الفرقاني
31-10-2004, 01:19 AM
الى هيئة علماء المسلمين: لاتقايضوا الفلوجة بالوطن!
عوني القلمجي
أصبحت مدينة الفلوجة علامة بارزة في تاريخ العراق بعد الاحتلال الامريكي ، وفاقت شهرتها عواصم ومدن كبيرة ... وعادت الفلوجة من جديد الى واجهة الاخبار في العالم ، ليس بسبب القصف الجوي التي تتعرض له ، فهذه الاعتداءات اصبحت مالوفة ، ولكن بسبب ما يخططه الامريكان ضدها منذ اسبوع أو اكثر ، على مرأى ومسمع من العالم .
لقد كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" وهي أشهر جريدة في الولايات المتحدة والعالم ، الخطوط العريضة لخطة اقتحام الفلوجة التي قدّر قادة أمريكان بأن يشترك فيها آلاف عدة من الجنود الأميركيين والعراقيين ، مدعومين بمقاتلات ودبابات أميركية في مقابل حوالي 1500 مقاتل يتحصنون داخل المدينة .، وتوقع مسؤولون أميركيون أن تستغرق العملية ما بين أيام وأسبوعين ، وأن يلجأ "المتمردون" الى التفجيرات على جانب الطرقات ، وتحريض سكان القرى المجاورة على الانتفاض ضد القوات الأميركية . كما أكد هؤلاء المسؤولون أن العملية ستشمل السيطرة على الرمادي أيضاً ، لارتباطها بالفلوجة ، وإغلاق الحدود السورية لمنع تدفق "المقاتلين الأجانب" عبرها . وكانت الصحيفة المذكورة قد كشفت قبل اسبوع عن خطة عسكرية ليس لاقتحام الفلوجة فحسب وانما لثلاثين مدينة وبلدة عراقية ، بهدف استعادة السيطرة عليها على أن يتم ذلك قبل الانتخابات العراقية .
بالمقابل صرّح ممثل عن هيئة علماء المسلمين بأن امريكا تعد العدة لاقتحام مدينة الفلوجة وهدمها على رؤوس ساكينها بالقنابل الليزرية ذات الوزن 500 رطل ، وبطائرات إف 16 وطائرات 10 إية ، وبالدبابات والصواريخ المحرمة وغير المحرمة ، وأخيرا فإن القوات البريطانية ستشارك في الهجوم بعد أن انضم 850 جندي بريطاني إلى الحملة العسكرية .
لماذا الفلوجة!! :
ولكن لماذا الفلوجة؟!! ياترى التي يجري التركيز عليها أكثر من المدن والبلدات الاخرى الثلاثين التي وضعها البنتاغون على لائحة الحملة العسكرية الهادفة إلى إعادة السيطرة عليها قبل اجراء الانتخابات في بداية العام المقبل ؟!! ... الامربسيط : لأن الفلوجة مدينة لها تاريخ في قتال الغزاة والمعتدين ، ولأنها تصدت للاحتلال الأمريكي وضربت مثلاً بالصمود بحيث أصبحت هذه المدينة الصغيرة والتي لا يتجاوز عدد سكانها 400 الف نسمة مشهورة في كل انحاء العالم ، ولأنها لقّنَت الأمريكان درساً لن ينسوه ، وفضحت هذه القوة العظمى التي لا تقهر بأنها قُهِرَت في هذه المدنية ، ولانها أثبتت جبن جندي الماريز حين يقاتل وجها لوجه دون غطاء جوي ، ولأنها أول مدينة تحررت بعد أن عجز الأمريكان بجلالة قدرهم عن فتحها أو الدخول في حي من أحيائها ، ولأن الشرارة الأولى للمقاومة انطلقت منها لتمتد إلى انحاء العراق وتشعل الأرض تحت أقدام الغزاة ، ولأن أهالي الفلوجة فضحوا أكذوبة ان العراقيين سيستقبلون الأمريكان بالورود والزهور ... ولكن ، ليس هذا كل شيء ، فالمحتل يتصور إن مدينة بطلة كهذه إذا حدث وتم تركيعها فإن المدن الاخرى ستركع بسهولة ان لم تعلن استسلامها قبل بدء أي عملية هجوم ضدها .
المفاوضات تعني نجاة الأمريكان :
ولكن أمريكا رغم كل ذلك ، ورغم كرهها الشديد للفلوجة وأهاليها ، ورغم أن حشودها العسكرية بالقرب من حدود المدينة بلغت حداً يكفي لإحتلال بلد من دول العالم الثالث بأكمله ، إلا إنها لم تحسم على ما يبدو أمرها باقتحام المدينة بعد ، ومرد ذلك يعود الى مخاوفها المشروعة من الفشل الذي ينتظرها ، فهي إن نجحت في اقتحام الفلوجة واحتلالها ستكون غير قادرة على الاحتفاظ بها أسابيع إن لم نقل أيام ، فالمقاتلون كما يعلم الأمريكان لن يخوضوا مع قواتها قتال مواجهة أو قتال محاور جراء اختلال موازين القوى لصالح الأمريكان ، وانما سيسمحون للقوات الامريكية بدخول المدينة وشوارعها وأزقتها بهدف اصطيادهم افرادا وجماعات وإغراقهم في مستنقع خطير لا خلاص منه . وهذا ما يفسر حرص الامريكان الشديد على اقناع أهالي المدينة أو وجهائها ، وعلى وجه الخصوص هيئة علماء المسلمين ، بدخول القوات الامريكية المدينة دون قتال مقابل الاشتراك بالانتخابات ومنحهم حصة مقبولة من الحكومة والبرلمان القادمين . ومن الواضح أن الأمرين يسيران جنبا الى جنب ، ونعني الاستعداد لشن الهجوم على المدينة كشر لا بد منه ، والتفاوض مع الهيئة وعدد من وجهاء المدينة لدخولها سلماً .
وبصرف النظر عن جميع الاحتمالات فإن الفلوجة ستدحر القوات الامريكية إن هي قررت القتال ، وستحبط المفاوضات مهما تمخضت عن مكاسب سياسية أو مادية أو غيرها ، فأهالي الفلوجة دون استثناء وراء المقاومة العراقية ، وهذه المقاومة قد قالت كلمتها إن لا اعتراف لا هدنة ولا مفاوضات مع المحتل ، وإن لا حوار معه ولا لغة سوى لغة السلاح ، إلى أن يغادر آخر جندي أرض العراق ... بعبارة أسهل وأوضح إن المعركة مع المحتل ستبقى مفتوحة ومستمرة ليس في الفلوجة وحدها وإنما في كافة أنحاء العراق .
تأثير المفاوضات والمفاوضين :
ولكن ، هل يعني ذلك أن نتجاهل هذه الحالات التي حدثت وتحدث وتأثيراتها الضارة على مسيرة المقاومة العراقية بما يؤخر ولو قليلاً موعد تحرير العراق بعد الحاق الهزيمة بالقوات المحتلة ؟ . بكل تأكيد لا يمكن تجاهل هذه الحالات ، لأن الحكمة السياسية تتطلب منا التصدي لها وبكل الوسائل المتاحة ، والحديث هنا يدور بالضبط عن ظاهرة ابتدعها السيستاني خدمة للولايات المتحدة ، وهي مقايضة هذه المدينة أو تلك بالوطن ، أي بالعراق ، فهو قد أنقذ الأمريكان من هزيمة محققة على يد جيش المهدي وقائده المجاهد مقتدى الصدر تحت ذريعة إنقاذ مدينة النجف من الدمار ، وذلك بالضغط على الصدر الثالث لقبول الشروط الامريكية المجحفة ، لما لهذا المرجع الديني ، الإيراني الأصل ، من نفوذ على قطاع من الطائفة الشيعية ، ذوي الأصول الفارسية ، في العراق . ويبدو إن الزعيم الآخر في الطائفة السنية ، والمقصود بالطبع حارث الضاري ، ينوي السير على ذات النهج ، ويقايض الفلوجة بالوطن العراق ، على الرغم من إن الضاري الثاني لا يملك شيئاً من أمر المقاومة بالفلوجة ، عكس الحال بالنسبة للصدر الثالث الذي يملك أمر جيش المهدي ويقود في نفس الوقت التيار الصدري.
ولكن على الفور نقول ، نحن لا نشكك بنوايا الضاري الثاني أو الصدر الثالث مثلما نشكك بنوايا السيستاني الذي حابا الاحتلال وقدّم له الخدمات الجليلة بهذا الشكل او ذاك ، فكلا الرجلين الضاري والصدر لهما موقف واضح من الاحتلال وأعلنوا مراراً إن الاحتلال غير شرعي وحرّموا التعامل معه واعتبروا أن كل ما ينتج عنه من صيغ أو مؤسسات فهي غير شرعية ، ولكن ما قاموا ويقومون به من مفاوضات مع المحتل مباشرة أو عبر ممثلين عنهم نعزوه إلى قلة خبرة الرجلين في إدارة عملية الصراع مع أكبر قوة في العالم ، واعتقادهم جرّاء ذلك بأن العمل المسلح يتطلب في بعض الاحيان إلى هدنة أو مفاوضات أو الدخول في اللعبة السياسية ... إلخ . نكرر ، مرة إخرى ، إننا لا نشك في نوايا الرجلين ، ولكن إذا صحت مقولة "جهنم مبَلّطَة بالنيات الحسنة" ، وهي صحيحة قطعاً ، فإن طريقاً كهذا يستند على نوايا حسنة وفي هذا الظرف بالذات سيؤدي إلى إطالة أمد التحرير بعد أن بات ذلك وشيكا ، إذ إن أية هدنة يمكن أن يحصل عليها الغزاة تمنحهم الفرصة لالتقاط أنفاسهم وإعادة ترتيب صفوفهم ورفع معنويات جنودهم المنهارة ... وحين نتحدث عن النصر الوشيك فهذه حقيقة تخلو من أية مبالغة أو تهويل ، ويتطلب ملامستها ، عَلّها غابت عن أنظار ومسامع من قرر التفاوض مع المحتلين ، وبالتالي علّها تعطي الدافع لأن يتم التراجع عن هذا النهج الخطأ والضار ، اليوم وليس غداً .
المقاومة على أبواب النصر :
لا نريد الدخول في مناقشات لا طائل تحتها لنثبت حقيقة إن المقاومة العراقية أصبحت على أبواب النصر في حين إن عدوها أصبح قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة المنكرة ... نعم نجحت أمريكا باحتلال العراق لكنها فشلت في الاحتفاظ بالغنيمة إلى أمد طويل كما خططت وارادت ... وهذا الفشل بدأ بعد دخول العاصمة العراقية بغداد وأخذ بالتحول تدريجياً إلى هزائم مع تصاعد وتيرة عمليات المقاومة العراقية البطولية . وهنا أستذكر ما قاله الكاتب الكبير محمد حسنيين هيكل ، ومن على قناة الجزيرة ، بالوقائع والارقام وهو يتحدث عن مأزق أمريكا في العراق وفشلها الذي لابد وأن ينتهي إلى هزيمتها ... فهو قد ذكر بإن الولايات المتحدة الامريكية فشلت بعد دخولها العاصمة العراقية في أمركة الحرب ، أي أن تجعل الحرب في العراق حرباً أمريكية خالصة وتنفرد أمريكا بحكم العراق مباشرة عن طريق حاكمها العسكري "جي جارنر" ثم الحاكم المدني "بول بريمر" ، الأمر الذي اضطر الأخير إلى إشراك عراقيين من اتباع أمريكا كمستشارين له اعطاهم صفة "مجلس حكم" ، ثم لاحقاً عيّنَ حكومة دمى على رأسها عميل السي آي إية "اياد علاوي" ، على أمل إقناع العراقيين بأن الأمريكان لا ينوون البقاء وأنهم جاءوا محررين فعلاً لا فاتحين ، وكلما ازداد رفض العراقيين للمحتل وأدواته تمنح قوات الاحتلال بعض الصلاحيات الشكلية لهذه الحكومة ، وهكذا ...
وفشلت الولايات المتحدة ثانياً بفتنمة الحرب ، بمعنى استخدام ذات الوسائل التي استخدمت ضد المقاومة في فيتنام في بداية الحرب ، وذلك باللجوء إلى استخدام أدوات محلية ومرتزقة وخبراء جريمة أجانب مهمتهم تدمير الاماكن أو الاحياء التي تتواجد فيها قوات المقاومة والتخطيط لحملة اغتيالات واسعة لقادة هذه المقاومة كما فعلت أمريكا حين اغتالت حوالي 4 آلاف من قادة المقاومة الفتينامية على أمل زرع روح الهزيمة في نفوس المقاومين ....
وفشلت ثالثا ، بتدويل الحرب ... فبعد أن مارست أمريكا عملية ابتزاز على الأمين العام للأمم المتحدة "كوفي عنان" لتأمين غطاء دولي للإحتلال عبر إرسال بعثة للأمم المتحدة برئاسة "سيرجيو ديميللو" ، وأخرى للصليب الأحمر ، تَمَكّنَت المقاومة العراقية من نزع هذا الغطاء الدولي ، وذلك بإجبار هذه البعثات على مغادرة العراق بعد العمليات التي وجهت ضدهما ...
إن هذا التحليل المدعم بالوقائع نجد نموذجا عنه على ارض الواقع ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، فان القوات الامريكية وحسب اعترافات قادتها الميدانيين أو القابعين في البنتاغون أو المتنعمين في البيت الابيض ، يواجهون يومياً أكثر من سبعين عملية عسكرية ، بحيث إن الخسائر في الأرواح والمعدات باتت تقلق منام رئيس أركان الجيش الامريكي "ريتشاردز مايرز" الذي اعترف أمام اللجنة العسكرية في الكونغرس الامريكي بإنه بات يحلم بفيتنام اخرى اشد قساوة من الأولى ، بل إن العديد من أعضاء الكونغرس ، وهم من الجمهوريين ، إعترفوا علنا بإن أمريكا في مأزق والخروج منه ليس سهلاً ، والخبراء العسكريين والمحللون السياسيون باتوا على قناعة بإن الولايات المتحدة الامريكية إذا لم تسارع بالانسحاب من العراق فإنها ستواجه هزيمة منكرة .
إذا كان هذا هو الحال ، وهو كذلك ، ترى لماذا تبرّعت هيئة علماء المسلمين لتقديم طوق النجاة للأمريكان ومساعدتهم على تجنب الهزيمة كما ساعدهم السيستاني من قبل ؟!! ، ثم إذا كان السيستاني قد أُجبِرَ أو ضغط على الصدر الثالث بتوقيع ذلك الاتفاق ، فمن الذي ضغط على هيئة علماء المسلمين للسير على ذات الطريق ؟ ، ثم من الذي خوّلَ الهيئة أو غيرها بالتفاوض بإسم الفلوجيين ؟ ، ومن قال لهم بإن الفلوجيين يريدون أن يشتركوا بالانتخابات مقابل أن يتراجع الأمريكان عن إقتحام المدينة ؟ ... ثم لو كان بقدرة الامريكان دخول المدينة هل تعتقد هيئة علماء المسلمين بإنهم سيلجأون للتفاوض معهم أو مع غيرهم ؟ ، ومتى كان الامريكان بحاجة إلى إذن كائن من كان لضرب هذه المدينة او تلك ؟ ، ألم تسمعوا (رئيس الجمهورية) "غازي الياور" ، الذي ادعى أنه تسلّم السيادة في حزيران ، وهو يتوسل للأمريكان بعدم إقتحام الفلوجة والامريكان "ما اشتروه ولا توسلاته بفلس أحمر" على حد قول العراقيين ؟ ... يا ترى ماذا ستقول الهيئة الموقرة للمقاومة التي أعلنت إن لا حوار مع المحتل إلا عبر السلاح ؟ ، ولاهالي شهداء مدينة الفلوجة الذين قدموا دمائهم ثمن تحريرها من المحتل ؟ ، فهل استشهد هؤلاء من أجل أن يعاد احتلالها دون قتال ؟ ... اذا كان الامر كذلك فلماذا قاتلت الفلوجة اصلاً وتحمّلَت كل هذا القدر الهائل من القتل والدمار ؟ .
لا اريد أن اعزو أسباب هذا الموقف إلى تواطؤ حصل من قِبَل الضاري الثاني أو من قِبَل الصدر الثالث مقابل وعود وهمية أو حقيقية أو مكاسب شخصية ... إلخ ، وإنما سأعزو ذلك إلى أن كلا الرجلين الضاري الثاني والصدر الثالث يشتركون في قواسم مشتركة لا تؤهلهم لإدارة صراع من هذا النوع وضد أكبر قوة عرفها تاريخ العالم عبر عصوره المختلفة ، فكلا الرجلين ليسوا ذوي خبرة ودراية واسعة وإلمام كبير في العمل السياسي والكفاحي ، فهما اكتسبا مكان القيادة من خلال موروثهما العائلي وموقفهما الرافض للاحتلال ... فالأول هو حفيد الشيخ ضاري الذي "هز لندن وبجاها" على حد الاهزوجة التي رددها العراقيون بعد أن قتل القائد العسكري البريطاني في العراق "لجمن" بعد احتلاله من قبل الانكليز في العام 1917 ، والثاني هو إبن الصدر الثاني ، المرجع الديني للطائفة الشيعية ، وعمه الصدر الاول الغني عن التعريف ... يضاف الى ذلك إن الرجلين لا زالا شابين *، وفي هذا العمر غالباً ما يكون المرء قصير النفس في معالجة قضايا هامة من هذا النوع . وعلى هذا الاساس ، لابد للشيخ "حارث الضاري" وهيئة علماء المسلمين أن يحترموا تعهداتهم التي أكسبتهم المكانة المرموقة بين ابناء الشعب العراقي ، بل ووَقّعُوا عليها في مواثيق محددة ، وهي حصراً في اعتبار الاحتلال الامريكي للعراق غير شرعي ، وكل ماينتج عنه من قرارات وهيئات وسلطة ، الخ ، غير شرعي بالتبعية ، وتحريم كل أشكال التعاون معه ، وإن ما يجري منذ أيام سواء مع المحتل مباشرة أو مع أدواته ، الممثلة بالحكومة العراقية ، من مفاوضات أساسها الاشتراك في الانتخابات المشبوهة ، مقابل تراجع قوات الاحتلال عن اقتحام المدينة ، ليس سوى طعنة غادرة في ظهر المقاومة العراقية وكفاح الشعب العراقي من أجل تحرير بلده ، بالمقابل يعد هذا الفعل تقديم خدمة جليلة للمحتل ومنحه الفرصة للوقوف ثانية بعد حالة الانهيار التي تعاني منه قواته العسكرية ، ناهيك إن هذا العدو غادر ومخادع ولا يحمل للعراق سوى الدمار والخراب ، وإن الطريق السليم لتحرير البلاد هو مواصلة الثورة المسلحة حتى التحرير واستعادة سيادته كاملة غير منقوصة ، وهذا لا يتم من خلال المفاوضات مع المحتل وإنما من خلال طرده بالقوة مثلما احتل العراق بالقوة .
تراجعوا قبل فوات الآوان :
إن الفرصة لا زالت قائمة للتراجع والتخلي عن التعامل مع المحتل وأدواته وعملائه الآن وليس غداً ، فالتاريخ لا يرحم ولا الشعب العراقي سيغفر لكل من شارك في العدوان على العراق أو تعاون مع المحتل أو هادنه أو تفاوض معه ، ولا أحد مستثنى من هذه المسائلة والعقاب مهما كانت مكانته الدينية أو العائلية أو السياسية أو الاجتماعية ... إلخ ، فالوطن هو الأكبر ولا مكانة تعلو على مكانة العراق ، فهو المرجع وهو الملاذ الاول والاخير ... تراجعوا عن هذا الخطا الفادح واعترفوا به فالاعتراف بالخطا فضيلة ورحم الله إمريء عرف قدر نفسه .
عوني القلمجي
أصبحت مدينة الفلوجة علامة بارزة في تاريخ العراق بعد الاحتلال الامريكي ، وفاقت شهرتها عواصم ومدن كبيرة ... وعادت الفلوجة من جديد الى واجهة الاخبار في العالم ، ليس بسبب القصف الجوي التي تتعرض له ، فهذه الاعتداءات اصبحت مالوفة ، ولكن بسبب ما يخططه الامريكان ضدها منذ اسبوع أو اكثر ، على مرأى ومسمع من العالم .
لقد كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" وهي أشهر جريدة في الولايات المتحدة والعالم ، الخطوط العريضة لخطة اقتحام الفلوجة التي قدّر قادة أمريكان بأن يشترك فيها آلاف عدة من الجنود الأميركيين والعراقيين ، مدعومين بمقاتلات ودبابات أميركية في مقابل حوالي 1500 مقاتل يتحصنون داخل المدينة .، وتوقع مسؤولون أميركيون أن تستغرق العملية ما بين أيام وأسبوعين ، وأن يلجأ "المتمردون" الى التفجيرات على جانب الطرقات ، وتحريض سكان القرى المجاورة على الانتفاض ضد القوات الأميركية . كما أكد هؤلاء المسؤولون أن العملية ستشمل السيطرة على الرمادي أيضاً ، لارتباطها بالفلوجة ، وإغلاق الحدود السورية لمنع تدفق "المقاتلين الأجانب" عبرها . وكانت الصحيفة المذكورة قد كشفت قبل اسبوع عن خطة عسكرية ليس لاقتحام الفلوجة فحسب وانما لثلاثين مدينة وبلدة عراقية ، بهدف استعادة السيطرة عليها على أن يتم ذلك قبل الانتخابات العراقية .
بالمقابل صرّح ممثل عن هيئة علماء المسلمين بأن امريكا تعد العدة لاقتحام مدينة الفلوجة وهدمها على رؤوس ساكينها بالقنابل الليزرية ذات الوزن 500 رطل ، وبطائرات إف 16 وطائرات 10 إية ، وبالدبابات والصواريخ المحرمة وغير المحرمة ، وأخيرا فإن القوات البريطانية ستشارك في الهجوم بعد أن انضم 850 جندي بريطاني إلى الحملة العسكرية .
لماذا الفلوجة!! :
ولكن لماذا الفلوجة؟!! ياترى التي يجري التركيز عليها أكثر من المدن والبلدات الاخرى الثلاثين التي وضعها البنتاغون على لائحة الحملة العسكرية الهادفة إلى إعادة السيطرة عليها قبل اجراء الانتخابات في بداية العام المقبل ؟!! ... الامربسيط : لأن الفلوجة مدينة لها تاريخ في قتال الغزاة والمعتدين ، ولأنها تصدت للاحتلال الأمريكي وضربت مثلاً بالصمود بحيث أصبحت هذه المدينة الصغيرة والتي لا يتجاوز عدد سكانها 400 الف نسمة مشهورة في كل انحاء العالم ، ولأنها لقّنَت الأمريكان درساً لن ينسوه ، وفضحت هذه القوة العظمى التي لا تقهر بأنها قُهِرَت في هذه المدنية ، ولانها أثبتت جبن جندي الماريز حين يقاتل وجها لوجه دون غطاء جوي ، ولأنها أول مدينة تحررت بعد أن عجز الأمريكان بجلالة قدرهم عن فتحها أو الدخول في حي من أحيائها ، ولأن الشرارة الأولى للمقاومة انطلقت منها لتمتد إلى انحاء العراق وتشعل الأرض تحت أقدام الغزاة ، ولأن أهالي الفلوجة فضحوا أكذوبة ان العراقيين سيستقبلون الأمريكان بالورود والزهور ... ولكن ، ليس هذا كل شيء ، فالمحتل يتصور إن مدينة بطلة كهذه إذا حدث وتم تركيعها فإن المدن الاخرى ستركع بسهولة ان لم تعلن استسلامها قبل بدء أي عملية هجوم ضدها .
المفاوضات تعني نجاة الأمريكان :
ولكن أمريكا رغم كل ذلك ، ورغم كرهها الشديد للفلوجة وأهاليها ، ورغم أن حشودها العسكرية بالقرب من حدود المدينة بلغت حداً يكفي لإحتلال بلد من دول العالم الثالث بأكمله ، إلا إنها لم تحسم على ما يبدو أمرها باقتحام المدينة بعد ، ومرد ذلك يعود الى مخاوفها المشروعة من الفشل الذي ينتظرها ، فهي إن نجحت في اقتحام الفلوجة واحتلالها ستكون غير قادرة على الاحتفاظ بها أسابيع إن لم نقل أيام ، فالمقاتلون كما يعلم الأمريكان لن يخوضوا مع قواتها قتال مواجهة أو قتال محاور جراء اختلال موازين القوى لصالح الأمريكان ، وانما سيسمحون للقوات الامريكية بدخول المدينة وشوارعها وأزقتها بهدف اصطيادهم افرادا وجماعات وإغراقهم في مستنقع خطير لا خلاص منه . وهذا ما يفسر حرص الامريكان الشديد على اقناع أهالي المدينة أو وجهائها ، وعلى وجه الخصوص هيئة علماء المسلمين ، بدخول القوات الامريكية المدينة دون قتال مقابل الاشتراك بالانتخابات ومنحهم حصة مقبولة من الحكومة والبرلمان القادمين . ومن الواضح أن الأمرين يسيران جنبا الى جنب ، ونعني الاستعداد لشن الهجوم على المدينة كشر لا بد منه ، والتفاوض مع الهيئة وعدد من وجهاء المدينة لدخولها سلماً .
وبصرف النظر عن جميع الاحتمالات فإن الفلوجة ستدحر القوات الامريكية إن هي قررت القتال ، وستحبط المفاوضات مهما تمخضت عن مكاسب سياسية أو مادية أو غيرها ، فأهالي الفلوجة دون استثناء وراء المقاومة العراقية ، وهذه المقاومة قد قالت كلمتها إن لا اعتراف لا هدنة ولا مفاوضات مع المحتل ، وإن لا حوار معه ولا لغة سوى لغة السلاح ، إلى أن يغادر آخر جندي أرض العراق ... بعبارة أسهل وأوضح إن المعركة مع المحتل ستبقى مفتوحة ومستمرة ليس في الفلوجة وحدها وإنما في كافة أنحاء العراق .
تأثير المفاوضات والمفاوضين :
ولكن ، هل يعني ذلك أن نتجاهل هذه الحالات التي حدثت وتحدث وتأثيراتها الضارة على مسيرة المقاومة العراقية بما يؤخر ولو قليلاً موعد تحرير العراق بعد الحاق الهزيمة بالقوات المحتلة ؟ . بكل تأكيد لا يمكن تجاهل هذه الحالات ، لأن الحكمة السياسية تتطلب منا التصدي لها وبكل الوسائل المتاحة ، والحديث هنا يدور بالضبط عن ظاهرة ابتدعها السيستاني خدمة للولايات المتحدة ، وهي مقايضة هذه المدينة أو تلك بالوطن ، أي بالعراق ، فهو قد أنقذ الأمريكان من هزيمة محققة على يد جيش المهدي وقائده المجاهد مقتدى الصدر تحت ذريعة إنقاذ مدينة النجف من الدمار ، وذلك بالضغط على الصدر الثالث لقبول الشروط الامريكية المجحفة ، لما لهذا المرجع الديني ، الإيراني الأصل ، من نفوذ على قطاع من الطائفة الشيعية ، ذوي الأصول الفارسية ، في العراق . ويبدو إن الزعيم الآخر في الطائفة السنية ، والمقصود بالطبع حارث الضاري ، ينوي السير على ذات النهج ، ويقايض الفلوجة بالوطن العراق ، على الرغم من إن الضاري الثاني لا يملك شيئاً من أمر المقاومة بالفلوجة ، عكس الحال بالنسبة للصدر الثالث الذي يملك أمر جيش المهدي ويقود في نفس الوقت التيار الصدري.
ولكن على الفور نقول ، نحن لا نشكك بنوايا الضاري الثاني أو الصدر الثالث مثلما نشكك بنوايا السيستاني الذي حابا الاحتلال وقدّم له الخدمات الجليلة بهذا الشكل او ذاك ، فكلا الرجلين الضاري والصدر لهما موقف واضح من الاحتلال وأعلنوا مراراً إن الاحتلال غير شرعي وحرّموا التعامل معه واعتبروا أن كل ما ينتج عنه من صيغ أو مؤسسات فهي غير شرعية ، ولكن ما قاموا ويقومون به من مفاوضات مع المحتل مباشرة أو عبر ممثلين عنهم نعزوه إلى قلة خبرة الرجلين في إدارة عملية الصراع مع أكبر قوة في العالم ، واعتقادهم جرّاء ذلك بأن العمل المسلح يتطلب في بعض الاحيان إلى هدنة أو مفاوضات أو الدخول في اللعبة السياسية ... إلخ . نكرر ، مرة إخرى ، إننا لا نشك في نوايا الرجلين ، ولكن إذا صحت مقولة "جهنم مبَلّطَة بالنيات الحسنة" ، وهي صحيحة قطعاً ، فإن طريقاً كهذا يستند على نوايا حسنة وفي هذا الظرف بالذات سيؤدي إلى إطالة أمد التحرير بعد أن بات ذلك وشيكا ، إذ إن أية هدنة يمكن أن يحصل عليها الغزاة تمنحهم الفرصة لالتقاط أنفاسهم وإعادة ترتيب صفوفهم ورفع معنويات جنودهم المنهارة ... وحين نتحدث عن النصر الوشيك فهذه حقيقة تخلو من أية مبالغة أو تهويل ، ويتطلب ملامستها ، عَلّها غابت عن أنظار ومسامع من قرر التفاوض مع المحتلين ، وبالتالي علّها تعطي الدافع لأن يتم التراجع عن هذا النهج الخطأ والضار ، اليوم وليس غداً .
المقاومة على أبواب النصر :
لا نريد الدخول في مناقشات لا طائل تحتها لنثبت حقيقة إن المقاومة العراقية أصبحت على أبواب النصر في حين إن عدوها أصبح قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة المنكرة ... نعم نجحت أمريكا باحتلال العراق لكنها فشلت في الاحتفاظ بالغنيمة إلى أمد طويل كما خططت وارادت ... وهذا الفشل بدأ بعد دخول العاصمة العراقية بغداد وأخذ بالتحول تدريجياً إلى هزائم مع تصاعد وتيرة عمليات المقاومة العراقية البطولية . وهنا أستذكر ما قاله الكاتب الكبير محمد حسنيين هيكل ، ومن على قناة الجزيرة ، بالوقائع والارقام وهو يتحدث عن مأزق أمريكا في العراق وفشلها الذي لابد وأن ينتهي إلى هزيمتها ... فهو قد ذكر بإن الولايات المتحدة الامريكية فشلت بعد دخولها العاصمة العراقية في أمركة الحرب ، أي أن تجعل الحرب في العراق حرباً أمريكية خالصة وتنفرد أمريكا بحكم العراق مباشرة عن طريق حاكمها العسكري "جي جارنر" ثم الحاكم المدني "بول بريمر" ، الأمر الذي اضطر الأخير إلى إشراك عراقيين من اتباع أمريكا كمستشارين له اعطاهم صفة "مجلس حكم" ، ثم لاحقاً عيّنَ حكومة دمى على رأسها عميل السي آي إية "اياد علاوي" ، على أمل إقناع العراقيين بأن الأمريكان لا ينوون البقاء وأنهم جاءوا محررين فعلاً لا فاتحين ، وكلما ازداد رفض العراقيين للمحتل وأدواته تمنح قوات الاحتلال بعض الصلاحيات الشكلية لهذه الحكومة ، وهكذا ...
وفشلت الولايات المتحدة ثانياً بفتنمة الحرب ، بمعنى استخدام ذات الوسائل التي استخدمت ضد المقاومة في فيتنام في بداية الحرب ، وذلك باللجوء إلى استخدام أدوات محلية ومرتزقة وخبراء جريمة أجانب مهمتهم تدمير الاماكن أو الاحياء التي تتواجد فيها قوات المقاومة والتخطيط لحملة اغتيالات واسعة لقادة هذه المقاومة كما فعلت أمريكا حين اغتالت حوالي 4 آلاف من قادة المقاومة الفتينامية على أمل زرع روح الهزيمة في نفوس المقاومين ....
وفشلت ثالثا ، بتدويل الحرب ... فبعد أن مارست أمريكا عملية ابتزاز على الأمين العام للأمم المتحدة "كوفي عنان" لتأمين غطاء دولي للإحتلال عبر إرسال بعثة للأمم المتحدة برئاسة "سيرجيو ديميللو" ، وأخرى للصليب الأحمر ، تَمَكّنَت المقاومة العراقية من نزع هذا الغطاء الدولي ، وذلك بإجبار هذه البعثات على مغادرة العراق بعد العمليات التي وجهت ضدهما ...
إن هذا التحليل المدعم بالوقائع نجد نموذجا عنه على ارض الواقع ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، فان القوات الامريكية وحسب اعترافات قادتها الميدانيين أو القابعين في البنتاغون أو المتنعمين في البيت الابيض ، يواجهون يومياً أكثر من سبعين عملية عسكرية ، بحيث إن الخسائر في الأرواح والمعدات باتت تقلق منام رئيس أركان الجيش الامريكي "ريتشاردز مايرز" الذي اعترف أمام اللجنة العسكرية في الكونغرس الامريكي بإنه بات يحلم بفيتنام اخرى اشد قساوة من الأولى ، بل إن العديد من أعضاء الكونغرس ، وهم من الجمهوريين ، إعترفوا علنا بإن أمريكا في مأزق والخروج منه ليس سهلاً ، والخبراء العسكريين والمحللون السياسيون باتوا على قناعة بإن الولايات المتحدة الامريكية إذا لم تسارع بالانسحاب من العراق فإنها ستواجه هزيمة منكرة .
إذا كان هذا هو الحال ، وهو كذلك ، ترى لماذا تبرّعت هيئة علماء المسلمين لتقديم طوق النجاة للأمريكان ومساعدتهم على تجنب الهزيمة كما ساعدهم السيستاني من قبل ؟!! ، ثم إذا كان السيستاني قد أُجبِرَ أو ضغط على الصدر الثالث بتوقيع ذلك الاتفاق ، فمن الذي ضغط على هيئة علماء المسلمين للسير على ذات الطريق ؟ ، ثم من الذي خوّلَ الهيئة أو غيرها بالتفاوض بإسم الفلوجيين ؟ ، ومن قال لهم بإن الفلوجيين يريدون أن يشتركوا بالانتخابات مقابل أن يتراجع الأمريكان عن إقتحام المدينة ؟ ... ثم لو كان بقدرة الامريكان دخول المدينة هل تعتقد هيئة علماء المسلمين بإنهم سيلجأون للتفاوض معهم أو مع غيرهم ؟ ، ومتى كان الامريكان بحاجة إلى إذن كائن من كان لضرب هذه المدينة او تلك ؟ ، ألم تسمعوا (رئيس الجمهورية) "غازي الياور" ، الذي ادعى أنه تسلّم السيادة في حزيران ، وهو يتوسل للأمريكان بعدم إقتحام الفلوجة والامريكان "ما اشتروه ولا توسلاته بفلس أحمر" على حد قول العراقيين ؟ ... يا ترى ماذا ستقول الهيئة الموقرة للمقاومة التي أعلنت إن لا حوار مع المحتل إلا عبر السلاح ؟ ، ولاهالي شهداء مدينة الفلوجة الذين قدموا دمائهم ثمن تحريرها من المحتل ؟ ، فهل استشهد هؤلاء من أجل أن يعاد احتلالها دون قتال ؟ ... اذا كان الامر كذلك فلماذا قاتلت الفلوجة اصلاً وتحمّلَت كل هذا القدر الهائل من القتل والدمار ؟ .
لا اريد أن اعزو أسباب هذا الموقف إلى تواطؤ حصل من قِبَل الضاري الثاني أو من قِبَل الصدر الثالث مقابل وعود وهمية أو حقيقية أو مكاسب شخصية ... إلخ ، وإنما سأعزو ذلك إلى أن كلا الرجلين الضاري الثاني والصدر الثالث يشتركون في قواسم مشتركة لا تؤهلهم لإدارة صراع من هذا النوع وضد أكبر قوة عرفها تاريخ العالم عبر عصوره المختلفة ، فكلا الرجلين ليسوا ذوي خبرة ودراية واسعة وإلمام كبير في العمل السياسي والكفاحي ، فهما اكتسبا مكان القيادة من خلال موروثهما العائلي وموقفهما الرافض للاحتلال ... فالأول هو حفيد الشيخ ضاري الذي "هز لندن وبجاها" على حد الاهزوجة التي رددها العراقيون بعد أن قتل القائد العسكري البريطاني في العراق "لجمن" بعد احتلاله من قبل الانكليز في العام 1917 ، والثاني هو إبن الصدر الثاني ، المرجع الديني للطائفة الشيعية ، وعمه الصدر الاول الغني عن التعريف ... يضاف الى ذلك إن الرجلين لا زالا شابين *، وفي هذا العمر غالباً ما يكون المرء قصير النفس في معالجة قضايا هامة من هذا النوع . وعلى هذا الاساس ، لابد للشيخ "حارث الضاري" وهيئة علماء المسلمين أن يحترموا تعهداتهم التي أكسبتهم المكانة المرموقة بين ابناء الشعب العراقي ، بل ووَقّعُوا عليها في مواثيق محددة ، وهي حصراً في اعتبار الاحتلال الامريكي للعراق غير شرعي ، وكل ماينتج عنه من قرارات وهيئات وسلطة ، الخ ، غير شرعي بالتبعية ، وتحريم كل أشكال التعاون معه ، وإن ما يجري منذ أيام سواء مع المحتل مباشرة أو مع أدواته ، الممثلة بالحكومة العراقية ، من مفاوضات أساسها الاشتراك في الانتخابات المشبوهة ، مقابل تراجع قوات الاحتلال عن اقتحام المدينة ، ليس سوى طعنة غادرة في ظهر المقاومة العراقية وكفاح الشعب العراقي من أجل تحرير بلده ، بالمقابل يعد هذا الفعل تقديم خدمة جليلة للمحتل ومنحه الفرصة للوقوف ثانية بعد حالة الانهيار التي تعاني منه قواته العسكرية ، ناهيك إن هذا العدو غادر ومخادع ولا يحمل للعراق سوى الدمار والخراب ، وإن الطريق السليم لتحرير البلاد هو مواصلة الثورة المسلحة حتى التحرير واستعادة سيادته كاملة غير منقوصة ، وهذا لا يتم من خلال المفاوضات مع المحتل وإنما من خلال طرده بالقوة مثلما احتل العراق بالقوة .
تراجعوا قبل فوات الآوان :
إن الفرصة لا زالت قائمة للتراجع والتخلي عن التعامل مع المحتل وأدواته وعملائه الآن وليس غداً ، فالتاريخ لا يرحم ولا الشعب العراقي سيغفر لكل من شارك في العدوان على العراق أو تعاون مع المحتل أو هادنه أو تفاوض معه ، ولا أحد مستثنى من هذه المسائلة والعقاب مهما كانت مكانته الدينية أو العائلية أو السياسية أو الاجتماعية ... إلخ ، فالوطن هو الأكبر ولا مكانة تعلو على مكانة العراق ، فهو المرجع وهو الملاذ الاول والاخير ... تراجعوا عن هذا الخطا الفادح واعترفوا به فالاعتراف بالخطا فضيلة ورحم الله إمريء عرف قدر نفسه .