المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ملامح هوية المقاومة العراقية



المهند
03-12-2004, 02:01 AM
ملامح هوية المقاومة العراقية

بطرس عنداري/صحافي من لبنان يقيم في سيدني - استراليا


لآن وبعد مرور عام ونصف العام على احتلال العراق ووضعه تحت الإدارة والحماية الأميركية المطلقة، وبعد أكثر من 20 ألف عملية ضدّ قوات الاحتلال والمتعاونين معها، حان الوقت لمحاولة إلقاء الضوء على هوية ومعالم المقاومة الوطنية العراقية التي تمكنت من إثبات وجودها وتوجيه الضربات الموجعة إلى قوات الاحتلال رغم شراسة ووحشية هذه القوات التي تقصف عشوائياً وتقتل ألوف الأبرياء، ورغم الحملات الإعلامية التضليلية التي تحاول أن تحصر عمليات المقاومة العراقية بشخص واحد تدرب على القتل والتطرف على يد القوات الأميركية في أفغانستان يطلقون عليه اسم "أبو مصعب الزرقاوي".

من المؤسف أن الكتابات والدراسات عن المقاومة العراقية باللغة العربية اقتصرت على التعليقات من سلبية وإيجابية ولم تحاول أي جهة القيام بمهمة علمية لمعرفة هوية حركة مقاومة وطنية نفذت خلال شهر آب/أغسطس المنصرم حوالي 2300 عملية ضد قوات الاحتلال حسب ما أعلنته المصادر الأميركية.

إن الدراسة التي كتبها المفكر العربي الدكتور خير الدين حسيب ونشرت في مجلة (المستقبل العربي) نيسان/إبريل 2004، تعتبر الدراسة العلمية الوحيدة التي قدمت نظرة استراتيجية ووطنية لدور المقاومة واعتبرتها الأمل الوحيد لاستعادة العراق والكرامة العربية.

وقد جاءت دراسة الدكتور حسيب رئيس مؤسسة الوحدة العربية بمناسبة مرور عام على احتلال العراق.

وربما كان الصحافي الأسترالي البارز (بول ماغيو) أول من كتب عن المقاومة الوطنية العراقية على صفحات (سيدني مورنينغ هيرالد) بتاريخ 16/8/2003، حيث نشر أول تحقيق مطول ومفصل عن المقاومة العراقية ضدّ الاحتلال الأميركي تحت عنوان: "داخل المقاومة العراقية". وقد قمنا بترجمة هذا التحقيق آنذاك وتم نشره في (القدس العربي) وصحف عربية أخرى.

كان تحقيق المراسل الأسترالي مفاجأة إذ شكل أول تحقيق في الصحافة الغربية والعالمية عن مقاومة الاحتلال وتحدث بإسهاب عن وجهات نظر المقاومين الذين التقاهم سرّاً وأكدوا له أنهم يقاومون بهدف تحرير وطنهم من الاحتلال وليس من أجل نظام أو حزب معيّن، وقال إن رجال المقاومة في بغداد يتحركون ويتنقلون بسهولة لأن قوات الاحتلال عاجزة عن السيطرة على المدينة الشاسعة كما أن الجنود الأميركيين يعيشون حالة من الرعب والخوف الدائمين بسبب نمّو عمليات المقاومة.

هكذا وصف (ماغيو) الحالة قبل 15 شهراً وكانت المقاومة في بداياتها، ولا شك أنها تضاعفت حالياً حيث قدر عدد العمليات اليومية آنذاك من 10 إلى 15 عملية. ويعترف الأميركيون حالياً بأن عمليات المقاومة تتراوح من 70 إلى 80 عملية كل 24 ساعة بعد أن كانت في مطلع العام الجاري 35-40 عملية يومية.

إن الاعتراف بهذه النسبة المرتفعة من العمليات ضد الاحتلال يشكل اعترافاً واقعياً بأن المقاومة الوطنية العراقية أصبحت قوة معنوية وعسكرية وسياسية وثقلاً في الحياة العراقية. وقد طالبت فرنسا علناً باشراك ممثلين عن المقاومة العراقية في أي مؤتمر دولي يعقد من أجل العراق مما أثار غضب المحتلّين وأعوانهم في الداخل العراقي. وبعد الإعلان عن عقد مؤتمر شرم الشيخ أسرع الأميركيون وحكومتهم المعينة إلى الإعلان عن معارضتهم الشديدة لحضور ممثلي المقاومة العراقية لأن هدف الاجتماع هو لدعم رموز الاحتلال وانتزاع المزيد من المبررات لشرعنة الاحتلال.

هل كانت المقاومة مفاجأة؟

طلبت الحكومة الأميركية قبل بدء غزو العراق من عدّة مراكز دراسات متخصّصة تقديم الدراسات عن احتمال قيام مقاومة مسلحة ضد القوات الأميركية في العراق، كما طلب من القوى العراقية التي عملت مع الأميركيين وحرضتهم على احتلال وطنهم أن تقدّم تقارير مفصّلة عن هذا الموضوع، وقد قُدمت تقارير هذه القوى مؤكدة إن احتمال قيام مقاومة حقيقية وفعّالة ضد الجيش الأميركي أمر مستبعد جداً. وأشيع أن المعارض المعروف صلاح عمر العلي كان الوحيد الذي رجّح قيام مقاومة ضاربة ولكن حليفه السابق اياد علاوي خالفه الرأي وافترقا منذ ذلك الوقت.

وعندما بدأت ضربات المقاومة حاولت قيادة الاحتلال تجاهلها ووصفت أعضائها بـ "فلول أنصار النظام السابق" و"بقايا البعثيين" ولكن تزايد العمليات غير الواقع ودفع المراسل الأسترالي البارز (ماغيو) إلى القول منذ آب/أغسطس 2003، بأن القوات الأميركية تعيش حالة من الرعب، وقد وصل الأمر مؤخراً إلى قيام حالات تمرّد داخل قوّات الاحتلال كان أبرزها ما حصل مؤخراً حيث رفضت وحدة عسكرية مواكبة شحنة وقود من بغداد إلى الشمال خوفاً من كمائن المقاومين.

وسنحاول في هذه الدراسة المتواضعة أن نبتعد عن تعليقات معظم الكتاب العرب الذين انقسموا إلى فريقين متناقضين:

الأول يرى أن المقاومة العراقية ستتمكن من إلحاق الهزيمة بأكبر قوة عسكرية عرفها التاريخ في فترة قياسية. أما الفريق الثاني يرى أن المقاومة ليست أكثر من مجموعة عصابات إرهابية تحاول زعزعة الاستقرار وعرقلة العودة إلى الحياة الطبيعية داخل العراق. والمنطق الثاني هو منطق الاحتلال.

لقد سُنح لنا الاطلاع على بعض الصحف العالمية الكبرى مثل (نيويورك تايمز) و(الأوبزرفر) و(الواشنطن بوست) وغيرها. وأجمعت هذه الصحف بتقارير مراسليها وكتابات محللّيها على أن المقاومة العراقية بدت منظمة منذ أيامها الأولى، ونشر أكثر من تقرير أميركي رسمي عن تنظيم المقاومة قبل وصول قوات الغزو الأميركي إلى العاصمة العراقية.

وقد جاءت اعترافات وزير خارجية بوش كولن باول ووزير دفاعه رامسفيلد والجنرال أبو زيد، واضحة عن قوة المقاومة العراقية التي اعتبرها كل من باول ورامسفيلد مفاجأة لم تتوقعها الإدارة الأميركية.

كانت الخطة الأميركية تهدف إلى السيطرة على العاصمة بغداد أولاً والمدن الأخرى الرئيسية ثانياً. وقد أقنع الذين عينتهم واشنطن حكاماً القيادة الأميركية بأن بغداد ستكون آمنة لأن أكثر من نصف سكانها من الشيعة وسيتمكنون بمساعدة الأكراد وسائر الوافدين مع قوات الغزو من السيطرة بسهولة على العاصمة التي ستكون آمنة وهادئة بعد أيام قليلة من اكتمال الغزو.

وقد كان الجنرال أبو زيد صريحاً عندما طالب بالمزيد من القوات الأميركية البالغ عددها حالياً حوالي 145 ألفاً. ويقول بعض المحللين أن العدد يصل حدود 200 إلف إذا تم احتساب المرتزقة من الذين لا يحملون جنسية أميركية إضافة إلى 60 ألفا من الجنود البريطانيين والذين ينتمون إلى المجموعة الاشتراكية السابقة دون ان ننسي ايطاليا.

وعندما نعلم أن الولايات المتحدة حاربت في فيتنام بأكثر من 600 ألف جندي في الستينات والسبعينات من القرن الماضي ندرك أن طلب الجنرال أبو زيد كان مثيراً للاهتمام. كما أن قول كولن باول مؤخراً كان الأكثر دراماتيكية حيث اعترف بأن الولايات المتحدة تتوقع إياماً سوداء في العراق.

الصدمة الشيعية

ركزت الولايات المتحدة منذ حربها الأولى ضد العراق عام 1991، على الورقة الشيعية في العراق، واعتبرت جميع الدراسات والتقارير الأميركية الصادرة عن معاهد متخّصصة أن الشيعة العراقيين هم الحلفاء الأكثر ميلاً نحو الأميركيين بعد الأكراد الذين تعتبرهم الإدارة الأميركية جزءاً مكملاً لاستراتيجيتها الهادفة إلى تدجين المنطقة وتغييرها وإقامة "اسرائيل" ثانية وثالثة على أراضيها.

وقد رعت واشنطن المنشقين الشيعة وأغدقت عليهم الأموال لمعارضة الحكم السابق، ودربت المخابرات المركزية المئات منهم وربما الألوف ليشكلوا نواة حرب عصابات تنطلق من الجنوب وتتسلل نحو بغداد، وقد فشلت هذه المحاولات كما فشلت مراكز التجسس التي أنشئت قرب إربيل والسليمانية وتجاوزت كلفتها الخمسة مليارات دولار واستولي عليها الجيش العراقي في آب/أغسطس 1996.

أعطت المراجع الأميركية ثقتها لمجموعة قدمت لها المعلومات والنصائح كان على رأسها الدكتور فؤاد عجمي والدكتور كنعان مكية - الأول من أصل لبناني والثاني من أصل عراقي- وقد أغرق الاثنان الدوائر الأميركية بتقارير مفادها، أن العراق منطقة سهلة المنال وشعبها غير مؤهل للمقاومة المسلحة، والقوى الحقيقية الضاربة فيه تتكون بأكثرية 80 بالمئة من الشيعة والأكراد. وقد أيد حلفاء واشنطن من أمثال الجلبي وعلاوي والربيعي هذه التقارير.

واقترحت التقارير ذاتها على الإدارة الأميركية أن تتقرّب من ايران وتفتح معها قنوات حوار وتفاهم لأن طهران ستكون المحرك الأول لشيعة العراق كما اعتقد معدّو التقارير.

وقد استجابت الدوائر الأميركية لرغبات حلفائها العراقيين ومرت العلاقات الأميركية - الايرانية في مرحلة هدوء شهدت اتصالات جانبيّة مشجعة.

ولكن واشنطن فوجئت بصدمة شيعية منذ اليوم الأول لحملة الغزو حيث أظهر سكان أم قصر الشيعة والسنة بطولة ملفتة ضد الاحتلال وتمكنت تلك البلدة الصغيرة من عرقلة جحافل الغزو ولأكثر من أسبوع.

ومن أم قصر إلى الناصرية والعمارة والحلّة كان السكان الشيعة مجمعين على رفض الاحتلال ومحاربته ورفض التعاون معه. وهذا الإجماع لا يشمل الذين رافقوا القوات الأميركية ودخلوا على متن دباباتها.

وكانت الصدمة الشيعية الأكثر ألماً لواشنطن اغتيال السيد الخوئي والسيد محمد باقر الحكيم على يد مناوئين لهما رجح أنهم من الشيعة، حيث تأكدت القوة المحتلة من أن الشيعة العراقيين هم مثل غيرهم من الوطنيين يرفضون الاحتلال وينتمون إلى مدارس سياسية ودينية متعدّدة قد تختلف في الشكليات ولكنها متقاربة في الجوهر.

وبعد أن واجهت واشنطن هذا الواقع وأذهلتها الصدمة الشيعية راحت تتعامل مع جميع مناوئيها بأسلوب واحد. فالغارات على المدنيين الشيعة في النجف وسامراء وبغداد والناصرية لم تكن أقل وحشية من غارات الدمار التي طالت السنة في الفلوجة والرمادي وبعقوبة وتلعفر وغيرها.

وقد سادت العراق والعالم العربي موجة من التساؤلات حول موقف آية الله على السيستاني الذي أفتى أحد مساعديه الرئيسيين بضرورة المشاركة بالانتخابات القادمة، وتوعد عدم المشاركين بنار جهنم!!. لم يوضح السيد السيستاني موقفه مما يفيد أنه يؤيد إجراء انتخابات في ظل حراب المحتلين!. وكان دعا إلى ذلك بعد الاحتلال بأسابيع. كما أنه تغيب عن النجف بحجة الاستشفاء في لندن عندما قامت قوات الاحتلال بتدمير أكثر من 20 بالمئة من مدينة النجف وأوقعت مئات القتلى من المدنيين في مجابهات مع أنصار السيّد مقتدى الصدر.

ولكنّ هذه المواقف لا تعبّر عن موقف الشيعة العراقيين الذين شكلوا جزءاً فعالاً من المقاومة منذ الساعات الأولى للاحتلال. وهذا لم يخيّب آمال قوى الاحتلال فقط بل أذهلها لأن معظم الدراسات الأميركية توقعت صراعاً شيعياً - سنياً مريراً إلى حدود حصول حرب أهلية. وكانت الصحافة العربية بأكثرية منابرها وكتّابها تتبع الخطّ الأميركي في إشارات إلى عراق سني وعراق شيعي وثالث كرديّ!!.

وقد غرقت أقلية عراقية في هذا المستنقع المذهبي الخطير، ولكن الأكثرية استدركت الأمور واستوعبت ما يجري وأسرعت إلى تشكيل لجان شيعية - سنية للعمل على توعية الرأي العام وإجراء حوار واتصالات دائمة بين رجال الدين من شيعة وسنّة. كما أنشئت لجان متعددة في الأحياء الشيعية من بغداد لجمع مساعدات من أدوية وأغذية وألبسة لسكان مدينة الفلوجة المحاصرة ودعم صمودها ضد الاحتلال.

المهند
03-12-2004, 02:03 AM
.

ممّن تتشكل المقاومة العراقية؟

لم يعد من الضروري الحديث عن إثبات وجود مقاومة عراقية فعّالة بعد أن تراجع قادة الولايات المتحدة واعترفوا بوجود هذه المقاومة، وطالبت القيادة العسكرية للاحتلال علناً بإرسال المزيد من القوات إلى العراق لمجابهة رجال المقاومة، كما استغاثوا بالقوات البريطانية لترسل جزءاً من قواتها من محيط البصرة إلى بغداد ومحافظة الأنبار. وقد اعترفت "حكومة علاوي" أخيراً بأن الزرقاوي لا يقيم أي علاقة مع المقاومة العراقية ممّا أذهل الأسياد في واشنطن.

بدأت التقديرات الأميركية تشير إلى أنّ عدد رجال المقاومة هو بالمئات ثم راحوا يرفعون الرقم إلى خمسة وعشرة آلاف إلى أن قدره الجنرال أبو زيد مؤخراً بعشرين ألفاً فيما تحدثت تقارير صحفية أميركية عن وجود أكثر من 100 ألف مقاوم في بغداد وحدها.

إن تنفيذ أكثر من 80 عملية يومياً يعني وجود مقاومة ضاربة وفعالة ونابعة من صميم المجتمع العراقي، إضافة إلى أنها تمتلك الخبرة العسكرية والتكنولوجية لضرب أهدافها.

وقد التقيت أحد المتابعين بوعي ورصانة نمّو المقاومة العراقية وأجريت معه عدة لقاءات في لبنان حول هذا الموضوع واستخلصنا معاً الحقائق التالية:

1 - قدر عدد البعثيين في العراق قبل الاحتلال بحوالي ستة ملايين بينهم ثلاثة ملايين عسكري سابق أو متقاعد أو أمضى خدمة عسكرية كافية لامتلاك الخبرة والمعرفة في المجال القتالي.

2 - اعتبرنا نصف هذا العدد من الذين انتموا إلى الحزب لأهداف وظيفية أو معيشية أو مرحلية أو لأهداف غير مبدئية.

3 - كما اعتبرنا 40 بالمئة غير قادرين على حمل السلاح والقيام بمهمات قتالية في ظروف خطيرة جداً، أو أن أعمارهم أو أوضاعهم الصحية لا تساعدهم على المقاومة السرية ضد عدوّ يمتلك أخطر وأعتى أسلحة دمار في التاريخ.

4 - يبقى عشرة بالمئة أي 600 ألف رجل. وهذا رقم قريب إلى الواقع رغم ضخامته لأن تنفيذ أكثر من ألفي عملية كل شهر أي أكثر من 3 عمليات كل ساعة قضيّة لا تقدر أن تنفذها قوة أقل من هذا الرقم. وتشارك هؤلاء أعداد من القوميين والإسلاميين والشيوعيين السابقين والوطنيين المستقلين.

5 - تتبع المقاومة الأسلوب الدائري أو النقطي في تحركاتها لأن الأسلوب الخيطي بعرضها لأخطار الاكتشاف في هذه المرحلة.

6 - اعتمدت المقاومة عدم إصدار البيانات أو تبني أي عملية كبيرة أو صغيرة، لأنها تنشط في جو تكتنفه المخاطر الداخلية من مخبرين ومتواطئين إضافة إلى وجود 200 ألف جندي أميركي وحليف على أرض العراق.

7 - ما زال الغموض يسيطر على معرفة قادة حركة المقاومة وتبقى هيئة العلماء المسلمين القيادة الأقرب إلى المقاومة الوطنية لأنها تسرع دائماً إلى إدانة عمليات خطف وقتل الأبرياء ووحشية قطع الرؤوس أمام عدسات التلفزة والتصوير وتعتبر ذلك عملاً وحشياً يسيء إلى سمعة مقاومة الاحتلال. ويرجح أن الذين يقودون المقاومة هم من فئة مغمورة غير معروفة في الداخل والخارج سوى من قبل فئة معيّنة خططت وصممت على المقاومة ووزعت الأدوار قبيل أن يكمل الاحتلال غزوه الشامل.

8 - أدّى عمل المقاومة السري إلى قيام عصابات متطرفة تحمل أسماء لا حصر لها هدف معظمها الابتزاز المالي أو الانتقام من المحتلين بشكل مثير للاشمئزاز. وتستغلّ الإدارة الأميركية وجود هذه العصابات لتسيء إلى سمعة المقاومة. ووجدت قيادة الاحتلال في اسم "أبو مصعب الزرقاوي" الغامض ذريعة لتبرير عمليات القصف العشوائي المتواصل التي أدت إلى سقوط ألوف المدنيين العزل. وقد بدأت الهوية الحقيقية للزرقاوي المغمور تتبلور وبدأت ارتباطه المشبوهة تنكشف بعد مجزرة المجندين.

9 - إن عدد المقاتلين غير العراقيين هو بحدود الخمسماية غادر نصفهم العراق بعد الاحتلال الأميركي واعتقل حوالي الأربعين وتعتبر مشاركتهم محدودة الفعالية لأنهم غير قادرين على التحرك في المدن الكبيرة مثل بغداد حيث يحتاج المقاومون إلى معرفة دقيقة بالأحياء والشوارع. وقد دخل المتطوعون من غير العراقيين قبل الاحتلال ويقدر عدد الذين تسللوا بعد الاحتلال بأقل من مئة مقاتل.

10 - قطعت المقاومة شوطاً متقدماً في نوعية العمليات داخل بغداد التي تخلو ليلاً من الدوريات الأميركية خوفاً من مهاجمتها. ولا شك إن عملية اغتيال (ادوار سيتز) أحد كبار قادة وكالة المخابرات المركزية قرب مطار بغداد، كان خرقاً تاريخياً للقلعة العسكرية الأميركية التي أقامها الاحتلال. وسبق هذه العملية عدة عمليات قصف مركز لما سمي بالمنطقة الخضراء التي تضمّ قيادة الاحتلال والحاكم الصامت المتخفّي نيغرو بونتي.

11 - إن سيطرة المقاومة على شارع حيفا القريب من المنطقة الخضراء يؤكد صلابة المقاومة وقوتها داخل العاصمة.

12 - هناك عمليات عديدة تنفذها قوى معادية للمقاومة مثل عملية تفجير السفارة الأردنية التي اتهم بها الجلبي وأتباعه لأنه محكوم في الأردن، وعملية تفجير مقر الأمم المتحدة التي سببها خلاف "بريمر" مع "دي ميلو" الذي فضح فور وصوله ممارسة قوات الاحتلال واقترح دوراً مميزاً للأمم المتحدة رفضه الحاكم "بريمر".

هل تصمد المقاومة أمام اضخم قوة في التاريخ؟

إن اعتراف أميركا وحلفائها بوقوع حوالي 100 ألف قتيل في العراق بعد أن كانت قيادة قوات الاحتلال تتحدث عن 5-6 آلاف قتيل عراقي، وكان المحللون والكتاب العرب يعتبرون أنفسهم مبالغين عندما تحدثوا عن 20 ألف ضحية. وقد قدرت عدد الضحايا العراقيين في مقال سابق بأربعين ألفاً وتلقيت بعده عدداً من اتصالات الناقدين لمبالغتي برفع عدد الضحايا.

إني ما زلت أعتقد أن عدد الضحايا يفوق عن المائة ألف في مدينة يقطنها خمسة ملايين نسمة، وعاشت 21 يوماً تحت وابل الصواريخ وقنابل الألف كيلو ليلاً ونهاراً، وقدر عدد أطنان المتفجرات التي نزلت على بغداد بأكثر من مليون طن. ونذكر هنا أن برلين دمرت بأكملها بنصف هذه الكمية.

وقد أشار الصحافي المصري مصطفى بكري إلى هذه المسألة وقال إن ما اكتشفته قوات الاحتلال من مقابر جماعية لم يكن سوى مقابر ألوف الضحايا الذين كانوا يسقطون يومياً في غارات الإبادة الشاملة والتي ما زالت مستمرة حالياً في الفلوجة وفي سامراء وتلعفر منذ أسابيع.

إن الإدارة الأميركية تعتبر المقاومة في العراق تمثل أكبر خطر يواجهها منذ حرب فيتنام، وستعمل كل ما بوسعها للقضاء عليها أو لإطفاء جبروتها بعد أن حققت هذه المقاومة إنجازات هامة وحصلت علي تأييد جماهيري شديد في العالم العربي.

لذلك من المتوقع أن تقدم إدارة بوش بعد إعادة انتخابها لمدة أربع سنوات جديدة على ضرب المقاومة بوحشية بدأت معالمها في غارات تدمير مئات المنازل على رؤوس سكانها. ويشارك ضباط "اسرائيليون" بعمليات القمع والإبادة لأن الولايات المتحدة تعتبر "الجيش الاسرائيلي" صاحب خبرة طويلة في ضرب المقاومة المسلحة وطرق قمعها.

إن قوة التدمير وآلة الإبادة التي تمتلكها أميركا حالياً هي أقوى مما كانت تملكه خلال حرب فيتنام. إلى جانب ذلك تعمل قوى الاحتلال على فرض حصار معيشي وتمويني على المناطق التي تعتبرها موئلاً للمقاومين، والفلوجة محرومة من الغذاء والدواء منذ حوالي ستة أشهر وتتسرب إليها مواد تموينية يهربها السكان سيراً على الأقدام بإشراف لجان خاصة شكلت في بغداد وسائر المدن لدعم مقاومي الفلوجة.

والمشكلة الأخرى التي تواجه المقاومة العراقية هي تأمين استمرارية السلاح والذخائر لفترة سنوات عدة وهذه معضلة من الصعب معرفة حلولها. ويبدو أن المقاومة تمتلك كمّا لا بأس به من المواد التكنولوجية المتطورة مثل أجهزة التحكم لتفخيخ المتفجّرات في السيارات أو على جوانب الطرقات وامتلاك مدافع أوتوماتيكية فعالة خفيفة.

وتراهن الولايات المتحدة بمؤازرة شريحة عراقية على إثارة النعرات السنية - الشيعية بالحديث عن مثلّث سني مقاوم لإلغاء صفة المقاومة الوطنية عن الانتفاضة ضد الاحتلال.

ويذكر الدعم الأميركي الحالي للذين عينتهم رؤساء ووزراء على العراق بالدعم الأميركي المطلق لعائلة (ديام) خلال حرب فيتنام، والقول بأن واشنطن "تدخلت في فيتنام استجابة لطلب الرئيس (ديام) المنتخب ديموقراطياً" ولكنها تخلّت عنه وعينت مكانه عدة رؤساء لم يكونوا أكثر من دمى أميركية هزيلة هربوا مع القوات الأميركية عند انسحابها عام 1975.

إن تأمين لقمة العيش أمر ضروري جد الاستمرار المقاومة في زمن يعاني فيه العراق من نقص حاد في المواد الغذائية والاستشفائية وسائر السلع الضرورية للحياة الكريمة. فقد تمكن ثوار فيتنام من تجاوز هذه المعضلة بالاتكال على زراعة الأرز وغيره من زراعات غذائية مكنت تلك الثورة من دحر الاحتلال. أما المجتمع العراقي الذي كان حتّى بدء الحصار عام 1990 مجتمعاً مكتفياً إلى حدود الترف فمن الصعب التكهّن بما ستكون عليه حالة المقاومة بعد أعوام مثلاً. ويؤشر استمرار تصاعد العمليات ضدّ الاحتلال خلال عام ونصف إلى احتمال وجود احتياطي تمويني وربما مالي لدى المقاومين الذين يعملون في جوّ شديد الغموض إلى حد أنهم يحاولون تضليل المراقبين أحياناً وهذا يعني الجديّة من أجل تحرير وطنهم، لأن كثرة البيانات وتبني العمليات مسألة غير مجدية في ظروف مواجهة أعتى آلة دمار حربية عرفها التاريخ.

إن الأشهر الستة القادمة هي حاسمة بالنسبة للمقاومة العراقية لأن إدارة الرئيس بوش ستضرب بضراوة ووحشيّة لإضعاف المقاومة التي تطلق عليها تسمية "الإرهاب" وتسمّي المقاومين "متمردين وخارجين على القانون".

لقد أدّى اقتحام مدينة سامراء وتدمير معظم أحيائها إلى اشتداد وازدياد عمليات المقاومة، وتشهد الفلوجة مجزرة تاريخية تبقي رمزاً للأجيال القادمة وستفوق على مجزرة دير ياسين بعشرات الأضعاف وحشيّة وضراوة وعدد ضحايا.

أمّا عملية الانتخابات التي يراهن عليها المحتلون وأعوانهم فلن تؤدي إلى أكثر من قيام برلمان يشبه مجلس عائلة (ديام) في سايغون. ولن ينظر أي عاقل بجديّة إلى أي انتخابات تجري تحت حراب الاحتلال. ومن المعيب أن تتستر بعض القيادات الدينية بتمثيلية الانتخابات لتغطي مذلة التواطؤ مع المحتلّ. وظاهرة التواطؤ هذه تشمل معظم القيادات العربية إن لم نقل جميعها.

إذا تمكنت المقاومة العراقية من الصمود طوال الأشهر الستة القادمة - وهذا شبه مؤكد - فسوف تثبت وجودها كقوة تحرير رئيسيّة وستجذب إلى صفوفها مستقبلاً المزيد من الكوادر والعناصر الرافضة للاحتلال ولرموزه.

الحرب الخفيّة المريرة

تدور تساؤلات كثيرة حول العمليات التي تستهدف المجندين العراقيين الجدد من شرطة وحرس وطني وغيره حيث سقط المئات من هؤلاء بتفجيرات نفذها مجهولون يرجح أن للمقاومة دور بتنفيذها.

يقول إعلامي عربي من متابعي حركة المقاومة ومن الخبراء بالشأن العراقي الداخلي إن قيادة الاحتلال تحاول بناء قوة عراقية رديفة لقواتها لتساعدها علي مطاردة المقاومين وتصفيتهم.

وقد شكل المحتلون لجنة خاصة موسعة لاختيار المجندين من طوائف وإثنيات معينة ومن أصحاب السوابق الذين يضمرون الحقد على كل ما هو عراقي ويرتهنون بإدارة الاحتلال. كما انتسب، إلى هذه القوات بعض الذين يبحثون عن وظائف لكسب لقمة العيش وبعض هؤلاء يذهب ضحية الآخرين.

وقد تم تشكيل هذه اللجنة بعد حادثة مثيرة هزت قيادة الاحتلال عندما أرسلوا إلى الفلوجة في شهر نيسان/إبريل 2004 كتيبة من الجيش العراقي الجديد تابعة للفرقة 36 لتسيطر على الوضع الأمني في الفلوجة بدعم أميركي. وقد دخلت الفرقة واختفت خلال 24 ساعة حيث علم فيما بعد أن أكثرية أفرادها انضموا للمقاومة وبعضهم ترك الجندية.

ويرى الإعلامي في هذه الحالة حرباً خفيّة مريرة، لأن بعض قادة المقاومة يعتبرون كل متعاون مع الاحتلال يستحق معاملة المحتل وجنوده، وهذه نقطة خلافية، لأن البعض الآخر يرى أن ضرورة أن العيش تفرض على الكثيرين التعايش مع الاحتلال لإنقاذ حياة العائلات والأطفال. وهذه الحالة عاشتها جميع الدول التي واجهت احتلال الجيوش الغريبة.

إضافة إلى مشكلة استهداف المجندين تقوم عصابات ابتزازية عديدة بخطف مواطنين عراقيين وعرب وأجانب وفرض خوّات مقابل الإفراج عنهم. وتحاول قيادة الاحتلال الأميركي وأعوانها الاستفادة إعلامياً من أعمال العصابات المذكورة واتهام المقاومة الوطنية بها.. وتتجاوب مع حملة المحتلين هذه جهات عربية بارزة مثل الرئيس مبارك المؤيد للاحتلال الأميركي وأمين عام الجامعة العربية عمرو موسى وأترابه من جامعة الحكي والبيانات.

الخلاصة:

إن المقاومة العراقية تعي ما تقوم به من مهام تاريخيّة وتعي أن مسؤوليتها هي تحرير الوطن من الاحتلال وليس الدفاع عن رموز الحكام والعشائر. وقد تكون مهمتها هي الأصعب والأكثر ألماً وتضحية في عصرنا وربما لمئات السنوات القادمة.






.

باسل قصي العبادله
03-12-2004, 01:58 PM
ان العراق العظيم بقيادته العبقريه و رجاله الأوفياء الملتزمين بالخطه العبقريه القادره على استيعاب و صهر كل المجريات بما يتناسب و المصلحه العليا للأمه الأسلاميه لقادر على هزيمة كل القوى المعاديه لأمتنا و ليس أمريكا و أذنابها فقط و أن غدا لناظره قريب ان أسودنا الكامنين للحظة الحسم بدأو في الزئير و بدأت صيحات الله أكبر تخترق كل الحجب و تمهد طريق الرعب و الخزي لأعداء أمة الأسلام و يأبى الله القوي العزيز المنتقم الجبار الا أن يتم نوره. تحيه من اخوانكم في فلسطين الحبيبه مع دعاء لا ينقطع ان الله ناصركم و نحن مرابطون الى أن نصلي معا صلاة الشكر على النصر المبين في كل ربوع المسلمين باذنه تعالىو ان موعدنا معكم في أشرف و أطهر البقاع فساحات المسجد الأقصى كلها شوق للقاء الأحباب المجاهدين في سبيل الله.