الحربية الامريكية وتوفرت ارباح ممتازة . وتاكد ذلك في زمن بوش الابن ، حيث عاد العجز الى مستواه السابق قبل غزو العراق ، وهو حوالي 300 دولار ، وكان مفروضا ان يؤدي غزو العراق الى توفير فرص ربح وعمل للصناعات العسكرية الامريكية ، اضافة لكون غزو العراق اساسا افترض ان السيطرة على نفط العراق سوف يوفر موارد ضخمة تمول الغزو ، من جهة ، وتسمح بتحويل العراق الى بقرة حلوب تستغلها امريكا ، من جهة ثانية . لكن هذا التخطيط قابله تخطيط عراقي مضاد عطل وافشل التخطيط الامريكي ، اذ ان المقاومة منعت تحقيق استثمار حقيقي للنفط العراقي ، فاصبحت ادارة بوش تمول الغزو من الخزينة الامريكية ، ووصلت المبالغ المصروفة حتى الان اكثر من 300 مليار دولار امريكي ، وقد ساعد ذلك ، بالتظافر مع عاملي الفشل في العراق ، والقلق الناجم عنه ، على رفع العجز في الميزانية الى 600 مليار في عام 2004 ، ويتوقع ان يرتفع في هذا العام الى اكثر من 700 مليار ! وهناك مظهر اخر للازمة البنيوية في النظام الراسمالي الامريكي ، وهي ازمة الدين العام الخطيرة ، ففي عام 1981 كان الدين العام لا يتجاوز التريليون دولار( التريليون يساوي الف مليار ) ، وقفز الدين العام في عام 1992 الى حوالي 5 تريليون دولار، وهذا الرقم يعادل حوالي 80 % من حجم الناتج القومي الامريكي . و قفز الدين الخارجي فقط الى حوالي 6 تريليون ونصف التيريليون دولار في نهاية عام 2003، طبقا لما اعلنته وزارة الخزانة الامريكية . وتاكد ان هذا الدين يزداد بصورة متصاعدة وان لا امل في خفضه او السيطرة عليه ، حينما ذكر مكتب الادارة والميزانية التابع للبيت الابيض ان الحكومة ستضيف اكثر من تريليوني دولار للدين القومي في السنوات الخمس المقبلة ، كما قالت قناة الجزيرة يوم 1-1-2004 ! واذا اضفنا لهذا الرقم الدين الداخلي ، يبدو لنا مستقبل امريكا مخيفا، لعدة اسباب، اهمها انها دولة تستهلك اكثر مما تنتج ، اي انها مدينة وتاكل بالدين ، وهذا الوضع هو مقدمة افول وتداعي اي دولة ، فكيف الحال اذا كانت هذه الدولة تواجه تحديات حربية خطيرة كتلك التي اشرنا لها ؟ اذا جمعنا ما قاله كلنتون ومايرز عن تدهور القدرة القتالية للجيش الامريكي وعدم وجود امكانية للانتصار على المقاومة ، واضفناه الى الوضع الاقتصادي المتدهور والازمة البنيوية غير القابلة للحل، يتضح لنا ان امريكا في جوهرها وواقعها دولة هشة وسهلة الاختراق وقابلة للانهيار في اي لحظة ، اذا عرف خصمها كعب اخيل فيها ، وضربها عليه ، والمقاومة العراقية تعرف على وجه الدقة اين يقع كعب اخيل امريكا ، وهي تضرب عليه بقوة . وهذا الضعف يعرفه من يقرر الخط العام للساسة الخارجية الامريكية لذلك ، فهو يدرك ان الظاهر المتماسك والقوي لامريكا ليس سوى غشاء رقيق يمكن ان يتمزق في لحظة مفاجئة . الم يحصل ذلك في فيتنام ؟ نعم انا متفائل ولكن تفاؤلي مبني على دراسة دقيقة وعلمية لطبيعة المجتمع الامريكي ، بكافة عناصر القوة والضعف فيه.