muslim
10-12-2004, 10:15 AM
العراق يساوي فيتنام: قوات الاحتلال قد فقدت السيطرة على 36 مدينة وبلدة عبر العراق / وليام بَويلز
الوطن س/ بالطبع العراق ليس فيتنام، ولا نحن في عام 1965، ولا كذلك العراق دولة تقع في منطقة الغابات الاستوائية. لكن إذا ما أراد المرء أن يقوم بمقارنة تستند على الجغرافيا الصرفة فحسب، إذاً ستكون الجزائر أفضل دولة في هذا المضمار. لكن علينا أن نعرف أن الجغرافيا تقرر شكل الصراع فقط، وليس ما يحركه.
مرت حرب الاستقلال الفيتنامية بعدة مراحل: تم تشكيل صياغتها أولاً في حرب التحرير ضد الاحتلال الياباني، ثم تم شحذها باندحار الفرنسيين، وأخيرا، وبثمن كلف أرواح ثلاثة ملايين إنسان فيتنامي ولاؤسي وكمبودي، تم تدمير الإرادة السياسية للولايات المتحدة ومنعها من فرض تسلطها على إرادة الشعب الفيتنامي. "خسارة" فيتنام كانت بحد ذاتها أكبر اندحار للإمبريالية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي خسارة برهنت بشكل حاسم أن الحروب لا تُخاض بالتكنولوجيا فحسب، بل أولاً وأخيراً بالشعب، وبإرادة الشعب التي لا تلين ولا تُقهر في القتال عندما يكون الكفاح عادلاً. من وجهة النظر العسكرية البحتة فإن "هزيمة" الإمبريالية/الكولونيالية في فيتنام استغرق تحقيقها ثلاثين عاماً، لكن جذور الهزيمة أعمق بكثير من هذه السنوات وهي في حقيقة الأمر جذور عالمية تتعلق بإرادة الشعوب في الحرية.
ليس أمام المرء سوى أن يُدهَش إزاء هذه الغطرسة والغباء الأعمى للولايات المتحدة وبريطانيا بعد أن بات واضحا أنهما لم يتعلما شيئا من الماضي، بل بدلا من التعلم سمحا لأحقادهما وشهواتهما في الانتقام أن يستحوذا عليهما. سبق أن شهدنا قوة مماثلة لهذه السطوة تمثلت بقرار هتلر في غزو الاتحاد السوفيتي عام 1941، ومرة أخرى افترضت السطوة النازية أن أمة من الفلاحين غير قادرة على دحر "العنصر الآري المتفوق" بما يملك من قوة عسكرية قاهرة (في حينه كانت القوة العسكرية الألمانية هي الأكبر والأكثر تقدما على كوكب الأرض).
بعد الدمار شبه الكامل للفلوجة، انتفخت وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية بعبارات تتحدث عن "كسر ظهر المتمردين" و"نقطة التحول الحاسمة" في الصراع لتدمير الإرهابيين. هذه العبارات التي نسمعها في عالم الدعاية الغربية الشاذ الذي يمشي على رأسه بعد أن انقلب كل شيء فيه رأسا على عقب، هو "لتهيئة البلاد نحو انتخابات ديمقراطية"، لكن هذه الدعاية لا تشرح لنا كيف يمكن بالضبط، بعد كل هذا القتل والتدمير والإساءات والإهانة لأبناء الشعب العراقي التي لا بد أن تكون قد خلقت لديه ضغينة لا تموت، أن تساعد حكومة من الببغاوات في الفوز بانتخابات تمت هندستها من قبل قوة محتلة.
لكن لحظة من فضلكم هذه مجرد معلومات صغيرة عن الانتهاكات، وإذا ما أراد المرء أن يحصي مثلها فسيجد جدولاً دائم الجريان من الخداع وتشويه الحقائق، ليس للعراقيين فقط ولكن خداعنا نحن داخل الولايات المتحدة.
المشكلة أن سلطة الإمبراطورية تظهر مجسدة عندما يقرأ المرء هذا:
"...التمرد يبقى فعالاً بالرغم من سقوط معقله في الفلوجة" (الأسوشيتدبريس 20 نوفمبر 2004).
لكن أيما امرئ يدعي أن الفلوجة كانت تمثل يوماً "معقلاً" للمتمردين فهو لا ينطق الحقيقة خاصة إذا ما تأملنا ما جرى خلال الأسابيع القليلة الماضية حيث شاهدنا قوات الاحتلال قد فقدت السيطرة على 36 مدينة وبلدة عبر العراق. هذا إلى جانب ما لاحظناه عن "الغارة" التي شُنت بالمدرعات الثقيلة قد بقيت محصورة عند تخوم قواعد أغلبها محصن تحصينا قوياً. هل إن كافة المدن الست والثلاثين هي معاقل "للمتمردين"، وإذا كان الأمر كذلك، فماذا يكشف لنا هذا؟ وماذا يقول لنا هذا عن طبيعة "التمرد"؟
إنه خداع شامل وطحن سقيم في طاحونة الدعاية لتحقيق فائدة ومصلحة معينة عن طريق الكذب. لكن من المهم أن نعترف هنا أن هناك حربين تجريان في الوقت الحاضر: واحدة في العراق، وواحدة في وسائل الإعلام الغربية، والحرب الثانية لا تقل أهمية عن الأولى. لكن من الواضح أن الحرب في العراق بمجملها قد خسرت أصلا (بالرغم من أنها لن تعترف بالخسارة طبعا) واحدة من أكثر معاركها أهمية هي الحرب في جبهة وسائل الإعلام، بمعنى آخر الحرب مع الأمريكان. المشكلة التي تواجهها الولايات المتحدة هي في إقناع المزيد من السكان المتشككين وشعب بات الآن منقسما بشكل جلي (في الواقع 50% مقابل 50%) بأن سياسة بوش هذه هي لابد منها "للدفاع عن الحرية والديمقراطية" وضمان ديمومة "الحرب على الإرهاب" طالما كانت "الحرب على الإرهاب" هي المفتاح الذي يجعل فيما بعد كل البرامج قابلة للتطبيق. وعلى هذا الأساس يمكن أن نقرأ هنا ما كتبه أحد عتاة اليمين المحافظ الجديد:
"سيتمكن بوش من إعادة الاستقرار للعراق بنجاح، وستفاجئ الانتخابات هناك في العراق العالم بمصداقيتها وطريقة أدائها الواضحة والعادلة. بالمحصلة العامة إن مصلحته (بوش) تكمن إلى حد بعيد في الاعتماد على المحافظين الجُدد بدلا من المذهب النزق واللاأخلاقي للواقعيين. إن التخلي عن العراق وأفغانستان، مثلما يشير الواقعيون للرئيس، هي وصفة بليدة ستؤدي إلى كارثة." (جاكوب هايلبرون، صحيفة لوس أنجلوس تايمز 20 نوفمبر 2004).
هذا المقال الذي أخذت منه الفقرة أعلاه جاء تحت عنوان: "تعاظم دور المحافظين الجدد أمر جيد لبوش". المقال بمجمله يؤكد فكرة أنه بعد فوز بوش بالدورة الرئاسية الثانية فإن "المحافظين الجدد" سيطرحون فائضا من الأفكار والمتطلبات أكثر مما يطرحه "الواقعيون"، وأنهم سيصعدون ثانية في السلطة.
كل ما حصل يندرج في استراتيجية واحدة لكن بتحول جغرافي تمثل بانتقال التركيز من أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية في الثمانينات تحت حكم ريجان/بوش الأب إلى الشرق الأوسط. تجلى هذا الانتقال ابتداء من التسعينات تحت حكم بوش الأب خلال حرب الخليج الثانية.
أعتقد أنه من الحاسم جدا لليسار أن يحرر نفسه من وهم الفكرة القائلة إن السياسة الراهنة للولايات المتحدة تحت إدارة بوش تختلف جوهريا عن تلك التي اتبعتها الإدارات السابقة. ومن أجل قول الحقيقة فقط فإن ما حصل في عهد بوش الابن هو أن فترتين مختلفتين من السياسة الإمبريالية للولايات المتحدة قد اندمجتا مع بعضهما. الأولى، ممثلة بـ: إيليوت أبرامز، جون بولتون، ريتشارد أرميتاج، أوتو رايخ، هنري كيسنجر، وآل. هؤلاء اللاعبون الأساسيون في سياسة ريجان المتمثلة بـ "حرب ذات كثافة محدودة في أمريكا الوسطى" قد انضموا إلى أولئك الذين تحالفوا مع اليمين الإسرائيلي الانتقامي: بول فولفتز، ريتشارد بيرل، دوجلاس فيث، وآل. لا يمكن البرهنة على أن الحلوى جيدة إلا بعد تناولها كما يقولون. هاتان المجموعتان تشكلان لُب فريق بوش للسياسة الخارجية. الأرض المشتركة بينهما هي العراق وإسرائيل. دع التاريخ يكون مرشدنا، كما كان على الدوام.
ما جعل هذه الخطط ممكنة التنفيذ هو انتهاء الحرب الباردة وما خلفته من أمر واقع خطير تمثل بفراغ كبير في القوة في منطقة الشرق الأوسط جاء بعد إلغاء الاتحاد السوفيتي كعقبة أمام التوسع الأمريكي نحو الشرق. وعلى هذا الأساس فإن عنصرين من عناصر السياسة الخارجية الأمريكية اتحدا مع بعضهما البعض، وعليه من الممكن أن نفترض أن سياسة الولايات المتحدة في ظل إدارة بوش ستتحرك على جبهتين رئيسيتين: الأولى في وسط/جنوب أمريكا ضد فنزويلا، وكولومبيا والآن أوروجواي، والثانية، الاستمرار في الاندفاع نحو الشرق.
بالنسبة للولايات المتحدة، في هذه اللحظة الراهنة، فإن تحقيق "نصر" عسكري في العراق هو أقل أهمية بكثير من خططها في الحيلولة دون ظهور معارضة عربية موحدة ضد هذا التحالف الأمريكي/الإسرائيلي. ومثلما كان الأمر عليه في يوغسلافيا فالهدف هو "بلقنة" العالم العربي. الهدف هذا بحد ذاته يفسر لنا لماذا تشجع الولايات المتحدة عمدا وعن قصد، بل وتشارك في تدمير المجتمع المدني العراقي. إنها تسعى بكل بساطة وراء تحقيق هدف رئيسي (يتماشى مع السياسة الإسرائيلية) يتمثل في خلق تجمع مشرذم وخائر القوى من "الدويلات" العربية (باستثناء مصر والأردن حيث ستكونان، كما هو مخطط لهما، "شرطي" الغرب للمنطقة) لن يكون قادرا على مقاومة المخططات الأمريكية/الإسرائيلية. بعد ذلك يصبح الهدف القادم سوريا/لبنان، ليأتي بعد ذلك دور إيران حالما يتم تقطيع أوصال العالم العربي. بصراحة هذه هي الخطة.
*كاتب وباحث أمريكي
الوطن س/ بالطبع العراق ليس فيتنام، ولا نحن في عام 1965، ولا كذلك العراق دولة تقع في منطقة الغابات الاستوائية. لكن إذا ما أراد المرء أن يقوم بمقارنة تستند على الجغرافيا الصرفة فحسب، إذاً ستكون الجزائر أفضل دولة في هذا المضمار. لكن علينا أن نعرف أن الجغرافيا تقرر شكل الصراع فقط، وليس ما يحركه.
مرت حرب الاستقلال الفيتنامية بعدة مراحل: تم تشكيل صياغتها أولاً في حرب التحرير ضد الاحتلال الياباني، ثم تم شحذها باندحار الفرنسيين، وأخيرا، وبثمن كلف أرواح ثلاثة ملايين إنسان فيتنامي ولاؤسي وكمبودي، تم تدمير الإرادة السياسية للولايات المتحدة ومنعها من فرض تسلطها على إرادة الشعب الفيتنامي. "خسارة" فيتنام كانت بحد ذاتها أكبر اندحار للإمبريالية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي خسارة برهنت بشكل حاسم أن الحروب لا تُخاض بالتكنولوجيا فحسب، بل أولاً وأخيراً بالشعب، وبإرادة الشعب التي لا تلين ولا تُقهر في القتال عندما يكون الكفاح عادلاً. من وجهة النظر العسكرية البحتة فإن "هزيمة" الإمبريالية/الكولونيالية في فيتنام استغرق تحقيقها ثلاثين عاماً، لكن جذور الهزيمة أعمق بكثير من هذه السنوات وهي في حقيقة الأمر جذور عالمية تتعلق بإرادة الشعوب في الحرية.
ليس أمام المرء سوى أن يُدهَش إزاء هذه الغطرسة والغباء الأعمى للولايات المتحدة وبريطانيا بعد أن بات واضحا أنهما لم يتعلما شيئا من الماضي، بل بدلا من التعلم سمحا لأحقادهما وشهواتهما في الانتقام أن يستحوذا عليهما. سبق أن شهدنا قوة مماثلة لهذه السطوة تمثلت بقرار هتلر في غزو الاتحاد السوفيتي عام 1941، ومرة أخرى افترضت السطوة النازية أن أمة من الفلاحين غير قادرة على دحر "العنصر الآري المتفوق" بما يملك من قوة عسكرية قاهرة (في حينه كانت القوة العسكرية الألمانية هي الأكبر والأكثر تقدما على كوكب الأرض).
بعد الدمار شبه الكامل للفلوجة، انتفخت وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية بعبارات تتحدث عن "كسر ظهر المتمردين" و"نقطة التحول الحاسمة" في الصراع لتدمير الإرهابيين. هذه العبارات التي نسمعها في عالم الدعاية الغربية الشاذ الذي يمشي على رأسه بعد أن انقلب كل شيء فيه رأسا على عقب، هو "لتهيئة البلاد نحو انتخابات ديمقراطية"، لكن هذه الدعاية لا تشرح لنا كيف يمكن بالضبط، بعد كل هذا القتل والتدمير والإساءات والإهانة لأبناء الشعب العراقي التي لا بد أن تكون قد خلقت لديه ضغينة لا تموت، أن تساعد حكومة من الببغاوات في الفوز بانتخابات تمت هندستها من قبل قوة محتلة.
لكن لحظة من فضلكم هذه مجرد معلومات صغيرة عن الانتهاكات، وإذا ما أراد المرء أن يحصي مثلها فسيجد جدولاً دائم الجريان من الخداع وتشويه الحقائق، ليس للعراقيين فقط ولكن خداعنا نحن داخل الولايات المتحدة.
المشكلة أن سلطة الإمبراطورية تظهر مجسدة عندما يقرأ المرء هذا:
"...التمرد يبقى فعالاً بالرغم من سقوط معقله في الفلوجة" (الأسوشيتدبريس 20 نوفمبر 2004).
لكن أيما امرئ يدعي أن الفلوجة كانت تمثل يوماً "معقلاً" للمتمردين فهو لا ينطق الحقيقة خاصة إذا ما تأملنا ما جرى خلال الأسابيع القليلة الماضية حيث شاهدنا قوات الاحتلال قد فقدت السيطرة على 36 مدينة وبلدة عبر العراق. هذا إلى جانب ما لاحظناه عن "الغارة" التي شُنت بالمدرعات الثقيلة قد بقيت محصورة عند تخوم قواعد أغلبها محصن تحصينا قوياً. هل إن كافة المدن الست والثلاثين هي معاقل "للمتمردين"، وإذا كان الأمر كذلك، فماذا يكشف لنا هذا؟ وماذا يقول لنا هذا عن طبيعة "التمرد"؟
إنه خداع شامل وطحن سقيم في طاحونة الدعاية لتحقيق فائدة ومصلحة معينة عن طريق الكذب. لكن من المهم أن نعترف هنا أن هناك حربين تجريان في الوقت الحاضر: واحدة في العراق، وواحدة في وسائل الإعلام الغربية، والحرب الثانية لا تقل أهمية عن الأولى. لكن من الواضح أن الحرب في العراق بمجملها قد خسرت أصلا (بالرغم من أنها لن تعترف بالخسارة طبعا) واحدة من أكثر معاركها أهمية هي الحرب في جبهة وسائل الإعلام، بمعنى آخر الحرب مع الأمريكان. المشكلة التي تواجهها الولايات المتحدة هي في إقناع المزيد من السكان المتشككين وشعب بات الآن منقسما بشكل جلي (في الواقع 50% مقابل 50%) بأن سياسة بوش هذه هي لابد منها "للدفاع عن الحرية والديمقراطية" وضمان ديمومة "الحرب على الإرهاب" طالما كانت "الحرب على الإرهاب" هي المفتاح الذي يجعل فيما بعد كل البرامج قابلة للتطبيق. وعلى هذا الأساس يمكن أن نقرأ هنا ما كتبه أحد عتاة اليمين المحافظ الجديد:
"سيتمكن بوش من إعادة الاستقرار للعراق بنجاح، وستفاجئ الانتخابات هناك في العراق العالم بمصداقيتها وطريقة أدائها الواضحة والعادلة. بالمحصلة العامة إن مصلحته (بوش) تكمن إلى حد بعيد في الاعتماد على المحافظين الجُدد بدلا من المذهب النزق واللاأخلاقي للواقعيين. إن التخلي عن العراق وأفغانستان، مثلما يشير الواقعيون للرئيس، هي وصفة بليدة ستؤدي إلى كارثة." (جاكوب هايلبرون، صحيفة لوس أنجلوس تايمز 20 نوفمبر 2004).
هذا المقال الذي أخذت منه الفقرة أعلاه جاء تحت عنوان: "تعاظم دور المحافظين الجدد أمر جيد لبوش". المقال بمجمله يؤكد فكرة أنه بعد فوز بوش بالدورة الرئاسية الثانية فإن "المحافظين الجدد" سيطرحون فائضا من الأفكار والمتطلبات أكثر مما يطرحه "الواقعيون"، وأنهم سيصعدون ثانية في السلطة.
كل ما حصل يندرج في استراتيجية واحدة لكن بتحول جغرافي تمثل بانتقال التركيز من أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية في الثمانينات تحت حكم ريجان/بوش الأب إلى الشرق الأوسط. تجلى هذا الانتقال ابتداء من التسعينات تحت حكم بوش الأب خلال حرب الخليج الثانية.
أعتقد أنه من الحاسم جدا لليسار أن يحرر نفسه من وهم الفكرة القائلة إن السياسة الراهنة للولايات المتحدة تحت إدارة بوش تختلف جوهريا عن تلك التي اتبعتها الإدارات السابقة. ومن أجل قول الحقيقة فقط فإن ما حصل في عهد بوش الابن هو أن فترتين مختلفتين من السياسة الإمبريالية للولايات المتحدة قد اندمجتا مع بعضهما. الأولى، ممثلة بـ: إيليوت أبرامز، جون بولتون، ريتشارد أرميتاج، أوتو رايخ، هنري كيسنجر، وآل. هؤلاء اللاعبون الأساسيون في سياسة ريجان المتمثلة بـ "حرب ذات كثافة محدودة في أمريكا الوسطى" قد انضموا إلى أولئك الذين تحالفوا مع اليمين الإسرائيلي الانتقامي: بول فولفتز، ريتشارد بيرل، دوجلاس فيث، وآل. لا يمكن البرهنة على أن الحلوى جيدة إلا بعد تناولها كما يقولون. هاتان المجموعتان تشكلان لُب فريق بوش للسياسة الخارجية. الأرض المشتركة بينهما هي العراق وإسرائيل. دع التاريخ يكون مرشدنا، كما كان على الدوام.
ما جعل هذه الخطط ممكنة التنفيذ هو انتهاء الحرب الباردة وما خلفته من أمر واقع خطير تمثل بفراغ كبير في القوة في منطقة الشرق الأوسط جاء بعد إلغاء الاتحاد السوفيتي كعقبة أمام التوسع الأمريكي نحو الشرق. وعلى هذا الأساس فإن عنصرين من عناصر السياسة الخارجية الأمريكية اتحدا مع بعضهما البعض، وعليه من الممكن أن نفترض أن سياسة الولايات المتحدة في ظل إدارة بوش ستتحرك على جبهتين رئيسيتين: الأولى في وسط/جنوب أمريكا ضد فنزويلا، وكولومبيا والآن أوروجواي، والثانية، الاستمرار في الاندفاع نحو الشرق.
بالنسبة للولايات المتحدة، في هذه اللحظة الراهنة، فإن تحقيق "نصر" عسكري في العراق هو أقل أهمية بكثير من خططها في الحيلولة دون ظهور معارضة عربية موحدة ضد هذا التحالف الأمريكي/الإسرائيلي. ومثلما كان الأمر عليه في يوغسلافيا فالهدف هو "بلقنة" العالم العربي. الهدف هذا بحد ذاته يفسر لنا لماذا تشجع الولايات المتحدة عمدا وعن قصد، بل وتشارك في تدمير المجتمع المدني العراقي. إنها تسعى بكل بساطة وراء تحقيق هدف رئيسي (يتماشى مع السياسة الإسرائيلية) يتمثل في خلق تجمع مشرذم وخائر القوى من "الدويلات" العربية (باستثناء مصر والأردن حيث ستكونان، كما هو مخطط لهما، "شرطي" الغرب للمنطقة) لن يكون قادرا على مقاومة المخططات الأمريكية/الإسرائيلية. بعد ذلك يصبح الهدف القادم سوريا/لبنان، ليأتي بعد ذلك دور إيران حالما يتم تقطيع أوصال العالم العربي. بصراحة هذه هي الخطة.
*كاتب وباحث أمريكي