المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إني أتهم



منصور بالله
10-03-2005, 08:50 PM
إني أتهم

شبكة البصرة

ياسين أحمد

منذ الزيارة المشئومة التي قام بها الرئيس السادات إلى الكيان الصهيوني، برزت للأسف ظاهرة فقدان الحياء الوطني للكثيرين وأصبحت الخيانة وجهة نظر. وإذا كان بعض الحكام العرب ممن كانوا على صلات وثيقة مع من كان يستعمر أقطارنا، يدارون علاقاتهم تلك ويفلسفونها على أنها علاقات مع من يمتلك بيده السلطة والسلطان (أيام أنظمة الانتداب) وكانوا ينكرون تجاهلهم للمصالح الوطنية ويبدون الغضب عند اتهامهم بالخيانة، أو التعاون مع العدو، ويتجنبون التقاط الصور معهم، أو الظهور علانية على الملأ وإن حدث ذلك، فلابد أن نعترف أنها كانت صورا محتشمة وظهورا يتسم بالرزانة، فلم نلحظ يوماَ أن أحدهم يقطع خدود المستعمر القاتل بالقبلات، يهصره وينصهر معه في عناق عاطفي حميم، وما خفي كان أعظم.

وهمنا لا يقتصر عند هذا الحد، فما نراه ونسمعه، مما يدور في العراق الواقع بين براثن الاحتلال. وإذا كان تأريخ العرب ما زال يشير إلى أبو رغال، الخائن الذي دل جيوش أبرهة الإثيوبي إلى مكة، فأن أبراهام الألفية الثالثة لعنه الله، لديه الكثير من الوسائل و الأدوات ما يعبأ فصائلاً من صنف أبو رغال ولكن مع الفارق أن جوقة الخونة الجدد أوسع وأكبر وذوو تخصصات عديدة، فبعضهم قد تخصص بالعزف الناعم والآخر بالصاخب متأثراَ بعمق بموسيقى الجاز والروك، وبعضهم يقتصر دوره بهز الرأس طرباَ. فقد كانت جوقة الخونة هذه تعد نفسها منذ زمن بعيد لهذا الدور، فمنذ مطلع التسعينات نشرت الصحف الأمريكية والأجنبية والعربية، أسماء (الحركات السياسية) التي تتسلم عطية العمالة من المخابرات الأميركية CIA وقدرها 11 مليون دولار، وربما أن هناك مبالغ أقل أو أكثر تدفع من وراء الكواليس، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، وما لجرح بميت إيلام، مع الاعتذار الشديد لأبي الطيب المتنبي، الكريم المقاتل الذي مات دفاعاَ عن سمعته .

وهؤلاء الذين عبئوا قواهم، وتنافخوا وتدافعوا، ومارسوا الكفاح المقنع، بأسلوب الريموت كونترول في تفجير السيارات المفخخة، فهم أقل من مستوى الكفاح الثوري، وفي إحدى المرات نفذوا عملية تفجير في مستشفى لجراحة القلب ببغداد(واليوم ينتقدون من يقاوم المحتل ! )، وظهروا في أدوار كومبارس في مؤتمر بباريس، وما زلت أذكر وجوههم فرداَ فرداَ، وكانوا يواجهون للمرة الأولى عدسات المصورين والصحفيين(لمعظمهم)، فقد بدا بعضهم خجولاَ لا يقوى على رفع عينيه أمام أجهزة التصوير، وفيما طافت ابتسامة صفراء على وجوه آخرين، متحدين مصطلحا قديما ومتخلفا أسمه العار. ولكن بعض آخر بدا وكأنه يمتهن الخيانة منذ زمن بعيد، والمسألة بالنسبة له هي مهنة وليست عاراَ أو دخاناَ يؤذي العيون ! ولكل مهنة أصولها وتقاليدها وأسرارها .

أما في مؤتمر لندن، فكانوا قد قطعوا شوطاَ لا بأس به في هذا المضمار، وأصبح التلوث خبراَ ينتمي إلى الماضي، وعلى رأي عميد المسرح العربي يوسف وهبي " شرف البنت زي عود الكبريت يولع مرة واحدة فقط " فقد بدا أن أبطال المسرحية الأمريكية وقد أصبحوا أكثر احترافاَ، والعار أصبح ثوباَ زاهي الألوان في زمان العولمة، وها هم يستحمون بماء عرس الخيانة، وفقدانهم النهائي لعذريتهم الوطنية، فظهروا أمام العدسات بجرأة يحسدهم عليها سماسرة الرقيق الأبيض‍‍..! ولم لا، فهم يتعاطون سمسرة الأوطان والبلدان والولدان معاَ. كنت أتطلع إلي وجوههم لعلي أجد قطرة أخيرة من الحياء والناموس، ولكن ويا للأسف، وأقولها صادقاَ، لم أجد .

التداعيات استدعت مقطعاَ من قصيدة للشاعر الفرنسي بول فاليري : أه كم رأيت وجوهاَ فر الشرف من جباهها.

ثم أني تذكرت المأساة التي عاشها الرسام ليوناردو دافنشي، عندما رسم لوحة العشاء الأخير، للسيد المسيح وحوارية ألاثني عشر، فقد ابتدأ برسم أحد أكثر حواريه إخلاصاَ، فكان بحاجة إلى نموذج للبراءة لا يحتمل قطرة واحدة من الخطيئة، وكلما جلبوا له نموذجاَ للطهارة كان يعيده قائلاَ: أن في طرفة عينه شيء من الفساد، أو في حركته شيء من قلة الحياء. فأتعب مساعديه حتى وجدوا له شاباَ لم تلامس بشرته نسائم الشر. ولكن الفنان الكبير وعندما وصل في آخر الأمر ليرسم يهوذا، خائن السيد المسيح، كان يريد شاباَ لا تلوح في وجهه قطرة واحدة من الشرف، وكلما فتشوا في الأماكن المنحطة، كان يردهم قائلاَ أن ما تزال هناك قطرة صغيرة من الشرف، حتى جاءوا له بمخلوق قذر، تنطق ملامحه بالأجرام والخطيئة فاعتقد الرسام أنه وجد فيه ضالته. وعندما شارف العمل في اللوحة التي أستغرق العمل فيها طويلاَ على النهاية، رأى دمعة تفر من عين هذا المجرم، وبهلع ظاهر وإحباط قال الرسام: هاهي قطرة شرف أخيرة مازالت في جبين هذا الشاب، فسأله عما به، أجابه الشاب : أنه هو نفسه ذلك الشاب الذي أفتتح به الرسام لوحته كأحد خلصاء السيد المسيح ! وبالطبع فأني أعني ما أقول !!

ولكن أبطال هذه المسرحية الأمريكية الرديئة الأعداد والإخراج، لم تفر من أعينهم ولا جباههم قطرة واحدة، وفي العراق مثل شهير : الغيرة قطرة وليست جرة "، بل واصلوا ما كانوا قد بدءوا به بكل تصميم، ولكنهم والحق يقال وبشجاعة الفأر المذعور، لم يخرجوا رؤوسهم من جحورهم إلا بعد أيام طويلة من نهاية كل شيء في بغداد، وها هم يأتون مع أرباب عملهم، مدججين بالسلاح والحديد ومعدات لم نشاهد لها مثيلاَ حتى في أفلام الخيال العلمي، نعم جاؤا بكل تلك المعدات و الاعتدة، والتكنولوجيا الخرافية، شيئاَ واحداَ لم يأتوا به، هو الشرف لأنهم لا يمتلكون منه شيئاَ، ووفق القاعدة القانونية : فاقد الشيء لا يعطيه . وعلينا أن لا نغضب إذا لم تكن لديهم ملامح الشرف.

جاءوا إلى بغداد، وقد حفرت قنابلهم اللئيمة في جمالها الرائع جروحاَ عميقة، فمزقوا كل شيء جميل ودمروا وحرقوا كل النفائس، إلا شيئاَ واحداَ هيهات أن يطالوه : روحها الأبية الشجاعة، روح بغداد العظيمة دار السلام والإسلام عاصمة الخلافة، جاءت جوقة الخونة يتباهون بخيانتهم وعمالتهم لمن حاصر وطنهم وشعبهم وقتلوا فقط من الأطفال مئات الألوف. لم يخجلهم ذلك، فهم القادمون من الصعلكة في عواصم الغرب وقد تعلموا من أين تؤكل الأحذية وليس الأكتاف وقد أضافوا إلى رصيدهم قلة الحياء والخجل وهي من تقاليدنا الشرقية الأصيلة، ولا بد لي أن أعترف وأن أعبر عن دهشتي لهذه الجرأة .

أريد أن أصل إلى صلب ما أريد أن أثبته هنا للتاريخ...فهذه وثيقة يرفعها الشعب العراقي ضد هؤلاء المهرجين ولاعبي السيرك من الأكروباتيك، أنها وثيقة وأبلغ من الدعوى القضائية، إنها ضرب من وثيقة وإدانة بالجرم المشهود، المدان شرعاَ وقانوناَ، نريد أن يطلع عليها الملأ، أما نحن فلن ننسى، ومن ينسى ؟؟

أننا نعيش في بيت واسع جميل حباه الله بكل ما يحتاج إليه المرء، ووهبنا من عطاياه كل شيء والحمد لله والشكر له. إلا أن واحداَ من أهم شروط العيش المشترك في بيت واحد، هو أن لا يحق لأحد أن يبيعه كله أو جزء منه، ولا يتنازل عنه، ولا يدخل رجل غريبَ إليه، بداعي أن الوالد قاسي القلب ومستبد. أليست هذه فتنة " بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون " 45 الزمر ). وقد جاء هؤلاء المهرجون بقضهم وقضيضهم وانهالوا على النعم دون صبر ودون احتراس، ودون رزانة أيضاَ، وفي سبيل ما أرادوا فعلوا ما لا يفعل الأطفال، حاشا الأطفال الأبرياء، إنما نضرب الأمثال للتشبيه بقلة النضج. وكانوا قد قرروا أن يمسحوا فعلة أبو رغال من قاموس الخيانة، بل أن يؤسسوا بأنفسهم موسوعة جديدة للمصطلحات مثلما أسسوا موسوعة لارتكابات غير مسبوقة، منافسين فيها موسوعة غينس، ولكن ليس في مجال الأرقام القياسية، بل في الإرتكابات الخيانية، ارتكبوها بغباء شديد، بل هي غدت أمثولة في الخيانة وفضائح العصر والتاريخ، ومن تلك :

أولاَ : أنهم لم ينكروا أنهم عملوا ومازالوا يعملون بمعية الغازي المحتل للأرض الوطن، ولم ينكرون ؟ وليس بوسعهم أن ينكروا أنهم أدخلوا الغازي المحتل، وتلك الوثائق الممهورة بتواقيعهم، اتخذوها قبل الحرب بشهور عديدة، وكانوا يفعلون ذلك لسنوات خلت. ورب عملهم الوقح لم يراع فيهم حشمة إذ نشر على الملأ قانوناَ أسماه (قانون تحرير العراق)، وبموجبه قدم المال لعدد من المنظمات، ولكن لماذا لا نذكرها طالما نحن بصدد وثيقة اتهام تاريخية:

الحزب الديمقراطي الكردستاني المؤتمر الوطني المجلس الإسلامي الأعلى

الاتحاد الوطني الكردستاني حركة الوفاق الحركة الملكية الدستورية

ثانياَ : أنهم قبلوا أن يكون شيخا جليلاً ومحترماً، ولكنهَ غير عراقي أن يقرر شؤونا عراقية ويتفاوض على مصير العراق حتى مع جهات أجنبية بصورة مباشرة وغير مباشرة. أليس في ذلك مدعاة للعجب ؟

ثالثاَ : سجلوا على أنفسهم، وما أخزى هذه السجلات، أنهم طرحوا للمرة الأولى في تأريخ العراق القديم والحديث، المحاصصة الطائفية فلا بارك الله فيهم .

رابعاَ: أنهم قبلوا الفيدرالية في مؤتمراتهم في الخارج كما في الداخل وهم يعلمون أكثر من غيرهم

أنها الخطوة الكبيرة نحو تقسيم العراق، أخزاهم الله .

خامساَ : لقد رأيت بالعين المجردة شيخاَ جليلاً معمماَ، قد يواجه ربه في أي لحظة، ويدعي أنه بحر للعلوم، ولكنه بدا وكأنه يغرق في شبر من الماء، رأيته يسحب الحاكم الأمريكي، نعم الحاكم الأمريكي، فالرجل لا يقول أنه موفد، أو مفاوض أو صديق أو ضيف، بل هو حاكم مستعمر جاء بقوة السلاح وأحتل بلادنا وقتل ودمر وحطم، أقول رأيت هذا الشيخ الذي لم يعد جليلاَ بعد فعلته، يسحب الحاكم المحتل الذي يتمتع لوحده بحق النقض على قراراتهم مجتمعين ومنفردين، ولكن أي قرارات؟ رأيته يسحبه ويقطع خدوده تقبيلاَ ينم عن العشق والوجد والهيام.

وهنا أريد أن أطرح سؤالاَ بريئاَ، ترى ألم يكن بالإمكان إخفاء الكثير من هذه الخفة والانبطاح والتسطح والانسطاح ؟ ترى ألا يطرح ذلك سؤالاَ مهماَ : إذا كان هذا في العلن، فماذا في الخفاء؟ ماذا سيقولون لشعبهم غداَ بعد خروج أسيادهم؟ وسؤالَ آخر مهم، مطلوب الإجابة عليه من مجلس المهرجين :

ترى ماذا سيقولون لمواطن يريد غداَ الاستجارة بحكومة الأرجنتين أو الفلبين؟ ويعمل ويتعامل ويتعاون ويتخابر معها ضدهم؟ أم ترى هل أصبحت الخيانة والتجسس حلالاَ؟

لذلك تراهم اليوم يهرجون ويقفزون في الهواء، ويأتون بحركات مضحكة، ويطلقون الدخان هنا وهناك، من أجل صرف الأنظار، وأغلب الظن أنهم قد بدءوا يشعرون بفداحة ما فعلوا إذ يلمحون الاحتقار في أعين العراقيين ولكن هيهات فحتى لو قطعوا أصابعهم التي بها مهروا وثائق العار، فالجريمة كانت تحت سمع وبصر العالم في كل مكان أو قل بالقدر الذي يكفي لتلويثهم إلى الأبد بعار الخيانة .

أنني أتقدم بهذه الدعوى، باسم مئات الألوف من الأطفال الذين قضوا بسبب الحصار الأمريكي، باسم الآلاف من الشهداء العراقيين الذين قتلوا برصاص وقنابل وصواريخ الأمريكان، أتهم فيها بالخيانة العظمى، كل من وقع على وثائق مؤتمري باريس ولندن . وكل من عمل وحمل وزر الاحتلال ودافع عنه.

أنهم سيمثلون أمام محاكم الشعب العراقي طال الزمن أو قصر، أما تلوثهم فهذا ما هم فيه غاطسين

فيه من الآن وإلى أبد الآبدين .

شبكة البصرة

الخميس 29 محرم 1426 / 10 آذار 2005

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس

منصور بالله
10-03-2005, 08:51 PM
يخون الوضيع دون ما سبب .. ثم يبحث عن السبب !!

إن كانوا رجالاً أسوياء تجرى في عروقهم دماء الكرامة فليجيبوا على هذا السؤال البسيط : لماذا تخونوا ؟!!

لقد خنتم الله ورسوله من قبل أن تخونوا العراق وصدام ..

خنتم الأمانة والشرف قبل أن تخونوا العروبة والإسلام ..

عبدالغفور الخطيب
11-03-2005, 04:13 PM
من يرخص على نفسه ، يرخص عند خصمه .

ومن يغلى بنفسه ويعتز بالله الذي لا يعز ولا يذل الا هو ، فانه ايضا سيكون

غاليا عند خصمه ، فلذلك توضع الملايين كجوائز للواشين عن الغالين .

اما الرخيصين فانهم يستخدمونهم كمنديل ورقي يتفل به مرة واحدة ويرمى

بالقمامة ، فهم الى مزابل التاريخ .

منصور بالله
11-03-2005, 06:17 PM
صدقت و رب الكعبة اخي الفاضل عبدالغفور الخطيب ...