المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خلفيات التحالف الأمريكي الفرنسي ضد سوريا



عبدالغفور الخطيب
08-03-2005, 01:51 AM
إدراج "الخليج الاماراتية" بتاريخ 07/03/2005الساعة 06:38.

كتب توفيق المديني....
لم يكن موقف القادة الفرنسيين حاسماً كما هو الأمر في موضوع الحرب على العراق. بل إن العديد من المحللين الاستراتيجيين في الغرب يصفون المواقف بين واشنطن وباريس حول العراق بأنها غير متوافقة، ومتباعدة حول الملف الصهيوني الفلسطيني، ومتنافرة حول التخوف من الخطر النووي الإيراني. ومع كل ذلك، توصل الرئيسان جورج بوش وجاك شيراك إلى اتفاق بهدوء ومن دون ضجيج خلال صيف ،2004 على الأقل على واحد من الملفات في الشرق الأوسط : سوريا ولبنان. ففي 2 سبتمبر/ أيلول ،2004 وبعد مناقشات سرية، توصلت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا مجتمعتين إلى بلورة صيغة القرار 1559 في مجلس الأمن الدولي، الذي ينذر سوريا رسميا بإرخاء قبضتها التي تمارسها على لبنان منذ ثمان وعشرين سنة.
وقد تمت المصادقة على هذا القرار1559 من خلال البيان المجمع عليه من قبل الأعضاء ال 15 في مجلس الأمن في 19 أكتوبر الماضي، والذي يطالب بانسحاب القوات السورية، التي لاتزال متمركزة في لبنان بعد أربع عشرة سنة من نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، وبعد أربع سنوات من تقهقر الجيش الصهيوني من جنوب لبنان. وظل هذا القرارخاضعا للمراجعة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، الذي سيقول الكلمة الفصل فيه في حال عدم احترامه يوم 19 أبريل المقبل “إذ يطالب القرار المذكور أيضاً بحل ونزع أسلحة كل المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية”.
إذا أخذنا في الاعتبار المصالح السورية الاستراتيجية من الناحية الإقليمية، ومن زاوية الأمن القومي العربي، وعبر نفوذها في لبنان، الذي يتبدى في نشر قوات يراوح تعدادها ما بين 12 و30 ألف جندي، علاوة على جهاز استخبارات نشط وبالغ القوة في لبنان على مدى السنوات الثلاثين الماضية، فإنّ القرار 1559 يعتبر ضربة موجعة تقوض المدى الإقليمي لسوريا إن لم نقل تقضي عليه، بتجريدها الورقة اللبنانية.

الكل يعلم في الشرق الأوسط أن إدارة الرئيس بوش تريد أن تستخدم لبنان كمدخل لتغيير النظام في سوريا لأنه يشكل شرطا ضروريا لنجاح مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي عاد بوش وأعلنه رسميا،في فبراير/شباط ،2004 فمساحة سوريا أكبر من مساحة لبنان بحوالي عشرين مرة، وعدد سكانها يتجاوز عدد سكان لبنان (5 ملايين نسمة) أربعة أضعاف، وتمتد حدودها مع العراق المحتل إلى 620 كيلومتراً، حيث تعيش قبائل سنية كبيرة على جانبي الحدود المشتركة بين البلدين. وكان المحافظون الجدد الذين تربطهم صلات حميمة جداً مع مجموعات الضغط الصهيونية، وبحركة الاستيطان الصهيونية، لا يزالون يتهمون سوريا بأنها لا تفعل الكثير إزاء منع المقاومين المعادين للاحتلال الأمريكي من التسلل عبر أراضيها، واعتقال العراقيين الذين يعيشون في سوريا، حيث تشتبه واشنطن في أنهم يموّلون المقاومة العراقية التي اشتد عودها.

وعلى الرغم أن سوريا تعاونت مع الولايات المتحدة في الحملة على “الارهاب” ولم تعمد إلى وضع العراقيل الجدية، وأكدت مرارا أنها تريد التفاهم والحوار لا المجابهة مع واشنطن، إلا أن هؤلاء الصقور الذين تتمركز معاقلهم بصورة أساسية في القيادة المدنية للبنتاجون، وفي مكتب ديك تشيني، ظلوا يتهمون سوريا بأنها تطور برنامج أسلحة الدمار الشامل، وترفض طرد الفصائل الفلسطينية المقاومة وإغلاق مكاتبها في دمشق، ويثيرون مسألة إخفاق سوريا المزعوم في التعاون الكامل مع الاحتلال ليبرروا بذلك انتهاج سياسة “تغيير النظام” في دمشق. على أية حال، هم يقولون على سوريا أن تختار بين خيارين: الأول خيار القذافي الذي يعني الخضوع الكامل. والثاني خيار صدام حسين الذي يعني المواجهة العسكرية.

من المؤسف أن المعارضة اللبنانية التي تمتلك أنصبة من الحق وأنصبة من الباطل، قد استقوت بالتدخل الفرنسي الذي طرح قضية التدويل، والتدويل متناقض مع مصالح الشعب اللبناني أولا، ومع مصالح العرب ثانيا، ومع أمنهم القومي، ومنسجم مع المخطط الأمريكي الصهيوني، ومصالح النظام الرسمي العربي، المهتم بأمور ثلاثة: الأول : بقاء الارتباط بالنظام الأمريكي، وأفضل طريقة لضمان ذلك هي التدويل. والثاني حل مشكلة الصراع العربي الصهيوني.

إن الحكمة والعقلانية تقتضيان اتخاذ موقف حازم من كل تدخل دولي، فرنسي أو أمريكي، في الشؤون العربية، لأن مشاكل العرب يجب أن يحلها العرب أنفسهم. أما القوى الدولية، خاصة الذين استعمروا الوطن العربي وقسموه، وأيدوا قيام الكيان الصهيوني ودعموه، فيجب أن يمنعوا من أي تدخل في شؤون الوطن، لأن المستعمرين القدامى والجدد يريدون بكل بساطة إعادة تفكيك المنطقة ورسم خرائطها السياسية من جديد، تقود إلى سايكس بيكو جديدة. فهل مصلحة الشعب اللبناني تكمن في ذلك؟