المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الانتخابات العراقية يجب أن تلغي لا أن تؤجل



المهند
15-12-2004, 09:24 AM
الانتخابات العراقية يجب أن تلغي لا أن تؤجل

2004/12/15
القدس العربي
وجدي انور مردان

يعلم جميع الذين شاركوا في مؤتمر شرعنة الاحتلال في شرم الشيخ والتمهيد لاجراء الانتخابات، علم اليقين، بان الانتخابات المزمع اجراؤها في بداية العام القادم في العراق هي انتخابات استعراضية واتقائية مزيفة وكاذبة، بعيدة كل البعد عن ابسط المعايير الديمقراطية، بل تعتمد علــي استراتيجية (اذا تريد غزال اخذ ارنب واذا تريد ارنب اخذ ارنب) ففي كل الاحوال فان الشعب العراقي سيحصل علي الارنب، والارانب جاهزون في قفص المنطقة الخضراء ومفتاح القفص في جيب السفير نيغروبونتي سيطلقهم في احتفال باهت كاحتفال تسليم الهارب بول بريمر للسيادة المزعومة في شهر ايار (مايو) الماضي.
الفائزون في هذه الانتخابات معروفون سلفا، فردا فردا. اختارتهم سلطات الاحتلال وفق معايير ديمقراطية العمالة. انهم يتلقون الان دروسا خصوصية مكثفة في تعميق الولاء عند بعضهم والتدريب علي تأصيل موهبة الكذب والتضليل الديمقراطي عند البعض آلاخر.
هناك تخريب متعمد ومدروس للنفوس التي استرخصت ضمائرها وباعتها بثمن بخس. فالاحزاب السياسية والشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية التي ارتضت المهادنة والعمالة، عندما احست بالكرم الامريكي الحاتمي باغداق الدولارات علي المشاركين في الانتخابات تسارع هؤلاء (رأسهم قبل ارجلهم) الي استعطاف هذا الكرم الامريكي، وهم يعلمون ان امريكا لاتمنح سنتا واحداً حبا بالاخرين، مالم يكن مردود هذا السنت الاف الاضعاف.. فهذه ليست المرة الاولي تغدق امريكا المنح المالية علي الاحزاب والنقابات والمؤسسات والمنظمات المدنية من اجل نشر ديمقراطيتها، فهذا جزء من استراتيجيتها لتركيع وشراء ذمم تلك الاحزاب والمنظمات والمؤسسات. لقد فعلتها في البلقـــــان وفي دول امريكا اللاتينية وفي كثير من الدول العربية والاسلامية والافريقية.
اشار الدكتور ابراهيم علوش في احدي مقالاته الي وثيقة صادرة عن وكالة المخابرات المركزية الامريكية، مؤسسة البلقان، في 16 كانون الاول (ديسمبر) 1998 المعنونة (الترويج للديمقراطية في يوغسلافيا. عناصر اساسية للدعم المالي. سري جدا: معلومات امن قومي) خصصت السي آي ايه بموجب هذه الوثيقــــة 10 ملايين دولار، لانفاقها علي الاحزاب السياسية (اليوغسلافية) السابقة بهدف: توسيع تدريب الاحزاب السياسية علي استقطاب قواعد جماهـــــيرية.. الترويج لبناء جبهة معارضة سياســــية موحدة، تشجيع تكتلات الاحزاب السياسية مع المنظمات غير الحكومية، من اجل القيام بمهمات موازية غير حزبية مثل تفعيل المشاركة الشبابية وتثقيف الناخبين ومراقبة وسائل الإعلام، تطوير كوادر الصف الثاني من القيادات الحزبية في الاقاليم، واخيرا تقديم الإعانات للسيطرة علي معارضة مسؤولة!!
هذه الوثيقة تساعدنا كثيرا علي كشف مسألة التمويل الامريكي للاحزاب السياسية وللمنظمات غير الحكومية والنقابات العمالية والمهنية.....الخ، ولكن لا بد من الإشارة إلي مسألة بديهية ايضاً وهي ان هوية الممول تكشف بحد ذاتها الكثير من اهدافه، ولا تظنن ان امريكا توزع الصدقات لوجه الله. بل من اجل اهداف ومشاريع بعيدة المدي تنفذها من خلال هذه الاحزاب والمنظمات المهنية والمدنية تنشئها تحت يافطات وعناوين بريئة ربما يصدقها حتي بعض القائمين عليها، مثل صندوق حماية الطفولة او تدريب الكوادر العمالية والشبابية او حماية البيئة....الخ. وهكذا نلاحظ في حالة العراق ايضا، فان المنحة المالية موزعة الي جهات ومسميات تدل علي انها بريئة او مبهمة، ولكن كما يقول المثل ان الشيطان يكمن عادة في التفاصيل. فإن شيطان التمويل الامريكي للاحزاب وللمنظمات غير الحكومية يكمن في النتائج بعيدة المدي علي المستوي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للعراق بعد تجند هذه الاحزاب والمنظمات بوقا واداة لتنفيذ سياساتها ومشروعها فيه.
اصدر مكتب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية ريتشارد باوتشر بيانا صحافيا في 21 تشرين الاول (اكتوبر)، قال فيه إن الولايات المتحدة ستنفق مبلغ 871 مليون دولار في دعم وتمويل النشاطات المتعلقة ببرامج تعزيز الديمقراطية والحكم وإجراء الانتخابات في العراق ولتمكين لجنة الانتخابات من تقديم العون الفني لإجراء انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة الانتخابات والإشراف عليها في جميع انحاء البلاد، وخصصت لهذا النشاط 100 مليون دولار، وخصصت للمؤسسات البلدية والمحافظات 100 مليون دولار، و20 مليون دولار خصصت للاجهزة والمؤسسات القومية للحكومة المؤقتة (اننا لم نعرف ما هي هذه المؤسسات القومية التي اشار اليها البيان)، كما خصصت مبلغ 243 مليون دولار لدعم المؤسسات المحلية والاقليمية والمحافظات، و41 مليون دلاور خصصت لدعم المؤسسات القومية للحكومية المؤقتة و30 مليون دولار خصصت للصندوق الوطني للديمقراطية لتمكينه من تقديم المساعدات الفنية وتوفير التدريب للاحزاب السياسية الديمقراطية والمعتدلة في العراق ونود بهذه المناسبة السعيدة ان نطرح السؤال الاتي:
هل العراق في وضع يمكنه من صرف 871 مليون دولار لاجراء انتخابات صورية مزيفة وباطلة اساسا، ام انها مناسبة لشراء النفوس الضعيفة والضمائر الميتة لخدمة المشروع الامريكي ـ الصهيوني في العراق وتوطيد احتلاله ووضعه تحت الانتداب والاستعمار بعد ان ولي زمن الاستعمار وعصر الانتدابات. لماذا لم تخصص هذا المبلغ الضخم، لبناء المدارس والمستشفيات والمعامل ومنشآت الماء والكهرباء التي دمرتها قوات الاحتلال، سيما وان العراقيين بامس الحاجة اليها؟
لقد استطاع العراق بنصف هذا المبلغ، بعد العدوان العسكري الامريكي عام 1991، وخلال 18 شهرا فقط، من اعادة بناء اكثر من 8437 داراً سكنية، و157 جسراً وسكة حديد، و130 محطة كهرباء رئيسية وفرعية، و249 داراً لرياض الاطفال، و139 داراً للرعاية الاجتماعية، و100 مستشفي ومركز صحي، و1708 مدرسة ابتدائية ومتوسطة وثانوية، التي دمرتها القوات الامريكية.
ان انفاق هذا المبلغ الضخم ما هو الا مشروع اختراق خطير لنسيج المجتمع العراقي عامودياً وافقياً وتدجين الشرائح الاجتماعية المختلفة والقوي السياسية فيه، بهدف توطيد وشرعنة الاحتلال الغاشم تحت يافطة الديمقراطية وحقوق الانسان والتعددية...الخ. انه مشروع لا فساد ذمم الافراد والجماعات والاحزاب والعشائر بدولارات هي بالضرورة ملوثة سياسياً، وذلك من اجل خلق نخبة ثقافية واجتماعية ترتبط بامريكا مصيريا ومن اجل تنفيذ مشروعها الصهيو ـ امريكي في المنطقة، انطلاقا من العراق.
من المؤكد ان اجراء الانتخابات العامة الحرة النزيهة امر ملح للغاية ومطلب عادل يتوق لها الشعب العراقي الذي حرم منها عقودا طويلة، بالاضافة الي كونها حق قانوني يجب ان يمارسه بحرية دون فرضه من قبل الاحتلال وفق شروطه ومنهجه وقيمه وتحت بساطيل جنوده.
فالانتخابات المزمع إجراؤها مطلع العام القادم، والتي تروج لها امريكا وحلفائها، وبمساندة الدول العربية ودول الجوار تحت شتي الذرائع والحجج، لن تعبر عن إرادة شعب العراق ومطالبه العادلة في السيادة والاستقلال والتحرر، ولن تحقق له الامن والاستقرار، مهما حاولت امريكا ايهام الاخرين، بمعسول الكلام. لايمكن لجميع مساحيق المؤتمرات الدولية والاقليمية من تجميل وجه الاحتلال القبيح ولايمكن ان تمنحه الشرعية التي ينشدها، لان غزو العراق واحتلاله هو عدوان سافر علي سيادة دولة مستقلة، وعمل اخرق باطل من الاساس، وعليه فان اية انتخابات تجري في ظل ظروف الاحتلال، وتستند علي القوانين التي شرعها، هي باطل، وفقا للقاعدة القانونية، ما بني علي باطل فهو باطل.
من جهة اخري فإن اجراء الانتخابات، تحت يافطة الديمقراطية المضللة، ما هي الا دجل سياسي وتضليل للرأي العام العراقي والعالمي، لانها ستكون انتخابات استعراض كما يقول المحلل السياسي البريطاني ديفيد ادوردز. ان اجراءها لن يكون الحل الناجع حتي لو تم تحت مظلة الامم المتحدة واستنادا الي قرارات مجلس الامن الباطلة. لما فيها من مخاطر جسيمة تمس مستقبل العراق وسيادته ووحدة اراضيه، وتؤدي الي تفكيك اواصره وروابطه الاجتماعية والدينية ولاتنقذ الاحتلال من الازمة الخانفة التي يعيشها في بلاد الرافدين، ولا تنتشله من المستنقع العراقي، كما انها ليست مخرجا لاضفاء الشرعية علي البرلمان الذي سيفرزها والحكومة (الانتقالية) التي ستتمخض عنها، مثلما لم يكن تشكيل مجلس الحكم المنحل والحكومة المنصوبة من قبل الاحتلال ومهزلة نقل السيادة، مخرجا ومنقذا للاحتلال. بل انها لو جرت، ستزيد من ازمة الاحتلال والحكومة الانتقالية ومحنتهما. لانها تقوم علي المحاصصة الطائفية المقيتة التي دق ركائزها بول بريمر وتستمر امريكا في اضفاء الشرعية عليها وجعلها من المقدسات التي لايمكن المساس بها.
لقد اقرت سلطات الاحتلال عدد اعضاء البرلمان القادم بـ(275) عضواً، سيتم اختيارهم وفق معايير ومحاصصات طائفية وعرقية علي الشكل التالي: 120 عضواً للشيعة، و70 عضواً للسنة العرب، و55 عضواً للاكراد، و15 عضواً للتركمان، و10 للمسيحيين (كلدواشوريين) وخمسة لليزيديين والصابئة. فهل هذه المحاصصة صيغة ديمقراطية؟ ام فتنوقراطية؟ تمهيدا للحرب الاهلية، لاسمح الله. لماذا لم تترك سلطات الاحتلال، لصناديق الاقتراع هي التي تقرر من سيفوز!! وماذا سيحصل لو لم تفز الجهة المعنية بالعدد المحدد، او فازت باكثر من العدد المقرر؟ نحن نعتقد ان التركيبة النيابية التي ستفرزها الانتخابات، وفق هذه الصيغة، يمكن آن تتصدع وتنهار حتي قبل ولادة البرلمان المنشود.
لا نريد، في هذه العجالة، ان نتطرق الي امور اخري تثبت فساد هذه الانتخابات ومهزلتها، لقد كتب عنها الكتاب والمحللون مئات المقالات. ولكننا نضطر الي ذكر امر مهم جدا، وهو انه ليس في العراق الي الان رأي موحد بشأن عدد نفوس العراق. فقسم من المصادر يحدده بـ 22 مليون وقسم اخر بـ 24 مليونا، وهناك من يدعي بانه 26 مليون نسمة. فازاء هذا الارتباك وعدم اليقين، يطرح السؤال نفسه، الم يكن من الاجدر القيام باجراء التعداد السكاني قبل اجراء الانتخابات، لتحديد عدد نفوس العراق بشكل صحيح وموثق، لتنظيم القوائم الانتخابية بالذين يحق لهم التصويت قانونا؟! هل كان القصد من عدم اجرائه هو لاخفاء هوية 4 ملايين ايراني و300 الف كردي الذين نزحوا من ايران وتركيا وسورية بعد الاحتلال، حسب بعض المصادر، او نزوح مليون ايراني الي العراق للمشاركة في الانتخابات حسب تصريح الملك عبدالله لجريدة الواشنطن بوست قبل يومين؟! ولانريد في هذا المقام، التطرق الي تفاصيل شراء استمارات الانتخابات من قبل بعض دول الجوار بمئة دولار للاستمارة الواحدة!! ولا نريد ان ندخل في تفاصيل اصدار مئات الالاف من البطاقات التموينية الي اشخاص غير عراقيين ووهميين او حتي الموتي!
ونحن نطالع هذا المشهد المحزن، ينبغي ان نصارح انفسنا، هل هذه هي الانتخابات التي يتطلع اليها الشعب العراقي بعد عقود من الحرمان؟!! هل هناك شعب علي وجه الارض، يقبل ان يصوت معه او بدلا عنه في انتخابات مصيرية مواطنون من شعوب اخري؟!! هل جرت، في تاريخ العالم كله، انتخابات نزيهة تحت ظل الاحتلال؟!!
هذه الانتخابات ينبغي ان لاتؤجل بل يجب ان تلغي من الاساس، الي ان يستعيد العراق حريته واستقلاله وامنه واستقراره، ويرحل المحتل الغاصب من ارض الرافدين. اما القول بان تأجيلها او الغاءها سيؤخر رحيل قوات الاحتلال، قول مردود، لان المحتل الغاصب لايرحل بعد هذه الانتخابات، وانما سيدق ركائز بقائه. فالذين يعزفون علي وتر ان الحكومة القادمة ستطلب منهم الرحيل، يخدعون انفسهم قبل ان يخدعوا الاخرين. الغاية الاساسية لامريكا من هذه العملية، هي قلب الموازين السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية في المنطقة، انطلاقا من العراق، ولكي تشكل حكومة عميلة توقع معها علي اتفاقية رهن العراق، بقضه وقضيضه، بارضه وسمائه وشعبه وثرواته ومقدساته، لديها لمدة 99 سنة. او حتي اخر برميل من البلاء الاسود.
اللهم احفظ العراق واهل العراق.
كاتب من العراق