شامل
15-01-2005, 06:41 PM
عندما تصبّ معلومات "النيوزويك" حول حاجتهما الى "الأنياب" ونقل المعركة الى عواصم الجيران: مهزلة المهازل في عنتريات علاوي والياور!
شبكة البصرة
نبيل أبو جعفر - باريس
لو لم تكن صيغة الحكم القائم في العراق بعد احتلاله مفضوحة على رؤوس الأشهاد، لكان من الممكن أن يتصوّر المتتبّع لتصريحات كل من رئيسي الجمهورية والوزارة المعيّنين من قبل الأميركان غازي الياور واياد علاوي الأخيرة على وجه التحديد، أن الأميركان هم الذين يعملون عند هذين الرجلين، وانهما هما اللذان يحركان ادارتهم ممثلة برئيسها ووزارة دفاعها واستخباراتها، ويصدران لهم الأوامر!!
ففي الأيام الأواخر من السنة الماضية أطلق الياور تصريحاً عنترياً أكّد فيه على ضرورة أن يكون للعراق "الجديد" أنياب حتى لا ينهشه الآخرون! وبعد عدة أيام، أي في مطلع السنة الجديدة طلع علاّوي بتصريح آخر أغرب منه، هدّد فيه بنقل المعركة التي يشنّها "الارهابيون" على حد تعبيره الى عواصم الدول المجاورة التي تدعمهم، مع أن العلاوي وقوات الاحتلال التي عيّنته لم يستطيعا حتى الآن التخفيف من حدة عمليات المقاومة المتصاعدة من أقصى جنوب العراق الى أقصى شماله، فضلاً عن سيطرتها العملية على مداخل العاصمة الرئيسية الستة، تمهيداً لما يجري توقّعه منذ فترة حول اقتراب معركة بغداد الكبرى، وصولاً الى امساك المقاومة بقرار المواجهة من حيث المكان والزمان.
ومع أن العلاوي – شخصياً- لا يقوى على التحرك كسائر بني البشر، ويستخدم طائرة الهيلوكوبتر في تنقلاته من مبنى لآخر أحياناً، مع أن "نصف قوات الاحتلال"، كما يتردد سخرية منه مُخصّصة لحمايته، إلا أنه مصرّ على الظهور بمظهر الحاكم، الذي يأمر فيُطاع، حتى أنه لم يتردد عن القول ذات مرّة قُبيل بدء العدوان الأخير على الفلوجة أنه قد أصدر "أوامره" الى الحرس الوطني والقوات المتعددة الجنسية باجتياح المدينة!
العودة لمسدس "الكاوبوي"!
وبالعودة الى التصريحين الغريبين وتوقيتهما، نرى أنه لم يمض أكثر من بضعة أيام عليهما، حتى فاجأتنا مجلة "نيوزويك" في عددها الأخير بخبرٍ يكشف عن انهماك وزارة الدفاع الاميركية بدراسة مشروع يقضي بتشكيل فرق اغتيالات من القوات الأميركية الخاصة لارسالها الى العراق، بهدف تعقُّب تيارات المقاومة واغتيالهم"!"، وأن هذا المشروع في رأي "البنتاغون" أصبح الوسيلة الوحيدة المتبقية أمامه للاقتصاص من "الارهابيين"، وهو يتلخّص على حد التعبير الذي نقلته "النيوزويك" باستبدال استراتيجية الدفاع بالهجوم، وكأن وجود قوات الاحتلال في حدّ ذاته لا يمثّل أكبر هجمة ارهابية يشهدها التاريخ المعاصر، الى جانب هجمة حليفها الكيان الصهيوني! وكأن قيادة المقاومة في المقابل، مرصودة من قبلهم، ومتواجدة تحت أعينهم وملك يمينهم، كما لو كان كل واحد منهم كعملائها المتسكّعين في شوارع وحانات سائر عواصمنا العربية الأخرى!
وعلى ذمة "النيوزويك" فان مهمة هذه الفرق لا تقف عند هذا الحدّ الذي يبدو ترجمة "لأوامر" الياور حول ضرورة وجود الأنياب، لا سيما وأنها ستقوم أيضاً بتدريب قوات عراقية خاصة على تنفيذ مثل هذه العمليات، تضم عناصر من الحرس الوطن، والميليشيات الكردية والشيعية، بل تتعداه الى ما يمكن اعتباره ترجمة "لأوامر" علاوي أيضاً حول نقل المعركة الى بعض عواصم الجوار، من خلال عدم استبعادها قيام هذه الفرق بمد يدها الضاربة الى خارج العراق وعبر الحدود السورية على وجه التحديد!
الرعونة وليدة العجز
طبعاً يبدو من السذاجة التساؤل هنا، وفي حال تشكيل هذه الفرق وارسالها الى العراق لتنفيذ مهامها: في أي قائمة من النشاطات يُمكن أن تُدرَج هذه المهام، أياً كان منفذها، سواء قوات الاحتلال أم القوات العراقية التي سيجري تدريبها؟ واذا كان فعل المقاومة المشروع للدفاع عن أرضها تُطلق عليها قوات الاحتلال صفة الارهاب، فأي صفة يمكن أن تُطلقها على قيامها هي، وعن سبق تصوّر وتصميم بتصفية الناس جسدياً عن طريق الاغتيال؟
لا شيء يمكن أن يُفسّر هذه الخطوة الأميركية الرعناء إلا بالعجز الكامل عن مواجهة حالة المقاومة التي أذهلت العالم. لقد كابَرَ الأميركيون كثيراً بعد احتلال العراق، وقاموا باخفاء هذه الحقيقة شهوراً عديدة، وصوّروا للعالم أن العمليات الأولى للمقاومة ليست إلا ردود فعل بائسة كمجموعة تلفظ أنفاسها الأخيرة، لكنهم سرعان ما عادوا الى الاعتراف بلسان قادتهم العسكريين أن "أوضاع العنف تزداد يوماً بعد يوم" وانهم كلما اعتمدوا خطة جديدة لمواجهة استراتيجية المقاومة – على حدّ قول شارلز هيلمان رئيس تحرير موسوعة جينز العسكرية – تقوم المقاومة بتغيير استراتيجيتها. وباختصار أكثر"انهم عدو متطوّر للغاية" على حد التعبير الحرفي للميجر جينرال ستيفان سبيك.
ومع تصاعد عمليات المواجهة وتطوّر أساليبها، لم يعد يقتصر الاعتراف على تصريحات فردية لقادة ميدانيين، بل وصل الى حد الاستنجاد الرسمي بالادارة المركزية في واشنطن لمواجهة هذا الموقف. وتُنبؤنا المعلومات المسرّبة من قبل أجهزة الاعلام الأميركية ذاتها عن تفاصيل بعض التقارير التي أرسلها قادة قوات الاحتلال الأميركي، وعن تفاصيل تقارير أخرى أكثر صراحة بعثها مدير محطة الاستخبارات المركزية الأميركية في بغداد، وهي الأكبر في العالم هذه الأيام، وتضمّ حسب المصرّح بنشره اكثر من 300 عنصر، يعرب فيها عن تشاؤمه الكبير من حجم التدهور المتسارع للأوضاع في العراق الذي "لن يعود الى سابق عهده في وقت قريب" كما قال في احداها.
أي سرّ في المقاومة؟
وقد تطابق هذا الكلام مع ما ورد في تقارير أخرى وصلت الى رئاسة "السي.آي.ايه" في واشنطن، بعد اعلان قوات الاحتلال عن سيطرتها على مدينة الفلوجة، واعتبارها المجازر التي ارتكبتها ضد أهلها انتصاراً للقوة "الأعظم" على هذه المدينة المقاومة. وتعترف احداهما صراحة، وهي التي نشرت بعض محتوياتها صحيفة النيويورك تايمز يوم 18/12/2004 بقدرة المقاومة – رغم الخسائر التي تتكبّدها – على منع قوات الاحتلال من تحقيق أهدافها فيما يتعلق بتشكيل "قوات أمن عراقية فعلية"، أو ضمان اجراء الانتخابات في موعدها.
أما الأكثر منها صراحة فتشير الى أن تزامن ضربات المقاومة بشكل دقيق، وانتقالها من هدف لآخر بشكل يدعو للدهشة، لا يدع مجالاً للشك بعلم المقاومين المسبق بتنقلات "القوات المتعددة الجنسية" وقوافل الامدادات الخاصة بها، ولكن، اذا كان هذا الأمر مؤكداً من قبل الأميركان فان الذي يقلقهم أن قواتهم بكل الامكانات التكنولوجية التي تملكها، وجيش الجواسيس الذين أتوا على دباباتها، لم يستطيعوا حتى الآن اكتشاف الوسيلة، أو تحديد هوية "عملاء" المقاومة المتواجدين داخل صفوف قوات الاحتلال..
ويأتي التصعيد النوعي المتسارع لفعل المقاومة العراقية كلما تسارعت عقارب الساعة نحو الموعد المحدد للانتخابات، كي يحول أولاً دون فرض ارادة الاحتلال بتعيين من يريد من اتباعه عن طريق ديمقراطية مزيّفة كزيف الادعاءات التي اتّخذت ذريعة لعدوانه، وكي يحول أيضاً دون اتخاذ هذه الانتخابات غطاءً لنجاة الدولة الأقوى من المستنقع الذي غاصت فيه، واللجوء الى اعتماد اتباعها المنتخبين لادارة شؤون مستعمرتها الجديدة دون أن تتكبد هي هذا الكم الهائل من الخسائر المتلاحقة على مدار الساعة.
ولا ريب أن هذين السببين كانا وراء بلورة مواقف العديد من القوى العراقية التي كانت مترددة في حسم موقفها من موضوع الانتخابات، أو حتى المؤيدة لها، وتتبعهم بعض اركان الحكم المعيّنين من قبل الأميركان كوزير الدفاع حازم الشعلان ووزير الكهرباء أيهم السامرائي الذي توقّع في حوار له على شاشة "الجزيرة" أن تسود الفوضى الشاملة أرض الرافدين اذا ما تمّت هذه الانتخابات كما يريد الأميركان.
ورطة لا مهرب منها الا بالهرب النهائي
والذي يُجيّر الأميركان أمام هذا الوضع، انه اذا كان المشهد المتفجّر يومياً بعشرات العمليات التي تتصاعد كالخط البياني في وجه الاحتلال هو الحالة السائدة قبل تمرير الانتخابات، بما يعكسه ذلك أيضاً من قدرة المقاومة على اقتناص أهدافها المميزة في وضح النهار، كاغتيال محافظ بغداد وعدد من أعضاء اللجنة المشرفة على الانتخابات، والمسؤولين السياسيين والأمنيين، فكيف يمكن أن يكون هذا الوضع اذا تمّ تمرير الانتخابات عن طريق العربدة والتزوير، أو تمّ تأجيلها بفعل ضربات المقاومة. وضغط الأصوات المعارضة لاجرائها، الأمر الذي سيشكل في كلتي الحالتين ورطة للاحتلال لا مهرب منها في النهاية الا بالهرب من البلد كله.
رئيس أركان القوات الأميركية المحتلّة الجنرال ريتشارد مايرز عبّر عن رأيه بهذه المواجهة المستمرة قائلاً: "ان العراقيين لا يملّون من القتال". ولم يستبعد احتمال اندلاع حرب أهلية اذا ما أجريت هذه الانتخابات بالصيغة المطروحة وتم فرضها على العراقيين فرضاً.
وليس هذا رأي الجنرال المدرك لحجم الورطة التي تعيشها قواته على الأرض بل الرأي السائد في كل مكان، ولعل أكثر الأمثلة تعبيراً عن ذلك ما شاهدناه من مواقف في انتخابات أخرى. ففي الوقت الذي وصل فيه مبعوثو ستين دولة الى الأراضي المحتلة للاشراف على الانتخابات الفلسطينية التي تمّت هي الأخرى تحت الاحتلال (ولكن دون سيطرة العملاء)، فان أحداً من الدول التي شاركت في ترتيب عملية تنظيم الانتخابات العراقية لم يُعلن، اثر اجتماعها في أوتاوا، عن رغبته في المشاركة بالاشراف عليها، خوفاً على رعاياه، واكتفى الجميع باعتماد طريقة غريبة ولا سابق لها عوضاً عن ذلك، قضت بتشكيل لجنة تتخذ من العاصمة الأردنية مقراً لها لمراقبة هذه الانتخابات من بعيد عبر الهاتف أو "الانترنت"!
ومن الآن وحتى الثلاثين من الشهر الحالي، الموعد المقرر لتمرير هذه الانتخابات بالقوة والاكراه، تبقى ساحة النضال الفريدة من نوعها في التاريخ مفتوحة على كل الاحتمالات الايجابية في محصلتها النهائية، رغم أنها الساحة الوحيدة التي لم تتلق دعماً ولا تأييداً من القريب أو البعيد، عربياً ودولياً، وفي هذه النقطة بالذات تكمن عظمتها المضافة، ومن يعش... سيرى.
شبكة البصرة
شبكة البصرة
نبيل أبو جعفر - باريس
لو لم تكن صيغة الحكم القائم في العراق بعد احتلاله مفضوحة على رؤوس الأشهاد، لكان من الممكن أن يتصوّر المتتبّع لتصريحات كل من رئيسي الجمهورية والوزارة المعيّنين من قبل الأميركان غازي الياور واياد علاوي الأخيرة على وجه التحديد، أن الأميركان هم الذين يعملون عند هذين الرجلين، وانهما هما اللذان يحركان ادارتهم ممثلة برئيسها ووزارة دفاعها واستخباراتها، ويصدران لهم الأوامر!!
ففي الأيام الأواخر من السنة الماضية أطلق الياور تصريحاً عنترياً أكّد فيه على ضرورة أن يكون للعراق "الجديد" أنياب حتى لا ينهشه الآخرون! وبعد عدة أيام، أي في مطلع السنة الجديدة طلع علاّوي بتصريح آخر أغرب منه، هدّد فيه بنقل المعركة التي يشنّها "الارهابيون" على حد تعبيره الى عواصم الدول المجاورة التي تدعمهم، مع أن العلاوي وقوات الاحتلال التي عيّنته لم يستطيعا حتى الآن التخفيف من حدة عمليات المقاومة المتصاعدة من أقصى جنوب العراق الى أقصى شماله، فضلاً عن سيطرتها العملية على مداخل العاصمة الرئيسية الستة، تمهيداً لما يجري توقّعه منذ فترة حول اقتراب معركة بغداد الكبرى، وصولاً الى امساك المقاومة بقرار المواجهة من حيث المكان والزمان.
ومع أن العلاوي – شخصياً- لا يقوى على التحرك كسائر بني البشر، ويستخدم طائرة الهيلوكوبتر في تنقلاته من مبنى لآخر أحياناً، مع أن "نصف قوات الاحتلال"، كما يتردد سخرية منه مُخصّصة لحمايته، إلا أنه مصرّ على الظهور بمظهر الحاكم، الذي يأمر فيُطاع، حتى أنه لم يتردد عن القول ذات مرّة قُبيل بدء العدوان الأخير على الفلوجة أنه قد أصدر "أوامره" الى الحرس الوطني والقوات المتعددة الجنسية باجتياح المدينة!
العودة لمسدس "الكاوبوي"!
وبالعودة الى التصريحين الغريبين وتوقيتهما، نرى أنه لم يمض أكثر من بضعة أيام عليهما، حتى فاجأتنا مجلة "نيوزويك" في عددها الأخير بخبرٍ يكشف عن انهماك وزارة الدفاع الاميركية بدراسة مشروع يقضي بتشكيل فرق اغتيالات من القوات الأميركية الخاصة لارسالها الى العراق، بهدف تعقُّب تيارات المقاومة واغتيالهم"!"، وأن هذا المشروع في رأي "البنتاغون" أصبح الوسيلة الوحيدة المتبقية أمامه للاقتصاص من "الارهابيين"، وهو يتلخّص على حد التعبير الذي نقلته "النيوزويك" باستبدال استراتيجية الدفاع بالهجوم، وكأن وجود قوات الاحتلال في حدّ ذاته لا يمثّل أكبر هجمة ارهابية يشهدها التاريخ المعاصر، الى جانب هجمة حليفها الكيان الصهيوني! وكأن قيادة المقاومة في المقابل، مرصودة من قبلهم، ومتواجدة تحت أعينهم وملك يمينهم، كما لو كان كل واحد منهم كعملائها المتسكّعين في شوارع وحانات سائر عواصمنا العربية الأخرى!
وعلى ذمة "النيوزويك" فان مهمة هذه الفرق لا تقف عند هذا الحدّ الذي يبدو ترجمة "لأوامر" الياور حول ضرورة وجود الأنياب، لا سيما وأنها ستقوم أيضاً بتدريب قوات عراقية خاصة على تنفيذ مثل هذه العمليات، تضم عناصر من الحرس الوطن، والميليشيات الكردية والشيعية، بل تتعداه الى ما يمكن اعتباره ترجمة "لأوامر" علاوي أيضاً حول نقل المعركة الى بعض عواصم الجوار، من خلال عدم استبعادها قيام هذه الفرق بمد يدها الضاربة الى خارج العراق وعبر الحدود السورية على وجه التحديد!
الرعونة وليدة العجز
طبعاً يبدو من السذاجة التساؤل هنا، وفي حال تشكيل هذه الفرق وارسالها الى العراق لتنفيذ مهامها: في أي قائمة من النشاطات يُمكن أن تُدرَج هذه المهام، أياً كان منفذها، سواء قوات الاحتلال أم القوات العراقية التي سيجري تدريبها؟ واذا كان فعل المقاومة المشروع للدفاع عن أرضها تُطلق عليها قوات الاحتلال صفة الارهاب، فأي صفة يمكن أن تُطلقها على قيامها هي، وعن سبق تصوّر وتصميم بتصفية الناس جسدياً عن طريق الاغتيال؟
لا شيء يمكن أن يُفسّر هذه الخطوة الأميركية الرعناء إلا بالعجز الكامل عن مواجهة حالة المقاومة التي أذهلت العالم. لقد كابَرَ الأميركيون كثيراً بعد احتلال العراق، وقاموا باخفاء هذه الحقيقة شهوراً عديدة، وصوّروا للعالم أن العمليات الأولى للمقاومة ليست إلا ردود فعل بائسة كمجموعة تلفظ أنفاسها الأخيرة، لكنهم سرعان ما عادوا الى الاعتراف بلسان قادتهم العسكريين أن "أوضاع العنف تزداد يوماً بعد يوم" وانهم كلما اعتمدوا خطة جديدة لمواجهة استراتيجية المقاومة – على حدّ قول شارلز هيلمان رئيس تحرير موسوعة جينز العسكرية – تقوم المقاومة بتغيير استراتيجيتها. وباختصار أكثر"انهم عدو متطوّر للغاية" على حد التعبير الحرفي للميجر جينرال ستيفان سبيك.
ومع تصاعد عمليات المواجهة وتطوّر أساليبها، لم يعد يقتصر الاعتراف على تصريحات فردية لقادة ميدانيين، بل وصل الى حد الاستنجاد الرسمي بالادارة المركزية في واشنطن لمواجهة هذا الموقف. وتُنبؤنا المعلومات المسرّبة من قبل أجهزة الاعلام الأميركية ذاتها عن تفاصيل بعض التقارير التي أرسلها قادة قوات الاحتلال الأميركي، وعن تفاصيل تقارير أخرى أكثر صراحة بعثها مدير محطة الاستخبارات المركزية الأميركية في بغداد، وهي الأكبر في العالم هذه الأيام، وتضمّ حسب المصرّح بنشره اكثر من 300 عنصر، يعرب فيها عن تشاؤمه الكبير من حجم التدهور المتسارع للأوضاع في العراق الذي "لن يعود الى سابق عهده في وقت قريب" كما قال في احداها.
أي سرّ في المقاومة؟
وقد تطابق هذا الكلام مع ما ورد في تقارير أخرى وصلت الى رئاسة "السي.آي.ايه" في واشنطن، بعد اعلان قوات الاحتلال عن سيطرتها على مدينة الفلوجة، واعتبارها المجازر التي ارتكبتها ضد أهلها انتصاراً للقوة "الأعظم" على هذه المدينة المقاومة. وتعترف احداهما صراحة، وهي التي نشرت بعض محتوياتها صحيفة النيويورك تايمز يوم 18/12/2004 بقدرة المقاومة – رغم الخسائر التي تتكبّدها – على منع قوات الاحتلال من تحقيق أهدافها فيما يتعلق بتشكيل "قوات أمن عراقية فعلية"، أو ضمان اجراء الانتخابات في موعدها.
أما الأكثر منها صراحة فتشير الى أن تزامن ضربات المقاومة بشكل دقيق، وانتقالها من هدف لآخر بشكل يدعو للدهشة، لا يدع مجالاً للشك بعلم المقاومين المسبق بتنقلات "القوات المتعددة الجنسية" وقوافل الامدادات الخاصة بها، ولكن، اذا كان هذا الأمر مؤكداً من قبل الأميركان فان الذي يقلقهم أن قواتهم بكل الامكانات التكنولوجية التي تملكها، وجيش الجواسيس الذين أتوا على دباباتها، لم يستطيعوا حتى الآن اكتشاف الوسيلة، أو تحديد هوية "عملاء" المقاومة المتواجدين داخل صفوف قوات الاحتلال..
ويأتي التصعيد النوعي المتسارع لفعل المقاومة العراقية كلما تسارعت عقارب الساعة نحو الموعد المحدد للانتخابات، كي يحول أولاً دون فرض ارادة الاحتلال بتعيين من يريد من اتباعه عن طريق ديمقراطية مزيّفة كزيف الادعاءات التي اتّخذت ذريعة لعدوانه، وكي يحول أيضاً دون اتخاذ هذه الانتخابات غطاءً لنجاة الدولة الأقوى من المستنقع الذي غاصت فيه، واللجوء الى اعتماد اتباعها المنتخبين لادارة شؤون مستعمرتها الجديدة دون أن تتكبد هي هذا الكم الهائل من الخسائر المتلاحقة على مدار الساعة.
ولا ريب أن هذين السببين كانا وراء بلورة مواقف العديد من القوى العراقية التي كانت مترددة في حسم موقفها من موضوع الانتخابات، أو حتى المؤيدة لها، وتتبعهم بعض اركان الحكم المعيّنين من قبل الأميركان كوزير الدفاع حازم الشعلان ووزير الكهرباء أيهم السامرائي الذي توقّع في حوار له على شاشة "الجزيرة" أن تسود الفوضى الشاملة أرض الرافدين اذا ما تمّت هذه الانتخابات كما يريد الأميركان.
ورطة لا مهرب منها الا بالهرب النهائي
والذي يُجيّر الأميركان أمام هذا الوضع، انه اذا كان المشهد المتفجّر يومياً بعشرات العمليات التي تتصاعد كالخط البياني في وجه الاحتلال هو الحالة السائدة قبل تمرير الانتخابات، بما يعكسه ذلك أيضاً من قدرة المقاومة على اقتناص أهدافها المميزة في وضح النهار، كاغتيال محافظ بغداد وعدد من أعضاء اللجنة المشرفة على الانتخابات، والمسؤولين السياسيين والأمنيين، فكيف يمكن أن يكون هذا الوضع اذا تمّ تمرير الانتخابات عن طريق العربدة والتزوير، أو تمّ تأجيلها بفعل ضربات المقاومة. وضغط الأصوات المعارضة لاجرائها، الأمر الذي سيشكل في كلتي الحالتين ورطة للاحتلال لا مهرب منها في النهاية الا بالهرب من البلد كله.
رئيس أركان القوات الأميركية المحتلّة الجنرال ريتشارد مايرز عبّر عن رأيه بهذه المواجهة المستمرة قائلاً: "ان العراقيين لا يملّون من القتال". ولم يستبعد احتمال اندلاع حرب أهلية اذا ما أجريت هذه الانتخابات بالصيغة المطروحة وتم فرضها على العراقيين فرضاً.
وليس هذا رأي الجنرال المدرك لحجم الورطة التي تعيشها قواته على الأرض بل الرأي السائد في كل مكان، ولعل أكثر الأمثلة تعبيراً عن ذلك ما شاهدناه من مواقف في انتخابات أخرى. ففي الوقت الذي وصل فيه مبعوثو ستين دولة الى الأراضي المحتلة للاشراف على الانتخابات الفلسطينية التي تمّت هي الأخرى تحت الاحتلال (ولكن دون سيطرة العملاء)، فان أحداً من الدول التي شاركت في ترتيب عملية تنظيم الانتخابات العراقية لم يُعلن، اثر اجتماعها في أوتاوا، عن رغبته في المشاركة بالاشراف عليها، خوفاً على رعاياه، واكتفى الجميع باعتماد طريقة غريبة ولا سابق لها عوضاً عن ذلك، قضت بتشكيل لجنة تتخذ من العاصمة الأردنية مقراً لها لمراقبة هذه الانتخابات من بعيد عبر الهاتف أو "الانترنت"!
ومن الآن وحتى الثلاثين من الشهر الحالي، الموعد المقرر لتمرير هذه الانتخابات بالقوة والاكراه، تبقى ساحة النضال الفريدة من نوعها في التاريخ مفتوحة على كل الاحتمالات الايجابية في محصلتها النهائية، رغم أنها الساحة الوحيدة التي لم تتلق دعماً ولا تأييداً من القريب أو البعيد، عربياً ودولياً، وفي هذه النقطة بالذات تكمن عظمتها المضافة، ومن يعش... سيرى.
شبكة البصرة