أبو العز الجبريني
08-05-2004, 02:54 PM
استكمالا لموضوع لماذا الجهاد في سبيل الله ؟ .. إليكم أخوتي وأخواتي الحلقة الثانية منه
ثالثاً: لأن الجهاد في سبيل الله هو الدعوة الصادقة والوسيلة الحقيقية لتحقيق السلام في الأرض .. وبيان ذلك أن الله تعالى فطر الخلق على سُنة ثابتة ماضية ـ لا يمكن لأحدٍ مهما أوتي من قوة أو نفوذ أن يلغيها أو يغيرها ـ لا تتغير ولا تتبدل إلى يوم القيامة؛ وهي سنة التدافع بين الحق وأهله من جهة وبين الباطل وأهله من جهة أخرى .. فالباطل ـ منذ أن وجد ـ بكل تجمعاته وتكتلاته يعمل جاهداً على استئصال الحق من الوجود وبسط نفوذه عليه، وتحقيق السلام في الأرض على طريقته الباطلة الظالمة .. وكذلك الحق بكل تجمعاته لا يألو جهداً في تحجيم الباطل وكسر شوكته .. وفرض السلام في الأرض على طريقته العادلة . فلو قُدر للباطل أن يبسط نفوذه على بقعة من بقاع الأرض فهل تراه قادر على تحقيق السلام العادل فيها .. أو أن ينصف الحق وأهله من نفسه ..؟! الجواب: لا .. لماذا ؟! ذلك لسببين، أولهما: لا يوجد للباطل قانون عادل ثابت يُلزم به أهله وأتباعه في السخط والرضى .. في القوة والضعف .. في السلم والحرب .. الذي يمنعهم من التمادي في ظلم العباد والمخالفين .. مما يحملهم على أن يشرعوا لأنفسهم وللآخرين القوانين التي تلبي نزواتهم وأهواءهم، وأحقادهم .. والتي مؤداها إلى ظلم الآخرين وهضم حقوقهم ووجودهم .. فهم ـ أي أهل الباطل ـ لا يتورعون في أن يصدروا القوانين أو يغيروا بها ـ وقت يشاءون ـ لما يخدم مصالحهم ومآربهم الخاصة وإن أدى ذلك إلى هضم وسحق الشعوب الأخرى ..! ولو وجدوا في مرحلة من المراحل أن قوانينهم ـ التي هي من عند أنفسهم وأهوائهم ـ لا تلبي رغباتهم، وأطماعهم، وأحقادهم .. فالأحبار والرهبان من دهاقنة الساسة جاهزون لسن القوانين التي ترقى إلى درجة تلبية الرغبات والأطماع .. والتي سرعان ما تتحول قوانينهم الجائرة إلى مستوى القانونية أو الشرعية الدولية التي يجب على الشعوب المقهورة المسلوبة الحقوق أن تحتكم إليها وترضى بها وبتبعاتها .. والويل كل الويل لمن يخالفها أو يعترض عليها(1)!! فالباطل الذي لا يملك الميزان الثابت العادل .. لا يمكن، بل لا يسمح للآخرين أن يتعاملوا معه بسلام أو بغير صدام .. وبالتالي فهو غير مؤهل بأن يحقق السلام العادل في الوجود! السبب الثاني: فقد تضافرت أدلة النصوص الشرعية وكذلك أدلة الواقع المعايش على أن الباطل بكل تجمعاته ومذاهبه لا يمكن أن يرضى عن الحق وأهله، أو أن تهدأ مطاردته وملاحقته لهم .. إلا بأحد خيارين: إما أن يرتد الحق عن حقه ليدخل في دين ومذاهب الباطل .. وإما خيار القتل والتشريد والاستئصال من الوجود إن قدروا على ذلك ..!! قال تعالى:] ولا يزالون يُقاتلوكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا [ البقرة:217.
ـــــــــــــــــ
(1) لتعرف حقيقة ذلك تأمل القوانين الجائرة الصادرة عن الأمم المتحدة، التي وراءها قوى الاستكبار العالمي أمريكا ومن دار في فلكها من دول الغرب الصليبي .. كيف تبيح للمغتصب الظالم بأن يغتصب حقوق الآخرين كما هو حاصل في فلسطين .. وفي الشيشان .. وفي أفغانستان .. وفي العراق .. وفي كشمير وغيرها من البلدان والأمصار .. كل ذلك يمرر بعد أن تصدر القوانين ـ وما أسهل إصدارها على مصاصي الدماء من الأحبار والرهبان ـ التي تبيح هذا الاغتصاب .. وهذه الانتهاكات .. لتصبح فيما بعد هي الحق الذي لا يجوز التعقيب عليه .. وخلافها من الحق هو الباطل الذي يُعد الهمس به من الإرهاب .. !! وتأمل كذلك كيف تُطالب دول النفاق والشقاق .. العراق وشعب العراق بالالتزام الحرفي بالقوانين الصادرة عن الأمم المتحدة ـ أو بالأحرى أمريكا راعية الطغيان العالمي ـ التي أدت إلى قتل مئات الآلاف من أطفال العراق جوعا ومرضاً .. وكأن هذه القوانين الكافرة آيات منزلة من السماء لا تجوز مخالفتها أو معارضتها .. بل الآيات المنزلات في القرآن الكريم يجرؤون على مخالفتها وردها ولا يجرؤون على مخالفة تلك القوانين التي مصدرها مصاصي الدماء من الطواغيت .. !!
وقوله تعال:] ولا يزالون .. [ يفيد الاستمرار والمواصلة على القتال ما داموا قادرين على ذلك .. والغرض من هذا القتال أن يردوا أهل الحق عن حقهم ودينهم ليدخلوهم في باطلهم ودينهم ..! وقال تعالى:] كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة [ التوبة:8. أي إن علا سلطانهم على أهل الحق لا يُراعون فيهم حرمة القرابة، ولا حرمة ما بينهم من العهود والمواثيق، ولا يمنعهم عن سفك الدم الحرام أو انتهاك الحرمات شيء من ذلك .. ومن كان كذلك لا يمكن أن يحقق السلام، أو أن يكون مؤهلاً لتحقيق السلام مع الآخرين ..! وقال تعالى:] ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم [البقرة:120. فلن الواردة في الآية الكريمة تفيد نفي الحاضر والمستقبل .. أي مهما حاول أهل الحق أن يسترضوا اليهود والنصارى عنهم فلن يُفلحوا إلا بشرط واحد: وهو اتباع ملتهم والدخول في دينهم وباطلهم ..! والآية تفيد كذلك أن رضى اليهود والنصارى عن المسلم مؤشر صريح على انحراف المسلم عن جادة الحق والصواب إلى الباطل الذي هم عليه .. فحيثما يظهر رضى القوم عن المسلم فعليه أن يتهم نفسه، وأن يُراجع دينه !! وقال تعالى:] وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودنَّ في ملتنا [ إبراهيم:13. فقوله تعالى] وقال الذين كفروا .. [ يفيد الاستغراق؛ أي جميع الذين كفروا على مدار الزمن وإلى يوم القيامة يقولون للرسل وأتباعهم المؤمنين ] لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا [ .. ومن كان هذا وصفه وديدنه فأنى له أن يحقق السلام في الأرض ؟!! ونحو ذلك قوله تعالى عن فتية أهل الكهف:] إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يُعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبدا [ الكهف:20. وغيرها كثير من الآيات القرآنية الكريمة التي تفيد هذا المعنى .. وفي الحديث فقد أخرج البخاري وغيره أن النبي r لما أخبر ورقة بن نوفل خبر ما رأى من الوحي، قال له ورقة: هذا الناموس ـ أي جبريل عليه السلام ـ الذي نزل على موسى، يا ليتني فيها جذعاً ـ أي شاباً قوياُ ـ ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله r: أو مخرجي هم ؟! فقال: نعم، لم يأتِ رجل بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً .
هذه أدلة النصوص الشرعية .. أما أدلة الواقع الملموس والمشاهد فحدث عنها ولا حرج؛ فما أكثر تلك الديار وأولئك الشعوب التي تنتهك حرماتهم صباح مساء بسبب أنهم لم يدخلوا في طاعة القوم أو في دينهم ..؟! فانظر ماذا حصل ويحصل في فلسطين .. وماذا حصل في البوسنة والهرسك .. وفي كوسوفو .. وماذا يحصل في هذه الأيام في الشيشان .. وفي الفلبين .. وفي أندونيسيا .. وفي الصين .. وفي كشمير .. وفي أفغانستان .. وفي العراق .. وفي السودان .. وفي أرتيريا .. وفي لبنان .. وفي الصومال .. وغيرها كثير من البلدان ..!!ما يحصل في تلك الديار وغيرها من ممارسات وتصفيات وحصارات، ومؤامرات .. لهو أكبر دليل على أن القوم لا يُحسنون صنعة السلام .. إلا سلام الأسياد مع العبيد .. العبيد الذين لا يحق لهم ـ في قوانين الأسياد ـ إلا أن يمتهنوا صنعة الركوع والسجود والطاعة للأسياد ولقوانين الأسياد ..!هذا هو سلام الباطل .. فسلامه غدر وحرب وقتل وقتال .. وهضم ونصب للحقوق والحريات .. ومن كان كذلك فهو غير مؤهل لرعاية عملية السلام .. ولا لبسط وتحقيق السلام .. لأنهم هم أنفسهم يفقدون السلام .. وفاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه للآخرين ! إذا كان هذا هو سلام الباطل .. فهل الحق قادر على تحقيق السلام العادل .. وهل هو قادر على إنصاف الآخرين ـ ولو كانوا من أهل الباطل ـ من نفسه .. أو يحقق لهم الأمن والسلام ..؟! الجواب: نعم .. لماذا ؟ لأن الحق يملك القانون العادل الثابت الذي يُعرفه ما له وما عليه .. القانون الذي يلتزمه في السر والعلن .. في السخط والرضى .. في السلم والحرب .. وليس له أن يخرج قيد أنملة عن هذا القانون إلا إذا آثر أن يخرج عن كونه ووصفه بأنه الحق أو من أهل الحق ! هذا القانون هو " حكم الله تعالى " الذي لا يتغير ولا يتبدل، والذي لا يُحابي مخلوقاً على حساب مخلوق .. فكل الناس أمامه سواء .. الغالب والمغلوب .. الضعيف والقوي .. السيد والوضيع لا فرق بينهم أمام حكم الله .. فلكل له وعليه .. وعلى الجميع أن يلتزموا بما لهم وما عليهم .. بحسب ما يقضي الله تعالى في حكمه وشرعه! وهذا من أكبر العوامل التي تعين على تحقيق السلام في الأرض .. إذ أن الآخرين يعرفون قبل أن يدخلوا في السلم مع الحق وأهله ما لهم وما عليهم .. إنهم جميعاً أمام قانون واحد لا يمكن أن يتغير ولا أن يتبدل بحسب الأهواء والمصالح .. فهو لا يخضع لمزاج السلاطين أو الحكام ولا لسياساتهم .. كما لا يجوز أن يخضع لرغبات ونزوات الشعوب المنتصرة الغالبة .. كما هو الحال عند الباطل وأهله !! فهم عندما يدخلون في سلم الحق لن يكونوا عبيداً للعبيد .. ولا خاضعين لسلطة العبيد كما هو الحال عندما ينتصر الباطل في موقعة من المواقع .. وإنما هم في حقيقة أمرهم داخلون في الطاعة العامة لله U .. وفي العبودية العامة للخالق I .. وفي السلم العام الذي شرعه الله تعالى للعباد .. وهذه عبودية تشريف لا انتقاص فيها من قدر المخلوق أو العباد(1) ..! من قوانين الحق التي يلتزم بها المسلمون حكاماً ومحكومين قوله تعالى:] يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود [ المائدة:1. وقوله تعالى:] وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها [ النحل:91. وقوله تعالى:] ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون [ النحل:95. وقوله تعالى:] وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً [ الإسراء:34. فهي نصوص تلاحق ضمير وأخلاق المؤمن أينما ذهب أو حل وأقام .. تمنعه من أن يفكر ـ مجرد التفكير ـ في الغدر أو الخيانة أو نقض العهد مهما كانت تكاليف وتبعات الالتزام بالعهد أو العقد الذي يعطيه المؤمن للآخرين(2) ..!
ـــــــــــــــــــ
(1) العبادة نوعان: عباد شرعية دينية أو عبادة خاصة .. وهذه عبادة لا إكراه فيها إن أبى الإنسان أن يدخل فيها .. وهو المراد من قوله تعالى:] لا إكراه في الدين ..[؛ أي لا إكراه على الدخول في العبادة الشرعية الدينية .. وعبادة كونية قدرية أو عبادة عامة؛ وهي عبادة الدخول في الطاعة العامة لحكم الله U .. والانقياد العام لسلطة شرع الله U .. وهذه عبادة لا مناص لأحدٍ من العباد أن يتخلف عنها أو لا يدخل فيها .. فإن أبوا إلا القتال قوتلوا عليها .. وهو المراد من قوله تعالى:] وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله [ أي حتى تكون الطاعة والخضوع كله لله وحده .. وليس لسلطان، أو شعب منتصر .. فإن أتوا بالعبادة العامة والطاعة العامة لحكم الله تعالى وسلطانه .. فليدخلوا بعدها في العبادة الدينية الخاصة التي يشاءون .. وحسابهم على الله !!
(2) مما يذكره لنا التاريخ: أن أبا عبيدة بن الجراح t كان قد صالح نصارى الروم على مدينة دمشق، وكان خالد بن الوليد لم يعلم بصلح وعهد أبي عبيدة مع نصارى الروم .. فافتتح دمشق عنوة من جهة الباب الشرقي للمدينة .. ولما ذكر النصارى ذلك لعبيدة ردّ إليهم المدينة بكاملها ـ التي هي دمشق! ـ وفاء بالعهد وبالكلمة التي أعطاها لهم ..! تأمل .. أهكذا هم الصهاينة اليهود اليوم ـ ووراءهم أمريكا والغرب الصليبي ـ في تعاملهم مع العقود والعهود التي يعطونها للآخرين .. كم هي العقود والعهود التي يبرمونها اليوم .. وفي اليوم الثاني يغدرون بها لأدنى مصلحة يمكن أن يفقدونها من وراء هذا العقد أو العهد .. فأنى لهؤلاء أن يكونوا دعاة بحق للسلام أو أنهم كفأ لأن يكونوا رعاة بحق لعملية السلام .. ؟!! ثم تأمل انسحاب الصهاينة اليهود الصوري من أراضٍ لا حق لهم فيها في فلسطين .. كيف يكون بالشبر والفِتر .. وذلك كله بعد العهود الكثيرة الكاذبة والمتراكمة عليهم منذ عقود قد أعطوها للآخرين ..!!
وقد تقدم معنا حديث السفينة، وفيه قوله r:" فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً "؛ أي إن تركوا لأهل الباطل الحرية في قيادة السفينة والمجتمعات، أو أن يفرضوا سلامهم الباطل كما يحلو لهم فقد هلكوا جميعاً: الصالحين والطالحين .. وغرقت بهم السفينة، وهلكت البلاد .. ! وإن أخذوا على أيديهم ـ بالجهاد والقتال ـ ومنعوهم عن فسادهم وطغيانهم، وفرضوا سلامهم العادل .. نجوا جميعا:ً الصالحين والطالحين معاً .. ونجت معهم السفينة والمجتمعات من الغرق في أوحال الشرك والفساد، والدمار .. ! والذي يهمنا من ألفاظ الحديث في هذا الموضع قوله r " نجوا ونجوا جميعاً " الذي يفيد حرص الحق على تحقيق النجاة والسلامة لأهل الباطل كذلك .. وهذا مالا يمكن أن نجده أو نشعر به عند أهل الباطل نحو الحق وأهله ..! وقال r:" من أمن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل، وإن كان المقتول كافراً "(1). وقال r:" من قتل نفساً معاهدة بغير حلها، حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها "(2). هذه هي أخلاق الحق التي تُلزم كل مسلم ولو كان في أدغال إفريقيا أو الفلبين .. فهو يكفيه بأن يسمع بهذا الحديث أو نحوه ليكون له رادعاً وزاجراً يردعه من أن يمس أو يصيب الكافر الذمي أو المعاهد المؤمَّن بأدنى أذى أو سوء ..! وبعد، فإنه يحق لنا أن نسأل: أهكذا هم أهل الباطل ـ بكل تجمعاتهم ومذاهبهم ـ عندما يتعاملون مع المسلمين وبخاصة إن ظهروا عليهم بنوع قوة أو سلطة .. ؟! الجواب: تجده في المجازر الجماعية بحق الشيوخ والأطفال والنساء التي ارتكبت في البوسنة والهرسك .. وفي الشيشان .. وفي أفغانستان من قبل .. تجده في المقابر الجماعية للأحياء .. تجده في حرق المسلمين وهم يتعبدون في مساجدهم كما حصل في مالوكو إندونسيا .. ؟!! تجد الجواب في البيوت المهدمة على أهلها وأصحابها الأبرياء في فلسطين ..؟! راجع تاريخ فتوحات الإسلام كلها .. هل تعرف مرة أن الإسلام اضطر ـ فضلاً عن أن يجبر ـ أهل البلاد بأن يخرجوا من ديارهم بالآلاف أو الملايين ..!! بينما نجد صهاينة اليهود لما غزوا فلسطين شردوا ملايين المسلمين من أبناءها وأسكنوهم في العراء وفي المخيمات .. ثم بعد ذلك قسّموا الناس بين نازح ولاجئ، ولكل منهما درجة ؟!
ـــــــــــــــــ
(1) أخرجه النسائي، وابن ماجة، وأحمد، السلسلة الصحيحة:440.
(2) صحيح سنن النسائي:4423.
كذلك لما غزت روسيا من قبل أفغانستان .. وكذلك لما غزت الشيشان .. وكذلك الصرب لما غزوا البوسنة والهرسك .. أجبروا المسلمين من أهل البلد على الهجرة والخروج من ديارهم وبيوتهم .. وذلك بعد أن ارتكبوا بحقهم المجازر التي لا يمكن أن يتصورها عقل آدمي ..!! كل ذلك يحصل في زمن الديمقراطية .. وزمن الإنسانية .. ومحاربة العنصرية .. وعلى مرأى ومسمع من جميع محافل الباطل ومؤسساته ودوله(1). كل ذلك يجعلنا نجزم ونؤكد بأن الباطل لا يمكن له أن يحقق السلام العادل في الوجود لأنه لا يملك الخصائص النفسية والأخلاقية التي تمكنه من ذلك، بخلاف الحق فإنه يملك جميع مقومات وخصائص تحقيق السلام العادل في الأرض كل الأرض .. وبالتالي هو الذي يجب أن يُرشح لقيادة ورعاية عملية السلام، وعلى طريقته الخاصة به .. وليس على طريقة أحدٍ غيره. ولما كان الباطل لا يسمح للحق أن يقود ويرعى عملية السلام .. أو يحقق السلام العادل على طريقته الشرعية الربانية .. لزم على الحق وأهله أن يجاهدوا الباطل وأهله ويزيلوا من أمامهم العقبات الكثيرة التي ينثرها الباطل في طريقهم والتي تحيل بينهم وبين تحقيق السلام ..! لذا فإن كل من يريد السلام بحق نقول له: أقرب طريق لتحقيق السلام العادل هو الجهاد في سبيل الله .. وأي طريق آخر يُسلك غير طريق الجهاد فهو طريق لا يوصل للسلام ولا يمكن أن يحقق السلام، وهو مضيعة للأوقات والأعمار من غير طائل ولا فائدة .. وليس من ورائه إلا تأخير عملية السلام .. وإطالة أمد الحروب والظلم والشقاء والحرمان ..! فكل من يتنكب طريق الجهاد ـ بقصد أو غير قصد ـ فهو لا يعمل للسلام .. ولا يريد للسلام أن تقوم له قائمة .. وإنما يريد أن يطيل أمد الحروب والشقاء والظلم والحرمان .. يريد أن يطيل عمر طغيان الباطل .. يريد أن يكرس سلام الباطل الذي هو ليس بسلام .. وإن زعم ملء شدقيه أنه من دعاة وأنصار السلام !! وعليه فإن أقرب الناس للسلام، وأصدقهم دعوة إلى السلام هم المجاهدون في سبيل الله الذين يُقاتلون في سبيل الله .. وأكثر الناس بعداً وعداءً للسلام هم أكثرهم عداءً لمبدأ الجهاد في سبيل الله ..!!
ــــــــــــــــــ
(1) فإن قيل ولكن يوجد في الدول الغربية المتحضرة قوانين تحارب العنصرية .. أقول: رغم أن هذه الدول قد اهتدت لهذه القوانين مؤخراً وبعد سلسلة طويلة من الانتهاكات لحقوق الإنسان .. إلا أن هذه القوانين عبارة عن حبر على ورق لا سلطان لها في ضمائر الشعوب وأخلاقهم .. لذا نرى هذه القوانين في وادٍ وأخلاق وممارسات الناس في وادٍ آخر، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصر في هذا الموضع، كان آخرها ـ كما طالعتنا بذلك وكالات الأنباء ـ قتل طفل في ألمانيا .. ذنبه وجرمه أن أباه مسلم من العراق .. علماً أن أمه ألمانية الأصل والمنشأ ..؟!! ثم ما قيمة أن تُحارَب العنصرية على مستوى ممارسة الأفراد في داخل المجتمع .. بينما في المقابل هم يقرون ويباركون العنصرية الدولية التي تمارس بحق دول وشعوب من الدرجة الثانية أو الثالثة كما يصنفونها هم .. كما هو حاصل في فلسطين وغيرها من البلدان ؟!!
رابعاً: لأن الغايات العامة للإسلام لا يمكن أن تتحقق إلا بالجهاد في سبيل الله . فمن دواعي الشروع في طريق الجهاد كذلك أن الغايات العظمى الكليّة للإسلام لا يمكن أن تتحقق إلا بالجهاد في سبيل الله . ومن أجل وأعظم غايات الإسلام نشر التوحيد وبسط نفوذه .. واستئصال الشرك وتحجيم نفوذه .. والعمل على أطر العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد .. ومن جور الأديان والشرك إلى عدل الإسلام والتوحيد .. وهذه مهمة جميع الأنبياء والرسل من لدن آدم u إلى نبينا محمد r ، كما قال تعالى:] ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [ النحل:36. وقد تقدمت الإشارة إلى حرص الباطل الشديد على منع الحق من أن يبسط نفوذه أو ينشر ما لديه من الخير والهداية، وهو لا يتردد في زرع العقبات والأشواك في طريقه، التي تعيق بين رسالته وهدفه وبين الناس .. وقد ذكرنا ـ فيما تقدم ـ الأدلة على ذلك من النصوص الشرعية، وكذلك أدلة الواقع التي تثبت أن الباطل لا يهدأ له بال ولا تقر له عين إلا بعد أن يرد الحق عن حقه أو يُزيله عن الوجود والحياة إن استطاع ..! وهذا واقع ظاهر لا خفاء فيه .. لا ينبغي أن نطيل الجدال حوله لنثبت صحته ..! الشاهد مما تقدم: أن الإسلام لا بد له من أن يؤدي رسالته، وهو وجِد لذلك .. وأن القائمين على نصرة هذا الدين الحنيف لا بد لهم من أن يعملوا جادين ومخلصين لنصرة هذا الدين ونشر تعاليمه بين الناس كل الناس، وليس لهم خيار غير ذلك .. وهذا من لوازمه إزالة كل العقبات والأشواك التي يفترشها الباطل في طريق الحق .. ومادة ذلك كله الجهاد في سبيل الله . فالباطل بكل جيوشه وتجمعاته .. ليس ذلك الخصم السهل البسيط المسكين ـ كما يصور البعض ـ الذي يمكن أن تحسم معه المشاكل من خلال الوعظ أو مجرد الكلمة ـ على طريقة المفتونين بالديمقراطية ـ بعيداً عن قوة السيف والحديد .. والذين يرون غير ذلك فهؤلاء لم يقرأوا القرآن بعد .. ولم يقرأوا التاريخ ولا الواقع كذلك .. وهم على قلوبهم وأبصارهم غشاوة! لأجل ذلك نجد أن الله تعالى قد أنزل القرآن الكريم؛ وهو الحق المطلق .. وأنزل معه الحديد فيه بأس شديد ليحمي به هذا الحق .. ويسهّل له رسالته في الوجود .قال تعالى:] لقد أرسلنا رُسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلمَ اللهُ من ينصرُه ورسلَه بالغيب إن الله قوي عزيز [ الحديد:25. فالحق لا بد له من حديد يحميه ويرد عنه سهام شياطين الإنس والجن .. فحق بلا حديد سهل المنال .. وسهل أن تنتهك حرماته .. وسهل أن يُمنع عن تحقيق أهدافه ورسالته .. وهو عرضة للسخرية والاستهانة من كل مارق أو كافر معاند ..! فالذي لا يرى الجهاد .. ولا يدعو للجهاد .. ولا يأمر بالجهاد .. فهو ـ بقصد أو غير قصد ـ يُريد أن ينزل بالحق كل أنواع الأذى المتقدمة الذكر أعلاه .. ولا يريد للحق أن تقوم له قائمة عز مشرفة ! تأمل عدد نسخ القرآن الكريم التي تطبع في العالم فهي تتجاوز مئات الملايين .. بل ما من بيت إلا وفيه عدة نسخ من القرآن الكريم .. ولكن لما تخلى الناس عن الحديد وخلت بيوتهم من الحديد .. ضعف أثر القرآن في الوجود ! وهذا الذي يريده الخليفة الثالث عثمان بن عفان t من قوله: إن الله ليزع ـ أي ليردع ـ بالسلطان مالا يزع بالقرآن ! خلاصة القول: أن القرآن والحديد رسالتان متوازيتان تسيران جنباً إلى جنب .. لا مضاء لإحداهما إلا بالأخرى .. وهما للحق كالجناحين للطائر لا يمكن له الطيران والعلو في السماء إلا بهما معاً .. فإن أصيب في أحد جناحيه خرَّ إلى الأرض ووقع .. ولا بد له من أن يقع ! خامساً: ثم بعد كل ذلك لأن الجهاد في سبيل الله عبادة عظيمة .. التفريط بها تفريط بباب عظيم من أبواب الجنة .. تفريط بالدرجات العُلا .. والخصال الفريدة .. التي لا يمكن أن تتأتى للقاعدين من غير جهاد .. مهما أتوا من ضروب العبادات الأخرى .. لندع نصوص الكتاب والسنة تحدثنا عن كل ذلك: قال تعال:] لا يستوي القاعدون من المؤمنين غيرُ أُولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضَّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلاً وعدَ الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً [ النساء:95. جاء رجل إلى رسول الله r فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال:" لا أجده ! .. هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر ؟! " قال: ومن يستطيع ذلك ؟!! [ البخاري ]. وقيل يا رسول الله أي الناس أفضل ؟ فقال رسول الله r:" مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله .."[ البخاري ]. وقال r:" لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها "[ البخاري ]. وقال r:" لغدوة أو روحة في سبيل الله خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب "[ البخاري ]. وقال r:" واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف "[ البخاري ]. وقال:" رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها .. "[ البخاري ]. هذا رباط يومٍ في سبيل الله .. فكيف بجهاد يومٍ في سبيل الله .. أو جهاد أيام .. أو جهاد أشهر .. أو جهاد العمر .. الله أكبر .. إنها الجنان والدرجات ورب الكعبة !! وقال r:" تضمّن اللهُ لمن خرج في سبيله لا يُخرجه إلا جهاداً في سبيلي وإيماناً بي وتصديقاً برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أُرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجرٍ أو غنيمة، والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كُلم؛ لونه لون دمٍ وريحه مسك . والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبداً، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمدٍ بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأُقتل ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل "[ مسلم ]. وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله r قال: يا أبا سعيد من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ نبياً وجبت له الجنة " فعجب لها أبو سعيد فقال: أعدها علي يا رسول الله، ففعل ثم قال:" وأُخرى يُرفع بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض!" قال وما هي يا رسول الله ؟ قال:" الجهاد في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله "[ مسلم ]. وقال r:" أبواب الجنة تحت ظلال السيوف "[ مسلم ]. فهو ليس باب واحد بل هي أبواب كلها تحت ظلال السيوف والجهاد ..! قال النووي: قال العلماء معناه أن الجهاد وحضور معركة القتال طريق إلى الجنة وسبب لدخولها .. ا- هـ. وقال r:" رباط يومٍ وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان "[ مسلم ]. وقال r:" كل ميت يُختم على عمله إلا الذي مات مرابطاً في سبيل الله فإنه يُنمى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر "(1).
ــــــــــــــــــــ
(1) صحيح سنن الترمذي: 1322.
وقال r:" من اغبرت قدماه في سبيل الله فهما حرام على النار "[ البخاري ]. وقال r:" لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم "(1). وقال r:" للشهيد عند الله سِتُّ خصال: يُغفر له في أول دُفعة، ويُرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُضع على رأسه تاجُ الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويُزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويُشفَّع في سبعين من أقاربه "(2). فهي ليست خصلة واحدة بل ست خصال بعضها يفضل ويعلو بعض .. أكرم وأعظم بها من خصال، لا يُعطاها إلا الشهيد ..!! وقال r:" عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى؛ فإنه باب من أبواب الجنة يُذهب الله به الهم والغم ". وقد تقدم . وقال r:" إن السيوف مفاتيح الجنة "(3). وقالr:" ألا أنبئكم بليلةٍ أفضل من ليلة القدر ؟! حارس الحرس في أرض خوف لعله أن لا يرجع إلى أهله "(4). وحارس الحرس هو الحارس الذي يحرس في الخطوط الأمامية المتاخمة للعدو .. فيكون بذلك حارساً للحرس الذين يحرسون في الخطوط الخلفية من موقع العدو .. والله تعالى أعلم . وقال r:" إن الله U ليدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزُخرفها وزينتها فيقول: أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي، وجاهدوا في سبيلي ادخلوا الجنة، فيدخلونها بغير حساب . وتأتي الملائكة فيسجدون، فيقولون: ربنا نحن نسبح بحمدك الليل والنهار ونقدس لك، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا ؟ فيقول الرب U : هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي، وأوذوا في سبيلي، فتدخل عليهم الملائكة من كل باب ] سلام عليكم بما صبرتم فنعم عُقبى الدار [ (5). هذا غيض من فيض مما ثبت في فضل الجهاد .. وما للمجاهدين من أجر، ومثوبة، وكرامة لا يؤتاها غيرهم .. وهو باعث عظيم على السير في هذا الطريق المبارك العظيم لا يفرط به إلا كل خائب خاسر ! وهو كذلك ـ أي الجهاد في سبيل الله ـ عبادة يظهر فيها مدى صدق حب العبد لربه U .. ومدى صدق انتمائه لهذا الدين .. فبالجهاد تُعرف الرجال، وتُعرف حقيقة معادن الناس، ومن منهم الصادق في زعمه للإيمان ومن منهم الكاذب .. فالمؤمن الصادق في إيمانه وحبه لربه U هو الذي يقتحم المخاطر ولا يتردد في أن يرمي بنفسه في مواطن الجهاد والخوف في سبيل الله .. أما أصحاب القلوب المريضة بالنفاق وغيرهم هم الذين يبحثون عن الأعذار والذرائع الكاذبة لكي يتخلفوا عن مواطن الجهاد في سبيل الله ..!
ــــــــــــــــــ
(1) صحيح سنن الترمذي: 1333. (2) صحيح سنن الترمذي:1358.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة، السلسلة الصحيحة: 2672.
(4) أخرجه الحاكم وغيره، السلسلة الصحيحة: 2811.
(5) أخرجه الأصفهاني في الترغيب والترهيب وغيره، السلسلة الصحيحة: 2556.
اللهم إني قد بلغت .. اللهم فاشهد .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وصلى الله على سيدنا وقائدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
24/10/1421هـ . عبد المنعم مصطفى حليمة
19/1/2001 م . أبو بصير
www.abubaseer.com
ثالثاً: لأن الجهاد في سبيل الله هو الدعوة الصادقة والوسيلة الحقيقية لتحقيق السلام في الأرض .. وبيان ذلك أن الله تعالى فطر الخلق على سُنة ثابتة ماضية ـ لا يمكن لأحدٍ مهما أوتي من قوة أو نفوذ أن يلغيها أو يغيرها ـ لا تتغير ولا تتبدل إلى يوم القيامة؛ وهي سنة التدافع بين الحق وأهله من جهة وبين الباطل وأهله من جهة أخرى .. فالباطل ـ منذ أن وجد ـ بكل تجمعاته وتكتلاته يعمل جاهداً على استئصال الحق من الوجود وبسط نفوذه عليه، وتحقيق السلام في الأرض على طريقته الباطلة الظالمة .. وكذلك الحق بكل تجمعاته لا يألو جهداً في تحجيم الباطل وكسر شوكته .. وفرض السلام في الأرض على طريقته العادلة . فلو قُدر للباطل أن يبسط نفوذه على بقعة من بقاع الأرض فهل تراه قادر على تحقيق السلام العادل فيها .. أو أن ينصف الحق وأهله من نفسه ..؟! الجواب: لا .. لماذا ؟! ذلك لسببين، أولهما: لا يوجد للباطل قانون عادل ثابت يُلزم به أهله وأتباعه في السخط والرضى .. في القوة والضعف .. في السلم والحرب .. الذي يمنعهم من التمادي في ظلم العباد والمخالفين .. مما يحملهم على أن يشرعوا لأنفسهم وللآخرين القوانين التي تلبي نزواتهم وأهواءهم، وأحقادهم .. والتي مؤداها إلى ظلم الآخرين وهضم حقوقهم ووجودهم .. فهم ـ أي أهل الباطل ـ لا يتورعون في أن يصدروا القوانين أو يغيروا بها ـ وقت يشاءون ـ لما يخدم مصالحهم ومآربهم الخاصة وإن أدى ذلك إلى هضم وسحق الشعوب الأخرى ..! ولو وجدوا في مرحلة من المراحل أن قوانينهم ـ التي هي من عند أنفسهم وأهوائهم ـ لا تلبي رغباتهم، وأطماعهم، وأحقادهم .. فالأحبار والرهبان من دهاقنة الساسة جاهزون لسن القوانين التي ترقى إلى درجة تلبية الرغبات والأطماع .. والتي سرعان ما تتحول قوانينهم الجائرة إلى مستوى القانونية أو الشرعية الدولية التي يجب على الشعوب المقهورة المسلوبة الحقوق أن تحتكم إليها وترضى بها وبتبعاتها .. والويل كل الويل لمن يخالفها أو يعترض عليها(1)!! فالباطل الذي لا يملك الميزان الثابت العادل .. لا يمكن، بل لا يسمح للآخرين أن يتعاملوا معه بسلام أو بغير صدام .. وبالتالي فهو غير مؤهل بأن يحقق السلام العادل في الوجود! السبب الثاني: فقد تضافرت أدلة النصوص الشرعية وكذلك أدلة الواقع المعايش على أن الباطل بكل تجمعاته ومذاهبه لا يمكن أن يرضى عن الحق وأهله، أو أن تهدأ مطاردته وملاحقته لهم .. إلا بأحد خيارين: إما أن يرتد الحق عن حقه ليدخل في دين ومذاهب الباطل .. وإما خيار القتل والتشريد والاستئصال من الوجود إن قدروا على ذلك ..!! قال تعالى:] ولا يزالون يُقاتلوكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا [ البقرة:217.
ـــــــــــــــــ
(1) لتعرف حقيقة ذلك تأمل القوانين الجائرة الصادرة عن الأمم المتحدة، التي وراءها قوى الاستكبار العالمي أمريكا ومن دار في فلكها من دول الغرب الصليبي .. كيف تبيح للمغتصب الظالم بأن يغتصب حقوق الآخرين كما هو حاصل في فلسطين .. وفي الشيشان .. وفي أفغانستان .. وفي العراق .. وفي كشمير وغيرها من البلدان والأمصار .. كل ذلك يمرر بعد أن تصدر القوانين ـ وما أسهل إصدارها على مصاصي الدماء من الأحبار والرهبان ـ التي تبيح هذا الاغتصاب .. وهذه الانتهاكات .. لتصبح فيما بعد هي الحق الذي لا يجوز التعقيب عليه .. وخلافها من الحق هو الباطل الذي يُعد الهمس به من الإرهاب .. !! وتأمل كذلك كيف تُطالب دول النفاق والشقاق .. العراق وشعب العراق بالالتزام الحرفي بالقوانين الصادرة عن الأمم المتحدة ـ أو بالأحرى أمريكا راعية الطغيان العالمي ـ التي أدت إلى قتل مئات الآلاف من أطفال العراق جوعا ومرضاً .. وكأن هذه القوانين الكافرة آيات منزلة من السماء لا تجوز مخالفتها أو معارضتها .. بل الآيات المنزلات في القرآن الكريم يجرؤون على مخالفتها وردها ولا يجرؤون على مخالفة تلك القوانين التي مصدرها مصاصي الدماء من الطواغيت .. !!
وقوله تعال:] ولا يزالون .. [ يفيد الاستمرار والمواصلة على القتال ما داموا قادرين على ذلك .. والغرض من هذا القتال أن يردوا أهل الحق عن حقهم ودينهم ليدخلوهم في باطلهم ودينهم ..! وقال تعالى:] كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة [ التوبة:8. أي إن علا سلطانهم على أهل الحق لا يُراعون فيهم حرمة القرابة، ولا حرمة ما بينهم من العهود والمواثيق، ولا يمنعهم عن سفك الدم الحرام أو انتهاك الحرمات شيء من ذلك .. ومن كان كذلك لا يمكن أن يحقق السلام، أو أن يكون مؤهلاً لتحقيق السلام مع الآخرين ..! وقال تعالى:] ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم [البقرة:120. فلن الواردة في الآية الكريمة تفيد نفي الحاضر والمستقبل .. أي مهما حاول أهل الحق أن يسترضوا اليهود والنصارى عنهم فلن يُفلحوا إلا بشرط واحد: وهو اتباع ملتهم والدخول في دينهم وباطلهم ..! والآية تفيد كذلك أن رضى اليهود والنصارى عن المسلم مؤشر صريح على انحراف المسلم عن جادة الحق والصواب إلى الباطل الذي هم عليه .. فحيثما يظهر رضى القوم عن المسلم فعليه أن يتهم نفسه، وأن يُراجع دينه !! وقال تعالى:] وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودنَّ في ملتنا [ إبراهيم:13. فقوله تعالى] وقال الذين كفروا .. [ يفيد الاستغراق؛ أي جميع الذين كفروا على مدار الزمن وإلى يوم القيامة يقولون للرسل وأتباعهم المؤمنين ] لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا [ .. ومن كان هذا وصفه وديدنه فأنى له أن يحقق السلام في الأرض ؟!! ونحو ذلك قوله تعالى عن فتية أهل الكهف:] إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يُعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبدا [ الكهف:20. وغيرها كثير من الآيات القرآنية الكريمة التي تفيد هذا المعنى .. وفي الحديث فقد أخرج البخاري وغيره أن النبي r لما أخبر ورقة بن نوفل خبر ما رأى من الوحي، قال له ورقة: هذا الناموس ـ أي جبريل عليه السلام ـ الذي نزل على موسى، يا ليتني فيها جذعاً ـ أي شاباً قوياُ ـ ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله r: أو مخرجي هم ؟! فقال: نعم، لم يأتِ رجل بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً .
هذه أدلة النصوص الشرعية .. أما أدلة الواقع الملموس والمشاهد فحدث عنها ولا حرج؛ فما أكثر تلك الديار وأولئك الشعوب التي تنتهك حرماتهم صباح مساء بسبب أنهم لم يدخلوا في طاعة القوم أو في دينهم ..؟! فانظر ماذا حصل ويحصل في فلسطين .. وماذا حصل في البوسنة والهرسك .. وفي كوسوفو .. وماذا يحصل في هذه الأيام في الشيشان .. وفي الفلبين .. وفي أندونيسيا .. وفي الصين .. وفي كشمير .. وفي أفغانستان .. وفي العراق .. وفي السودان .. وفي أرتيريا .. وفي لبنان .. وفي الصومال .. وغيرها كثير من البلدان ..!!ما يحصل في تلك الديار وغيرها من ممارسات وتصفيات وحصارات، ومؤامرات .. لهو أكبر دليل على أن القوم لا يُحسنون صنعة السلام .. إلا سلام الأسياد مع العبيد .. العبيد الذين لا يحق لهم ـ في قوانين الأسياد ـ إلا أن يمتهنوا صنعة الركوع والسجود والطاعة للأسياد ولقوانين الأسياد ..!هذا هو سلام الباطل .. فسلامه غدر وحرب وقتل وقتال .. وهضم ونصب للحقوق والحريات .. ومن كان كذلك فهو غير مؤهل لرعاية عملية السلام .. ولا لبسط وتحقيق السلام .. لأنهم هم أنفسهم يفقدون السلام .. وفاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه للآخرين ! إذا كان هذا هو سلام الباطل .. فهل الحق قادر على تحقيق السلام العادل .. وهل هو قادر على إنصاف الآخرين ـ ولو كانوا من أهل الباطل ـ من نفسه .. أو يحقق لهم الأمن والسلام ..؟! الجواب: نعم .. لماذا ؟ لأن الحق يملك القانون العادل الثابت الذي يُعرفه ما له وما عليه .. القانون الذي يلتزمه في السر والعلن .. في السخط والرضى .. في السلم والحرب .. وليس له أن يخرج قيد أنملة عن هذا القانون إلا إذا آثر أن يخرج عن كونه ووصفه بأنه الحق أو من أهل الحق ! هذا القانون هو " حكم الله تعالى " الذي لا يتغير ولا يتبدل، والذي لا يُحابي مخلوقاً على حساب مخلوق .. فكل الناس أمامه سواء .. الغالب والمغلوب .. الضعيف والقوي .. السيد والوضيع لا فرق بينهم أمام حكم الله .. فلكل له وعليه .. وعلى الجميع أن يلتزموا بما لهم وما عليهم .. بحسب ما يقضي الله تعالى في حكمه وشرعه! وهذا من أكبر العوامل التي تعين على تحقيق السلام في الأرض .. إذ أن الآخرين يعرفون قبل أن يدخلوا في السلم مع الحق وأهله ما لهم وما عليهم .. إنهم جميعاً أمام قانون واحد لا يمكن أن يتغير ولا أن يتبدل بحسب الأهواء والمصالح .. فهو لا يخضع لمزاج السلاطين أو الحكام ولا لسياساتهم .. كما لا يجوز أن يخضع لرغبات ونزوات الشعوب المنتصرة الغالبة .. كما هو الحال عند الباطل وأهله !! فهم عندما يدخلون في سلم الحق لن يكونوا عبيداً للعبيد .. ولا خاضعين لسلطة العبيد كما هو الحال عندما ينتصر الباطل في موقعة من المواقع .. وإنما هم في حقيقة أمرهم داخلون في الطاعة العامة لله U .. وفي العبودية العامة للخالق I .. وفي السلم العام الذي شرعه الله تعالى للعباد .. وهذه عبودية تشريف لا انتقاص فيها من قدر المخلوق أو العباد(1) ..! من قوانين الحق التي يلتزم بها المسلمون حكاماً ومحكومين قوله تعالى:] يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود [ المائدة:1. وقوله تعالى:] وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها [ النحل:91. وقوله تعالى:] ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون [ النحل:95. وقوله تعالى:] وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً [ الإسراء:34. فهي نصوص تلاحق ضمير وأخلاق المؤمن أينما ذهب أو حل وأقام .. تمنعه من أن يفكر ـ مجرد التفكير ـ في الغدر أو الخيانة أو نقض العهد مهما كانت تكاليف وتبعات الالتزام بالعهد أو العقد الذي يعطيه المؤمن للآخرين(2) ..!
ـــــــــــــــــــ
(1) العبادة نوعان: عباد شرعية دينية أو عبادة خاصة .. وهذه عبادة لا إكراه فيها إن أبى الإنسان أن يدخل فيها .. وهو المراد من قوله تعالى:] لا إكراه في الدين ..[؛ أي لا إكراه على الدخول في العبادة الشرعية الدينية .. وعبادة كونية قدرية أو عبادة عامة؛ وهي عبادة الدخول في الطاعة العامة لحكم الله U .. والانقياد العام لسلطة شرع الله U .. وهذه عبادة لا مناص لأحدٍ من العباد أن يتخلف عنها أو لا يدخل فيها .. فإن أبوا إلا القتال قوتلوا عليها .. وهو المراد من قوله تعالى:] وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله [ أي حتى تكون الطاعة والخضوع كله لله وحده .. وليس لسلطان، أو شعب منتصر .. فإن أتوا بالعبادة العامة والطاعة العامة لحكم الله تعالى وسلطانه .. فليدخلوا بعدها في العبادة الدينية الخاصة التي يشاءون .. وحسابهم على الله !!
(2) مما يذكره لنا التاريخ: أن أبا عبيدة بن الجراح t كان قد صالح نصارى الروم على مدينة دمشق، وكان خالد بن الوليد لم يعلم بصلح وعهد أبي عبيدة مع نصارى الروم .. فافتتح دمشق عنوة من جهة الباب الشرقي للمدينة .. ولما ذكر النصارى ذلك لعبيدة ردّ إليهم المدينة بكاملها ـ التي هي دمشق! ـ وفاء بالعهد وبالكلمة التي أعطاها لهم ..! تأمل .. أهكذا هم الصهاينة اليهود اليوم ـ ووراءهم أمريكا والغرب الصليبي ـ في تعاملهم مع العقود والعهود التي يعطونها للآخرين .. كم هي العقود والعهود التي يبرمونها اليوم .. وفي اليوم الثاني يغدرون بها لأدنى مصلحة يمكن أن يفقدونها من وراء هذا العقد أو العهد .. فأنى لهؤلاء أن يكونوا دعاة بحق للسلام أو أنهم كفأ لأن يكونوا رعاة بحق لعملية السلام .. ؟!! ثم تأمل انسحاب الصهاينة اليهود الصوري من أراضٍ لا حق لهم فيها في فلسطين .. كيف يكون بالشبر والفِتر .. وذلك كله بعد العهود الكثيرة الكاذبة والمتراكمة عليهم منذ عقود قد أعطوها للآخرين ..!!
وقد تقدم معنا حديث السفينة، وفيه قوله r:" فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً "؛ أي إن تركوا لأهل الباطل الحرية في قيادة السفينة والمجتمعات، أو أن يفرضوا سلامهم الباطل كما يحلو لهم فقد هلكوا جميعاً: الصالحين والطالحين .. وغرقت بهم السفينة، وهلكت البلاد .. ! وإن أخذوا على أيديهم ـ بالجهاد والقتال ـ ومنعوهم عن فسادهم وطغيانهم، وفرضوا سلامهم العادل .. نجوا جميعا:ً الصالحين والطالحين معاً .. ونجت معهم السفينة والمجتمعات من الغرق في أوحال الشرك والفساد، والدمار .. ! والذي يهمنا من ألفاظ الحديث في هذا الموضع قوله r " نجوا ونجوا جميعاً " الذي يفيد حرص الحق على تحقيق النجاة والسلامة لأهل الباطل كذلك .. وهذا مالا يمكن أن نجده أو نشعر به عند أهل الباطل نحو الحق وأهله ..! وقال r:" من أمن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل، وإن كان المقتول كافراً "(1). وقال r:" من قتل نفساً معاهدة بغير حلها، حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها "(2). هذه هي أخلاق الحق التي تُلزم كل مسلم ولو كان في أدغال إفريقيا أو الفلبين .. فهو يكفيه بأن يسمع بهذا الحديث أو نحوه ليكون له رادعاً وزاجراً يردعه من أن يمس أو يصيب الكافر الذمي أو المعاهد المؤمَّن بأدنى أذى أو سوء ..! وبعد، فإنه يحق لنا أن نسأل: أهكذا هم أهل الباطل ـ بكل تجمعاتهم ومذاهبهم ـ عندما يتعاملون مع المسلمين وبخاصة إن ظهروا عليهم بنوع قوة أو سلطة .. ؟! الجواب: تجده في المجازر الجماعية بحق الشيوخ والأطفال والنساء التي ارتكبت في البوسنة والهرسك .. وفي الشيشان .. وفي أفغانستان من قبل .. تجده في المقابر الجماعية للأحياء .. تجده في حرق المسلمين وهم يتعبدون في مساجدهم كما حصل في مالوكو إندونسيا .. ؟!! تجد الجواب في البيوت المهدمة على أهلها وأصحابها الأبرياء في فلسطين ..؟! راجع تاريخ فتوحات الإسلام كلها .. هل تعرف مرة أن الإسلام اضطر ـ فضلاً عن أن يجبر ـ أهل البلاد بأن يخرجوا من ديارهم بالآلاف أو الملايين ..!! بينما نجد صهاينة اليهود لما غزوا فلسطين شردوا ملايين المسلمين من أبناءها وأسكنوهم في العراء وفي المخيمات .. ثم بعد ذلك قسّموا الناس بين نازح ولاجئ، ولكل منهما درجة ؟!
ـــــــــــــــــ
(1) أخرجه النسائي، وابن ماجة، وأحمد، السلسلة الصحيحة:440.
(2) صحيح سنن النسائي:4423.
كذلك لما غزت روسيا من قبل أفغانستان .. وكذلك لما غزت الشيشان .. وكذلك الصرب لما غزوا البوسنة والهرسك .. أجبروا المسلمين من أهل البلد على الهجرة والخروج من ديارهم وبيوتهم .. وذلك بعد أن ارتكبوا بحقهم المجازر التي لا يمكن أن يتصورها عقل آدمي ..!! كل ذلك يحصل في زمن الديمقراطية .. وزمن الإنسانية .. ومحاربة العنصرية .. وعلى مرأى ومسمع من جميع محافل الباطل ومؤسساته ودوله(1). كل ذلك يجعلنا نجزم ونؤكد بأن الباطل لا يمكن له أن يحقق السلام العادل في الوجود لأنه لا يملك الخصائص النفسية والأخلاقية التي تمكنه من ذلك، بخلاف الحق فإنه يملك جميع مقومات وخصائص تحقيق السلام العادل في الأرض كل الأرض .. وبالتالي هو الذي يجب أن يُرشح لقيادة ورعاية عملية السلام، وعلى طريقته الخاصة به .. وليس على طريقة أحدٍ غيره. ولما كان الباطل لا يسمح للحق أن يقود ويرعى عملية السلام .. أو يحقق السلام العادل على طريقته الشرعية الربانية .. لزم على الحق وأهله أن يجاهدوا الباطل وأهله ويزيلوا من أمامهم العقبات الكثيرة التي ينثرها الباطل في طريقهم والتي تحيل بينهم وبين تحقيق السلام ..! لذا فإن كل من يريد السلام بحق نقول له: أقرب طريق لتحقيق السلام العادل هو الجهاد في سبيل الله .. وأي طريق آخر يُسلك غير طريق الجهاد فهو طريق لا يوصل للسلام ولا يمكن أن يحقق السلام، وهو مضيعة للأوقات والأعمار من غير طائل ولا فائدة .. وليس من ورائه إلا تأخير عملية السلام .. وإطالة أمد الحروب والظلم والشقاء والحرمان ..! فكل من يتنكب طريق الجهاد ـ بقصد أو غير قصد ـ فهو لا يعمل للسلام .. ولا يريد للسلام أن تقوم له قائمة .. وإنما يريد أن يطيل أمد الحروب والشقاء والظلم والحرمان .. يريد أن يطيل عمر طغيان الباطل .. يريد أن يكرس سلام الباطل الذي هو ليس بسلام .. وإن زعم ملء شدقيه أنه من دعاة وأنصار السلام !! وعليه فإن أقرب الناس للسلام، وأصدقهم دعوة إلى السلام هم المجاهدون في سبيل الله الذين يُقاتلون في سبيل الله .. وأكثر الناس بعداً وعداءً للسلام هم أكثرهم عداءً لمبدأ الجهاد في سبيل الله ..!!
ــــــــــــــــــ
(1) فإن قيل ولكن يوجد في الدول الغربية المتحضرة قوانين تحارب العنصرية .. أقول: رغم أن هذه الدول قد اهتدت لهذه القوانين مؤخراً وبعد سلسلة طويلة من الانتهاكات لحقوق الإنسان .. إلا أن هذه القوانين عبارة عن حبر على ورق لا سلطان لها في ضمائر الشعوب وأخلاقهم .. لذا نرى هذه القوانين في وادٍ وأخلاق وممارسات الناس في وادٍ آخر، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصر في هذا الموضع، كان آخرها ـ كما طالعتنا بذلك وكالات الأنباء ـ قتل طفل في ألمانيا .. ذنبه وجرمه أن أباه مسلم من العراق .. علماً أن أمه ألمانية الأصل والمنشأ ..؟!! ثم ما قيمة أن تُحارَب العنصرية على مستوى ممارسة الأفراد في داخل المجتمع .. بينما في المقابل هم يقرون ويباركون العنصرية الدولية التي تمارس بحق دول وشعوب من الدرجة الثانية أو الثالثة كما يصنفونها هم .. كما هو حاصل في فلسطين وغيرها من البلدان ؟!!
رابعاً: لأن الغايات العامة للإسلام لا يمكن أن تتحقق إلا بالجهاد في سبيل الله . فمن دواعي الشروع في طريق الجهاد كذلك أن الغايات العظمى الكليّة للإسلام لا يمكن أن تتحقق إلا بالجهاد في سبيل الله . ومن أجل وأعظم غايات الإسلام نشر التوحيد وبسط نفوذه .. واستئصال الشرك وتحجيم نفوذه .. والعمل على أطر العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد .. ومن جور الأديان والشرك إلى عدل الإسلام والتوحيد .. وهذه مهمة جميع الأنبياء والرسل من لدن آدم u إلى نبينا محمد r ، كما قال تعالى:] ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [ النحل:36. وقد تقدمت الإشارة إلى حرص الباطل الشديد على منع الحق من أن يبسط نفوذه أو ينشر ما لديه من الخير والهداية، وهو لا يتردد في زرع العقبات والأشواك في طريقه، التي تعيق بين رسالته وهدفه وبين الناس .. وقد ذكرنا ـ فيما تقدم ـ الأدلة على ذلك من النصوص الشرعية، وكذلك أدلة الواقع التي تثبت أن الباطل لا يهدأ له بال ولا تقر له عين إلا بعد أن يرد الحق عن حقه أو يُزيله عن الوجود والحياة إن استطاع ..! وهذا واقع ظاهر لا خفاء فيه .. لا ينبغي أن نطيل الجدال حوله لنثبت صحته ..! الشاهد مما تقدم: أن الإسلام لا بد له من أن يؤدي رسالته، وهو وجِد لذلك .. وأن القائمين على نصرة هذا الدين الحنيف لا بد لهم من أن يعملوا جادين ومخلصين لنصرة هذا الدين ونشر تعاليمه بين الناس كل الناس، وليس لهم خيار غير ذلك .. وهذا من لوازمه إزالة كل العقبات والأشواك التي يفترشها الباطل في طريق الحق .. ومادة ذلك كله الجهاد في سبيل الله . فالباطل بكل جيوشه وتجمعاته .. ليس ذلك الخصم السهل البسيط المسكين ـ كما يصور البعض ـ الذي يمكن أن تحسم معه المشاكل من خلال الوعظ أو مجرد الكلمة ـ على طريقة المفتونين بالديمقراطية ـ بعيداً عن قوة السيف والحديد .. والذين يرون غير ذلك فهؤلاء لم يقرأوا القرآن بعد .. ولم يقرأوا التاريخ ولا الواقع كذلك .. وهم على قلوبهم وأبصارهم غشاوة! لأجل ذلك نجد أن الله تعالى قد أنزل القرآن الكريم؛ وهو الحق المطلق .. وأنزل معه الحديد فيه بأس شديد ليحمي به هذا الحق .. ويسهّل له رسالته في الوجود .قال تعالى:] لقد أرسلنا رُسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلمَ اللهُ من ينصرُه ورسلَه بالغيب إن الله قوي عزيز [ الحديد:25. فالحق لا بد له من حديد يحميه ويرد عنه سهام شياطين الإنس والجن .. فحق بلا حديد سهل المنال .. وسهل أن تنتهك حرماته .. وسهل أن يُمنع عن تحقيق أهدافه ورسالته .. وهو عرضة للسخرية والاستهانة من كل مارق أو كافر معاند ..! فالذي لا يرى الجهاد .. ولا يدعو للجهاد .. ولا يأمر بالجهاد .. فهو ـ بقصد أو غير قصد ـ يُريد أن ينزل بالحق كل أنواع الأذى المتقدمة الذكر أعلاه .. ولا يريد للحق أن تقوم له قائمة عز مشرفة ! تأمل عدد نسخ القرآن الكريم التي تطبع في العالم فهي تتجاوز مئات الملايين .. بل ما من بيت إلا وفيه عدة نسخ من القرآن الكريم .. ولكن لما تخلى الناس عن الحديد وخلت بيوتهم من الحديد .. ضعف أثر القرآن في الوجود ! وهذا الذي يريده الخليفة الثالث عثمان بن عفان t من قوله: إن الله ليزع ـ أي ليردع ـ بالسلطان مالا يزع بالقرآن ! خلاصة القول: أن القرآن والحديد رسالتان متوازيتان تسيران جنباً إلى جنب .. لا مضاء لإحداهما إلا بالأخرى .. وهما للحق كالجناحين للطائر لا يمكن له الطيران والعلو في السماء إلا بهما معاً .. فإن أصيب في أحد جناحيه خرَّ إلى الأرض ووقع .. ولا بد له من أن يقع ! خامساً: ثم بعد كل ذلك لأن الجهاد في سبيل الله عبادة عظيمة .. التفريط بها تفريط بباب عظيم من أبواب الجنة .. تفريط بالدرجات العُلا .. والخصال الفريدة .. التي لا يمكن أن تتأتى للقاعدين من غير جهاد .. مهما أتوا من ضروب العبادات الأخرى .. لندع نصوص الكتاب والسنة تحدثنا عن كل ذلك: قال تعال:] لا يستوي القاعدون من المؤمنين غيرُ أُولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضَّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلاً وعدَ الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً [ النساء:95. جاء رجل إلى رسول الله r فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال:" لا أجده ! .. هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر ؟! " قال: ومن يستطيع ذلك ؟!! [ البخاري ]. وقيل يا رسول الله أي الناس أفضل ؟ فقال رسول الله r:" مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله .."[ البخاري ]. وقال r:" لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها "[ البخاري ]. وقال r:" لغدوة أو روحة في سبيل الله خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب "[ البخاري ]. وقال r:" واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف "[ البخاري ]. وقال:" رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها .. "[ البخاري ]. هذا رباط يومٍ في سبيل الله .. فكيف بجهاد يومٍ في سبيل الله .. أو جهاد أيام .. أو جهاد أشهر .. أو جهاد العمر .. الله أكبر .. إنها الجنان والدرجات ورب الكعبة !! وقال r:" تضمّن اللهُ لمن خرج في سبيله لا يُخرجه إلا جهاداً في سبيلي وإيماناً بي وتصديقاً برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أُرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجرٍ أو غنيمة، والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كُلم؛ لونه لون دمٍ وريحه مسك . والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبداً، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمدٍ بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأُقتل ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل "[ مسلم ]. وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله r قال: يا أبا سعيد من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ نبياً وجبت له الجنة " فعجب لها أبو سعيد فقال: أعدها علي يا رسول الله، ففعل ثم قال:" وأُخرى يُرفع بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض!" قال وما هي يا رسول الله ؟ قال:" الجهاد في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله "[ مسلم ]. وقال r:" أبواب الجنة تحت ظلال السيوف "[ مسلم ]. فهو ليس باب واحد بل هي أبواب كلها تحت ظلال السيوف والجهاد ..! قال النووي: قال العلماء معناه أن الجهاد وحضور معركة القتال طريق إلى الجنة وسبب لدخولها .. ا- هـ. وقال r:" رباط يومٍ وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان "[ مسلم ]. وقال r:" كل ميت يُختم على عمله إلا الذي مات مرابطاً في سبيل الله فإنه يُنمى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر "(1).
ــــــــــــــــــــ
(1) صحيح سنن الترمذي: 1322.
وقال r:" من اغبرت قدماه في سبيل الله فهما حرام على النار "[ البخاري ]. وقال r:" لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم "(1). وقال r:" للشهيد عند الله سِتُّ خصال: يُغفر له في أول دُفعة، ويُرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُضع على رأسه تاجُ الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويُزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويُشفَّع في سبعين من أقاربه "(2). فهي ليست خصلة واحدة بل ست خصال بعضها يفضل ويعلو بعض .. أكرم وأعظم بها من خصال، لا يُعطاها إلا الشهيد ..!! وقال r:" عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى؛ فإنه باب من أبواب الجنة يُذهب الله به الهم والغم ". وقد تقدم . وقال r:" إن السيوف مفاتيح الجنة "(3). وقالr:" ألا أنبئكم بليلةٍ أفضل من ليلة القدر ؟! حارس الحرس في أرض خوف لعله أن لا يرجع إلى أهله "(4). وحارس الحرس هو الحارس الذي يحرس في الخطوط الأمامية المتاخمة للعدو .. فيكون بذلك حارساً للحرس الذين يحرسون في الخطوط الخلفية من موقع العدو .. والله تعالى أعلم . وقال r:" إن الله U ليدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزُخرفها وزينتها فيقول: أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي، وجاهدوا في سبيلي ادخلوا الجنة، فيدخلونها بغير حساب . وتأتي الملائكة فيسجدون، فيقولون: ربنا نحن نسبح بحمدك الليل والنهار ونقدس لك، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا ؟ فيقول الرب U : هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي، وأوذوا في سبيلي، فتدخل عليهم الملائكة من كل باب ] سلام عليكم بما صبرتم فنعم عُقبى الدار [ (5). هذا غيض من فيض مما ثبت في فضل الجهاد .. وما للمجاهدين من أجر، ومثوبة، وكرامة لا يؤتاها غيرهم .. وهو باعث عظيم على السير في هذا الطريق المبارك العظيم لا يفرط به إلا كل خائب خاسر ! وهو كذلك ـ أي الجهاد في سبيل الله ـ عبادة يظهر فيها مدى صدق حب العبد لربه U .. ومدى صدق انتمائه لهذا الدين .. فبالجهاد تُعرف الرجال، وتُعرف حقيقة معادن الناس، ومن منهم الصادق في زعمه للإيمان ومن منهم الكاذب .. فالمؤمن الصادق في إيمانه وحبه لربه U هو الذي يقتحم المخاطر ولا يتردد في أن يرمي بنفسه في مواطن الجهاد والخوف في سبيل الله .. أما أصحاب القلوب المريضة بالنفاق وغيرهم هم الذين يبحثون عن الأعذار والذرائع الكاذبة لكي يتخلفوا عن مواطن الجهاد في سبيل الله ..!
ــــــــــــــــــ
(1) صحيح سنن الترمذي: 1333. (2) صحيح سنن الترمذي:1358.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة، السلسلة الصحيحة: 2672.
(4) أخرجه الحاكم وغيره، السلسلة الصحيحة: 2811.
(5) أخرجه الأصفهاني في الترغيب والترهيب وغيره، السلسلة الصحيحة: 2556.
اللهم إني قد بلغت .. اللهم فاشهد .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وصلى الله على سيدنا وقائدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
24/10/1421هـ . عبد المنعم مصطفى حليمة
19/1/2001 م . أبو بصير
www.abubaseer.com