أبو العز الجبريني
08-05-2004, 02:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين يسدنا وهادينا وقدوتنا وحبيبنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وبعد ...
فإني ارتأيت أن أشارككم التعرف على هذا البحث المهم في حقيقة الجهاد وماهيته ، بما ينعكس على واقعنا الذي نحياه في هذه المرحلة الحرجة والخطيرة من حياة أمتنا الإسلامية ، ولأن الموضوع طويل وغزير ، فقد ارتأيت أن يتم تقسيمه إلى ثلاث حلقات ، وأسأل الله أن يجعله عملا متقبلا لوجهه الكريم ، وأن ينفع به وأن ينير به العقول ويحيي به النفوس.
لماذا الجهادُ في سبيلِ اللهِ ..؟
إن الحمد لله نحمدُه ونستعينه ونستهديه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مُضلَّ له ومن يُضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأنه قد جاهد في سبيل الله حق جهاده حتى أتاه اليقين .. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم .
وبعد: فإن كثيراً من الناس ـ على اختلاف مقاصدهم ونواياهم ـ يتساءلون: لماذا خيار الجهاد في سبيل الله، وليس دونه ..؟! والذين يسألون هذا السؤال هم أصناف ثلاثة:
1- فريق منهم يطرح هذا السؤال استرشاداً وطلباً للحق ليلزموه .. وهؤلاء لا حرج عليهم إن شاء الله .
2- وفريق آخر يطرح هذا السؤال مشككاً في جدوى هذا الطريق .. مظهراً نوع شفقة على المسلمين وعلى حرماتهم، على اعتبار أن هذا الطريق من لوازمه الوقوع في الفتنة، وتعريض المسلمين لأن تسفك دماؤهم وتُنتهك حرماتهم .. وكذلك تعريض الأوطان للدمار والخراب .. لذلك فهم لا يتورعون في أن يطرحوا نظرياتهم وبدائلهم ـ التي هي من عند أهوائهم وأنفسهم ـ عن هذا الطريق .. كطرحهم لطريق الانتخابات الديمقراطية وما يتفرع عنها من فروع وتبعات .. وكطريق الاقتصار على الدعوة باللسان على مبدأ كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة، إلى أن يبعث الله بالفرج أو يظهر الإمام .. أو طريق الاقتصار على عنصر التربية .. وغير ذلك من الطرق والطروحات التي تتبناها وتدعو لها بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة !
3- وفريق ثالث خبثت طويته، وساء مقصده .. يطرحون هذا السؤال من قبيل الطعن والاستخفاف بمبدأ الجهاد .. وعلى أنه خيار غير متحضر لا يناسب زماننا المعاصر .. ويتمثل هذا الفريق في موقف العلمانيين على اختلاف مدارسهم ومذاهبهم الباطلة ..!! وهذا الفريق العلماني الكافر ـ بحكم الوسائل المتاحة له ـ قد ترك أثره الكبير على تفكير ومعنويات كثير من المثقفين الإسلاميين .. مما حدا بالآخرين أن يقفوا موقف المدافع عن مبدأ الجهاد في سبيل الله وبطريقة مشوهة وغير لائقة؛ وكأن الجهاد تهمة مشينة تحتاج إلى من يدافع عنها .. أو يوجد لها المبررات والمسوغات !! فهم تارة يطرحون مبدأ الجهاد ويحصرونه في معنى الدفاع عن الأوطان .. والأوطان التي تُغزى تحديداً من عدو خارجي .. أما الأوطان التي تُغزى من الأعداء الداخليين ـ الذين يكونون في الغالب هم أشد عداوة للأمة والأوطان من الأعداء الخارجيين، ومن مسيلمة الكذاب أيام الصدِّيق t ـ لا يجوز أن يُعمل بالجهاد مع هؤلاء الصنف من الأعداء .. حيث توجد الطرق الديمقراطية المتحضرة المعروفة دولياً لفك مثل هذه النزاعات الداخلية ..!! وتارة يحصرونه في جهاد الكلمة أو النفس .. وتارة في التنقل بين المساجد والمبيت فيها على طريقة إخواننا التبليغيين .. وتارة .. وتارة .. فتوسعت الهوة بين معاني هذا الدين العظيم كما أوحاه الله تعالى على عبده ونبيه محمد r .. وبين مستوى التزام كثير من الناس في زماننا المعاصر .. فانعكس ذلك على الأمة سلباً وذلاً وهواناً، وضياعا ..!! لأجل ذلك كله نجد لزاماً في أن نجيب على هذا السؤال بشيء من التفصيل والبيان: لماذا الجهاد في سبيل الله ..؟؟ ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة .. مستلهماً من الله تعالى وحده السداد والعون والتوفيق .
فأقول: لا خيار للأمة ـ إن أرادت أن تحيى، وتسترد عافيتها، وتستأنف حياتها الإسلامية من جديد ـ إلا خيار وطريق الجهاد في سبيل الله وفق ما أمر الله تعالى وشرع .. رضي من رضي وسخط من سخط؛ وذلك لأسباب عدة نذكر أهمها في النقاط التالية:
أولاً: لأن الله تعالى أمرنا بالجهاد .. فارتضاه لنا طريقاً إلى العزة والنصر والتمكين .. فهو قدر هذه الأمة، لا فكاك لها منه، أو التنكب عنه .. فليس للمؤمن ـ وهو يُسمى مؤمناً ـ أن يرتضي لنفسه ولأمته شيئاً بخلاف ما ارتضاه الله تعالى لعباده إلا إذا آثر الكفر على الإيمان، والخروج عن مسمى الإيمان اسماً وحكماً . والأدلة على ذلك أكثر من أن تُحصر في هذا الموضع، نذكر منها قوله تعالى:] كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون [ البقرة:216. فقوله تعالى:] كتب عليكم القتال [ أي فُرض .. وهو كقوله تعالى:] كتب عليكم الصيام [ من حيث دلالة الوجوب .. فكما أن الصيام فرض وكتب على المؤمنين كذلك القتال والجهاد في سبيل الله فهو فرض وكتب على المؤمنين . والأمة عندما تستقبل الأمر بالقتال والجهاد كما تستقبل الأمر بالصيام .. وتستعد وتفرح للأول كما تستعد وتفرح للثاني .. فحينئذٍ استبشروا بالفتح وبنصر من الله قريب . ومما يستغرب له، ويشتد له العجب .. أن الأمة لا تقبل من أحد ـ أياً كان وصفه أو كانت مكانته ـ أن يجادلها في شرعية ووجوب ] كتب عليكم الصيام [ بينما نراها لا تحرك ساكناً، ولا تبدي اعتراضاً عندما ينبري من ذوي النفوس المريضة المشبوهة من يشكك في شرعية ووجوب ] كتب عليكم القتال [ علماً أن كلا الآيتين لهما نفس الدلالة من حيث الأمر والوجوب .. ؟!! وقال تعالى:] وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكونَ الدينُ كله لله [ الأنفال:39. وقال تعالى:] إلا تنفروا يُعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير [ التوبة:39. وقال تعالى:] انفروا خفافاً وثِقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون [ التوبة:41. وقال تعالى:] إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يُقاتلون في سبيل الله فيقتُلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم [ التوبة:111. وهذا بيع قد تم لا يجوز لمؤمن ـ ما دام مؤمناً ـ أن يتخلف عنه وعن تبعاته .. وقوله تعالى:] اشترى من المؤمنين [ من صيغ العموم التي تفيد جميع المؤمنين من دون استثناء .. فمن أراد أن يخرج عن عقده وما تم بيعه فهو بذلك يخرج عن كونه من المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم يَقتلون ويُقتَلون .. وهم رضوا بالبيع مقابل جنة عرضها السماوات والأرض . وقال تعالى:] قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم اللهُ ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أُوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون [ التوبة:29. وقال تعالى:] وقاتلوا المشركين كافةً كما يُقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين [ التوبة:36. وغيرها كثير من الآيات التي تفيد وجوب الجهاد .. وأنه المنهج الحق الذي ارتضاه الله تعالى لعباده لا مناص لهم من تنكبه أو التفلت منه ومن تبعاته إلا وهم مرتكبون الوزر والإثم، حاكمين على أنفسهم بالذل والهوان والضياع والعذاب ..!
وفي الحديث فقد صح عنه r مئات الأحاديث التي تحض على الجهاد، وتأمر به، وتلزم به الأمة .. وتحذر من تركه أو الغفلة عنه إلى ما سواه من الطرق الأخرى الملتوية، نذكر منها الطائفة التالية:
قال رسول الله r:" أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله " البخاري . وقال r:" بُعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يُعبد الله تعالى وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري "(1). وقال r:" واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " البخاري. وقال r:" من مات ولم يغزُ، ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق " مسلم. وقال r:" من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة "(2). فالمؤمن لا يجوز له إلا أن يكون واحداً من ثلاث: إما أن يكون غازياً في سبيل الله، وإما أن يخلف غازياً في أهله بالخير، وإما أن يجهز غازياً في سبيل الله .. فإن لم يكن واحداً من هؤلاء فلينتظر قارعة تنزل بساحته ـ لا يعلم ماهيتها وحجمها إلا الله ـ قبل يوم القيامة ..! وقال r:" رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يومٍ فيما سواه من المنازل "(3). وقال r:" الغدوة والروحة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها " متفق عليه. وقال r:" من اغبرت قدماه في سبيل الله فهو حرام على النار "(4). قلت: كيف بمن يعلو الغبارُ وجهَه .. ويُلامس شغاف قلبه .. إنها الجنان والدرجات العلا وربِّ الكعبة ؟! وقال r:" عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى؛ فإنه باب من أبواب الجنة يُذهب الله به الهمَّ والغمَّ "(5).
ـــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد وغيره، صحيح الجامع:2831.
(2) صحيح سنن أبي داود: 2185. (3) صحيح سنن النسائي:2971.
(4) صحيح سنن النسائي: 2919.
(5) أخرجه الحاكم وغيره، السلسلة الصحيحة:1941.
وعن سلمة بن نفيل الكندي، قال: كنت جالساً عند رسول الله r فقال رجل: يا رسول الله، أذال الناس الخيل ـ أي استخفوا بها وتركوها ـ ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها ! فأقبل رسول الله r بوجهه وقال:" كذبوا، الآن جاء القتال، ولا يزال
من أمتي أمة يقاتلون على الحق ويُزيغ الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة "(1). وقال رسول الله r:" والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبداً، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزو فأقتل " مسلم. وقال r:" ولأن أُقتلَ في سبيل الله أحبُّ إلي من أن يكون لي أهل الوبَرِ والمدَرِ "(2). هذا قليل من كثير مما ثبت عن سيد الخلق وإمام المجاهدين r في الحض على الجهاد في سبيل الله والترغيب به .. ولو طالَبنا المخالفون بأن نأتيهم بألف دليل ودليل من الكتاب والسنة على مشروعية هذا الطريق المبارك لسهل علينا ـ بإذن الله ـ أن نأتيهم بما طلبوا .. ولكن لو طالبناهم بدليل واحد ـ من الكتاب أو السنة ـ على مشروعية ما هم عليه من الطرق والمناهج المنحرفة لعجزوا أن يأتونا بذلك .. ولرأيتهم يلوون أعناقهم ويلتجئون إلى المتشابهات والعموميات وليس لهم فيها أدنى حجة أو دليل ..! ثم نقول لهؤلاء المخالفين إن قدرتم على تحريف نص أو نصين عن ظاهرهما ودلالتهما.. فأنى لكم بتأويل وتحريف آلاف النصوص الشرعية التي تحض وتأمر بالجهاد في سبيل الله ..؟!! كذلك كيف يليق بكم ـ وأنتم تُظهرون حرصكم على نصرة هذا الدين ـ أن تصرفوا نظركم عن هذه النصوص على كثرتها، وتجعلوها وراءكم ظهريا وكأنها لم تكن، والله تعالى ـ بكبريائه وعظمته وأسمائه الحسنى وصفاته العلا ـ يخاطبكم بها وكل المؤمنين .. ] كتب عليكم القتال .. [ ] يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله .. [ ] يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً ..[ ] يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض .. [ ] يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غِلظة .. [ .. ألستم من الذين آمنوا الذين تعنيهم هذه الآيات وغيرها .. ألستم من الذين آمنوا الذين يخاطبهم الله تعالى ..؟!!
ـــــــــــــــــــ
(1) صحيح سنن النسائي: 3333.
(2) صحيح سنن النسائي:2955.
ثانياً: لأن في الجهاد حياة .. حياة حقيقية لمعاني العزة والكرامة .. حياة حقيقية لإنسانية وآدمية الإنسان .. حياة حقيقية لحرمات الإنسان من الانتهاك أو أن تكون عرضة لأطماع وأحقاد الوحوش الآدمية الفاجرة ..! قال تعالى:] يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكم .. [ الأنفال:24. أي لما فيه سبب حياتكم الحقيقية .. حياة القلوب والأبدان معاً .. ومما دعانا إليه النبي r الجهاد في سبيل الله . وفي قوله تعالى:] إذا دعاكم لما يحييكم [ قال ابن الزبير: أي للحرب التي أعزكم الله تعالى بها بعد الذل وقواكم بها بعد الضعف، ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم ا- هـ. وقال ابن إسحاق، وابن قتيبة: هو الجهاد الذي يحيي دينَهم ويُعليهم .. ا- هـ. وقال تعالى:] ولكم في القصاص حياة يا أُولي الألباب لعلكم تتقون [البقرة:179. أي حياة حقيقية آمنة وسالمة من الإجرام والاعتداءات على حرمات وحقوق الإنسان .. والقصاص جزئية تدخل في معنى الجهاد في سبيل الله . وقال تعالى:] وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة .. [ الأنفال:39. والفتنة كل ما يُضاد الحياة الحقيقية السوية الخالية من الفتن والخراب والفساد .. فإذا استؤصلت الفتنة من المجتمعات .. تحققت الحياة الحقيقية التي ملؤها الخير والسلامة للجميع .. والفتنة ـ بخاصة إذا كانت ممتنعة بقوة السلاح ـ لا يمكن استئصالها إلا بالجهاد والقتال كما أمر الله تعالى. وقال تعالى لما أمر بالجهاد والقتال:] وهو خير لكم .. [ البقرة:216. وفي سورة التوبة:] ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون [ التوبة:41. والخيرية هنا تشمل خيري الدنيا والآخرة .. تشمل الحياة الحقيقية التي ينبغي أن يعيشها الإنسان .. وإن كانت هذه الحقيقة الساطعة ـ بسبب من عند أنفسنا ـ لا نعلمها بادئ ذي بدء، فإن الله تعالى يعلمها، كما قال تعالى:] والله يعلم وأنتم لا تعلمون [.
وفي الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره، قال r:" مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا ـ أي اقترعوا ـ على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذي في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً ". أي إن أخذوا على أيدي أهل الباطل والفساد والشر بالجهاد والإنكار .. نجوا، ونجوا جميعاً، ونجت معهم البلاد من الغرق والضياع .. من كل ما يدخل في معاني الهلاك .. وكل من ينجو من مطلق الهلاك تحققت له ولا بد الحياة الحقيقية في الدنيا والآخرة . وإذا كان في الجهاد حياة حقيقية فإن من لوازم تركه العذاب والحياة الضنك وتحقيق الموت الحقيقي للبلاد والعباد .. موت حقيقي لمعاني الحرية والعزة والكرامة ..! ما قيمة الأجساد إذا كانت تدب على الأرض .. وجميع الحرمات ومعاني إنسانية الإنسان تنتهك وتُقتل ..؟! قال تعالى:] ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً [ طه:124. ومن الذكر الجهاد في سبيل الله .. وقال تعالى:] إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليما [ التوبة:39. والعذاب هنا يشمل عذابي الدنيا والآخرة .. عذاب الدنيا لما يترتب على ترك الجهاد وتسليم الأعناق والحرمات لرحمة الطواغيت .. وعذاب الآخرة بسبب عصيان أمر الله تعالى بجهاد الطواغيت الظالمين . مصداق ذلك في السنة قوله r:" ما ترك قوم الجهادَ إلا عمهم الله بالعذاب "(1). وقال r:" إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم "(2). أي ترجعوا عما كان سبباً في ذِلِّكم .. وهو ترك الانشغال بما تقدم ذكره في الحديث عن الجهاد في سبيل الله .. فسمى الله تعالى الجهاد بالدين .. فمن ترك الجهاد فقد ترك الدين .. ومن رجع إلى الجهاد رجع إلى الدين ! وقد تقدم قوله r:" من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة ". قارعة .. الله أعلم بحجمها ونوعها ..! وقال r:" يوشك الأمم أن تداعى عليكم ـ أي تجتمع وتتكالب ـ كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت "(3). صدق رسول الله r .. فأي هوان وأي ذلٍّ تعيشه أمة الإسلام في هذا الزمان بسبب تركها للجهاد(4) .. تأمل مصابها في بلاد الشام وبخاصة منها فلسطين .. ثم تأمل مصابها في البوسنة والهرسك، وفي كوسوفو وكيف أن الناس ضربوا في الوديان والغابات يؤاثرون وحشية الوحوش المفترسة على وحشية الوحوش الآدمية الصربية الصليبية .. ثم تأمل مصابها مؤخراً في الشيشان .. انظر شرقاً وغرباً .. شمالاً وجنوباً ..ما من قطر من أقطار الأرض إلا وتجد فيه الشعوب تدفع ضريبة باهظة في دينها وفي معاشها .. في كل ما تملك من مالٍ وأرض وعرض .. كل ذلك بسبب تخليها عن الجهاد في سبيل الله .. وإيثارها للدعة والراحة، وركونها لظاهر الحياة الدنيا ..!
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الطبراني، السلسلة الصحيحة:2663.
(2) أخرجه أبو داود وغيره، السلسلة الصحيحة:11.
(3) أخرجه أبو داود وغيره، السلسلة الصحيحة:958.
(4) مع ضرورة الإشارة إلى وجود الطائفة المنصورة المجاهدة التي يُحيي الله تعالى بها فريضة الجهاد .. وهي طائفة موجودة على مدار الزمان، لا يمكن أن يخلو زمان من وجودها ومن أثر لها .. كما أفادت بذلك أحاديث نبوية عديدة ولله الحمد .. وإني لأرجو أن يكون المجاهدون الموحدون في الشيشان وفي فلسطين من هذه الطائفة المنصورة إن شاء الله .. نسأل الله تعالى لهم الثبات والنصر على الأعداء .
فإن قيل كيف يكون في الجهاد حياة ويترتب عليه ما يترتب من القتل والقتال وحصول الجراحات وغير ذلك ..؟! أقول: نعم، رغم ما ذُكر فإن في الجهاد حياة وذلك من وجهين: ألهما: من حيث تقليل نسبة الخسائر التي يمكن أن تصيب الأنفس والأموال والحرمات .. فإذا كان في الجهاد تقتل بعض الأنفس، وتتحقق بعض الخسائر أو الجراحات .. فإن ضريبة ترك الجهاد في سبيل الله، والخلود إلى الأرض .. هي أضعاف أضعاف ما يمكن أن يتحصل بسبب الجهاد .. فيكون في الجهاد حياة للفارق بين ما يُعد ضريبة للجهاد وبين ما هو ضريبة لترك الجهاد والركون إلى الأرض وحب الدنيا .. وهو فارق ضخم جداً ! ولتوضيح الصورة أكثر نضرب المثال التالي: في حال آثرت الشعوب الجهاد يُقتل منها مثلاً عشرة أنفس .. وفي حال آثرت ترك الجهاد .. يُقتل منها مائة نفس .. فيكون في اختيارها لطريق الجهاد حياة حقيقية لتسعين نفس ـ كان موتها محقق في حال ترك الجهاد ـ وهو الفارق بين ضريبة وتبعات الجهاد وبين ضريبة ترك الجهاد .. وهذا مثال ضربناه لتقريب الصورة إليك يمكنك القياس عليه عند الحديث عن الحرمات التي يمكن أن تنتهك في مواطن الجهاد .. والحرمات التي تنتهك في مواطن الاستسلام والركون إلى الأرض وترك الجهاد (1)!
ــــــــــــــــــ
(1) لكي تعرف الفارق بين تكاليف الجهاد .. وتكاليف الركون إلى الدنيا وترك الجهاد تأمل ما حصل في كلٍّ من البوسنة والهرسك والشيشان .. حيث في البوسنة والهرسك ـ بسبب ترك الجهاد وانشغال الناس في البحث عن الثغور للفرار ـ قد انتهكت أعراض عشرات الآلاف من النساء والفتيات المسلمات .. إضافة إلى مئات المقابر الجماعية للناس هناك حيث يُقبرون وهم أحياء .. وهذا مرده كله يعود إلى تركهم للجهاد في سبيل الله، وانشغالهم عنه بالدنيا ..! بينما ـ رغم وحشية الجيش الروسي وشدة فجوره وكفره وإجرامه ـ لم يحصل في الشيشان شيء مما ذكر في البوسنة والهرسك .. بسبب أن إخواننا هناك ـ حفظهم الله من كل سوء ـ قد آثروا طريق الجهاد في سبيل الله من أول الأحداث وقبلها .. وقد بلغنا أن وحشاً روسياً ـ من قادة الجيش الروسي! ـ قد تجاسرت نفسه على الاعتداء على شرف فتاة مسلمة شيشانية ثم قام بقتلها .. فكانت النتيجة أن اعتقل المجاهدون مقابل هذه المرأة ما يُقارب عشرة جنود ومقاتلين من الجيش الروسي .. ولما أبى قادة الروس بتسليم المجرم الذي قام بالجرم المذكور للمجاهدين مقابل تسليمهم ما لدى المجاهدين من أسرى .. قام المجاهدون ـ ثأراً لشرف وعرض تلك المرأة المسلمة ـ بقتل ما لديهم من أسرى جنود الروس .. ولهم ذلك .. مما جعل طواغيت الروس أن يفكروا ألف مرة قبل أن تتجاسر نفوسهم الخبيثة على الاعتداء على أعراض المسلمين ونسائهم .. ومرد ذلك كله ـ كما تقدم ـ إلى إحياء فريضة الجهاد في سبيل الله في تلك الديار .. فتأمل الفارق الضخم بين تكاليف الجهاد وبين تكاليف وتبعات ترك الجهاد ..!
أما ثانياً: ففي الجهاد حياة لمعانٍ لا تقل قيمة عن الأنفس والأرواح .. حياة لمعاني الحرية، والعزة، والكرامة، والشرف .. لا طعم للحياة من دونها .. ولا قيمة للأجساد التي تدب على الأرض من دونها .. وهذه معانٍ لا تُستجدى من الآخرين .. ولا يمكن أن تحي من دون الجهاد في سبيل الله ! فالجهاد حياة حقيقية من هذا الوجه .. فتفطن لذلك ! وهو ـ أي الجهاد ـ إضافة إلى جميع ما تقدم مؤداه إلى حياة الخلود والنعيم في الجنان قبل يوم القيامة، وبعد قيامها كما قال تعالى:] ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون . فرحين بما آتاهم الله من فضله [ آل عمران:169. وقال تعالى:] ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون [ البقرة:154. [/align][/B]
اللهم إني قد بلغت .. اللهم فاشهد .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وصلى الله على سيدنا وقائدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
24/10/1421هـ . عبد المنعم مصطفى حليمة
19/1/2001 م . أبو بصير
www.abubaseer.com
فإني ارتأيت أن أشارككم التعرف على هذا البحث المهم في حقيقة الجهاد وماهيته ، بما ينعكس على واقعنا الذي نحياه في هذه المرحلة الحرجة والخطيرة من حياة أمتنا الإسلامية ، ولأن الموضوع طويل وغزير ، فقد ارتأيت أن يتم تقسيمه إلى ثلاث حلقات ، وأسأل الله أن يجعله عملا متقبلا لوجهه الكريم ، وأن ينفع به وأن ينير به العقول ويحيي به النفوس.
لماذا الجهادُ في سبيلِ اللهِ ..؟
إن الحمد لله نحمدُه ونستعينه ونستهديه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مُضلَّ له ومن يُضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأنه قد جاهد في سبيل الله حق جهاده حتى أتاه اليقين .. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم .
وبعد: فإن كثيراً من الناس ـ على اختلاف مقاصدهم ونواياهم ـ يتساءلون: لماذا خيار الجهاد في سبيل الله، وليس دونه ..؟! والذين يسألون هذا السؤال هم أصناف ثلاثة:
1- فريق منهم يطرح هذا السؤال استرشاداً وطلباً للحق ليلزموه .. وهؤلاء لا حرج عليهم إن شاء الله .
2- وفريق آخر يطرح هذا السؤال مشككاً في جدوى هذا الطريق .. مظهراً نوع شفقة على المسلمين وعلى حرماتهم، على اعتبار أن هذا الطريق من لوازمه الوقوع في الفتنة، وتعريض المسلمين لأن تسفك دماؤهم وتُنتهك حرماتهم .. وكذلك تعريض الأوطان للدمار والخراب .. لذلك فهم لا يتورعون في أن يطرحوا نظرياتهم وبدائلهم ـ التي هي من عند أهوائهم وأنفسهم ـ عن هذا الطريق .. كطرحهم لطريق الانتخابات الديمقراطية وما يتفرع عنها من فروع وتبعات .. وكطريق الاقتصار على الدعوة باللسان على مبدأ كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة، إلى أن يبعث الله بالفرج أو يظهر الإمام .. أو طريق الاقتصار على عنصر التربية .. وغير ذلك من الطرق والطروحات التي تتبناها وتدعو لها بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة !
3- وفريق ثالث خبثت طويته، وساء مقصده .. يطرحون هذا السؤال من قبيل الطعن والاستخفاف بمبدأ الجهاد .. وعلى أنه خيار غير متحضر لا يناسب زماننا المعاصر .. ويتمثل هذا الفريق في موقف العلمانيين على اختلاف مدارسهم ومذاهبهم الباطلة ..!! وهذا الفريق العلماني الكافر ـ بحكم الوسائل المتاحة له ـ قد ترك أثره الكبير على تفكير ومعنويات كثير من المثقفين الإسلاميين .. مما حدا بالآخرين أن يقفوا موقف المدافع عن مبدأ الجهاد في سبيل الله وبطريقة مشوهة وغير لائقة؛ وكأن الجهاد تهمة مشينة تحتاج إلى من يدافع عنها .. أو يوجد لها المبررات والمسوغات !! فهم تارة يطرحون مبدأ الجهاد ويحصرونه في معنى الدفاع عن الأوطان .. والأوطان التي تُغزى تحديداً من عدو خارجي .. أما الأوطان التي تُغزى من الأعداء الداخليين ـ الذين يكونون في الغالب هم أشد عداوة للأمة والأوطان من الأعداء الخارجيين، ومن مسيلمة الكذاب أيام الصدِّيق t ـ لا يجوز أن يُعمل بالجهاد مع هؤلاء الصنف من الأعداء .. حيث توجد الطرق الديمقراطية المتحضرة المعروفة دولياً لفك مثل هذه النزاعات الداخلية ..!! وتارة يحصرونه في جهاد الكلمة أو النفس .. وتارة في التنقل بين المساجد والمبيت فيها على طريقة إخواننا التبليغيين .. وتارة .. وتارة .. فتوسعت الهوة بين معاني هذا الدين العظيم كما أوحاه الله تعالى على عبده ونبيه محمد r .. وبين مستوى التزام كثير من الناس في زماننا المعاصر .. فانعكس ذلك على الأمة سلباً وذلاً وهواناً، وضياعا ..!! لأجل ذلك كله نجد لزاماً في أن نجيب على هذا السؤال بشيء من التفصيل والبيان: لماذا الجهاد في سبيل الله ..؟؟ ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة .. مستلهماً من الله تعالى وحده السداد والعون والتوفيق .
فأقول: لا خيار للأمة ـ إن أرادت أن تحيى، وتسترد عافيتها، وتستأنف حياتها الإسلامية من جديد ـ إلا خيار وطريق الجهاد في سبيل الله وفق ما أمر الله تعالى وشرع .. رضي من رضي وسخط من سخط؛ وذلك لأسباب عدة نذكر أهمها في النقاط التالية:
أولاً: لأن الله تعالى أمرنا بالجهاد .. فارتضاه لنا طريقاً إلى العزة والنصر والتمكين .. فهو قدر هذه الأمة، لا فكاك لها منه، أو التنكب عنه .. فليس للمؤمن ـ وهو يُسمى مؤمناً ـ أن يرتضي لنفسه ولأمته شيئاً بخلاف ما ارتضاه الله تعالى لعباده إلا إذا آثر الكفر على الإيمان، والخروج عن مسمى الإيمان اسماً وحكماً . والأدلة على ذلك أكثر من أن تُحصر في هذا الموضع، نذكر منها قوله تعالى:] كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون [ البقرة:216. فقوله تعالى:] كتب عليكم القتال [ أي فُرض .. وهو كقوله تعالى:] كتب عليكم الصيام [ من حيث دلالة الوجوب .. فكما أن الصيام فرض وكتب على المؤمنين كذلك القتال والجهاد في سبيل الله فهو فرض وكتب على المؤمنين . والأمة عندما تستقبل الأمر بالقتال والجهاد كما تستقبل الأمر بالصيام .. وتستعد وتفرح للأول كما تستعد وتفرح للثاني .. فحينئذٍ استبشروا بالفتح وبنصر من الله قريب . ومما يستغرب له، ويشتد له العجب .. أن الأمة لا تقبل من أحد ـ أياً كان وصفه أو كانت مكانته ـ أن يجادلها في شرعية ووجوب ] كتب عليكم الصيام [ بينما نراها لا تحرك ساكناً، ولا تبدي اعتراضاً عندما ينبري من ذوي النفوس المريضة المشبوهة من يشكك في شرعية ووجوب ] كتب عليكم القتال [ علماً أن كلا الآيتين لهما نفس الدلالة من حيث الأمر والوجوب .. ؟!! وقال تعالى:] وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكونَ الدينُ كله لله [ الأنفال:39. وقال تعالى:] إلا تنفروا يُعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير [ التوبة:39. وقال تعالى:] انفروا خفافاً وثِقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون [ التوبة:41. وقال تعالى:] إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يُقاتلون في سبيل الله فيقتُلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم [ التوبة:111. وهذا بيع قد تم لا يجوز لمؤمن ـ ما دام مؤمناً ـ أن يتخلف عنه وعن تبعاته .. وقوله تعالى:] اشترى من المؤمنين [ من صيغ العموم التي تفيد جميع المؤمنين من دون استثناء .. فمن أراد أن يخرج عن عقده وما تم بيعه فهو بذلك يخرج عن كونه من المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم يَقتلون ويُقتَلون .. وهم رضوا بالبيع مقابل جنة عرضها السماوات والأرض . وقال تعالى:] قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم اللهُ ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أُوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون [ التوبة:29. وقال تعالى:] وقاتلوا المشركين كافةً كما يُقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين [ التوبة:36. وغيرها كثير من الآيات التي تفيد وجوب الجهاد .. وأنه المنهج الحق الذي ارتضاه الله تعالى لعباده لا مناص لهم من تنكبه أو التفلت منه ومن تبعاته إلا وهم مرتكبون الوزر والإثم، حاكمين على أنفسهم بالذل والهوان والضياع والعذاب ..!
وفي الحديث فقد صح عنه r مئات الأحاديث التي تحض على الجهاد، وتأمر به، وتلزم به الأمة .. وتحذر من تركه أو الغفلة عنه إلى ما سواه من الطرق الأخرى الملتوية، نذكر منها الطائفة التالية:
قال رسول الله r:" أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله " البخاري . وقال r:" بُعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يُعبد الله تعالى وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري "(1). وقال r:" واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " البخاري. وقال r:" من مات ولم يغزُ، ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق " مسلم. وقال r:" من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة "(2). فالمؤمن لا يجوز له إلا أن يكون واحداً من ثلاث: إما أن يكون غازياً في سبيل الله، وإما أن يخلف غازياً في أهله بالخير، وإما أن يجهز غازياً في سبيل الله .. فإن لم يكن واحداً من هؤلاء فلينتظر قارعة تنزل بساحته ـ لا يعلم ماهيتها وحجمها إلا الله ـ قبل يوم القيامة ..! وقال r:" رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يومٍ فيما سواه من المنازل "(3). وقال r:" الغدوة والروحة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها " متفق عليه. وقال r:" من اغبرت قدماه في سبيل الله فهو حرام على النار "(4). قلت: كيف بمن يعلو الغبارُ وجهَه .. ويُلامس شغاف قلبه .. إنها الجنان والدرجات العلا وربِّ الكعبة ؟! وقال r:" عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى؛ فإنه باب من أبواب الجنة يُذهب الله به الهمَّ والغمَّ "(5).
ـــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد وغيره، صحيح الجامع:2831.
(2) صحيح سنن أبي داود: 2185. (3) صحيح سنن النسائي:2971.
(4) صحيح سنن النسائي: 2919.
(5) أخرجه الحاكم وغيره، السلسلة الصحيحة:1941.
وعن سلمة بن نفيل الكندي، قال: كنت جالساً عند رسول الله r فقال رجل: يا رسول الله، أذال الناس الخيل ـ أي استخفوا بها وتركوها ـ ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها ! فأقبل رسول الله r بوجهه وقال:" كذبوا، الآن جاء القتال، ولا يزال
من أمتي أمة يقاتلون على الحق ويُزيغ الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة "(1). وقال رسول الله r:" والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبداً، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزو فأقتل " مسلم. وقال r:" ولأن أُقتلَ في سبيل الله أحبُّ إلي من أن يكون لي أهل الوبَرِ والمدَرِ "(2). هذا قليل من كثير مما ثبت عن سيد الخلق وإمام المجاهدين r في الحض على الجهاد في سبيل الله والترغيب به .. ولو طالَبنا المخالفون بأن نأتيهم بألف دليل ودليل من الكتاب والسنة على مشروعية هذا الطريق المبارك لسهل علينا ـ بإذن الله ـ أن نأتيهم بما طلبوا .. ولكن لو طالبناهم بدليل واحد ـ من الكتاب أو السنة ـ على مشروعية ما هم عليه من الطرق والمناهج المنحرفة لعجزوا أن يأتونا بذلك .. ولرأيتهم يلوون أعناقهم ويلتجئون إلى المتشابهات والعموميات وليس لهم فيها أدنى حجة أو دليل ..! ثم نقول لهؤلاء المخالفين إن قدرتم على تحريف نص أو نصين عن ظاهرهما ودلالتهما.. فأنى لكم بتأويل وتحريف آلاف النصوص الشرعية التي تحض وتأمر بالجهاد في سبيل الله ..؟!! كذلك كيف يليق بكم ـ وأنتم تُظهرون حرصكم على نصرة هذا الدين ـ أن تصرفوا نظركم عن هذه النصوص على كثرتها، وتجعلوها وراءكم ظهريا وكأنها لم تكن، والله تعالى ـ بكبريائه وعظمته وأسمائه الحسنى وصفاته العلا ـ يخاطبكم بها وكل المؤمنين .. ] كتب عليكم القتال .. [ ] يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله .. [ ] يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً ..[ ] يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض .. [ ] يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غِلظة .. [ .. ألستم من الذين آمنوا الذين تعنيهم هذه الآيات وغيرها .. ألستم من الذين آمنوا الذين يخاطبهم الله تعالى ..؟!!
ـــــــــــــــــــ
(1) صحيح سنن النسائي: 3333.
(2) صحيح سنن النسائي:2955.
ثانياً: لأن في الجهاد حياة .. حياة حقيقية لمعاني العزة والكرامة .. حياة حقيقية لإنسانية وآدمية الإنسان .. حياة حقيقية لحرمات الإنسان من الانتهاك أو أن تكون عرضة لأطماع وأحقاد الوحوش الآدمية الفاجرة ..! قال تعالى:] يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكم .. [ الأنفال:24. أي لما فيه سبب حياتكم الحقيقية .. حياة القلوب والأبدان معاً .. ومما دعانا إليه النبي r الجهاد في سبيل الله . وفي قوله تعالى:] إذا دعاكم لما يحييكم [ قال ابن الزبير: أي للحرب التي أعزكم الله تعالى بها بعد الذل وقواكم بها بعد الضعف، ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم ا- هـ. وقال ابن إسحاق، وابن قتيبة: هو الجهاد الذي يحيي دينَهم ويُعليهم .. ا- هـ. وقال تعالى:] ولكم في القصاص حياة يا أُولي الألباب لعلكم تتقون [البقرة:179. أي حياة حقيقية آمنة وسالمة من الإجرام والاعتداءات على حرمات وحقوق الإنسان .. والقصاص جزئية تدخل في معنى الجهاد في سبيل الله . وقال تعالى:] وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة .. [ الأنفال:39. والفتنة كل ما يُضاد الحياة الحقيقية السوية الخالية من الفتن والخراب والفساد .. فإذا استؤصلت الفتنة من المجتمعات .. تحققت الحياة الحقيقية التي ملؤها الخير والسلامة للجميع .. والفتنة ـ بخاصة إذا كانت ممتنعة بقوة السلاح ـ لا يمكن استئصالها إلا بالجهاد والقتال كما أمر الله تعالى. وقال تعالى لما أمر بالجهاد والقتال:] وهو خير لكم .. [ البقرة:216. وفي سورة التوبة:] ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون [ التوبة:41. والخيرية هنا تشمل خيري الدنيا والآخرة .. تشمل الحياة الحقيقية التي ينبغي أن يعيشها الإنسان .. وإن كانت هذه الحقيقة الساطعة ـ بسبب من عند أنفسنا ـ لا نعلمها بادئ ذي بدء، فإن الله تعالى يعلمها، كما قال تعالى:] والله يعلم وأنتم لا تعلمون [.
وفي الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره، قال r:" مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا ـ أي اقترعوا ـ على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذي في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً ". أي إن أخذوا على أيدي أهل الباطل والفساد والشر بالجهاد والإنكار .. نجوا، ونجوا جميعاً، ونجت معهم البلاد من الغرق والضياع .. من كل ما يدخل في معاني الهلاك .. وكل من ينجو من مطلق الهلاك تحققت له ولا بد الحياة الحقيقية في الدنيا والآخرة . وإذا كان في الجهاد حياة حقيقية فإن من لوازم تركه العذاب والحياة الضنك وتحقيق الموت الحقيقي للبلاد والعباد .. موت حقيقي لمعاني الحرية والعزة والكرامة ..! ما قيمة الأجساد إذا كانت تدب على الأرض .. وجميع الحرمات ومعاني إنسانية الإنسان تنتهك وتُقتل ..؟! قال تعالى:] ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً [ طه:124. ومن الذكر الجهاد في سبيل الله .. وقال تعالى:] إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليما [ التوبة:39. والعذاب هنا يشمل عذابي الدنيا والآخرة .. عذاب الدنيا لما يترتب على ترك الجهاد وتسليم الأعناق والحرمات لرحمة الطواغيت .. وعذاب الآخرة بسبب عصيان أمر الله تعالى بجهاد الطواغيت الظالمين . مصداق ذلك في السنة قوله r:" ما ترك قوم الجهادَ إلا عمهم الله بالعذاب "(1). وقال r:" إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم "(2). أي ترجعوا عما كان سبباً في ذِلِّكم .. وهو ترك الانشغال بما تقدم ذكره في الحديث عن الجهاد في سبيل الله .. فسمى الله تعالى الجهاد بالدين .. فمن ترك الجهاد فقد ترك الدين .. ومن رجع إلى الجهاد رجع إلى الدين ! وقد تقدم قوله r:" من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة ". قارعة .. الله أعلم بحجمها ونوعها ..! وقال r:" يوشك الأمم أن تداعى عليكم ـ أي تجتمع وتتكالب ـ كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت "(3). صدق رسول الله r .. فأي هوان وأي ذلٍّ تعيشه أمة الإسلام في هذا الزمان بسبب تركها للجهاد(4) .. تأمل مصابها في بلاد الشام وبخاصة منها فلسطين .. ثم تأمل مصابها في البوسنة والهرسك، وفي كوسوفو وكيف أن الناس ضربوا في الوديان والغابات يؤاثرون وحشية الوحوش المفترسة على وحشية الوحوش الآدمية الصربية الصليبية .. ثم تأمل مصابها مؤخراً في الشيشان .. انظر شرقاً وغرباً .. شمالاً وجنوباً ..ما من قطر من أقطار الأرض إلا وتجد فيه الشعوب تدفع ضريبة باهظة في دينها وفي معاشها .. في كل ما تملك من مالٍ وأرض وعرض .. كل ذلك بسبب تخليها عن الجهاد في سبيل الله .. وإيثارها للدعة والراحة، وركونها لظاهر الحياة الدنيا ..!
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الطبراني، السلسلة الصحيحة:2663.
(2) أخرجه أبو داود وغيره، السلسلة الصحيحة:11.
(3) أخرجه أبو داود وغيره، السلسلة الصحيحة:958.
(4) مع ضرورة الإشارة إلى وجود الطائفة المنصورة المجاهدة التي يُحيي الله تعالى بها فريضة الجهاد .. وهي طائفة موجودة على مدار الزمان، لا يمكن أن يخلو زمان من وجودها ومن أثر لها .. كما أفادت بذلك أحاديث نبوية عديدة ولله الحمد .. وإني لأرجو أن يكون المجاهدون الموحدون في الشيشان وفي فلسطين من هذه الطائفة المنصورة إن شاء الله .. نسأل الله تعالى لهم الثبات والنصر على الأعداء .
فإن قيل كيف يكون في الجهاد حياة ويترتب عليه ما يترتب من القتل والقتال وحصول الجراحات وغير ذلك ..؟! أقول: نعم، رغم ما ذُكر فإن في الجهاد حياة وذلك من وجهين: ألهما: من حيث تقليل نسبة الخسائر التي يمكن أن تصيب الأنفس والأموال والحرمات .. فإذا كان في الجهاد تقتل بعض الأنفس، وتتحقق بعض الخسائر أو الجراحات .. فإن ضريبة ترك الجهاد في سبيل الله، والخلود إلى الأرض .. هي أضعاف أضعاف ما يمكن أن يتحصل بسبب الجهاد .. فيكون في الجهاد حياة للفارق بين ما يُعد ضريبة للجهاد وبين ما هو ضريبة لترك الجهاد والركون إلى الأرض وحب الدنيا .. وهو فارق ضخم جداً ! ولتوضيح الصورة أكثر نضرب المثال التالي: في حال آثرت الشعوب الجهاد يُقتل منها مثلاً عشرة أنفس .. وفي حال آثرت ترك الجهاد .. يُقتل منها مائة نفس .. فيكون في اختيارها لطريق الجهاد حياة حقيقية لتسعين نفس ـ كان موتها محقق في حال ترك الجهاد ـ وهو الفارق بين ضريبة وتبعات الجهاد وبين ضريبة ترك الجهاد .. وهذا مثال ضربناه لتقريب الصورة إليك يمكنك القياس عليه عند الحديث عن الحرمات التي يمكن أن تنتهك في مواطن الجهاد .. والحرمات التي تنتهك في مواطن الاستسلام والركون إلى الأرض وترك الجهاد (1)!
ــــــــــــــــــ
(1) لكي تعرف الفارق بين تكاليف الجهاد .. وتكاليف الركون إلى الدنيا وترك الجهاد تأمل ما حصل في كلٍّ من البوسنة والهرسك والشيشان .. حيث في البوسنة والهرسك ـ بسبب ترك الجهاد وانشغال الناس في البحث عن الثغور للفرار ـ قد انتهكت أعراض عشرات الآلاف من النساء والفتيات المسلمات .. إضافة إلى مئات المقابر الجماعية للناس هناك حيث يُقبرون وهم أحياء .. وهذا مرده كله يعود إلى تركهم للجهاد في سبيل الله، وانشغالهم عنه بالدنيا ..! بينما ـ رغم وحشية الجيش الروسي وشدة فجوره وكفره وإجرامه ـ لم يحصل في الشيشان شيء مما ذكر في البوسنة والهرسك .. بسبب أن إخواننا هناك ـ حفظهم الله من كل سوء ـ قد آثروا طريق الجهاد في سبيل الله من أول الأحداث وقبلها .. وقد بلغنا أن وحشاً روسياً ـ من قادة الجيش الروسي! ـ قد تجاسرت نفسه على الاعتداء على شرف فتاة مسلمة شيشانية ثم قام بقتلها .. فكانت النتيجة أن اعتقل المجاهدون مقابل هذه المرأة ما يُقارب عشرة جنود ومقاتلين من الجيش الروسي .. ولما أبى قادة الروس بتسليم المجرم الذي قام بالجرم المذكور للمجاهدين مقابل تسليمهم ما لدى المجاهدين من أسرى .. قام المجاهدون ـ ثأراً لشرف وعرض تلك المرأة المسلمة ـ بقتل ما لديهم من أسرى جنود الروس .. ولهم ذلك .. مما جعل طواغيت الروس أن يفكروا ألف مرة قبل أن تتجاسر نفوسهم الخبيثة على الاعتداء على أعراض المسلمين ونسائهم .. ومرد ذلك كله ـ كما تقدم ـ إلى إحياء فريضة الجهاد في سبيل الله في تلك الديار .. فتأمل الفارق الضخم بين تكاليف الجهاد وبين تكاليف وتبعات ترك الجهاد ..!
أما ثانياً: ففي الجهاد حياة لمعانٍ لا تقل قيمة عن الأنفس والأرواح .. حياة لمعاني الحرية، والعزة، والكرامة، والشرف .. لا طعم للحياة من دونها .. ولا قيمة للأجساد التي تدب على الأرض من دونها .. وهذه معانٍ لا تُستجدى من الآخرين .. ولا يمكن أن تحي من دون الجهاد في سبيل الله ! فالجهاد حياة حقيقية من هذا الوجه .. فتفطن لذلك ! وهو ـ أي الجهاد ـ إضافة إلى جميع ما تقدم مؤداه إلى حياة الخلود والنعيم في الجنان قبل يوم القيامة، وبعد قيامها كما قال تعالى:] ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون . فرحين بما آتاهم الله من فضله [ آل عمران:169. وقال تعالى:] ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون [ البقرة:154. [/align][/B]
اللهم إني قد بلغت .. اللهم فاشهد .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وصلى الله على سيدنا وقائدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
24/10/1421هـ . عبد المنعم مصطفى حليمة
19/1/2001 م . أبو بصير
www.abubaseer.com