المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العراق علي طريق التفتيت - عبد الباري عطوان



بنت الفلوجة
29-01-2005, 03:14 AM
العراق علي طريق التفتيت - عبد الباري عطوان

العراق يتحلل.. ويتجه بسرعة قياسية نحو التفتيت علي اسس طائفية وعرقية، مما يؤكد ان نبوءة الكاتب اليهودي برنارد لويس، التي اطلقها في مجلة فورين افيرز الامريكية، وباتت العمود الفقري لاستراتيجية المحافظين الجدد في المنطقة، اصبحت علي وشك التحقق عمليا.

لويس قال ان العراق دولة مصطنعة، واحتلاله فرصة لتصحيح هذا الخطأ، الذي ارتكبه البريطانيون، اي تفكيكه الي عدة دويلات، حسب الطبيعة السكانية، وانتماءاتها الدينية والعرقية.

الدكتور احمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي، وابرز اصدقاء المحافظين الجدد، بدأ التبشير بافكار البروفسور لويس، عندما اعلن قبل يومين من البصرة عن حتمية قيام اقليم شيعي في الجنوب علي غرار الاقليم الكردي في شمال العراق.

الاكراد من جانبهم وضعوا شروطا تعجيزية للبقاء في اطار العراق الجديد والتخلي عن فكرة الانفصال، من بينها تكريس مبدأ الفيدرالية، وضم اراض جديدة الي الاقليم الكردي، والمقصود هنا كركوك واجزاء من الموصل.

السيد علي السيستاني المرجع الشيعي الاعلي لا يتحدث هذه الايام الا عن دعم القائمة الشيعية، التي يتصدرها السيد الجلبي والدكتور حسين الشهرستاني، والسيد عبد العزيز الحكيم، ومجموعة كبيرة من حلفاء الشيطان الاكبر الذين ساهموا او شاركوا في التمهيد لغزو العراق واحتلاله.

الحفاظ علي وحدة العراق مسألة لا تهم الا القليلين في ما يبدو، فلا صوت يعلو علي صوت الطائفية، الذي هو صوت التفتيت والتقسيم، وتمزيق هوية العراق العربية لمصلحة هوية بلا ملامح تتنصل من التراث الحضاري العراقي العظيم، الذي يمتد لاكثر من ثمانية آلاف عام.

حكام العراق الجديد يمارسون التعذيب بشكل منهجي، وبطرق تبز اساليب الانظمة السابقة، حسب تقرير هيومان رايت ووتش الامريكية. والضحايا من العراقيين الذين يريدون طرد الاحتلال وتحرير وطنهم.

الحرب الدائرة حاليا بين قطبي هذا العراق الجديد، الدكتور احمد الجلبي وخصمه حازم الشعلان، وزير الدفاع، والشتائم والاتهامات المتبادلة فيها، مثل العمالة واللصوصية، تعكس مدي الانحدار الذي انزلقت اليه البلاد، والمستقبل القاتم الذي ينتظرها.

وزير الدفاع يهدد باعتقال الدكتور الجلبي وتسليمه الي الانتربول (البوليس الدولي) وعندما يُسأل متي سيتم هذا الاعتقال يقول بعد عيد الاضحى . ولكن أليست هذه المهمة من اختصاص وزير الداخلية، والقضاء العراقي، وبعد اجراءات قانونية واضحة؟

قالوا لنا ان العراق الجديد سيكون واحة للديمقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون، فهل ما يجري علي ارضه حاليا من مجازر وممارسات لاهل الحكم يعكس هذه البشائر؟

مئة الف عراقي استشهدوا حسب الارقام الامريكية، وعمليات تعذيب تسير علي قدم وساق، وبصورة بشعة لابنائه، سواء علي ايدي الجلادين الامريكان في سجن ابو غريب، او نظرائهم البريطانيين في معتقلات البصرة، او رجالات حكومة علاوي في المنطقة الخضراء. والاخطر من هذا وذاك ان البلاد تتجه بسرعة نحو التفكيك والتشرذم.

الحرب الاهلية قادمة الي العراق، ولكنها ربما لا تكون بين السنة والشيعة، او العرب والاكراد، وانما بين ابناء امريكا، والمحتمين بدباباتها وطائراتها بين معسكر الدكتور اياد علاوي ومعسكر القائمة السيستانية، بمجرد الانتهاء من مهزلة الانتخابات.

فماذا سيكون عليه الحال لو فازت القائمة الشيعية التي يؤيدها المرجع الاعلي بالاغلبية الساحقة من المقاعد. فهل سيقبل الدكتور علاوي ان يتنحي عن رئاسة الوزراء للدكتور الجلبي بطيب خاطر ويقبل بنتائج اللعبة الديمقراطية وفق الشروط الامريكية؟

وهل ستكون الحكومة الجديدة حكومة للاقليم الشيعي الجنوبي الذي يبشر به الدكتور الجلبي، ام للعراق بأسره، من شيعة وسنة واكراد؟

المؤلم ان معظم ابناء العراق يعيشون حالة من الغيبوبة الوطنية، ما زالوا يدورون في فلك المرحلة السابقة للغزو الامريكي لبلادهم، لا يريدون ان يروا الحاضر او ان يفكروا بالمستقبل. فشتم الماضي، والحديث عن بشاعته، اللغة السائدة التي تطغي علي اي حديث آخر.

معظم العراقيين لا يريدون ان يعترفوا بالقبور الجماعية الامريكية لابناء جلدتهم، وعمليات النهب والفساد التي يمارسها حكامهم الجدد في وضح النهار، لان الاعتراف بهذه القبور الجماعية يعني في نظرهم تبرئة النظام السابق، او مساواته بالنظام الحالي وسلطة الاحتلال في اسوأ الاحوال، وهذا يعتبر خطيئة كبري لا يجب الاقتراب منها.

الدكتور موفق الربيعي مستشار الامن الوطني العراقي السابق، اعترف بان الفساد الذي يعم العراق حاليا اكبر من نظيره في العصر السابق. انه اعتراف علي درجة كبيرة من الاهمية يحسب للدكتور الربيعي، ويعتبر من فضائله القليلة، بل النادرة. وكان يمكن ان يكون هذا التصريح اكثر شجاعة وموضوعية لو انه اكمل اعترافه النادر هذا بالتأكيد ان القتل الان اكبر والدمار اعم واعظم.

نتمني صحوة وطنية عراقية، نتمني ان نري تيارا عراقيا يتمسك بوحدة العراق وهويته العربية الاسلامية، ويفتخر بانجازاته الحضارية ذات البعد الانساني وليس الطائفي.

القدس العربي

26/1/2004