المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مضيع المشيتين



عبدالغفور الخطيب
13-02-2005, 01:05 AM
(1)
مقدمة:
حدث بعد أن انحازت معظم وسائل الإعلام في العالم عموما ، والوطن العربي خصوصا ، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية ، أو في أحسن الأحوال التزمت الصمت ، من خلال تلك الأجواء انعدمت السبل للتعرف على صوت مغاير لما يطفو على السطح من انحطاط في القيم الأخلاقية الجماعية والفردية ، إذ أن التلفزيونات الرسمية أو التي يملكها الأمراء تتماهى صاغرة مع إرادة المحتل الأمريكي (الصهيوني ) ، فلا تنقل إلا ما يرشح من إناء المحتل من معلومات توظف في خدمة أهدافه حيث انه يريد من ذلك الإعلام ترسيخ ما يلي:
1 ـ إيجاد نزعة طائفية من خلال إيهام المتلقي أن هناك خلاف طائفي بين السنة والشيعة ، وحتى هناك اضطهاد للنصارى والصابئة وغيرهم من الطوائف ، وتستعين في ترسيخ هذه المسألة من خلال اذرع مسلحة معظمها مرتبطة بالموساد أو بإيران من خلال غض النظر أو التنسيق مع ما يسمى بفيلق بدر ، بتنفيذ أعمال ذات طابع يوحي بالفكرة المحورية التي أرادوه لترسيخ النزعة الطائفية ، فتفجيرات النجف أو بعض الكنائس أو اغتيال بعض علماء السنة . كما تكرر وتكرر مصطلح المثلث السني ، أو جماعة مقتدى الصدر الخ .
2ـ إيهام المتلقي بأن الذين يقاوموا هم من فقدوا امتيازاتهم من النظام السابق ، فيكرروا بين الحين والحين ، فكون الصحافة والإعلام رغم تقييد حركتها فإنها بالغالب تتواجد في العاصمة أو في المدن الكبرى فإخفاء ما يجري في أطراف العراق سواء في الجنوب أو في الشمال ، فان القصد من الإخفاء هو تكريس تلك الظاهرة كغاية خبيثة .
3 ـ إيهام المتلقي بأن الأقليات غير العربية فرحة بما حدث ، وكانت جاهزة بالنسبة للذين طغوا على الأقلية الكردية في الشمال وقد ساعدهم في ذلك الشكل الفضفاض لقرارات مجلس الأمن منذ بداية التسعينات ، فكان لابد لهذا الصوت الموالي لأمريكا أن يظهر وكأنه هو النموذج المفضل لكل الاثنيات ، لا بل اصبح مسعود و جلال كأنهم خبراء في تمرير رؤى الأمريكان .
4ـ إيهام المتلقي بأن الأمريكان سائرون بخطى ثابتة من خلال :
أ ـ عبثية المقاومة وعدم قدرتها على فعل شيء ، ومن هنا لا يسمح لأي جهة مهما كانت تلك الجهة بنقل حقائق ما يجري ، حتى تقتل الروح الوثابة عند المجاهدين المقاومين ، وحتى تخرس الأصوات في العراق أو في الوطن العربي أو حتى في العالم ، عندما تسول لها أنفسها أن تناقش الواقع الذي يحسب فعل المقاومة ، عند مناقشة موضوع العراق ، وبنفس الوقت فأن المغالاة في استخدام الأسلحة شديدة البطش والسماح للإعلام بنقل مظاهر هذا البطش مستغلين ولولة المتأذين من هذا البطش أو توليف مولولين من أعوانهم لينثني من تسول له نفسه في السير بطريق المقاومة عندما يشاهد الأذى ، وهذا ما حصل في الفلوجة والنجف وتلعفر وسامراء وغيرها من القصبات والنواحي الملتهبة وهي كثر .
ب ـ الخروج بقرارات وإجراءات توحي أن الوضع يسير كما هو مرسوم له ، مجلس حكم ، حكومة انتقالية ، مجلس وطني ، مؤتمر المانحين لاعمار العراق ، مؤتمر شرم الشيخ الخ ، حتى يحس من يتابع بأن الشلال الأمريكي الهادر لا يقف في وجهه أي عابث!
ج ـ تنوع في أداء الإدارة الأمريكية في تلويحها بعقوبة دول كثيرة لكي توحي لمن يتابع بأنها غير مبتئسة من وضعها في العراق ، فتهدد سوريا وكوريا وإيران وتتدخل هنا وهناك .
(2)

للوضع السابق كان لابد للمواطن الغيور ، وهو يهجس بأن هناك حقيقة غائبة في كل هذا ، هذا الكم الهائل من الإعلام الفاسد لا بد أن يكون قد تم التخطيط له مبكرا ، فالأهداف السافلة لا بد أن وراءها، هذا الحشد المدفوع أجره مسبقا من رجال مدربين يتم توزيعهم على الفضائيات رغم أنف القائمين عليها ، هذا إذا كان عند مالكيها أشخاص أو دول مانع ـ أساساـ ، من هو كريم بدر ومن هو نبيل ياسين ومن هو محمد الموسوي ومن هو هاشم العقابي ومن هو احمد الكاتب ومن ومن الخ ، حتى يصبحوا ضيوفا ـ ثقيلي الظل ـ على المتلقي العربي ، الذي يفتش هنا وهناك فيتسمم بمجرد أن يراهم ، كما تقوم تلك الفضائيات بإعلاميين تدربوا جيدا في معاهد أل C.i.a في تونس و غرناطة ، ليمثلوا دور العارفين ببواطن الأمور ، ويكرروا كلاما تدربوا عليه جيدا طالما شيخهم واحد ، وينصحوا بالواقعية ، ويسفهوا فكرة المقاومة وفكرة قول لا ، ثم تعاونهم تلك القنوات لترسيخ ذاكرة قبيحة ، كعرضهم لواقعة إسقاط تمثال الرئيس السابق ، كل هذا بتناغم متقن ليقوموا بغسل دماغ المشاهد ، فلا بأس أن تكون أسدا ولكن مربوط بسلسلة أمريكية مدافعين بوقاحة ما بعدها وقاحة عن تلك الفكرة!
من هنا تفشت ظاهرة البحث بشبكات الإنترنت ، ووجد نفر غير قليل في كل بقعة من بقاع العالم ظالتهم عند كثير من المناضلين في شبكات البصرة والأنبار والفلوجة ودورية العراق ومفكرة الإسلام وغيرها ، و أصبحت أخبار تلك الشبكات تنتشر من خلال جلسات السمر أو في مناسبات الأعراس أو في صالونات الحلاقة أو في المآتم ، واصبح المهتمين بأخبار تلك الشبكات محط سؤال متكرر من قبل المواطنين العرب الذين ترتبط أحلام نهوضهم بحبل سري مع العراق ومقاومته البطلة التي تعيد المشروع النهضوي للأمة .
فكانت بيانات حزب البعث ومجلس شورى المجاهدين ، ومقالات صلاح المختار ، وغيره من الكتاب الذين لا تقل أهمية أقلامهم ، عن البنادق والغدارات وغيرها من الأسلحة ، وكيف لا وهم أبناء العراق الغيارى الذين شاهدوا مراحل نهوضه و خبروا نسيج مجتمعه البطل المعطاء ، وكيف تطور هذا القطر بهمة أبناءه الذين عرفوا انه لا قيمة للخبزة إذا كانت مغمسة بالذل ، ولا فائدة من المال إذا ما كان هناك ذراع قوي يحميه ، فكانت التنمية الاقتصادية يرافقها علو بهمم الرجال ليذودوا عن إنجازات أبناء العراق ، وكان بالتأكيد لا بد من أن يظهر معارضين ممن حلموا بعودة الإقطاع ، أو من الذين تربوا في احتقاناتهم العرقية والشعوبية ، وهؤلاء من نسمع أصواتهم في إعلام العدو وأعوانه .

(3)

هل تتحقق نبوءات المراهنين على المقاومة؟
هل ستنهزم أمريكا من العراق ؟ وهل تحدث حرب أهلية ؟ وهل تصدق سيناريوهات صلاح المختار؟ أم أن المقاومة ستخسر وتنفل قوتها وتنتكس ـ لا سمح الله ـ ؟
أولا: إن مراهنات الأمريكان ومن يتمنى إن ينتصر مشروعهم على تفكيك النسيج الاجتماعي العراقي إلى مكوناته الاثنية ستبوء بالفشل الذريع ، فلا أظن هؤلاء قادرين على فهم كينونة هذا النسيج الذي تكون عبر آلاف السنين إذ تلاقحت موجات المستوطنين الأوائل في العراق منذ قبل تكوين الديانات السماوية أو معها فتعايشت الأعراق العربية مع السومرية والآكدية والآشورية والتركية والفارسية وانصهرت في بوتقة واحدة ذات هوية عراقية مبدعة في كل الأزمان ، فكنت تجد النصارى المبدعين في عهد الرشيد والمأمون والواثق ( حنين ابن اسحق) أبناء بختشوع ، أبناء موسى بن شاكر ، أبو البشر متي بن يعقوب ، وفي كل عصر لا يمن أحد على أحد ، بل أن عجلة العطاء تخلق هذه الكوادر المعطاءة والتي تفتخر بعراقيتها ، دون أن تنتقص من هيبة القوى المحورية الراجحة أثرا وعددا ، فلم يتنافس العراقيون على من ينتمي لحمورابي أو نبوخذ نصر أو الرشيد ، ولا ينكر السني جمالية الصوت الذي يخرج من الجنوب ، ولا أحد يعتدي على مقامات الأنبياء والأولياء وما أكثرهم وكم هي مواقعهم وأضرحتهم ، ولم يضع حاكم في العراق بندا في استعلامات الجنسية والأحوال المدنية عن المذهب ، وكم هم الذين لا يعرفون مذاهبهم وكم من فتاة من مذهب أو عرق تزوجت من فتى من مذهب آخر أو عرق آخر .
لقد حاول الغرب أو من يتربص بالعراق ، أن يدخل من تلك النافذة ففشل فشلا ذريعا ، وأكثر الخائبين هم الفرس ، وهم يعرفوا كم مهمتهم صعبة فمنذ أن تم نشر الإسلام في بلادهم وهم يستكثروا أن الرسالة حملها عربي ، فحاولوا أن يدخلوا من خلال آل البيت والصحابة ، فأيدوا عليا ( رضي الله عنه ) ليس حبا به بل من أجل أن يصنعوا ثغرة يدخلوا منها ، وكم كانت محاولاتهم ، ولو انهم يرعووا لكان خيرا لهم ، فالحرب العراقية الإيرانية معظم سوح معاركها كانت في أرض العرب الشيعة ، ولو كان أهل البصرة والعمارة يرجحوا الولاء الطائفي على الولاء الوطني المصبوغ بالعروبة والإسلام لكانت سيرورة الحرب مختلفة . من كانت القولة المشهورة لأحد شيوخ الزبيد ، نحن حراس العروبة من الفرس .
ثانيا : إن كوادر العراق الحديث من قيادات علمية وعسكرية ومفكرين ، قد نمت في جو مفعم من الشعور الوطني الغامر والمناهض للاستعمار وهم يتبارون في ذلك فيما بينهم على الفضيلة سواء كانوا عرب أو أكراد أو شيعة أو سنة أو تركمان أو جرجر أو شبك أو يزيديين . إسلاميين أو يساريين أو قوميين ، وسيتم إنجاز عقد ميثاق فيما بينهم من خلال التفافهم حول محور مقاومة الاستعمار ، ليكون هذا الميثاق هاديا لهم لتناقل السلطة فيما بينهم بوسائل متقدمة حتى على تلك الموجودة عند أرقى الأمم ، لأن الميثاق الذي يؤسس بالدم والتضحية بكل ما هو غالي هو اشرف بكثير من تلك المواثيق التي تؤسس على هامش اللافضيلة ، فعقد اللصوص ينفرط وعقد الشرفاء باق .
ثالثا: حتى لو أنجزت مشاريع أمريكا الخائبة في تنصيب من ينصبوا ، فان هؤلاء لن يستطيعوا الصمود أمام رفض العراقيين ، فهؤلاء يتخفوا ويحتموا بأسيادهم الغزاة ، ومع ذلك تطولهم المقاومة هم وأسيادهم الغزاة ، فكيف إذا رحل الغزاة ليجمع لهم وكلاءهم الريع ويبعثون به الى البيت العالي ، خاب فألهم ، اني والله أراهم راحلون قريبا وسيرفسهم بغل أسيادهم فيصبحوا مثل مضيع المشيتين .
***********************