عبدالغفور الخطيب
15-02-2005, 06:56 PM
( 3 )
مولدات السلوك العربي
من أجل مواصلة موضوع ، هل فات الوقت على العرب ؟ هناك موضوع على صلة بالتمهيد للموضوع ، وهو مولدات السلوك ، والسلوك هنا موضوع يختلف عن التصرف ويختلف عن الفعل ، انه السير على درب او طريق غير مرسوم يجيز لمن يسير عليه مشروعية تصرفه ، فأخذ الرشوة تصرف ، و التعاون مع الاحتلال تصرف او فعل لكن قد يقوم بهما شخص واحد سيئ السلوك ، يجيز لنفسه هذا التصرف انطلاقا من نشاط فلسفي يفقه به ما سيقدم عليه ، كأن يجري حوارا مع نفسه أو مع من يحاول ان يثنيه عن تصرفاته ، قائلا انظر الى فلان و فلان هل بقيت علي أنا ، الحياة صعبة و لا بد من أحاول تدبير أموري وأسرتي !
من هنا لا بد من إلقاء نظرة على مولدات السلوك العام ، أي المؤثرات التي تصنع أنماط سلوكية ، قد لا تكون منتشرة في مكان آخر أو زمان آخر ، فقد تجدها في بلاد ، ولا تجدها في بلاد أخرى ، او قد تجدها في بلد لم تكن موجودة في زمان قبله . وهذه المؤثرات يمكن حصرها بثلاث مجموعات :
1 ـ القوانين الرسمية : أي قوانين الدولة ، وهذه تنسجم مع رؤية الفئة الحاكمة كونها تشكل ما يسمى بالمجتمع السياسي الذي يقود أو يضبط المجتمع الكلي وفق رؤى يبتدعها المجتمع السياسي نفسه ، وهي بشكل ما تشبه مجلس إدارة لشركة عامة الأعضاء فيها هم الشعب ، فكما ان مجالس الإدارة بالشركات العامة يتم انتخابها على ضوء حجم المساهمة للأعضاء ، فإذا كان المساهم هو بنك من البنوك قيمة مساهمته مليون سهم ، فان أصواته ستكون بالتأكيد اكثر من أصوات مساهم بألف سهم .
وفي البلدان النامية ، ومنها بلداننا العربية ، تقرر فئة عسكرية او أسرة أنها هي الأكثر مساهمة من الجميع ( المجتمع الكلي ) فتشكل مجتمعا سياسيا ( دولة ) شاء الشعب ( أعضاء الشركة ) ، أم لا ، فان الدستور والقوانين التي توضع ، يكون هدفها بشكل رئيسي حماية نسيج الدولة و ( شرعنته ) ، فيصبح مصطلح الخيانة العظمى والإخلال بالأمن العام شماعات تملأ مواد القوانين ، وهنا سيكون أمام فئات الشعب ان تحدد موقفها من الاقتراب او الابتعاد عن الدولة ( المجتمع السياسي) ، وليس بالضرورة ان تكون رغبة الفرد او المجموعة هي التي تحدد مسألة الاقتراب او الابتعاد عن الدولة ، بل ما تراه الدولة نفسها من تقريب فلان او الفئة الفلانية ، وهذا يعتمد على مكانة هذا الفرد او الفئة وما تملكه من عوامل قوة ، سواء كانت بشرية او مادية او عسكرية .
فتتوالى عمليات سن القوانين بما يخدم الهالات التي تحمي الحكم ، فيصبح الفساد كلمة سمجة لا معنى لها عندما تتعلق بمسامير الصحن ، أي الأعمدة التي تحمل الحكم ، فيتراءى لموظف الجمارك الذي يرى التجاوزات العليا ، فيجيز لنفسه صنع شبكة تحتال على القانون و تبتعد عن عيون المراقبين ، لا بل قد يتحالف مع عيون المراقبين لإنجاز عمليات نهب المال العام .
وهكذا فان القوانين ( نصوص القوانين ) لا تكون ذات قيمة ، عندما تكون الفئات التي سنتها لا تحترمها فيصبح التحايل عليها نمطا من الفروسية ، ويجد رأس الحكم ، نفسه مضطرا للسكوت عنها ، خصوصا اذا كانت هناك هالات من الإشكالية في قبو له ، وهذه الحالة تكاد كل الدول العربية مشتركة فيها ، فلذلك تعتبر أهم المنابع التي تولد سلوكا خاطئا .
2 ـ النشاط الأدبي والتراثي والإعلامي :
من المولدات الهامة للسلوك ، حيث يرتبط جهد الشعراء والأدباء والمهتمين بالتراث ، في دفع مجموعات من القيم التي تسهم في مكارم الأخلاق أو مفاسدها ، وقد ربط الحكام العرب موضوع التعليم بالتربية ، فكان المعلمون بأواسط القرن الماضي يسهمون في نشر مكارم الأخلاق ونبش التراث ووضع أفضل ما فيه في مناهج التربية والتعليم ، فأسهموا إسهاما جيدا في خلق قواعد خلقية أثرت في سلوك القيادات العسكرية والتعليمية وفي كل مناحي الحياة .
وكذلك كانت الحركة الأدبية تولد شعراء وأدباء أعطوا السلوك نكهة خاصة ، فلذلك تعيش القصائد والأعمال الأدبية التي عمرها أكثر من أربعين عاما ، تعيش ماثلة حتى اليوم في حين تنتسى أعمالا حديثة ، لارتباط الأولى بجذور القواعد الخلقية التي يعتمدها المواطن العربي .
أما اليوم فأصبح الأدباء والمعلمون والمسرحيون والمخرجون السينمائيون ، يلجئون لأعمال ترضى عنها الرقابة في كل الأقطار العربية من أجل تسويقها وعدم بوار التجارة فيها .
وطالما ان الحاكم لا يريد التركيز على ما لا يريد ان ينكشف ، فمن هنا تحالف هذا المولد للسلوك مع سابقه في تفريخ الفساد .
3 ـ الصحبة والجماعة :
قد تكون الجماعة أتراب في حارة ، او الأسرة نفسها ، او شلة تتواجد فيما بينها او نقابة او حزب او نادي ، و صاحب الرأي فيها غالبا ما يراعي عيون الدولة ، فيحاول التماهي مع مجموعة القوانين و يراعي ان لا ينسب عنه بعد التحري ، انه قال كذا و شجع على كذا و سنتناول تلك المسألة في الأبواب القادمة .
أما اذا كانت الجماعة بسيطة كالشلة مثلا فان السلوك الذي تسلكه سيكون ناتجا عن تقليبها لمشاكل أعضاءها ، فبالسؤال عن حاله وبداية شكواه ، ومقارنته بآخرين سترتفع أصوات بتخطيئه اذا كان فاضلا ، او الاستماع له اذا كان غير فاضل والتأثر بتجربته لمحاكاتها فيما بعد .
أما اذا كانوا أطفالا او مراهقين فان التجربة ستتناقل بينهم ، حسب الجو العام ، فينحرف من ينحرف متأثرا بالشلة ، ويستقيم من يستقيم ، ولكن لا نستبسط الأمور فعنصر الموائمة أحيانا يكون مهما في الضغط على المراهق من أجل إجباره على التعايش مع الشلة التي يجد أحيانا انه لا مفر من قضاء وقت كبير بينها .
مولدات السلوك العربي
من أجل مواصلة موضوع ، هل فات الوقت على العرب ؟ هناك موضوع على صلة بالتمهيد للموضوع ، وهو مولدات السلوك ، والسلوك هنا موضوع يختلف عن التصرف ويختلف عن الفعل ، انه السير على درب او طريق غير مرسوم يجيز لمن يسير عليه مشروعية تصرفه ، فأخذ الرشوة تصرف ، و التعاون مع الاحتلال تصرف او فعل لكن قد يقوم بهما شخص واحد سيئ السلوك ، يجيز لنفسه هذا التصرف انطلاقا من نشاط فلسفي يفقه به ما سيقدم عليه ، كأن يجري حوارا مع نفسه أو مع من يحاول ان يثنيه عن تصرفاته ، قائلا انظر الى فلان و فلان هل بقيت علي أنا ، الحياة صعبة و لا بد من أحاول تدبير أموري وأسرتي !
من هنا لا بد من إلقاء نظرة على مولدات السلوك العام ، أي المؤثرات التي تصنع أنماط سلوكية ، قد لا تكون منتشرة في مكان آخر أو زمان آخر ، فقد تجدها في بلاد ، ولا تجدها في بلاد أخرى ، او قد تجدها في بلد لم تكن موجودة في زمان قبله . وهذه المؤثرات يمكن حصرها بثلاث مجموعات :
1 ـ القوانين الرسمية : أي قوانين الدولة ، وهذه تنسجم مع رؤية الفئة الحاكمة كونها تشكل ما يسمى بالمجتمع السياسي الذي يقود أو يضبط المجتمع الكلي وفق رؤى يبتدعها المجتمع السياسي نفسه ، وهي بشكل ما تشبه مجلس إدارة لشركة عامة الأعضاء فيها هم الشعب ، فكما ان مجالس الإدارة بالشركات العامة يتم انتخابها على ضوء حجم المساهمة للأعضاء ، فإذا كان المساهم هو بنك من البنوك قيمة مساهمته مليون سهم ، فان أصواته ستكون بالتأكيد اكثر من أصوات مساهم بألف سهم .
وفي البلدان النامية ، ومنها بلداننا العربية ، تقرر فئة عسكرية او أسرة أنها هي الأكثر مساهمة من الجميع ( المجتمع الكلي ) فتشكل مجتمعا سياسيا ( دولة ) شاء الشعب ( أعضاء الشركة ) ، أم لا ، فان الدستور والقوانين التي توضع ، يكون هدفها بشكل رئيسي حماية نسيج الدولة و ( شرعنته ) ، فيصبح مصطلح الخيانة العظمى والإخلال بالأمن العام شماعات تملأ مواد القوانين ، وهنا سيكون أمام فئات الشعب ان تحدد موقفها من الاقتراب او الابتعاد عن الدولة ( المجتمع السياسي) ، وليس بالضرورة ان تكون رغبة الفرد او المجموعة هي التي تحدد مسألة الاقتراب او الابتعاد عن الدولة ، بل ما تراه الدولة نفسها من تقريب فلان او الفئة الفلانية ، وهذا يعتمد على مكانة هذا الفرد او الفئة وما تملكه من عوامل قوة ، سواء كانت بشرية او مادية او عسكرية .
فتتوالى عمليات سن القوانين بما يخدم الهالات التي تحمي الحكم ، فيصبح الفساد كلمة سمجة لا معنى لها عندما تتعلق بمسامير الصحن ، أي الأعمدة التي تحمل الحكم ، فيتراءى لموظف الجمارك الذي يرى التجاوزات العليا ، فيجيز لنفسه صنع شبكة تحتال على القانون و تبتعد عن عيون المراقبين ، لا بل قد يتحالف مع عيون المراقبين لإنجاز عمليات نهب المال العام .
وهكذا فان القوانين ( نصوص القوانين ) لا تكون ذات قيمة ، عندما تكون الفئات التي سنتها لا تحترمها فيصبح التحايل عليها نمطا من الفروسية ، ويجد رأس الحكم ، نفسه مضطرا للسكوت عنها ، خصوصا اذا كانت هناك هالات من الإشكالية في قبو له ، وهذه الحالة تكاد كل الدول العربية مشتركة فيها ، فلذلك تعتبر أهم المنابع التي تولد سلوكا خاطئا .
2 ـ النشاط الأدبي والتراثي والإعلامي :
من المولدات الهامة للسلوك ، حيث يرتبط جهد الشعراء والأدباء والمهتمين بالتراث ، في دفع مجموعات من القيم التي تسهم في مكارم الأخلاق أو مفاسدها ، وقد ربط الحكام العرب موضوع التعليم بالتربية ، فكان المعلمون بأواسط القرن الماضي يسهمون في نشر مكارم الأخلاق ونبش التراث ووضع أفضل ما فيه في مناهج التربية والتعليم ، فأسهموا إسهاما جيدا في خلق قواعد خلقية أثرت في سلوك القيادات العسكرية والتعليمية وفي كل مناحي الحياة .
وكذلك كانت الحركة الأدبية تولد شعراء وأدباء أعطوا السلوك نكهة خاصة ، فلذلك تعيش القصائد والأعمال الأدبية التي عمرها أكثر من أربعين عاما ، تعيش ماثلة حتى اليوم في حين تنتسى أعمالا حديثة ، لارتباط الأولى بجذور القواعد الخلقية التي يعتمدها المواطن العربي .
أما اليوم فأصبح الأدباء والمعلمون والمسرحيون والمخرجون السينمائيون ، يلجئون لأعمال ترضى عنها الرقابة في كل الأقطار العربية من أجل تسويقها وعدم بوار التجارة فيها .
وطالما ان الحاكم لا يريد التركيز على ما لا يريد ان ينكشف ، فمن هنا تحالف هذا المولد للسلوك مع سابقه في تفريخ الفساد .
3 ـ الصحبة والجماعة :
قد تكون الجماعة أتراب في حارة ، او الأسرة نفسها ، او شلة تتواجد فيما بينها او نقابة او حزب او نادي ، و صاحب الرأي فيها غالبا ما يراعي عيون الدولة ، فيحاول التماهي مع مجموعة القوانين و يراعي ان لا ينسب عنه بعد التحري ، انه قال كذا و شجع على كذا و سنتناول تلك المسألة في الأبواب القادمة .
أما اذا كانت الجماعة بسيطة كالشلة مثلا فان السلوك الذي تسلكه سيكون ناتجا عن تقليبها لمشاكل أعضاءها ، فبالسؤال عن حاله وبداية شكواه ، ومقارنته بآخرين سترتفع أصوات بتخطيئه اذا كان فاضلا ، او الاستماع له اذا كان غير فاضل والتأثر بتجربته لمحاكاتها فيما بعد .
أما اذا كانوا أطفالا او مراهقين فان التجربة ستتناقل بينهم ، حسب الجو العام ، فينحرف من ينحرف متأثرا بالشلة ، ويستقيم من يستقيم ، ولكن لا نستبسط الأمور فعنصر الموائمة أحيانا يكون مهما في الضغط على المراهق من أجل إجباره على التعايش مع الشلة التي يجد أحيانا انه لا مفر من قضاء وقت كبير بينها .