العربي بن سالم
04-03-2005, 05:30 PM
شهادة السيد سلام إسماعيل مسؤول إحدى قوافل المساعدات الإنسانية في مدينة الفلوجة.
هدى فوزي سالم
اصعب ما واجهني في بداية دخولي إلى المدينة هو الرائحة, رائحة يصعب وصفها بالكلمات, رائحة الموت التي سوف لن أنساها ما حييت, مئات الجثث المتعفنة, داخل البيوت, والحدائق, والشوارع. جثث لرجال ونساء وأطفال, نهشتها الكلاب الضالة, خلفتها موجة الحقد التي اكتسحت ثلثي المدينة, فدمرت البيوت والمدارس والعيادات الطبية. تلكم هي حقيقة الاجتياح الأمريكي الرهيب والمرعب لمدينة الفلوجة.
ستترك القصص التي سمعتها بعد وصولي إلى الفلوجة, في وصف ما حدث لسكانها, جرحا شاخصا في ذاكرتي لا يمكن إزالته إلى الأبد. ربما اعتقد البعض في انه على بينة مما حدث هناك.لا اعتقد ذلك, عندما أتأمل بما سمعته وشاهدته أجده يفوق الوصف والخيال.
في معسكر الصقلاوية, أحد معسكرات اللاجئين المحيطة بالفلوجة, التقينا بفتاة عمرها 17 عاما : ( اسمي هدى فوزي سالم العيساوي, من منطقة الجولان في الفلوجة) . صمتت للحظة ثم استرسلت في الحديث: ( حوصر خمسة من أفراد عائلتنا بينهم جارنا البالغ من العمر55 عاما داخل البيت بعد بدأ الحصار الذي فرضته قوات الاحتلال على المدينة, وفي 9 نوفمبر حضر المارينز إلى بيتنا, فخرج أبي وجارنا لمقابلتهم عند الباب, ولأننا لسنا بمقاتلين, اعتقدنا بأنه لا داع للخوف, في ذلك الأثناء أسرعت إلى المطبخ للبحث عن غطاء رأسي ( الذي أنقذ حياتي) تحسبا لدخول أحد ما إلى المنزل. وما أن فتح والدي وجارنا الباب حتى أطلق الجنود الأمريكان النار عليهم فقتلوهم على الفور .
اختفيت مع أخي البالغ من العمر 13 عاما خلف الثلاجة. دخل الجنود إلى المنزل وامسكوا بأختي الكبيرة, فانهالوا عليها ضربا وقتلوها بعد ذلك, لحسن حضي انهم لم يروني, وخرجوا, بعد أن كسروا الأثاث وسرقوا نقود والدي من جيبه).
وذكرت لي هدى بأنها كانت تواسي أختها التي كانت تحتضر بين أيديها لمدة أربعة ساعات قبل أن تفارق الحياة , بقراءة آيات من الذكر الحكيم . مكثت هدى وأخيها ثلاثة أيام متواصلة في البيت بين جثث العائلة رغم قلة الماء والغذاء عدى القليل من التمر. وفي الأخير حاولا الهرب من المدينة خوفا من عودة الجنود ثانية إلى البيت. لكن الحظ لم يحالفهما هذه المرة , فقد اعترض طريقهما أحد القناصة فأصيبت هدى في رجلها. أما أخيها فقد أصيب في ظهره ومات على الفور.( كنت ملقاة على الارض انتظر الموت كل لحظة, لولا إن مجندة أمريكية عثرت علي ونقلتني الى المستشفى ).
أياد ناجي لطيف
في 12 نوفمبر جمع أياد ناجي لطيف ما تيسر حمله من غذاء وكساء وتوجه مع أفراد عائلته المكونة من ثمان أشخاص, بينهم طفل لا يتجاوز الستة اشهر, قاصدين جامع الفرقان حسبما أمروهم بذلك من مكبرات الصوت.
وما أن وصلوا إلى الشارع الرئيسي حتى انطلق صوت عال لم تميز العائلة كنهه, قال لي أياد أن أحدهم على ما أظن صرخ “Now” أي الآن بالإنكليزية. وبعدها بدئوا بالرمي من كل الجهات..
جنود أمريكان ظهروا من سطوح البيوت المحيطة وبدئوا بإطلاق النار. والد أياد أصيب في قلبه وزوجته في الصدر فقتلوا على الفور.أصيب اثنين من اخوة أياد كذلك, أحدهم في الصدر والآخر في الرقبة. سيدتين من العائلة أصيبتا أيضا, إحداهن في الكف والأخرى في رجلها. بعد ذلك قتل القناصة زوجة أحد اخوة أياد, وحال سقوطها على الارض هرع إليها ابنها البالغ من العمر 5 سنوات, وبينما هو يقف عندها باغتته رصاصة طائشة فقتلته على الفور.
سكان المدينة الناجون وجهوا دعوات يائسة للجنود الأمريكان بوقف إطلاق النار , لكن الجنود الأمريكان واصلوا إطلاق نيرانهم على المواطنين رغم انهم خرجوا رافعين الأعلام البيضاء.
المستشفى
مستشفى الفلوجة الكبير احتلته القوات الأمريكية منذ اليوم الأول للحصار. أما المستشفى الثاني في حي النزال فقد ضرب لمرتين من قبل الأمريكان وقتل الطبيب ودمرت جميع مخازن الأدوية والمعدات.
لا توجد أية سيارات إسعاف في المدينة فالسيارتان الوحيدتان اللتان ذهبتا لمساعدة الجرحى تم استهدافهما وضربهما من قبل الأمريكان.
قمنا بزيارة الى حي الجولان, وهو حي صناعي فقير في الشمال الغربي من المدينة امتاز بتصديه البطولي للأمريكان في أول حصار فرضوه على المدينة في أبريل 2004. ولم ينس الأمريكان ذلك فأرادوا الانتقام من هذا الحي شر انتقام في اجتياحهم الحالي. تجولنا في البيوت بيتا بيتا وشاهدنا جثث آسر قتلت بأكملها ملقاة في كل مكان, على الآسرة, وفي المطابخ وغرف النوم وغرف الجلوس, والأثاث تحولت الى ركام والممتلكات مبعثرة في كل مكان.
وفي بعض الأماكن وجدنا جثثا لمقاتلين يرتدون ثيابا سوداء. وملتفون بأحزمة من الرصاص.
لكن القتلى في معظم البيوت كانوا من المدنيين. واغلبهم لازال في ملابس البيت. ومعظم النساء فارعات الرأس مما يعني أن البيوت كانت خالية من الرجال الغرباء. لم نعثر على أية أسلحة ولا حتى على طلقة واحدة. لا يعرف أحد من الذين قتلوا. فقوات الاحتلال تدفن الجثث بالبلدوزرات لكي تغطي على جريمتها. أن ما فعله الأمريكان في الفلوجة لا يمكن وصفه سوى انه عمل بشع وبربري, وان على العالم معرفة حقيقة ما حصل هناك من جرائم.
هدى فوزي سالم
اصعب ما واجهني في بداية دخولي إلى المدينة هو الرائحة, رائحة يصعب وصفها بالكلمات, رائحة الموت التي سوف لن أنساها ما حييت, مئات الجثث المتعفنة, داخل البيوت, والحدائق, والشوارع. جثث لرجال ونساء وأطفال, نهشتها الكلاب الضالة, خلفتها موجة الحقد التي اكتسحت ثلثي المدينة, فدمرت البيوت والمدارس والعيادات الطبية. تلكم هي حقيقة الاجتياح الأمريكي الرهيب والمرعب لمدينة الفلوجة.
ستترك القصص التي سمعتها بعد وصولي إلى الفلوجة, في وصف ما حدث لسكانها, جرحا شاخصا في ذاكرتي لا يمكن إزالته إلى الأبد. ربما اعتقد البعض في انه على بينة مما حدث هناك.لا اعتقد ذلك, عندما أتأمل بما سمعته وشاهدته أجده يفوق الوصف والخيال.
في معسكر الصقلاوية, أحد معسكرات اللاجئين المحيطة بالفلوجة, التقينا بفتاة عمرها 17 عاما : ( اسمي هدى فوزي سالم العيساوي, من منطقة الجولان في الفلوجة) . صمتت للحظة ثم استرسلت في الحديث: ( حوصر خمسة من أفراد عائلتنا بينهم جارنا البالغ من العمر55 عاما داخل البيت بعد بدأ الحصار الذي فرضته قوات الاحتلال على المدينة, وفي 9 نوفمبر حضر المارينز إلى بيتنا, فخرج أبي وجارنا لمقابلتهم عند الباب, ولأننا لسنا بمقاتلين, اعتقدنا بأنه لا داع للخوف, في ذلك الأثناء أسرعت إلى المطبخ للبحث عن غطاء رأسي ( الذي أنقذ حياتي) تحسبا لدخول أحد ما إلى المنزل. وما أن فتح والدي وجارنا الباب حتى أطلق الجنود الأمريكان النار عليهم فقتلوهم على الفور .
اختفيت مع أخي البالغ من العمر 13 عاما خلف الثلاجة. دخل الجنود إلى المنزل وامسكوا بأختي الكبيرة, فانهالوا عليها ضربا وقتلوها بعد ذلك, لحسن حضي انهم لم يروني, وخرجوا, بعد أن كسروا الأثاث وسرقوا نقود والدي من جيبه).
وذكرت لي هدى بأنها كانت تواسي أختها التي كانت تحتضر بين أيديها لمدة أربعة ساعات قبل أن تفارق الحياة , بقراءة آيات من الذكر الحكيم . مكثت هدى وأخيها ثلاثة أيام متواصلة في البيت بين جثث العائلة رغم قلة الماء والغذاء عدى القليل من التمر. وفي الأخير حاولا الهرب من المدينة خوفا من عودة الجنود ثانية إلى البيت. لكن الحظ لم يحالفهما هذه المرة , فقد اعترض طريقهما أحد القناصة فأصيبت هدى في رجلها. أما أخيها فقد أصيب في ظهره ومات على الفور.( كنت ملقاة على الارض انتظر الموت كل لحظة, لولا إن مجندة أمريكية عثرت علي ونقلتني الى المستشفى ).
أياد ناجي لطيف
في 12 نوفمبر جمع أياد ناجي لطيف ما تيسر حمله من غذاء وكساء وتوجه مع أفراد عائلته المكونة من ثمان أشخاص, بينهم طفل لا يتجاوز الستة اشهر, قاصدين جامع الفرقان حسبما أمروهم بذلك من مكبرات الصوت.
وما أن وصلوا إلى الشارع الرئيسي حتى انطلق صوت عال لم تميز العائلة كنهه, قال لي أياد أن أحدهم على ما أظن صرخ “Now” أي الآن بالإنكليزية. وبعدها بدئوا بالرمي من كل الجهات..
جنود أمريكان ظهروا من سطوح البيوت المحيطة وبدئوا بإطلاق النار. والد أياد أصيب في قلبه وزوجته في الصدر فقتلوا على الفور.أصيب اثنين من اخوة أياد كذلك, أحدهم في الصدر والآخر في الرقبة. سيدتين من العائلة أصيبتا أيضا, إحداهن في الكف والأخرى في رجلها. بعد ذلك قتل القناصة زوجة أحد اخوة أياد, وحال سقوطها على الارض هرع إليها ابنها البالغ من العمر 5 سنوات, وبينما هو يقف عندها باغتته رصاصة طائشة فقتلته على الفور.
سكان المدينة الناجون وجهوا دعوات يائسة للجنود الأمريكان بوقف إطلاق النار , لكن الجنود الأمريكان واصلوا إطلاق نيرانهم على المواطنين رغم انهم خرجوا رافعين الأعلام البيضاء.
المستشفى
مستشفى الفلوجة الكبير احتلته القوات الأمريكية منذ اليوم الأول للحصار. أما المستشفى الثاني في حي النزال فقد ضرب لمرتين من قبل الأمريكان وقتل الطبيب ودمرت جميع مخازن الأدوية والمعدات.
لا توجد أية سيارات إسعاف في المدينة فالسيارتان الوحيدتان اللتان ذهبتا لمساعدة الجرحى تم استهدافهما وضربهما من قبل الأمريكان.
قمنا بزيارة الى حي الجولان, وهو حي صناعي فقير في الشمال الغربي من المدينة امتاز بتصديه البطولي للأمريكان في أول حصار فرضوه على المدينة في أبريل 2004. ولم ينس الأمريكان ذلك فأرادوا الانتقام من هذا الحي شر انتقام في اجتياحهم الحالي. تجولنا في البيوت بيتا بيتا وشاهدنا جثث آسر قتلت بأكملها ملقاة في كل مكان, على الآسرة, وفي المطابخ وغرف النوم وغرف الجلوس, والأثاث تحولت الى ركام والممتلكات مبعثرة في كل مكان.
وفي بعض الأماكن وجدنا جثثا لمقاتلين يرتدون ثيابا سوداء. وملتفون بأحزمة من الرصاص.
لكن القتلى في معظم البيوت كانوا من المدنيين. واغلبهم لازال في ملابس البيت. ومعظم النساء فارعات الرأس مما يعني أن البيوت كانت خالية من الرجال الغرباء. لم نعثر على أية أسلحة ولا حتى على طلقة واحدة. لا يعرف أحد من الذين قتلوا. فقوات الاحتلال تدفن الجثث بالبلدوزرات لكي تغطي على جريمتها. أن ما فعله الأمريكان في الفلوجة لا يمكن وصفه سوى انه عمل بشع وبربري, وان على العالم معرفة حقيقة ما حصل هناك من جرائم.