الناصر
20-02-2005, 02:05 AM
الايدي المتواطئة
بين الفلوجة والموصل
رائد الحامد
ليس تجنّياً القول أنّ معركة الفلوجة الثانية أفرزت بعض النتائج التي أجبرت المقاومة الوطنية العراقية على إجراء المزيد من التغييرات الجذرية في مجال إعادة تنظيم الفصائل المسلّحة بهيكلة جديدة مغايرة لما كانت عليه قبل تلك المعركة, إضافة إلى إعادة النظر في مصادر التمويل المالي ومنافذ الحصول على السلاح, بعد أن تبيّن بما لا يدع مجالاً للشك, أنّ هذين العاملين هما من أهم العوامل التي ساعدت قوات الاحتلال والأجهزة المخابراتية التابعة لها في الحكومة المؤقتة على اختراق البنية الأساسية للعمل المقاوم، مما سهل عليها مهمة اعتقال بعض القيادات العسكرية والتنظيمية المهمة ، وبالتّالي الحصول على المزيد من المعلومات وانتزاع الاعترافات الخطيرة التي لابدّ أن تلحق ضرراً بالمقاومة ، إلاّ أنّ هذا الضرر لم يكن ذا اثر واضح على عمل المقاومة وفاعليتها ، بل على العكس من ذلك تماما، فعلى الرغم من تراجع الإعلام المصوّر العربي والعالمي كلياً عن نقل حقائق الأرض في الفلوجة ، إلاّ أنّ ما تعلنه قوات الاحتلال من بيانات يومية تتضمّن قيامها بقصف أحياء متعددة في مدينة الفلوجة ، وخصوصاً الشهداء ونزال والجولان وجبيل وغيرها، بقذائف الدبابات وصواريخ الطائرات المقاتلة ، يعني أنّ المقاومة العراقية لازالت تخوض معارك شرسة رغم مرور أكثر من شهرين على بداية معركة الفلوجة ، وأنّ قوات الغزو ومسانديها لم تفرض سيطرتها إلاّ على أحياء هجرها أهلها أصلاً، وهذا يفسّر أيضاً عدم عودة أهل الفلوجة إلى بيوتهم كما وعدت ادارة الاحتلال, رغم أنّ مشاهدات أهلها تؤكّد أنّ هذه المدينة لم تعد صالحة للسكن الآدمي بأبسط مستلزماته الحياتية بسبب ما لحق بها من خراب ودمار تامّين على يد الغزاة من القوات متعددة الجنسيات ومسانديها من العراقيين, يضاف إلى هذا وغيره أنّ هذه المعركة سبقت بعدة اشهر ما يسمى بالانتخابات المقرّر إجراؤها في الثلاثين من كانون الثاني 2005 ، أي أنّ هذه المعركة في المعيار التاريخي تعتبر متزامنة مع الانتخابات, وهذا التزامن ونتائج معركة الفلوجة الثانية كما فهمتها بعض القيادات الدينية والسياسية المناهضة للاحتلال ، لا كما هي حقيقتها، دفعت ببعض هذه القيادات الرافضة أساساً للعملية السياسية في الظرف الموضوعي الراهن إلى الانحياز جزئياً نحو الرغبة في المشاركة بها وإن لم يصرحوا بهذا علناً ، بل يمكن أن نستشف هذا من خلال التراجع الملحوظ في الخطاب الإعلامي لها ، وما يتضمّنه من ليونة في الموقف من العملية السياسية ككل ، وتدنّي سقف مطالبهم إلى الحدّ الذي لم تعد هناك من إمكانية واضحة للفرز اليقيني بين حقيقة الموقف الآني لهؤلاء ، فهل تهاووا إلى مستوى أولئك الذين حملوا دبابات المحتل على أكتافهم ؟ أم أنّ هؤلاء ارتقوا في موقفهم إلى الفريق الثاني ؟, وقد يكون الاحتمال الأول هو الأقرب إلى الواقع, خصوصاً إذا استرجعنا بعض مواقفهم الحالية, وما تؤشر إليه في هذا الإطار عملية فتح أشكال من قنوات الاتصال بحجة الحوار مع إدارة الاحتلال ممثلة بالسفير الصهيوني نغروبونتي ، عن طريق الزيارات أو المراسلات.
يأتي ما ورد في ذات الوقت الذي نرى فيه حتّى أولئك المتحمسين بشدة للانتخابات, أو المندفعين باتجاه إجرائها منطلقين من إيمانهم بأنّها تحقق مصالحهم المشتركة مع إدارة الاحتلال ، حتّى هؤلاء تراجعوا عن إصرارهم المعلن عن إجرائها في موعدها المحدّد ، بل وطالبوا علناً بضرورة تأجيلها ، بمن فيهم قيادات حركة الوفاق برئاسة السيد اياد علاوي رئيس الحكومة المؤقتة المعيّنة من الاحتلال ، وكذلك بعض الأصوات من داخل الإدارة الأمريكية ذاتها ، وأخيراً كتلة السيّد عبد العزيز الحكيم المدعومة من قبل المرجع الشيعي الأعلى السيّد علي السيستاني الذي لم يبق من المصرّين على إجرائها في موعدها إلاّ هو لحسابات معروفة تنطلق من رؤية مذهبية يراد لها أن تحدد مصير العراق ومستقبله ، وكذلك الرئيس الأمريكي جورج بوش بدافع من رؤية المحافظين الجدد غير المعلنة في ضرورة صبّ الزيت على نار الاقتتال الداخلي ، ثمّ انضم إليهما السيّد أياد علاوي متراجعا عن موقف كتلته لدوافع معروفة تتعلّق بمتطلبات الوضع الذيلي التابع ، وقد لا ينمّ موقفه عن إيمان صميمي بصحة موعدها ، وقد استجدى رئيسه جورج بوش لتأجيل الانتخابات خلال مكالمة هاتفية أعقبت الهجوم على مقرّ حركة الوفاق بساعات ، وأخيراً شيخ الأزهر الشريف الذي فقد في الأعوام الأخيرة احترامه الشخصي من عموم المسلمين ، وأضرّ عن قصد بسمعة مؤسسة الأزهر الشريف ومكانتها ودورها التاريخي ، ويدعو هذا إلى ضرورة اشتراك العراقيين بالانتخابات وشرعيتها في ذات الوقت الذي يطالب رئيسه حسني مبارك بضرورة بقاء قوات الاحتلال في العراق تجنّباً لاقتتال طائفي ، ويبدو أنه ينطلق في هذا من حرصه على أرواح العراقيين ومصالحهم!.
إنّ كلّ ما ورد لا يعني أنّ المقاومة العراقية تراجعت بعد تلك المعركة, بل على العكس من ذلك, فجرائم الغزاة والقوات المساندة لها من الحرس الوطني وميليشيات الأحزاب العميلة, والتي ثبت بما لا يدع مجالا للشك مشاركتها في كل الجرائم الأمريكية ضد المدينة بما فيها من حجر وارواح بريئة أثبتت الصور الضوئية المنقولة من هناك انها لم تكن للإرهابيين وحدهم كما يدعون, بل طالت الطفل والمرأة والشيخ المسن, هذه الجرائم ورغم الشعور بمرارة الصمت الشعبي العربي وردة الفعل الخجولة قياسا إلى معركة الفلوجة الأولى التي رغم هزيمة المحتلين وأدواتهم فيها إلاّ أنّ الأضرار التي تسببت فيها وحجم الجرائم المرتكبة لا تصح فيها المقارنة مع معركة الفلوجة الثانية, إلا أنّ هذه الجرائم وطبيعة انتماءات الأدوات العرقية والمذهبية المنفذة, لاشك في إنها أحدثت شرخاً في النسيج الوطني للمجتمع العراقي الذي تمكّن الأعداء من هلهلته بعد انتكاسة 9/4 بأيد عراقية عميلة, وزاد في الأمر خطورة أنها تواطأت مع قوات الاحتلال في ارتكاب الجرائم بحقّ العراقيين من أبناء الفلوجة ، وهذا التواطؤ اتخذ الأسس العرقية والمذهبية دافعاً لارتكاب الجرائم ، بل إنّ هذه الأيدي المتواطئة كانت أشدّ جرماً وقسوة من قوات الاحتلال ذاتها, وهذا التواطؤ ساهم في زيادة الفجوة بين مكوّنات الشعب العراقي في حين كان الأمل في التجسير لا في الزيادة والاتساع.
لا يمكن النظر إلى العواقب والنتائج المستقبلية للتواطؤ الذي حصل في معركة الفلوجة الثانية بتلك السهولة التي يتخيلها المرء ، فانتماء المتواطئين العرقي والمذهبي هو مكمن الخطورة فيما حصل ، ولا يمكن أن تبين انعكاساته بين ليلة وضحاها, لأسباب أبرزها الوضع الميداني الآن من حيث عدم استقرار أبناء الفلوجة واستمرار تشرّدهم في المدن الأخرى والمخيمات ، إضافة إلى الانتشار الأفقي للمقاومين على امتداد الرقعة الجغرافية للعراق وتشتيت قياداتهم واعتقال العديد منها ، لهذا قد يحتاج الأمر لأكثر من عدة شهور لملاحظة تلك الانعكاسات وتجسيدها على الأرض بعد عودة المواطنين إلى مدينتهم والاطمئنان إلى الاستقرار المعيشي لعوائلهم المشردة الآن ، عند ذاك سيبقى العدو الأول هو قوات الاحتلال غير العراقية فيما ساهم المتواطئون في جعل أنفسهم أعداءا لأبناء الفلوجة الذين لن يغفروا لهم جرائمهم طال الزمان أم قصر ، وقد اختار المتواطئون بأنفسهم وبإيحاء من إدارة الاحتلال كما أشرنا, أسساً عدائية ضدّ أبناء الشعب الواحد مبنية على دوافع عرقية ومذهبية ، وبذلك يكونوا قد أسسوا لحالة من العداء التاريخي بين مكوّنات الشعب العراقي، لن تجدي معها شعارات المصالحة الوطنية وضرورة المشاركة في رسم مستقبل العراق وغيرها, كما حصل في المؤتمر الذي عقد برعاية مسعود البرزاني, ودعوات السيد عبد العزيز الحكيم لتمثيل السنة في الحكومة المقبلة بغض النظر عن نتائج الاقتراع, وهما طرفا مؤتمر طهران قبيل الغزو الصهيوريكي للعراق بأسابيع, هذا المؤتمر الذي بنى الأسس العملية لإقصاء السنة وتهميش دورهم مستقبلا وعزلهم برعاية أمريكية إيرانية مشتركة.
لم تكن الدعوات الأخيرة التي انطلقت من الاتجاهات المتواطئة بضرورة مشاركة أبناء السنّة في العملية السياسية وتأجيل الانتخابات بمعزل عن محاولات يائسة لاستعادة الودّ المفقود مع أبناء الفلوجة تحديداً ، وهذه المواقف لاتعني شيئا, ولن ينظر إليها بحسن نية أبدا, خاصة بعد أن أيقن أبناء الفلوجة مدى قذارة ودناءة التواطؤ والاستعانة بالأجنبي ضدّ أبناء الشعب الواحد, فهذه الاتجاهات تدرك جيداً أنّ هذا الاستهداف لابدّ أن يولّد استهدافاً معاكساً وردّة فعل ضد الأطراف التي باشرت العدوان، خاصّة وأنّ استهداف أبناء الفلوجة لم يكن استهدافاً لهم بالذات, بل هو استهداف لكل ما يمثله هؤلاء من انتماء قومي ومذهب ديني ، وهي تدرك أيضاً أنّ أبناء الفلوجة بهذا المعنى ليسوا وحدهم على الإطلاق, بل يقف معهم ووراءهم كلّ الانتماء القومي والمذهبي ليس على المستوى الوطني فحسب, بل يتعدّى الأمر ذلك إلى المحيط العربي والإسلامي أيضاً ، وما حدث في مجلس النواب البحريني يؤكّد صحّة ما ورد ، وبالتّالي فإنّ الجهات المتواطئة إما أن تكون فعلاً ضحية المشروع الصهيوركي أو أنها اختارت بنفسها ذلك, ونتمنى أن لا يكون الأمر كذلك.
ولكن ما علاقة كل هذا ببوادر ما قد يحدث في الموصل؟
ما يجري في الموصل الآن, عبارة عن محاولة تكرار ما حدث في الفلوجة الثانية ، ولكن الفرق بينهما هو الدلائل التي أسستها وقائع الفلوجة الثانية من شعور العرب السنة في الفلوجة والآخرين الذين تآزروا معهم قولا او فعلا, الذين رأوا الحيف والجرائم التي ارتكبت بحقهم من أبناء شعبهم ( كتعبير مجازي ) عن القوى العراقية المسلحة من الجيش الجديد والحرس الوطني وكتائب الأحزاب والحركات المذهبية والعرقية المسلحة, وهذا الشعور بأن الأجنبي ليس وحده من قتل الطفل والمرأة والشيخ المسن,ّ وليس وحده من هدم البيوت وأحرق العقارات وانتهك حرمات بيوت الله، وهذه البيوت وكثرتها هي رمز لمدينتهم, هذا الذي حدث في الفلوجة الثانية, ويحاولون تكراره بذات الأدوات والأسلوب في مدينة أخرى بينهما قواسم مشتركة وأوجه شبه متعددة ، فالموصل هي أيضاً مدينة عربية سنيّة كما هي الفلوجة, وهي أيضاً مدينة تعتز بكثرة مساجدها كما هي الفلوجة وأهلها المتمسكون بالإسلام كدين وعقيدة وبالعروبة كقومية وانتماء كذلك هم أهل الموصل .
وفي المقابل فإنّ الأسلوب الذي استخدمته قوات الاحتلال ومساندوها من حصار وإغلاق للمفترقات وحشود عسكرية وقصف تمهيدي بالطائرات وقذائف الدبابات, وكذلك هو الأمر بالنسبة للأدوات والقوى المنفذة ، فهم قوات الاحتلال الأجنبي والحرس الوطني إضافة إلى الميليشيا المسلحة التابعة للقوى العرقية والمذهبية واشتراك فيلق بدر في الفلوجة الثانية والبيشمركة علنا آو تحت ستار الجيش العراقي، وخطورة الأمر هذه المرة أنّ الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني أعلن رسمياً عن تعزيز القوات متعددة الجنسيات والجيش العراقي كما يقولون بعشرة آلاف مقاتل من البيشمركة لاستئصال جذور الإرهاب في الموصل كما يقولون .
لم تكن إيران بعيدة عن هذا في محاولة استهداف الهوية العربية الإسلامية للعراق استمراراً في سياسة تفاهم جنيف وتنفيذاً لبنود مشروع مؤتمر طهران قبيل الغزو بأسابيع ، ومحاولات إيران على المدى الزمني المنظور في استهداف القومية العربية وكذلك إضعاف الإسلام الصحيح الممثل بأهل السنة والجماعة وإخوانهم من الشيعة أبناء المذهب الجعفري أو ما اصطلح عليه تاريخياً بالتشيع العربي ، وهذا التخريب الذي تقوده إيران يستهدف الإسلام حقاً بأيدي العراقيين من أتباع التشيع الفارسي الذي يعمل لهدم الإسلام من داخله والقضاء على الثقافة القومية العربية كهدفين سعى إليهما منذ نشأته وتطوره في قيام الدولة الصفوية وحتّى يرث الأرض ومن عليها.
خلاصة القول إن الدروس والنتائج التي أفرزتها معركة الفلوجة الثانية, تؤكد إن تكرار ألا مر في الموصل لايمكن ان يمر كما مرت معركة الفلوجة الثانية التي لم تنتهي حتى الان, وان ما يمكن استقراؤه ينبيء بمخاطر تتجاوز توقعات المحللين وتكهناتهم, وكما أشرنا فالمستهدفون هذه المرة لن ينتظروا حتى لأيام ليعلنوها حربا ضد القوى المشاركة في العدوان وطنية كانت أم أجنبية, ولن يقتصر الأمر على المنخرطين في الفعل المقاوم المسلح, بل سينخرط كل الأهالي من أبناء الموصل وغيرها من مناطق العراق الأخرى, ولن يقتصر الأمر هذه المرة على العراق فقط, بل سيتعدى الحدود الجغرافية للعراق إلى المنطقة العربية والإسلامية أيضا, بعد أن تأكد الجميع أن المستهدف هو هوية العراق العربية الإسلامية, وان العراقي العربي السني هو المستهدف تحديدا لإ نتماءه العرقي والمذهبي, وليس لاعتبارات أخرى, فلم يعد الأمر بحاجة إلى منظرين ومفكرين وسياسيين, فقد بات الأمر واضحا كالشمس التي لن يحجب نورها غربال, ولن تستمر محاولات التضليل ولن تجدي معها كل تبريرات القيادات العراقية العرقية والمذهبية المتواطئة مع العدو الأجنبي.
وفق ما ورد, فانه لم يعد من الفعل الوطني الاستمرار في عدم تسمية الأشياء بأسمائها, ولم يعد مجالا للخشية من إخفاء المسميات الحقيقية للجهات والتشكيلات الملحقة بالاحتلال, بل بات من الضروري تغيير صيغة الخطاب الإعلامي العربي بالمفردات التي تعبر عن حقيقة تلك المكونات المشار إليها وارتباطاتها وولاءاتها ومشروعها, بعد أن أرغمت هذه المكونات المثقف العربي على الفرز الواضح بين العدو الوطني والعدو الأجنبي بكل شيء بدءا بالفكر مرورا بالممارسة وانتهاءا بالغايات والأهداف, فلم يعد ممكنا الإبقاء على إطلاق صفة العمالة فقط على الحرس الوطني أو الجيش العراقي الجديد على سبيل المثال, بل اصبح ضروريا أن تكون صفة العدو ملازمة لتسميته بعد ان مارس أفعالا وارتكب جرائم بحق العراقيين, وتمادى فيها اكثر من العدو الأجنبي, وما يصح عليه يصح على غيره من المكونات الأخرى, وعلى المثقفين العرب ومفكر يهم وسياسييهم التعاطي صراحة مع هذه التسميات, خاصة بعد استمرار معسكر الضد الفكري في إطلاق صفات وتسميات على حملة الفكر الإسلامي المقاوم, وعلى حملة الفكر القومي العربي المناهض للمشروع الصهيوريكي, وكذلك على المتمسكين بعروبتهم ووطنيتهم على الصعيدين العربي والإسلامي, ليس اقلها صفة الإرهاب والشوفينية والفكر الضال والمجرمين والقتلة وغيرها من المفردات التي تتعامل بها أجهزة الإعلام العربي بلا خجل او حياء أحيانا دون وعي, فيما تقوم الدنيا ولا تقعد حين ينبري احد من المفكرين او المثقفين للدفاع عن العروبة والإسلام والتصدي لطروحاتهم ومفردا تهم التي يحاولون إدخالها قسرا في قاموسنا الثقافي العربي الإسلامي.
وعلى مر العصور فان صفة الأعداء تطلق على الغزاة في حين لازالت الخشية من تسمية المحتلين الغزاة بالأعداء, رغم إن كل سمات وصفات وممارسات من يستحق أن تطلق عليه صفة العدو نجدها واضحة ومتجسدة في قوات الاحتلال أو التحالف أو متعددة الجنسيات أو أية تسمية أخرى تحاول تزيين وتجميل صورة تلك القوات في عقول وأفكار الآخرين بمن فيهم المخدوعين من أبناء الوطن, وما يصح على هذه القوات يصح أيضا على القوى المساندة والمؤازرة للاحتلال والمنفذة لرغابته والمكرسة لوجوده, بما يشكل عداءا حقيقيا وصارخا لارادة الشعب العربي في العراق, وهذا مكمن الخطر الحقيقي الذي يهدد مستقبل العراق كوطن وكهوية عربية إسلامية.
بين الفلوجة والموصل
رائد الحامد
ليس تجنّياً القول أنّ معركة الفلوجة الثانية أفرزت بعض النتائج التي أجبرت المقاومة الوطنية العراقية على إجراء المزيد من التغييرات الجذرية في مجال إعادة تنظيم الفصائل المسلّحة بهيكلة جديدة مغايرة لما كانت عليه قبل تلك المعركة, إضافة إلى إعادة النظر في مصادر التمويل المالي ومنافذ الحصول على السلاح, بعد أن تبيّن بما لا يدع مجالاً للشك, أنّ هذين العاملين هما من أهم العوامل التي ساعدت قوات الاحتلال والأجهزة المخابراتية التابعة لها في الحكومة المؤقتة على اختراق البنية الأساسية للعمل المقاوم، مما سهل عليها مهمة اعتقال بعض القيادات العسكرية والتنظيمية المهمة ، وبالتّالي الحصول على المزيد من المعلومات وانتزاع الاعترافات الخطيرة التي لابدّ أن تلحق ضرراً بالمقاومة ، إلاّ أنّ هذا الضرر لم يكن ذا اثر واضح على عمل المقاومة وفاعليتها ، بل على العكس من ذلك تماما، فعلى الرغم من تراجع الإعلام المصوّر العربي والعالمي كلياً عن نقل حقائق الأرض في الفلوجة ، إلاّ أنّ ما تعلنه قوات الاحتلال من بيانات يومية تتضمّن قيامها بقصف أحياء متعددة في مدينة الفلوجة ، وخصوصاً الشهداء ونزال والجولان وجبيل وغيرها، بقذائف الدبابات وصواريخ الطائرات المقاتلة ، يعني أنّ المقاومة العراقية لازالت تخوض معارك شرسة رغم مرور أكثر من شهرين على بداية معركة الفلوجة ، وأنّ قوات الغزو ومسانديها لم تفرض سيطرتها إلاّ على أحياء هجرها أهلها أصلاً، وهذا يفسّر أيضاً عدم عودة أهل الفلوجة إلى بيوتهم كما وعدت ادارة الاحتلال, رغم أنّ مشاهدات أهلها تؤكّد أنّ هذه المدينة لم تعد صالحة للسكن الآدمي بأبسط مستلزماته الحياتية بسبب ما لحق بها من خراب ودمار تامّين على يد الغزاة من القوات متعددة الجنسيات ومسانديها من العراقيين, يضاف إلى هذا وغيره أنّ هذه المعركة سبقت بعدة اشهر ما يسمى بالانتخابات المقرّر إجراؤها في الثلاثين من كانون الثاني 2005 ، أي أنّ هذه المعركة في المعيار التاريخي تعتبر متزامنة مع الانتخابات, وهذا التزامن ونتائج معركة الفلوجة الثانية كما فهمتها بعض القيادات الدينية والسياسية المناهضة للاحتلال ، لا كما هي حقيقتها، دفعت ببعض هذه القيادات الرافضة أساساً للعملية السياسية في الظرف الموضوعي الراهن إلى الانحياز جزئياً نحو الرغبة في المشاركة بها وإن لم يصرحوا بهذا علناً ، بل يمكن أن نستشف هذا من خلال التراجع الملحوظ في الخطاب الإعلامي لها ، وما يتضمّنه من ليونة في الموقف من العملية السياسية ككل ، وتدنّي سقف مطالبهم إلى الحدّ الذي لم تعد هناك من إمكانية واضحة للفرز اليقيني بين حقيقة الموقف الآني لهؤلاء ، فهل تهاووا إلى مستوى أولئك الذين حملوا دبابات المحتل على أكتافهم ؟ أم أنّ هؤلاء ارتقوا في موقفهم إلى الفريق الثاني ؟, وقد يكون الاحتمال الأول هو الأقرب إلى الواقع, خصوصاً إذا استرجعنا بعض مواقفهم الحالية, وما تؤشر إليه في هذا الإطار عملية فتح أشكال من قنوات الاتصال بحجة الحوار مع إدارة الاحتلال ممثلة بالسفير الصهيوني نغروبونتي ، عن طريق الزيارات أو المراسلات.
يأتي ما ورد في ذات الوقت الذي نرى فيه حتّى أولئك المتحمسين بشدة للانتخابات, أو المندفعين باتجاه إجرائها منطلقين من إيمانهم بأنّها تحقق مصالحهم المشتركة مع إدارة الاحتلال ، حتّى هؤلاء تراجعوا عن إصرارهم المعلن عن إجرائها في موعدها المحدّد ، بل وطالبوا علناً بضرورة تأجيلها ، بمن فيهم قيادات حركة الوفاق برئاسة السيد اياد علاوي رئيس الحكومة المؤقتة المعيّنة من الاحتلال ، وكذلك بعض الأصوات من داخل الإدارة الأمريكية ذاتها ، وأخيراً كتلة السيّد عبد العزيز الحكيم المدعومة من قبل المرجع الشيعي الأعلى السيّد علي السيستاني الذي لم يبق من المصرّين على إجرائها في موعدها إلاّ هو لحسابات معروفة تنطلق من رؤية مذهبية يراد لها أن تحدد مصير العراق ومستقبله ، وكذلك الرئيس الأمريكي جورج بوش بدافع من رؤية المحافظين الجدد غير المعلنة في ضرورة صبّ الزيت على نار الاقتتال الداخلي ، ثمّ انضم إليهما السيّد أياد علاوي متراجعا عن موقف كتلته لدوافع معروفة تتعلّق بمتطلبات الوضع الذيلي التابع ، وقد لا ينمّ موقفه عن إيمان صميمي بصحة موعدها ، وقد استجدى رئيسه جورج بوش لتأجيل الانتخابات خلال مكالمة هاتفية أعقبت الهجوم على مقرّ حركة الوفاق بساعات ، وأخيراً شيخ الأزهر الشريف الذي فقد في الأعوام الأخيرة احترامه الشخصي من عموم المسلمين ، وأضرّ عن قصد بسمعة مؤسسة الأزهر الشريف ومكانتها ودورها التاريخي ، ويدعو هذا إلى ضرورة اشتراك العراقيين بالانتخابات وشرعيتها في ذات الوقت الذي يطالب رئيسه حسني مبارك بضرورة بقاء قوات الاحتلال في العراق تجنّباً لاقتتال طائفي ، ويبدو أنه ينطلق في هذا من حرصه على أرواح العراقيين ومصالحهم!.
إنّ كلّ ما ورد لا يعني أنّ المقاومة العراقية تراجعت بعد تلك المعركة, بل على العكس من ذلك, فجرائم الغزاة والقوات المساندة لها من الحرس الوطني وميليشيات الأحزاب العميلة, والتي ثبت بما لا يدع مجالا للشك مشاركتها في كل الجرائم الأمريكية ضد المدينة بما فيها من حجر وارواح بريئة أثبتت الصور الضوئية المنقولة من هناك انها لم تكن للإرهابيين وحدهم كما يدعون, بل طالت الطفل والمرأة والشيخ المسن, هذه الجرائم ورغم الشعور بمرارة الصمت الشعبي العربي وردة الفعل الخجولة قياسا إلى معركة الفلوجة الأولى التي رغم هزيمة المحتلين وأدواتهم فيها إلاّ أنّ الأضرار التي تسببت فيها وحجم الجرائم المرتكبة لا تصح فيها المقارنة مع معركة الفلوجة الثانية, إلا أنّ هذه الجرائم وطبيعة انتماءات الأدوات العرقية والمذهبية المنفذة, لاشك في إنها أحدثت شرخاً في النسيج الوطني للمجتمع العراقي الذي تمكّن الأعداء من هلهلته بعد انتكاسة 9/4 بأيد عراقية عميلة, وزاد في الأمر خطورة أنها تواطأت مع قوات الاحتلال في ارتكاب الجرائم بحقّ العراقيين من أبناء الفلوجة ، وهذا التواطؤ اتخذ الأسس العرقية والمذهبية دافعاً لارتكاب الجرائم ، بل إنّ هذه الأيدي المتواطئة كانت أشدّ جرماً وقسوة من قوات الاحتلال ذاتها, وهذا التواطؤ ساهم في زيادة الفجوة بين مكوّنات الشعب العراقي في حين كان الأمل في التجسير لا في الزيادة والاتساع.
لا يمكن النظر إلى العواقب والنتائج المستقبلية للتواطؤ الذي حصل في معركة الفلوجة الثانية بتلك السهولة التي يتخيلها المرء ، فانتماء المتواطئين العرقي والمذهبي هو مكمن الخطورة فيما حصل ، ولا يمكن أن تبين انعكاساته بين ليلة وضحاها, لأسباب أبرزها الوضع الميداني الآن من حيث عدم استقرار أبناء الفلوجة واستمرار تشرّدهم في المدن الأخرى والمخيمات ، إضافة إلى الانتشار الأفقي للمقاومين على امتداد الرقعة الجغرافية للعراق وتشتيت قياداتهم واعتقال العديد منها ، لهذا قد يحتاج الأمر لأكثر من عدة شهور لملاحظة تلك الانعكاسات وتجسيدها على الأرض بعد عودة المواطنين إلى مدينتهم والاطمئنان إلى الاستقرار المعيشي لعوائلهم المشردة الآن ، عند ذاك سيبقى العدو الأول هو قوات الاحتلال غير العراقية فيما ساهم المتواطئون في جعل أنفسهم أعداءا لأبناء الفلوجة الذين لن يغفروا لهم جرائمهم طال الزمان أم قصر ، وقد اختار المتواطئون بأنفسهم وبإيحاء من إدارة الاحتلال كما أشرنا, أسساً عدائية ضدّ أبناء الشعب الواحد مبنية على دوافع عرقية ومذهبية ، وبذلك يكونوا قد أسسوا لحالة من العداء التاريخي بين مكوّنات الشعب العراقي، لن تجدي معها شعارات المصالحة الوطنية وضرورة المشاركة في رسم مستقبل العراق وغيرها, كما حصل في المؤتمر الذي عقد برعاية مسعود البرزاني, ودعوات السيد عبد العزيز الحكيم لتمثيل السنة في الحكومة المقبلة بغض النظر عن نتائج الاقتراع, وهما طرفا مؤتمر طهران قبيل الغزو الصهيوريكي للعراق بأسابيع, هذا المؤتمر الذي بنى الأسس العملية لإقصاء السنة وتهميش دورهم مستقبلا وعزلهم برعاية أمريكية إيرانية مشتركة.
لم تكن الدعوات الأخيرة التي انطلقت من الاتجاهات المتواطئة بضرورة مشاركة أبناء السنّة في العملية السياسية وتأجيل الانتخابات بمعزل عن محاولات يائسة لاستعادة الودّ المفقود مع أبناء الفلوجة تحديداً ، وهذه المواقف لاتعني شيئا, ولن ينظر إليها بحسن نية أبدا, خاصة بعد أن أيقن أبناء الفلوجة مدى قذارة ودناءة التواطؤ والاستعانة بالأجنبي ضدّ أبناء الشعب الواحد, فهذه الاتجاهات تدرك جيداً أنّ هذا الاستهداف لابدّ أن يولّد استهدافاً معاكساً وردّة فعل ضد الأطراف التي باشرت العدوان، خاصّة وأنّ استهداف أبناء الفلوجة لم يكن استهدافاً لهم بالذات, بل هو استهداف لكل ما يمثله هؤلاء من انتماء قومي ومذهب ديني ، وهي تدرك أيضاً أنّ أبناء الفلوجة بهذا المعنى ليسوا وحدهم على الإطلاق, بل يقف معهم ووراءهم كلّ الانتماء القومي والمذهبي ليس على المستوى الوطني فحسب, بل يتعدّى الأمر ذلك إلى المحيط العربي والإسلامي أيضاً ، وما حدث في مجلس النواب البحريني يؤكّد صحّة ما ورد ، وبالتّالي فإنّ الجهات المتواطئة إما أن تكون فعلاً ضحية المشروع الصهيوركي أو أنها اختارت بنفسها ذلك, ونتمنى أن لا يكون الأمر كذلك.
ولكن ما علاقة كل هذا ببوادر ما قد يحدث في الموصل؟
ما يجري في الموصل الآن, عبارة عن محاولة تكرار ما حدث في الفلوجة الثانية ، ولكن الفرق بينهما هو الدلائل التي أسستها وقائع الفلوجة الثانية من شعور العرب السنة في الفلوجة والآخرين الذين تآزروا معهم قولا او فعلا, الذين رأوا الحيف والجرائم التي ارتكبت بحقهم من أبناء شعبهم ( كتعبير مجازي ) عن القوى العراقية المسلحة من الجيش الجديد والحرس الوطني وكتائب الأحزاب والحركات المذهبية والعرقية المسلحة, وهذا الشعور بأن الأجنبي ليس وحده من قتل الطفل والمرأة والشيخ المسن,ّ وليس وحده من هدم البيوت وأحرق العقارات وانتهك حرمات بيوت الله، وهذه البيوت وكثرتها هي رمز لمدينتهم, هذا الذي حدث في الفلوجة الثانية, ويحاولون تكراره بذات الأدوات والأسلوب في مدينة أخرى بينهما قواسم مشتركة وأوجه شبه متعددة ، فالموصل هي أيضاً مدينة عربية سنيّة كما هي الفلوجة, وهي أيضاً مدينة تعتز بكثرة مساجدها كما هي الفلوجة وأهلها المتمسكون بالإسلام كدين وعقيدة وبالعروبة كقومية وانتماء كذلك هم أهل الموصل .
وفي المقابل فإنّ الأسلوب الذي استخدمته قوات الاحتلال ومساندوها من حصار وإغلاق للمفترقات وحشود عسكرية وقصف تمهيدي بالطائرات وقذائف الدبابات, وكذلك هو الأمر بالنسبة للأدوات والقوى المنفذة ، فهم قوات الاحتلال الأجنبي والحرس الوطني إضافة إلى الميليشيا المسلحة التابعة للقوى العرقية والمذهبية واشتراك فيلق بدر في الفلوجة الثانية والبيشمركة علنا آو تحت ستار الجيش العراقي، وخطورة الأمر هذه المرة أنّ الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني أعلن رسمياً عن تعزيز القوات متعددة الجنسيات والجيش العراقي كما يقولون بعشرة آلاف مقاتل من البيشمركة لاستئصال جذور الإرهاب في الموصل كما يقولون .
لم تكن إيران بعيدة عن هذا في محاولة استهداف الهوية العربية الإسلامية للعراق استمراراً في سياسة تفاهم جنيف وتنفيذاً لبنود مشروع مؤتمر طهران قبيل الغزو بأسابيع ، ومحاولات إيران على المدى الزمني المنظور في استهداف القومية العربية وكذلك إضعاف الإسلام الصحيح الممثل بأهل السنة والجماعة وإخوانهم من الشيعة أبناء المذهب الجعفري أو ما اصطلح عليه تاريخياً بالتشيع العربي ، وهذا التخريب الذي تقوده إيران يستهدف الإسلام حقاً بأيدي العراقيين من أتباع التشيع الفارسي الذي يعمل لهدم الإسلام من داخله والقضاء على الثقافة القومية العربية كهدفين سعى إليهما منذ نشأته وتطوره في قيام الدولة الصفوية وحتّى يرث الأرض ومن عليها.
خلاصة القول إن الدروس والنتائج التي أفرزتها معركة الفلوجة الثانية, تؤكد إن تكرار ألا مر في الموصل لايمكن ان يمر كما مرت معركة الفلوجة الثانية التي لم تنتهي حتى الان, وان ما يمكن استقراؤه ينبيء بمخاطر تتجاوز توقعات المحللين وتكهناتهم, وكما أشرنا فالمستهدفون هذه المرة لن ينتظروا حتى لأيام ليعلنوها حربا ضد القوى المشاركة في العدوان وطنية كانت أم أجنبية, ولن يقتصر الأمر على المنخرطين في الفعل المقاوم المسلح, بل سينخرط كل الأهالي من أبناء الموصل وغيرها من مناطق العراق الأخرى, ولن يقتصر الأمر هذه المرة على العراق فقط, بل سيتعدى الحدود الجغرافية للعراق إلى المنطقة العربية والإسلامية أيضا, بعد أن تأكد الجميع أن المستهدف هو هوية العراق العربية الإسلامية, وان العراقي العربي السني هو المستهدف تحديدا لإ نتماءه العرقي والمذهبي, وليس لاعتبارات أخرى, فلم يعد الأمر بحاجة إلى منظرين ومفكرين وسياسيين, فقد بات الأمر واضحا كالشمس التي لن يحجب نورها غربال, ولن تستمر محاولات التضليل ولن تجدي معها كل تبريرات القيادات العراقية العرقية والمذهبية المتواطئة مع العدو الأجنبي.
وفق ما ورد, فانه لم يعد من الفعل الوطني الاستمرار في عدم تسمية الأشياء بأسمائها, ولم يعد مجالا للخشية من إخفاء المسميات الحقيقية للجهات والتشكيلات الملحقة بالاحتلال, بل بات من الضروري تغيير صيغة الخطاب الإعلامي العربي بالمفردات التي تعبر عن حقيقة تلك المكونات المشار إليها وارتباطاتها وولاءاتها ومشروعها, بعد أن أرغمت هذه المكونات المثقف العربي على الفرز الواضح بين العدو الوطني والعدو الأجنبي بكل شيء بدءا بالفكر مرورا بالممارسة وانتهاءا بالغايات والأهداف, فلم يعد ممكنا الإبقاء على إطلاق صفة العمالة فقط على الحرس الوطني أو الجيش العراقي الجديد على سبيل المثال, بل اصبح ضروريا أن تكون صفة العدو ملازمة لتسميته بعد ان مارس أفعالا وارتكب جرائم بحق العراقيين, وتمادى فيها اكثر من العدو الأجنبي, وما يصح عليه يصح على غيره من المكونات الأخرى, وعلى المثقفين العرب ومفكر يهم وسياسييهم التعاطي صراحة مع هذه التسميات, خاصة بعد استمرار معسكر الضد الفكري في إطلاق صفات وتسميات على حملة الفكر الإسلامي المقاوم, وعلى حملة الفكر القومي العربي المناهض للمشروع الصهيوريكي, وكذلك على المتمسكين بعروبتهم ووطنيتهم على الصعيدين العربي والإسلامي, ليس اقلها صفة الإرهاب والشوفينية والفكر الضال والمجرمين والقتلة وغيرها من المفردات التي تتعامل بها أجهزة الإعلام العربي بلا خجل او حياء أحيانا دون وعي, فيما تقوم الدنيا ولا تقعد حين ينبري احد من المفكرين او المثقفين للدفاع عن العروبة والإسلام والتصدي لطروحاتهم ومفردا تهم التي يحاولون إدخالها قسرا في قاموسنا الثقافي العربي الإسلامي.
وعلى مر العصور فان صفة الأعداء تطلق على الغزاة في حين لازالت الخشية من تسمية المحتلين الغزاة بالأعداء, رغم إن كل سمات وصفات وممارسات من يستحق أن تطلق عليه صفة العدو نجدها واضحة ومتجسدة في قوات الاحتلال أو التحالف أو متعددة الجنسيات أو أية تسمية أخرى تحاول تزيين وتجميل صورة تلك القوات في عقول وأفكار الآخرين بمن فيهم المخدوعين من أبناء الوطن, وما يصح على هذه القوات يصح أيضا على القوى المساندة والمؤازرة للاحتلال والمنفذة لرغابته والمكرسة لوجوده, بما يشكل عداءا حقيقيا وصارخا لارادة الشعب العربي في العراق, وهذا مكمن الخطر الحقيقي الذي يهدد مستقبل العراق كوطن وكهوية عربية إسلامية.