المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : زلزال جهيمان في مكة 2



رجل المعارك
04-01-2005, 06:38 PM
الجزء الثاني

الثائرين بعد أربع وعشرين ساعة من وقوع الحادث، وبعد تسرب الأنباء حول الاعتصام بداخل الحرم، نطق الحكم السعودي كفراً بعد أن صمت دهراً.. وتمثل الرد في أمرين، الأول: قالت مصادر سعودية مقربة من الملك السعودي الحالي (فهد) والذي كان حينها ولياً للعهد، يحضر اجتماعات القمة العربية في تونس، معلقة على تصريح الناطق بلسان وزارة خارجية أميركا: (إن هذا الحادث أقل أهمية بكثير مما ألمحت إليه وزارة الخارجية الأميركية)[1].. وهذا التصريح هو محاولة للتقليل من الحادث الذي تصور آل سعود أنه سينتهي خلال يوم أو يومين.. والأمر الآخر، هو البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية السعودية في صباح 21/11/1979م، والذي جاء متأخراً يوماً كاملاً.. وأهم ما في البيان أنه أعلن وجود الحدث الذي سبقهم إليه غيرهم.. وأما بقيته فهو تهم وشتائم ليس إلا.. يقول البيان: (اغتنمت زمرة من الخارجين على الدين الاسلامي صلاة الفجر يوم الثلاثاء 1/1/1400ه‍، وتسللت إلى المسجد الحرام، ومعهم بعض الأسلحة والذخيرة.. وقدموا أحدهم إلى جموع المسلمين المتواجدين بالمسجد الحرام بمكة المكرمة لأداء صلاة الفجر مدعين لهم بأنه المهدي المنتظر، ونادوا المسلمين المتواجدين بالمسجد الحرام للاعتراف به بهذه الصفة وتحت وطأة السلاح منهم.. وقد قامت السلطات المختصة باتخاذ كافة التدابير للسيطرة على الموقف، وبناءاً على فتوى من العلماء جميعاً اتخذت الاجراءات لحماية أرواح المسلمين المتواجدين بالمسجد الحرام.. وسوف تقوم وزارة الداخلية بإصدار بيان لاحق يوضح ما يستجد بشأن هذا الحادث إن شاء الله).. ولنا هنا بعض الملاحظات على هذا البيان: الأولى: الحكم السعودي نعت ولازال ينعت كل المعارضين لحكمه الفاسد والمخالف للشرع بـ (الخوارج)، وهذا هو دأب الحكم السعودي منذ تأسيسه وحتى الآن.. والسبب في استخدام الحكم السعودي لهذا النعت، هو إيهام الرأي العام المحلي والخارجي بأنه قائم على أساس من الدين والعقيدة، وعليه فإن من يخرج على الحكم السعودي الفاسق فانه يخرج من دين الله.. ولقد كان الشهيد جهيمان عالماً بهذه الحقيقة، ويشهد على ذلك كتاباته، وكأنه يتوقع من الأسرة الحاكمة أن تطلق عليه هذا النعت (الخوارج) قبل أن يقوم بانتفاضته.. وهنا لا يسعنا إلا أن ننقل مقتطفاً طويلاً من كراس منشور للمرحوم جهيمان بإسم (الامارة والبيعة والطاعة، وكشف تلبيس الحكام عن طلبة العلم والعوام) حول هذه المسألة.. يقول جهيمان مدافعاً (عن الاخوان) السابقين الذين هم أجداده، والذين أسسوا الحكم السعودي وكانوا الجيش الأساسي للملك عبد العزيز، والذين فتك بهم الملك المؤسس وقتلهم بذات التهمة (الخوارج) ما يلي: (ولم تستطع هذه الدولة ـ دولة آل سعود ـ أن تفعل ما تفعله من التلبيس والتدليس، إلا لأن رعيتها ومن هم في قبضة أيديها كأرانب، دفعت عليها الغنم لاصطيادها وقتلها، ومن كانت هذه صفته فهو يستحق ما يناله، وبذلك تجد المغرورين من هذه الرعية رؤساء في الدنيا، أتباعاً في الدين لكل ناعق.. وتجد حكمهم وسلطانهم ـ أي حكم آل سعود وسلطانهم ـ قائماً على ثلاث قواعد من حيث معاملة أهل العلم والدين.. إن وافقتهم وسكت عن باطلهم قربوك واتخذوك حجة على من خالفهم، وإن سكت عنهم سكتوا عنك، وربما زادوك وأرسلوا لك الهدايا، وذكروا في حقك هذا الحديث "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" ـ رواه البخاري، وهي كلمة حق أريد بها سكوت عن باطل.. وإن خالفتهم قتلوك بشبهة يسكتون بها الأرانب، فيقولون هو "خارجي"، مع ان أرنبهم لا تعرف معنى "الخارجي".. وأقرب مثال وأوضحه، مؤسس دولتهم والمشايخ الذين كانوا معه في سلطانه، وهم ما بين موافق له ومعزز له بما يشاء، وآخر ساكت عن باطله، وآخر التبس عليه الأمر.. فقد دعا "الاخوان" رحمهم الله الذين هاجروا في القرى المختلفة هجرة لله عز وجل، دعاهم إلى بيعته على الكتاب والسنة، فكانوا يجاهدون ويفتحون البلاد، ويرسلون له بما للامام من الغنائم والخمس والفيء ونحو ذلك، على أنه إمام المسلمين، ثم لما استقر سلطانه وحصل مقصوده، والى النصارى، ومنع مواصلة الجهاد في سبيل الله خارج الجزيرة.. فلما خرجوا، لقبهم هو ومشايخ الجهل الذين معه، لقبوهم بإسم يكرهه أهل الاسلام وهو "الخوارج"، مع أن الاخوان رحمهم الله، لم يخرجوا عليه ولم يخلعوا يداً من طاعة، وإنما لم يطيعوه حينما نهاهم عن الجهاد، وهذا هو الواجب لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما الطاعة في المعروف" ـ متفق عليه، وقوله: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" ـ رواه أحمد وهو حديث صحيح. فيتبين لك ضلالهم في حكمهم على من خالفهم أنه "خارجي"، ولكنهم يلبسون على عوام المسلمين الذين لا يتبصرون في دينهم، ويجدون من مشايخ الضلال من يعطيهم الفتاوى، بلا تورع ولا تقوى.. وليس لنا مراد في الخوض في الأموات، فقد افضوا إلى ما قدموا، ولكن لأمرين: الأمر الأول: دفع الشبهة عن إخواننا الذين جاهدوا في سبيل الله، وكانوا صادقين مع الله، ثم مع ذلك تلبسهم هذه الدولة ـ السعودية ـ وعلماء السوء لباس الخوارج المارقين من دين الاسلام.. حتى أنك لتجد اليوم من أهل الخير الملتبس عليه أمرهم من لا يترحم عليهم "سبحانك هذا بهتان عظيم".. ولا غرابة في ذلك من أهل ملك يريدون تثبيت ملكهم، وإنما الغرابة ممن يدعي الصلاح والخير، ثم يتهم المؤمنين بما هم منه براء.) ـ ويضيف ـ: (وبعدما لقبهم عبد العزيز بالخوارج، حمل إخوانهم الذين لم يخرجوا معهم على قتالهم، فخرج بهم على طريقهم وبدأهم بالقتال.. فلما قتلهم وشتتهم، واستقر سلطانه الجبري، والى النصارى، وعطل الجهاد في سبيل الله، وفتح من الشر أبواباً مغلقة. ثم واصل السير على نهجه أبناؤه من بعده، حتى وصلت بلاد المسلمين إلى ما وصلت إليه اليوم من الشر والفساد.. فنقول الآن: أين الحكم بالكتاب والسنة الذي ادّعوا الحكم به أول ملكهم، ويدعيه كل من تجددت له بيعة منهم؟، أم أن الأمر كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث: "وإن طالت بك حياة لتجدن الولد يشابه أباه" ويشعلون الحرب بين المسلمين ويسيرون بعضهم على بعض. الأمر الثاني: حملنا على الكلام في تاريخ هذه الدولة مع أهل الحق الصادقين، وتلقيبهم "بالخوارج" تلبيسا على العوام الجهال، أنه لا يزال إلى اليوم من هو على هذه الضلالة من مشايخ الجهل والضلال، ويعتقدون أن الاخوان الماضين "خوارج"، ويسمون من يدعو إلى الحق الذي جاء في الكتابة والسنة اليوم "خوارج" ويفتون بقتله.. الخ).. هذا الرد من قبل جهيمان، وقبل أن تعمم الأسرة الحاكمة صفة "الخوارج" التي أطلقتها ضده بعد الانتفاضة، على العالم الاسلامي، يوضح بصورة مطلقة كيف أن آل سعود ومشايخهم يستخدمون أقذع العبارات ضد معارضيهم ويجردونهم من إسلامهم، رغم أن هؤلاء ما ثاروا وانتفضوا إلا من أجل الاسلام.. والغريب أن الأسرة الحاكمة ومن خلال بيان وزارة الداخلية، لم توضح هوية المعتصمين في الحرم، ولا جنسياتهم، ولا مطالبهم، ولا عددهم، ولا نوعية سلاحهم، كل هذا لم تشر السلطة إليه، إنما أشارت إلى التعريف الذي تطلقه اعتباطاً وبسهولة على أنهم "خوارج" وكفى! الثانية: تعمد البيان الحكومي إغفال الهدف من الاعتصام، ولكنه أوحى بأن الهدف هو مبايعة "المهدي المنتظر" فحسب، وتحت وطأة السلاح أيضاً.. ورغم أن مبايعة ما أسمي بالمهدي المنتظر كان قد وقع في الحرم بالفعل، ورغم أنه لم يتم تحت وطأة السلاح كما زعمت السلطة وبيانها، رغم هذا فإن البيان أراد حصر أهداف المعتصمين في مسألة المهدي فقط، وتجاوز الاهداف الدينية والسياسية المعلنة. ومن المعلوم أن جميع المسلمين "سنة وشيعة" يعتقدون بالمهدي المنتظر، كل حسب اجتهاداته، لذا أراد البيان أن يشغل العالم بتفاصيل هذه المسألة لاهمال الجوانب الأخرى من العملية. الثالثة: زعم البيان الحكومي ـ وبحجة الحفاظ على أرواح المسلمين في داخل الحرم ـ أن الحكومة اتخذت تدابير أمنية من أجل ذلك بناءاً على فتوى جميع العلماء.. ويتوضح هنا حرص الحكومة على ذكر "جميع" العلماء، بيد أن الحقيقة التي ظهرت هي أن العلماء لم يصدروا حتى ذلك التاريخ "صباح 21/11/1979م" أي فتوى، وإنما أرادت الأسرة الحاكمة أن توهم الناس بأن أعمالها العسكرية التي بدأت بها نالت الموافقة الشرعية المسبقة، لحماية أرواح الحجاج.. وقد تبين فيما تبين أنه لم تكن هناك أي رهائن لدى المعتصمين، الذين زعمت أجهزة الاعلام أنهم بقبضتهم، وما كان التشديد على وجود رهائن إلا من أجل أن يسبغ على التحرك العسكري السعودي صفة الشرعية والدفاع عن الأرواح البريئة.. والأكثر من هذا أن محمد عبده يماني وزير الاعلام السعودي أشار في لقاء له مع مجلة الحوادث "18/1/1980" إلى أن السلطة تصورت في البداية أن القائمين بالعملية هم بعض المشايخ.. فكيف تحول هؤلاء المتهمون إلى موقف الحكومة الذي يطالب بمداهمة الحرم عسكرياً رغم أن ولاء بعضهم للعائلة الحاكمة ـ على الأقل ـ مشكوك به؟، وكيف يبرر البيان تأكيده على وجود فتوى من "جميع" العلماء؟! [1] ـ وكالة الأنباء الفرنسية 21/11/1979م.
الثوار كما يعرفهم آل سعود:
بعد أربع وعشرين ساعة من وقوع الحادث، وبعد تسرب الأنباء حول الاعتصام بداخل الحرم، نطق الحكم السعودي كفراً بعد أن صمت دهراً..
من السهل أن يلقي النظام التهم والألقاب السيئة التي يريدها ويجد لها من يروجها..
فأولا.. لا ينقص آل سعود الأجهزة الاعلامية المتطورة، ولا ينقصهم تعاطف الصحافة الغربية والاعلام الغربي، إضافة إلى أن الاعلام الرسمي العربي والاسلامي معها.. هذا لا ينقصهم
وثانيا.. وهو الأهم، أن أمراء الأسرة الحاكمة، لا يحكمهم وازع من دين فيحاسبوا أنفسهم في تصرفاتهم "أقوالهم وأفعالهم"، وما داموا طلاب ملك، ويدافعون عن ملكهم، فلا يهمهم الوسيلة بعدئذ..
ولذا لم يدخر أي مسئول سعودي أو أمير صغير من أمراء الأسرة المالكة وسعاً في إلقاء التهم والنعوت التي يريدون على المعتصمين داخل الحرم.. خصوصاً وأن هؤلاء الأخيرين لم يكونوا يملكون أي توجه إعلامي يفند للعالم مزاعم الحكم السعودي، وهكذا بقيت التعريفات السعودية للثوار التي أطلقها آل سعود سيدة الساحة الاعلامية، تلوكها الصحف الأجنبية والعربية، وتنقلها عن بعضها البعض..
في السابق ، كان السعوديون يواجهون القوى الوطنية المعارضة لحكمهم بأنها شيوعية تريد القضاء على الاسلام الذي جاء آل سعود لاحيائه والدفاع عنه (...).. ولكن ما عساهم أن يقولوا اليوم والحركة الاسلامية تقف بشموخ في ساحة المعركة، وفي مواجهة حكمهم الفاسد من أجل تطبيق حكم الاسلام العادل؟!
لابد أن تتغير الاتهامات بالطبع.. فلا يمكن أن يمرروا على المسلمين بأن هؤلاء شيوعيون يريدون القضاء على الاسلام.. وإنما هناك صفات لابد أن تبتدع لمواجهة مثل هذه الحالة..
ولذا كان من جملة الأوصاف السعودية التي اطلقت على جهيمان وصحبة، "التطرف".. "الهوس الديني".. "الجنون".. "الغرور".. "الخروج عن الدين".. "المروق والظلال، والكفر..الخ"..