المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لك المجد يا فلوجة الفداء



عبدالغفور الخطيب
12-02-2005, 03:39 AM
لك المجد يا فلوجة الفداء

إن ما يحدث في الفلوجة الآن هو إعادة لتشكيل العراق الجديد القوي الذي حلم ويحلم به ، وتمناه ويتمناه كل أبناء العراق بل و أبناء الأمة العربية جميعا ، ولكنه عندما كان يغرق الحالم والمتمني بالتفكير بكيفية التشكيل الذي يراعي طموح كل طيف من أطياف النسيج العرقي والطائفي والفكري يصطدم بعشرات الصعوبات التي لو فتح لها حوار لاستمر مئات السنين دون أن ينجز جزءا يسيرا مما أنجزته تلك المدينة المناضلة بشهور .
هذه المدينة الصابرة المجاهدة الرابضة أمام أعتى قوة باغية في التاريخ ، كثفت كل البرامج الذهنية التي قيلت والتي لم تقال ، فبالرغم من أسفنا على كل قطرة دم مجاهد استشهد أو أصيب ، وبالرغم من آلام الأطفال والأمهات والآباء على من رحل أو أصيب أو امتهنت كرامته الغالية ، فإننا نحتسب عند الله أن يعوضهم بدلها رضاه وجناته ، وعزائنا وعزائهم هو أن إرادة الله ( لا اعتراض عليها) ، ولكن عندما نرى ونقرأ ما تحدثه تلك التضحيات العظيمة من أثر فوري وقادم في التأثير على التشكيل الجديد للعراق ومن بعده الأمة العربية والإسلامية لا بل والعالم فإننا نقترب من قرارة في النفس أن تلك الدماء الزكية لم تذهب عبثا بإذن الله ، كما هي التي تحدث في الكوارث من زلازل أو فيضانات أو غيرها وتدمر أكثر مما دمر في الفلوجة وتقتل أكثر مما قتلت في الفلوجة .
أولا: في العراق:
لو لم تتنادى الهمم في الفلوجة لتفعل ما فعلت لكان ما يلي:
1 ـ ستتحقق أحلام إمبراطورية الشر الأمريكية في السيطرة على أثمن غنائم هذا العصر ألا وهو العراق بثرواته وتراثه ودوره التاريخي في تعطيل سيادة الأشرار في العالم .
2 ـ سيتسيد كل ما هو تافه من أحفاد أبي رغال وابن العلقمي ، والذين لا يحترموا قيم الأمة ولا دينها ولا دورها ولا رسالتها المجيدة .
3ـ سيقع ظلم على من قام بتأسيس بناء عراق قوي قادر على مطاولة الطامعين من صهاينة وإمبرياليين ، وسيكون الظلم قاسيا من خلال حملات الإعلام القوية والتي انجرت إليها هيئات وشخصيات عربية و إسلامية وعالمية لها مكانتها ، يصدقها من الناس متلقين ، بقصد أو غير قصد ، وسيختلط على المتلقي سواء كان هذا المتلقي عراقيا أو عربيا أو أي من أبناء الكرة الأرضية ، وذلك لما اختلط بثورة 17-30 تموز المجيدة من مشوبات غير مستساغة كان من الصعب تفاديها للأسباب التالية :
أ ـ الانضمام غير المدقق فيه من عناصر قد لا تكون مخلصة لمبادئ الثورة في وقت كانت الثورة تعطي مزيد من الفرص لابناء الشعب العراقي ليتم استيعابهم في برنامجها النهضوي الطموح في بناء قطر رائد لتحقيق المشروع العربي الوحدوي ، فكان لا بد من تسلل بعض من كان يرسم لنمو مصالحه الفردية على مصالح الثورة مما ترك انطباعا لدى بعض من كان يطالهم بعض الحيف بأن تلك الثورة هي ذات مواصفات تنسحب على الأفراد الذين مارسوا مع من يتذمر ذلك الحيف ، وقد كانت تلك الصور تلتق مع من يتعارض مع فكر البعث ممن فقدوا امتيازاتهم الإقطاعية القديمة في بداية القرن الماضي ، او مع من يتعارض أيديولوجيا من إسلاميين أو يساريين أو غيرهم .
ب ـ عندما بدأت معركة التأميم ، بدأت الحشود المضادة للثورة من التشكل فكانت الحاجة إلى التحصين الأمني مطلوبة ، فحدث أن بالغ من يقوم بتلك الأدوار الأمنية مما أدى إلى أخطاء بولغ فيها أحيانا وتضاعفت نتيجة استغلالها أحيانا أخرى .
ج ـ نتيجة لتعدد مراكز العداء للثورة في العراق أن استطاعت تلك المراكز أن تكون لها ظلالا داخل العراق مما حدا بالثورة من احتكار الدور الأمني لأناس مقربين وهذا طبيعي أيضا ، ولكن غير الطبيعي أن بعض هؤلاء المحظيين بالدور الأمني بالغوا في أهمية أنفسهم بحيث حلت هالات تتخطى القانون بحجة الأمن .
وباختصار فان طبيعية سلوك الثورة لا تقلل من أهمية ما قامت به من إنجازات عظيمة ، وان كثرة ما أحيك للثورة من مؤامرات أجلت تصويب وضع المنافحين عنها والمخطئين في نفس الوقت .
فجاءت ثورة الفلوجة والتي امتدت إلى عموم القطر العراقي ، كفارة لمن أخطأ وانخرط في صفوف المقاومة ، وأما من كان مخطئا و مستثمرا لوضعه في القرب من الثورة واختفى الآن أو توارى لحين عودة ظروف يعتقد أنها ستكون ملائمة له ولعودته لحصاد ما زرع غيره ، فالعقوبة المثلى له ستجد طريقها فيما سينتج من مستقبل للعراق .
أما من الذي يقاوم في الفلوجة؟
هل هو المكان الذي يسمى بهذا الاسم ، أم من يسكن فيه ؟ ولماذا هو بالتحديد دون غيره ؟ وما هو مدى صبر من يمتلكون المكان ؟ كلها أسئلة مطروحة في مختلف بقاع العالم ، أصدقاء كانوا أم أعداء معجبين بالبطولات ويعلقون عليها آمالا عريضة ، أم حانقين وحاقدين يغيضهم ويزيد حقدهم ما تحققه المقاومة من إنجازات عظيمة باتت مسألة إنكارها ضربا من الجنون لا يضفي على من ينكرها سوى مسحة بلاهة مخلوطة بعنجهية كاذبة .
المكان :
لقد مررت بالفلوجة عام 1970 وأنا في طريقي للدراسة في العراق ، ولم ألحظ أن هناك مدينة واسعة ، بل قرية يعيش بها بضعة آلاف ، ولكن بعد مرور 31 سنة كانت الفلوجة مدينة عامرة يعيش فيها حوالي ربع مليون مواطن أو أكثر ، فمن أين جاء هؤلاء الناس ومن هم ؟ أنا لا أدعي المعرفة الدقيقة بتلك المنطقة ، ولو أني عشت إحدى عشر عاما في العراق ، لكن أستطيع أن أخمن ما حدث على وجه التقريب .
فبعد معركة التأميم المجيدة ازدادت أعداء ثورة 17-30من تموز بشكل ملحوظ :
أ ـ الإمبريالية العالمية التي فقدت مصدرا هاما من مصادر النفط وخشيت أن تتفشى ظاهرة التأميم وما سيترتب عليها من فقدان نفوذ وعوامل تتعلق بإمداداتها في السلم والحرب .
ب ـ الرجعية العربية ـ من تملك النفط ومن لا تملكه ـ حيث أن الأولى سيحرمها الاحتذاء بنموذج العراق ، إذا ما طالبت شعوبها بذلك ، سيحرمها موقعها في الحكم الذي لا يستند لقاعدة جماهيرية ، بل أن وفاءها بانسياب النفط بالطريقة التي تريدها الشركات الإمبريالية هو ضمان بقاءها في الحكم والتمتع بحالة الدعة والهنأة التي كانت عليها . أما الدول الرجعية التي كانت تقوم بأدوار أخرى كحماية الكيان الصهيوني وكبح حالة النهوض لدى جماهيرها وهذا سر بقاءها وضمانها في الحكم فكانت تأخذ أجور خيانتها من الدول الرجعية النفطية .
ج ـ الشيوعية السوفيتية والتي لم يرق لها نجاح أنموذج وطني خارج هالتها الأيديولوجية فكان لابد لها من إثارة المثبطات لنجاح المشروع ( التأميم ) وأولها المطالبة بديون عبد الكريم قاسم ، ودفعت لها الثورة قمحا بسعر 8 دولارات للطن في وقتها .
د ـ التيارات الإسلامية الشعبية ، التي كانت تعادي البعث دون تكليف نفسها فتح حوار معه أو حتى قراءة ما يكتب ، هذا على فرض حسن نواياها .
هـ ـ دول مجاورة عندها عقد شعوبية كالفرس الذين يستكثروا على العرب أن خرج منهم رسول انخرط في دينه أبناء قوميتهم على حساب زوال إمبراطوريتهم ، فاختلط إيمانهم بالشعوبية ولم يصفوا نواياهم تجاه العرب لغاية اليوم مغلبين نزعتهم الشعوبية على إيمانهم ! هذا بالإضافة إلى أنهم كانوا منخرطين بأدوار تساعد الإمبريالية العالمية ، ويشكلوا احتياطي لها يستخدم عند اللزوم . أما الأتراك والذين يحملون العرب انهيار دولتهم العملاقة فردوا عليهم بتغيير أحرف كتابتهم والانخراط مع المشروع الإمبريالي لآذانهم . والصهاينة حدث ولا حرج.
إن هذه الأطياف الواسعة من الأعداء والذين يملكوا معظم إعلام الأرض كانوا على استعداد للبحث عن عراقيين لم يرق لهم مشروع الثورة فوجدوا كما أسلفنا من أبناء ( عز الإقطاع ) وكرد أعدوا من زمن ، وطبعا ليس كل الكرد ، ولكن من يبحث يجد .
إزاء كل ذلك كان لا بد للثورة من تقوية ذراعها لحماية منجزاتها ، وإلا ما فائدة أن تملك الملايين وبيتك بلا شبك حماية ، فكانت الأجهزة الأمنية والدفاعية من جيش و مخابرات وفرق أمن بمختلف مسمياتها على أول أنشطة الثورة ، وهؤلاء لا بد أن يتم إنتقاءهم من عراقيين خالصين ، جذور عراقيتهم تمتد آلاف السنين في الأرض والتاريخ والثقافة .
وثورة تموز التي صنعها أبناء العراق لم تكن ثورة مدينة بعينها ، بل هي ثورة الريف قبل المدينة والمدينة بغداد نسيج سكانها من الريف الذي تماهى مع أهلها فكان منتسبو أجهزة الأمن والدفاع الذين يأتون لحماية ثورتهم وإنجازاتها يكونون أحياءا ومجمعات سكنية تنسجم مع أيديولوجية الثورة ومكانها ، فالغريب والمتسكع يظهر بسرعة وتلفظه الأحياء ضمن جهاز مناعتها و إذا احتاجت تلك الأمكنة لعون إذا نزف جرحها أو أراد أحد أن يتبرع بدم لها فلا بد أن تكون زمرة الدم ونوعه مطابقا لدم أهلها ، فكانت الفلوجة نمطا خالصا من الأنماط التي يحلم بها كل عربي ومسلم شريف في تكوينها وتمدنها ومقاومتها عربية مسلمة خالصة تصبر وتقاتل وتناور وتنتصر بعون الله . فبني أياد الذين انجبوا هاني بن مسعود وغيره من القادة قبل الإسلام وأنجبوا العشائر التي منها الدليم والجبور والزبيد والعبيد وشمر وغيرهم من القبائل العريقة التي تعيش بالعراق ، طابعها الأنفة وعدم السكوت على الضيم وتنادد أسياد العالم بل تقول لهم نحن أكثر أهلية منكم بسيادة العالم لأننا نخاف الله ونكرم ضيفنا ونصون عرضنا ، و هم من واكبوا حضارة العراق وهم من أسهموا في فتوحات العرب والمسلمين وهم من يحرسوا العراق وهم من سينتصرون بإذن الله .
لذلك فمكان وأهل الفلوجة هم النموذج الصادق عن أهل العراق الذي لا يكل ولا يشتكي إلا لله ، ونحن ندعوا لهم في المساجد والمجالس ـ ونحن على استحياء بهذا الدور المتواضع ـ .
فلك المجد يا فلوجة الفداء لما اختزلت من سنين في نهوض الأمة .

عبد الغفور الخطيب

منصور بالله
12-02-2005, 03:59 PM
فلك المجد يا فلوجة الفداء لما اختزلت من سنين في نهوض الأمة