المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل سيتكرر سيناريو غزة فى الفلوجة



صدام فلسطين
29-10-2004, 03:13 PM
الأوضاع في الفالوجة تسير من سيء إلى أسوأ، وتنذر بتكرار المواجهات الدامية بين القوات الأمريكية والمجاهدين، التي اندلعت في أبريل الماضي ،وتسببت في مصرع المئات من سكان المدينة، وتدمير آلاف المنازل والمنشآت..لاسيما مع فشل المفاوضات التي أجريت الأسبوع الماضي مع زعماء القبائل في المدينة لتهدئة الأوضاع.. ومع اقتراب موعد الانتخابات العراقية في يناير المقبل، تسعى الإدارة الأمريكية للحيلولة دون سيطرة المجاهدين على المدينة، وإقناع سكانها بالمشاركة في الانتخابات، ومساندة الحكومة العراقية القائمة.
"لاشك أن ما نقوم به في العراق هو عمل شاقّ وقاس..أنا أدرك ذلك جيداً، وتصلني يومياً تقارير مفصلة عن عدد الضحايا..وأشاهد على شاشات التليفزيون مدى قسوة هذا العمل، ولكن يجب أن نعترف بأن ما يجرى هناك هو عمل ضروري، ولابد أن نحرز فيه تقدماً".(الرئيس جورج بوش، المناظرة الرئاسية، 30 سبتمبر).
قد تصبح الفالوجة غزّة جديدة، بالنظر إلى ما يجري حالياً على أرضها من أحداث، فهناك أكثر من ألف من جنود البحرية الأمريكية، معززين ببضع مئات من القوات العراقية المدربة أمريكياً، يتحصنون في مواقعهم على بعد كيلومتر واحد من الفلوجة، وهناك اشتباكات دائمة في القطاعين الجنوبي والشرقي..آلاف العائلات غادرت المدينة، بعد أن أصبحت ساحة للحرب، المحلات مغلقة، مخزون الطعام لدى السكان كاد ينفد.وجثث القتلى والجرحى في الشوارع أصبحت مشهداً يومياً متكرراً.
سكان الفلوجة ينكرون بشدة وجود مجاهدين أجانب بالمدينة، بمن فيهم أبو مصعب الزرقاوي، الذي تحمله مسئولية أحداث العنف التي تجري في العراق. معظم سكان الفلوجة يتوقون شوقاً إلى السلام. لكنهم يعتقدون أن القصف العسكري الأمريكي الشامل واقع على المدينة لا محالة، لأن المجاهدين، بعد ثلاثة أسابيع من القتال وسقوط المئات من الضحايا في أبريل الماضي، تمكنوا من إلحاق هزيمة عسكرية حقيقية بالأمريكيين. ومعظم السكان أيضًا يعتقدون أنّ الحكومة المركزية في بغداد مقسمة بين الرئيس غازي الياور، ذلك الشيخ السني المتورط في عمليات القصف التي تنفذها القوات الأمريكية، ورئيس الوزراء الشيعي إياد علاوي، الذي تحيط به جماعة من البعثيين الجدد، ويتلقى أوامره من الأمريكيين وهو على استعداد لتسوية الفلوجة بالأرض من أجل عيون أمريكا، التي يأمل أن تسانده في معركته الانتخابية، ليستمر في منصب رئيس الوزراء في الحكومة العراقية المقبلة. المشكلة تكمن في انهيار المفاوضات بشأن الفلوجة خلال الأسبوع الماضي، لاسيما وأن هيئة علماء السنة هددوا بإعلان الجهاد في كل أنحاء العراق، إذا ما هوجمت المدينة.
الديمقراطية ليست القضية التي تشغل بال المواطنين في العراق، إذ كيف يمكن أن يكون قصف المدن بالطائرات والقنابل، والاعتداء على المدنيين هو الطريق إلى الديمقراطية؟. هناك فقط أربعة من مسئولي الأمم المتحدة يقومون بالإعداد للانتخابات العراقية المقرر إجراؤها في يناير المقبل.
"آلان جوكس"، عالم الاجتماع، والخبير الاستراتيجي البارز، كتب مقالاً في صحيفة "اللوموند" الفرنسية، أشار فيه إلى اهتمام الولايات المتحدة بالاستفادة من النموذج الإسرائيلي في التعامل مع المقاومة في المدن الفلسطينية، وبصفة خاصة في غزة، وإدارة هذه الحرب وفق نموذج الفوضى،الذي لا يسعى إلى تحقيق السلام، وإنما إدارة الفوضى بما يحقق مصلحة الطرف الإسرائيلي. ويرى جوكس أن هذا النموذج الذي يقوم على تسوية المدن بالأرض، استخدمته الولايات المتحدة في السيطرة على بغداد، وتسعى الآن لتطبيقه في الفلوجة وباقي المدن "المتمردة" في المثلث السني. صحيح أن الولايات المتحدة قد تلجأ لتسوية الفلوجة بالأرض، بدعوى إنقاذها من سيطرة من تسميهم بالإرهابيين، وصحيح أيضاً أن البنتاجون قام بحصر ما يزيد على نحو 30 مدينة عراقية يجب أن تخضع للسيطرة الأمريكية قبل انتخابات يناير المقبل. ولكن بافتراض قيام القوات الأمريكية بالقصف العنيف والشامل لكافة هذه المدن العراقية، فإن هذا لن يضمن لها السيطرة عليها، فما زالت القوات الأمريكية حتى الآن عاجزة عن السيطرة على العاصمة بغداد، ومازال المقاتلون يهاجمون بانتظام المنطقة الخضراء وسط بغداد، والتي تضم السفارات الأجنبية والمنشآت العراقية الحيوية ،كما يسيطرون على الطرق الرئيسية حول بغداد، من خلال نقاط تفتيش خاصة. الطريقة الوحيدة التي صارت متاحة للأمريكيين لدخول شارع حيفا، أو ما يسمى بالفلوجة الصغرى، والتي تبعد نحو 400 متراً فقط عن المنطقة الخضراء، هي استخدام الدبابات التي تساندها المروحيات.
وعلى غرار حركة المقاومة الفلسطينية، فقد توحد المقاتلون العراقيون، من أجل التحرر من الاحتلال الأمريكي، وعلى سبيل المثال فإن تنظيم "إمام المجاهدين"، والذي يشكل تحالفاً للمقاومة تحت قيادة موحدة، قد تزايد عدد أعضائه –حسب مصادر متطابقة- إلى أكثر من 25 ألف مقاتل في كل أنحاء العراق، لديهم مخزون غير محدود من الأسلحة الثقيلة.
وفيما يتعلق بانتخابات يناير المقبل، إذا تم إجراؤها بالفعل، فإن معظم العراقيين سواء من الشيعة أو السنة، لن يتقبلوا مفهوم "انتخابات حرة وعادلة" في ظل وجود قوات أمريكية قوامها 138 ألف مقاتل تحتل العراق. ومعظم السنة سيقاطعون هذه الانتخابات، كما أن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر يميل إلى مقاطعة هذه الانتخابات، لأنه يعلم أن نتائجها ستفرض بقوة الاحتلال، أما آية الله العظمى على السيستاني فهو يطالب بانتخابات حرة وعادلة بقدر الإمكان، ولكن إذا لم يحصل على ما يريد، فإنه يمكن أن يستغل نفوذه وفتاويه لإضعاف الوجود الأمريكي بالعراق. وإذا أجريت الانتخابات، ستكون هناك احتمالات كبيرة لوقوع الكثير من أعمال العنف، فضلاً عن أن العملية بأكملها ستعتبر من جانب العراقيين غير شرعية.
أحد الدبلوماسيين الأوربيين في واشنطن ممن لا ينتقون ألفاظهم جيداً، صرح بأن "الأمريكيون يعرفون جيداً أنهم قد خسروا الحرب في العراق، وما يقومون به الآن هو البحث عن استراتيجية ملائمة للخروج". وعلى المستوى السياسي، داخل الولايات المتحدة، فإن جورج بوش يحاول التصدي للهجوم الذي يشنه المرشح الديمقراطي جون كيري عليه بسبب استمرر تردي الأوضاع في العراق، وتزيد معدلات سقوط الضحايا من القوات الأمريكية. وعلى المستوى العسكري داخل العراق، فإن إستراتيجية إدارة بوش لمكافحة ما يسميه بالتمرد، تقوم على القصف العنيف للمدن والمناطق المكتظة بالسكان، وتسويتها بالأرض بما يجبرها على الاستسلام.
الجميع يتفق على أن الأسباب الحقيقية لغزو العراق تتعلق بالمطامع الأمريكية في النفط العراقي، فضلاً عن إزالة أي تهديد لأمن إسرائيل، لكن الرياح لا تأتي دائماً بما تشتهي السفن، فقد تحولت المغامرة الأمريكية إلى ورطة، ذكرت الأمريكيين بتجربتهم الفاشلة في فيتنام.
الخيارات المتاحة أمام واشنطن في العراق مرفوضة جميعاً، وأول هذه الخيارات هي زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق إلى 300 ألف جندي، بدلاً من الـ 138 ألف الموجودين حالياً، بهدف تدمير المقاومة تماماً. وهذا الخيار يعني القيام بمهام غير محددة، كما يعني عدم وجود ديمقراطية في نهاية النفق. والخيار الثاني هو أن تترك الولايات المتحدة البلاد مسرحاً للفوضى كما هي الآن، ولكن هذا الخيار سيؤدي من ناحية إلى مزيد من الضحايا في صفوف القوات الأمريكية، وسيزيد من قوة جماعات المقاومة العراقية. أما الخيار الثالث فهو انسحاب الولايات المتحدة من العراق تماماً.
الانتقادات تتصاعد داخل الولايات المتحدة للسياسة الأمريكية في العراق، من جانب الخبراء العسكريين وجنرالات الجيش السابقين ، البعض يقول أنه إذا نجح بوش في الانتخابات فسوف يعمل على الانسحاب بسرعة من العراق، ولكن هذا أمر مستبعد، في ظل وجود وهيمنة المحافظين الجدد، الذين يعتبرون العراق غنيمة كبرى لا يمكن التفريط فيها.
وفي ظل أجواء المعركة الانتخابية حامية الوطيس بينه وبين منافسه جون كيري، لا يمكن لبوش أن يعترف بحقيقة نواياه تجاه العراق، إذا ما أعيد انتخابه ثانية، والتي تتراوح بين إغراق المدن العراقية بسيل من الهجمات العسكرية الشاملة، التي تشبه ما قام به نيكسون في فيتنام وكمبوديا، في محاولة أخيرة لإجبارها على الاستسلام، وإلا فإن البديل سيكون هو البحث عن استراتيجية للخروج من المستنقع العراقي بأقل خسائر ممكنة. أما جون كيري، فقد أكد أنه إذا فاز في الانتخابات الرئاسية، فسوف يعمل على زيادة عدد القوات الخاصة في العراق، بما يمكنه من محاربة من وصفهم بالإرهابيين وشبكاتهم في كافة أنحاء العالم.
من وجهة نظر القاعدة، فإن انسحاب الولايات المتحدة من العراق سيشكل نصراً كبيراً للقاعدة، كما أن بقاءها سيؤدي إلى خسارتها آلاف الرجال وبلايين الدولارات، في ظل تصاعد أعمال المقاومة العراقية..ولذلك فإن تنظيم القاعدة لا يهتم كثيراً بما إذا كان الرئيس الأمريكي القادم هو بوش أو كيري، لأن القضية الرئيسية في سياسة أمريكا في الشرق الأوسط، وهي موضع اتفاق بين كلا المرشحين، تتعلق برغبتها في السيطرة على منابع النفط، وسعيها لضمان أمن إسرائيل