عبدالغفور الخطيب
05-03-2005, 11:25 PM
كتب أحمد مرشد في صحيفة الخليج الاماراتية
“لماذا يكرهوننا في العالم العربي والاسلامي؟” سؤال ساذج يطلقه الأمريكيون منذ فترة، وقد ضخوا ملايين الدولارات في مراكز البحوث المنتشرة في منطقتنا العربية لمحاولة معرفة الاجابة عن هذا السؤال العجيب، مما يذكرني بقول الشاعر “شر البلية ما يضحك”. والأمريكيون فيما يبدو أطلقوا الكذبة وصدقوها، فهم يعتقدون أن كل من يكره سياستهم اما أنه متطرف، أو متخلف، متطرف في عقيدته، أو متطرف اسلامي أو متخلف لأنه لم يقع أسيراً لغرام حرياتهم وديمقراطيتهم. والحقيقة غير ذلك بالمرة، وهي لا تحتاج لانفاق الملايين من أجل البحث عنها فهي واضحة وضوح الشمس، وكراهيتهم ليست حكراً على العرب والمسلمين، بل هي أيضاً متفشية ومتغلغلة حتى في نفوس حلفائهم الأوروبيين، الذين يرون أنها نتيجة طبيعية لسياسة العم بوش وأنصاره من المحافظين الجدد، فهذا ما جناه بوش عليهم، وما جنينا على أحد. وهذه الكراهية للعم بوش كانت محور تحقيق صحافي مصور بثته وكالة الأنباء الفرنسية الأسبوع الماضي لكل مشتركيها في سائر أنحاء العالم، وهذا التحقيق الصحافي النادر لوكالة أنباء عالمية، يجب أن نتوقف عنده كثيراً ونتأمل معانيه. لقد التقط مصورو الوكالة الفرنسية عدداً من الصور للرئيس بوش مع قادة حلف شمال الأطلسي في اجتماعهم الذي عقد مؤخراً في بلجيكا، وكل الصور التي التقطها هؤلاء المصورون المحترفون توضح الرئيس بوش وهو ينبري لمصافحة قادة أوروبا .. وهم يترددون في مد أياديهم بالمصافحة، وبعضهم كان يمعن النظر في يد بوش قبل أن يقرر مد يده للمصافحة. هذه الصور كشفت اللحظة الذكية التي أخرجت النيات وجعلتها تطغى على الظاهر بل الصالح، حيث تردد معظم الزعماء والساسة لبرهة صغيرة في مصافحة بوش، وهذه البرهة كانت كافية لاظهار مدى الكراهية التي يحظى بها.
هذا الرئيس داخل قلوب الجميع بلا استثناء. يقول أحد المعلقين على هذه الصور “كراهية العالم لبوش ليست في العالمين الأوروبي والاسلامي فقط لما ارتكبه من فظائع في حقهما، ولكنها انتشرت في الدول الحليفة لأمريكا مثل فرنسا وألمانيا وليس على المستويات الشعبية فقط ولكن على المستويات الرسمية أيضاً، فحالة الكراهية العالمية لبوش وسياساته المتهورة ظهرت واضحة وجلية في جولته الأخيرة خاصة في بروكسل لحضور قمة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) حيث خرج آلاف المتظاهرين الى الشوارع رافضين الزيارة، ومنددين بسياسته الارهابية في العالم، وهذه المظاهرات الغاضبة استقبلت بوش في ألمانيا لدرجة دفعت قرينته “لورا” الى الشعور بالأسف والحزن واعترافها بأنها تشعر بالمرارة لأن موجة الرفض الشعبي ضد زوجها تتسع مما دفعها لبذل محاولة مستميتة للدفاع عنه بقولها ان زوجي رجل طيب وليس رجلاً خطيراً”. ويقول معلق آخر ان الرئيس بوش حقق انجازاً قياسياً يمكن أن يدخل اسمه في موسوعة جينيس للأرقام القياسية .. فقد استطاع أن يكسر بسرعة فائقة حالة التعاطف الدولي التي حصلت عليها الولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ايلول الى عداء مستحكم لهذه الدولة التي فرضت قوتها وسطوتها العسكرية، وبدأت في احتلال دول أعضاء في الأمم المتحدة بمبررات وأسباب كاذبة كما حدث في أفغانستان والعراق. والشيء المؤكد أنه لا أحد يكره الأمريكيين كشعب، ولكن الكراهية كلها منصبة على سياسة الرئيس بوش والمحافظين الجدد الذين يحاولون استعادة عصر الامبراطوريات بالمفاهيم الاستعمارية القديمة تحت شعارات براقة مثل تصدير الحرية والديمقراطية الى شعوب العالم، وهي شعارات كما نعلم تعكس حقيقة الحكمة التي تقول “هذا قول حق يراد به باطل”، فصحيح أن شعوب منطقتنا متعطشة للحرية والديمقراطية، ولكن التاريخ الحديث يؤكد أن الولايات المتحدة نفسها كانت أول الدول المناصرة للأنظمة الاستبدادية وللديكتاتوريات، في آخر نصف قرن، وكانت تغض النظر عن جرائم هذه الأنظمة وتلك الديكتاتوريات مادامت تضمن ولاءها وتقديم فروض الطاعة والولاء لها. واذا كان الذين أصابهم الضرر من سياسة الحكومة الأمريكية في عهد الرئيس بوش قد “قايضوا” هذا الضرر بالكراهية، وبتعبيرهم عن هذه الكراهية بالتظاهر، أو بتنظيم الندوات والمؤتمرات والكتابة في الصحف، فإن هناك آخرين من الأمريكيين أنفسهم أصابهم الضرر من توجهات هذه الحكومة ومن سياساتها التوسعية، التي تستدعي ارسال الشباب الأمريكي ليحارب هنا وهناك، ويواجه الموت وحده بينما الساسة يعيشون في غرفهم مكيفة الهواء، ويطلّون علينا بابتساماتهم الساحرة عبر وسائل الاعلام .. أبناء العم سام هؤلاء أصابهم الضجر والغبن أكثر ربما من أي شخص آخر، فقرروا الهروب من هذه الحالة بإطلاق النار على أنفسهم وتسجيل أسمائهم في سجلات المنتحرين .. وهذا الأمر تحدثت عنه التقارير الصحافية القادمة من واشنطن كثيراً في الأيام الماضية. لقد أشارت هذه التقارير الى زيادة نسبة الانتحار في صفوف “المارينز” بالعراق في العام الماضي بمقدار 29% وهي أعلى نسبة خلال عقد من الزمان على الأقل. ولكي نفسر هذه الاحصائية يجب أن نعلم أن جنود مشاة البحرية الأمريكية “المارينز” هم جنود نظاميون محترفون، وأن أكثر من 60% منهم أعمارهم أقل من 25 عاماً، وأن 19% منهم من المراهقين! أي أنهم جنود في ريعان شبابهم، وهذا يعني أن حالة التوتر التي أصابت هؤلاء المنتحرين وحالة الضغط النفسي التي انتهت بانتحار 31 جندياً منهم في العام الماضي، بالاضافة الى محاولة 83 آخرين (حسب الاحصائيات الأمريكية) ناتجتان عن ظروف الحرب الصعبة التي فرضت عليهم فرضاً، والتي أغلقت كل الأبواب أمامهم للعودة الى أوطانهم لأجل غير مسمى .. وهم يعلمون أن عودتهم من العراق قد لا تعني نهاية مشاكلهم فقد يذهبون الى نقاط أخرى أكثر اشتعالاً من أجل تحقيق أحلام الامبراطورية الأمريكية. وهؤلاء المنتحرون الذين زادت أعدادهم بعد عام 2003 وهو عام غزو العراق حسب التقارير الأمريكية، يضعون أمام أعينهم الأعداد المتزايدة لضحايا هذه الحرب من بين زملائهم، فالرقم الرسمي الأمريكي يؤكد أن قوات الاحتلال في العراق قد خسرت حتى الآن 1500 قتيل و11 ألفاً و 69 جريحاً .. والبقية تأتي. هل يمكن أن يسأل الأمريكيون أنفسهم لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟! أم يجب أن يسألوا أنفسهم لماذا يكرهنا العالم؟ .. وهل يمكن أن ينفقوا الملايين في البحث عن الاجابة لهذا السؤال، والاجابة واضحة جلية أمام أعينهم؟! إن من يزرع الخوف والموت في قلوب الآخرين عليه ألا ينتظر أن تنبت هذه القلوب زهوراً ولا رياحين، وعليه ألا يتوقع، إلا أن يجني الشوك والألم .. والكراهية أيضاً.
“لماذا يكرهوننا في العالم العربي والاسلامي؟” سؤال ساذج يطلقه الأمريكيون منذ فترة، وقد ضخوا ملايين الدولارات في مراكز البحوث المنتشرة في منطقتنا العربية لمحاولة معرفة الاجابة عن هذا السؤال العجيب، مما يذكرني بقول الشاعر “شر البلية ما يضحك”. والأمريكيون فيما يبدو أطلقوا الكذبة وصدقوها، فهم يعتقدون أن كل من يكره سياستهم اما أنه متطرف، أو متخلف، متطرف في عقيدته، أو متطرف اسلامي أو متخلف لأنه لم يقع أسيراً لغرام حرياتهم وديمقراطيتهم. والحقيقة غير ذلك بالمرة، وهي لا تحتاج لانفاق الملايين من أجل البحث عنها فهي واضحة وضوح الشمس، وكراهيتهم ليست حكراً على العرب والمسلمين، بل هي أيضاً متفشية ومتغلغلة حتى في نفوس حلفائهم الأوروبيين، الذين يرون أنها نتيجة طبيعية لسياسة العم بوش وأنصاره من المحافظين الجدد، فهذا ما جناه بوش عليهم، وما جنينا على أحد. وهذه الكراهية للعم بوش كانت محور تحقيق صحافي مصور بثته وكالة الأنباء الفرنسية الأسبوع الماضي لكل مشتركيها في سائر أنحاء العالم، وهذا التحقيق الصحافي النادر لوكالة أنباء عالمية، يجب أن نتوقف عنده كثيراً ونتأمل معانيه. لقد التقط مصورو الوكالة الفرنسية عدداً من الصور للرئيس بوش مع قادة حلف شمال الأطلسي في اجتماعهم الذي عقد مؤخراً في بلجيكا، وكل الصور التي التقطها هؤلاء المصورون المحترفون توضح الرئيس بوش وهو ينبري لمصافحة قادة أوروبا .. وهم يترددون في مد أياديهم بالمصافحة، وبعضهم كان يمعن النظر في يد بوش قبل أن يقرر مد يده للمصافحة. هذه الصور كشفت اللحظة الذكية التي أخرجت النيات وجعلتها تطغى على الظاهر بل الصالح، حيث تردد معظم الزعماء والساسة لبرهة صغيرة في مصافحة بوش، وهذه البرهة كانت كافية لاظهار مدى الكراهية التي يحظى بها.
هذا الرئيس داخل قلوب الجميع بلا استثناء. يقول أحد المعلقين على هذه الصور “كراهية العالم لبوش ليست في العالمين الأوروبي والاسلامي فقط لما ارتكبه من فظائع في حقهما، ولكنها انتشرت في الدول الحليفة لأمريكا مثل فرنسا وألمانيا وليس على المستويات الشعبية فقط ولكن على المستويات الرسمية أيضاً، فحالة الكراهية العالمية لبوش وسياساته المتهورة ظهرت واضحة وجلية في جولته الأخيرة خاصة في بروكسل لحضور قمة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) حيث خرج آلاف المتظاهرين الى الشوارع رافضين الزيارة، ومنددين بسياسته الارهابية في العالم، وهذه المظاهرات الغاضبة استقبلت بوش في ألمانيا لدرجة دفعت قرينته “لورا” الى الشعور بالأسف والحزن واعترافها بأنها تشعر بالمرارة لأن موجة الرفض الشعبي ضد زوجها تتسع مما دفعها لبذل محاولة مستميتة للدفاع عنه بقولها ان زوجي رجل طيب وليس رجلاً خطيراً”. ويقول معلق آخر ان الرئيس بوش حقق انجازاً قياسياً يمكن أن يدخل اسمه في موسوعة جينيس للأرقام القياسية .. فقد استطاع أن يكسر بسرعة فائقة حالة التعاطف الدولي التي حصلت عليها الولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ايلول الى عداء مستحكم لهذه الدولة التي فرضت قوتها وسطوتها العسكرية، وبدأت في احتلال دول أعضاء في الأمم المتحدة بمبررات وأسباب كاذبة كما حدث في أفغانستان والعراق. والشيء المؤكد أنه لا أحد يكره الأمريكيين كشعب، ولكن الكراهية كلها منصبة على سياسة الرئيس بوش والمحافظين الجدد الذين يحاولون استعادة عصر الامبراطوريات بالمفاهيم الاستعمارية القديمة تحت شعارات براقة مثل تصدير الحرية والديمقراطية الى شعوب العالم، وهي شعارات كما نعلم تعكس حقيقة الحكمة التي تقول “هذا قول حق يراد به باطل”، فصحيح أن شعوب منطقتنا متعطشة للحرية والديمقراطية، ولكن التاريخ الحديث يؤكد أن الولايات المتحدة نفسها كانت أول الدول المناصرة للأنظمة الاستبدادية وللديكتاتوريات، في آخر نصف قرن، وكانت تغض النظر عن جرائم هذه الأنظمة وتلك الديكتاتوريات مادامت تضمن ولاءها وتقديم فروض الطاعة والولاء لها. واذا كان الذين أصابهم الضرر من سياسة الحكومة الأمريكية في عهد الرئيس بوش قد “قايضوا” هذا الضرر بالكراهية، وبتعبيرهم عن هذه الكراهية بالتظاهر، أو بتنظيم الندوات والمؤتمرات والكتابة في الصحف، فإن هناك آخرين من الأمريكيين أنفسهم أصابهم الضرر من توجهات هذه الحكومة ومن سياساتها التوسعية، التي تستدعي ارسال الشباب الأمريكي ليحارب هنا وهناك، ويواجه الموت وحده بينما الساسة يعيشون في غرفهم مكيفة الهواء، ويطلّون علينا بابتساماتهم الساحرة عبر وسائل الاعلام .. أبناء العم سام هؤلاء أصابهم الضجر والغبن أكثر ربما من أي شخص آخر، فقرروا الهروب من هذه الحالة بإطلاق النار على أنفسهم وتسجيل أسمائهم في سجلات المنتحرين .. وهذا الأمر تحدثت عنه التقارير الصحافية القادمة من واشنطن كثيراً في الأيام الماضية. لقد أشارت هذه التقارير الى زيادة نسبة الانتحار في صفوف “المارينز” بالعراق في العام الماضي بمقدار 29% وهي أعلى نسبة خلال عقد من الزمان على الأقل. ولكي نفسر هذه الاحصائية يجب أن نعلم أن جنود مشاة البحرية الأمريكية “المارينز” هم جنود نظاميون محترفون، وأن أكثر من 60% منهم أعمارهم أقل من 25 عاماً، وأن 19% منهم من المراهقين! أي أنهم جنود في ريعان شبابهم، وهذا يعني أن حالة التوتر التي أصابت هؤلاء المنتحرين وحالة الضغط النفسي التي انتهت بانتحار 31 جندياً منهم في العام الماضي، بالاضافة الى محاولة 83 آخرين (حسب الاحصائيات الأمريكية) ناتجتان عن ظروف الحرب الصعبة التي فرضت عليهم فرضاً، والتي أغلقت كل الأبواب أمامهم للعودة الى أوطانهم لأجل غير مسمى .. وهم يعلمون أن عودتهم من العراق قد لا تعني نهاية مشاكلهم فقد يذهبون الى نقاط أخرى أكثر اشتعالاً من أجل تحقيق أحلام الامبراطورية الأمريكية. وهؤلاء المنتحرون الذين زادت أعدادهم بعد عام 2003 وهو عام غزو العراق حسب التقارير الأمريكية، يضعون أمام أعينهم الأعداد المتزايدة لضحايا هذه الحرب من بين زملائهم، فالرقم الرسمي الأمريكي يؤكد أن قوات الاحتلال في العراق قد خسرت حتى الآن 1500 قتيل و11 ألفاً و 69 جريحاً .. والبقية تأتي. هل يمكن أن يسأل الأمريكيون أنفسهم لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟! أم يجب أن يسألوا أنفسهم لماذا يكرهنا العالم؟ .. وهل يمكن أن ينفقوا الملايين في البحث عن الاجابة لهذا السؤال، والاجابة واضحة جلية أمام أعينهم؟! إن من يزرع الخوف والموت في قلوب الآخرين عليه ألا ينتظر أن تنبت هذه القلوب زهوراً ولا رياحين، وعليه ألا يتوقع، إلا أن يجني الشوك والألم .. والكراهية أيضاً.