عبدالغفور الخطيب
13-02-2005, 04:28 PM
الصراع على السلطة قد يهدم دولة ويعطل حضارة
في تاريخنا العربي القديم والحديث توجد محطات ، من يقف عندها و يتأملها يجد فيها تفسيرا لما يحير دليله في الوقت الحاضر ، وقد تكون أشد قسوة عشرات المرات مما نعيشه في الوقت الحاضر . وقد اخترت مجموعة متنوعة من تلك المحطات للدلالة على العنوان :
محطة زنوبيا :
زنوبيا هي ملكة تدمر في القرن الثالث الميلادي ، كان يساعدها قائدان أحدهما في أفريقيا و يدعى زباي والآخر زبدا في جناح سوريا وشمالها ، وكانت نشاطاتها مركزة لدحر الرومان . أما جيوشها فكانت من العرب والأرمن وما حول تدمر من شعوب ، هذا في الشمال أما في الجنوب فكانت الجيوش تتكون من المصريين واليمانيين و عرب الجزيرة ، ويقوم على تغذية الجيوش في تلك الجبهة وتزويدها بالمستلزمات ( الإمداد اللوجستي في الوقت الحاضر ) ، وكان اسمه تيماللاتوس ومن اسمه يتبين أنه عربي من أهل الجزيرة ، حيث الاسم إذا ما فككناه سيصبح تيم اللات وس ، أي عاشق اللات أو عبد اللات وال وس هي زيادة دارجة في ذلك الوقت للتأثر باليونانية والرومانية .
ويذكر التاريخ أن زنوبيا وهي على مشارف روما ، وتعد لكرنفالية دخولها لروما ، إذ كان الجيش يصنع لها عربة مرصعة بالجواهر ، في حين ان البرلمان الروماني كان قد عزل في تلك الفترة القيصر سبع مرات .
ولكن في تلك الأثناء دب الخلاف على السلطة في الجبهة الجنوبية (ليبيا وشرقها ) بين القائد و تيماللاتوس حول من سيكون نائب زنوبيا في أفريقيا ، وعندما أصر زباي على أن يكون هو النائب امتنع تيماللاتوس عن إمداد الجيش بلوازمه وانهارت الجبهة الجنوبية ، ووصلت الأخبار لروما فاستعاد الرومان شكيمتهم ، ودب الرعب في جيش زبدا حتى أن الأرمن انسحبوا و نهب العرب الجيش وممتلكاته قبل أن ينهبه الروم وانهزم ما تبقى من جيش زنوبيا ولحقها الروم حتى مدينة الحضر وقيدت بسلاسل أسيرة الى روما .
محطة الأغالبة :
إبراهيم ابن الأغلب هو والي عينه الرشيد على أفريقيا (تونس اليوم) حوالي 799م وبعد أن وصلها أعلن تمرده على الخليفة وأنشأ دولة الأغالبة ، وهي أول حالة انفصال في الدولة الإسلامية ، التي كان الرشيد يخاطب السحابة فيها ، سيري فأينما تمطري سيأتيني خراجك!
وبالرغم أن لتك الدولة الأغلبية إنجازات يفتخر بها كنشر الإسلام في مغارب إفريقيا السنغال والنيجر وغيرها ، وبالرغم من محاصرته لروما عدة سنوات في أسطوله القوي الذي لم يهزمه سوى عاصفة حطمته وأجبرت ما تبقى منه على العودة وترك روما ، فان تلك الدولة التي دامت 99 سنة هي من فرخ دولة المهدية التي توسعت الى مصر و أوجدت الفاطميين الذين تعاونوا فيما بعد مع القرامطة على سرقة الحجر الأسود من الكعبة و إخفاءه في البحرين عشرات السنين ، وتلك الدولة هي التي مهدت لدخول المماليك حيث تعاون الصفويون معها بحجة المذهب و أمعنوا في نزعتهم الشعوبية ، فهذا كافور الأخشيدي وذاك بن طولون الخ حتى أصبحت أرض الرسالة ميدانا لإفراغ سموم من استكثر على العرب حمل الرسالة .
محطة الأتابكة :
في العهد العباسي المتأخر كثرت الدول الصغيرة التي انفلتت عن المركز الذي لم يحكم سيطرته على نفسه بفعل المقربين من الأخوال وأهدافهم المريضة ، فلم يستطع مراقبة الأطراف ، فبعد أن استقل الصفاريين في الري أصبح من الممكن أن يستقل من يريد فهنا الحمدانيين في الموصل وحلب وهناك غيرهم حتى يقال أنه لما انبرى القائد صلاح الدين كان هناك 42 أتبكية من أرمينيا حتى مصر ، ومن هذا الوضع استطاع الصليبيون أن يجدوا لهم منفذا للدخول الى قلب الدولة الإسلامية .
محطة الأندلس :
بعد سقوط طليطلة , دب الخلاف بين قبائل العرب العدنايين والقحطانيين وبطونهم فأنشئوا 37 أمارة , اشبيلية ، غر ناطة , قرطبة الخ ، وعندما جاء القائد يوسف ابن تاشفين مخيرا هؤلاء الأمراء بين الوحدة أو الحرب فقتل منهم أحد عشر أميرا وأذعن له الباقون , أسست دولة الموحدين واستمرت قرابة قرنين حتى عاد الصراع من جديد على السلطة .
محطة عرب اليوم :
لقد قامت دول أوروبا في تشكيل دوله الحالية منذ منتصف القرن الثامن عشر فأخذت استقلالها عن الدولة العثمانية كهنغاريا ورومانيا وغيرها من الدول الأخرى ، ورافق هذا الاستقلال تكوين شكل النظام بالقوانين التي صيغت على هامش علاقات الإنتاج التي برزت كقضية ملحة بعد الثورة الصناعية ، فكانت الدولة الأوروبية الحديثة منسجمة مع ذاتها القومية وذاتها الاقتصادية ضمن نظام معرفي ينسجم مع تلك المعطيات ، ولكن بعد صراعات ذاتية وخارجية حتى تعايش الداخل مع ذاته بما يخدم شكل الدولة الجديد .
أما العرب فقد تخلصوا من ثقل العثمانيين بفعلهم أو بفعل الأوروبيين الذين كانوا يتربصون بالعثمانيين أو بفعلهم وفعل الأوروبيين معا بشراكة كان نصيب الأوروبيين فيها أكبر , فكان الشريك الأكبر له الكلمة العليا في تشكيل الدولة العربية الحديثة ، وبعد الاستقلال الشكلي وجدت حكومات تنسجم مع ماضي ما قبل الاستقلال الشكلي ، حتى كان يبدو للمتفحص أنه لم يحدث استقلال فعلي ، وكان الصوت الرسمي معارضا لطموحات أبناء الشعب والأمة في تشكيل دولة قوية ، ولا زال الصراع قائما على السلطة بين أطراف معروفة ، طرف يتسلم الحكم على مساحة مصطنعة تم صناعتها بما يخدم مصلحة الغرب ومصلحة الحاكم الذي يدرك أنه لو تغيرت المساحة للدولة العربية قد لا يحصل موقع مدير ناحية ، ويدعمه في ذلك الغرب الذي يفهم أن دولة موحدة قوية ستتراص عوامل القوة فيها حتى تحول في النهاية دون انسياب النفط بصورة شبه مجانية ويعطل من ديمومة الكيان الصهيوني الشرط الآخر لبقاء التجزئة . أما الطرف الآخر فهو الشعب العربي بتياراته المختلفة ، والتي لا تتفق على نظام معرفي يحدد شكل مسارها مجتمعة للانقضاض على الحكومات ، فتكون الفصائل المعارضة للحكم محصلتها العامة قريبة من الصفر فيسهل الانفراد بها من قبل الحكومات فصيل بعد فصيل ، وتبقى الدوامة دائرة .
في تاريخنا العربي القديم والحديث توجد محطات ، من يقف عندها و يتأملها يجد فيها تفسيرا لما يحير دليله في الوقت الحاضر ، وقد تكون أشد قسوة عشرات المرات مما نعيشه في الوقت الحاضر . وقد اخترت مجموعة متنوعة من تلك المحطات للدلالة على العنوان :
محطة زنوبيا :
زنوبيا هي ملكة تدمر في القرن الثالث الميلادي ، كان يساعدها قائدان أحدهما في أفريقيا و يدعى زباي والآخر زبدا في جناح سوريا وشمالها ، وكانت نشاطاتها مركزة لدحر الرومان . أما جيوشها فكانت من العرب والأرمن وما حول تدمر من شعوب ، هذا في الشمال أما في الجنوب فكانت الجيوش تتكون من المصريين واليمانيين و عرب الجزيرة ، ويقوم على تغذية الجيوش في تلك الجبهة وتزويدها بالمستلزمات ( الإمداد اللوجستي في الوقت الحاضر ) ، وكان اسمه تيماللاتوس ومن اسمه يتبين أنه عربي من أهل الجزيرة ، حيث الاسم إذا ما فككناه سيصبح تيم اللات وس ، أي عاشق اللات أو عبد اللات وال وس هي زيادة دارجة في ذلك الوقت للتأثر باليونانية والرومانية .
ويذكر التاريخ أن زنوبيا وهي على مشارف روما ، وتعد لكرنفالية دخولها لروما ، إذ كان الجيش يصنع لها عربة مرصعة بالجواهر ، في حين ان البرلمان الروماني كان قد عزل في تلك الفترة القيصر سبع مرات .
ولكن في تلك الأثناء دب الخلاف على السلطة في الجبهة الجنوبية (ليبيا وشرقها ) بين القائد و تيماللاتوس حول من سيكون نائب زنوبيا في أفريقيا ، وعندما أصر زباي على أن يكون هو النائب امتنع تيماللاتوس عن إمداد الجيش بلوازمه وانهارت الجبهة الجنوبية ، ووصلت الأخبار لروما فاستعاد الرومان شكيمتهم ، ودب الرعب في جيش زبدا حتى أن الأرمن انسحبوا و نهب العرب الجيش وممتلكاته قبل أن ينهبه الروم وانهزم ما تبقى من جيش زنوبيا ولحقها الروم حتى مدينة الحضر وقيدت بسلاسل أسيرة الى روما .
محطة الأغالبة :
إبراهيم ابن الأغلب هو والي عينه الرشيد على أفريقيا (تونس اليوم) حوالي 799م وبعد أن وصلها أعلن تمرده على الخليفة وأنشأ دولة الأغالبة ، وهي أول حالة انفصال في الدولة الإسلامية ، التي كان الرشيد يخاطب السحابة فيها ، سيري فأينما تمطري سيأتيني خراجك!
وبالرغم أن لتك الدولة الأغلبية إنجازات يفتخر بها كنشر الإسلام في مغارب إفريقيا السنغال والنيجر وغيرها ، وبالرغم من محاصرته لروما عدة سنوات في أسطوله القوي الذي لم يهزمه سوى عاصفة حطمته وأجبرت ما تبقى منه على العودة وترك روما ، فان تلك الدولة التي دامت 99 سنة هي من فرخ دولة المهدية التي توسعت الى مصر و أوجدت الفاطميين الذين تعاونوا فيما بعد مع القرامطة على سرقة الحجر الأسود من الكعبة و إخفاءه في البحرين عشرات السنين ، وتلك الدولة هي التي مهدت لدخول المماليك حيث تعاون الصفويون معها بحجة المذهب و أمعنوا في نزعتهم الشعوبية ، فهذا كافور الأخشيدي وذاك بن طولون الخ حتى أصبحت أرض الرسالة ميدانا لإفراغ سموم من استكثر على العرب حمل الرسالة .
محطة الأتابكة :
في العهد العباسي المتأخر كثرت الدول الصغيرة التي انفلتت عن المركز الذي لم يحكم سيطرته على نفسه بفعل المقربين من الأخوال وأهدافهم المريضة ، فلم يستطع مراقبة الأطراف ، فبعد أن استقل الصفاريين في الري أصبح من الممكن أن يستقل من يريد فهنا الحمدانيين في الموصل وحلب وهناك غيرهم حتى يقال أنه لما انبرى القائد صلاح الدين كان هناك 42 أتبكية من أرمينيا حتى مصر ، ومن هذا الوضع استطاع الصليبيون أن يجدوا لهم منفذا للدخول الى قلب الدولة الإسلامية .
محطة الأندلس :
بعد سقوط طليطلة , دب الخلاف بين قبائل العرب العدنايين والقحطانيين وبطونهم فأنشئوا 37 أمارة , اشبيلية ، غر ناطة , قرطبة الخ ، وعندما جاء القائد يوسف ابن تاشفين مخيرا هؤلاء الأمراء بين الوحدة أو الحرب فقتل منهم أحد عشر أميرا وأذعن له الباقون , أسست دولة الموحدين واستمرت قرابة قرنين حتى عاد الصراع من جديد على السلطة .
محطة عرب اليوم :
لقد قامت دول أوروبا في تشكيل دوله الحالية منذ منتصف القرن الثامن عشر فأخذت استقلالها عن الدولة العثمانية كهنغاريا ورومانيا وغيرها من الدول الأخرى ، ورافق هذا الاستقلال تكوين شكل النظام بالقوانين التي صيغت على هامش علاقات الإنتاج التي برزت كقضية ملحة بعد الثورة الصناعية ، فكانت الدولة الأوروبية الحديثة منسجمة مع ذاتها القومية وذاتها الاقتصادية ضمن نظام معرفي ينسجم مع تلك المعطيات ، ولكن بعد صراعات ذاتية وخارجية حتى تعايش الداخل مع ذاته بما يخدم شكل الدولة الجديد .
أما العرب فقد تخلصوا من ثقل العثمانيين بفعلهم أو بفعل الأوروبيين الذين كانوا يتربصون بالعثمانيين أو بفعلهم وفعل الأوروبيين معا بشراكة كان نصيب الأوروبيين فيها أكبر , فكان الشريك الأكبر له الكلمة العليا في تشكيل الدولة العربية الحديثة ، وبعد الاستقلال الشكلي وجدت حكومات تنسجم مع ماضي ما قبل الاستقلال الشكلي ، حتى كان يبدو للمتفحص أنه لم يحدث استقلال فعلي ، وكان الصوت الرسمي معارضا لطموحات أبناء الشعب والأمة في تشكيل دولة قوية ، ولا زال الصراع قائما على السلطة بين أطراف معروفة ، طرف يتسلم الحكم على مساحة مصطنعة تم صناعتها بما يخدم مصلحة الغرب ومصلحة الحاكم الذي يدرك أنه لو تغيرت المساحة للدولة العربية قد لا يحصل موقع مدير ناحية ، ويدعمه في ذلك الغرب الذي يفهم أن دولة موحدة قوية ستتراص عوامل القوة فيها حتى تحول في النهاية دون انسياب النفط بصورة شبه مجانية ويعطل من ديمومة الكيان الصهيوني الشرط الآخر لبقاء التجزئة . أما الطرف الآخر فهو الشعب العربي بتياراته المختلفة ، والتي لا تتفق على نظام معرفي يحدد شكل مسارها مجتمعة للانقضاض على الحكومات ، فتكون الفصائل المعارضة للحكم محصلتها العامة قريبة من الصفر فيسهل الانفراد بها من قبل الحكومات فصيل بعد فصيل ، وتبقى الدوامة دائرة .