الحافظ العراقي
10-02-2005, 09:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأؤمن به ولا أكفره وأعادي من يكفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، والصلاة والسلام على إمام الدعاة والمجاهدين وقائد الغر المحجلين محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين ، أما بعد إخوة الإسلام ..
لقد كثر الكلام والأقاويل حول حديث السفياني نوضح القول فيه فنقول : لقد أخرجه الحاكم في مستدركه ولم نعثر عليه عند غيره من أهل الحديث ، وذلك من حديث الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من تبعه من كلب فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان ، فتجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة . ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة فيبلغ السفياني ، فيبعث إليه جندا من جنده فيهزمهم ، فيسير إليه السفياني بمن معه حتى إذا صار ببيداء من الأرض خسف بهم فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم ." قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في التلخيص على أن رجاله رجال الصحيحين . ( المستدرك ، كتاب الفتن والملاحم ، 4/520 ) .
والوليد بن مسلم قال فيه ابن حجر : الوليد بن مسلم القرشي مولاهم ، أبو العباس الدمشقي ، ثقة ، لكنه كثير التدليس والتسوية . ( التقريب ، 2/ 336 ) . وتدليس التسوية هو أن يسقط من سنده الضعفاء والمتروكين ؛ فقد قال ابن الصلاح : تدليس الإسناد هو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه ، أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمعه منه ، ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر . ( علوم الحديث ، ص 66 ) . وقال السيوطي تعليقا على النووي في قوله " تحسينا للحديث " ، وهذا من زوائد المصنف ( أي النووي ) على ابن الصلاح ، وهو قسم آخر من التدليس يسمى تدليس التسوية ، سماه بذلك ابن القطان ، وهو شر أقسامه ، لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس ويجده الواقف على السند كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة آخر ، فيحكم له بالصحة ، وفيه غرور شديد ، وممن اشتهر بفعل ذلك بقية بن الوليد ... وممن عرف به أيضا الوليد بن مسلم ، ( تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ، 1/ 224 ، 225 ) .
وفي إسناد الحديث عند الحاكم أيضا يحيى بن أبي كثير ، قال فيه ابن حجر : يحيى بن أبي كثير الطائي مولاهم ، أبو نصر اليماني ، ثقة ثبت ، لكنه يدلس ويرسل . ( التقريب ، 2/ 356 ) . والمدلس إذا عنعن يُضعّف حديثه ولو كان ثقة على ما ذكر أهل الحديث ، وقد عنعن هنا الحاكم في روايته فقال : يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة .. فمن جهته الحديث ضعيف ، لكن إذا عدنا إلى الوليد بن مسلم فنجد أن المزّي قال في تهذيبه : قال حنبل بن إسحاق : سمعت يحيى بن معين يقول : قال أبو مُسهر : كان الوليد يأخذ من ابن السفر حديث الأوزاعي ، وكان ابن السفر كذابا ( هو يوسف بن السفر ) وهو يقول فيها قال الأوزاعي . وقال مؤمل بن إهاب عن أبي مسهر : كان الوليد بن مسلم يحدث بأحاديث الأوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم . وقال أبو الحسن الدارقطني : الوليد بن مسلم يرسل ، يروي عن الأوزاعي أحاديث عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء ، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي مثل نافع وعطاء والزهري ، فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عن نافع وعن الأوزاعي عن عطاء والزهري ... ( تهذيب الكمال ، 10/ 581 ، 582 ) .
قال ابن عدي في ترجمة ابن السفر : يوسف بن السفر ، أبو الفيض ، كاتب الأوزاعي ، شامي . وقال : حدثنا يوسف بن الحجاج ثنا أبو زرعة الدمشقي ثنا أبو مسهر قال : قيل للأوزاعي : ابن السفر يحدث عنك ، قال كيف وليس يجالسني ! وقال أبو زرعة هذا متروك الحديث ، يعني ابن السفر ، يعني يوسف أبي الفيض . ثنا الجنيدي ، ثنا البخاري قال : يوسف بن السفر كان يكذب ؛ وقال النسائي : يوسف بن السفر شامي متروك الحديث . ثم ذكر ابن عدي بإسناده إلى يوسف بن السفر عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث ولم يذكر فيها حديث الحاكم عن السفياني ، بل قال : وهذه الأحاديث عن يحيى عن أبي سلمة مع غيرها بهذا الإسناد يرويها كلها يوسف بن السفر ، وهي موضوعة كلها . ثم ذكر أحاديث أخرى أيضا بأسانيد وطرق متعددة عنه عن الأوزاعي ، ثم قال ابن عدي : وهذه الأحاديث التي رواها يوسف عن الأوزاعي بواطيل كلها . ( الكامل في ضعفاء الرجال ، 7/2619) .
ويتضح من خلال هذا أن حديث السفياني تدور حول إسناده شكوك كبرى ، وكذلك فإن من عنده دراية في علم مصطلح الحديث إذا ما تصفح متنه يقرأ بين طياته أن الحديث قد ركب من أحاديث أخرى صحيحة ذكر فيها المهدي وحديث السيدة عائشة في الخسف وغير ذلك ، فدبلجت فيها الأقوال حتى ألبسوها حلة السفياني الذي يخرج في عمق دمشق ، وقد خفي الأمر عن الحاكم والذهبي لشدة التسوية والتدليس في إسناد الحديث ، وإن الأصابع لتشير بقوة إلى عادة الوليد بن مسلم في تسويته .
ويشهد لذلك أيضا ما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب علل الحديث نحو حديث أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب علل الحديث نحو حديث سيدنا أبي هريرة ، من حديث محمد بن جابر عن عبد العزيز بن رفيع عن عبد الله بن القبطية عن أم سلمة رضي الله عنها وقال : قال أبي : إنما هو عن عبيد الله بن القبطية ، وفيه زيادة كلام ليس في حديث الناس . حديث رقم ( 2785 ) ، 2/54 .
ومحمد بن جابر بن سيار بن طلق السحيمي الحنفي ، أبو عبد الله اليمامي ، أصله كوفي وكان أعمى . قال عباس الدوري عن يحيى بن معين : كان أعمى ، واختلط عليه حديثه ، وكان كوفيا فانتقل إلى اليمامة ، وهو ضعيف . وقال عمرو بن علي : صدوق ، كثير الوهم ، متروك الحديث . وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبي وأبا زرعة يقولان : محمد بن جابر يمامي الأصل ، وهو صدوق إلا أن في حديثه تخاليط ، وأما أصوله فهي صحاح . وقال أبو زرعة : محمد بن جابر ساقط الحديث عند أهل العلم ؛ وقال : سألت أبي عن محمد بن جابر ، فقال : ذهبت كتبه في آخر عمره وساء حفظه ، وكان يلقّن ، وكان يروي أحاديث مناكير . وقال البخاري ليس بالقوي ، يتكلمون فيه ، روى مناكير . وقال أبو داوود : ليس بشيء . وقال النسائي : ضعيف . ( المزي ، تهذيب الكمال ، 8/ 606 ) .
وقول ابن أبي حاتم عن أبيه في العلل :" فيه زيادة كلام ليس في حديث الناس " ، أي أن ذكر السفياني غير موجود في أصل الحديث عن أم سلمة أيضا ، ولقد أخرج حديثها بطرق من دون ذكر السفياني ابن أبي شيبة في مصنفه : كتاب الفتن ـ باب من كره الخروج .. الخ ـ حديث رقم ( 27219 و27223 ) ـ 7/ 460 . والطبراني في الكبير ـ حديث رقم ( 734 و 984 و 985 ) ـ 3/ 321 و 409 .
فمن هنا يتضح لنا أن قضية السفياني أقحمت في أحاديث المهدي والجيش الذي يغزو الكعبة ، و التاريخ يشهد في ذلك ؛ فقد ذكر الذهبي في ترجمة السفياني فقال عنه : الأمير أبو الحسن علي بن عبد الله بن خالد
بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان القرشي الأموي الدمشقي ويعرف بأبي العَميطر.
كان سيد قومه وشيخهم في زمانه ، بويع بالخلافة بدمشق زمن الأمين ، وغلب على دمشق في أول سنة ست وتسعين ، وكان من أبناء الثمانين وداره غربي الرحبة . وقيل كان يسكن المزة ، فخرج بها ، وهو ابن تسعين سنة .
ابن جَوصا : حدثنا موسى بن عامر : سمعت الوليد بن مسلم غير مرة يقول : لو لم يبق من سنة خمس وتسعين ومائة إلا يوم لخرج السفياني ، قال موسى : فخرج أبو العميطر فيها .
وروى هشام بن عمار نحوه عن الوليد .
قال الميموني : قال أحمد بن حنبل للهيثم بن خارجة : كيف كان مخرج السفياني بدمشق أيام ابن زبيدة بعد سليمان بن أبي جعفر ؟ فوصفه بهيئة جميلة وعزلة للشر ، ثم ظلم ، وأرادوه على الخروج مرارا فأبى ، فحفر له خطاب بن وجه الفلس سربا ، ثم دخلوه في الليل ونادوه : أخرج فقد آن لك . قال : هذا شيطان ، ثم في ثاني ليلة وقع في نفسه وخرج ؛ فقال أحمد : أفسدوه .
وقيل : ولي سليمان بن أبي جعفر دمشق عقيبة فتنة وعصبية بين العرب . وكان بنو أمية يروون في أبي العميطر الروايات وأن فيه العلامات وأن كلبا أنصاره ، فمالوا إليه وتوددهم ... ولما خرج علي في اليمانية تتبعوا القيسية وحرقوا دورهم وقتلوا في بني سليم ، وتابعه أهل الغوطة وحمص وحلب والسواحل ، وهربت قيس ، وكان الحرس ينادون على السور : يا علي يا مختار ، يا من اختاره الجبار ، على بني العباس الأشرار . وجرت له أمور ثم هرب وخلع نفسه واختفى ومات . ( سير أعلام النبلاء ، 9/ 284 ) .
وقال ابن منظور في مختصر تاريخ دمشق : قال هارون بن محمد العقيلي : كان أبو العَمَيطَر يوماً يقرأ علينا في كتاب أنه يخرج من بني أبي سفيان رجل من دمشق أضل من بعير أهله. قال: فلما خرج أبو العميطر قال له مولى لنا: أما تذكر ما حدثتنا به? فقال له: يا بن الخبيثة، ما أحفظك لرواية السوء! قال الطفيل بن عبيد ة بن عبد الرحمن بن عبيدة: كنا بباب هارون الرشيد بمدينة الرقة، ومعنا أبو العميطر، فقال لي: إنه سيخرج عن قريب بمدينة دمشق رجل منا، وذلك بعد موت هارون الرشيد، يزعم أنه السفياني، وهو كذاب، قال: فما مرت الأيام والليالي حتى بلغني خروج أبي العميطر، فكتبت إليه أذكّره ما كان قال لي، فكان أول شيء بدأ به أن قصد قومي.
وذكر خروج السفياني أيضا ابن الأثير في كتابه الكامل 6/249 ، فقال : في هذه السنة خرج السفياني، وهو علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية، وأمه
نفيسة بنت عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب، وكان يقول: أنا من شيخي صفين، يعني علياً ومعاوية، وكان يلقب بأبي العميطر . ولما خرج دعا لنفسه بالخلافة في ذي الحجة، وقوي على سليمان بن المنصور، عامل دمشق، فأخرجه عنها . وكان عمر أبي العميطر ،حين خرج، تسعين سنة، وكان الناس قد
أخذوا عنه علماً كثيرا وكان حسن السيرة،فلما خرج ظلم وأساء السيرة، فتركوا ما نقلوا عنه.
وكان أكبر أصحابه من كلب، وكتب إلى محمد بن صالح بن بيهس الكلابي يدعوه إلى طاعته، ويتهدده إن لم يفعل، فلم يجبه إلى ذلك، فأقبل السفياني على قصد القيسية، فكتبوا إلى محمد بن صالح، فأقبل إليهم في ثلاثمائة فارس من الضباب ومواليه، واتصل الخبر بالسفياني، فوجه إليه يزيد بن هشام في اثني عشر ألفأ فالتقوا فانهزم يزيد ومن معه، وقتل منهم إلى أن دخلوا أبواب دمشق زيادة على ألفي رجل، وأسر ثلاثة آلاف، فأطلقهم ابن بيهس، وحلق رؤوسهم ولحاهم. وضعف السفياني، وحصر بدمشق، ثم جمع جمعأ وجعل ابنه القاسم، وخرجوا إلى ابن بيهس فالتقوا فقتل القاسم وانهزم أصحاب السفياني، وبعث رأسه إلى الأمين، ثم جمع جمعاً آخر، وسيرهم مع مولاه المعتمر، فلقيهم ابن بيهس، فقتل المعتمر، وانهزم أصحابه، فوهن أمر أبي المعتمر، وطمع فيه قيس.
ثم مرض ابن بيهس، فجمع رؤساء بني منير، فقال لهم: ترون ما أصابني من علتي هذه، فارفقوا ببني مروان، وعليكم بمسلمة بن يعقوب بن علي بن محمد بن سعيد بن مسلمة بن عبد الملك، فإنه ركيك، وهوابن أختكم، وأعلموه أنكم لا تتبعون بني أبي سفيان، وبايعوه بالخلافة، وكيدوا به السفياني.
وعاد ابن بيهس إلى حوران، واجتمعت منير على مسلمة، وبذلوا له البيعة، فقبل منهم، وجمع مواليه، ودخل على السفياني، فقبض عليه، وقيده، وقبض على رؤساء بني أمية فبايعوه، وأدنى قيسأ وجعلهم خاصته، فلما عوفي ابن بيهس عاد إلى دمشق فحصرها فسلمها إليه القيسية وهرب مسلمة والسفياني في ثياب النساء إلى المزة، وكان ذلك في المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة، ودخل ابن بيهس دمشق، وغلب عليها .
فمن هذا السرد التاريخي يتبين ، إضافة إلى ما ذكرنا في حديثنا عن الإسناد ، أن أصحاب الفتن قد ألفوه ووضعوه من أجل دفع الطامعين وأصحاب النفوس الضعيفة ليقوموا بثورات على الأمير ليسلبوا سلطانه ، فتدور الفتن ويكثر القتل والهرج والمرج في ديار الإسلام ويسلم فيها أهل الضلال . فمن أجل هذا كله فإن الدارس لما جرى بهذا الحديث يتيقن أنه من وضع الوضاعين سندا ومتنا ليحركوا الفتن عبر التاريخ ، لذا فلا يغتر كون الوليد بن مسلم أو غيره ممن اتهم بالتدليس والتسوية وهو من رواة ورجال الصحيحين ، نعم إن إمامي الصحيحين قد عرفوا أمثال هؤلاء ، وعرفوا ثقتهم ، وعلموا بتدليسهم ، فمحصوا أحاديثهم ، فأخذوا ما كان منهم ثقة ، وتركوا دون ذلك مما وقع فيه التدليس والتسوية . ومن ثَم وقع الحديث للحاكم بإسناد مدلس فقبله ولم يمحصه تمحيص الشيخين لما عرف به الحاكم من التساهل ، فتوهم به الصحة من حيث الإسناد . وموافقة الذهبي له إنما هو موافقة للرجال المذكورين في إسناده على أنهم من رجال الصحيحين .. والله المستعان على ما يصفون .. وبالله التوفيق والله وحده العليم بالصواب .. فأرجو بهذا العرض أن أكون قد وفقت من الله إلى الحق ، فقدمته للإخوة الكرام ، مغلقا بذلك كثرة الكلام والجدال حول هذا الموضوع الذي هو وهم ودسيسة من الدساسين .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأؤمن به ولا أكفره وأعادي من يكفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، والصلاة والسلام على إمام الدعاة والمجاهدين وقائد الغر المحجلين محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين ، أما بعد إخوة الإسلام ..
لقد كثر الكلام والأقاويل حول حديث السفياني نوضح القول فيه فنقول : لقد أخرجه الحاكم في مستدركه ولم نعثر عليه عند غيره من أهل الحديث ، وذلك من حديث الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من تبعه من كلب فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان ، فتجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة . ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة فيبلغ السفياني ، فيبعث إليه جندا من جنده فيهزمهم ، فيسير إليه السفياني بمن معه حتى إذا صار ببيداء من الأرض خسف بهم فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم ." قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في التلخيص على أن رجاله رجال الصحيحين . ( المستدرك ، كتاب الفتن والملاحم ، 4/520 ) .
والوليد بن مسلم قال فيه ابن حجر : الوليد بن مسلم القرشي مولاهم ، أبو العباس الدمشقي ، ثقة ، لكنه كثير التدليس والتسوية . ( التقريب ، 2/ 336 ) . وتدليس التسوية هو أن يسقط من سنده الضعفاء والمتروكين ؛ فقد قال ابن الصلاح : تدليس الإسناد هو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه ، أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمعه منه ، ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر . ( علوم الحديث ، ص 66 ) . وقال السيوطي تعليقا على النووي في قوله " تحسينا للحديث " ، وهذا من زوائد المصنف ( أي النووي ) على ابن الصلاح ، وهو قسم آخر من التدليس يسمى تدليس التسوية ، سماه بذلك ابن القطان ، وهو شر أقسامه ، لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس ويجده الواقف على السند كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة آخر ، فيحكم له بالصحة ، وفيه غرور شديد ، وممن اشتهر بفعل ذلك بقية بن الوليد ... وممن عرف به أيضا الوليد بن مسلم ، ( تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ، 1/ 224 ، 225 ) .
وفي إسناد الحديث عند الحاكم أيضا يحيى بن أبي كثير ، قال فيه ابن حجر : يحيى بن أبي كثير الطائي مولاهم ، أبو نصر اليماني ، ثقة ثبت ، لكنه يدلس ويرسل . ( التقريب ، 2/ 356 ) . والمدلس إذا عنعن يُضعّف حديثه ولو كان ثقة على ما ذكر أهل الحديث ، وقد عنعن هنا الحاكم في روايته فقال : يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة .. فمن جهته الحديث ضعيف ، لكن إذا عدنا إلى الوليد بن مسلم فنجد أن المزّي قال في تهذيبه : قال حنبل بن إسحاق : سمعت يحيى بن معين يقول : قال أبو مُسهر : كان الوليد يأخذ من ابن السفر حديث الأوزاعي ، وكان ابن السفر كذابا ( هو يوسف بن السفر ) وهو يقول فيها قال الأوزاعي . وقال مؤمل بن إهاب عن أبي مسهر : كان الوليد بن مسلم يحدث بأحاديث الأوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم . وقال أبو الحسن الدارقطني : الوليد بن مسلم يرسل ، يروي عن الأوزاعي أحاديث عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء ، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي مثل نافع وعطاء والزهري ، فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عن نافع وعن الأوزاعي عن عطاء والزهري ... ( تهذيب الكمال ، 10/ 581 ، 582 ) .
قال ابن عدي في ترجمة ابن السفر : يوسف بن السفر ، أبو الفيض ، كاتب الأوزاعي ، شامي . وقال : حدثنا يوسف بن الحجاج ثنا أبو زرعة الدمشقي ثنا أبو مسهر قال : قيل للأوزاعي : ابن السفر يحدث عنك ، قال كيف وليس يجالسني ! وقال أبو زرعة هذا متروك الحديث ، يعني ابن السفر ، يعني يوسف أبي الفيض . ثنا الجنيدي ، ثنا البخاري قال : يوسف بن السفر كان يكذب ؛ وقال النسائي : يوسف بن السفر شامي متروك الحديث . ثم ذكر ابن عدي بإسناده إلى يوسف بن السفر عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث ولم يذكر فيها حديث الحاكم عن السفياني ، بل قال : وهذه الأحاديث عن يحيى عن أبي سلمة مع غيرها بهذا الإسناد يرويها كلها يوسف بن السفر ، وهي موضوعة كلها . ثم ذكر أحاديث أخرى أيضا بأسانيد وطرق متعددة عنه عن الأوزاعي ، ثم قال ابن عدي : وهذه الأحاديث التي رواها يوسف عن الأوزاعي بواطيل كلها . ( الكامل في ضعفاء الرجال ، 7/2619) .
ويتضح من خلال هذا أن حديث السفياني تدور حول إسناده شكوك كبرى ، وكذلك فإن من عنده دراية في علم مصطلح الحديث إذا ما تصفح متنه يقرأ بين طياته أن الحديث قد ركب من أحاديث أخرى صحيحة ذكر فيها المهدي وحديث السيدة عائشة في الخسف وغير ذلك ، فدبلجت فيها الأقوال حتى ألبسوها حلة السفياني الذي يخرج في عمق دمشق ، وقد خفي الأمر عن الحاكم والذهبي لشدة التسوية والتدليس في إسناد الحديث ، وإن الأصابع لتشير بقوة إلى عادة الوليد بن مسلم في تسويته .
ويشهد لذلك أيضا ما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب علل الحديث نحو حديث أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب علل الحديث نحو حديث سيدنا أبي هريرة ، من حديث محمد بن جابر عن عبد العزيز بن رفيع عن عبد الله بن القبطية عن أم سلمة رضي الله عنها وقال : قال أبي : إنما هو عن عبيد الله بن القبطية ، وفيه زيادة كلام ليس في حديث الناس . حديث رقم ( 2785 ) ، 2/54 .
ومحمد بن جابر بن سيار بن طلق السحيمي الحنفي ، أبو عبد الله اليمامي ، أصله كوفي وكان أعمى . قال عباس الدوري عن يحيى بن معين : كان أعمى ، واختلط عليه حديثه ، وكان كوفيا فانتقل إلى اليمامة ، وهو ضعيف . وقال عمرو بن علي : صدوق ، كثير الوهم ، متروك الحديث . وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبي وأبا زرعة يقولان : محمد بن جابر يمامي الأصل ، وهو صدوق إلا أن في حديثه تخاليط ، وأما أصوله فهي صحاح . وقال أبو زرعة : محمد بن جابر ساقط الحديث عند أهل العلم ؛ وقال : سألت أبي عن محمد بن جابر ، فقال : ذهبت كتبه في آخر عمره وساء حفظه ، وكان يلقّن ، وكان يروي أحاديث مناكير . وقال البخاري ليس بالقوي ، يتكلمون فيه ، روى مناكير . وقال أبو داوود : ليس بشيء . وقال النسائي : ضعيف . ( المزي ، تهذيب الكمال ، 8/ 606 ) .
وقول ابن أبي حاتم عن أبيه في العلل :" فيه زيادة كلام ليس في حديث الناس " ، أي أن ذكر السفياني غير موجود في أصل الحديث عن أم سلمة أيضا ، ولقد أخرج حديثها بطرق من دون ذكر السفياني ابن أبي شيبة في مصنفه : كتاب الفتن ـ باب من كره الخروج .. الخ ـ حديث رقم ( 27219 و27223 ) ـ 7/ 460 . والطبراني في الكبير ـ حديث رقم ( 734 و 984 و 985 ) ـ 3/ 321 و 409 .
فمن هنا يتضح لنا أن قضية السفياني أقحمت في أحاديث المهدي والجيش الذي يغزو الكعبة ، و التاريخ يشهد في ذلك ؛ فقد ذكر الذهبي في ترجمة السفياني فقال عنه : الأمير أبو الحسن علي بن عبد الله بن خالد
بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان القرشي الأموي الدمشقي ويعرف بأبي العَميطر.
كان سيد قومه وشيخهم في زمانه ، بويع بالخلافة بدمشق زمن الأمين ، وغلب على دمشق في أول سنة ست وتسعين ، وكان من أبناء الثمانين وداره غربي الرحبة . وقيل كان يسكن المزة ، فخرج بها ، وهو ابن تسعين سنة .
ابن جَوصا : حدثنا موسى بن عامر : سمعت الوليد بن مسلم غير مرة يقول : لو لم يبق من سنة خمس وتسعين ومائة إلا يوم لخرج السفياني ، قال موسى : فخرج أبو العميطر فيها .
وروى هشام بن عمار نحوه عن الوليد .
قال الميموني : قال أحمد بن حنبل للهيثم بن خارجة : كيف كان مخرج السفياني بدمشق أيام ابن زبيدة بعد سليمان بن أبي جعفر ؟ فوصفه بهيئة جميلة وعزلة للشر ، ثم ظلم ، وأرادوه على الخروج مرارا فأبى ، فحفر له خطاب بن وجه الفلس سربا ، ثم دخلوه في الليل ونادوه : أخرج فقد آن لك . قال : هذا شيطان ، ثم في ثاني ليلة وقع في نفسه وخرج ؛ فقال أحمد : أفسدوه .
وقيل : ولي سليمان بن أبي جعفر دمشق عقيبة فتنة وعصبية بين العرب . وكان بنو أمية يروون في أبي العميطر الروايات وأن فيه العلامات وأن كلبا أنصاره ، فمالوا إليه وتوددهم ... ولما خرج علي في اليمانية تتبعوا القيسية وحرقوا دورهم وقتلوا في بني سليم ، وتابعه أهل الغوطة وحمص وحلب والسواحل ، وهربت قيس ، وكان الحرس ينادون على السور : يا علي يا مختار ، يا من اختاره الجبار ، على بني العباس الأشرار . وجرت له أمور ثم هرب وخلع نفسه واختفى ومات . ( سير أعلام النبلاء ، 9/ 284 ) .
وقال ابن منظور في مختصر تاريخ دمشق : قال هارون بن محمد العقيلي : كان أبو العَمَيطَر يوماً يقرأ علينا في كتاب أنه يخرج من بني أبي سفيان رجل من دمشق أضل من بعير أهله. قال: فلما خرج أبو العميطر قال له مولى لنا: أما تذكر ما حدثتنا به? فقال له: يا بن الخبيثة، ما أحفظك لرواية السوء! قال الطفيل بن عبيد ة بن عبد الرحمن بن عبيدة: كنا بباب هارون الرشيد بمدينة الرقة، ومعنا أبو العميطر، فقال لي: إنه سيخرج عن قريب بمدينة دمشق رجل منا، وذلك بعد موت هارون الرشيد، يزعم أنه السفياني، وهو كذاب، قال: فما مرت الأيام والليالي حتى بلغني خروج أبي العميطر، فكتبت إليه أذكّره ما كان قال لي، فكان أول شيء بدأ به أن قصد قومي.
وذكر خروج السفياني أيضا ابن الأثير في كتابه الكامل 6/249 ، فقال : في هذه السنة خرج السفياني، وهو علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية، وأمه
نفيسة بنت عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب، وكان يقول: أنا من شيخي صفين، يعني علياً ومعاوية، وكان يلقب بأبي العميطر . ولما خرج دعا لنفسه بالخلافة في ذي الحجة، وقوي على سليمان بن المنصور، عامل دمشق، فأخرجه عنها . وكان عمر أبي العميطر ،حين خرج، تسعين سنة، وكان الناس قد
أخذوا عنه علماً كثيرا وكان حسن السيرة،فلما خرج ظلم وأساء السيرة، فتركوا ما نقلوا عنه.
وكان أكبر أصحابه من كلب، وكتب إلى محمد بن صالح بن بيهس الكلابي يدعوه إلى طاعته، ويتهدده إن لم يفعل، فلم يجبه إلى ذلك، فأقبل السفياني على قصد القيسية، فكتبوا إلى محمد بن صالح، فأقبل إليهم في ثلاثمائة فارس من الضباب ومواليه، واتصل الخبر بالسفياني، فوجه إليه يزيد بن هشام في اثني عشر ألفأ فالتقوا فانهزم يزيد ومن معه، وقتل منهم إلى أن دخلوا أبواب دمشق زيادة على ألفي رجل، وأسر ثلاثة آلاف، فأطلقهم ابن بيهس، وحلق رؤوسهم ولحاهم. وضعف السفياني، وحصر بدمشق، ثم جمع جمعأ وجعل ابنه القاسم، وخرجوا إلى ابن بيهس فالتقوا فقتل القاسم وانهزم أصحاب السفياني، وبعث رأسه إلى الأمين، ثم جمع جمعاً آخر، وسيرهم مع مولاه المعتمر، فلقيهم ابن بيهس، فقتل المعتمر، وانهزم أصحابه، فوهن أمر أبي المعتمر، وطمع فيه قيس.
ثم مرض ابن بيهس، فجمع رؤساء بني منير، فقال لهم: ترون ما أصابني من علتي هذه، فارفقوا ببني مروان، وعليكم بمسلمة بن يعقوب بن علي بن محمد بن سعيد بن مسلمة بن عبد الملك، فإنه ركيك، وهوابن أختكم، وأعلموه أنكم لا تتبعون بني أبي سفيان، وبايعوه بالخلافة، وكيدوا به السفياني.
وعاد ابن بيهس إلى حوران، واجتمعت منير على مسلمة، وبذلوا له البيعة، فقبل منهم، وجمع مواليه، ودخل على السفياني، فقبض عليه، وقيده، وقبض على رؤساء بني أمية فبايعوه، وأدنى قيسأ وجعلهم خاصته، فلما عوفي ابن بيهس عاد إلى دمشق فحصرها فسلمها إليه القيسية وهرب مسلمة والسفياني في ثياب النساء إلى المزة، وكان ذلك في المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة، ودخل ابن بيهس دمشق، وغلب عليها .
فمن هذا السرد التاريخي يتبين ، إضافة إلى ما ذكرنا في حديثنا عن الإسناد ، أن أصحاب الفتن قد ألفوه ووضعوه من أجل دفع الطامعين وأصحاب النفوس الضعيفة ليقوموا بثورات على الأمير ليسلبوا سلطانه ، فتدور الفتن ويكثر القتل والهرج والمرج في ديار الإسلام ويسلم فيها أهل الضلال . فمن أجل هذا كله فإن الدارس لما جرى بهذا الحديث يتيقن أنه من وضع الوضاعين سندا ومتنا ليحركوا الفتن عبر التاريخ ، لذا فلا يغتر كون الوليد بن مسلم أو غيره ممن اتهم بالتدليس والتسوية وهو من رواة ورجال الصحيحين ، نعم إن إمامي الصحيحين قد عرفوا أمثال هؤلاء ، وعرفوا ثقتهم ، وعلموا بتدليسهم ، فمحصوا أحاديثهم ، فأخذوا ما كان منهم ثقة ، وتركوا دون ذلك مما وقع فيه التدليس والتسوية . ومن ثَم وقع الحديث للحاكم بإسناد مدلس فقبله ولم يمحصه تمحيص الشيخين لما عرف به الحاكم من التساهل ، فتوهم به الصحة من حيث الإسناد . وموافقة الذهبي له إنما هو موافقة للرجال المذكورين في إسناده على أنهم من رجال الصحيحين .. والله المستعان على ما يصفون .. وبالله التوفيق والله وحده العليم بالصواب .. فأرجو بهذا العرض أن أكون قد وفقت من الله إلى الحق ، فقدمته للإخوة الكرام ، مغلقا بذلك كثرة الكلام والجدال حول هذا الموضوع الذي هو وهم ودسيسة من الدساسين .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..