المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسالة إلى الشيخ أحمد الكبيسي من الدكتور الخالدي



الأمين
09-10-2004, 11:53 AM
رسالة إلى الشيخ أحمد الكبيسي من الدكتور الخالدي


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. السلام عليك يا شيخ أحمد الكبيسي ورحمة الله وبركاته . أما بعد : فقد عرفتك أيها الشيخ الكريم سنة 1996م عندما حضرت لك خطبة جمعة في أحد مساجد المنصور في بغداد، ويومها تعجبت، وأعجبت بك، لأنها كانت الخطبة الأولى والوحيدة التي أستمع فيها إلى خطيب في العراق لا ينهي خطبته بالدعاء إلى الرئيس، ولأني أحب العلماء الرجال الذين لا ينافقون السلاطين، وعندما عدت إلى فلسطين واستمعت إلى تفسيرك الرائع للقرآن الكريم على شاشات الفضائيات العربية ازددت بك إعجاباً، ووجدت كثيراً من أهل فلسطين معجبين بك أيضاً، وعندما حدثت الناس والطلاب عن مواقفك ازداد إعجابهم بك ودعاؤهم لك، وأحسب أن المسلمين في كل الأرض كانوا يعدونك من خيرة علمائهم، ويعقدون عليك الآمال، ويتوقعون أن يكون موقفك من الاحتلال الأمريكي الصليبي للعراق كموقف الشيخ العز بن عبد السلام من المغول الذين احتلوا العراق وهموا باحتلال مصر، وكموقف الشيخ عمر المختار من الاحتلال الإيطالي لليبيا، وموقف الشيخ عبد الكريم الخطابي من الاحتلال الفرنسي للمغرب، وموقف الشيخ عبد القادر الجزائري من الاحتلال الفرنسي للجزائر، وموقف الشيخ عز الدين القسام من الاحتلال الإنجليزي لفلسطين، وموقف الشيخ أحمد ياسين من احتلال اليهود لهذه الأرض المقدسة؛ لكنك يا شيخنا الكريم فاجأتنا وصدمتنا وفجعتنا وخيبت فيك آمالنا، وبصراحة وللأسف الشديد سقطت من عيوننا وعيون كل محبيك.

سقطت لأنك دعوت إلى الجهاد مرة واحدة فقط، وبعد ساعات، وبمجرد أن شعرت بخطورة هذه الدعوة على حياتك وسفرك إلى حيث الأموال و الشهرة في دول الخليج، أعلنت براءتك منها، وتوبتك عنها، وأنها كانت زلة لسان و(حماوة) صدر في لحظة انفعال، وأخذت تتحدث عن ضرورة أن يخضع العراقيون باعتبارهم مغلوبين للأمريكان الغالبين، وهذا أيها الشيخ ليس من الإسلام في شيء، وليس من شيم العلماء الرجال الذين يقودون عادة الجماهير ضد الغزاة والمحتلين.

سقطت لأنك بعد أيلم من سقوط العراق بأيدي الكافرين، وقبل أن تجف دماء آلاف العراقيين الذين مزقتهم قنابل الطائرات الأمريكية أخذت تتحدث عن جهاد النفس، وأنه الجهاد الحقيقي، وأن مقاومة المحتلين مستحيلة، وأنه ليس أمام العراقيين إلا الخضوع. وخالفت آيات وأحاديث الجهاد التي طالما أتحفتنا بتفسيرها، وهذا جبن وخنوع لا يليق بعالم مثلك، وليس من صفات المؤمنين الرجال.

سقطت لأنك تطالب بعودة الملكية لحكم العراق، وأخذت تتغنى بعدل الملك فيصل الذي نصبه المحتلون الإنجليز على العراق، لدرجة أنك قلت: " والله لو حكم العراق عمر بن الخطاب لما كان أعدل من الملك فيصل"، في الوقت الذي تتحدث فيه عن الصحابي الجليل، وكاتب الوحي وخليفة المسلمين معاوية –رضي الله عنه- بجلافة، وتردد فيه ما يردده غلاة الشيعة ، وتصرح بأنه وغيره من خلفاء بني أمية وبني العباس ليسوا خلفاء مسلمين، وأن الخلافة قد سقطت باستشهاد علي –رضي الله عنه- بينما تقول عن حكام الخليج الذين فتحوا بلدانهم لليهود والأمريكان والمومسات الروسيات، وجعلوها قواعد لضرب واحتلال العراق وغيرها من بلاد المسلمين، ولم يحكموا بشرع الله، تقول: "إنهم امتداد لعهد الخلفاء الراشدين"، وهذا ما لا يدعونه هم لأنفسهم. وتقول لمن طالبك من المشاهدين بالجهاد لإقامة دولة الإسلام في العراق: "إن الإسلام لا يصلح للتطبيق الآن، وقد سقطت الخلافة الإسلامية أصلاً منذ أربعة عشر قرناً، فهل تريدنا أن نقيمها في العراق ". ما أجرأك أيها الشيخ على شرع الله، وأصحاب رسول الله، وعلى مدح الظالمين، ونصرة الباطل، جرأة ولا شيخ الأزهر " طنطاوي" لها.

سقطت أيها الشيخ لأنك قلت: "إن السنة يحكمون العراق منذ مئات السنين، فلماذا لا يحكمها الشيعة الآن، ليعطوا الحكم، وليأخذوا نصيبهم". تجرؤ على قول ما لم يجرؤوا هم على التصريح به، وكأنك لا تعرف فساد معتقداتهم، وسبهم للصحابة الكرام، وخيانتهم لآل البيت، وولاءهم لأعداء المسلمين، وعداءهم وكرههم الشديد لأهل السنة، ومواقفهم المخزية عبر تاريخ العراق الطويل، حيث انحازوا إلى كل غاز ومحتل للعراق، منذ هولاكو الذي فتحوا له أبواب بغداد، وتسببوا في قتل أكثر من مليون مسلم، إلى زماننا هذا الذي جاءوا فيه أذلاء خائنين على ظهور دبابات أمريكية ليحكموا العراق، ويجعلوها قاعدة أمريكية، ويقضوا على كل خير فيها، وقد رأيت بأم عينك كيف فتحوها منذ الأيام الأولى لحكمهم، للرذيلة والمخدرات والموساد ولكل عدو وطامع وموتور، وكيف ينتقون علماءها وأخيار رجالها ويقتلونهم.

سقطت لأننا رأيناك تحاور على قناة "العربية" أحد قادة الاحتلال وهو الصليبي الأمريكي نبيل خوري وتقول له بأدب ولطف : " قولوا لنا المدة التي ستقضونها في العراق ولو كانت مائة عام، وقولوا هذه هي حقوقكم كشعب عراقي محتل، وسوف نصبر وننتظر"، وتنصحهم من أجل أن لا تحدث مقاومة ضدهم ألا يبالغوا في إهانة العراقيين، وألا يضع جنودهم أحذيتهم فوق أعناق المعتقلين، وألا يغطوا رءوسهم بالأكياس، فيستفزوا وتتحرك شهامتهم. فأنت بهذا -هداك الله- ترضى بالاحتلال، لكن المشكلة في نظرك هي حقوق العراقيين كذمة تحت حكم الأمريكان المحتلين، وقد نلت يا سماحة الشيخ إعجاب خوري ورضاه، فدعاك للإسراع بالعودة إلى العراق، ليمكنك من المشاركة في الحكم. نعم إنها عقلية وأفكار وتصورات ترضي المحتلين الكافرين، لكنها والله تغضب الله ورسوله والمؤمنين. فهنيئاً لك رضاهم وويل لك من سخط الله ورسوله.

سقطت لأنك تفلسف الجبن والخنوع وتبرره، مدعياً أن العراقيين أضعف وأقل من أن يقفوا في وجه أمريكا، وأنت تعلم أن المسلمين هزموا الفرس وفتحوا العراق مع أنهم كانوا أقل منهم عدداً وعدة، وهزموا الرومان وفتحوا الشام ومصر والمغرب والأندلس وهم أقل بكثير من أعدائهم، و تعرف فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية التي يقول فيها: "إذا اغتصب شبر من أرض المسلمين فالجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة، ويجوز للمرأة أن تخرج للقتال بدون إذن زوجها"، وترى أهل فلسطين الأقل من العراقيين عدداً وسلاحاً وخبرة قتالية كيف يوجعون اليهود، وكيف كانت المقاومة وليس الاستجداء وسيلة لتحرير كل الشعوب التي احتلت أوطانها، ورأيت ما فعله المجاهدون الأبطال في العراق، ويفعلونه كل يوم في الأمريكان المحتلين، بالرغم من خذلان بعض علمائهم وأبناء جلدتهم لهم، ووقوفهم في صف أعدائهم يثبطون ويبطئون ويعتقلون ويقتلون وينصرون أعداء الله.

سقطت لأنك خذلت تلاميذك، علمتهم المبادىء القرآنية، وكنت أول من تخلى عنها عند أول اختبار، وعندما احتج عليك تلاميذك ومحبيك بأدب وذكروك بما علمتهم، شتمتهم، فقلت على قناة العربية للفتاة الكريمة التي ذكرتك بأدب بهذه المبادىء:" قاتلك الله"، وقد شتمت معها أيها الشيخ الملايين من خيرة أبناء الأمة الذين يرون رأيها، فسقطت من عيونهم، وليتك تعلم كم فجع بك الناس عندنا في فاسطين – وفي كل العالم- عندما رأوا منك هذا النكوص.

سقطت لأنك تركت العراق وهو في أمس الحاجة إلى العلماء الذين يقودون الجماهير ويحرضونهم على الجهاد والمقاومة، وذهبت إلى حيث الترف والمال والشهرة والراحة، وأخذت تثبط وتبطىء وتحبط وتعوق، "وإن منكم لمن ليبطئن …". وهذا ليس من شيم العلماء الذين يستحقون الحب والاتباع، فقد تعلمت الجماهير يا شيخ ألا تأخذ العلم إلا من العلماء العاملين الذين يعملون بما يقولون، بل يموتون في سبيل ما يدعون إليه من مبادىء، ألا ترى كيف تقدر الأجيال تلو الأجيال الأستاذ الشهيد سيد قطب- رحمه الله- وتقرأ كتبه وتترجمها إلى كل اللغات وتتربى عليها، ذلك لأنه قال "إن كلماتنا تبقى عرائس من الشمع لا حياة فيها، فإذا متنا في سبيلها دبت فيها الحياة"، وقد صدق ما عاهد عليه الله، ومات في سبيل مبادئه وكلماته، إذ عرض عليه عبد الناصر أن ينقذه من حبل المشنقة، ويعينه وزيراً للتربية في مصر مقابل كلمة ثناء يقولها أو يكتبها له، فأبى وقال قولته المشهورة التي ما زلنا نحفظها ونرددها بعد نصف قرن من استشهاده:"إن هذا الأصبع الذي يشهد لله بالوحدانية، ليأبى أن يكتب شهادة بعدل حاكم ظالم".

اتق الله يا شيخ أحمد وعد إلى العراق، وحرض أمتك على الجهاد، يعود الناس إلى محبتك وتقديرك، والأهم من ذلك تفوز بأجر الرباط، وربما يختم لك بأحلى وأجمل خاتمة، الشهادة في سبيل الله، واعلم يا شيخنا الكريم أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وإياك أن تثق بهؤلاء المحتلين الكفار ووعودهم، فهم لا يريدون بالمسلمين خيراً، وقلوبهم تفيض علينا وعلى ديننا كرهاً وحقداً، وانظر كيف غيروا مناهج التعليم في العراق، وألغوا تدريس الإسلام في مدارسها، وكيف فعلوا ذلك في أفغانستان، وكيف يأمرون بذلك في السعودية، " ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون"، واعلم أن العراق والأمة تملك رجالاً لا نظير لهم في هذا الكون، وهم قادرون بإذن الله على أن يصنعوا المعجزات، ويدحروا الأمريكان وكل من حالفهم، وقد رأيت ورأينا منهم ما أثلج الصدور، فكن نصيراً لهم على الأقل، ولا تثبطهم برأي أو بكلمة تحزنهم وتفرح الظالمين. اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

د. خالد الخالدي

رئيس قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية بغزة

drkkhaldi@hotmail.com

شبكة البصرة

السبت 25 شعبان 1425 / 9 تشرين الاول 2004

الأمين
09-10-2004, 04:42 PM
((ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب))

علي كيماوي
09-10-2004, 11:24 PM
إلى مزابل التاريخ يا كبيسي