المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين الصلاة والجهاد



المهند
12-12-2004, 07:48 AM
http://www.baghdadalrashid.com/vb3/images/imgcache/2004/12/1.png


بين الصلاة والجهاد

ورد في فاتحة كتاب - السير والجهاد من صحيح البخاري - حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حيث قال : سألت رسول الله صلى عليه وسلم قلت : يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ قال : الصلاة على ميقاتها ، قلت ثم أي ؟ قال : ثم بر الوالدين ، قلت ثم أي ؟ قال الجهاد في سبيل الله ، فسكتُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني . .

إن هذا الحديث العظيم يبين أفضل الأعمال على الإطلاق وهي الصلاة التي هي عبادة الربط بين العبد وربه . . ففيها يناجي ربه ويستمع أوامره جلَ وعلا ، لعيتقدها ويعمل بها ، ثم عبادة بر الوالدين ، وهما أقرب الخلق إلى العبد ، فمن لم يبر والديه لم يبر سواهما من باب أولى . . ثم إن عبادة الجهاد هي التي تحدد علاقة الإنسان بغيره من الخلق مؤمنهم وكافرهم . . المستأمن منهم والمعاهد والمحارب . . فالجهاد ولاء وبراء ، ولاء للمؤمنين المستضعفين وقتال في سبيلهم ، وإخراج للناس من النار وجرَّهم إلى الجنة بالسلاسل . كما أنه براء من الرؤوس العفنة التي عشعش فيها الكفر والنفاق فتضرب طاعة لله عز وجل ، وبراء من الأنامل الملحدة التي تكتب في سب الله ورسوله ودينه ، " فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله " [ الأنفال ] .

وما تقديم بر الوالدين على الجهاد في المنزلة إلا لوجوب استئذانهما في الجهاد إذا كان فرض كفاية وأنه لا يجوز الخروج بدون إذنهما . . أما في فرض العين فلا إذن لهما كما أجمع على ذلك العلماء ، بل إن الصلاة مع عظمتها يتجاوز فيها فتكون صلاة الخوف في حضرة العدو .

قال الإمام الطبري : " إنما خصَّ صلى الله عليه وسلم هذه الثلاثة بالذكر لأنها عنوان على ما سواها من الطاعات ، فإن من ضيع الصلاة المفروضة حتى يخرج وقتها من غير عذر مع خفة مؤمنتها عليه ، وعظيم فضلها فهو لما سواها أضيع ، ومن لم يبر والديه مع وفور حقهما عليه كان لغيرهما أقل براً ، ومن ترك جهاد الكفار مع شدة عداوتهم للدين ، كان لجهاد غيرهم من الفساق أترك ، فظهر أن الثلاثة تجتمع في أن من حافظ عليها كان لما سواها أحفظ ، ومن ضيعها كان لما سواها أضيع . . . " [ فتح الباري 6/7] .

فأما الصلاة فهي شعار المؤمن وشهادة للرجل بالإيمان ، فكان من عقيدة أهل السنة الصلاة خلف كل مسلم مستور ، فمن قال لا أصلي إلا خلف من أعرف عقيدته في الباطن ، فهو مخالف للأئمة من الصحابة والتابعين .

وأن أول ما يحاسب عليه المؤمن هو الصلاة ، فإن صلحت صلح سائر عمله ، وإن فسدت فسد سائر عمله ، ولعظم عبادتي الصلاة والجهاد وأنه لا قيام للدين إلا بهما كان أكثر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة والجهاد كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، وأقرب ما يكون العبد إلى ربه في صلاته ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد . وقال : " . . . . وجعلت قرة في الصلاة " . وكان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة لجوءاً إلى راحة مناجاة الله فيقول : " أرحنا بالصلاة يا بلال " ، ولأن الصلاة في الأصل هي الدعاء فكان أكثر دعائه في الغزوات فقد دعا صلى الله عليه وسلم في بدر حتى سقط رداؤه .

وأما الجهاد فهو دلالة صدق الإيمان ، ومحبة الله عز وجل ، فهو متضمن لكمال المحبة ما أمر الله به ، وكمال بغض ما نهى الله عنه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فإذا ترك العبد ما يقدر عليه من الجهاد كان دليلاً على ضعف محبة الله ورسوله في قلبه ، ومعلوم أن المحبوبات لا تنال غالباً إلا باحتمال المكروهات " [ مجموع الفتاوي 10/193 ] .

ولما كانت الصلاة تلازم المسلم كل يومه ، كان الجهاد حادياً لحياة المؤمن يحيا يحدث نفسه به ، فكانت التهنئة بلباس الثوب الجديد " البس جديداً وعش سعيداً ومت شهيداً " ، وكانت المواساة في عيادة المريض المؤمن " اللهم اشف عبدك فلاناً ينكأ لك عدواً ويمشي لك إلى صلاة " .

فكان أهم أمر الدين الصلاة والجهاد كما قال صلى الله عليه وسلم " رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله " [ رواه أحمد ] .

ولهذا وصِفَ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم " رهبان الليل فرسان النهار " فلا فرق بين تسوية الصفوف للصلاة وبين تسويتها للقتال ، إذ أن العبادتين من أجلّ العبادات وأفضل الأعمال " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنياناً مرصوص " [ الصف ] .

وقد قال الفاروق رضي الله عنه " والله إني لا أحب الدنيا لولا ثلاث أمور . . أحدها أن أسجد وأصلي لله رب العالمين ، ولولا أني أحمل في سبيل الله ، وأني أجالس أقواماً يلتقطون أطايب الكلام كما يلتقط أطايب الثمر " .

وهذا شبل من أشبال الإسلام - أنس بن مالك - يرده صلى الله عليه وسلم عن الغزو ولا يجيزه فيعود باكياً ولشغفه بالجهاد يكون أكثر من روى أحاديث الجهاد عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ولا قيام للدين اليوم بعد استعلاء الكفر وغلبته إلا بالعلاج نفسه ، فلن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها .

فقاعدة ارتباط عبادة الخضوع بعبادة الخيلاء يجب أن تكون واضحة في عقلية الفرد المسلم . . وأنه بمقدار الوضوح والتصور العقدي يكون انضباط المسير الدعوي الحركي . . وإذ نحاول إزالة الغبش الذهني عن ارتباط العبادتين لننكر الفصام النكد الحادث عند بعض الدعاة والجماعات المسلمة . . فصام العمل والمواقف الحركية والدعوية عن التصور والمعتقد . . هذا الفصام الذي جر على دعوتنا التناقض والاضطراب . .

فالجهاد أحد الأركان الثلاثة التي لا يقوم الدين إلا بها . . وهي الكتاب والميزان والحديد ، فالكتاب به العلم والدين . . والميزان به الحقوق في العقود والقبوض . . والحديد به الجهاد .

قال ابن القيم : " وبعثه الله بالكتاب الهادي والسيف الناصر بين يدي الساعة حتى يُعبد سبحانه وحده لا شريك له ، وجعل رزقه تحت ظل رمحه " .

ويقول : " فإن الله سبحانه أقام دين الإسلام بالحجة والبرهان والسيف والعنان فكلاهما في نصره أخوان شقيقان " [ الفروسية ص 4 ] .

وقال ابن كثير : " وجعلنا الحديد رادعاً لمن أبي الحق وعانده من بعد قيام الحجة عليه ، ولهذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحى إليه السور المكية وكلها جدال مع المشركين وبيان وإيضاح للتوحيد وتبيان ودلائل ، فلمَّا قامت الحجة على من خالف ، شرع الله الهجرة وأمرهم بالقتال بالسيوف وضرب الرقاب والهام لمن خالف القرآن وكذب به وعانده " [ تفسير ابن كثير 8/53 ] .

وأخيراً . . كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " انه لابُدَّ لكل عملٍ من هداية ، ولابُدَّ لكل عمل من قوة " [ الفتاوى /2/19 ] .

وان صحة الاصول توجب صحة المواقف وانضباط السياسات .


وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

[عن مجلة الفجر]