منصور بالله
05-03-2005, 10:17 PM
ترويض الأسد
بقلم : محمود شنب
mahmoudshanap@yahoo.com
مصيبة أن ترضخ سوريا للتهديدات الأمريكية وتنفذ كل ما يطلب منها وتنضم لقافلة العملاء والمأجورين ، فسوريا مازالت رغم بعض السقطات الحصن الباقى من حصون العرب والثوب الطاهر الذى لم يدنس بعد .
نعم ... سوريا تواجه ضغوطـًا رهيبة يشعر بها كل مخلص يعيش على أرض هذا الوطن ، وأمريكا واليهود يتميزوا بقدرة عجيبة على تحريك العالم أو إسكاته وتجميع كل الأنظار فى بؤرة واحدة والضغط على الخصم من كافة الاتجاهات من أجل محاصرة الفريسة والنيل منها .
لقد أقاموا القيامة من قبل على القذافى ، وعندما رضخ لمطالبهم إنتهت اللعبة وهدأت الحملة وسكنت الألسنة ، ولم يعد هناك إرهاب ليبى يهدد العالم ، ونام القذافى قرير عين الخيانة ضمن حريم السلطان الأمريكى ..
الآن تحدث الضغوط على سوريا من كافة المحاور وعلى كل المستويات ـ مشاكل فى لبنان ومشاكل مع أمريكا بسبب العراق ومشاكل الإدعاء بدعم الإرهاب ومشاكل إعاقة الديمقراطية فى المنطقة ، وقرارات تصدر من مجلس الأمن وانذارات تطلقها الإدارة الأمريكية ونصائح من مبارك وتهديد من إسرائيل ، وعلى سوريا أن تواجه كل ذلك منفردة فى ظل إنهيار المنظومة العربية وضعف الحكام العرب وتخوفهم من أمريكا .
لقد حمل بشار الأسد مسئولية القيادة فى ظل ظروف صعبة وأوضاع دولية بالغة السوء والتعقيد ، ولقد لمس الجميع منذ البداية ان بشار الأسد يحمل من الاباء العربى ما سيجعله مستهدفـًا دائمًا من قوى الشر العالمى ، وفى غضون سنوات قليلة استطاع بشار الأسد ترتيب البيت السورى من الداخل واستطاع توفير احتياجات سوريا من الغذاء وتحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح ووجود فائض للتصدير .. كل هذه الأمور أقلقت أمريكا وجعلتها فى حالة ترقب وقلق ـ خوفـًا على إسرائيل من جهة ، وخوفـًا على مشروعها الاستعمارى فى المنطقة من جهة أخرى ، وظلت الأمور على ذلك إلى أن وقعت الواقعة فى العراق وأصبح لأمريكا وإسرائيل ألف سبب وسبب فى التحرش بسوريا وإرغامها على قبول الأمر الواقع ودعم الموقف الأمريكى فى العراق .
ومشكلة بشار الأسد أنه يحمل سمات الرجل الحر فى زمن الهوان العربى ... المشكلة أنه أسد ظهر فى زمن الخراف .. فى زمن تجسدت فيه كل أشكال الذل والإنكسار والتبعية للغرب ، فأصبح غريبًا وسط قومه لا يجد من يستمع إليه أو يتبنى فكره ، ولقد قال عنه بوش ذات يوم ( إنه حاكم صغير السن تنقصه الحنكة والخبرة ) وأوصى مبارك بمعالجة الموقف وترويض الأسد ، وعلى الرغم من أن مبارك لم يدخر جهدًا فى هذا الخصوص إلا أن التحول ظل بطيئا وغير ملموسًا ، وظل الأسد أسد ولم يتحول إلى شئ آخر حتى بعد أن أثمرت وسائل الترغيب والترهيب وبدأ بشار فى تقديم بعض التنالات فيما يخص العراق وفلسطين ولبنان ، والتى ما كانت لتحدث أبدًا لولا نصائح الحكام العرب وعلى رأسهم مبارك ، والمشكلة التى يواجهها بشار هى نفس المشكلة التى واجهها صدام من قبل ، والتنازلات العربية تغرى أمريكا وتزيد من مطالبها ، وأجندة المطالب الأمريكية ليس لها سقف أو نهاية ، وأمريكا كالشيطان المارد الذى حذرنا الله تعالى منه وقال : (( ولا تتبعوا خطوات الشيطان )) فالإنسان لا يفقد شرفه دفعة واحدة ولا ينتقل من معسكر إلى معسكر إلا عن طريق تنازلات تبدو فى أولها بسيطة ، ومع الأيام يتحول الشخص من شخص إلى شخص ومن كيان إلى كيان ومن خندق إلى خندق ، وهذا ما يستدرج له بشار عن طريق التنازلات البسيطة والسير خلف أصحاب المشورة السوداء والتمسح بدعاوى التعقل والحكمة .
إن أمريكا عندما تنصب الفخ للآخرين لا تترك لهم ثغرة للفكاك وتجعل الخيار دائمًا يقع ما بين الموت والموت ولا نجاة إلا بالمقاومة والتمسك بالثوابت .
ما الذى فعله بشار الأسد لكى يحدث له كل ما يحدث الآن ؟!!
إنه لم ينقل حدود بلاده ليضعها على حدود العراق كما أنه ليس مسئولا عن نزوات بوش وتصرفاته الغبية فى العراق وهو لم يتدخل يومًا فى شئون أمريكا .. أمريكا هى التى تتدخل كل يوم فى شئونه وشئون بلاده ، وبشار لم يكن مسئولا عن حالة التشرذم العربى الذى أصاب الأمة على يد الحكام الخونة ممن انتهى عمرهم الافتراضى ، وعلى الرغم من كل ذلك وضعته أمريكا فى بؤرة الأحداث وأصبح مطلوبًا منه الرضوخ الكامل لهيمنتها وتنفيذ كل مطالبها ، ولا أحد الآن يذكر حقوق سوريا فى الجولان ولا دوافع بقاءها فى لبنان .. لا يذكرون إلا تشدد بشار وعناده .. لا يذكرون أرضه المحتلة ولا حقوقه المسلوبة بعد أن صارت العلاقات الدولية علاقات مصالح وليست علاقات مبادئ .. الغرب كله الآن يذكرنا بالواجبات ويطالبنا بالتنازل والتفريط ولا أحد يذكر حقوقنا ولا يؤيد حقنا فى المقاومة .. الجميع يطالبنا بالحكمة والتعقل وقبول الظلم والقهر ... ما من دولة عربية تستطيع أن تسمى الأحداث بمسمياتها الحقيقية .. ما من دولة عربية واحدة تستطيع أن تسمى المقاومة فى العراق مقاومة ، وما من دولة عربية واحدة طالبت أمريكا بالإنسحاب من العراق ، وما من دولة عربية واحدة أعلنت تأييدها للموقف السورى ودعم بشار الأسد ومساندته ... كل الدول العربية تم تقليم أظافرها ولم يتبقى غير سوريا ، وهذا ما يقلق أمريكا وإسرائيل ، والمطلوب هو دفع سوريا لخوض حرب شرسة تستنزف فيها الجهد وتستهلك فيها السلاح ، وما تفقده من سلاح سيكون صعب التعويض ، فأمريكا أصبحت قرصان وقاطع طريق ، وما كان بالأمس مسموحًا لم يعد اليوم ممكنـًا ، وتحت عنون مقاومة الإرهاب أصبح كل شئ مستباحًا ، وأمريكا عندما تحاصر دولة تجبر الآخرين على مشاركتها الحصار ، وعندما تمنع عن دولة تمنع الآخرين من العطاء .
فى الخمسينيات واجهت مصر حصارًا اقتصاديًا صعبًا استنفذ كل مخزونها من القمح والحبوب ، ولأن العالم لم يكن مثل عالم اليوم قامت روسيا بتحويل شحنة من القمح كانت متجهة إليها وحولتها وهى فى عرض البحر إلى مصر .. اليوم لا روسيا ولا غير روسيا يستطيع فعل ذلك ، ولو حدث لقامت أمريكا بتدمير السفن تحت دعاوى تهريب السلاح .. العالم اليوم لا تحكمه أى ضوابط ولا أخلاق ولا قانون دولى .. الأمم المتحدة ومجلس الأمن أصبحا أكبر المنظمات الإرهابية على مستوى العالم حيث تقنين الباطل وفرض الجور وممارسة الظلم وأكل الحقوق ، والعراق خير شاهد على ذلك ..
عالم اليوم تغير بالنسبة للضعفاء لكنه لم يتغير بالنسبة للأقوياء ، والدول الضعيفة هى التى تدفع الثمن ..
أين اتفاقيات الدفاع العربى المشترك ؟!!
أين السوق العربية ؟!!
أين الحد الأدنى من الدعم والمساندة والترابط ؟!!
إننا نعيش أشد لحظات الضعف والهوان والتشرذم ، ولن ينقذنا التسليم أو الخضوع فالفريسة إذا هدأت ذبحت واذا استكانت قتلت .
لابد من عودة سريعة لشرع الله الذى غاب عن تفكيرنا ، ولابد من الاحتماء بمن هو أقوى من أمريكا .. لابد من العودة إلى القرآن وتعاليمه وإجبار الحكام على ذلك .. القرآن يقول "قاتلوهم" ولم يقل "ساوموهم" .. القرآن يقول "واعتصموا" ولم يقل "تفرقوا" .. القرآن يقول "وليجدوا فيكم غلظة" ولم يقل "وليجدوا فيكم ذل وهوان أو غنيمة ومطمعًا" .. القرآن يقول "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون" ولم يقل "اخضعوا واركعوا وأنتم الأذلاء" .. القرآن يقول "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" فكيف نترك العراق يقاتل بمفرده ثم نترك سوريا تقاتل بمفردها ؟!! .. القرآن يقول "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله" فكيف نخاف من تكتل الغرب علينا لو اتحدنا واعتمدنا على الله ؟!!
إن التنازلات لن تنقذ سوريا .. سينقذ سوريا الثبات على المواقف ومواجهة الضغوط بالتضامن العربى ، ولو فرض على سوريا القتال فخير لها أن تقاتل وهى فى جانب الله من أن تقاتل وهى فى جانب الشيطان .
صدام لم يتنازل عن حقوق بلاده إلا بعد نصائح مبارك والقاده العرب ، وعندما صدقهم القول فعلوا معه ما يفعله الشيطان مع فريسته وقالوا : إنا برءاء منك إنا نخاف أمريكا !!
وخيار أمريكا دائمًا "الموت أو الموت" أما خيار الأبطال فهو "النصر أو الشهادة" وكلما أهينت أمريكا فى العراق كلما حاولت رد اعتبارها فى سوريا ، وستصبح سوريا دائمًا حجة أمريكا فى الفشل على الرغم من أن سوريا عرضت على أمريكا تسيير دوريات مشتركة على الحدود لكن أمريكا تريد أن تفرض على سوريا ما فرضته إسرائيل على الدول العربية المجاورة لها من خلال تأمين حدودها .. أمريكا تريد من سوريا دعم احتلالها للعراق والعمل حارسًا على الحدود .
ونصيحة للرئيس بشار الأسد :
دعك من طريق التنازلات وتمسك بمبادئ الشرف والكرامة واستعن بالله فى كل تحركاتك ولا تقبل النصح إلا من الشرفاء فنصائح الملوثين تقطر دماء ، وسيكون الله مع سوريا بقدر ما ستكون سوريا مع الله .. إفرج عن المعتقلين الإسلاميين .. أصلب على أعمدة الكهرباء كل من يتعاون مع أمريكا أو يتخابر معها ، فمثلهم هم الذين يتظاهرون الآن فى لبنان ويسقطوا الحكومة هناك ، ومثلهم هم الذين يحكموا الآن فى كل من أفغانستان وفلسطين والعراق ..
يا بشار ... إذا تم ترويض الأسد يتم نقله من الغابة إلى السيرك ويصبح مطية الأطفال ... لا تستمع لنصائح مبارك فلقد علمنا التاريخ أن مبارك ما دخل فى شئ إلا وأفسده وان نصائحه لا تفيد وحكمته لا تجدى ، وما تريده منك أمريكا يمهد له مبارك ، وقضايا الإسلام ستظل حية مادام الإسلام فينا .. قضايانا ليست قضايا الفرص الضائعة مثلما يدعى مبارك ... صدام حسين وهو فى الأسر أفضل لدينا من كل حكام العرب ... لا تستمع إلى نصائح مبارك فإنها تورد الشرفاء موارد التهلكة .
إن المنافق يعتمد كثيرًا على الكذب من أجل تبرير جرائمه ، ولا أدل على ذلك من معاودة تكرار مقولة ان الفلسطينيين خسروا الكثير عندما رفضوا السير مع السادات وأن ما كان معروضًا عليهم فى كامب ديفيد يفوق بكثير ما يجاهدون الآن من أجله .. هذا كذب وافتراء وبعدًا عن الحقيقة ، والإعلام المصرى هو الأكثر ترويجًا لهذا الإدعاء الباطل من أجل مساندة مبارك الذى لا يترك فرصة ولا مناسبة إلا ويكرر هذا القول واصمًا القضية الفلسطينية بأنها قضية الفرص الضائعة ، وأن القضية لن تحل إلا بالمفاوضات ، وأن المقاومة والجهاد المسلح لن يحققا شيئـًا ... إنه يبرر عجزه وفشله وعدم قدرته على الضلوع بدور مصر ويحاول جاهدًا دفع الآخرين للتفريط والالتحاق بقطار السلام الكاذب دون تفكير فى العواقب .
ما فعلوه مع فلسطين والعراق يحاولون الآن فعله مع سوريا ..
والقضية السورية لا تبعد كثيرًا عن القضية العراقية أو الفلسطينية فكل شئ متصل بأمن إسرائيل وهيمنة أمريكا ، ولذلك فإنهم يحاصروا الشرفاء فى كل العواصم العربية وينكلوا بالمجاهدين فى كل دول العالم ويقللوا من شأن المقاومة وشرف الجهاد .
إن القضية الفلسطينية أشبه بالفتاة الجميلة والعفيفة التى لم يلوث شرفها إلا الحكام العرب بعد أن حاول القوادون دفعها إلى طريق البغاء والضلال ، ومع كل فشل كان يتم محاصرة الفتاة والتضييق عليها وقفل كل أبواب الرزق الحلال فى وجهها ومنعها من الحياة الحرة الكريمة ورميها بسوء التقدير وسوء التصرف والتزمت .
وفى كل وقت يذكروننا بالراقصة المصرية التى رافقت السادات فى رحلة السلام مع إسرائيل ، وأن هذه الراقصة التى رفضت الفتاة الفلسطينية السير معها تعيش الآن فى رفاهية ورغد وأمن وأمان ... يقولون ذلك ولا يحدثونا أبدا عن الثمن وعن الشرف الذى فقدته مصر ولا عزة النفس التى أهينت فى صدر كل مصرى ... إن مصر الآن يفترشها الكافر والفاجر ، ومن يريد أن يتعرف على الفرق بين الحلال والحرام فلينظر إلى مصر فى هذه الأيام ليتعرف على قصة بلد أهانه الحكام ومرغوا أنفه فى التراب ... مصر الآن بعد طول كفاح ونضال تعمل خادمة فى بيوت الصهاينة وقد تحول حاكمها إلى خادم لا يملك غير نعم وحاضر ، وليس له حق المناقشة أو الرد وما عليه إلا السمع والطاعة واستجلاب المزيد من الخدم للعمل فى قصور أمريكا .
إن القضية الفلسطينية يا بشار لم تكن قضية الفرص الضائعة كما يدعون دائمًا لكنها قضية الحكام الخونة العاجزين عن الجهاد .. القضية الفلسطينية ليست قضية الفرص الضائعة كما يقول مبارك ، وإنما هى قضية القيم الضائعة والإرتداد عن الثوابت والبعد عن الله ... إن كل الدول التى جمعها السلام مع إسرائيل هى التى تساعد أمريكا الآن فى العراق وهى التى تترك اليوم سوريا لتواجه مصيرها مع أمريكا دون عون أو مساندة ... إن مصر والأردن والسعودية وكل دول الخليج هم أدوات هدم أمريكية وهم محور الشر فى المنطقة العربية وهم الضالعين بتنفيذ كل المخططات الأمريكية والصهيونية ، وهم الذين ساعدوا على احتلال العراق وعملوا جاهدين على تثبيت أقدام أمريكا هناك ، وهم الذين مكنوا لإسرائيل فى المنطقة من خلال فتح الأسواق لمنتجاتها وتدعيم اقتصادها ... هذه الدول العربية العميلة هى التى تطارد مواطنيها الآن وتلقى بهم فى السجون والمعتقلات .
إعلم يا بشار أنك الآن أفضل ألف مرة ممن أقاموا سلام مع إسرائيل ..
إن السلام مع إسرائيل لم يثمر إلا النكد والذل والعيش فى هوان .. لقد اخترقت إسرائيل كل مؤسسات الدولة فى كل من مصر والأردن وأدخلت السعودية فى حرب أهلية تزداد كل يومًا ضراوة واتساعًا .
إعلم يا بشار أنك تعيش الآن فى حرية من القرار يحسدك عليها مبارك وخادم الحرمين .. إنهم مكبلين بالقيود والأغلال الأمريكية وليس لهم أى هامش من الحركة ، وقضيتك لن تكون أبدًا قضية الفرص الضائعة ، فالحقوق لا تضيع بالتقادم ، وقضيتك والقضية الفلسطينية ليست قضية الفرص الضائعة وإنما قضية الضمائر الخربه والقلوب الجامدة ، ومن الغباء أن يتجاهل الحاكم ذكاء شعبه وفهمه لكل ما يحدث فى المنطقة .
هل يتصور مبارك أننا بلهاء حتى نصدق أن الفلسطينيين ظلموا أنفسهم عندما رفضوا ما كان معروضًا عليهم أيام السادات ... إنه الكذب الوقح والزيف الواضح فإسرائيل قامت لتأخذ لا لتعطى ، والمثل العربى يقول "إن الحدأه لا ترمى كتاكيت" .
وماذا أخذت مصر من السلام مع إسرائيل ؟!!
هل أخذت أى حقوق أو مكاسب ؟!!
إن سيناء مرهونة لدينا بوصل أمانة، والدليل أننا لا نملك إدخال دبابة واحدة دون إذن إسرائيل وموافقتها ، ولا نستطيع أن ننشئ مطارًا عسكريًا ولا ننشر قواتـًا عسكرية على حدودنا مع إسرائيل ... لقد أعطونا سيناء من أجل شرم الشيخ ، وأعطوا لمبارك شرم الشيخ من أجل تأمين مصالحهم وتأمين أمنهم وأمن مبارك ومن أجل أن يعيش الأخير فى مأمن من شعبه ، فأصبحت صلاة العيد لا تصح إلا فى شرم الشيخ وإن تعذر إقامتها هناك ففى معسكر الجلاء ، ولا يوجد بديل آخر لحماية على بابا والأربعين حرامى .
إن التاريخ يحمل من العبر الكثير والكثير ولكن لمن يتعظ ويتدبر ، والمتأمل فى أحوال الأمة بجد أن كل ما أصابنا تم على يد الحكام من خلال التفريط والتنازل عن الحقوق المشروعة ، وهذه الأمور لا يمكن أن تكون الطريق الأمثل لحل المشاكل والخلافات ، والرضوخ للتخويف والتهديد لا يمكن أن يخلق الأمن والسلام ، وأمور البلطجة التى تمارسها أمريكا فى المنطقة العربية يجب أن تواجه بالتحدى وليس بالتفريط ، ويجب أن يدرك كل عاقل أن أمريكا كيان لا يعرف المنطق أو الاستقامة أو الثبات على مبدأ .. إنها تتغير حسبما تتغير المصالح .. لقد حملت الجلبى على رأسها وأتت به إلى العراق وبعد شهور قليلة وضعته تحت أقدامها ، ورفعت البرادعى إلى عنان السماء قبل اعتدائها على العراق وتركت له العنان ليقول ما يشاء عن أسلحة الدمار الشامل فى العراق ، ثم خسفت به الأرض وهى تستعد الآن لإعادته إلى بلاده على ظهر حمار أجرب ليصبح برادعى حقيقى وإسمًا على مسمى ... سوريا شاركت أمريكا فى ضرب وتدمير العراق فيما يعرف بحرب تحرير الكويت مخالفة بذلك كل الأعراف ، ولم يشفع لها هذا الفعل المشين وهى تواجه أمريكا الآن ... الأسرة الحاكمة فى السعودية لم يعد أمامها غير أن تمسح بلاط البيت الأبيض بأصابعها ودموعها ، وعلى الرغم من ذلك لا تعيش فى مأمن من التهديد الأمريكى المتواصل الذى يلاحقها صباح مساء ... مبارك فعل فى المنطقة العربية ما فعله يوسف والى فى مصر ، حيث قام ـ عن عمد أو جهل ـ بتدمير كل الثوابت وتحطيم كل القيم واستجلب شواذ الغرب وروض شيوخ الشرق ، ورغم كل ذلك مازال يعيش كاللعبة فى يد أمريكا تتقاذفه فى فلسطين تارة وفى ليبيا تارة وفى دمشق تارة ، ومازالت جالسة على قلبه ضاغطة على أنفاسه من أجل المزيد من التفريط .
التنازلات فى السياسات الدولية تعمل عمل المسكنات فى الطب ـ قد تخفى الألم لبعض الوقت وتؤجل المواجهة لمسافة أبعد لكنها لا تأتى بحقوق أبدًا ..
عبدالناصر ـ الذى أهرب من الحديث عنه لأسباب عديدة ـ ضرب لنا أروع الأمثلة فى التحدى والثبات عند المواجهة .. لم يتنازل بعد هزيمة 67 ولم يهن ولم يضعف ولم يساوم على حقوق بلاده واستمر فى كفاحه وتحديه لكل قوى البغى وجعل كل همه إعداد العدة للمواجهة وإزالة آثار العدوان حتى انتصرنا فى 73 بعد أقل من 6 سنوات من النكسة ، وعلى ما أذكر لم يفعل ذلك حاكمًا واحدًا فى الشرق أو الغرب ..
سوريا مطلوب منها الكثير ... وإذا عرفت طريق التنازلات فلن تجنى غير الحسرة ، وستصبح كمن صام العمر على الحلال ثم فطر فى نهاية المطاف على الحرام ...
أسأل الله الثبات للأسد والهداية للذئاب العربية التى تلتف من حوله .
بقلم : محمود شنب
mahmoudshanap@yahoo.com
مصيبة أن ترضخ سوريا للتهديدات الأمريكية وتنفذ كل ما يطلب منها وتنضم لقافلة العملاء والمأجورين ، فسوريا مازالت رغم بعض السقطات الحصن الباقى من حصون العرب والثوب الطاهر الذى لم يدنس بعد .
نعم ... سوريا تواجه ضغوطـًا رهيبة يشعر بها كل مخلص يعيش على أرض هذا الوطن ، وأمريكا واليهود يتميزوا بقدرة عجيبة على تحريك العالم أو إسكاته وتجميع كل الأنظار فى بؤرة واحدة والضغط على الخصم من كافة الاتجاهات من أجل محاصرة الفريسة والنيل منها .
لقد أقاموا القيامة من قبل على القذافى ، وعندما رضخ لمطالبهم إنتهت اللعبة وهدأت الحملة وسكنت الألسنة ، ولم يعد هناك إرهاب ليبى يهدد العالم ، ونام القذافى قرير عين الخيانة ضمن حريم السلطان الأمريكى ..
الآن تحدث الضغوط على سوريا من كافة المحاور وعلى كل المستويات ـ مشاكل فى لبنان ومشاكل مع أمريكا بسبب العراق ومشاكل الإدعاء بدعم الإرهاب ومشاكل إعاقة الديمقراطية فى المنطقة ، وقرارات تصدر من مجلس الأمن وانذارات تطلقها الإدارة الأمريكية ونصائح من مبارك وتهديد من إسرائيل ، وعلى سوريا أن تواجه كل ذلك منفردة فى ظل إنهيار المنظومة العربية وضعف الحكام العرب وتخوفهم من أمريكا .
لقد حمل بشار الأسد مسئولية القيادة فى ظل ظروف صعبة وأوضاع دولية بالغة السوء والتعقيد ، ولقد لمس الجميع منذ البداية ان بشار الأسد يحمل من الاباء العربى ما سيجعله مستهدفـًا دائمًا من قوى الشر العالمى ، وفى غضون سنوات قليلة استطاع بشار الأسد ترتيب البيت السورى من الداخل واستطاع توفير احتياجات سوريا من الغذاء وتحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح ووجود فائض للتصدير .. كل هذه الأمور أقلقت أمريكا وجعلتها فى حالة ترقب وقلق ـ خوفـًا على إسرائيل من جهة ، وخوفـًا على مشروعها الاستعمارى فى المنطقة من جهة أخرى ، وظلت الأمور على ذلك إلى أن وقعت الواقعة فى العراق وأصبح لأمريكا وإسرائيل ألف سبب وسبب فى التحرش بسوريا وإرغامها على قبول الأمر الواقع ودعم الموقف الأمريكى فى العراق .
ومشكلة بشار الأسد أنه يحمل سمات الرجل الحر فى زمن الهوان العربى ... المشكلة أنه أسد ظهر فى زمن الخراف .. فى زمن تجسدت فيه كل أشكال الذل والإنكسار والتبعية للغرب ، فأصبح غريبًا وسط قومه لا يجد من يستمع إليه أو يتبنى فكره ، ولقد قال عنه بوش ذات يوم ( إنه حاكم صغير السن تنقصه الحنكة والخبرة ) وأوصى مبارك بمعالجة الموقف وترويض الأسد ، وعلى الرغم من أن مبارك لم يدخر جهدًا فى هذا الخصوص إلا أن التحول ظل بطيئا وغير ملموسًا ، وظل الأسد أسد ولم يتحول إلى شئ آخر حتى بعد أن أثمرت وسائل الترغيب والترهيب وبدأ بشار فى تقديم بعض التنالات فيما يخص العراق وفلسطين ولبنان ، والتى ما كانت لتحدث أبدًا لولا نصائح الحكام العرب وعلى رأسهم مبارك ، والمشكلة التى يواجهها بشار هى نفس المشكلة التى واجهها صدام من قبل ، والتنازلات العربية تغرى أمريكا وتزيد من مطالبها ، وأجندة المطالب الأمريكية ليس لها سقف أو نهاية ، وأمريكا كالشيطان المارد الذى حذرنا الله تعالى منه وقال : (( ولا تتبعوا خطوات الشيطان )) فالإنسان لا يفقد شرفه دفعة واحدة ولا ينتقل من معسكر إلى معسكر إلا عن طريق تنازلات تبدو فى أولها بسيطة ، ومع الأيام يتحول الشخص من شخص إلى شخص ومن كيان إلى كيان ومن خندق إلى خندق ، وهذا ما يستدرج له بشار عن طريق التنازلات البسيطة والسير خلف أصحاب المشورة السوداء والتمسح بدعاوى التعقل والحكمة .
إن أمريكا عندما تنصب الفخ للآخرين لا تترك لهم ثغرة للفكاك وتجعل الخيار دائمًا يقع ما بين الموت والموت ولا نجاة إلا بالمقاومة والتمسك بالثوابت .
ما الذى فعله بشار الأسد لكى يحدث له كل ما يحدث الآن ؟!!
إنه لم ينقل حدود بلاده ليضعها على حدود العراق كما أنه ليس مسئولا عن نزوات بوش وتصرفاته الغبية فى العراق وهو لم يتدخل يومًا فى شئون أمريكا .. أمريكا هى التى تتدخل كل يوم فى شئونه وشئون بلاده ، وبشار لم يكن مسئولا عن حالة التشرذم العربى الذى أصاب الأمة على يد الحكام الخونة ممن انتهى عمرهم الافتراضى ، وعلى الرغم من كل ذلك وضعته أمريكا فى بؤرة الأحداث وأصبح مطلوبًا منه الرضوخ الكامل لهيمنتها وتنفيذ كل مطالبها ، ولا أحد الآن يذكر حقوق سوريا فى الجولان ولا دوافع بقاءها فى لبنان .. لا يذكرون إلا تشدد بشار وعناده .. لا يذكرون أرضه المحتلة ولا حقوقه المسلوبة بعد أن صارت العلاقات الدولية علاقات مصالح وليست علاقات مبادئ .. الغرب كله الآن يذكرنا بالواجبات ويطالبنا بالتنازل والتفريط ولا أحد يذكر حقوقنا ولا يؤيد حقنا فى المقاومة .. الجميع يطالبنا بالحكمة والتعقل وقبول الظلم والقهر ... ما من دولة عربية تستطيع أن تسمى الأحداث بمسمياتها الحقيقية .. ما من دولة عربية واحدة تستطيع أن تسمى المقاومة فى العراق مقاومة ، وما من دولة عربية واحدة طالبت أمريكا بالإنسحاب من العراق ، وما من دولة عربية واحدة أعلنت تأييدها للموقف السورى ودعم بشار الأسد ومساندته ... كل الدول العربية تم تقليم أظافرها ولم يتبقى غير سوريا ، وهذا ما يقلق أمريكا وإسرائيل ، والمطلوب هو دفع سوريا لخوض حرب شرسة تستنزف فيها الجهد وتستهلك فيها السلاح ، وما تفقده من سلاح سيكون صعب التعويض ، فأمريكا أصبحت قرصان وقاطع طريق ، وما كان بالأمس مسموحًا لم يعد اليوم ممكنـًا ، وتحت عنون مقاومة الإرهاب أصبح كل شئ مستباحًا ، وأمريكا عندما تحاصر دولة تجبر الآخرين على مشاركتها الحصار ، وعندما تمنع عن دولة تمنع الآخرين من العطاء .
فى الخمسينيات واجهت مصر حصارًا اقتصاديًا صعبًا استنفذ كل مخزونها من القمح والحبوب ، ولأن العالم لم يكن مثل عالم اليوم قامت روسيا بتحويل شحنة من القمح كانت متجهة إليها وحولتها وهى فى عرض البحر إلى مصر .. اليوم لا روسيا ولا غير روسيا يستطيع فعل ذلك ، ولو حدث لقامت أمريكا بتدمير السفن تحت دعاوى تهريب السلاح .. العالم اليوم لا تحكمه أى ضوابط ولا أخلاق ولا قانون دولى .. الأمم المتحدة ومجلس الأمن أصبحا أكبر المنظمات الإرهابية على مستوى العالم حيث تقنين الباطل وفرض الجور وممارسة الظلم وأكل الحقوق ، والعراق خير شاهد على ذلك ..
عالم اليوم تغير بالنسبة للضعفاء لكنه لم يتغير بالنسبة للأقوياء ، والدول الضعيفة هى التى تدفع الثمن ..
أين اتفاقيات الدفاع العربى المشترك ؟!!
أين السوق العربية ؟!!
أين الحد الأدنى من الدعم والمساندة والترابط ؟!!
إننا نعيش أشد لحظات الضعف والهوان والتشرذم ، ولن ينقذنا التسليم أو الخضوع فالفريسة إذا هدأت ذبحت واذا استكانت قتلت .
لابد من عودة سريعة لشرع الله الذى غاب عن تفكيرنا ، ولابد من الاحتماء بمن هو أقوى من أمريكا .. لابد من العودة إلى القرآن وتعاليمه وإجبار الحكام على ذلك .. القرآن يقول "قاتلوهم" ولم يقل "ساوموهم" .. القرآن يقول "واعتصموا" ولم يقل "تفرقوا" .. القرآن يقول "وليجدوا فيكم غلظة" ولم يقل "وليجدوا فيكم ذل وهوان أو غنيمة ومطمعًا" .. القرآن يقول "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون" ولم يقل "اخضعوا واركعوا وأنتم الأذلاء" .. القرآن يقول "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" فكيف نترك العراق يقاتل بمفرده ثم نترك سوريا تقاتل بمفردها ؟!! .. القرآن يقول "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله" فكيف نخاف من تكتل الغرب علينا لو اتحدنا واعتمدنا على الله ؟!!
إن التنازلات لن تنقذ سوريا .. سينقذ سوريا الثبات على المواقف ومواجهة الضغوط بالتضامن العربى ، ولو فرض على سوريا القتال فخير لها أن تقاتل وهى فى جانب الله من أن تقاتل وهى فى جانب الشيطان .
صدام لم يتنازل عن حقوق بلاده إلا بعد نصائح مبارك والقاده العرب ، وعندما صدقهم القول فعلوا معه ما يفعله الشيطان مع فريسته وقالوا : إنا برءاء منك إنا نخاف أمريكا !!
وخيار أمريكا دائمًا "الموت أو الموت" أما خيار الأبطال فهو "النصر أو الشهادة" وكلما أهينت أمريكا فى العراق كلما حاولت رد اعتبارها فى سوريا ، وستصبح سوريا دائمًا حجة أمريكا فى الفشل على الرغم من أن سوريا عرضت على أمريكا تسيير دوريات مشتركة على الحدود لكن أمريكا تريد أن تفرض على سوريا ما فرضته إسرائيل على الدول العربية المجاورة لها من خلال تأمين حدودها .. أمريكا تريد من سوريا دعم احتلالها للعراق والعمل حارسًا على الحدود .
ونصيحة للرئيس بشار الأسد :
دعك من طريق التنازلات وتمسك بمبادئ الشرف والكرامة واستعن بالله فى كل تحركاتك ولا تقبل النصح إلا من الشرفاء فنصائح الملوثين تقطر دماء ، وسيكون الله مع سوريا بقدر ما ستكون سوريا مع الله .. إفرج عن المعتقلين الإسلاميين .. أصلب على أعمدة الكهرباء كل من يتعاون مع أمريكا أو يتخابر معها ، فمثلهم هم الذين يتظاهرون الآن فى لبنان ويسقطوا الحكومة هناك ، ومثلهم هم الذين يحكموا الآن فى كل من أفغانستان وفلسطين والعراق ..
يا بشار ... إذا تم ترويض الأسد يتم نقله من الغابة إلى السيرك ويصبح مطية الأطفال ... لا تستمع لنصائح مبارك فلقد علمنا التاريخ أن مبارك ما دخل فى شئ إلا وأفسده وان نصائحه لا تفيد وحكمته لا تجدى ، وما تريده منك أمريكا يمهد له مبارك ، وقضايا الإسلام ستظل حية مادام الإسلام فينا .. قضايانا ليست قضايا الفرص الضائعة مثلما يدعى مبارك ... صدام حسين وهو فى الأسر أفضل لدينا من كل حكام العرب ... لا تستمع إلى نصائح مبارك فإنها تورد الشرفاء موارد التهلكة .
إن المنافق يعتمد كثيرًا على الكذب من أجل تبرير جرائمه ، ولا أدل على ذلك من معاودة تكرار مقولة ان الفلسطينيين خسروا الكثير عندما رفضوا السير مع السادات وأن ما كان معروضًا عليهم فى كامب ديفيد يفوق بكثير ما يجاهدون الآن من أجله .. هذا كذب وافتراء وبعدًا عن الحقيقة ، والإعلام المصرى هو الأكثر ترويجًا لهذا الإدعاء الباطل من أجل مساندة مبارك الذى لا يترك فرصة ولا مناسبة إلا ويكرر هذا القول واصمًا القضية الفلسطينية بأنها قضية الفرص الضائعة ، وأن القضية لن تحل إلا بالمفاوضات ، وأن المقاومة والجهاد المسلح لن يحققا شيئـًا ... إنه يبرر عجزه وفشله وعدم قدرته على الضلوع بدور مصر ويحاول جاهدًا دفع الآخرين للتفريط والالتحاق بقطار السلام الكاذب دون تفكير فى العواقب .
ما فعلوه مع فلسطين والعراق يحاولون الآن فعله مع سوريا ..
والقضية السورية لا تبعد كثيرًا عن القضية العراقية أو الفلسطينية فكل شئ متصل بأمن إسرائيل وهيمنة أمريكا ، ولذلك فإنهم يحاصروا الشرفاء فى كل العواصم العربية وينكلوا بالمجاهدين فى كل دول العالم ويقللوا من شأن المقاومة وشرف الجهاد .
إن القضية الفلسطينية أشبه بالفتاة الجميلة والعفيفة التى لم يلوث شرفها إلا الحكام العرب بعد أن حاول القوادون دفعها إلى طريق البغاء والضلال ، ومع كل فشل كان يتم محاصرة الفتاة والتضييق عليها وقفل كل أبواب الرزق الحلال فى وجهها ومنعها من الحياة الحرة الكريمة ورميها بسوء التقدير وسوء التصرف والتزمت .
وفى كل وقت يذكروننا بالراقصة المصرية التى رافقت السادات فى رحلة السلام مع إسرائيل ، وأن هذه الراقصة التى رفضت الفتاة الفلسطينية السير معها تعيش الآن فى رفاهية ورغد وأمن وأمان ... يقولون ذلك ولا يحدثونا أبدا عن الثمن وعن الشرف الذى فقدته مصر ولا عزة النفس التى أهينت فى صدر كل مصرى ... إن مصر الآن يفترشها الكافر والفاجر ، ومن يريد أن يتعرف على الفرق بين الحلال والحرام فلينظر إلى مصر فى هذه الأيام ليتعرف على قصة بلد أهانه الحكام ومرغوا أنفه فى التراب ... مصر الآن بعد طول كفاح ونضال تعمل خادمة فى بيوت الصهاينة وقد تحول حاكمها إلى خادم لا يملك غير نعم وحاضر ، وليس له حق المناقشة أو الرد وما عليه إلا السمع والطاعة واستجلاب المزيد من الخدم للعمل فى قصور أمريكا .
إن القضية الفلسطينية يا بشار لم تكن قضية الفرص الضائعة كما يدعون دائمًا لكنها قضية الحكام الخونة العاجزين عن الجهاد .. القضية الفلسطينية ليست قضية الفرص الضائعة كما يقول مبارك ، وإنما هى قضية القيم الضائعة والإرتداد عن الثوابت والبعد عن الله ... إن كل الدول التى جمعها السلام مع إسرائيل هى التى تساعد أمريكا الآن فى العراق وهى التى تترك اليوم سوريا لتواجه مصيرها مع أمريكا دون عون أو مساندة ... إن مصر والأردن والسعودية وكل دول الخليج هم أدوات هدم أمريكية وهم محور الشر فى المنطقة العربية وهم الضالعين بتنفيذ كل المخططات الأمريكية والصهيونية ، وهم الذين ساعدوا على احتلال العراق وعملوا جاهدين على تثبيت أقدام أمريكا هناك ، وهم الذين مكنوا لإسرائيل فى المنطقة من خلال فتح الأسواق لمنتجاتها وتدعيم اقتصادها ... هذه الدول العربية العميلة هى التى تطارد مواطنيها الآن وتلقى بهم فى السجون والمعتقلات .
إعلم يا بشار أنك الآن أفضل ألف مرة ممن أقاموا سلام مع إسرائيل ..
إن السلام مع إسرائيل لم يثمر إلا النكد والذل والعيش فى هوان .. لقد اخترقت إسرائيل كل مؤسسات الدولة فى كل من مصر والأردن وأدخلت السعودية فى حرب أهلية تزداد كل يومًا ضراوة واتساعًا .
إعلم يا بشار أنك تعيش الآن فى حرية من القرار يحسدك عليها مبارك وخادم الحرمين .. إنهم مكبلين بالقيود والأغلال الأمريكية وليس لهم أى هامش من الحركة ، وقضيتك لن تكون أبدًا قضية الفرص الضائعة ، فالحقوق لا تضيع بالتقادم ، وقضيتك والقضية الفلسطينية ليست قضية الفرص الضائعة وإنما قضية الضمائر الخربه والقلوب الجامدة ، ومن الغباء أن يتجاهل الحاكم ذكاء شعبه وفهمه لكل ما يحدث فى المنطقة .
هل يتصور مبارك أننا بلهاء حتى نصدق أن الفلسطينيين ظلموا أنفسهم عندما رفضوا ما كان معروضًا عليهم أيام السادات ... إنه الكذب الوقح والزيف الواضح فإسرائيل قامت لتأخذ لا لتعطى ، والمثل العربى يقول "إن الحدأه لا ترمى كتاكيت" .
وماذا أخذت مصر من السلام مع إسرائيل ؟!!
هل أخذت أى حقوق أو مكاسب ؟!!
إن سيناء مرهونة لدينا بوصل أمانة، والدليل أننا لا نملك إدخال دبابة واحدة دون إذن إسرائيل وموافقتها ، ولا نستطيع أن ننشئ مطارًا عسكريًا ولا ننشر قواتـًا عسكرية على حدودنا مع إسرائيل ... لقد أعطونا سيناء من أجل شرم الشيخ ، وأعطوا لمبارك شرم الشيخ من أجل تأمين مصالحهم وتأمين أمنهم وأمن مبارك ومن أجل أن يعيش الأخير فى مأمن من شعبه ، فأصبحت صلاة العيد لا تصح إلا فى شرم الشيخ وإن تعذر إقامتها هناك ففى معسكر الجلاء ، ولا يوجد بديل آخر لحماية على بابا والأربعين حرامى .
إن التاريخ يحمل من العبر الكثير والكثير ولكن لمن يتعظ ويتدبر ، والمتأمل فى أحوال الأمة بجد أن كل ما أصابنا تم على يد الحكام من خلال التفريط والتنازل عن الحقوق المشروعة ، وهذه الأمور لا يمكن أن تكون الطريق الأمثل لحل المشاكل والخلافات ، والرضوخ للتخويف والتهديد لا يمكن أن يخلق الأمن والسلام ، وأمور البلطجة التى تمارسها أمريكا فى المنطقة العربية يجب أن تواجه بالتحدى وليس بالتفريط ، ويجب أن يدرك كل عاقل أن أمريكا كيان لا يعرف المنطق أو الاستقامة أو الثبات على مبدأ .. إنها تتغير حسبما تتغير المصالح .. لقد حملت الجلبى على رأسها وأتت به إلى العراق وبعد شهور قليلة وضعته تحت أقدامها ، ورفعت البرادعى إلى عنان السماء قبل اعتدائها على العراق وتركت له العنان ليقول ما يشاء عن أسلحة الدمار الشامل فى العراق ، ثم خسفت به الأرض وهى تستعد الآن لإعادته إلى بلاده على ظهر حمار أجرب ليصبح برادعى حقيقى وإسمًا على مسمى ... سوريا شاركت أمريكا فى ضرب وتدمير العراق فيما يعرف بحرب تحرير الكويت مخالفة بذلك كل الأعراف ، ولم يشفع لها هذا الفعل المشين وهى تواجه أمريكا الآن ... الأسرة الحاكمة فى السعودية لم يعد أمامها غير أن تمسح بلاط البيت الأبيض بأصابعها ودموعها ، وعلى الرغم من ذلك لا تعيش فى مأمن من التهديد الأمريكى المتواصل الذى يلاحقها صباح مساء ... مبارك فعل فى المنطقة العربية ما فعله يوسف والى فى مصر ، حيث قام ـ عن عمد أو جهل ـ بتدمير كل الثوابت وتحطيم كل القيم واستجلب شواذ الغرب وروض شيوخ الشرق ، ورغم كل ذلك مازال يعيش كاللعبة فى يد أمريكا تتقاذفه فى فلسطين تارة وفى ليبيا تارة وفى دمشق تارة ، ومازالت جالسة على قلبه ضاغطة على أنفاسه من أجل المزيد من التفريط .
التنازلات فى السياسات الدولية تعمل عمل المسكنات فى الطب ـ قد تخفى الألم لبعض الوقت وتؤجل المواجهة لمسافة أبعد لكنها لا تأتى بحقوق أبدًا ..
عبدالناصر ـ الذى أهرب من الحديث عنه لأسباب عديدة ـ ضرب لنا أروع الأمثلة فى التحدى والثبات عند المواجهة .. لم يتنازل بعد هزيمة 67 ولم يهن ولم يضعف ولم يساوم على حقوق بلاده واستمر فى كفاحه وتحديه لكل قوى البغى وجعل كل همه إعداد العدة للمواجهة وإزالة آثار العدوان حتى انتصرنا فى 73 بعد أقل من 6 سنوات من النكسة ، وعلى ما أذكر لم يفعل ذلك حاكمًا واحدًا فى الشرق أو الغرب ..
سوريا مطلوب منها الكثير ... وإذا عرفت طريق التنازلات فلن تجنى غير الحسرة ، وستصبح كمن صام العمر على الحلال ثم فطر فى نهاية المطاف على الحرام ...
أسأل الله الثبات للأسد والهداية للذئاب العربية التى تلتف من حوله .