حديث الرحيل .. الانسحاب الكامل أو .. الانسحاب الكامل ..

[القادم]

شبكة البصرة

د قيس محمد نوري

علنا يتحدثون هذه المرة عن الرحيل .. في البداية يشير الباحثون في مراكز الأبحاث إلى الخيارات المتاحة مع تأكيدهم بضرورة أعاده النظر في حجم التواجد الأمريكي في العراق وكلفتة العالية على الخزانة الأمريكية (نحو 5 /4 مليار دولار شهريا) .. بعد هذه المقدمات يدلي الخبراء ، عسكريون ومدنيون بتصريحات علنية عن حجم المأزق الأمريكي في العراق وضرورات المعالجة ..

بعد هذا وذاك تخرج الصحافة لتقول علنا : كيف يمكن فك الارتباط الأمريكي في العراق (نيويورك تايمز 10/1/2005) ..

إنه إذا تدرج فني محسوب لقرار أتخذ في واقع الآمر .. السبب في هذا التراجع والذي قدر بقاء قوات الاحتلال في العراق طبقا لتصريح سابق لرئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة بحدود 5ـ10سنوات ، السبب بلا جدال هو القلق من الكم المرعب من الخسائر البشرية في صفوف الجيش الأمريكي ، حسب صحيفة نيويورك تايمز ..

بعض التحليلات الصحفية العربية وأخرى أوربية تشاركها الرأي تقول : أن الأمريكان حائرون ماذا يفعلون .. هل هذا صحيح .. الأمريكان حائرون ؟ على الأغلب أنهم يعرفون ما يفعلون ، ولكن كيف سيفعلون ؟ الكيف هنا مهمة ، خاصة فيما يتعلق بالأهداف الاستراتيجية الأمريكية بتدمير العراق كقوة رئيسية شرق المتوسط ، وهو هدف أصيل من الأهداف الأمريكية والصهيونية ..

نعود إلى فكرة كيف ستتصرف الولايات المتحدة إزاء مسألة (فك الارتباط) .. المتصور أنها سوف تعمد إلى :

أولا : أن فكرة (فك الارتباط) تعني في أذهانهم محاولة التخلص من الجغرافية الساخنة في أجزاء معينة من العراق ..

ثانيا : هذا يعني تنظيم انسحاب بعد مهزلة الانتخابات ، وبغض النظر عما تسفر عنها ودرجة مصداقيتها ، إلى جغرافية يتصوروها آمنة تتمثل في مناطق في الجنوب والشمال ..

ثالثا : هذا السيناريو يحقق لهم عمليا واقع تقسيمي (عرقي وطائفي) ممسوك عسكريا على الأرض (أشار أليه كيسنجر صراحة في أخر تعليق له) .

رابعا : تأمين سيطرتهم على منابع نفوط الجنوب والشمال ، من بينها كركوك ، وتأمين العمليات الاستخراجية بأجواء يعتقدونها أكثر أمنا .

خامسا : هذا الانتشار الجديد يؤمن لهم تحقيق فكرة تقليل حجم القوات خاصة وأن هذه القوات سوف يكون عمقها في الجنوب ، القوات الأمريكية المتواجدة في الكويت ، أما قوات الشمال فسوف تكون مؤمنة ومتصلة بعمق البيشمركة الكردية ، وفي كلا الحالتين فأن تقليص عدد القوات سوف لن يؤثر بشكل جدي على المغزى الأساس من التواجد الأمريكي في العراق .

سادسا : يستطيع الأمريكان ، وفق ما عرف عنهم من منطق تبريري مشحون بالتضليل ، القول إن هذا الإجراء يهدف إلى منع وقوع حرب أهلية (كثر الحديث عنها مؤخرا) ..

بعد هذا، يبقى السؤال .. هل أن مثل هذا الإخراج كفيل بإنقاذ أمريكا من ورطتها في العراق؟

الجواب على ذلك يحيلنا إلى ستراتيجية المقاومة التي أعلنت وحددت وبوضوح لا يقبل التأويل ،أن مشروعها تحرير كامل التراب العراقي مما يعني أن ليس هناك جغرافية آمنة للقوات الأمريكية في العراق بل أن هذا الأجراء سوف يسرع في تفعيل المقاومة في الجنوب والشمال معا ، ناهيك عن خسران بعض الأطراف التي تحلم بالانفصال والتموضع الطائفي والعرقي مستغلة حراجة الموقف الأمريكي بفضل قوة وتصاعد المقاومة ، مما يتطلب من أطراف حلم الانفصال أعاده التفكير في الطريقة التي تستوجب التعامل بها مع المحتل بعد تبخر الأحلام التجزيئية المباشرة ..

أمريكا في ورطة حقيقية وليس أمامها ألا الانسحاب الكامل أو .. الانسحاب الكامل ..

لكن تبقى مشكلة الكيفية شرط الاحتفاظ بالقليل من ماء الوجه ..

شبكة البصرة

الثلاثاء 30 ذي القعدة 1425 / 11 كانون الثاني 2005