المهند
15-12-2004, 09:16 AM
وسيحدث غداً
2004/12/15
القدس العربي
رشاد أبوشاور
في بعض الصحف، والإذاعات، ومحطات التلفزة، يقدّم برنامج بعنوان: حدث في مثل هذا اليوم، يتّم فيه استذكار وقائع وأحداث بارزة، محليّةً ودولية.
هذه أخبار وقعت يوم الأحد 12 الجاري، وهي ليست أخباراً بائتةً كما يحلو لبعض الناس أن يسخروا من أخبار ومعلومات تصلهم متأخرةً، أو يكونون قد سمعوا بها ولذلك لم تعد تثير اهتمامهم ودهشتهم.
اليوم الأحد قصف جيش الاحتلال مدرسة فلسطينية بصاروخ مّما أدّي إلي إصابة تسعة أطفال بجراح، ولأننا في عصر الفضائيات فقد رأينا وسمعنا الأطفال الجرحي عندما انهمك الأطباء والممرضون الفلسطينيون في تضميد جراحهم، والأطفال كالفراخ بين أيديهم الحانية التي تبذل كل جهد لتخفيف آلامهم وهدهدة أوجاعهم.
في مثل هذا اليوم، ليس من حيث التاريخ ولكن لجهة التشابه في الفعل، قصفت طائرات العدو مدرسة بحر البقر في برّ مصر فعجنت الأطفال والدفاتر وأصابع الطبشور..ولم تسجّل الجريمة ضد مجهول، فنفس القتلة قديماً وجديداً يعودون ليوزعوا موتهم علي تلامذتنا...
في نفس هذا اليوم الأحد 12 كانون أوّل، حفر المقاومون الفلسطينيون نفقاً امتّد لستمائة متر حتي بلغوا موقعاً تعسكر فيه وحدة من جيش الاحتلال في رفح و..تمّ تفجير الموقع.
فرق كبير بين نسف جنود الاحتلال وقتل الأطفال وهم علي مقاعد الدرس!
نفق لستمائة متر!
يا للهول.. علي رأي الفنّان المرحوم يوسف وهبي.
كم احتاج المقاومون من وقت؟ يقولون أربعة أشهر!
إنهم صبورون، وهم حبلت بهم أرضهم، دخلوا في رحمها ثمّ ولدوا في الديناميت
والتراب الملتهب والدوي المزلزل.
قبل أيّام تمّ تنفيذ عملية مشابهة، حفر نفق ثمّ نسف عدد من جنود الاحتلال، ومن قبل كمن الفدائيون تحت الأرض بانتظار أحد قادة العدو، وفي النهاية فجّروا الأرض بمن يقف فوقها...
ما يحدث ليس شعارات، لا، إنها أفعال. وهذه الأفعال تقول بفصيح الموت والدم والتضحية: لامكان للاحتلال علي أرضنا، فإذا ما انسحب هذا المحتل فهو لا يفعل ذلك لكرم أخلاق، أو جنوحاً للسلام، ولكن لأن تكلفة احتلاله مخسّرة له ماديّاً ومعنوياً...
الانسحاب من قطاع غزّة لن يتّم بفضل (أوسلو)، ولبراعة من يتهيأون للعودة لممارساتهم القديمة...
في عمق الأرض يستمّد الفلسطيني المقاوم أسباب الحياة مع الجذور، وهو هناك في النفق الضيّق المعتم يضيء لفلسطين فجراً، وفي النفق الضيّق الملغوم تحت أقدام المحتلين تتم وحدة وطنية معمّدة بالإصرار علي المقاومة والحفر عميقاً تحت دبابات الغزاة...
اليوم أيضاً:
لم تسقط المدينة
لم تسقط الفلّوجة، فالطائرات عادت لتقصف الحي العسكري، والحي الصناعي، والحي الشرقي، والحي.. وكل حي في المدينة، وكل ما يوحي بأنه حي بما في ذلك، ولا سيّما: حي علي الصلاة، لأنها تعني أن الحياة حيّةً، وأنه: حي علي الفلاح، أي حي علي الكفاح...
الفلّوجة لم تمت، والمحتلّون حائصون لائصون يعالجهم فيها مقاومون يخرجون من تحت الأنقاض، تماماً كأخوتهم حافري الأنفاق في رفح...
الفلّوجّة المعتّم عليها تماماً، التي دمّرت بيوتها وصارت ركاماً، ها هي تقوم من تحت الدمار، وعدوها المحتل يقصفها بالطائرات، والمدافع الثقيلة، وجنوده لشدّة ذعرهم من المقاومين العراقيين يطالبون بتصفيح ناقلات (الهامفي)!.
الفلّوجة حيّة ترزق، وهي حيّة كما جارها (الفرات)، وكما نخيلها وبرتقالها وليمونها، وحقول خضرتها...
أبناء الأرض ينبثقون من عمقها، والأرض تقاتل مع أصحابها لأنها منحتهم أسرارها، وعلّمتهم أبجديتها مذ كانوا في اللفات التي قمّطتهم بها أمّهات كريمات الأصول والمنابت، وقبل أن تندفع رؤوسهم من الأرحام العراقية...
الفلّوجة تقاتل وتخرج من الظلام وأخبارها تطّل علي الدنيا رغم كل ما حاوله المحتل الأمريكي لحجبها، ومنع كاميرات الفضائيات من نقلها.
الفلّوجة تقاتل، وهي لا تذهب إلي الانتخابات بقائمة طائفة ما، فهي تنتمي لوطن وأمّة ، وصوتها لا يوضع في صندوق مفتاحه في يد المحتل...
طريق واحد لنيل الحريّة: إنه طريق من يحفرون الأنفاق ويطلعون لمحتل وطنهم من تحت الأرض.
في مثل هذا اليوم:
في مثل هذا اليوم قبل عام قبضت القوّات الأمريكية علي الرئيس العراقي صدّام حسين، وأعلن بريمر أمام مجموعة صحافيين منتقين: لقد قبضنا عليه، نلنا منه!
الشخص الذي اسمه شلبي فقد أخذ يتحدث بالأمريكية ـ وهي الإنكليزية الخّاصة باليانكي، وهي لغة عجرفة ـ مع زميله الذي صار وزيراً لخارجية حكومة بريمر، وهذا طبيعي فما دام الفعل أمريكيا فلا بدّ أن تكون لغة التابعين لغة أسيادهم.
قبض علي صدّام حسين في منطقة (الدور) وزّف بوش الخبر إلي جنوده مبشّراً إيّاهم بأن (أعمال التخريب) والتمرّد قد انتهت!
في العام الذي انقضي علي أسر الرئيس صدّام حسين، ماذا حدث لاحتلال قصير النظر؟
ازدادت المقاومة عنفاً وأوقعت ألوف القتلي والجرحي في صفوف القوّات الأمريكية.
العراق لم يبن من جديد بل عمّ الخراب، والفوضي، والجوع، وانقطعت الكهرباء، وتفشّت الأمراض في بلد كان من بين سبعة بلدان في العالم هي الأكثر تقدماً صحيّاً، وافتقد الأمن...
في ريبورتاج مصوّر بثّته فضائية المنار مساء الأحد الموافق لمرور سنة علي أسر رئيس دولة ثبت أنها لا تملك أسلحة دمار شامل، رأينا العراقيين يسرعون إلي بيوتهم قبل هبوط المساء خشية أن يحدث لهم سوء بسبب الانفلات الأمني، في بغداد التي كانت تتحوّل إلي حقل نور في المساء، والتي باتت تنام بدون كهرباء في زمن الحكم العرفي الاحتلالي، وتغرق في عتمة لا تشقّها سوي قذائف صواريخ المقاومين ...
قبل عام أسرت قوات الاحتلال الأمريكي الرئيس صدّام حسين، ويومها عمّت الفرحة وأقيمت الاحتفالات بين التابعين والأدوات الذين لم يهنأ كثيرون منهم بمناصبهم، فارتدّوا طائفيين، أو لاذوا بالفرار إلي البلاد التي يحملون جنسياتها. (ما زال بعضهم في العراق أسير المنطقة الخضراء المحترقة بصواريخ المقاومين يوميّاً).
لقد أسروا صدّام حسين وظنّوا أن المقاومة انتهت، وها هم يواجهون الشعب العراقي..هذا ما حدث خلال عام، فما بالهم بالأعوام الآتية؟!
يحدث اليوم، وسيحدث غداً وفي آتيات الأيّام، ما دام هناك احتلال، أن رجالاً ونساءً يتميّزون بحمل الأعباء، والشرف والاستقامة وحبّ الوطن، سيواصلون الحفر تحت أقدام المحتلين لزلزلتهم بزفرات الغضب الساطع...
ما دام هناك من يحفر الأرض ويزرع جسده فيها منفجراً بعدوه فلا خوف وإن طالت الطريق، فالهدف واضح أمس، واليوم، وغداً...
2004/12/15
القدس العربي
رشاد أبوشاور
في بعض الصحف، والإذاعات، ومحطات التلفزة، يقدّم برنامج بعنوان: حدث في مثل هذا اليوم، يتّم فيه استذكار وقائع وأحداث بارزة، محليّةً ودولية.
هذه أخبار وقعت يوم الأحد 12 الجاري، وهي ليست أخباراً بائتةً كما يحلو لبعض الناس أن يسخروا من أخبار ومعلومات تصلهم متأخرةً، أو يكونون قد سمعوا بها ولذلك لم تعد تثير اهتمامهم ودهشتهم.
اليوم الأحد قصف جيش الاحتلال مدرسة فلسطينية بصاروخ مّما أدّي إلي إصابة تسعة أطفال بجراح، ولأننا في عصر الفضائيات فقد رأينا وسمعنا الأطفال الجرحي عندما انهمك الأطباء والممرضون الفلسطينيون في تضميد جراحهم، والأطفال كالفراخ بين أيديهم الحانية التي تبذل كل جهد لتخفيف آلامهم وهدهدة أوجاعهم.
في مثل هذا اليوم، ليس من حيث التاريخ ولكن لجهة التشابه في الفعل، قصفت طائرات العدو مدرسة بحر البقر في برّ مصر فعجنت الأطفال والدفاتر وأصابع الطبشور..ولم تسجّل الجريمة ضد مجهول، فنفس القتلة قديماً وجديداً يعودون ليوزعوا موتهم علي تلامذتنا...
في نفس هذا اليوم الأحد 12 كانون أوّل، حفر المقاومون الفلسطينيون نفقاً امتّد لستمائة متر حتي بلغوا موقعاً تعسكر فيه وحدة من جيش الاحتلال في رفح و..تمّ تفجير الموقع.
فرق كبير بين نسف جنود الاحتلال وقتل الأطفال وهم علي مقاعد الدرس!
نفق لستمائة متر!
يا للهول.. علي رأي الفنّان المرحوم يوسف وهبي.
كم احتاج المقاومون من وقت؟ يقولون أربعة أشهر!
إنهم صبورون، وهم حبلت بهم أرضهم، دخلوا في رحمها ثمّ ولدوا في الديناميت
والتراب الملتهب والدوي المزلزل.
قبل أيّام تمّ تنفيذ عملية مشابهة، حفر نفق ثمّ نسف عدد من جنود الاحتلال، ومن قبل كمن الفدائيون تحت الأرض بانتظار أحد قادة العدو، وفي النهاية فجّروا الأرض بمن يقف فوقها...
ما يحدث ليس شعارات، لا، إنها أفعال. وهذه الأفعال تقول بفصيح الموت والدم والتضحية: لامكان للاحتلال علي أرضنا، فإذا ما انسحب هذا المحتل فهو لا يفعل ذلك لكرم أخلاق، أو جنوحاً للسلام، ولكن لأن تكلفة احتلاله مخسّرة له ماديّاً ومعنوياً...
الانسحاب من قطاع غزّة لن يتّم بفضل (أوسلو)، ولبراعة من يتهيأون للعودة لممارساتهم القديمة...
في عمق الأرض يستمّد الفلسطيني المقاوم أسباب الحياة مع الجذور، وهو هناك في النفق الضيّق المعتم يضيء لفلسطين فجراً، وفي النفق الضيّق الملغوم تحت أقدام المحتلين تتم وحدة وطنية معمّدة بالإصرار علي المقاومة والحفر عميقاً تحت دبابات الغزاة...
اليوم أيضاً:
لم تسقط المدينة
لم تسقط الفلّوجة، فالطائرات عادت لتقصف الحي العسكري، والحي الصناعي، والحي الشرقي، والحي.. وكل حي في المدينة، وكل ما يوحي بأنه حي بما في ذلك، ولا سيّما: حي علي الصلاة، لأنها تعني أن الحياة حيّةً، وأنه: حي علي الفلاح، أي حي علي الكفاح...
الفلّوجة لم تمت، والمحتلّون حائصون لائصون يعالجهم فيها مقاومون يخرجون من تحت الأنقاض، تماماً كأخوتهم حافري الأنفاق في رفح...
الفلّوجّة المعتّم عليها تماماً، التي دمّرت بيوتها وصارت ركاماً، ها هي تقوم من تحت الدمار، وعدوها المحتل يقصفها بالطائرات، والمدافع الثقيلة، وجنوده لشدّة ذعرهم من المقاومين العراقيين يطالبون بتصفيح ناقلات (الهامفي)!.
الفلّوجة حيّة ترزق، وهي حيّة كما جارها (الفرات)، وكما نخيلها وبرتقالها وليمونها، وحقول خضرتها...
أبناء الأرض ينبثقون من عمقها، والأرض تقاتل مع أصحابها لأنها منحتهم أسرارها، وعلّمتهم أبجديتها مذ كانوا في اللفات التي قمّطتهم بها أمّهات كريمات الأصول والمنابت، وقبل أن تندفع رؤوسهم من الأرحام العراقية...
الفلّوجة تقاتل وتخرج من الظلام وأخبارها تطّل علي الدنيا رغم كل ما حاوله المحتل الأمريكي لحجبها، ومنع كاميرات الفضائيات من نقلها.
الفلّوجة تقاتل، وهي لا تذهب إلي الانتخابات بقائمة طائفة ما، فهي تنتمي لوطن وأمّة ، وصوتها لا يوضع في صندوق مفتاحه في يد المحتل...
طريق واحد لنيل الحريّة: إنه طريق من يحفرون الأنفاق ويطلعون لمحتل وطنهم من تحت الأرض.
في مثل هذا اليوم:
في مثل هذا اليوم قبل عام قبضت القوّات الأمريكية علي الرئيس العراقي صدّام حسين، وأعلن بريمر أمام مجموعة صحافيين منتقين: لقد قبضنا عليه، نلنا منه!
الشخص الذي اسمه شلبي فقد أخذ يتحدث بالأمريكية ـ وهي الإنكليزية الخّاصة باليانكي، وهي لغة عجرفة ـ مع زميله الذي صار وزيراً لخارجية حكومة بريمر، وهذا طبيعي فما دام الفعل أمريكيا فلا بدّ أن تكون لغة التابعين لغة أسيادهم.
قبض علي صدّام حسين في منطقة (الدور) وزّف بوش الخبر إلي جنوده مبشّراً إيّاهم بأن (أعمال التخريب) والتمرّد قد انتهت!
في العام الذي انقضي علي أسر الرئيس صدّام حسين، ماذا حدث لاحتلال قصير النظر؟
ازدادت المقاومة عنفاً وأوقعت ألوف القتلي والجرحي في صفوف القوّات الأمريكية.
العراق لم يبن من جديد بل عمّ الخراب، والفوضي، والجوع، وانقطعت الكهرباء، وتفشّت الأمراض في بلد كان من بين سبعة بلدان في العالم هي الأكثر تقدماً صحيّاً، وافتقد الأمن...
في ريبورتاج مصوّر بثّته فضائية المنار مساء الأحد الموافق لمرور سنة علي أسر رئيس دولة ثبت أنها لا تملك أسلحة دمار شامل، رأينا العراقيين يسرعون إلي بيوتهم قبل هبوط المساء خشية أن يحدث لهم سوء بسبب الانفلات الأمني، في بغداد التي كانت تتحوّل إلي حقل نور في المساء، والتي باتت تنام بدون كهرباء في زمن الحكم العرفي الاحتلالي، وتغرق في عتمة لا تشقّها سوي قذائف صواريخ المقاومين ...
قبل عام أسرت قوات الاحتلال الأمريكي الرئيس صدّام حسين، ويومها عمّت الفرحة وأقيمت الاحتفالات بين التابعين والأدوات الذين لم يهنأ كثيرون منهم بمناصبهم، فارتدّوا طائفيين، أو لاذوا بالفرار إلي البلاد التي يحملون جنسياتها. (ما زال بعضهم في العراق أسير المنطقة الخضراء المحترقة بصواريخ المقاومين يوميّاً).
لقد أسروا صدّام حسين وظنّوا أن المقاومة انتهت، وها هم يواجهون الشعب العراقي..هذا ما حدث خلال عام، فما بالهم بالأعوام الآتية؟!
يحدث اليوم، وسيحدث غداً وفي آتيات الأيّام، ما دام هناك احتلال، أن رجالاً ونساءً يتميّزون بحمل الأعباء، والشرف والاستقامة وحبّ الوطن، سيواصلون الحفر تحت أقدام المحتلين لزلزلتهم بزفرات الغضب الساطع...
ما دام هناك من يحفر الأرض ويزرع جسده فيها منفجراً بعدوه فلا خوف وإن طالت الطريق، فالهدف واضح أمس، واليوم، وغداً...