المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا الجهاد في سبيل الله ..؟ (الحلقة الأخيرة)



أبو العز الجبريني
10-05-2004, 02:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

إليكم أخوتي وأخواتي الأحبة في الله الحلقة الثالثة والأخيرة من هذا الموضوع المهم ، سائلا الله تعالى أن يتقبله وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به


لماذا الجهادُ في سبيل الله ..؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
من الحقائق التي يسلم بها جميع أصحاب العقول والفطر السليمة أن الله تعالى هو خالق الخلق .. وهو المالك الحقيقي لما خلق .. لا شريك له في الملك ولا في الخلق.
قال تعالى: وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير - الأنعام:73. وقال تعالى: الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار - إبراهيم:32. وقال تعالى: والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير -النور:45. وهذا لا خلاف فيه بين الشعوب وأهل الديانات كلها، كما قال تعالى: ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليوقلن الله فأنى يؤفكون -العنكبوت:61. وإنما حصل الخلاف فيما بينهم حول المعبود المستحق للعبادة، والطاعة، والتأله .. فحصل بسبب ذلك الخلاف الإشراك بالله .. وعبد من دونه من لا يجوز أن يعبد؛ لأنه مخلوق ضعيف لم يخلق شيئا .. وليس بقادر على أن يخلق شيئا، كما قال تعالى: أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون -الأعراف:191. وقال تعالى: أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون -النحل:17. لا يستوون مثلا ..! فالله تعالى هو الخالق لهذا الكون وما فيه؛ وبالتالي فهو المعبود بحق .. لا شريك له .. وهو وحده له الحكم والأمر دون أحد سواه ، كما قال تعالى: أَلا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين -الأعراف:54. فمالك الملك الذي له الخلق .. هو الذي له الأمر وحده .. وهو الذي يجب أن يطاع في ما يأمر به وينهى عنه .. أما الذي لا يخلق وهو يخلق .. ولا يملك وهو يملك .. لا يجوز أن يكون له شيء من الأمر .. كما لا يجوز أن يطاع في شيء مما يأمر به فيما لا يملكه ولا يخلقه! فالآمر الناهي هو الخالق المالك .. أما الذي لا يخلق ولا يملك .. فلا أمر له ولا نهي! هنا مكمن الخلاف والنزاع بين أهل الحق من أتباع الأنبياء والرسل .. وبين ما سواهم من الشعوب والأمم الضالة .. التي ضلت طريق التوحيد .. والعبودية لله وحده .. لتقع في أوحال الشرك .. وعبودية المخلوق؛ الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا! كل الأمم والشعوب الضالة .. على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم .. وأديانهم .. ومسمياتهم .. يشتركون في خصلة واحدة، وتوحدهم خصلة واحدة؛ ألا وهي عبادة المخلوق من دون الله .. وصرف الطاعة والتأله لهذا المخلوق من دون الله تعالى .. وإن اختلفوا فيما بينهم على صورة وشكل واسم هذا المخلوق! فهم وإن كانوا فرقا وشيعا شتى .. متنازعة ومختلفة فيما بينها .. إلا أنهم عندما تكون المعركة بين أهل الحق من أتباع الأنبياء والرسل .. وبين أهل الباطل من عبدة الأوثان والطواغيت .. تراهم جميعا صفا واحدا ضد الحق وأهله؛ لاشتراكهم جميعا في خصلة واحدة؛ وهي عبادة المخلوق من دون الخالق .. بغض النظر عن صفة وشكل هذا المخلوق .. كما قال تعالى: بعضهم أولياء بعض -المائدة:51. فالذي يوحدهم على الحق وأهله الشرك بالله .. وعبادة الطاغوت! الله تعالى يقول لعباده أنا المعبود المطاع .. لأنني أنا الخالق المالك .. وحقي عليكم أن تعبدوني لا تشركوا بي شيئا: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون -الذريات:56. وقال تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة -البينة:5. فيأتي الطاغوت المخلوق المملوك الضعيف الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ـ على اختلاف صوره ومسمياته ـ فيقول: لا .. بل أنا المعبود المطاع من دون الله .. ما علمت لكم من إله ومشرع ترجعون إليه في جميع شؤون حياتكم غيري .. ويجيش من أجل ذلك الجند والجيوش وكل من يدخل في حلفه وطاعته من دون الله! ومن خصائص الله تعالى وصفاته أنه غيور .. يغار على حرماته وعلى حقه على عباده .. فلا أحد أغير منه على الحرمات وعلى العباد، كما في الحديث الصحيح:" لا أحد أغير من الله، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أنزل الكتاب، وأرسل الرسل ". كما أنه يبغض الظلم ويحرمه .. ولاشيء يغضبه ويسخطه كظلم الشرك .. وظلم الطواغيت التي تستشرف خصائص الإلهية وتعبد من دون الله؛ لأنه ظلم عظيم لحق الله تعالى على عباده .. ولآدمية الإنسان معا: إن الشرك لظلم عظيم - لقمان:13. وقال تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما -النساء:48. أي ظلم يعلو ظلم الطاغوت الذي يجعل من نفسه ندا لله .. ويعلن على الملأ وبكل وقاحة أنه الإله المعبود .. وأنه الحكم والمطاع لذاته .. الذي له حق التشريع والحظر والإباحة والحكم على الأشياء من دون الله .. وما على الناس إلا أن يدخلوا في طاعته وعبادته وحزبه من دون الله ..؟! أي ظلم يعلو ظلم العبد وهو يقول لربه وخالقه ومالكه والمتفضل عليه بالنعم التي لا تحصى: أنت لست معبودي .. ولا حق لك علي .. وإنما معبودي الذي له كامل الحق علي ذلك الطاغوت من البشر أو الحجر أو البقر ..!! أي ظلم يعلو ظلم العبد وهو يقول لخالقه ـ رغم الآيات الباهرات الدالة عليه والتي لا تحصى ـ: لا حجة لك علي .. وإنما الحجة الكاملة للطاغوت ..!! إن مقتضيات أسماء الله الحسنى وصفاته العليا لا تقبل هذا الظلم والزور .. والجحود .. لأجل ذلك شرع الله تعالى الجهاد ...! أمر عباده الموحدين الذين استجابوا لدعوة الأنبياء والرسل .. بأن يجاهدوا المشركين الذين ضلوا عن عبادته وتوحيده وعبدوا الطاغوت من دونه .. ليأطروهم إلى الحقّ أطرا .. وليخرجوهم من ظلم الشرك وظلماته إلى عدل التوحيد ونوره .. ولهم مقابل ذلك رضوانه تعالى والجنة .. أنعم به من ثمن! قال تعالى: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم -التوبة:111. أمر عباده الموحدين بأن يقصدوا المشركين .. ليخرجوهم ـ ولو بالسلاسل ـ من حظيرة الشرك والضياع .. ليأتوا بهم إلى حظيرة العبودية والتوحيد .. والخضوع .. ومن السبيل الذي ينتهي بهم إلى النار وجحيمها إلى السبيل الذي ينتهي بهم إلى الجنة ونعيمها .. ولو استدعى الأمر إلى الجهاد والقتال .. فإن الفتنة أشد من القتل والقتال. قال تعالى: بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون -الأنبياء:18. فمن الحق الذي يقذف الله تعالى به الباطل وأهله جند التوحيد وأهله. وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال:" عجبت لأقوام يساقون إلى الجنة في السلاسل وهم كارهون ". وفي رواية:" عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل ". هذا المعنى هو الذي أراده الصحابي الجليل ربعي بن عامر عندما أجاب ملك بلاد فارس لما سأله عن العلة التي حملتهم على الجهاد والقتال .. وغزو فارس في عقر دارهم، فقال له: لقد ابتعثنا الله تعالى لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ..! لا توجد لنا غاية أخرى حملتنا على غزو بلادكم سوى هذه الغاية .. ولا يوجد سبب آخر حملنا على غزو بلادكم سوى ما أنتم عليه من ظلم الشرك .. وعبودية العبيد للعبيد .. وهذا هو المعنى الحقيقي للجهاد في سبيل الله الذي أمرنا الله تعالى به. لا حظوظ فيه للنفس .. ولا أطماع ولا مآرب أخرى .. سوى إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد .. فإن تحقق ذلك .. تحقق السلم والأمان .. وتصافت النفوس وتآخت وتحابت في الله مهما كان بينها قبل ذلك من جراحات ودماء وثارات! كما قال تعالى:) فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون (التوبة:11. فتنقلب العداوة مباشرة ـ إن تابوا وأقاموا الصلاة ـ إلى أخوة متحابين في الله والدين. وقال تعالى: قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده -الممتحنة:4. فهذه العداوة مستمرة أبدا ـ عبر الأزمان كلها وإلى أن تقوم الساعة ـ بين أتباع الأنبياء والرسل وبين الطواغيت وأتباعهم .. إلى أن يعبدوا الله تعالى وحده .. فإن آمنوا وعبدوا الله تعالى وحده وتبرؤوا مما هم فيه من الشرك .. ذهبت العداوة والبغضاء وحلت محلهما المحبة والإخاء! وفي غزوة أحد لما جرح وجه النبي ، وكسرت رباعيته، وشج في رأسه، وهشمت البيضة على رأسه، وجعل الدم يسلت عنه وهو يقول:" كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله ! فأنزل الله إليه: ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون -آل عمران:128. أي أن الأمر كله لله تعالى .. أما أنت يا محمد فإنك عبد الله ورسوله .. فليس لك من الأمر شيء .. فليس لك أنت ومن تبعك من المؤمنين سوى المضي لأمري .. والصبر على جهاد من عصاني وعبد غيري إلى أن يدخل في طاعتي وعبادتي .. فأنا ابتعثتك وجميع الأنبياء والرسل من قبلك لأجل ذلك، كما قال تعالى:) ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت -النحل:36. وقال تعالى: الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا -النساء:76. ( الذين آمنوا ) ( والذين كفروا ) من صيغ العموم؛ أي كل الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله .. ولا يجوز لهم غير ذلك .. وكل الذين كفروا بجميع طوائفهم ومللهم وعلى اختلاف راياتهم ومسمياتهم .. ومواقعهم .. يقاتلون في سبيل الطاغوت .. فالقتال في سبيل الطاغوت سمة مشتركة بين جميع ملل الكفر والشرك. هذا المعنى لغايات ومقاصد الجهاد في الإسلام .. يجب أن يعرفه العدو المحارب .. كما يجب أن لا يسهو عنه المجاهد وهو في غمرات الغزو والجهاد في سبيل الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
4/11/1423 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
6/1/2003 م. أبو بصير
www.abubaseer.com

القادم
10-05-2004, 07:15 PM
جزاك الله خيرا على هذا الموضوع لقد أحسنت في الاختيار فنحن في الزمن الذي تكالبت فيه الأمم الكافرة على المسلمين ليفتنوهم عن دينهم ولا عزة لنا ولا فلاح إلا بالعودة إلى الجهاد ذروة سنام الإسلام لنستعيد المجد التليد والكرامة المهدورة