سياف
27-09-2004, 09:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله
لمّا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على وفود العرب في موسم الحج أنكرت عليه كل الوفود ما دعاهم إليه ، وأقذعوا له القول ، إلاّ وفدين : وفد أهل المدينة الذين بايعوه على النصرة ، ووفد ( العراق ) وكان فيهم المثنى بن حارثة الشيباني ، الذين أيدوا دعوته ، لكنهم اعتذروا إليه بعدم النصرة لأسباب تفهمها النبي صلى الله عليه وسلم ، وأثنى على وفد العراق خيراً ، وبارك فيهم رجاحة العقل .. وإليكم التفصيل :
روى الحاكم ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، وابن إسحق ، والخطيب ، بسند حسن عن ابن عباس ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال : لمّا أمرَ اللهُ عزّ وجلّ نبيَه أن يعرض نفسه على قبائل العرب ؛ خرج ، وأنا معه ، وأبوبكر إلى منى حتى دفعنا إلى مجلس ... حتى قال عليّ : ثم انتهينا إلى مجلس عليه السكينة والوقار ، وإذا مشايخُ لهم أقدار وهيئات ، فتقدم أبوبكر فسَلّم ؛ فقال : مِمن القوم ؟ قالوا : نحن بنو شيبان بن ثعلبة . فالتفتَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بأبي أنت وأمي ؛ ليس بعد هؤلاء مِن عزّ في قومهم ، وكان في القوم : مفرق بن عمرو ، وهانىء بن قبيصة ، والمثنى بن حارثة ، والنعمان بن شريك ... فقال أبوبكر لمفرق بن عمرو : كيف العددُ فيكم ؟ فقال : [ إنّا لنزيد على الألف ؛ ولن يُغلبَ ألفٌ من قلّة ] ، قال : كيف المنعة فيكم ؟ قال :[ علينا الجهد ؛ ولكل قوم جد ] ، قال أبوبكر : فكيف الحرب بينكم وبين عدّوكم ؟ قال مفرق :[ إنّا أشد ما نكون غضباً حين نلقى ، وإنّا أشد ما نكون لقاءً إذا غضبنا ؛ وإنّا لَنؤثر الجيادَ على الأولاد ؛ والسلاحَ على الّلقاح ، والنصرُ من عند الله : يُدِيلُنا مرّةً ؛ ويُديلُ علينا مرّة ] ، ثم قال مفرق لأبي بكر : لعلّك أخو قريش ؟ قال أبوبكر : إنْ كان بلغكم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فها هو ذا ، فقال مفرق : قد بلَغَنا أنه يذكر ذلك ، ثم التفتَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إلاَمَ تدعو يا أخا قريش ؟ فتقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس ؛ وقام أبوبكر يظلّله بثوبه ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أدعوكم إلى شهادة أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وأنّي رسول الله ؛ وأنْ تُؤوني ؛ وتمنعوني ؛ وتنصروني حتى أؤدّيَ عن الله تعالى ما أمرني به ؛ فإنّ قريشاً قد تظاهرتْ على أمرِ الله ؛ وكذّبتْ رسولَه ؛ واستغنتْ بالباطل عن الحقّ ؛ والله هو الغني الحميد ) ، فقال مفرق للنبي : وإلاَمَ تدعو أيضاً يا أخا قريش ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { قل تعالَوا أتلُ ما حرّم ربُّكم عليكم : ألاّ تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً .. } إلى قوله تعالى :{ فتفرَّقَ بكم عن سبيله ، ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتقون } الأنعام 151 ــ 153 ، فقال له مفرق : وإلاَمَ تدعو أيضاً يا أخا قريش ؛ [ فواللهِ ما هذا كلامُ أهلِ الأرضِ ؛ ولو كان من كلامهم لعرفناه ] ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنّ الله يأمرُ بالعدل والإحسان } إلى قوله تعالى : { لعلّكم تذَكَّرون } النحل 90 ، فقال مفرق : [ دعوتَ ــ واللهِ ــ يا قرشي إلى مكارم الأخلاق ؛ ومحاسن الأعمال ، ولقد أفِكَ قومٌ كذّبوكَ وظاهروا عليك ] ، ثم تكلّم هانىء بن قبيصة ؛ فقال : [ قد سمعتُ مقالتَك يا أخا قريش ؛ وصدّقتُ قولَك ، وإنّي أرى إن تركنا ديننا واتّبعناك لمجلسٍ جلستَه إلينا ليس له أولٌ ؛ ولا آخِر ؛ لم نتفكّر في أمرِك ؛ وننظر في عاقبة ما تدعونا إليه زلّةً في الرأي ؛ وطيشةً في العقل ؛ وقلّةَ نظر في العاقبة ؛ وإنّما تكون الزلّة مع العجلة ، وإنّ مِن ورائنا قوماً نكرهُ أنْ نعقد عليهم عقداً ، ولكنْ ترجع ونرجع ، وتنظر وننظر ] ، ثم تكّلم المثنى بن حارثة صاحب حربهم فقال : [ قد سمعتُ مقالتَك ؛ واستحسنتُ قولك يا أخا قريش ؛ وأعجبني ما تكلّمتَ به ، والجواب هو جواب هانىءِ بن قبيصة ، إنّما نزلنا بن صِيْرَينِ < الصِّيْر : الماء الذي يحضره الناس > أحدهما : اليمامة ، والآخر : السماوة ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وما هذان الصيران ؟ ) فقال المثنى : أمّا أحدهما : فطفوف < جمع : طفّ ؛ وهو ما أشرف من الأرض > البَرِّ وأرض العرب ، وأمّا الآخر فأرض فارس وأنهار كسرى ؛ وإنّما نزلنا على عهدٍ أخذه علينا كسرى أنْ لا نُحْدِث حَدَثاً ؛ ولا نُؤوي مُحْدِثاً ، ولعلّ هذا الأمر الذي تدعو إليه تكرهُه الملوك ، فأمّا ما كان مما يلي بلاد العرب فذنب صاحبُه مغفور وعذره مقبول ، وأمّا مما يلي بلاد فارس فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول ، فإنْ أردتَ أنْ ننصرَكَ مما يلي العرب فعَلْنا ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما أسأتم الرّدَّ إذ أفصحتم بالصدق ؛ إنّه لا يقوم بدين الله إلاّ مَن حاطه من جميع جوانبه ) . ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضاً على يد أبي بكر ، ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج ...
قال ابن سعد في " الطبقات الكبرى " : أخبرنا وكيع بن الجراح ، قال : حدثنا سفيان عن حبيب بن ثابت عن نافع بن جبير ؛ قال : قال عمر بن الخطاب : [ بالعراق وجوه الناس] .
قال : أخبرنا وكيع بن الجراح ، قال : وزاد يونس بن أبي إسحاق ؛ سمعه عن الشعبي ؛ قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أهل العراق :[ إلى رأس أهل الإسلام .. ] .
قال : أخبرنا وكيع بن الجراح عن قيس عن شمر عن عطية عن شيخ من بني عامر ، قال : قال عمر ابن الخطاب : [ أهل العراق رمح الله ، وكنز الإيمان ، وجمجمة العرب ، يجزون ثغورهم ، ويمدّون الأمصار ] . أخرجه : ابن أبي شيبة ، وابن سعد .
قال ابن سعد في الطبقات : أخبرنا عبيدالله بن موسى ، قال : أخبرنا سعد بن طريف عن الأصْبغ بن نباته عن علي بن أبي طالب ؛ قال : [ العراق جمجمة الإسلام ، وكنز الإيمان ، وسيف الله ، ورمحه يضعه حيث يشاء ، وأيم الله لينصرنّ الله بأهله في مشارق الأرض ومغاربها كما انتصر بالحجارة] .
و قال ابن سعد في طبقاته : أخبرنا الفضل بن دكين ، قال : حدثنا شريك عن عمار الدهني عن سالم عن سلمان الفارسي ؛ قال : [ العراق قبة الإسلام ، وأهل الإسلام ] . وأخرجه الحاكم من قول حذيفة بن اليمان ، وأخرجه ابن عساكر من قول علي بن أبي طالب .
أخرج الإمام أحمد ، وابن سعد ، والهيثمي : عن حذيفة بن اليمان ، وسلمان الفارسي ؛ قالا : ما يُدفع عن أرض بعد أخبية محمد صلى الله عليه وسلم ما يُدفع عن العراق ، ولا يريده أحدٌ خارباً إلاّ أهلكه الله ، ( ولفظ حذيفة بن اليمان : ولا يريدهم قوم بسوء إلاّ أتاهم ما يُشغلهم عنهم )، وليصيرنّ يوماً ما من مؤمن إلاّ به ، أو ( يصير هواه به ) .
أخرج ابن سعد ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، والخطيب عن خيثمة عن عبدالله بن مسعود قال : [ يا أهل العراق ما من يوم إلاّ ينزل في فراتكم هذا مثاقيل من بركة الجنة ] .
وأخرج ابن سعد قال : أخبرنا عبيدالله بن موسى ، قال : أخبرنا عبدالجبار بن عباس ، عن أبيه قال : جالستُ عطاءً ؛ فجعلتُ أسأله ، فقال لي : مِمن أنتَ ؟ فقلتُ من أهل العراق ، فقال عطاء : ما يأتينا العلم إلاّ من عندكم .
وأخرج أبو الشيخ بن حيان ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتِم ، وابن جرير الطبري ، وابن عساكر عن علي بن أبي طالب أنّه قال لرجل : صلِّ في هذا المسجد فإنّه قد صلّى فيه سبعون نبياً ، ومنه فار التنور .. يعني : مسجد الكوفة .
أخرج البخاري ، والحاكم عن علقمة قال : جلس إلى جنبي أبوالدرداء فقال : مِمن أنت ؟ قلتُ : من أهل العراق . فقال أبوالدرداء : أوليس عندكم ابن أمّ عبد ( ابن مسعود ) صاحب النعلين ، والوسادة المطهرة ( يعني : نعلي ، ووسادة الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان ( عمار بن ياسر ) على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، وفيكم صاحب سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمه غيره ( حذيفة بن اليمان ) ، وفيكم صاحب الكتابين ( سلمان الفارسي ) ، وفيكم مجاب الدعوة ( سعد بن مالك ) .
وأخرج أبوالشيخ ابن حيان عن طريق الشعبي ، وبنحوه عن طريق السدي ، عن علي بن أبي طالب قال : والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة إنّ مسجدكم هذا ( مسجد الكوفة ) لرابع أربعة من مساجد المسلمين ، والركعتان فيه أحبّ إليّ من عشر فيما سواه ، إلاّ المسجد الحرام ، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمسجد الأقصى ، وإنّ من جانبه الأيمن مستقبل القبلة فار التنور .
ومثله قال : أخبرنا عبيدالله بن موسى قال : أخبرنا إسرائيل عن عثمان بن المغيرة ، قال : قالت عائشة أم المؤمنين : ما من مسجد أحبّ إليّ أن أكون قد صلّيتُ فيه أربع ركعات من مسجد الكوفة .
وأخرج أبوداود الطيالسي بسند ضعيف عن صالح بن درهم قال : سمعت أبي يقول : انطلقنا حاجّينَ ؛ فإذا برجل فقال لنا : إلى جانبكم قرية يُقال لها الأُبُلّة ؟ ( ناحية من نواحي البصرة ) ، قلنا : نعم ، قال : من يضمن لي منكم أن يُصلي لي في مسجد العشّار ركعتين أو أربعاً ؛ ويقول : هذه لأبي هريرة !! سمعتُ خليلي أبا القاسم يقول : " إنّ الله يبعثُ من مسجد العشّار يوم القيامة شهداء لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم ."
الناقل: عُباد الدين أباهِووَه
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله
لمّا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على وفود العرب في موسم الحج أنكرت عليه كل الوفود ما دعاهم إليه ، وأقذعوا له القول ، إلاّ وفدين : وفد أهل المدينة الذين بايعوه على النصرة ، ووفد ( العراق ) وكان فيهم المثنى بن حارثة الشيباني ، الذين أيدوا دعوته ، لكنهم اعتذروا إليه بعدم النصرة لأسباب تفهمها النبي صلى الله عليه وسلم ، وأثنى على وفد العراق خيراً ، وبارك فيهم رجاحة العقل .. وإليكم التفصيل :
روى الحاكم ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، وابن إسحق ، والخطيب ، بسند حسن عن ابن عباس ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال : لمّا أمرَ اللهُ عزّ وجلّ نبيَه أن يعرض نفسه على قبائل العرب ؛ خرج ، وأنا معه ، وأبوبكر إلى منى حتى دفعنا إلى مجلس ... حتى قال عليّ : ثم انتهينا إلى مجلس عليه السكينة والوقار ، وإذا مشايخُ لهم أقدار وهيئات ، فتقدم أبوبكر فسَلّم ؛ فقال : مِمن القوم ؟ قالوا : نحن بنو شيبان بن ثعلبة . فالتفتَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بأبي أنت وأمي ؛ ليس بعد هؤلاء مِن عزّ في قومهم ، وكان في القوم : مفرق بن عمرو ، وهانىء بن قبيصة ، والمثنى بن حارثة ، والنعمان بن شريك ... فقال أبوبكر لمفرق بن عمرو : كيف العددُ فيكم ؟ فقال : [ إنّا لنزيد على الألف ؛ ولن يُغلبَ ألفٌ من قلّة ] ، قال : كيف المنعة فيكم ؟ قال :[ علينا الجهد ؛ ولكل قوم جد ] ، قال أبوبكر : فكيف الحرب بينكم وبين عدّوكم ؟ قال مفرق :[ إنّا أشد ما نكون غضباً حين نلقى ، وإنّا أشد ما نكون لقاءً إذا غضبنا ؛ وإنّا لَنؤثر الجيادَ على الأولاد ؛ والسلاحَ على الّلقاح ، والنصرُ من عند الله : يُدِيلُنا مرّةً ؛ ويُديلُ علينا مرّة ] ، ثم قال مفرق لأبي بكر : لعلّك أخو قريش ؟ قال أبوبكر : إنْ كان بلغكم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فها هو ذا ، فقال مفرق : قد بلَغَنا أنه يذكر ذلك ، ثم التفتَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إلاَمَ تدعو يا أخا قريش ؟ فتقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس ؛ وقام أبوبكر يظلّله بثوبه ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أدعوكم إلى شهادة أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وأنّي رسول الله ؛ وأنْ تُؤوني ؛ وتمنعوني ؛ وتنصروني حتى أؤدّيَ عن الله تعالى ما أمرني به ؛ فإنّ قريشاً قد تظاهرتْ على أمرِ الله ؛ وكذّبتْ رسولَه ؛ واستغنتْ بالباطل عن الحقّ ؛ والله هو الغني الحميد ) ، فقال مفرق للنبي : وإلاَمَ تدعو أيضاً يا أخا قريش ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { قل تعالَوا أتلُ ما حرّم ربُّكم عليكم : ألاّ تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً .. } إلى قوله تعالى :{ فتفرَّقَ بكم عن سبيله ، ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتقون } الأنعام 151 ــ 153 ، فقال له مفرق : وإلاَمَ تدعو أيضاً يا أخا قريش ؛ [ فواللهِ ما هذا كلامُ أهلِ الأرضِ ؛ ولو كان من كلامهم لعرفناه ] ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنّ الله يأمرُ بالعدل والإحسان } إلى قوله تعالى : { لعلّكم تذَكَّرون } النحل 90 ، فقال مفرق : [ دعوتَ ــ واللهِ ــ يا قرشي إلى مكارم الأخلاق ؛ ومحاسن الأعمال ، ولقد أفِكَ قومٌ كذّبوكَ وظاهروا عليك ] ، ثم تكلّم هانىء بن قبيصة ؛ فقال : [ قد سمعتُ مقالتَك يا أخا قريش ؛ وصدّقتُ قولَك ، وإنّي أرى إن تركنا ديننا واتّبعناك لمجلسٍ جلستَه إلينا ليس له أولٌ ؛ ولا آخِر ؛ لم نتفكّر في أمرِك ؛ وننظر في عاقبة ما تدعونا إليه زلّةً في الرأي ؛ وطيشةً في العقل ؛ وقلّةَ نظر في العاقبة ؛ وإنّما تكون الزلّة مع العجلة ، وإنّ مِن ورائنا قوماً نكرهُ أنْ نعقد عليهم عقداً ، ولكنْ ترجع ونرجع ، وتنظر وننظر ] ، ثم تكّلم المثنى بن حارثة صاحب حربهم فقال : [ قد سمعتُ مقالتَك ؛ واستحسنتُ قولك يا أخا قريش ؛ وأعجبني ما تكلّمتَ به ، والجواب هو جواب هانىءِ بن قبيصة ، إنّما نزلنا بن صِيْرَينِ < الصِّيْر : الماء الذي يحضره الناس > أحدهما : اليمامة ، والآخر : السماوة ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وما هذان الصيران ؟ ) فقال المثنى : أمّا أحدهما : فطفوف < جمع : طفّ ؛ وهو ما أشرف من الأرض > البَرِّ وأرض العرب ، وأمّا الآخر فأرض فارس وأنهار كسرى ؛ وإنّما نزلنا على عهدٍ أخذه علينا كسرى أنْ لا نُحْدِث حَدَثاً ؛ ولا نُؤوي مُحْدِثاً ، ولعلّ هذا الأمر الذي تدعو إليه تكرهُه الملوك ، فأمّا ما كان مما يلي بلاد العرب فذنب صاحبُه مغفور وعذره مقبول ، وأمّا مما يلي بلاد فارس فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول ، فإنْ أردتَ أنْ ننصرَكَ مما يلي العرب فعَلْنا ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما أسأتم الرّدَّ إذ أفصحتم بالصدق ؛ إنّه لا يقوم بدين الله إلاّ مَن حاطه من جميع جوانبه ) . ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضاً على يد أبي بكر ، ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج ...
قال ابن سعد في " الطبقات الكبرى " : أخبرنا وكيع بن الجراح ، قال : حدثنا سفيان عن حبيب بن ثابت عن نافع بن جبير ؛ قال : قال عمر بن الخطاب : [ بالعراق وجوه الناس] .
قال : أخبرنا وكيع بن الجراح ، قال : وزاد يونس بن أبي إسحاق ؛ سمعه عن الشعبي ؛ قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أهل العراق :[ إلى رأس أهل الإسلام .. ] .
قال : أخبرنا وكيع بن الجراح عن قيس عن شمر عن عطية عن شيخ من بني عامر ، قال : قال عمر ابن الخطاب : [ أهل العراق رمح الله ، وكنز الإيمان ، وجمجمة العرب ، يجزون ثغورهم ، ويمدّون الأمصار ] . أخرجه : ابن أبي شيبة ، وابن سعد .
قال ابن سعد في الطبقات : أخبرنا عبيدالله بن موسى ، قال : أخبرنا سعد بن طريف عن الأصْبغ بن نباته عن علي بن أبي طالب ؛ قال : [ العراق جمجمة الإسلام ، وكنز الإيمان ، وسيف الله ، ورمحه يضعه حيث يشاء ، وأيم الله لينصرنّ الله بأهله في مشارق الأرض ومغاربها كما انتصر بالحجارة] .
و قال ابن سعد في طبقاته : أخبرنا الفضل بن دكين ، قال : حدثنا شريك عن عمار الدهني عن سالم عن سلمان الفارسي ؛ قال : [ العراق قبة الإسلام ، وأهل الإسلام ] . وأخرجه الحاكم من قول حذيفة بن اليمان ، وأخرجه ابن عساكر من قول علي بن أبي طالب .
أخرج الإمام أحمد ، وابن سعد ، والهيثمي : عن حذيفة بن اليمان ، وسلمان الفارسي ؛ قالا : ما يُدفع عن أرض بعد أخبية محمد صلى الله عليه وسلم ما يُدفع عن العراق ، ولا يريده أحدٌ خارباً إلاّ أهلكه الله ، ( ولفظ حذيفة بن اليمان : ولا يريدهم قوم بسوء إلاّ أتاهم ما يُشغلهم عنهم )، وليصيرنّ يوماً ما من مؤمن إلاّ به ، أو ( يصير هواه به ) .
أخرج ابن سعد ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، والخطيب عن خيثمة عن عبدالله بن مسعود قال : [ يا أهل العراق ما من يوم إلاّ ينزل في فراتكم هذا مثاقيل من بركة الجنة ] .
وأخرج ابن سعد قال : أخبرنا عبيدالله بن موسى ، قال : أخبرنا عبدالجبار بن عباس ، عن أبيه قال : جالستُ عطاءً ؛ فجعلتُ أسأله ، فقال لي : مِمن أنتَ ؟ فقلتُ من أهل العراق ، فقال عطاء : ما يأتينا العلم إلاّ من عندكم .
وأخرج أبو الشيخ بن حيان ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتِم ، وابن جرير الطبري ، وابن عساكر عن علي بن أبي طالب أنّه قال لرجل : صلِّ في هذا المسجد فإنّه قد صلّى فيه سبعون نبياً ، ومنه فار التنور .. يعني : مسجد الكوفة .
أخرج البخاري ، والحاكم عن علقمة قال : جلس إلى جنبي أبوالدرداء فقال : مِمن أنت ؟ قلتُ : من أهل العراق . فقال أبوالدرداء : أوليس عندكم ابن أمّ عبد ( ابن مسعود ) صاحب النعلين ، والوسادة المطهرة ( يعني : نعلي ، ووسادة الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان ( عمار بن ياسر ) على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، وفيكم صاحب سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمه غيره ( حذيفة بن اليمان ) ، وفيكم صاحب الكتابين ( سلمان الفارسي ) ، وفيكم مجاب الدعوة ( سعد بن مالك ) .
وأخرج أبوالشيخ ابن حيان عن طريق الشعبي ، وبنحوه عن طريق السدي ، عن علي بن أبي طالب قال : والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة إنّ مسجدكم هذا ( مسجد الكوفة ) لرابع أربعة من مساجد المسلمين ، والركعتان فيه أحبّ إليّ من عشر فيما سواه ، إلاّ المسجد الحرام ، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمسجد الأقصى ، وإنّ من جانبه الأيمن مستقبل القبلة فار التنور .
ومثله قال : أخبرنا عبيدالله بن موسى قال : أخبرنا إسرائيل عن عثمان بن المغيرة ، قال : قالت عائشة أم المؤمنين : ما من مسجد أحبّ إليّ أن أكون قد صلّيتُ فيه أربع ركعات من مسجد الكوفة .
وأخرج أبوداود الطيالسي بسند ضعيف عن صالح بن درهم قال : سمعت أبي يقول : انطلقنا حاجّينَ ؛ فإذا برجل فقال لنا : إلى جانبكم قرية يُقال لها الأُبُلّة ؟ ( ناحية من نواحي البصرة ) ، قلنا : نعم ، قال : من يضمن لي منكم أن يُصلي لي في مسجد العشّار ركعتين أو أربعاً ؛ ويقول : هذه لأبي هريرة !! سمعتُ خليلي أبا القاسم يقول : " إنّ الله يبعثُ من مسجد العشّار يوم القيامة شهداء لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم ."
الناقل: عُباد الدين أباهِووَه