المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاحتلال الامريكي...هل دخل مرحلة التداعي؟



خطاب
26-12-2004, 06:34 PM
الاحتلال الامريكي...هل دخل مرحلة التداعي؟!

شبكة البصرة

ياسر سعد

لم يكن أشد المتفائلين بالمقاومة العراقية ليتخيل ان تلك المقاومة ستصل الى مرحلة متقدمة من الفاعلية والقدرة في فترة قصيرة من الزمن الى درجة تجعل من رامسفيلد وزير الدفاع الامريكي المشهور بلغته الاستعلائية وبنبرته المتغطرسة يبث في مؤتمر صحفي اشجانه وهمومه ويتحدث عن ارقه وقلقه بلهجة منكسرة ولغة حزينة, وتؤدي بالرئيس المنتصر انتخابيا بوش الى تغيير خطابه من هجومه الكاسح المعتاد الى الدفاع وعن من؟! عن وزير دفاعه الذي يحتاج الى من يدافع عنه حاله حال جنوده المنتشرين في العراق. كتبت مقالا في وقت سابق تحت عنوان : العراق..تصدعات في العسكرية الامريكية!! ولم أكن لاتصور ان الانتقال من مرحلة التصدعات الى ما احسبه مرحلة التداعيات سيكون بهذه السرعة. حدثين كبيرين وقعا على الساحة العراقية مؤخرا ربما شكلا منعطفا حاسما في الحرب الدائرة رحاها على ارض الرافدين, مما قد يؤدي اذا ما استمرت وتيرة الاحداث بهذا الايقاع الى طرح مسألة الانسحاب الامريكي من العراق كواحد من الخيارات المرة امام صانع القرار الامريكي.

عملية الموصل شكلت ضربة موجعة للغاية لقوات الاحتلال من جميع المناحي العسكرية والاعلامية والنفسية والمعنوية. فالتوقيت جاء بعد الانتصار الامريكي الاعلامي في الفلوجة والذي تحقق في الساعات الاولى من خلال تصريحات قاسم داوود وعلاوي وغيرهم, يفترض بعد معركة الفلوجة ان تهدأ الاحوال خصوصا وان تلك المعركة أدت الى قصم ظهر التمرد حسب مصدر عسكري امريكي رفيع. واذا تذكرنا ان الاستعدادات التي تمت لمعالجة مسألة الفلوجة أخذت وقتا طويلا وتصريحات ومناورات دبلوماسية من علاوي وغيره واضطرت القوات الامريكية خلالها للاستعانة بالقوات البريطانية في محيط بغداد مما سبب صداعا سياسيا لتوني بلير. فما عساها تفعل قوات الاحتلال وقد بدا عليها الانهاك واضحا فيما توسعت اضلاع مثلث المقاومة ليصل الى الموصل -والتي شهدت الحادثتين الاكثر فداحة في الخسائر الامريكية سقوط الطائرتين سابقا وتفجير القاعدة الان- في الوقت الذي اعلنت فيه المجرعن سحب قواتها واصرار هولندا ان تفعل الشئ ذاته في مارس القادم رغم الضغوط الامريكية البريطانية عليها فيما تعتزم بولندا سحب ثلث قواتها في فبراير القادم . الخسارة الاعلامية في عملية الموصل كانت محرجة للامريكان, فالخبر تم بثه اولا وبالتفصيل عبر موقع مجهول على الانترنت, كانت وكالات الانباء وهي تسوق الخبر منه وعنه تشكك في مصداقيته وصدقيته, ومن بعد ظهر ان اخبار ذلك الموقع اكثر دقة ووضوحا من الاعلان الامريكي والذي تخبط في شرح سبب الحادث من صاروخ الى اربع الى عملية انتحارية في نهاية المطاف, من الواضح ان الاعلاميين سيأخذون على مأخذ الجد ما تذيعه تلك المواقع التي تزعم انها تتحدث باسم المقاومة او بعض فصائلها مما يشكل خسارة لامريكا في الساحة الاعلامية التي تفردت فيها خصوصا بمنعها لكثير من المراسلين العرب من تغطية الاحداث في العراق.

الحدث الثاني المهم في التطورات العراقية المتلاحقة ايقاعا والمتلاطمة مستجداتا هو في قرار شركة امريكية كبرى ولاول مرة منذ الاحتلال الامريكي للعراق الانسحاب من البلاد بسبب الظروف الامنية.

فقد قالت صحيفة لوس انجليس تايمز ان شركة كونتراك انترناشونال الامريكية تخلت عن عقود بملايين الدولارات للمشاركة في جهود اعادة الاعمار في العراق بسبب التكاليف الامنية الباهظة، لتسجل سابقة في هذا المضمار. وكانت الشركة قد حصلت علي 12 عقدا مربحا لاعادة الاعمار الا انها قررت التخلي عنها نظرا للتكاليف الامنية الباهظة. ونالت الشركة عقدا قيمته 325 مليون دولار لاعادة بناء نظام المواصلات العراقي المدمر. ومع ان هناك العديد من الشركات والمنظمات غير الحكومية قد قررت ايقاف عملياتها في العراق، الا ان كونتراك تعتبر الاكبر حتى هذا التاريخ. واذا استذكرنا ان الاستثمار الاهم امريكيا في العراق الجديد يكمن في ما يسمى بعملية إعادة الاعمار تلك العملية التي تصدرت قائمة الاهتمام الامريكي في نشوة الانتصار المؤقت بعد سقوط بغداد حين اصدرت الادارة الامريكية قائمة تشمل اسماء الدول التي يحق لها المشاركة فيما يسمى عملية اعادة الاعمار بناءا على مواقفها من الغزو الامريكي للعراق. اذا كان انسحاب كونتراك بداية لانسحابات مماثلة من الشركات الامريكية الكبرى فإن تخلي لوبي الاعمال المرتبط بكثير من صناع القرار الامريكي وباشكال متباينة وفراره من الساحة العراقية يفقد الادارة الامريكية حليفا مهما في المهمة العراقية والتي تبدو كالرمال المتحركة التي تزداد عمقا يوم إثر أخر.

إن تأملا هادئا بتصريحات رامسفيلد التي أطلقها في زيارتة المفاجئة للعراق بعد عملية الموصل لرفع معنويات جنوده تكشف بجلاء عن حاجة رامسفيلد نفسه لمن يرفع روحه المعنوية كما تحوى في طياتها على اعتراف مبطن بالهزيمه فهو يقول لجنوده بأن الوضع يبدو "معتماً" بالنسبة للقوات الأمريكية بالعراق، واضاف "ان بالامكان الانتصار في الحرب" وقال "لا اشك ان هذا ممكن" .رامسفيلد يتحدث عن امكانية الانتصار عوض التحدث باللهجة السابقة عن حتميته . وذكر رامسفيلد لاحقاً وهو يتحدث لحشد من جنود المارينز الذين شاركوا في الحملة الكبرى التي شنها الأمريكيون على مسلحين بالفلوجة:"الطريق مليئة بالعقبات وتكتنفها الصعوبات ... إنها غير معبدة أو سهلة لكي نتخطاها بنجاح، فهناك عقبات". وأضاف:"ولكنكم ستنظرون إلى الخلف عندما تكونون في مثل عمري وستفتخرون بأنفسكم". الجنود الامريكيون حسب رامسفيلد يحتاجون لعقود طويلة حتي يفتخروا بما يفعلونه الان.

من الواضح ان الحالة في العراق قد دخلت طورا جديدا ومن اليسير القول ان لا بوش ولا وزير دفاعه يقضون اعيادا سعيدة ولن تأخذهم كثيرا نشوة احتفالات اعادة تنصيب بوش المنتصر انتخابيا والقلق والمضطرب عراقيا. ليس من السهل التنبؤ بما ستؤول اليه الاحداث في العراق غير انه من المؤكد أن الاسابيع القليلة القادمة تحمل في إحشائها الكثير من المفاجأت والتطورات.

ياسر سعد - كندا

yassersaed@yahoo.ca

شبكة البصرة

السبت 13 ذي القعدة 1425 / 25 كانون الاول 2004