منصور بالله
24-02-2005, 01:13 PM
الاسد ونصائح مبارك
2005/02/23
عبد الباري عطوان
عاود الرئيس حسني مبارك يوم امس هوايته في توجيه النصائح الي الزعماء العرب الذين يقفون علي اعتاب المواجهة مع الولايات المتحدة الامريكية، عندما حذر الرئيس السوري بشار الاسد من الوقوف امام ضغوط المجتمع الدولي، واوفد اليه اللواء عمر سليمان، رئيس المخابرات طالبا منه الانسحاب من لبنان.
نصائح الرئيس مبارك هذه يمكن الاستماع اليها، والعمل بها، لو كانت مرفوقة بوعد مصري بالوقوف الي جانب الموجهة اليهم، سياسيا وعسكريا اذا ما واجهوا غزوا امريكيا، ولكن ان تظل في اطار النصائح فقط، ومن اجل القول في مرحلة لاحقة باننا نصحناهم .. او اننا حذرناهم، ولم يستمعوا وعليهم تحمل النتائج فانها نصائح غير مقبولة في هذه الحالة، ولا تستحق الاستماع اليها.
ما هو مطلوب من الرئيس مبارك، باعتباره رئيس اكبر دولة عربية هو اكثر من النصائح، اي الالتزام بالدفاع عن الاشقاء العرب، والوقوف في وجه الهيمنة الامريكية الزاحفة علي المنطقة. والا فان نصائح الرئيس مبارك هذه يمكن فهمها علي انها محاولة للتغطية علي الانتفاضة الشعبية المصرية التي بدأت تطل برأسها ضد حكمه وتجسدت في المظاهرات الاخيرة الرافضة للتمديد والتوريث، والمطالبة بتنحيه بعد انتهاء ولايته الرابعة في الخريف المقبل.
ان هذه النصائح هي نذير شؤم ، فلم يوجه الرئيس مبارك نصائحه الي نظام وبقي في الحكم، او بقي رئيسه علي قيد الحياة. فقد وجه نصائح مماثلة الي الرئيس العراقي صدام حسين بالانصياع للارادة الدولية وتطبيق قراراتها، واعتقد الرئيس العراقي في حينها ان مصر ستلقي بثقلها خلفه وستحمي نظامه، واشتري ما قيمته اربعة مليارات دولار من منتوجاتها لمساعدة اقتصادها، ليكتشف بعد ذلك ان الحكومة المصرية قدمت لامريكا صورا ووثائق تؤكد امتلاك العراق معامل كيماوية وبيولوجية متنقلة تنتج اسلحة دمار شامل. وهي الصور التي استخدمها كولن باول وزير الخارجية الامريكية في حينها امام مجلس الامن الدولي كدليل دامغ لادانة العراق وتبرير غزوه واحتلاله. وهي الصور التي اعتذر عنها لاحقا لمجلس الامن لانها كانت مزورة.
وربما يفيد التذكير بان نصائح مماثلة جري توجيهها للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وادت الي وقوعه تحت الحصار الاسرائيلي ثلاث سنوات سجينا في مكتبه لم يستطع مغادرته، وكانت آخر التحذيرات برفع الحماية المصرية عنه اذا لم ينفذ حرفيا ما يريده شارون، وفعلا انتهي الرجل مسموما، وجري ترتيب جنازة فخمة له في القاهرة.
ولعل الزعيم الليبي معمر القذافي هو الناجي الوحيد من مصيدة هذه النصائح، التي اطالت عمر الحصار المفروض عليه ولم تقصره. فعندما قرر في اللحظة الاخيرة عدم الاستماع اليها، واستقبال مبعوثي الرئيس مبارك في حجيجهم المتواصل الي خيمته في سرت، واللجوء الي الوساطات الافريقية وخاصة الزعيم الافريقي نيلسون مانديلا، انكسر الحصار، وبدأت ليبيا تتعافي تدريجيا من اثار العزلة والحصار.
ولا نعرف لماذا يستمع الرئيس بشار الاسد الي نصائح الرئيس مبارك، التي حملها اليه اللواء سليمان، اذا كان مضمونها هو القبول بالشروط الامريكية كاملة، والانسحاب فورا من لبنان. فباستطاعته ان يذهب مباشرة الي البيت الابيض وقصر الاليزيه، ويبلغ ساكنيهما بانه مستعد للتنفيذ دون تلكوء، ويعرض عليهما جدولا زمنيا لسحب قواته من الاراضي اللبنانية. مثل هذا القرار لا يحتاج الي حل عربي ، ولا الي وساطات الرئيس مبارك ونصائحه. فالانظمة العربية لا تملك اراداتها، ولا قرارها المستقل، وتتلقي التعليمات مباشرة من واشنطن.
الرئيس مبارك، في اعتقادنا، هو اكثر زعيم عربي يستحق النصيحة بضرورة الاستماع الي شعبه ومطالبه في الاصلاح الديمقراطي، والتراجع عن قراراته في تمديد فترة رئاسته وتوريث ابنه السلطة، وتحويل مصر الي عزبة للاسرة الحاكمة وبعض الملتفين حولها. فقد طفح كيل الشعب المصري من استشراء الفساد والمحسوبية والارتماء الكامل تحت اقدام امريكا واسرائيل.
طالبنا ونطالب سورية بالانسحاب الكامل من لبنان، ليس استجابة لمطالب امريكا والمعارضة اللبنانية، وانما استجابة لمطالب الشعب السوري نفسه، فبقاء سورية وقواتها في لبنان بات خطرا عليها، والمهمة التي جاءت من اجلها اي حفظ الامن والاستقرار في لبنان جري انجازها.
وربما نفاجئ الكثيرين اذا قلنا بان انسحاب سورية مهانة مهزومة من لبنان بالطريقة التي نري ارهاصاتها حاليا، سينعكس سلبا علي لبنان المستقبل وامنه واستقراره، لان هذه الاهانة ستخلق جرحا من الصعب ان يندمل. ونخشي ان يأتي اليوم الذي تندم فيه الغالبية الساحقة من اللبنانيين، وبعد ذلك الامريكان والاسرائيليون علي اليوم الذي ضغطوا من اجل خروج القوات السورية بالقوة والتهديد والوعيد، مثلما ندم الكثير من العراقيين علي الاستنجاد بالقوات الامريكية، ومثلما ندمت امريكا اساسا علي تورطها في العراق.
سورية مستهدفة، ولا نستغرب ان يكون قرار تغيير النظام فيها قد صدر، وعملية تنفيذه التدريجي ستبدأ بالانسحاب من لبنان. وطالما اننا في موسم النصائح، فان نصيحتنا للرئيس السوري بشار الاسد تتلخص في ضرورة العودة الي شعبه، من حيث مصارحته، ومخاطبته مباشرة، وعرض كل الحقائق عليه دون رتوش. ننصحه ان يعترف بوقوع اخطاء، وحدوث تجاوزات، وارتكاب مظالم في حقه علي مدي الثلاثين عاما الماضية، وان يعده صادقا بان المرحلة المقبلة ستكون مختلفة لا مكان فيها للفساد والفاسدين، عنوانها الاصلاحات الديمقراطية والاقتصادية واحترام حقوق الانسان واطلاق التعددية السياسية.
سورية ما زالت قوية، وتملك اوراقا كثيرة، واذا قررت المقاومة فانها تستطيع ان تجعل من يستهدفونها يدفعون ثمنا غاليا. وحتي اذا لم تقاوم فان انهيار نظامها علي ايدي امريكا واسرائيل سيغير المعادلات القائمة في المنطقة، ويكفي ان نتصور التقاء المقاومتين السورية والعراقية ضد امريكا واسرائيل، وانضمامهما الي حزب الله في لبنان وحماس والجهاد في فلسطين. انهيار سورية وتحويلها الي دولة فاشلة وملاذ آمن للتطرف مثل العراق سيكون اكبر كارثة تحل بالعالم الغربي.
حزب الله اجبر اسرائيل علي الانسحاب مهزومة من لبنان، وفقراء غزة وجنين اجبروا شارون علي الهروب بمستوطناته ومستوطنيه دون شروط، لسبب بسيط وهو عدم وجود نظام يقمعهم ويتاجر بهم. انهيار النظام في سورية، لو حدث، ربما يكون اسرع وسيلة لتحرير الجولان، وربما كل الاراضي العربية المحتلة الاخري.
2005/02/23
عبد الباري عطوان
عاود الرئيس حسني مبارك يوم امس هوايته في توجيه النصائح الي الزعماء العرب الذين يقفون علي اعتاب المواجهة مع الولايات المتحدة الامريكية، عندما حذر الرئيس السوري بشار الاسد من الوقوف امام ضغوط المجتمع الدولي، واوفد اليه اللواء عمر سليمان، رئيس المخابرات طالبا منه الانسحاب من لبنان.
نصائح الرئيس مبارك هذه يمكن الاستماع اليها، والعمل بها، لو كانت مرفوقة بوعد مصري بالوقوف الي جانب الموجهة اليهم، سياسيا وعسكريا اذا ما واجهوا غزوا امريكيا، ولكن ان تظل في اطار النصائح فقط، ومن اجل القول في مرحلة لاحقة باننا نصحناهم .. او اننا حذرناهم، ولم يستمعوا وعليهم تحمل النتائج فانها نصائح غير مقبولة في هذه الحالة، ولا تستحق الاستماع اليها.
ما هو مطلوب من الرئيس مبارك، باعتباره رئيس اكبر دولة عربية هو اكثر من النصائح، اي الالتزام بالدفاع عن الاشقاء العرب، والوقوف في وجه الهيمنة الامريكية الزاحفة علي المنطقة. والا فان نصائح الرئيس مبارك هذه يمكن فهمها علي انها محاولة للتغطية علي الانتفاضة الشعبية المصرية التي بدأت تطل برأسها ضد حكمه وتجسدت في المظاهرات الاخيرة الرافضة للتمديد والتوريث، والمطالبة بتنحيه بعد انتهاء ولايته الرابعة في الخريف المقبل.
ان هذه النصائح هي نذير شؤم ، فلم يوجه الرئيس مبارك نصائحه الي نظام وبقي في الحكم، او بقي رئيسه علي قيد الحياة. فقد وجه نصائح مماثلة الي الرئيس العراقي صدام حسين بالانصياع للارادة الدولية وتطبيق قراراتها، واعتقد الرئيس العراقي في حينها ان مصر ستلقي بثقلها خلفه وستحمي نظامه، واشتري ما قيمته اربعة مليارات دولار من منتوجاتها لمساعدة اقتصادها، ليكتشف بعد ذلك ان الحكومة المصرية قدمت لامريكا صورا ووثائق تؤكد امتلاك العراق معامل كيماوية وبيولوجية متنقلة تنتج اسلحة دمار شامل. وهي الصور التي استخدمها كولن باول وزير الخارجية الامريكية في حينها امام مجلس الامن الدولي كدليل دامغ لادانة العراق وتبرير غزوه واحتلاله. وهي الصور التي اعتذر عنها لاحقا لمجلس الامن لانها كانت مزورة.
وربما يفيد التذكير بان نصائح مماثلة جري توجيهها للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وادت الي وقوعه تحت الحصار الاسرائيلي ثلاث سنوات سجينا في مكتبه لم يستطع مغادرته، وكانت آخر التحذيرات برفع الحماية المصرية عنه اذا لم ينفذ حرفيا ما يريده شارون، وفعلا انتهي الرجل مسموما، وجري ترتيب جنازة فخمة له في القاهرة.
ولعل الزعيم الليبي معمر القذافي هو الناجي الوحيد من مصيدة هذه النصائح، التي اطالت عمر الحصار المفروض عليه ولم تقصره. فعندما قرر في اللحظة الاخيرة عدم الاستماع اليها، واستقبال مبعوثي الرئيس مبارك في حجيجهم المتواصل الي خيمته في سرت، واللجوء الي الوساطات الافريقية وخاصة الزعيم الافريقي نيلسون مانديلا، انكسر الحصار، وبدأت ليبيا تتعافي تدريجيا من اثار العزلة والحصار.
ولا نعرف لماذا يستمع الرئيس بشار الاسد الي نصائح الرئيس مبارك، التي حملها اليه اللواء سليمان، اذا كان مضمونها هو القبول بالشروط الامريكية كاملة، والانسحاب فورا من لبنان. فباستطاعته ان يذهب مباشرة الي البيت الابيض وقصر الاليزيه، ويبلغ ساكنيهما بانه مستعد للتنفيذ دون تلكوء، ويعرض عليهما جدولا زمنيا لسحب قواته من الاراضي اللبنانية. مثل هذا القرار لا يحتاج الي حل عربي ، ولا الي وساطات الرئيس مبارك ونصائحه. فالانظمة العربية لا تملك اراداتها، ولا قرارها المستقل، وتتلقي التعليمات مباشرة من واشنطن.
الرئيس مبارك، في اعتقادنا، هو اكثر زعيم عربي يستحق النصيحة بضرورة الاستماع الي شعبه ومطالبه في الاصلاح الديمقراطي، والتراجع عن قراراته في تمديد فترة رئاسته وتوريث ابنه السلطة، وتحويل مصر الي عزبة للاسرة الحاكمة وبعض الملتفين حولها. فقد طفح كيل الشعب المصري من استشراء الفساد والمحسوبية والارتماء الكامل تحت اقدام امريكا واسرائيل.
طالبنا ونطالب سورية بالانسحاب الكامل من لبنان، ليس استجابة لمطالب امريكا والمعارضة اللبنانية، وانما استجابة لمطالب الشعب السوري نفسه، فبقاء سورية وقواتها في لبنان بات خطرا عليها، والمهمة التي جاءت من اجلها اي حفظ الامن والاستقرار في لبنان جري انجازها.
وربما نفاجئ الكثيرين اذا قلنا بان انسحاب سورية مهانة مهزومة من لبنان بالطريقة التي نري ارهاصاتها حاليا، سينعكس سلبا علي لبنان المستقبل وامنه واستقراره، لان هذه الاهانة ستخلق جرحا من الصعب ان يندمل. ونخشي ان يأتي اليوم الذي تندم فيه الغالبية الساحقة من اللبنانيين، وبعد ذلك الامريكان والاسرائيليون علي اليوم الذي ضغطوا من اجل خروج القوات السورية بالقوة والتهديد والوعيد، مثلما ندم الكثير من العراقيين علي الاستنجاد بالقوات الامريكية، ومثلما ندمت امريكا اساسا علي تورطها في العراق.
سورية مستهدفة، ولا نستغرب ان يكون قرار تغيير النظام فيها قد صدر، وعملية تنفيذه التدريجي ستبدأ بالانسحاب من لبنان. وطالما اننا في موسم النصائح، فان نصيحتنا للرئيس السوري بشار الاسد تتلخص في ضرورة العودة الي شعبه، من حيث مصارحته، ومخاطبته مباشرة، وعرض كل الحقائق عليه دون رتوش. ننصحه ان يعترف بوقوع اخطاء، وحدوث تجاوزات، وارتكاب مظالم في حقه علي مدي الثلاثين عاما الماضية، وان يعده صادقا بان المرحلة المقبلة ستكون مختلفة لا مكان فيها للفساد والفاسدين، عنوانها الاصلاحات الديمقراطية والاقتصادية واحترام حقوق الانسان واطلاق التعددية السياسية.
سورية ما زالت قوية، وتملك اوراقا كثيرة، واذا قررت المقاومة فانها تستطيع ان تجعل من يستهدفونها يدفعون ثمنا غاليا. وحتي اذا لم تقاوم فان انهيار نظامها علي ايدي امريكا واسرائيل سيغير المعادلات القائمة في المنطقة، ويكفي ان نتصور التقاء المقاومتين السورية والعراقية ضد امريكا واسرائيل، وانضمامهما الي حزب الله في لبنان وحماس والجهاد في فلسطين. انهيار سورية وتحويلها الي دولة فاشلة وملاذ آمن للتطرف مثل العراق سيكون اكبر كارثة تحل بالعالم الغربي.
حزب الله اجبر اسرائيل علي الانسحاب مهزومة من لبنان، وفقراء غزة وجنين اجبروا شارون علي الهروب بمستوطناته ومستوطنيه دون شروط، لسبب بسيط وهو عدم وجود نظام يقمعهم ويتاجر بهم. انهيار النظام في سورية، لو حدث، ربما يكون اسرع وسيلة لتحرير الجولان، وربما كل الاراضي العربية المحتلة الاخري.