شامل
12-02-2005, 09:46 PM
--------------------------------------------------------------------------------
هل يصبح جرنج حاكمًا للسودان؟!
تقارير رئيسية :عام :السبت 3 محرم 1426هـ - 12فبراير 2005 م
مفكرة الإسلام : بموجب الاتفاق الأخير بين الحكومة السودانية والمتمردين يحل "المتمرد جرنج" محل علي عثمان محمد طه النائب الأول للرئيس البشير والذي كان يتفاوض مع جرنج، والسؤال الآن هو: هل يصبح جرنج فيما بعد في مكان الرئيس البشير نفسه أم أن التدهور لن يصل إلى هذا الحد؟
السؤال قد يبدو غير منطقي للوهلة الأولى، لكن الأجواء والتطورات تشير للأسف إلى أن ذلك ممكن، ليس فقط لأنه لم يكن منطقيًا من قبل أن يتحول جرنج من متمرد إلى نائب أول للبشير وأن يكون مقره داخل القصر الجمهوري في الخرطوم، وبديلاً للنائب الذي تفاوض معه باسم الحكم في السودان – علي عثمان - ولكن أيضًا لأن الأنظمة العربية عودتنا على توقع ما لا يمكن توقعه أو تصديقه، إذ يعيد التاريخ العربي تكرار نفسه من خلال دورة نشاط الأنظمة، فتظهر هذه النظم في بداية وصولها للحكم، رافعة شعارات ومكثرة من الادعاءات بكل شيء وفي كل اتجاه، لكنها وبعد فترة تتوقف عن هذه الحالة، ثم تبدأ في التمهيد لتراجعها تحت شعارات براقة أو بادعاءات أخرى – تحقيق السلام والأمن والتنمية والحفاظ على أرواح المواطنين – ثم ومن بعدها تستدير فتغير أو تمسح كل ما رفعته من شعارات جملة تفصيلاً، سواء ما قالته في بداية فتوة أنظمتها أو حتى ما قالته عند بداية التراجع والاستدارة للخلف!
وسواء كان ذلك راجعًا إلى أن حالة التوازن الدولي المختل، هي التي تجبر الأنظمة والحركات السياسية العربية أو تكرهها على تغيير استراتيجياتها، أو كان ذلك راجعًا لافتقاد هذه الأنظمة لأية استراتيجيات حقيقية نابعة من أبعاد عقدية ومفاهيمية تزن عوامل وحدود الصراع من الأصل، فإن ما نراه أمام أعيننا هو أن تجربة الإنقاذ في السودان التي اختلفت عن غيرها من تجارب النظم العربية، وصلت هي الأخري إلى نفس النتيجة!
فرغم أن تجربة الإنقاذ طرحت بعض شعارات تحمل مضامين عقدية للصراع وأبرزت تحديًا لمظاهر الضغط الدولي وعاشت في مواجهة حصار من كل الدول المحيطة بالسودان وخاضت لسنوات طوال - تحت شعارات جهادية – حربًا ضد المتمردين في الجنوب بوصفهم متآمرين على عروبة وإسلام السودان وبوصفهم ممولين وموالين لأمريكا وبريطانيا بل وحتى الكيان الصهيوني، رغم كل ذلك إلا أنها عادت عبر دورة متعرجة – أصبح فيها الدكتور حسن الترابي المنظر الرئيس للحركة عدوًا وخلف الأسوار - لتعقد اتفاقًا مع المتمردين، يعطيهم الحق في فصل الجنوب بعد 6 سنوات، وخلالها يجلس جرنج في القصر الجمهوري نائبًا أول للرئيس السوداني وقائدًا لجيش جنوبي ينتشر في الجنوب، ووفق تقسيم مع المتمردين للسلطة والثروة. لما كانت قد انقلبت من هذا إلى ذاك، فلم يكن مستغربًا أن يصل الأمر إلى حد وصول جرنج إلى سدة الحكم؟!
جرنج في القصر الرئاسي!
ولنبدأ بدلالات الموقف الآن:
1- فوفقًا لتطبيق الاتفاق الأخير بين الحكومة والمتمردين، يدخل جرنج إلى القصر الجمهوري محميًا من الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا والنرويج ومجلس الكنائس العالمي والكيان الصهيوني - بطبيعة الحال – وبذلك تكون ثورة الإنقاذ قد انتهت بالسودان إلى ما لم ينته به أحد غيرها، عبر التاريخ السوداني الحديث منذ الاستقلال في عام 1956 وحتى الآن ، كما تكون من قبل ومن بعد قد انتهت إلى عكس ما بدأت به تمامًا من برامج وخطط وأهداف، وليس فقط تكون قد تراجعت عن كل شعاراتها. فلمَ إذن نستغرب أن يكتمل الانقلاب ليصبح شاملاً؟!
2- ووفقًا للاتفاق الأخير بين الحكومة والمتمردين، يكون جرنج لم يتمكن فقط ومن خلال التأثير والدعم الغربي والأمريكي والبريطاني... إلخ، من الوصول إلى ما أراد هو، ومن اقتحام القصر الرئاسي وكنائب أول لرئيس الجمهورية - يسبق علي عثمان في البروتوكول والصلاحيات أيضًا – ولا يكون فقط هو الشخص الوحيد المحمى في القصر بحكم الدعم الخارجي، في زمن بات كثير من الحكام يرون الحماية الخارجية أهم وأعلى من الحماية الداخلية من الشعوب – ولكن قبل هذا وذاك، يكون قد بدأ مشواره الأكبر في الاستيلاء على السودان كله لا تقسيمه حربًا كما في السابق، ولا سِلمًا كما هو منصوص عليه في الاتفاقية التي تتيح انفصال الجنوب سِلمًا بعد 6 سنوات.
لقد جاء جرنج إلى الخرطوم لينفذ خطته التي طالما أعلن عنها في بناء سودان جديد هو سودان علماني أو سودان يغلب عليه أي طابع، إلا الطابع الإسلامي، وهو القائل عن العرب: إنهم "جلابة"، وهو الذي أعلن أن العرب في السودان أقلية. فكيف إذن نستغرب أن يكون جرنج رئيسًا للسودان والطريق بات ممهدًا له أكثر مما كان من قبل؟!
3- وبوصول جرنج إلى قلب الخرطوم، تكون تلك العاصمة، هي العاصمة العربية الثالثة التي تسقط أو التي تصل إليها قوات أمريكية أو صهيونية بالأصالة عن نفسها أو عن طريق من تدعمهم، ويكون الذي قاله وزير الداخلية السوداني من تصريحات عن دعم الكيان الصهيوني لمتمردي دارفور ليس اتهامًا للمتمردين بقدر ما هو إعلان وتأكيد على أنهم هم الآخرون قادمون إلى قلب الخرطوم كما وصل جرنج ولو بعد حين، فقد كان جرنج متمردًا ومدعومًا صهيونيًا وغربيًا وكنسيًا – والكلام هكذا كان يتردد في الإعلام الرسمي السوداني - واليوم أصبح نائبًا لجمهورية السودان! فلمَ إذن لا يكون الاحتمال منطقيًا في ضوء ما نشر عن تشكيل قوات في دارفور مكونة من ثلث من الجيش السوداني وثلث من جيش التمرد وثلث من قوة أفريقية.
أليس معنى ذلك أن جرنج ستتمدد قوته من الجنوب إلى الغرب؟! ولمَ أيضًا لا يكون الأمر منطقيًا في ظل استمرار بل وتصاعد الضغوط التي أتت بجرنج نائبًا للرئيس، حيث الولايات المتحدة - وبعد توقيع الاتفاق - عادت لتعلن أنها ستعاقب الخرطوم بسبب دارفور، أليس هذا مؤشرًا على توافر نفس الظروف التي أوصلته إلى منصب نائب الرئيس؟
4- وفي وجود جرنج في قلب الخرطوم يكون السودان قد دخل إلى لعبة التقسيم الداخلي، بنظام الحصص، وبما يحمل دلالات حقيقية لاحتمال أن يحصل جرنج من خلالها على أغلبية توصله إلى مقعد الرئيس!
فوفقًا للاتفاق الراهن، فإن الحكم القادم، هو حكم مقسم بنسب محددة كما هو الحال في العراق، مع بعض الاختلافات بطبيعة الحال. فكما البرلمان العراقي مقسم بين الشيعة والسنة والأكراد والتركمان – حسب الخطة الأمريكية - فإن الحكم السوداني سيكون مقسمًا بنسب بين التمرد والحزب الحاكم والمعارضة في الشمال والقوى الجنوبية الأخرى التي ليست مع جرنج رسميًا، كما هو في انتظار تقسيم جديد بين الشرق والخرطوم والغرب والخرطوم - ومن ثم يتأسس السودان الجديد على أسس جِهوية وعرقية وولائية على عكس ما قامت من أجله ثورة الإنقاذ وأعلنته.
فإذا أمعنا النظر فى تلك الاتفاقات سنجد أن الحكومة بات لها نصيب في السيطرة بنحو 52% وأن الحركة الشعبية أصبحت حاصلة على 28% من السلطة، وأن المعارضة الشمالية بات لها 12%، وفي المقابل بات للقوى الجنوبية الأخرى المتوقع إضافتها إلى الاتفاق نحو 6%. وإذا وضعنا في الاعتبار طبيعة العلاقة بين جرنج والمعارضة الشمالية المتمثلة في التجمع الوطني، يكون السودان بات مقسمًا بالفعل ويدخل في تحالفات بالغة التعقيد والخطر، وأنه بانتظار وقوع تقسيمات أخرى. فمن ناحية ها هو الاتفاق بين الحكومة والتجمع الوطني – حليف جرنج الثاني – يتعقد رغم توقيعه بالأحرف الأولى، وأسباب الخلاف تدور بسبب أن التجمع يريد استيعاب قواته في القيادة المركزية المشتركة والتعامل معها على غرار اتفاق الحركة الشعبية مع الحكومة أي السماح بقوات ثابتة مستقلة له في الشرق. كما أن الاتفاق حوى موافقة الحكومة على منح ثلاث مناطق في الوسط وهي جبال النوبة وآبيي وجنوب النيل الأزرق حق تقرير المصير للاختيار في الانضمام إلى الشمال أو الجنوب أو للبقاء كمناطق حكم ذاتي، في وقت ما تزال الحرب مستمرة في دارفور! فكيف إذن لا نتصور أن يعاد ترتيب أوضاع القوى السياسية مرة أخرى مع حل مشكلة دارفور بنفس الطريقة وكذا مع حل مشكلة الشرق المتصاعدة ليصبح البشير ممثلاً للأقلية في داخل هذه التركيبة الجديدة وجرنج صاحب الأغلبية؟!
5- كما أن وصول جرنج إلى قلب الخرطوم، جاء بمثابة فتح الطريق واسعًا لاشتعال حرب منهكة وأشد دموية في دارفور بما يجعله في موقف الأقوى داخل سدة الحكم، وبما يهيئ له الفرصة للتوغل أكثر في شتى أرجاء السودان ومن الداخل لا الخارج.
وتكون حركات التمرد في دارفور، قد تأكد لها أن النظام السوداني بات في أضعف حالاته، وأن التعاون مع الغرب والصهاينة هو الطريق لتحقيق الأهداف. فإذا كان نظام الإنقاذ قد قبل أن يأتي جرنج إلى قلب الخرطوم والقصر الجمهوري فإنه الأن وبعد وصول جرنج قد أصبح في حالة أضعف من السابق، إذ لاشك أن جرنج سيكون قادرًا على دعم المتمردين من الداخل ليجتمع لهم الدعم من الخارج والدعم من الداخل وهو أمر لاشك أن جرنج هو الذي سيجني ثماره.
6- والأمر نفسه بالنسبة لأهل الشرق في السودان الذين بوصول جرنج إلى منصب نائب الرئيس يكون قد تأكد لهم أن لا حل لهم إلا القتال ضد الحكومة في الخرطوم، ولذلك كانت المظاهرات التي جرت في الشرق مؤخرًا مؤشرًا على القادم من هناك، والذي لن يتوقف عند حد، حتى لو وصلت الحكومة إلى تهدئة أو اتفاق مع قوى التجمع الوطني التي لها قوات الآن في الشرق، ذلك أن إريتريا لن تترك فرصة ضعف الحكم في الخرطوم - بعد اتفاق الجنوب وتمرد دارفور – تمر هكذا دون أن تعود إلى خطتها الاستراتيجية في فصل الشرق الغني بالأراضي الزراعية الخصبة والمياه. وهنا سيجد جرنج ضالته في الشرق لا الغرب فقط، حيث هو الحليف الأكبر لإريتريا التي كانت وما تزال محلاً للإمداد والتموين لقواته الموجودة في الشرق.
7- وما يزيد جرنج قوة هو أن الاتفاق الأخير لا يحسب في الحسابات عن المكاسب الذي حصل عليها المتمردون والخسائر المقابلة التي خسرها الحكم في الخرطوم، وكذلك ليس ما يقوله هذا النص أو ذاك، ومن قبل ومن بعد ليس مدى صدق الأحاديث عن السلام والتنمية التي كثيرًا ما تستهدف دغدغة مشاعر المواطنين المرهقين المنهكين من الفقر أو الجوع أو التشرد، وإنما الرسالة الأخطر التي يدركها جرنج في الاتفاق هو أن التوازنات والموائمات والضغوط التي في ظلها أو بسببها وقع الاتفاق، والتي تتحكم في تطبيقه حتى على سوئه، قد سمحت بتحويل جانب من مسلمي السودان إلى أقلية في الجنوب تحت حكمه، فلمَ لا يتكرر الأمر في السودان كله وهو القائل: إن العرب أقلية في السودان كله؟!
تغييرات وتغيرات:
لوصول جرنج إلى الخرطوم دلالات مهمة داخل السودان، فهي تظهر كيف تحولت حكومة الإنقاذ من رفع شعارات الاستقلال الحضاري، ومن شن حرب جهادية ضد متمردي الجنوب، ومن ضرب الحركات السياسية التي حاولت التواصل مع المتمردين – لسبب أو لآخر – أو التي كان لها رأي آخر في التعامل مع المتمردين، تحولت من كل ذلك، إلى التسليم للضغوط الغربية والصهيونية، وإلى الموافقة على سودان علماني، بل إلى الموافقة على تغيير هوية المجتمع السوداني لا الحكم فقط.
وبوصول جرنج إلى الخرطوم، يظهر أن البترول الذي أريد منه أن يكون نعمة على أهل السودان، تحول إلى نقمة، إذ بدلاً من أن يتمكن السودان من خلال استخراج البترول من إنهاء معركة استقلاله ضد المطامع الاستعمارية، ومن تحقيق طموحات أهل السودان في حياة كريمة تنهي حالات الفقر والجوع واللجوء إلى دول الجوار، بدلاً من ذلك جعل البترول الدول الغربية تنشب مخالبها، وتستعرض عضلات قوتها العسكرية وتهدد بالتدخل وتحاصر، إلى أن تمكنت من إسقاط تجربة الإنقاذ وإن بقي شخوص منها.
وبوصول جرنج إلى قلب الخرطوم تنكشف الأبعاد الحقيقية للوضع الرسمي العربي، الذي لم يتمكن من إغاثة أهل السودان في تلك المواجهة الإجرامية وفي ذلك الحصار القاتل عبر سنين طويلة، إذ ظهر أن هذا الوضع الرسمي العربي، الذي تأسس منذ منتصف القرن الماضي لم يتمكن لا من صد الغزوة الصهيونية أو حتى من تقديم مساندة وعون خيري إلى الشعب الفلسطيني في جهاده، ولا من صد الغزو الأمريكي على العراق، ولا حتى من صد جرنج، وهاهو يقف متفرجًا!!
أقصى قدراته أن لا يحضر ممثلون عنه توقيع اتفاق وصول جرنج إلى موقع الرجل الثاني في الخرطوم. ربما يدخرون جهد حضور الاحتفال إلى يوم إعلان جرنج أنه الحاكم الأول أو إلى يوم تقسيم السودان!!
وبوصول جرنج إلى قلب الخرطوم، يكون المخطط الأمريكي القائم على التفكيك العرقي في المنطقة قد انتقل من العراق، إلى السودان، لينتشر كشرارة حريق في كل الدول العربية، ولا نتحدث هنا من كونه دفعة قوية للصراع في الجزائر – بين العرب والبربر – وإنما أيضًا إلى مصر حيث أشار البرنامج الأمريكي الذي أعد بالتعاون بين المخابرات الأمريكية والخارجية الأمريكية بشأن خطة الولايات المتحدة لمصر خلال عامي 2005 -2006، إلى أن الولايات المتحدة ستعمل على تعيين نائب أول للرئيس المصري من الأقباط، وعلى أن يكون هناك نائب قبطي لرئيس الوزراء المصري[!] وهو أمر رأت الخارجية الأمريكية والمخابرات أنه لا يتأتى مع بقاء نص في الدستور المصري، ينص على أن الشريعة هي المصدر الرئيس للتشريع، ومن ثم يجب التخلي فورًا عن هذا البند من الدستور!
جرنج والدور القادم:
لم تكن مصادفة أن يطلق جرنج تصريحات قبل أيام من توقيع الاتفاق مباشرة -وهو لا يزال بعد في نيروبي - أنه ينوي الضغط من أجل التوصل لاتفاق سلام في إقليم دارفور، فور انضمامه لحكومة وحدة وطنية مضيفًا أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام في جزء من البلاد – يقصد الجنوب – وحرب في جزء آخر، كما هو لم يخفِ قناعته بالادعاءات الغربية والصهيونية حول الإبادة الجماعية هناك فقال: [هناك احتمال لوقوع إبادة جماعية لابد من منها وهذه مسؤولية الحكومة].
كما لم تكن مصادفة أن يتحدث عن ذلك بالقول: [إنه سيحضر المفاوضات لإنهاء الصراع إذا وجهت له الدعوة وسيطالب بتوجيه الدعوة له إذا لم توجه له]. وإذا كان جرنج لم ينس أن يرد الجميل إلى من ساندوه في أوغندا، إذ قال: إنه سيعمل على طرد جيش الرب المقاوم والمقاتل ضد الحكومة الأوغندية من قواعدهم في جنوب السودان، فإنه أكد بذلك أنه سيكمل دوره بعد الجنوب إلى الغرب، إذ هو في تحالف حقيقي مع متمردي دارفور، حيث حركات التمرد في دارفور، كما قال محمد الأمين خليفة – أحد قيادات حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي - قد استمدت قوتها من الحركة المتمردة في جنوب البلاد بزعامة جون جرنج. وأن متمردي جرنج قدموا مساعدات مالية ضخمة إلى فصائل المتمردين في إقليم دارفور، بل هو قال خلال مرحلة المفاوضات بين الحكومة والتمرد: إن حركة التمرد في جنوب السودان بزعامة جون جرنج مازالت تقدم الأموال إلى متمردي دارفور، بهدف تشتيت وحدة البلاد، وبغرض الضغط على الحكومة لتحقيق مكاسب لمتمردي الجنوب خلال المفاوضات المنعقدة حالياً بضاحية نيفاشا الكينية.
وواقع الحال أن جرنج حينما يفعل ذلك لا يخرج عن إطار تحالفاته مع الخارج، فإذا كان هو المتهم دومًا بعلاقات متينة ومتميزة مع دوائر صهيونية، فإن بعض متمردي دارفور بدورهم كذلك، إذ كشفت وزارة الخارجية الصهيونية أن [إسرائيل] قدّمت، بالتعاون مع أربع مؤسسات يهودية أمريكية من نيويورك ونيوجيرسي، مساعدات لإغاثة لاجئي منطقة دارفور - ومفهوم معنى المساعدات الصهيونية بالطبع - تمكنوا من الوصول إلى معسكرات اللاجئين في تشاد.
وقالت الخارجية الصهيونية: إنها قدمت هذه التبرعات عن طريق "لجنة الإنقاذ الدولية" في حفل خاص أقيم في نيويورك شارك فيه قنصل الكيان الصهيوني في نيويورك أرييه ميكيل. وخلال الحفل وقف ممثل عن اللاجئين السودانيين، ليقدم الشكر للكيان الصهيوني والمنظمات اليهودية على التبرعات التي قدمتها.
ولم تكن مصادفة أن يجري التحرك في الشرق حاليًا بعد الانتهاء مباشرة من توقيع الاتفاق بين الحكومة والتمرد، إذ إن الخطة التي رتبت لوصول جرنج إلى الخرطوم، لا تتعلق بمشاركة جنوبي في الحكم... إلخ، ولكن هي بالأساس وصول جرنج إلى سدة الحكم وحده، عبر تفكيك مختلف مناطق السودان ثم تجميعها تحت حكمه.
وفي ظل كل هذا التدهور المتنامي والملفات التي تفتح كل يوم للضغط على الحكم في السودان – آخرها ملف محاكمة مسؤولين سودانيين بتهمة ارتكاب جرائم في دارفور - يبدو الأمر منطقيًا أن تنتهي الأوضاع وإن بعد حين، باحتلال جرنج مقعد الرئيس البشير!
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
طلعت رميح
هل يصبح جرنج حاكمًا للسودان؟!
تقارير رئيسية :عام :السبت 3 محرم 1426هـ - 12فبراير 2005 م
مفكرة الإسلام : بموجب الاتفاق الأخير بين الحكومة السودانية والمتمردين يحل "المتمرد جرنج" محل علي عثمان محمد طه النائب الأول للرئيس البشير والذي كان يتفاوض مع جرنج، والسؤال الآن هو: هل يصبح جرنج فيما بعد في مكان الرئيس البشير نفسه أم أن التدهور لن يصل إلى هذا الحد؟
السؤال قد يبدو غير منطقي للوهلة الأولى، لكن الأجواء والتطورات تشير للأسف إلى أن ذلك ممكن، ليس فقط لأنه لم يكن منطقيًا من قبل أن يتحول جرنج من متمرد إلى نائب أول للبشير وأن يكون مقره داخل القصر الجمهوري في الخرطوم، وبديلاً للنائب الذي تفاوض معه باسم الحكم في السودان – علي عثمان - ولكن أيضًا لأن الأنظمة العربية عودتنا على توقع ما لا يمكن توقعه أو تصديقه، إذ يعيد التاريخ العربي تكرار نفسه من خلال دورة نشاط الأنظمة، فتظهر هذه النظم في بداية وصولها للحكم، رافعة شعارات ومكثرة من الادعاءات بكل شيء وفي كل اتجاه، لكنها وبعد فترة تتوقف عن هذه الحالة، ثم تبدأ في التمهيد لتراجعها تحت شعارات براقة أو بادعاءات أخرى – تحقيق السلام والأمن والتنمية والحفاظ على أرواح المواطنين – ثم ومن بعدها تستدير فتغير أو تمسح كل ما رفعته من شعارات جملة تفصيلاً، سواء ما قالته في بداية فتوة أنظمتها أو حتى ما قالته عند بداية التراجع والاستدارة للخلف!
وسواء كان ذلك راجعًا إلى أن حالة التوازن الدولي المختل، هي التي تجبر الأنظمة والحركات السياسية العربية أو تكرهها على تغيير استراتيجياتها، أو كان ذلك راجعًا لافتقاد هذه الأنظمة لأية استراتيجيات حقيقية نابعة من أبعاد عقدية ومفاهيمية تزن عوامل وحدود الصراع من الأصل، فإن ما نراه أمام أعيننا هو أن تجربة الإنقاذ في السودان التي اختلفت عن غيرها من تجارب النظم العربية، وصلت هي الأخري إلى نفس النتيجة!
فرغم أن تجربة الإنقاذ طرحت بعض شعارات تحمل مضامين عقدية للصراع وأبرزت تحديًا لمظاهر الضغط الدولي وعاشت في مواجهة حصار من كل الدول المحيطة بالسودان وخاضت لسنوات طوال - تحت شعارات جهادية – حربًا ضد المتمردين في الجنوب بوصفهم متآمرين على عروبة وإسلام السودان وبوصفهم ممولين وموالين لأمريكا وبريطانيا بل وحتى الكيان الصهيوني، رغم كل ذلك إلا أنها عادت عبر دورة متعرجة – أصبح فيها الدكتور حسن الترابي المنظر الرئيس للحركة عدوًا وخلف الأسوار - لتعقد اتفاقًا مع المتمردين، يعطيهم الحق في فصل الجنوب بعد 6 سنوات، وخلالها يجلس جرنج في القصر الجمهوري نائبًا أول للرئيس السوداني وقائدًا لجيش جنوبي ينتشر في الجنوب، ووفق تقسيم مع المتمردين للسلطة والثروة. لما كانت قد انقلبت من هذا إلى ذاك، فلم يكن مستغربًا أن يصل الأمر إلى حد وصول جرنج إلى سدة الحكم؟!
جرنج في القصر الرئاسي!
ولنبدأ بدلالات الموقف الآن:
1- فوفقًا لتطبيق الاتفاق الأخير بين الحكومة والمتمردين، يدخل جرنج إلى القصر الجمهوري محميًا من الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا والنرويج ومجلس الكنائس العالمي والكيان الصهيوني - بطبيعة الحال – وبذلك تكون ثورة الإنقاذ قد انتهت بالسودان إلى ما لم ينته به أحد غيرها، عبر التاريخ السوداني الحديث منذ الاستقلال في عام 1956 وحتى الآن ، كما تكون من قبل ومن بعد قد انتهت إلى عكس ما بدأت به تمامًا من برامج وخطط وأهداف، وليس فقط تكون قد تراجعت عن كل شعاراتها. فلمَ إذن نستغرب أن يكتمل الانقلاب ليصبح شاملاً؟!
2- ووفقًا للاتفاق الأخير بين الحكومة والمتمردين، يكون جرنج لم يتمكن فقط ومن خلال التأثير والدعم الغربي والأمريكي والبريطاني... إلخ، من الوصول إلى ما أراد هو، ومن اقتحام القصر الرئاسي وكنائب أول لرئيس الجمهورية - يسبق علي عثمان في البروتوكول والصلاحيات أيضًا – ولا يكون فقط هو الشخص الوحيد المحمى في القصر بحكم الدعم الخارجي، في زمن بات كثير من الحكام يرون الحماية الخارجية أهم وأعلى من الحماية الداخلية من الشعوب – ولكن قبل هذا وذاك، يكون قد بدأ مشواره الأكبر في الاستيلاء على السودان كله لا تقسيمه حربًا كما في السابق، ولا سِلمًا كما هو منصوص عليه في الاتفاقية التي تتيح انفصال الجنوب سِلمًا بعد 6 سنوات.
لقد جاء جرنج إلى الخرطوم لينفذ خطته التي طالما أعلن عنها في بناء سودان جديد هو سودان علماني أو سودان يغلب عليه أي طابع، إلا الطابع الإسلامي، وهو القائل عن العرب: إنهم "جلابة"، وهو الذي أعلن أن العرب في السودان أقلية. فكيف إذن نستغرب أن يكون جرنج رئيسًا للسودان والطريق بات ممهدًا له أكثر مما كان من قبل؟!
3- وبوصول جرنج إلى قلب الخرطوم، تكون تلك العاصمة، هي العاصمة العربية الثالثة التي تسقط أو التي تصل إليها قوات أمريكية أو صهيونية بالأصالة عن نفسها أو عن طريق من تدعمهم، ويكون الذي قاله وزير الداخلية السوداني من تصريحات عن دعم الكيان الصهيوني لمتمردي دارفور ليس اتهامًا للمتمردين بقدر ما هو إعلان وتأكيد على أنهم هم الآخرون قادمون إلى قلب الخرطوم كما وصل جرنج ولو بعد حين، فقد كان جرنج متمردًا ومدعومًا صهيونيًا وغربيًا وكنسيًا – والكلام هكذا كان يتردد في الإعلام الرسمي السوداني - واليوم أصبح نائبًا لجمهورية السودان! فلمَ إذن لا يكون الاحتمال منطقيًا في ضوء ما نشر عن تشكيل قوات في دارفور مكونة من ثلث من الجيش السوداني وثلث من جيش التمرد وثلث من قوة أفريقية.
أليس معنى ذلك أن جرنج ستتمدد قوته من الجنوب إلى الغرب؟! ولمَ أيضًا لا يكون الأمر منطقيًا في ظل استمرار بل وتصاعد الضغوط التي أتت بجرنج نائبًا للرئيس، حيث الولايات المتحدة - وبعد توقيع الاتفاق - عادت لتعلن أنها ستعاقب الخرطوم بسبب دارفور، أليس هذا مؤشرًا على توافر نفس الظروف التي أوصلته إلى منصب نائب الرئيس؟
4- وفي وجود جرنج في قلب الخرطوم يكون السودان قد دخل إلى لعبة التقسيم الداخلي، بنظام الحصص، وبما يحمل دلالات حقيقية لاحتمال أن يحصل جرنج من خلالها على أغلبية توصله إلى مقعد الرئيس!
فوفقًا للاتفاق الراهن، فإن الحكم القادم، هو حكم مقسم بنسب محددة كما هو الحال في العراق، مع بعض الاختلافات بطبيعة الحال. فكما البرلمان العراقي مقسم بين الشيعة والسنة والأكراد والتركمان – حسب الخطة الأمريكية - فإن الحكم السوداني سيكون مقسمًا بنسب بين التمرد والحزب الحاكم والمعارضة في الشمال والقوى الجنوبية الأخرى التي ليست مع جرنج رسميًا، كما هو في انتظار تقسيم جديد بين الشرق والخرطوم والغرب والخرطوم - ومن ثم يتأسس السودان الجديد على أسس جِهوية وعرقية وولائية على عكس ما قامت من أجله ثورة الإنقاذ وأعلنته.
فإذا أمعنا النظر فى تلك الاتفاقات سنجد أن الحكومة بات لها نصيب في السيطرة بنحو 52% وأن الحركة الشعبية أصبحت حاصلة على 28% من السلطة، وأن المعارضة الشمالية بات لها 12%، وفي المقابل بات للقوى الجنوبية الأخرى المتوقع إضافتها إلى الاتفاق نحو 6%. وإذا وضعنا في الاعتبار طبيعة العلاقة بين جرنج والمعارضة الشمالية المتمثلة في التجمع الوطني، يكون السودان بات مقسمًا بالفعل ويدخل في تحالفات بالغة التعقيد والخطر، وأنه بانتظار وقوع تقسيمات أخرى. فمن ناحية ها هو الاتفاق بين الحكومة والتجمع الوطني – حليف جرنج الثاني – يتعقد رغم توقيعه بالأحرف الأولى، وأسباب الخلاف تدور بسبب أن التجمع يريد استيعاب قواته في القيادة المركزية المشتركة والتعامل معها على غرار اتفاق الحركة الشعبية مع الحكومة أي السماح بقوات ثابتة مستقلة له في الشرق. كما أن الاتفاق حوى موافقة الحكومة على منح ثلاث مناطق في الوسط وهي جبال النوبة وآبيي وجنوب النيل الأزرق حق تقرير المصير للاختيار في الانضمام إلى الشمال أو الجنوب أو للبقاء كمناطق حكم ذاتي، في وقت ما تزال الحرب مستمرة في دارفور! فكيف إذن لا نتصور أن يعاد ترتيب أوضاع القوى السياسية مرة أخرى مع حل مشكلة دارفور بنفس الطريقة وكذا مع حل مشكلة الشرق المتصاعدة ليصبح البشير ممثلاً للأقلية في داخل هذه التركيبة الجديدة وجرنج صاحب الأغلبية؟!
5- كما أن وصول جرنج إلى قلب الخرطوم، جاء بمثابة فتح الطريق واسعًا لاشتعال حرب منهكة وأشد دموية في دارفور بما يجعله في موقف الأقوى داخل سدة الحكم، وبما يهيئ له الفرصة للتوغل أكثر في شتى أرجاء السودان ومن الداخل لا الخارج.
وتكون حركات التمرد في دارفور، قد تأكد لها أن النظام السوداني بات في أضعف حالاته، وأن التعاون مع الغرب والصهاينة هو الطريق لتحقيق الأهداف. فإذا كان نظام الإنقاذ قد قبل أن يأتي جرنج إلى قلب الخرطوم والقصر الجمهوري فإنه الأن وبعد وصول جرنج قد أصبح في حالة أضعف من السابق، إذ لاشك أن جرنج سيكون قادرًا على دعم المتمردين من الداخل ليجتمع لهم الدعم من الخارج والدعم من الداخل وهو أمر لاشك أن جرنج هو الذي سيجني ثماره.
6- والأمر نفسه بالنسبة لأهل الشرق في السودان الذين بوصول جرنج إلى منصب نائب الرئيس يكون قد تأكد لهم أن لا حل لهم إلا القتال ضد الحكومة في الخرطوم، ولذلك كانت المظاهرات التي جرت في الشرق مؤخرًا مؤشرًا على القادم من هناك، والذي لن يتوقف عند حد، حتى لو وصلت الحكومة إلى تهدئة أو اتفاق مع قوى التجمع الوطني التي لها قوات الآن في الشرق، ذلك أن إريتريا لن تترك فرصة ضعف الحكم في الخرطوم - بعد اتفاق الجنوب وتمرد دارفور – تمر هكذا دون أن تعود إلى خطتها الاستراتيجية في فصل الشرق الغني بالأراضي الزراعية الخصبة والمياه. وهنا سيجد جرنج ضالته في الشرق لا الغرب فقط، حيث هو الحليف الأكبر لإريتريا التي كانت وما تزال محلاً للإمداد والتموين لقواته الموجودة في الشرق.
7- وما يزيد جرنج قوة هو أن الاتفاق الأخير لا يحسب في الحسابات عن المكاسب الذي حصل عليها المتمردون والخسائر المقابلة التي خسرها الحكم في الخرطوم، وكذلك ليس ما يقوله هذا النص أو ذاك، ومن قبل ومن بعد ليس مدى صدق الأحاديث عن السلام والتنمية التي كثيرًا ما تستهدف دغدغة مشاعر المواطنين المرهقين المنهكين من الفقر أو الجوع أو التشرد، وإنما الرسالة الأخطر التي يدركها جرنج في الاتفاق هو أن التوازنات والموائمات والضغوط التي في ظلها أو بسببها وقع الاتفاق، والتي تتحكم في تطبيقه حتى على سوئه، قد سمحت بتحويل جانب من مسلمي السودان إلى أقلية في الجنوب تحت حكمه، فلمَ لا يتكرر الأمر في السودان كله وهو القائل: إن العرب أقلية في السودان كله؟!
تغييرات وتغيرات:
لوصول جرنج إلى الخرطوم دلالات مهمة داخل السودان، فهي تظهر كيف تحولت حكومة الإنقاذ من رفع شعارات الاستقلال الحضاري، ومن شن حرب جهادية ضد متمردي الجنوب، ومن ضرب الحركات السياسية التي حاولت التواصل مع المتمردين – لسبب أو لآخر – أو التي كان لها رأي آخر في التعامل مع المتمردين، تحولت من كل ذلك، إلى التسليم للضغوط الغربية والصهيونية، وإلى الموافقة على سودان علماني، بل إلى الموافقة على تغيير هوية المجتمع السوداني لا الحكم فقط.
وبوصول جرنج إلى الخرطوم، يظهر أن البترول الذي أريد منه أن يكون نعمة على أهل السودان، تحول إلى نقمة، إذ بدلاً من أن يتمكن السودان من خلال استخراج البترول من إنهاء معركة استقلاله ضد المطامع الاستعمارية، ومن تحقيق طموحات أهل السودان في حياة كريمة تنهي حالات الفقر والجوع واللجوء إلى دول الجوار، بدلاً من ذلك جعل البترول الدول الغربية تنشب مخالبها، وتستعرض عضلات قوتها العسكرية وتهدد بالتدخل وتحاصر، إلى أن تمكنت من إسقاط تجربة الإنقاذ وإن بقي شخوص منها.
وبوصول جرنج إلى قلب الخرطوم تنكشف الأبعاد الحقيقية للوضع الرسمي العربي، الذي لم يتمكن من إغاثة أهل السودان في تلك المواجهة الإجرامية وفي ذلك الحصار القاتل عبر سنين طويلة، إذ ظهر أن هذا الوضع الرسمي العربي، الذي تأسس منذ منتصف القرن الماضي لم يتمكن لا من صد الغزوة الصهيونية أو حتى من تقديم مساندة وعون خيري إلى الشعب الفلسطيني في جهاده، ولا من صد الغزو الأمريكي على العراق، ولا حتى من صد جرنج، وهاهو يقف متفرجًا!!
أقصى قدراته أن لا يحضر ممثلون عنه توقيع اتفاق وصول جرنج إلى موقع الرجل الثاني في الخرطوم. ربما يدخرون جهد حضور الاحتفال إلى يوم إعلان جرنج أنه الحاكم الأول أو إلى يوم تقسيم السودان!!
وبوصول جرنج إلى قلب الخرطوم، يكون المخطط الأمريكي القائم على التفكيك العرقي في المنطقة قد انتقل من العراق، إلى السودان، لينتشر كشرارة حريق في كل الدول العربية، ولا نتحدث هنا من كونه دفعة قوية للصراع في الجزائر – بين العرب والبربر – وإنما أيضًا إلى مصر حيث أشار البرنامج الأمريكي الذي أعد بالتعاون بين المخابرات الأمريكية والخارجية الأمريكية بشأن خطة الولايات المتحدة لمصر خلال عامي 2005 -2006، إلى أن الولايات المتحدة ستعمل على تعيين نائب أول للرئيس المصري من الأقباط، وعلى أن يكون هناك نائب قبطي لرئيس الوزراء المصري[!] وهو أمر رأت الخارجية الأمريكية والمخابرات أنه لا يتأتى مع بقاء نص في الدستور المصري، ينص على أن الشريعة هي المصدر الرئيس للتشريع، ومن ثم يجب التخلي فورًا عن هذا البند من الدستور!
جرنج والدور القادم:
لم تكن مصادفة أن يطلق جرنج تصريحات قبل أيام من توقيع الاتفاق مباشرة -وهو لا يزال بعد في نيروبي - أنه ينوي الضغط من أجل التوصل لاتفاق سلام في إقليم دارفور، فور انضمامه لحكومة وحدة وطنية مضيفًا أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام في جزء من البلاد – يقصد الجنوب – وحرب في جزء آخر، كما هو لم يخفِ قناعته بالادعاءات الغربية والصهيونية حول الإبادة الجماعية هناك فقال: [هناك احتمال لوقوع إبادة جماعية لابد من منها وهذه مسؤولية الحكومة].
كما لم تكن مصادفة أن يتحدث عن ذلك بالقول: [إنه سيحضر المفاوضات لإنهاء الصراع إذا وجهت له الدعوة وسيطالب بتوجيه الدعوة له إذا لم توجه له]. وإذا كان جرنج لم ينس أن يرد الجميل إلى من ساندوه في أوغندا، إذ قال: إنه سيعمل على طرد جيش الرب المقاوم والمقاتل ضد الحكومة الأوغندية من قواعدهم في جنوب السودان، فإنه أكد بذلك أنه سيكمل دوره بعد الجنوب إلى الغرب، إذ هو في تحالف حقيقي مع متمردي دارفور، حيث حركات التمرد في دارفور، كما قال محمد الأمين خليفة – أحد قيادات حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي - قد استمدت قوتها من الحركة المتمردة في جنوب البلاد بزعامة جون جرنج. وأن متمردي جرنج قدموا مساعدات مالية ضخمة إلى فصائل المتمردين في إقليم دارفور، بل هو قال خلال مرحلة المفاوضات بين الحكومة والتمرد: إن حركة التمرد في جنوب السودان بزعامة جون جرنج مازالت تقدم الأموال إلى متمردي دارفور، بهدف تشتيت وحدة البلاد، وبغرض الضغط على الحكومة لتحقيق مكاسب لمتمردي الجنوب خلال المفاوضات المنعقدة حالياً بضاحية نيفاشا الكينية.
وواقع الحال أن جرنج حينما يفعل ذلك لا يخرج عن إطار تحالفاته مع الخارج، فإذا كان هو المتهم دومًا بعلاقات متينة ومتميزة مع دوائر صهيونية، فإن بعض متمردي دارفور بدورهم كذلك، إذ كشفت وزارة الخارجية الصهيونية أن [إسرائيل] قدّمت، بالتعاون مع أربع مؤسسات يهودية أمريكية من نيويورك ونيوجيرسي، مساعدات لإغاثة لاجئي منطقة دارفور - ومفهوم معنى المساعدات الصهيونية بالطبع - تمكنوا من الوصول إلى معسكرات اللاجئين في تشاد.
وقالت الخارجية الصهيونية: إنها قدمت هذه التبرعات عن طريق "لجنة الإنقاذ الدولية" في حفل خاص أقيم في نيويورك شارك فيه قنصل الكيان الصهيوني في نيويورك أرييه ميكيل. وخلال الحفل وقف ممثل عن اللاجئين السودانيين، ليقدم الشكر للكيان الصهيوني والمنظمات اليهودية على التبرعات التي قدمتها.
ولم تكن مصادفة أن يجري التحرك في الشرق حاليًا بعد الانتهاء مباشرة من توقيع الاتفاق بين الحكومة والتمرد، إذ إن الخطة التي رتبت لوصول جرنج إلى الخرطوم، لا تتعلق بمشاركة جنوبي في الحكم... إلخ، ولكن هي بالأساس وصول جرنج إلى سدة الحكم وحده، عبر تفكيك مختلف مناطق السودان ثم تجميعها تحت حكمه.
وفي ظل كل هذا التدهور المتنامي والملفات التي تفتح كل يوم للضغط على الحكم في السودان – آخرها ملف محاكمة مسؤولين سودانيين بتهمة ارتكاب جرائم في دارفور - يبدو الأمر منطقيًا أن تنتهي الأوضاع وإن بعد حين، باحتلال جرنج مقعد الرئيس البشير!
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
طلعت رميح