العراقي
04-11-2004, 02:10 AM
تتردد على ألسنة الكتاب كلمة الاحتلال التركي والاحتلال الغربي ، وتوصف الأمة العربية بأنها وقعت تحت سيطرة استعمارين واحتلالين .. وإيراد العبارات على هذا النحو أمر مقصود له هدف بعيد : هو تصوير العلاقة التي كانت بين العرب والأتراك على أنها علاقة استعمار أو احتلال . وهدا مناقض للتاريخ والواقع معاً ، فالرابطة التي قامت منذ 1517م حتى 1918 بين العرب والترك داخل نطاق الدولة العثمانية لم تكن في الحقيقة احتلال ولا شبيهه.
وإنما كانت محاولة من محاولات الوحدة والالتقاء بين أقطار العالم الإسلامي في مواجهة الأخطار ، وقد جاءت هذه الوحدة على أثر ضعف قوى السلاجقة والمماليك من بعدهم وتعرض البلاد العربية وخاصة مصر والشام لتجدد أخطار الغزو الصليبي الغربي والتحركات التي بدأها الأوربيون مرة أخرى لاستئناف الحروب الصليبية.
والمعروف أن العرب قد رحبوا بالوحدة الإسلامية العثمانية بعد أن ضعفت قوى المماليك في مصر وقوى البربر في المغرب وأصبحوا هدفاً لمحاولات صليبية جديدة ، وقد وجدوا في العثمانيين ، إخوتهم في العقيدة منتعشاً جديداً للإسلام وقوة شابة بدوية مقاتلة ، رفعت راية الإسلام عالية خفاقة وأعادت ذكرى الأبطال في سبيل إعزاز الإسلام ونشره.
كما رحب العرب في مصر والشام بالوحدة الإسلامية العثمانية بعد أن نقموا على دولة المماليك إهمالها شأنهم في المرحلة الأخيرة فحاربوا في صفوف العثمانيين، والواقع أنه لم يكن في هذه المرحلة خلاف جذري بين العرب والترك ، فقد كان الطابع الإسلامي هو مظهر الوحدة الأساسية بين العناصر المختلفة والوحدات المنضمة تحت لواء الوحدة الإسلامية.
ومن حق أن يقال : إن العثمانيين قد قاموا في هذه المرحلة الأولى بتمثل مفهوم الإسلام في نطاق الحكم وتحركوا من خلال إطاره ، ويشهد المؤرخون بأن العثمانيين قد اقتفوا أثر الخلفاء الأولين في العدل والتسامح وتمثلوا أعمالهم واتخذوهم قدوة ، وعملوا على جمع القلوب إليهم بتقدير العلماء الأتقياء وإنشاء الجوامع والمدارس.
ومن هنا فإن القول بأن هذه الرابطة بين العرب والترك كانت استعماراً إنما هو من النظريات المشبوهة والعبارات المدخولة التي يحاول الغزو الفكري والتبشير والتغريب إذاعتها وإقراراها في الأذهان.
وهناك خطأ ذائع وشائع ، هو أن الدولة العثمانية هي التي أساءت إلى العرب وعلقتهم على المشانق وأوجدت الفرقة والخلاف ، وكانت سبباً فيما ترتب على ذلك من سيطرة فرنسا وانجلترا على الشام بأجزائه الأربعة ( فلسطين والأردن وسوريا ولبنان) وكذلك العراق وذلك بعد الحرب العالمية الأولى 1918 وبعد أن اتفق العرب مع بريطانيا على إقامة دولة عربية نظير تأييدهم لها.
والحق أن الدولة العثمانية كلمة مبهمة عامة ، والحقيقة أن (حزب تركيا الفتاة المسمى الاتحاد والترقى) الذي تولى السلطة من عام 1908 حتى عام 1918 هو الذي دمر العلاقات بين العرب والترك بدعوته إلى الطورانية ومحاولته تتريك العرب والقضاء على لغتهم وتعليق زعمائهم على المشانق عام 1916.
والاتحاديون جماعة سرية كانت بإيعاز من النفوذ الاستعماري والمنظمات الماسونية ، العاملة لحساب الصهيونية العالمية ، تعمل على إسقاط السلطان عبدالحميد حامل لواء الدعوة إلى الجامعة الإسلامية ، وتعد العدة لتمزيق الدولة العثمانية وتسليم الأجزاء العربية وغير العربية منها إلى الدولة الأوربية على النحو الذي وقع فعلاً وذلك بإعلاء طابع القومية التركية والعنصرية الطورانية.
أما السلطان عبدالحميد فقد كان يدعو إلى توسيع جبهة المقاومة على النفوذ الأجنبي وذلك بربط مسلمي آسيا وأفريقيا بالدولة العثمانية وكان موقفه من العرب مشرفاً ، وكانت إجابته في مواجهة تحديات الصهيونية لدخول فلسطين من أشرف ما قاله رؤساء الدول وزعماء الأمم عندما رفض رفضاً باتاً إغراء هرتزل بالملايين من الذهب وقال : ( تقطع يدي ولا أفرط في فلسطين ، إن فلسطين ليست ملكاً لبلادي ولكنها ملك العرب).
لذا فالخلاف بين الترك والعرب بعد تنحي السلطان عبد الحميد وفي ظل حكم الاتحاديين دعاة الطورانية - هو الخلاف الحقيقي الذي يموه عليه خصوم المسلمين والعرب ويصفونه بأنه خلاف بين الترك والعرب ، وهو في الحقيقة خلاف بين الاتحاديين أتباع الماسونية وأعوان الصهيونية وبين العرب الذين تصدروا للزعامة في هذه الفترة.
ولكن أمثال ساطع الحصري وغيره من الباحثين المتأثرين بأغراض خاصة يطوون هذه الصفحة ويموهونها على النحو الذي لا تبدو فيه تلك الفوارق بين الدولة العثمانية وبين الاتحاديين واضحة كما يطمسون الفوارق الدقيقة بين موقف السلطان عبدالحميد الذي دافع عن فلسطين ودفع ثمن ذلك عرشه وحياته ، وبين موقف الاتحاديين الذي علقوا العرب على المشانق فقطعوا كل صلة بين العثمانيين والعرب.
كتاب الشبهات والأخطاء والشائعة في الفكر الإسلامي ، للأستاذ أنور الجندي ، صفحة 189، وصفحة 300
وإنما كانت محاولة من محاولات الوحدة والالتقاء بين أقطار العالم الإسلامي في مواجهة الأخطار ، وقد جاءت هذه الوحدة على أثر ضعف قوى السلاجقة والمماليك من بعدهم وتعرض البلاد العربية وخاصة مصر والشام لتجدد أخطار الغزو الصليبي الغربي والتحركات التي بدأها الأوربيون مرة أخرى لاستئناف الحروب الصليبية.
والمعروف أن العرب قد رحبوا بالوحدة الإسلامية العثمانية بعد أن ضعفت قوى المماليك في مصر وقوى البربر في المغرب وأصبحوا هدفاً لمحاولات صليبية جديدة ، وقد وجدوا في العثمانيين ، إخوتهم في العقيدة منتعشاً جديداً للإسلام وقوة شابة بدوية مقاتلة ، رفعت راية الإسلام عالية خفاقة وأعادت ذكرى الأبطال في سبيل إعزاز الإسلام ونشره.
كما رحب العرب في مصر والشام بالوحدة الإسلامية العثمانية بعد أن نقموا على دولة المماليك إهمالها شأنهم في المرحلة الأخيرة فحاربوا في صفوف العثمانيين، والواقع أنه لم يكن في هذه المرحلة خلاف جذري بين العرب والترك ، فقد كان الطابع الإسلامي هو مظهر الوحدة الأساسية بين العناصر المختلفة والوحدات المنضمة تحت لواء الوحدة الإسلامية.
ومن حق أن يقال : إن العثمانيين قد قاموا في هذه المرحلة الأولى بتمثل مفهوم الإسلام في نطاق الحكم وتحركوا من خلال إطاره ، ويشهد المؤرخون بأن العثمانيين قد اقتفوا أثر الخلفاء الأولين في العدل والتسامح وتمثلوا أعمالهم واتخذوهم قدوة ، وعملوا على جمع القلوب إليهم بتقدير العلماء الأتقياء وإنشاء الجوامع والمدارس.
ومن هنا فإن القول بأن هذه الرابطة بين العرب والترك كانت استعماراً إنما هو من النظريات المشبوهة والعبارات المدخولة التي يحاول الغزو الفكري والتبشير والتغريب إذاعتها وإقراراها في الأذهان.
وهناك خطأ ذائع وشائع ، هو أن الدولة العثمانية هي التي أساءت إلى العرب وعلقتهم على المشانق وأوجدت الفرقة والخلاف ، وكانت سبباً فيما ترتب على ذلك من سيطرة فرنسا وانجلترا على الشام بأجزائه الأربعة ( فلسطين والأردن وسوريا ولبنان) وكذلك العراق وذلك بعد الحرب العالمية الأولى 1918 وبعد أن اتفق العرب مع بريطانيا على إقامة دولة عربية نظير تأييدهم لها.
والحق أن الدولة العثمانية كلمة مبهمة عامة ، والحقيقة أن (حزب تركيا الفتاة المسمى الاتحاد والترقى) الذي تولى السلطة من عام 1908 حتى عام 1918 هو الذي دمر العلاقات بين العرب والترك بدعوته إلى الطورانية ومحاولته تتريك العرب والقضاء على لغتهم وتعليق زعمائهم على المشانق عام 1916.
والاتحاديون جماعة سرية كانت بإيعاز من النفوذ الاستعماري والمنظمات الماسونية ، العاملة لحساب الصهيونية العالمية ، تعمل على إسقاط السلطان عبدالحميد حامل لواء الدعوة إلى الجامعة الإسلامية ، وتعد العدة لتمزيق الدولة العثمانية وتسليم الأجزاء العربية وغير العربية منها إلى الدولة الأوربية على النحو الذي وقع فعلاً وذلك بإعلاء طابع القومية التركية والعنصرية الطورانية.
أما السلطان عبدالحميد فقد كان يدعو إلى توسيع جبهة المقاومة على النفوذ الأجنبي وذلك بربط مسلمي آسيا وأفريقيا بالدولة العثمانية وكان موقفه من العرب مشرفاً ، وكانت إجابته في مواجهة تحديات الصهيونية لدخول فلسطين من أشرف ما قاله رؤساء الدول وزعماء الأمم عندما رفض رفضاً باتاً إغراء هرتزل بالملايين من الذهب وقال : ( تقطع يدي ولا أفرط في فلسطين ، إن فلسطين ليست ملكاً لبلادي ولكنها ملك العرب).
لذا فالخلاف بين الترك والعرب بعد تنحي السلطان عبد الحميد وفي ظل حكم الاتحاديين دعاة الطورانية - هو الخلاف الحقيقي الذي يموه عليه خصوم المسلمين والعرب ويصفونه بأنه خلاف بين الترك والعرب ، وهو في الحقيقة خلاف بين الاتحاديين أتباع الماسونية وأعوان الصهيونية وبين العرب الذين تصدروا للزعامة في هذه الفترة.
ولكن أمثال ساطع الحصري وغيره من الباحثين المتأثرين بأغراض خاصة يطوون هذه الصفحة ويموهونها على النحو الذي لا تبدو فيه تلك الفوارق بين الدولة العثمانية وبين الاتحاديين واضحة كما يطمسون الفوارق الدقيقة بين موقف السلطان عبدالحميد الذي دافع عن فلسطين ودفع ثمن ذلك عرشه وحياته ، وبين موقف الاتحاديين الذي علقوا العرب على المشانق فقطعوا كل صلة بين العثمانيين والعرب.
كتاب الشبهات والأخطاء والشائعة في الفكر الإسلامي ، للأستاذ أنور الجندي ، صفحة 189، وصفحة 300