المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ملاحظات سريعة حول معركة الفلوجة وإعلان الطوارئ



ديالى
08-11-2004, 12:57 PM
شبكة البصرة
صلاح المختار
*****************
تتزايد الأحاديث والتكهنات حول معركة الفلوجة وكلها تحذر من قرب وقوعها وأن امريكا قد اعدت قوة ضخمة لاقتحامها! وازدادت الكهنات بإقدام الاحتلال الأمريكي على إعلان حالة الطوارئ لمدة ستين يوما بواسطة الحكومة العملية! أين الحقيقة؟
فيما يلي ملاحظات أساسية سريعة:
1. أول ما يجب الانتباه اليه هو الخطأ المتكرر القائل بإن معركة الفلوجة ستقع خلال ساعات او يوم او يومين، هذا خطأ فادح سياسيا وعسكريا وسايكولوجيا لان المعركة قد ابتدأت بالفعل منذ شهرين تقريا، ولذلك فإن هذا الخطأ يقدم فرص حفظ ماء الوجه للاستعمار الامريكي من خلال المشاركة في إخفاء اخفاقاته المتكررة في دخول الفلوجة عبر دعم فرضية أن الهجوم لم يقع بعد! نعم الذين ينتظرون وقوع المعركة عليهم أن يكفوا عن ذلك لأنها ابتدأت بالفعل حينما بدأ القصف الجوي عليها، وكان هدفه الأساسي تحطيم دفاعات الفلوجة ومعنويات المقاتلين فيها تمهيدا لاقتحام الدروع لها، لأن المحتل يريد تجنب تعرضه لهزيمة أخرى كتلك التي مني بها في نيسان الماضي، عن طريق اتباع ما يسمى عمليات ( التمشيط الجوي) من جهة، وتقليص خسائره البشرية والمادية الى اقصى حد ممكن من جهة ثانية. لكن هذا التمشيط الجوي المرفق بالقصف المدفعي الشديد لم يغيرا الوضع العسكري داخل الفلوجة بصورة ملموسة تساعد على بدء الهجوم البري، لهذا طرح ادعاء أن الهجوم لم يبدأ بعد.
2. إضافة لذلك فإن السيطرة على مقتربات الفلوجة، شرط حاسم لضمان منع وصول إمدادات لها من جهة ولمنع احتمال تطويق القوات الأمريكية وحرمانها من الإمدادات من جهة ثانية، كما حصل في نيسان الماضي، ولذلك لوحظ انه مع بدء القصف الجوي ابتدأت عمليات كبيرة ضد اللطيفية، والمحمودية، واليوسفية، وأبو غريب، وسامراء وغيرها من مقتربات الفلوجة، ورغم الحشد العسكري الأمريكي الضخم فإن قوات الاحتلال فشلت في السيطرة على المقتربات، لذلك لم يعد بالإمكان شن الهجوم في عدة أوقات أشير إليها من قبل الاحتلال نفسه.
3. وكان للانتخابات الأمريكية أثر رئيس في الإعلان المضلل عن تأجيل المعركة، حيث أن تعرضت القوات الأمريكية الى الفشل في غزو الفلوجة أو سقوط أعداد كبيرة من الجنود الأمريكيين قتلى سيساعد على إضعاف فرص جورج بوش بافوز، لذلك اتبع تكتيك مواصلة العمليات مع الإعلان عن توقفها أو تأجيلها أو خفض حدتها طوال فترة الانتخابات.
4. لقد وجهت المقاومة ضربة قاسية لقوات الاحتلال حينما نجحت في تشتيت ما يسمى ب( الحرس الوطني) الذي أخذ بالهرب من المعارك جماعيا مما أسقط أحد أهم عناصر خطة الاحتلال وهي بدء المعارك بدفع ( الحرس الوطني) الى مهاجمة الفلوجة لتقليل الخسائر الأمريكية، ولذلك لم يحاول اقتحام المدينة بقوات امريكية وانتظر لحين تجميع عدد كاف من المرتزقة العراقيين واستمر في القصف الجوي.
5. ما إن بدء الاحتلال بقصف الفلوجة ومهاجمة مقترباتها حتى شرعت المقاومة بفتح معارك ضارية في عدة جبهات مثل الموصل، وديالى، والرمادي وإيقاع قوات الاحتلال في فخ سامرات الذي أصبح جرحا نازفا للاحتلال، إضافة لمعارك بغداد في شارع حيفا والعامرية والدورة والأعظمية ومطار صدام الدولي وغيرها، ومعارك اللطيفية والمحمودية واليوسفية وتكثيف العمليات العسكرية للمقاومة في الجنوب خصوصا في البصرة وغيرها، فأدرك الاحتلال أنه غير قادر على مواصلة التعتيم الإعلامي التام عليها، بعد أن تسربت معلومات بحكم شدة المعارك، ففسر الأمر على أنه تجري عمليات قصف جوي لبطل ( هوليوود) وتوأم رامبو الجديد المسمى الزرقاوي!
في ضوء ما تقد يتضح أن معركة الفلوجة مستمرة منذ حوالي الشهرين في أجواء من التعتيم الإعلامي، بل إن القصف الجوي كان ومازال من الشدة بحيث أعاد الوضع الى الأيام الاولى لغزو العراق حينما أصيبت القوات الأمريكية بهستيريا بعد فشلها في تحقيق تقدم سريع نحو بغداد وتكبدها خسائر كبيرة، فتلقت تعليمات من بول ولفووتز، نائب وزير الدفاع الأمريكي باستخدام أقصى أشكال القصف الجوي وبث الرعب في نفوس المدنيين، والآن تتعرض الفلوجة لقصف لم تتعرض له أي مدينةعراقية منذ الانتقال الى حرب الشعب.
احتمالات الموقف:
من المرجح ان تقدم القوات الامريكية على محاولة اقتحام الفلوجة اعتمادا على قوات عميلة وعدد ضخم من القوات ( عشرة الاف جندي امريكي) مقارنة بعدد المقاتلين فيها، في إطار خطة أصبحت واضحة وهي استغلال المأزق الاستراتيجي الأمريكي وشن هجوم عسكري ضخم وبأعداد كبيرة وإغراق المقاومين بقصف أشد مما جرى، وربما القيام بإنزال جوي في جزء من المدينة والتمركز فيه والتوسع التدريجي. والهدف الرئيسي غير المعلن هونفسي، لان هزيمة العسكرية الأمريكية في نيسان الماضي خلقت عقدة جديدة لأمريكا أسمها ( عقدة الفلوجة) والتي تعني تحييد السلاح المتفوق بشكل مطلق بقوة الإرادة البشرية، إذ بالغرم من تفوق امريكا بكل شيء حتى بعدد المقاتلين إلا أنها هزمت في الفلوجة وعرف العالم أجمع بذلك، فأصبح ضرورويا الثأر لتلك الهزيمة عبر تحقيق أي نوع من دخول الفلوجة، ومهما كان الثمن، خصوصا وأن الانتخابات قد انتهت ولم يعد بوش يخشى الهزيمة من جراء تعرض القوات الأمريكية الى خسائر كبيرة.
اما الهدف الآخر فهو استراتيجي يتعلق بالاحتلال الأمريكي للعراق ومستقبله، فكما قلنا في مقالات سابقة فإن الإدارة الأمريكية قد اتخذت قرار الانسحاب من العراق بعد تيقنها من أنها تغرق في مستنقع عراقي اخطر بعشرات المرات من المستنقع الفيتنامي، وهذا ما عبر عن فريق من الخبراء والأساتذة الجامعيين والمسؤولين الأمريكيين السابقين في رسالة بعثوا بها الى الرئيس الأمريكي مؤخرا وصفوا حال امريكا في العراق مستخدمين مثل امريكي يقول ( إذا وقعت في حفرة عميقة فلا تحفر فيها)، أي أن على امريكا الانسحاب السيرع من العراق لتجنب تعمق الحفرة العراقية التي وقعت أمريكا فيها، والغوص أكثر فأكثر. لكن الانسحاب يجب ان يقترن بشرطين جوهريين: الاول هو فشل الخيارات المتبقية، وأهمها تنصيب حكومة جديدة غير مفضوحة كحكومة علاوي تضم جماعات السيستاني والمؤتمر التأسيسي وهيئة علماء المسلمين وعناصر اخرى، بعد انتخابات شكلية ربما تنحصر في( المنطقة الخضرا) ونجاح المقاومة في إسقاطها أو حصرها، اي الحكومة الجديدة في المنطقة الخضراء وتعجيزها كليا، والشرط الثاني هو تحقيق ( انتصار) عسكري شكلي لا تأثير سلبي له على الثورة المسلحة، ويتمثل في دخول مدن وفي مقدمتها الفلوجة كي يستطيع بوش ان يقول بعد شهر شباط القادم انه حقق ما وعد به فأسقط ( نظام صدام حسين) ووضع اسس الديمقراطية باجراء انتخابات بعد ان قضى على اغلب الارهابيين وطرد من تبقى منهم من المدن، لذلك انتهت مهمة امريكا في العراق وعلى العراقيين الان ان يرتبو اوضاعهم بانفسهم! وهنا يجب ان نذكر ما قلناه في مقالات سابقة من ان تحرير المدن في حرب الشعب ( العصابات) لا يعني منع الاحتلال من دخولها مجددا بل منعه من البقاءس فيها، عبر استنزافه بشريا وماديا بمستوى يعجز عن تحمله فيضطر للانسحاب مجددا.
بوابة النصر:
لذلك فإن معركة الفلوجة هي مفتاح طرد الاحتلال بالقوة، فالعدو انهار وصرخ متألما في لعبة ( عض الاصابع) والتي يهزم فيها من يصرخ اولا من الالم، لكنه يريد ان يحفظ ماء وجهه ويمنع المشروع الامبراطوري الامريكي من الانهيار الفاضح، في حالة مواصلته للحرب اليائيسة، لذلك فهو يحتاج لدخول الفلوجة حتى لو كلفه ذلك اتخاذ قرار خاطئ عسكريا كما يجري الان، وسيقود هذا القرار الى تكرار ورطة سامراء التي اصبحت خرم ابرة جديد يستنزفه بشدة، وهو ما أكدناه وقتها، وغذا دخل الفلوجة فإنه سيقرب نفسه أكثر من ساحة رمي المقاومة ويعطيها فرصة ثمينة لاصطياد جنوده بسهولة، ليس في الفلوجة فقط بل في كل انحاء العراق من الموصل الى البصرة، وهكذا يقدم الاحتلال للمقاومة اول اثمان جرائمه في العراق: هزيمته التامة والمدمرة لهيبته. هل خطر ببال احدكم ان المقاومة لم تضع هي الاخرى خطة مضادة لتحويل اقتحام الفلوجة الى بداية الانهيار الحاسم للاحتلال؟ غذا وجد شخص يقول نعم فعليه ان يقرأ بيان البعث الخاص بالهجوم على الفلوجة ففيه جواب واضح.
لقد لاحظ المراقبون ان المقاومة قد كثفت هجماتها الضخمة في الفترة الاخيرة على قوات الاحتلال اولا، وعلى المرتزقة العراقيين، سواء كانوا مسؤولين في الحكومة العميلة التي تجري تصفيتهم يوميا وباعداد كبيرة ومستويات مهمة او قوات شرطة وحرس (وطني) ثانيا، والحقت بالطرفين خسائر فادحة لن يستطيعا تحملها لزمن طويل وأدت الى خلخلة خططا لاحتلال بصورة خطيرة. وتلك الحقيقة الميدانية المشاهدة تقود الى التوصل الى نتيجة مهمة وايجابية وهي ان الثورة المسلحة تفرض شروط الحرب الدائرة الان وليس الاحتلال، وأن عملية التحرير تتصاعد وبلا اي تراجع مهما كان ثانويا. وكان رد فعل ادارة الاحتلال تأكيد حاسم على انه يهزم وان المقاومة تتقدم نحو التحرير بسرعة اربكت حتى تكتيكات الاحتلال وليس استرايتجيه فقط، إذ اعلنت حالة الطوارئ! والهدف من ذلك ليس فقط ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الشعب العراقي بل ايضا للتعتيم اكثر على هزائمه المنكرةوسقوط كل من خياراته وتكتيكاته مهما تغيرت واستبدلت، فخطة المقاومة كما وضعها القائد الاسير قبل الغزو، تقوم اساسا، وكما قلنا سابقا على الاستدراج المنظم للعدو كي يقاتل داخل املدن وليس تركه يقصف من بعد وخارج نطاق الكثير من اسحلة المقاومة.
ويجب التذكير هنا باحدى اهم قواعد اي صراع رئيسي وهي ان من يقع في فخ التخبط اثناء الحرب محكوم عليه بالعجز عن اتخاذ قرارات سليمة وفعالة من زاوية تحقيق النجاح، فقد دخل الاحتلال الفخ الاخطر وهو فخ اجباره على الدخول في مواجهات ساخنةوواسعة النطاق ومتزامنة في مختلف انحاء العراق، وتلك هي واحدةمن ابرز سمات المرحلة الاخيرة من حرب التحرير الوطني العراقية الظافرة، ومن المؤكد ان معركة الفلوجة الدائرة منذ الشهرين، والمتصلة بمعارك اخرى على امتداد العراق، ستشهد في الأيام والأسابيع القادمة قيام المقاومة بتوسيع نطاق المعارك المتزامنة، بدخول الاف العراقيين الاضافيين حرب التحرير وبدء استخدام الاحتياطات المضمونة والغالية من الاسلحة المتقدمة والفعالة جدا التي تأجل استخدامها، والتي سيكون لها اثر حاسم في تحرير العراق واسر الحاكم الاستعماري الاميكي نيغروبونتي، وستشاهدون اخوتكم ضباط الحرس الجمهوري وفدائيو صدام وفرق الجيش وهي تنزل ميدان المعارك ببدلاتها العسكرية الرسمية. هل يسأل أحد عن مصير علاوي والياور؟ انتظروا حتى يغرد صاروخ طارق ( عزيز فك الله اسره) في القصر الجمهوري المحتل، ويتقدم امام المجاهدين صدام حسين ( فك الله اسره) لإعلان تحرير العراق واقامة ( جمهورية العراق الثانية) ذات النظام التعددي والديمقراطي الشعبي، بلحيته المهيبة الدائمة وراية الله اكبر التي تقرأ على جبينه الوضاء. فقط انتظروا قليلا، الم ننتظر ستة قرون لنصنع العابد وابابيل ودبابة اسد بابل ونمحو الامية والفقر والمرض ونخصب اليورانيو بطريقة عراقية ونأمم النفط؟ وقبل هذا وذاك ألم نبق فلسطين حية ابية في عيوننا وضمائرنا ولم نساوم عليها رغم ما لحق بنا من خراب وقتل جماعي؟
*****************
شبكة البصرة
الاحد 24 رمضان 1425/ 7 تشرين الثاني 2004