منصور بالله
28-01-2005, 03:51 PM
كتب هذا المقال خصيصا لصحيفة الاهرام الاسبوعي (باللغة الانكليزية) بناء على طلبها
الانتخابات العراقية : ما هي اهدافها الستراتيجية؟
شبكة البصرة
صلاح المختار
يقع في خطأ التقدير كثير ممن يريدون تحديد الاهداف ، التي تريد الولايات المتحدة تحقيقها ، من وراء الاصرار اللافت للنظر على اجراء الانتخابات في العراق، رغم ان ثمة اجماع على ان ظروف العراق الامنية لاتساعد على اجرائها . ومن بين ابرز واهم الاخطاء ، الافتراض القائل ان اجراء الانتخابات سيساعد على ايجاد حل ديمقراطي لمشكلة السلطة ومن يمارسها في العراق، وهي مشكلة حساسة وخطيرة ، اضافة لخطأ الافتراض ان الانتخابات ستجنب العراق حربا اهلية ستقع اذا لم تجر الانتخابات ! واخيرا الافتراض بان الخيار الوحيد المتاح للشعب العراقي، للخروج من محنة الاحتلال، هو اجراء انتخابات، لان ذلك سيسهل انسحاب قوات الاحتلال بطلب من سلطة شرعية ! هذه الافتراضات سياسية وتشكل مظهر المشهد العراقي وليس جوهره، وضعت على نحو مدروس ومقصود، اراد من صاغها ان يغيب القضية المركزية في الوضع العراقي الحالي، وهي قضية الاهداف الستراتيجية الكامنة وراء الاصرار الامريكي على اجراء اانتخابات ، من هنا يتطلب الموقف نظرة موضوعية ومتأنية تسبر اغوار الحدث العراقي ، وتتعامل مع اطاراته الستراتيجية ، وتتجنب التسطيح والتبسيط المبتذلان ، اللذان يمارسهما من له مصلحة في ابقاء الاحتلال او تحقيق مصلحة ايرانية وليس عراقية .
لماذا الاصرار الامريكي؟
لم تعد اهداف الولايات المتحدة في العراق غامضة ، فلقد قدمت تطورات الاحداث خلال العشرين شهرا التي مضت على الاحتلال ، مؤشرات ، وخلقت وقائع ، تؤكد انها وضعت خطة غير معلنة ، هدفها الاساس، ضمان تحقيق مكاسب ستراتيجية في العراق ، اذا اضطرت لمغادرته ، بسب شدة المقاومة المسلحة للوجود الامريكي في العراق، واقتناع الادارة الامريكية بان ما اسمته ( تحرير العراق ) قد تحول الى مأزق خطير ، يهدد بانهيار الطموحات الامبراطورية الامريكية . كيف تستطيع الولايات المتحدة تحقيق اهداف ومكاسب ستراتيجية رغم انسحابها ؟
اتفاقيات ستراتيجية
ان اهم اهداف الاصرار على اجراء الانتخابات ، هو تنصيب حكومة عراقية يمكن وصفها بالشرعية ، من قبل الولايات المتحدة ، وتقديمها ل(المجتمع الدولي) على انها حكومة شرعية تشكلت نتيجة لانتخابات حرة ، ومن ثم فان لها صلا حية قانونية كاملةلاتخاذ اي قرار، وتوقيع اي اتفاقية ، ذات طبيعة قانونية ملزمة طبقا للقانون الدولي . وهذا بالضبط هو ما تحتاجه امريكا الان من اجل تحقيق هدفين جوهريين في ان واحد : الانسحب من العراق ، بسرعة ، او بعد فترة ، تحددها شدة العمليات العسكرية للمقاومة المسلحة ،لايقاف النزيف البشري والمادي ، الذي تتعرض له في العراق ، وصار فوق طاقة تحملها ، من جهة ، وتوقيع اتفاقيات ستراتيجية واقتصادية بعيدة المدى ، من جهة ثانية .
واهم الاتفاقيات العسكرية اتفاقية توافق بموجبها الحكومة الجديدة على اقامة قواعد عسكرية امريكية في العراق ، يقدر عددها ب (14 ) قاعدة رئيسية ، تتوزع على مناطق ستراتيجية ، تؤمن لامريكا السيطرة على منابع النفط العراقية ، من جهة ، وايصال ذراعها العسكرية الى اي مكان في المنطقة، انطلاقا من العراق ، من جهة ثانية . اما اهم الاتفاقيات الاقتصادية ، فهي اتفاقيات تمنح ، الحكومة العراقية هذه ، بموجبها الشركات الامريكية امتيازات طويلة الامد لاستثمار النفط العراقي ، وعلى الارجح بعد خصخصة الصناعة النفطية العراقية . ومن المؤكد ان مدد الاتفاقيات هذه لا تقل عن ربع قرن ، لان ا لسنوات العشر القادمة ستتسم بانها سنوات ستشهد تضاعف استهلاك امريكا للنفط ، مقابل تراجع انتاجية القوى الاساسية المنتجة له ، كالسعودية ، لذلك تحتاج الى مصادر شابة تؤمن لها الحصول على النفط ، بلا عوائق سياسية، والعراق هو في مقدمة الطاقات النفطية الشابة . اما الوجه الاخر لهذه المشكلة فهو ان القوى الصاعدة، وفي مقدمتها الصين والهند ، ستتضاعف حاجتها هي الاخرى للنفط ، الامر الذي سيخلق اجواء منافسة من المرجح ان تكون خطرة ، لان موارد النفط المعروضة في الاسواق، ستكون اقل من الطلب ، وهوما اشار اليه تقرير المخابرات الامريكية حول مشكلة الطاقة في السنوات الخمسة عشر القادمة.
باقامة قواعد عسكرية ستراتيجية في العراق ، وبضمان الاستحواذ على نفطه ، بموجب اتفاقيات ملزمة ، تكون الولايات المتحدة قد حققت هدفين جوهريين ، يقعان ضمن الاهداف الحيوية المطلوب الوصول اليها، كشرط مسبق لصعود الامبراطورية الامريكية، وازاحة اي طرف سيظهر ويحاول منافستها على عرش العالم . ان قيمة هذه الاتفاقيات لا تظهر الا اذا تذكرنا انموذج (اتفاقية غوانتانامو)، التي عقدت بين كوبا قبل الثورة وامريكا ، وتم بموجبها تأجير تلك الجزيرة الى الولايات المتحدة لمدة 99 عاما ، وحينما حدثت الثورة وطالبت حكومتها استعادة الجزيرة، رفضت امريكا بشدة ، واعتمدت من الناحية القانونية على الاتفاقية الموقعة مع الحكومة السابقة . وتزداد خطورة توقيع حكومة عراقية منتخبة شكليا، اذا اخذنا بنظر الاعتبار حقيقة ان كوبا ، ورغم دعم الاتحاد السوفيتي واغلب دول العالم لمطلبها باستعادة جوانتانامو، الا ان امريكا اصرت على التمسك بالحجة القانونية، فكيف سيتصرف عراق ما بعد التحرير لاجل استعادة سيادته ،على نفطه وارضه، وقد اختفى الكبار كلهم ولم يبق الا كبير واحد ؟ من المؤكد ان العراق بعد التحرير سيواجه مشكلة خطيرة ، تتمثل في استخدام امريكا لقوتها العسكرية في ابقاء سيطرتها على النفط واراض عراقية ذات قيمة جيوبولتيكية .
تقزيم العراق
رغم ان الاحتلال الامريكي في العراق قد شرع ، منذ بدايته، بمحاولة تفتيت العراق ، الا انه كان يدرك ،ان اعادة وحدته ودولته المركزية امران ممكنان، بمجرد رحيله ، لذلك كان ضروريا ان يكرس تقزيم العراق بضمانات داخلية ،اهمها اقامة نظام فدرالي، يكون فيه المركز ضعيفا ، اي السلطة المركزية ، والاطراف قوية، اي الفدراليات المقترحة في الجنوب والشمال ، اضافة لثالثة في الوسط حسب المخطط الامريكي الذي توضحت ابعاده الان . ان العراق القوي والذي اصبح قوة عظمى اقليميا ، ما كان له ان يبرز الا نتيجة وجود سلطة مركزية قوية ، نجحت في استثمار طاقت العراق البشرية والاقتصادية بصورة جيدة ، فحقت التقدم العلمي - التكنولوجي وتخطت وتائر تطور بلدان العالم الثالث ، وانشأت بنية تحتية ممتازة. لذلك ، وتنفيذا لمخطط ،عبرت عنه الاجراءات الامريكية بعد الاحتلال ، فككت الدولة العراقية ولم يكتفي الاحتلال باسقاط النظام فيها ، ودمر البنية التحتية ، واحرق مظاهر التراث ، كالمتحف الوطني العراقي ، والثقافة ، كمركز صدام للفن الحديث ودار الكتب والوثائق ، والتعليم ، كنهب وحرق الجامعات ... الخ .
لكن اقامة الفدراليات الثلاثة يتطلب وجود سلطة شرعية ودستور شرعي يسمحان بذلك ، لان الاحتلال يعرف بوضوح ان تغيير بنية الدولة العراقية ، وتثبيت هذا التغيير ليس من صلاحيات المحتل ، الذي تلزمه اتفاقيات جنيف بعدم احداث اي تغيير في قوانين الدولة المحتلة ونظامها الاقتصادي ... الخ ، من هنا اصبح اجراء الانتخابات ضرورة لا غنى عنها لتوليد العراق المقزم ، باسم الفدرالية . فالانتخابات تمنح النظام الفدرالي قوة داخلية ، وهي تمسك من منحوا السلطة ، في الشمال والجنوب ، بسلطتهم ، وبالتقسيم الاثني – الطائفي للثروة والسلطة ، كما تمنحه قوة خارجية ، وهي قوة ما يسمى ب ( المجتمع الدولي ) ، خصوصا اذا ايدت الامم المتحدة نتائج الانتخابات ، او صدر قرار من مجلس الامن بدعم هذه النتائج .
هذا الهدف يستبطن بذور التقسيم في العراق، من الناحية النظرية ، فالمقاومة ، حينما ستستلم السلطة ، بعد التحرير ، ستجد ان دولا في الاقليم ، مثل ايران ، ستدافع بشراسة ، عن وجود انصارها في حكم فدرالية الجنوب ، وفي يدها ، تماما مثل امريكا ، ورقة شرعية الانتخابات ! وفي الشمال ستلجأ الزعامات الكرية الى الامم المتحدة وامريكا واوربا لحماية فدرالية الشمال الكردي ، على اساس انها نشأت نتيجة ، لنظام المحاصصة الاثنية – الطائفية الذي وضعه بول بريمير الحاكم الامريكي السابق للعراق ، وكرسته الانتخابات وما ترتب عليها !
ان العراق المقزم يخدم اهداف امريكا واسرائيل وايران ، فامريكا لا تريد عراقا مقتدرا وقويا لانه قد يفلت من يدها في اي لحظة نتيجة اغراء امتلاكه للقوة ، ويحرر اقتصاده واراضيه . اما اسرائيل فانها اشد رغبة من امريكا في تقزيم العراق ، بل هي صاحبة المخطط التقسيمي الاصلي للعراق، ( مثلا ، وثيقة عوديد ينون مستشار مناحيم بيجن المعنونة: ستراتيجية لاسرائيل في الثمانينيات ، والتي صدرت في عام 1981 ) ،لانه وريث بابل ، وبابل تعني رمزيا (الاسر البابلي) ، من جهة ، ولانه يمتلك مقومات اقامة قوة عظمى اقليميا ، من جهة ثانية . اما ايران فانها هي الاخرى لها مصلحة مزدوجة في تقزيم العراق ، فهي، تماما مثل اسرائيل، لديها ثأرات تاريخية وحديثة مع العراق ، خصوصا وانه قوة اقليمية تشكل رادعا لتطلعات ايران التوسعية ، تارة باسم (العظمة الارية) ،كما حصل في عهد الشاه ، او باسم الاسلام الطائفي الصفوي، كما حصل في زمن خميني. ان العراق المقزم هو الهدف المشترك بين هذه الاطراف الثلاثة ، ولذلك نراها تعمل بتنسيق مباشر رغم الاختلافات القائمة بينها، من اجل ضمان ان يصبح العراق قوة مفككة عمليا وان بدت موحدة شكليا لاسباب تتعلق بطبيعة النهب المقرر بالذات !
زرع بذور التقسيم
ان تفكيك العراق واقعيا ، وابقاءه موحد شكليا، يعد مقدمة لتقسيم العراق الى ثلاثة دول ، طبقا لمخطط ينون ، في حالة بروز ضرورة ستراتيجية في هذا الاتجاه . والضرورة المقصودة هي اكمال شروط التقسيم السياسية والنفسية ، اضافة لبلورة ضرورة تجزئة مناطق الثروة في العراق ، وحراستها بواسطة قوى عراقية اوصلت الى الاقنتاع بان افضل السيئات هو الاحتفاظ بجزء من العراق، بدل خسارته كله ، وهكذا تنبثق دويلات متمحورة حول مصادر الثروة العراقية .
ان تقسيم العراق، من الناحية الستراتيجية ، مقوم اساس في المخطط الاسرائيلي العام ، وقامت الولايات المتحدة بوضع خطة قديمة، منذ تاميم النفط العراقي في عام 1972 ، لتنفيذه ، لكنها ، وبخلاف الخطة الاسرائلية ، ارادت اختبار امكانية ابقاء العراق موحدا بشرط النجاح في السيطرة عليه ، واستثمار ثرواته . اما اذا فشلت خطة السيطرة فان الخيار الاسرئيلي يصبح هو الخيار الامريكي بكامله . والان وبعد وصول الادارة الامريكية الى حالة الاقتناع بان العراق قد تحول الى فخ قاتل ، فقد رجح سيناريو التقسيم . والانتخابات وما سيترتب عليها ، منح الاثنيات والطوائف حقوقا وامتيازات ( دستورية ) ، هي المقدمة الضرورية لاعداد المسرح العراقي للتقسيم .
القضاء على المقاومة باسم الشرعية
ان الخطط التي نفذتها الولايات المتحدة في العراق وفشلت، في القضاء على المقاومة الوطنية المسلحة ، ووصول الاحتلال الامريكي الى مرحلة الاعياء والعجزعن الوصول الى حل عسكري امريكي لمشكلة المقاومة ، فرض اللجوء الى خيار الاعتماد على( درع عراقي ) ، يحمي القوات الامريكية من الهجمات ، من جهة ، ويضعف المقاومة وثورة الشعب العراقي ضد الاحتلال، ان لم يقضي عليهما ، من جهة ثانية ، ويوجد جروحا عميقة في الجسد العراقي ، نتيجة للاقتتال العراقي – العراقي ، يسهل تنفيذ مخطط التقسيم ، حينما يأتي وقته ، من جهة ثالثة .
ويقصد بالدرع العراقي تشكيل جيش وشرطة تابعين للاحتلال ، من عراقيين ينتمون للاحزاب التي استخدمها الاحتلال في نجاح عملياته ، خصوصا من التنظيمات الكردية المسلحة والاحزاب الموالية لايران ، وتكليفها بالتصدي للمقاومة ، وتراجع القوات الامريكية الى معسكرات خارج المدن ، وبذلك تتوقف عمليات الاستنزاف الخطيرة التي تتعرض لها القوات الامريكية، وتجبرها على الانسحاب من العراق ، دون تحقيق الاهداف التي حصل غزو العراق من اجل الوصول اليها . ولكي يشكل الدرع العراقي بصورة فعالة ينبغي ان يكتسب الصفة الشرعية ، لا ان يوصف بانه صنيعة الاحتلال ، وهو وصف يعزله عن الاغلبية الساحقة من العراقيين . من هنا فان احدى اهم وظائف الانتخابات هي اضفاء الشرعية على القوات العراقية، التي شكلها الاحتلال من اجل مساعدته على ايقاف عملية استنزافه من جهة ، وتسهيل سيطرته على العراق من جهة ثانية ، والاعداد للحرب الاهلية ، ومن ثم التقسيم ، من جهة ثالثة .
تذويب هوية العراق العربية
يشكل العرب في العراق اكثر من 80% من السكان ، طبقا لاخر احصاء سكاني شرعي ، ولذلك فان الوضع الواقعي هو وضع اغلبية عربية واقليات اثنية ، وليس وضع بلد ( القوميات والطوائف ) ، كما تروج قوات الاحتلال والموالين لها من الاقليات ، تمهيدا لخداع العالم باقناعه ان في العراق مشكلة صراعات قومية وطائفية ودينية، مشابهة لما حصل في يوغسلافيا،وبالتالي تهيئة الاذهان عالميا لتقسيمه باقل رد فعل معترض ممكن، رغم ان يوغوسلافيا كانت تتشكل من قوميات واديان كبيرة السكان، وليس مثل حالة العراق.
وتحقيقا لهذا الهدف لوحظ ان الاحتلال قد اعتمد منذ الاعداد له على التمييز الاثني – الطائفي في العراق ، ومحاولة اثارة الفتن على هذا الاساس . وبعد وقوع الاحتلال كان من بين اول الاعمال التي قام بها الترويج لفكرة الكيانات المتعددة في العراق ، وقد جسد ذلك ما سمي ب( قانون ادارة الدولة المؤقت )، وقانون الانتخابات، اللذان وضعا قاعدة (دستورية ) لاقامة كيانات متعددة في العراق، بدل القاعدة التي سادت العراق طوال تاريخه ، وهي انه كيان واحد فيه الوان طبيعية متفاهمة وتشكل النسيج العراقي المتين .
لقد روج الاحتلال لمفهوم تقسيمي غريب للعرب في العراق ، فجعل منهم شيعة وسنة ، وادعى ، خبثا ، ان الشيعة يشكلون 60% من السكان ، رغم ان اي احصاء سكاني لم يجري على اساس طائفي ، وفبركت هذه القصة لاجل اصطياد الجهلة او المتعصبين طائفيا، ودفعهم للتمسك (بحق الاغلبية ) ، وتوقع رد فعل مبني على الجهل لدى الطرف الاخر، يقوم على نفي الادعاء الغربي بوجود اغلبية واقلية بين عرب العراق ، وهكذا يندلع خلاف ، يراد له ان يصبح صراعا عدائيا بين المسلمين العرب .
وزادت الدعاية الغربية حملتها ، باختراع تسمية جديدة :( عرب الاهوار ) ، وادعاء انهم مضطهدون ! اما على صعيد اثني فقد شجع الاكراد والتركمان، واقليات مجهرية اخرى ،على الدعوة لمنحهم كيانات خاصة ! ووصل عهر ضمير البعض حد ان مدير قناة العربية كتب مقالا يقول فيه ان عرب العراق يشكلون 20 % من سكان العراق ، مزايدا على الاسرائليين والامريكيين في العمل على تذويب الهوية العربية للعراق !
ان اللغة السائدة لدى الاحتلال واعلامه واعوانه تقوم، اساسا، على محاولة تكريس فكرة ان العراق بلد يضم كتل بشرية متقاربة العدد ، لذلك فانه ليس قطرا عربيا ، بل هو خليط ! وهذا الهدف هو الذي عبر عن نفسه في قانون الدولة الانتقالي الذي رفض تاكيد ان العراق جزء من الامة العربية ، رغم ان ذلك النص ضمنته كل دساتير العراق ، واشار بدلا من ذلك الى( ان عرب العراق هم جزء من الامة العربية) ! قد يجادل ابعض ويقول : ان وجود اعراق مختلفة لا يسمح بوصف العراق بانه جزء من الامة العربية ، وهذا الجدل سيكون صحيحا لو ان التناسب السكاني العراقي متقارب ، اي ان الاختلافات في الاعداد قليلة ، لكن واقع العراق يؤكد ان هناك اغلبية عربية تصل نسبتها الى 80 % من السكان ، وهذا يعني ان هناك اقليات لا يتجاوز عددها الكلي مجتمعة 20 % ، لذلك من الطبيعي ان يعد العراق جزء من الامة العربية استنادا لتلك الحقيقة السكانية ، دون ان يعني ذلك حرمان الاقليات من حقوقها ، بدليل ان الحكومة العراقية التي اسقطها الغزو ، منحت الحكم الذاتي للاكراد من دون بقية اكراد المنطقة ، وهذا ينطبق على بقية الاقليات .
ان وجود مخطط لتذويب الهوية العربية للعراق، يتاكد من خلال الانتباه الى ما جرى منذ الغزو في العراق ، فحرق وثائق الجنسية والاحوال المدنية في العراق لم يكن عملا فوضويا ، كما قد يظن البعض ، بل كان عملا مخططا له سلفا ، هدفه اعادة تشكيل هوية العراق ، في ظل غياب الوثائق التي تحدد هوية كل مواطن . واعقب تلك الخطوة عمل اخر خطير وهو ادخال حوالي اربعة ملايين ايراني من جنوب ووسط العراق، يتكلمون العربية باللهجة العراقية ، واكراد من ايران وتركيا الى شمال العراق . والهدف من ذلك هو تكوين اغلبية شيعية صفوية تابعة لايران ، وجعل الشيعة العرب والسنة اقلية ، وزيادة عدد الاكراد في العراق ، بحيث تقترب الحالة العراقية من الحالة اليوغسلافية ، من حيث وجود تقارب سكاني بين مكونات العراق ، وهكذا يعد المسرح العراقي للقيام بالخطوة الاخيرة ، والاخطر، وهي اجراء انتخابات في ظل هذا التزوير السكاني ، ومنح الجنسية العراقية لاعداد ضخمة من غير العراقيين ، ستكون نتيجتها معروفة سلفا وهي نفي عروبة العراق وتكريس حالة التقارب بين مكوناته !
حروب اسلامية – اسلامية
ربما يعترض البعض على ما اكدناه بالقول بانه ليس من مصلحة امريكا منح ايران فرصة السيطرة على جزء من العراق ، وهذا الاعتراض صحيح في المنظور التكتيكي المباشر ، لكنه في الميزان الستراتيجي الامريكي – الاسرائيلي ضرورة حاسمة للتخلص من العالم الاسلامي، مرة واحدة والى الابد . كيف ذلك ؟ ان منح ايران نفوذا قويا في العراق ، سيؤدي، اول ما يؤدي ، الى نحر العراق العربي وولادة عراق بلا هوية ، تصطرع فيه الكتل المختلفة عرقيا وطائفيا ودينيا ، ثم انه سيقود تلقائيا لتأجيج الاطماع الايرانية ، القديمة والحديثة، في الوطن العربي والعالم الاسلامي .
ان من يعرفون تاريخ ايران جيدا يدركون ان احد اهم العقد المتحكمة بالشوفينية الفارسية ، منذ اسقاط الامبراطورية الفارسية من قبل المسلمين، وفرض الاسلام على بلاد فارس الزرادشتية ،هي عقدة التطلع الامبراطوري المتطرفة ، وكان اخر تجسيد لها هو التطلع الفارسي الرسمي لاقامة امبراطورية في زمن الشاه محمد رضا بهلوي ، وعند سقوطه برز تطلع امبراطوري لكنه يتبرقع باسم الاسلام ، في عهد خميني ، واتخذ من شعار (نشر الثورة الاسلامية) غطاء له . هذه العقدة تضخمت بسبب حقيقة تاريخية قد لا ينتبه اليها كثيرون ، وهي ان الفرس ، وهم من بين اكبر ثلاثة شعوب اسلامية ( العرب والترك والفرس ) ، لم يقيموا دولة اسلامية باسمهم ، رغم ان العرب والترك تمكنوا من ذلك !
لذلك فان ايران، وهي تتطلع بشغف متطرف للتوسع والسيطرة ، لم تجد ان تعاونها مع امريكا ضد العراق وافغانستان المسلمتين عملا خطيرا يضر بالمسلمين ، بل انها تعاونت مع امريكا رسميا وواقعيا من اجل تسهيل تدمير العراق ، ما دام ذلك يقربها من تحقيق طموحات امبراطورية . وقد اعترف محمد علي ابطحي ، نائب الرئيس الايراني الحالي ، في ندوة عقدت في دبي في مطلع عام 2004 بانه( لولا مساعدة ايران لما نجحت امريكا في غزو العراق وافغانستان ). ومن الجهة الاخرى ترى واشنطن ومعها اسرائيل واغلبية عواصم الغرب ، ان تمكين ايران من الحصول على نفوذ رسمي في العراق ، سيشعل حروبا طاحنة ومدمرة بين المسلمين ، لان ايران عملت ، وما زالت تعمل، لتغيير التوازن السكاني المستقر منذ قرون في العالم الاسلامي ،عبر تنفيذ ستراتيجية واضحة لنشر التشيع الصفوي فيه ومحاولة جعل الشيعة الصفويين اغلبية ، وهو طموح ايراني رسمي وعملي . ان نظرة للنشاط الايراني في المغرب العربي وغيره ، تؤكد ان ايران تعمل على تغيير التوازن الطائفي الحالي ، ومن ثم فانها تجر معها الطائفي الاخر من المسلمين لخوض حروب ابقاء التوازن الحالي ! ما هي نتيجة هذا التحول ؟ بالتأكيد انه سيؤدي الى تغيير التناقضات وانقلاب الاصطفافات السياسية ، وجعل المسلمين يحاربون بعضهم للبعض الاخر ، وهذ بالضبط هو الهدف الستراتيجي الصهيوني الامريكي – الغربي.
اذا قارنا الخسارة الامريكية، لصالح ايران في العراق وفي لبنان وغيرهما ، بالمكسب الستراتيجي الذي ستحققه ، ادركنا ان الدعم المتبادل بين امريكا وايران يستبطن اهدافا ستراتيجية لكليهما . امريكا تريد احراق العالم الاسلامي ، وايران جاهزة للقيام بهذا العمل والمساهمة فيه ، لانها تريد تحقيق حلم قديم بتغليب التشيع الصفوي في العالم الاسلامي ، واعتبار كسب نفود في العراق شرطا حاسما لتحقيق ذلك ، لان العراق القوي والعربي الهوية اهم عقبة تمنع التوسعية الايرانية ، اضافة لاحتواءه على اهم مقدسات شيعة العالم ، فاذا صارت هذه العتبات بيد ايران ستزيد من تأثيرها في العالم الاسلامي . وتحقيق ذلك لن يشكل خسارة لامريكا في العراق وفي الوطن العربي ،لانها ستضمن تحييد الخطر الاسلامي ، ربما لعدة عقود ، خصوصا وان حروب العالم الاسلامي ، المطلوبة امريكيا واسرائيليا ، ستزيل الهوية الاسلامية عن ايران تدريجيا، وتعيد تغليب الهوية القومية الفارسية ، وهذا ايضا مكسب للغرب واسرائيل .
اطارات ستراتيجية خطيرة
اذا اخذنا ما تقدم بنظر الاعتبار، تتشكل امام نواظرنا صورة بانورامية اكبر واخطر، لما تريد امريكا واسرائيل والغرب تحقيقه انطلاقا من العراق ، وابرز ما في هذه الصورة هو الاصرار الصهيو –غربي على تفتيت العالم الاسلامي ، عبر الصاعق العراقي ، واعادة تشكيله وفقا لمصالح مشتركة امريكية –اسرائيلية – ايرانية ، وانهاء الوجود العربي ، كهوية قومية ، وزرع عصر الامارات والجمهوريات المجهرية والكارتونية في الوطن العربي .والسؤال الاساسي هنا هو : ما دور الانتخابات العراقية في كل ذلك ؟ انه دور الممهد الرئيس ، فاذا نجحت امريكا ، فهذا يعني الفتنة الاكبر في التاريخ العربي- الاسلامي ، والتي ستقود الى فترة مظلمة لم يمر العرب بمثلها في كل تاريخهم ، ولن ينجوا من اثارها المدمرة حتى اولئك الذين قدموا الدعم لامريكا ، فعوديد ينون يتحدث عن تقسيم كل الاقطار العربية ، بما في ذلك مصر ، وليس العراق وحده !
هل من سبيل للانقاذ؟
نعم الانقاذ ممكن ، وان كان صعبا ، فلقد اردنا ان نقدم صورة امينة وواضحة لما قررته امريكا وايران واسرائيل، ولذلك ركزنا على شرح ذلك بامانة ، فالمقاومة في العراق، وكما تؤكد المؤشرات ، تتجه نحو النصر المحتوم ، لانها قد عرفت ابعاد المخطط الصهيو – امريكي ، ووضعت خطة مضادة ، اساسها انهاك امريكا وايصالها الى حالة العجز عن تحمل تكاليف حربها على العراق ، وحصرها في ارضه ، وعدم السماح لها بتجنب الصدام مع المقاومة ، عن طريق شل اي حكومة تنشأ عن حالة الاحتلال ومنع انشاء جيش عراقي وشرطة عراقية تتحمل ضربات المقاومة بدل امريكا ، اضافة لاجبار الاخيرة على تحمل الاعباء المادية للحرب وجعل الميزانية الامريكية تزداد اختلالا ، بمنع استغلال النفط العراقي . هذه الستراتيجة الوطنية للمقاومة العراقية نجحت تماما ، وهو ما اوصل امريكا الى ورطتها الخطيرة في العراق، لذلك تحاول الان تغيير المعادلة لصالحها ، عبر الانتخابات .
salahalmukhtar@hotmail.com
شبكة البصرة
الجمعة 17 ذي الحجة 1425 / 28 كانون الثاني 2005
الانتخابات العراقية : ما هي اهدافها الستراتيجية؟
شبكة البصرة
صلاح المختار
يقع في خطأ التقدير كثير ممن يريدون تحديد الاهداف ، التي تريد الولايات المتحدة تحقيقها ، من وراء الاصرار اللافت للنظر على اجراء الانتخابات في العراق، رغم ان ثمة اجماع على ان ظروف العراق الامنية لاتساعد على اجرائها . ومن بين ابرز واهم الاخطاء ، الافتراض القائل ان اجراء الانتخابات سيساعد على ايجاد حل ديمقراطي لمشكلة السلطة ومن يمارسها في العراق، وهي مشكلة حساسة وخطيرة ، اضافة لخطأ الافتراض ان الانتخابات ستجنب العراق حربا اهلية ستقع اذا لم تجر الانتخابات ! واخيرا الافتراض بان الخيار الوحيد المتاح للشعب العراقي، للخروج من محنة الاحتلال، هو اجراء انتخابات، لان ذلك سيسهل انسحاب قوات الاحتلال بطلب من سلطة شرعية ! هذه الافتراضات سياسية وتشكل مظهر المشهد العراقي وليس جوهره، وضعت على نحو مدروس ومقصود، اراد من صاغها ان يغيب القضية المركزية في الوضع العراقي الحالي، وهي قضية الاهداف الستراتيجية الكامنة وراء الاصرار الامريكي على اجراء اانتخابات ، من هنا يتطلب الموقف نظرة موضوعية ومتأنية تسبر اغوار الحدث العراقي ، وتتعامل مع اطاراته الستراتيجية ، وتتجنب التسطيح والتبسيط المبتذلان ، اللذان يمارسهما من له مصلحة في ابقاء الاحتلال او تحقيق مصلحة ايرانية وليس عراقية .
لماذا الاصرار الامريكي؟
لم تعد اهداف الولايات المتحدة في العراق غامضة ، فلقد قدمت تطورات الاحداث خلال العشرين شهرا التي مضت على الاحتلال ، مؤشرات ، وخلقت وقائع ، تؤكد انها وضعت خطة غير معلنة ، هدفها الاساس، ضمان تحقيق مكاسب ستراتيجية في العراق ، اذا اضطرت لمغادرته ، بسب شدة المقاومة المسلحة للوجود الامريكي في العراق، واقتناع الادارة الامريكية بان ما اسمته ( تحرير العراق ) قد تحول الى مأزق خطير ، يهدد بانهيار الطموحات الامبراطورية الامريكية . كيف تستطيع الولايات المتحدة تحقيق اهداف ومكاسب ستراتيجية رغم انسحابها ؟
اتفاقيات ستراتيجية
ان اهم اهداف الاصرار على اجراء الانتخابات ، هو تنصيب حكومة عراقية يمكن وصفها بالشرعية ، من قبل الولايات المتحدة ، وتقديمها ل(المجتمع الدولي) على انها حكومة شرعية تشكلت نتيجة لانتخابات حرة ، ومن ثم فان لها صلا حية قانونية كاملةلاتخاذ اي قرار، وتوقيع اي اتفاقية ، ذات طبيعة قانونية ملزمة طبقا للقانون الدولي . وهذا بالضبط هو ما تحتاجه امريكا الان من اجل تحقيق هدفين جوهريين في ان واحد : الانسحب من العراق ، بسرعة ، او بعد فترة ، تحددها شدة العمليات العسكرية للمقاومة المسلحة ،لايقاف النزيف البشري والمادي ، الذي تتعرض له في العراق ، وصار فوق طاقة تحملها ، من جهة ، وتوقيع اتفاقيات ستراتيجية واقتصادية بعيدة المدى ، من جهة ثانية .
واهم الاتفاقيات العسكرية اتفاقية توافق بموجبها الحكومة الجديدة على اقامة قواعد عسكرية امريكية في العراق ، يقدر عددها ب (14 ) قاعدة رئيسية ، تتوزع على مناطق ستراتيجية ، تؤمن لامريكا السيطرة على منابع النفط العراقية ، من جهة ، وايصال ذراعها العسكرية الى اي مكان في المنطقة، انطلاقا من العراق ، من جهة ثانية . اما اهم الاتفاقيات الاقتصادية ، فهي اتفاقيات تمنح ، الحكومة العراقية هذه ، بموجبها الشركات الامريكية امتيازات طويلة الامد لاستثمار النفط العراقي ، وعلى الارجح بعد خصخصة الصناعة النفطية العراقية . ومن المؤكد ان مدد الاتفاقيات هذه لا تقل عن ربع قرن ، لان ا لسنوات العشر القادمة ستتسم بانها سنوات ستشهد تضاعف استهلاك امريكا للنفط ، مقابل تراجع انتاجية القوى الاساسية المنتجة له ، كالسعودية ، لذلك تحتاج الى مصادر شابة تؤمن لها الحصول على النفط ، بلا عوائق سياسية، والعراق هو في مقدمة الطاقات النفطية الشابة . اما الوجه الاخر لهذه المشكلة فهو ان القوى الصاعدة، وفي مقدمتها الصين والهند ، ستتضاعف حاجتها هي الاخرى للنفط ، الامر الذي سيخلق اجواء منافسة من المرجح ان تكون خطرة ، لان موارد النفط المعروضة في الاسواق، ستكون اقل من الطلب ، وهوما اشار اليه تقرير المخابرات الامريكية حول مشكلة الطاقة في السنوات الخمسة عشر القادمة.
باقامة قواعد عسكرية ستراتيجية في العراق ، وبضمان الاستحواذ على نفطه ، بموجب اتفاقيات ملزمة ، تكون الولايات المتحدة قد حققت هدفين جوهريين ، يقعان ضمن الاهداف الحيوية المطلوب الوصول اليها، كشرط مسبق لصعود الامبراطورية الامريكية، وازاحة اي طرف سيظهر ويحاول منافستها على عرش العالم . ان قيمة هذه الاتفاقيات لا تظهر الا اذا تذكرنا انموذج (اتفاقية غوانتانامو)، التي عقدت بين كوبا قبل الثورة وامريكا ، وتم بموجبها تأجير تلك الجزيرة الى الولايات المتحدة لمدة 99 عاما ، وحينما حدثت الثورة وطالبت حكومتها استعادة الجزيرة، رفضت امريكا بشدة ، واعتمدت من الناحية القانونية على الاتفاقية الموقعة مع الحكومة السابقة . وتزداد خطورة توقيع حكومة عراقية منتخبة شكليا، اذا اخذنا بنظر الاعتبار حقيقة ان كوبا ، ورغم دعم الاتحاد السوفيتي واغلب دول العالم لمطلبها باستعادة جوانتانامو، الا ان امريكا اصرت على التمسك بالحجة القانونية، فكيف سيتصرف عراق ما بعد التحرير لاجل استعادة سيادته ،على نفطه وارضه، وقد اختفى الكبار كلهم ولم يبق الا كبير واحد ؟ من المؤكد ان العراق بعد التحرير سيواجه مشكلة خطيرة ، تتمثل في استخدام امريكا لقوتها العسكرية في ابقاء سيطرتها على النفط واراض عراقية ذات قيمة جيوبولتيكية .
تقزيم العراق
رغم ان الاحتلال الامريكي في العراق قد شرع ، منذ بدايته، بمحاولة تفتيت العراق ، الا انه كان يدرك ،ان اعادة وحدته ودولته المركزية امران ممكنان، بمجرد رحيله ، لذلك كان ضروريا ان يكرس تقزيم العراق بضمانات داخلية ،اهمها اقامة نظام فدرالي، يكون فيه المركز ضعيفا ، اي السلطة المركزية ، والاطراف قوية، اي الفدراليات المقترحة في الجنوب والشمال ، اضافة لثالثة في الوسط حسب المخطط الامريكي الذي توضحت ابعاده الان . ان العراق القوي والذي اصبح قوة عظمى اقليميا ، ما كان له ان يبرز الا نتيجة وجود سلطة مركزية قوية ، نجحت في استثمار طاقت العراق البشرية والاقتصادية بصورة جيدة ، فحقت التقدم العلمي - التكنولوجي وتخطت وتائر تطور بلدان العالم الثالث ، وانشأت بنية تحتية ممتازة. لذلك ، وتنفيذا لمخطط ،عبرت عنه الاجراءات الامريكية بعد الاحتلال ، فككت الدولة العراقية ولم يكتفي الاحتلال باسقاط النظام فيها ، ودمر البنية التحتية ، واحرق مظاهر التراث ، كالمتحف الوطني العراقي ، والثقافة ، كمركز صدام للفن الحديث ودار الكتب والوثائق ، والتعليم ، كنهب وحرق الجامعات ... الخ .
لكن اقامة الفدراليات الثلاثة يتطلب وجود سلطة شرعية ودستور شرعي يسمحان بذلك ، لان الاحتلال يعرف بوضوح ان تغيير بنية الدولة العراقية ، وتثبيت هذا التغيير ليس من صلاحيات المحتل ، الذي تلزمه اتفاقيات جنيف بعدم احداث اي تغيير في قوانين الدولة المحتلة ونظامها الاقتصادي ... الخ ، من هنا اصبح اجراء الانتخابات ضرورة لا غنى عنها لتوليد العراق المقزم ، باسم الفدرالية . فالانتخابات تمنح النظام الفدرالي قوة داخلية ، وهي تمسك من منحوا السلطة ، في الشمال والجنوب ، بسلطتهم ، وبالتقسيم الاثني – الطائفي للثروة والسلطة ، كما تمنحه قوة خارجية ، وهي قوة ما يسمى ب ( المجتمع الدولي ) ، خصوصا اذا ايدت الامم المتحدة نتائج الانتخابات ، او صدر قرار من مجلس الامن بدعم هذه النتائج .
هذا الهدف يستبطن بذور التقسيم في العراق، من الناحية النظرية ، فالمقاومة ، حينما ستستلم السلطة ، بعد التحرير ، ستجد ان دولا في الاقليم ، مثل ايران ، ستدافع بشراسة ، عن وجود انصارها في حكم فدرالية الجنوب ، وفي يدها ، تماما مثل امريكا ، ورقة شرعية الانتخابات ! وفي الشمال ستلجأ الزعامات الكرية الى الامم المتحدة وامريكا واوربا لحماية فدرالية الشمال الكردي ، على اساس انها نشأت نتيجة ، لنظام المحاصصة الاثنية – الطائفية الذي وضعه بول بريمير الحاكم الامريكي السابق للعراق ، وكرسته الانتخابات وما ترتب عليها !
ان العراق المقزم يخدم اهداف امريكا واسرائيل وايران ، فامريكا لا تريد عراقا مقتدرا وقويا لانه قد يفلت من يدها في اي لحظة نتيجة اغراء امتلاكه للقوة ، ويحرر اقتصاده واراضيه . اما اسرائيل فانها اشد رغبة من امريكا في تقزيم العراق ، بل هي صاحبة المخطط التقسيمي الاصلي للعراق، ( مثلا ، وثيقة عوديد ينون مستشار مناحيم بيجن المعنونة: ستراتيجية لاسرائيل في الثمانينيات ، والتي صدرت في عام 1981 ) ،لانه وريث بابل ، وبابل تعني رمزيا (الاسر البابلي) ، من جهة ، ولانه يمتلك مقومات اقامة قوة عظمى اقليميا ، من جهة ثانية . اما ايران فانها هي الاخرى لها مصلحة مزدوجة في تقزيم العراق ، فهي، تماما مثل اسرائيل، لديها ثأرات تاريخية وحديثة مع العراق ، خصوصا وانه قوة اقليمية تشكل رادعا لتطلعات ايران التوسعية ، تارة باسم (العظمة الارية) ،كما حصل في عهد الشاه ، او باسم الاسلام الطائفي الصفوي، كما حصل في زمن خميني. ان العراق المقزم هو الهدف المشترك بين هذه الاطراف الثلاثة ، ولذلك نراها تعمل بتنسيق مباشر رغم الاختلافات القائمة بينها، من اجل ضمان ان يصبح العراق قوة مفككة عمليا وان بدت موحدة شكليا لاسباب تتعلق بطبيعة النهب المقرر بالذات !
زرع بذور التقسيم
ان تفكيك العراق واقعيا ، وابقاءه موحد شكليا، يعد مقدمة لتقسيم العراق الى ثلاثة دول ، طبقا لمخطط ينون ، في حالة بروز ضرورة ستراتيجية في هذا الاتجاه . والضرورة المقصودة هي اكمال شروط التقسيم السياسية والنفسية ، اضافة لبلورة ضرورة تجزئة مناطق الثروة في العراق ، وحراستها بواسطة قوى عراقية اوصلت الى الاقنتاع بان افضل السيئات هو الاحتفاظ بجزء من العراق، بدل خسارته كله ، وهكذا تنبثق دويلات متمحورة حول مصادر الثروة العراقية .
ان تقسيم العراق، من الناحية الستراتيجية ، مقوم اساس في المخطط الاسرائيلي العام ، وقامت الولايات المتحدة بوضع خطة قديمة، منذ تاميم النفط العراقي في عام 1972 ، لتنفيذه ، لكنها ، وبخلاف الخطة الاسرائلية ، ارادت اختبار امكانية ابقاء العراق موحدا بشرط النجاح في السيطرة عليه ، واستثمار ثرواته . اما اذا فشلت خطة السيطرة فان الخيار الاسرئيلي يصبح هو الخيار الامريكي بكامله . والان وبعد وصول الادارة الامريكية الى حالة الاقتناع بان العراق قد تحول الى فخ قاتل ، فقد رجح سيناريو التقسيم . والانتخابات وما سيترتب عليها ، منح الاثنيات والطوائف حقوقا وامتيازات ( دستورية ) ، هي المقدمة الضرورية لاعداد المسرح العراقي للتقسيم .
القضاء على المقاومة باسم الشرعية
ان الخطط التي نفذتها الولايات المتحدة في العراق وفشلت، في القضاء على المقاومة الوطنية المسلحة ، ووصول الاحتلال الامريكي الى مرحلة الاعياء والعجزعن الوصول الى حل عسكري امريكي لمشكلة المقاومة ، فرض اللجوء الى خيار الاعتماد على( درع عراقي ) ، يحمي القوات الامريكية من الهجمات ، من جهة ، ويضعف المقاومة وثورة الشعب العراقي ضد الاحتلال، ان لم يقضي عليهما ، من جهة ثانية ، ويوجد جروحا عميقة في الجسد العراقي ، نتيجة للاقتتال العراقي – العراقي ، يسهل تنفيذ مخطط التقسيم ، حينما يأتي وقته ، من جهة ثالثة .
ويقصد بالدرع العراقي تشكيل جيش وشرطة تابعين للاحتلال ، من عراقيين ينتمون للاحزاب التي استخدمها الاحتلال في نجاح عملياته ، خصوصا من التنظيمات الكردية المسلحة والاحزاب الموالية لايران ، وتكليفها بالتصدي للمقاومة ، وتراجع القوات الامريكية الى معسكرات خارج المدن ، وبذلك تتوقف عمليات الاستنزاف الخطيرة التي تتعرض لها القوات الامريكية، وتجبرها على الانسحاب من العراق ، دون تحقيق الاهداف التي حصل غزو العراق من اجل الوصول اليها . ولكي يشكل الدرع العراقي بصورة فعالة ينبغي ان يكتسب الصفة الشرعية ، لا ان يوصف بانه صنيعة الاحتلال ، وهو وصف يعزله عن الاغلبية الساحقة من العراقيين . من هنا فان احدى اهم وظائف الانتخابات هي اضفاء الشرعية على القوات العراقية، التي شكلها الاحتلال من اجل مساعدته على ايقاف عملية استنزافه من جهة ، وتسهيل سيطرته على العراق من جهة ثانية ، والاعداد للحرب الاهلية ، ومن ثم التقسيم ، من جهة ثالثة .
تذويب هوية العراق العربية
يشكل العرب في العراق اكثر من 80% من السكان ، طبقا لاخر احصاء سكاني شرعي ، ولذلك فان الوضع الواقعي هو وضع اغلبية عربية واقليات اثنية ، وليس وضع بلد ( القوميات والطوائف ) ، كما تروج قوات الاحتلال والموالين لها من الاقليات ، تمهيدا لخداع العالم باقناعه ان في العراق مشكلة صراعات قومية وطائفية ودينية، مشابهة لما حصل في يوغسلافيا،وبالتالي تهيئة الاذهان عالميا لتقسيمه باقل رد فعل معترض ممكن، رغم ان يوغوسلافيا كانت تتشكل من قوميات واديان كبيرة السكان، وليس مثل حالة العراق.
وتحقيقا لهذا الهدف لوحظ ان الاحتلال قد اعتمد منذ الاعداد له على التمييز الاثني – الطائفي في العراق ، ومحاولة اثارة الفتن على هذا الاساس . وبعد وقوع الاحتلال كان من بين اول الاعمال التي قام بها الترويج لفكرة الكيانات المتعددة في العراق ، وقد جسد ذلك ما سمي ب( قانون ادارة الدولة المؤقت )، وقانون الانتخابات، اللذان وضعا قاعدة (دستورية ) لاقامة كيانات متعددة في العراق، بدل القاعدة التي سادت العراق طوال تاريخه ، وهي انه كيان واحد فيه الوان طبيعية متفاهمة وتشكل النسيج العراقي المتين .
لقد روج الاحتلال لمفهوم تقسيمي غريب للعرب في العراق ، فجعل منهم شيعة وسنة ، وادعى ، خبثا ، ان الشيعة يشكلون 60% من السكان ، رغم ان اي احصاء سكاني لم يجري على اساس طائفي ، وفبركت هذه القصة لاجل اصطياد الجهلة او المتعصبين طائفيا، ودفعهم للتمسك (بحق الاغلبية ) ، وتوقع رد فعل مبني على الجهل لدى الطرف الاخر، يقوم على نفي الادعاء الغربي بوجود اغلبية واقلية بين عرب العراق ، وهكذا يندلع خلاف ، يراد له ان يصبح صراعا عدائيا بين المسلمين العرب .
وزادت الدعاية الغربية حملتها ، باختراع تسمية جديدة :( عرب الاهوار ) ، وادعاء انهم مضطهدون ! اما على صعيد اثني فقد شجع الاكراد والتركمان، واقليات مجهرية اخرى ،على الدعوة لمنحهم كيانات خاصة ! ووصل عهر ضمير البعض حد ان مدير قناة العربية كتب مقالا يقول فيه ان عرب العراق يشكلون 20 % من سكان العراق ، مزايدا على الاسرائليين والامريكيين في العمل على تذويب الهوية العربية للعراق !
ان اللغة السائدة لدى الاحتلال واعلامه واعوانه تقوم، اساسا، على محاولة تكريس فكرة ان العراق بلد يضم كتل بشرية متقاربة العدد ، لذلك فانه ليس قطرا عربيا ، بل هو خليط ! وهذا الهدف هو الذي عبر عن نفسه في قانون الدولة الانتقالي الذي رفض تاكيد ان العراق جزء من الامة العربية ، رغم ان ذلك النص ضمنته كل دساتير العراق ، واشار بدلا من ذلك الى( ان عرب العراق هم جزء من الامة العربية) ! قد يجادل ابعض ويقول : ان وجود اعراق مختلفة لا يسمح بوصف العراق بانه جزء من الامة العربية ، وهذا الجدل سيكون صحيحا لو ان التناسب السكاني العراقي متقارب ، اي ان الاختلافات في الاعداد قليلة ، لكن واقع العراق يؤكد ان هناك اغلبية عربية تصل نسبتها الى 80 % من السكان ، وهذا يعني ان هناك اقليات لا يتجاوز عددها الكلي مجتمعة 20 % ، لذلك من الطبيعي ان يعد العراق جزء من الامة العربية استنادا لتلك الحقيقة السكانية ، دون ان يعني ذلك حرمان الاقليات من حقوقها ، بدليل ان الحكومة العراقية التي اسقطها الغزو ، منحت الحكم الذاتي للاكراد من دون بقية اكراد المنطقة ، وهذا ينطبق على بقية الاقليات .
ان وجود مخطط لتذويب الهوية العربية للعراق، يتاكد من خلال الانتباه الى ما جرى منذ الغزو في العراق ، فحرق وثائق الجنسية والاحوال المدنية في العراق لم يكن عملا فوضويا ، كما قد يظن البعض ، بل كان عملا مخططا له سلفا ، هدفه اعادة تشكيل هوية العراق ، في ظل غياب الوثائق التي تحدد هوية كل مواطن . واعقب تلك الخطوة عمل اخر خطير وهو ادخال حوالي اربعة ملايين ايراني من جنوب ووسط العراق، يتكلمون العربية باللهجة العراقية ، واكراد من ايران وتركيا الى شمال العراق . والهدف من ذلك هو تكوين اغلبية شيعية صفوية تابعة لايران ، وجعل الشيعة العرب والسنة اقلية ، وزيادة عدد الاكراد في العراق ، بحيث تقترب الحالة العراقية من الحالة اليوغسلافية ، من حيث وجود تقارب سكاني بين مكونات العراق ، وهكذا يعد المسرح العراقي للقيام بالخطوة الاخيرة ، والاخطر، وهي اجراء انتخابات في ظل هذا التزوير السكاني ، ومنح الجنسية العراقية لاعداد ضخمة من غير العراقيين ، ستكون نتيجتها معروفة سلفا وهي نفي عروبة العراق وتكريس حالة التقارب بين مكوناته !
حروب اسلامية – اسلامية
ربما يعترض البعض على ما اكدناه بالقول بانه ليس من مصلحة امريكا منح ايران فرصة السيطرة على جزء من العراق ، وهذا الاعتراض صحيح في المنظور التكتيكي المباشر ، لكنه في الميزان الستراتيجي الامريكي – الاسرائيلي ضرورة حاسمة للتخلص من العالم الاسلامي، مرة واحدة والى الابد . كيف ذلك ؟ ان منح ايران نفوذا قويا في العراق ، سيؤدي، اول ما يؤدي ، الى نحر العراق العربي وولادة عراق بلا هوية ، تصطرع فيه الكتل المختلفة عرقيا وطائفيا ودينيا ، ثم انه سيقود تلقائيا لتأجيج الاطماع الايرانية ، القديمة والحديثة، في الوطن العربي والعالم الاسلامي .
ان من يعرفون تاريخ ايران جيدا يدركون ان احد اهم العقد المتحكمة بالشوفينية الفارسية ، منذ اسقاط الامبراطورية الفارسية من قبل المسلمين، وفرض الاسلام على بلاد فارس الزرادشتية ،هي عقدة التطلع الامبراطوري المتطرفة ، وكان اخر تجسيد لها هو التطلع الفارسي الرسمي لاقامة امبراطورية في زمن الشاه محمد رضا بهلوي ، وعند سقوطه برز تطلع امبراطوري لكنه يتبرقع باسم الاسلام ، في عهد خميني ، واتخذ من شعار (نشر الثورة الاسلامية) غطاء له . هذه العقدة تضخمت بسبب حقيقة تاريخية قد لا ينتبه اليها كثيرون ، وهي ان الفرس ، وهم من بين اكبر ثلاثة شعوب اسلامية ( العرب والترك والفرس ) ، لم يقيموا دولة اسلامية باسمهم ، رغم ان العرب والترك تمكنوا من ذلك !
لذلك فان ايران، وهي تتطلع بشغف متطرف للتوسع والسيطرة ، لم تجد ان تعاونها مع امريكا ضد العراق وافغانستان المسلمتين عملا خطيرا يضر بالمسلمين ، بل انها تعاونت مع امريكا رسميا وواقعيا من اجل تسهيل تدمير العراق ، ما دام ذلك يقربها من تحقيق طموحات امبراطورية . وقد اعترف محمد علي ابطحي ، نائب الرئيس الايراني الحالي ، في ندوة عقدت في دبي في مطلع عام 2004 بانه( لولا مساعدة ايران لما نجحت امريكا في غزو العراق وافغانستان ). ومن الجهة الاخرى ترى واشنطن ومعها اسرائيل واغلبية عواصم الغرب ، ان تمكين ايران من الحصول على نفوذ رسمي في العراق ، سيشعل حروبا طاحنة ومدمرة بين المسلمين ، لان ايران عملت ، وما زالت تعمل، لتغيير التوازن السكاني المستقر منذ قرون في العالم الاسلامي ،عبر تنفيذ ستراتيجية واضحة لنشر التشيع الصفوي فيه ومحاولة جعل الشيعة الصفويين اغلبية ، وهو طموح ايراني رسمي وعملي . ان نظرة للنشاط الايراني في المغرب العربي وغيره ، تؤكد ان ايران تعمل على تغيير التوازن الطائفي الحالي ، ومن ثم فانها تجر معها الطائفي الاخر من المسلمين لخوض حروب ابقاء التوازن الحالي ! ما هي نتيجة هذا التحول ؟ بالتأكيد انه سيؤدي الى تغيير التناقضات وانقلاب الاصطفافات السياسية ، وجعل المسلمين يحاربون بعضهم للبعض الاخر ، وهذ بالضبط هو الهدف الستراتيجي الصهيوني الامريكي – الغربي.
اذا قارنا الخسارة الامريكية، لصالح ايران في العراق وفي لبنان وغيرهما ، بالمكسب الستراتيجي الذي ستحققه ، ادركنا ان الدعم المتبادل بين امريكا وايران يستبطن اهدافا ستراتيجية لكليهما . امريكا تريد احراق العالم الاسلامي ، وايران جاهزة للقيام بهذا العمل والمساهمة فيه ، لانها تريد تحقيق حلم قديم بتغليب التشيع الصفوي في العالم الاسلامي ، واعتبار كسب نفود في العراق شرطا حاسما لتحقيق ذلك ، لان العراق القوي والعربي الهوية اهم عقبة تمنع التوسعية الايرانية ، اضافة لاحتواءه على اهم مقدسات شيعة العالم ، فاذا صارت هذه العتبات بيد ايران ستزيد من تأثيرها في العالم الاسلامي . وتحقيق ذلك لن يشكل خسارة لامريكا في العراق وفي الوطن العربي ،لانها ستضمن تحييد الخطر الاسلامي ، ربما لعدة عقود ، خصوصا وان حروب العالم الاسلامي ، المطلوبة امريكيا واسرائيليا ، ستزيل الهوية الاسلامية عن ايران تدريجيا، وتعيد تغليب الهوية القومية الفارسية ، وهذا ايضا مكسب للغرب واسرائيل .
اطارات ستراتيجية خطيرة
اذا اخذنا ما تقدم بنظر الاعتبار، تتشكل امام نواظرنا صورة بانورامية اكبر واخطر، لما تريد امريكا واسرائيل والغرب تحقيقه انطلاقا من العراق ، وابرز ما في هذه الصورة هو الاصرار الصهيو –غربي على تفتيت العالم الاسلامي ، عبر الصاعق العراقي ، واعادة تشكيله وفقا لمصالح مشتركة امريكية –اسرائيلية – ايرانية ، وانهاء الوجود العربي ، كهوية قومية ، وزرع عصر الامارات والجمهوريات المجهرية والكارتونية في الوطن العربي .والسؤال الاساسي هنا هو : ما دور الانتخابات العراقية في كل ذلك ؟ انه دور الممهد الرئيس ، فاذا نجحت امريكا ، فهذا يعني الفتنة الاكبر في التاريخ العربي- الاسلامي ، والتي ستقود الى فترة مظلمة لم يمر العرب بمثلها في كل تاريخهم ، ولن ينجوا من اثارها المدمرة حتى اولئك الذين قدموا الدعم لامريكا ، فعوديد ينون يتحدث عن تقسيم كل الاقطار العربية ، بما في ذلك مصر ، وليس العراق وحده !
هل من سبيل للانقاذ؟
نعم الانقاذ ممكن ، وان كان صعبا ، فلقد اردنا ان نقدم صورة امينة وواضحة لما قررته امريكا وايران واسرائيل، ولذلك ركزنا على شرح ذلك بامانة ، فالمقاومة في العراق، وكما تؤكد المؤشرات ، تتجه نحو النصر المحتوم ، لانها قد عرفت ابعاد المخطط الصهيو – امريكي ، ووضعت خطة مضادة ، اساسها انهاك امريكا وايصالها الى حالة العجز عن تحمل تكاليف حربها على العراق ، وحصرها في ارضه ، وعدم السماح لها بتجنب الصدام مع المقاومة ، عن طريق شل اي حكومة تنشأ عن حالة الاحتلال ومنع انشاء جيش عراقي وشرطة عراقية تتحمل ضربات المقاومة بدل امريكا ، اضافة لاجبار الاخيرة على تحمل الاعباء المادية للحرب وجعل الميزانية الامريكية تزداد اختلالا ، بمنع استغلال النفط العراقي . هذه الستراتيجة الوطنية للمقاومة العراقية نجحت تماما ، وهو ما اوصل امريكا الى ورطتها الخطيرة في العراق، لذلك تحاول الان تغيير المعادلة لصالحها ، عبر الانتخابات .
salahalmukhtar@hotmail.com
شبكة البصرة
الجمعة 17 ذي الحجة 1425 / 28 كانون الثاني 2005