روز العراق
18-09-2004, 01:30 AM
عبد الباري عطوان
فجر كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة امس قنبلة قانونية واخلاقية علي درجة كبيرة من الأهمية، عندما اعلن في مقابلة مع تلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية (بي. بي. سي) ان القرار الامريكي بغزو العراق كان غير شرعي وانه كان لا بد من صدور قرار ثان عن مجلس الامن للموافقة علي هذا الغزو ولكن امريكا لم تنتظر صدور مثل هذا القرار.
النتيجة نفسها توصل اليها ايضا العقيد تيم كولينز القائد السابق للقوات البريطانية في مقابلة مع الشبكة التلفزيونية نفسها، عندما شكك في دوافع الغزو الامريكي ولمح الي انه لم يكن شرعيا، وجاء من اجل الثأر الشخصي، وتنفيس عن شحنة غضب تجاه نظام صدام حسين .
هناك من يقول ان كوفي عنان تأخر في اصدار مثل هذه الشهادة القانونية والسياسية التي تنطوي علي درجة كبيرة من الاهمية، فقد كان عليه ان يشهرها قبل عام ونصف العام، وبمجرد تأكده من نوايا الادارة الامريكية بالذهاب الي الحرب دون تفويض دولي. فربما لو فعل ذلك، لأثر بطريقة او بأخري في تطورات الاحداث، وحرك الرأي العام الدولي، والامريكي والبريطاني خاصة، ضد هذه الحرب .
ومثل هذا الرأي ينطوي علي وجهة نظر صحيحة، ولكن ربما يرد الأمين العام للامم المتحدة او المدافعون عنه، بأن التأني في اصدار مثل هذه الفتاوي القانونية والسياسية من شخص يتولي منصبا حساسا كمنصبه، امر ضروري، ويعطي نتائج افضل واكثر حسما.
بمعني آخر، الامين العام للامم المتحدة لم يصدر هذه الفتوي الا بعد ان اتضح للعالم بأسره ان الاسباب التي تذرعت بها الحكومتان البريطانية والامريكية، واستخدمتاها كأرضية قانونية لشن هذه الحرب ثبت انها واهية. فأسلحة الدمار الشامل العراقية ثبت انها اكذوبة، والشيء نفسه يقال عن الصلات بين نظام الرئيس العراقي صدام حسين وتنظيم القاعدة . وكولن باول وزير الخارجية الامريكي الذي كذب علي مجلس الامن والمجتمع الدولي بأسره، عندما تحدث عن ادلة واثباتات قوية حول وجود معامل كيماوية وبيولوجية عراقية متنقلة، ولوح بصورها امام المندوبين بكل ثقة، خرج قبل اسبوع معترفا بانه لا توجد اسلحة دمار شامل، ولن يتم العثور عليها.
شهادة الأمين العام للأمم المتحدة هذه تعني ان الولايات المتحدة وبريطانيا انتهكتا القانون الدولي، وشنتا حربا غير شرعية ضد بلد ضعيف محاصر، ادت الي تدمير هذا البلد بالكامل، واستشهاد اكثر من خمسة وعشرين الفاً من ابنائه، وتدمير الآلاف من منازله، وكل البني التحتية الاقتصادية والخدماتية والاجتماعية ايضا، وتحويله الي دولة فاشلة تعمها الفوضي الدموية واعمال القتل والخطف. ويمكن ترجمة ذلك قانونيا في النقاط التالية:
اولا: بات من حق العراقيين او اي هيئة تمثلهم في المستقبل، اللجوء الي المحاكم الدولية للمطالبة بتعويضات كاملة، عن كل الاضرار التي لحقت بهم وبوطنهم، تماما مثلما حصل الكويتيون علي تعويضات لسبعة اشهر من احتلال بلادهم من قبل القوات العراقية.
الدول التي يجب ان تدفع هذه التعويضات هي امريكا وبريطانيا والكويت، والمملكة العربية السعودية، وهي الدول التي شاركت في الحرب بطريقة مباشرة (بريطانيا وامريكا) وارسلت قوات الي العراق، او بطريقة غير مباشرة (الكويت والسعودية) وهي الدول التي فتحت اراضيها لانطلاق القوات الغازية.
ثانيا: يملك العراقيون والرأي العام العالمي بأسره، حقا شرعيا وفق نصوص القانون الدولي، وميثاق الامم المتحدة، في المطالبة بمحاكمة الرئيس الامريكي جورج بوش، وشريكه توني بلير رئيس وزراء بريطانيا، باعتبارهما مجرمي حرب، تماما مثل سلوبودان ميلسوفيتش الزعيم الصربي الذي يحاكم حاليا بالتهمة نفسها.
ثالثا: بات من حق العراقيين محاكمة جميع قادة الفصائل العراقية المعارضة، وخاصة زعيمي الحزبين الكرديين الرئيسيين، جلال الطالباني ومسعود البارزاني، علاوة علي قادة حزب الدعوة والمجلس الاعلي للثورة الاسلامية، والسيد محمد بحر العلوم والدكتور احمد الجلبي والدكتور اياد علاوي وكل الذين شاركوا في هذه الحرب، وسهلوا الغزو الامريكي للعراق، سواء بالتعاون الاستخباري او العسكري، او من خلال التضليل الاعلامي، والبروباغاندا الدعائية المضللة.
هؤلاء جميعا مسؤولون عما لحق بالعراق الان من دمار وخراب، ومجازر جماعية ترتكبها القوات الغازية يوميا في الفلوجة ومدينة الصدر والرمادي. وهم مسؤولون ايضا عن تحول العراق الي ميدان للفوضي، والانقسامات الداخلية والتدخلات الخارجية.
العراق الآن يتجه الي التفكيك، وبما يؤدي الي تحقيق الطموحات الاسرائيلية، والنغمة السائدة حاليا والتي يرددها ما يسمي بالمحللين الاسرائيليين، هي ان العراق دولة مصطنعة، وان تركيبتها الاساسية التي تبلورت عام 1920 بعد انهيار الامبراطورية العثمانية كانت تركيبة خاطئة، ولا بد من اعادة صياغة العراق وفق تقسيمات طائفية وعرقية.
سبحان الله، هذا العراق الذي يحمل جينات حضارة امتدت لاكثر من سبعة آلاف عام، واحتضن اكثر من خمس امبراطوريات عظمي، وقدم للبشرية اسهامات عظيمة في شتي ميادين العلم والفلسفة والآداب، هذا العراق دولة مصطنعة، اما اسرائيل التي قامت علي ارض مغتصبة قبل خمسين عاما فقط فهي دولة شرعية واصيلة!
الشعب العراقي أفاق علي الحقيقة المرة، واكتشف حجم الخديعة التي تعرض لها من قبل عملاء امريكا من الذين يدعون الانتماء اليه، ولهذا بدأ يرفض الاحتلال ويقاومه ببسالة ورجولة، ولولا هذه المقاومة الشرسة لما سمعنا بشهادة كوفي عنان، ولما قرأنا التقرير المتشائم الذي اصدره عملاء الـ سي.آي.ايه ، ونشرته صحيفة نيويورك تايمز امس وقالوا فيه ان العراق مقدم علي حرب اهلية وعدم استقرار، وان المستقبل قاتم تماما.
اين الديمقراطية، وحقوق الانسان، والازدهار الاقتصادي، وهل اصبحت بغداد مثل نيويورك والموصل مثل سان فرانسيسكو، والبصرة مثل ميامي؟
نوجه هذا السؤال للدكتور احمد الجلبي والدكتور اياد علاوي، وكل مثقفي العراق الذين حملوا المشروع الامريكي علي اكتافهم لسنوات عديدة قبل الغزو وبعده.
فجر كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة امس قنبلة قانونية واخلاقية علي درجة كبيرة من الأهمية، عندما اعلن في مقابلة مع تلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية (بي. بي. سي) ان القرار الامريكي بغزو العراق كان غير شرعي وانه كان لا بد من صدور قرار ثان عن مجلس الامن للموافقة علي هذا الغزو ولكن امريكا لم تنتظر صدور مثل هذا القرار.
النتيجة نفسها توصل اليها ايضا العقيد تيم كولينز القائد السابق للقوات البريطانية في مقابلة مع الشبكة التلفزيونية نفسها، عندما شكك في دوافع الغزو الامريكي ولمح الي انه لم يكن شرعيا، وجاء من اجل الثأر الشخصي، وتنفيس عن شحنة غضب تجاه نظام صدام حسين .
هناك من يقول ان كوفي عنان تأخر في اصدار مثل هذه الشهادة القانونية والسياسية التي تنطوي علي درجة كبيرة من الاهمية، فقد كان عليه ان يشهرها قبل عام ونصف العام، وبمجرد تأكده من نوايا الادارة الامريكية بالذهاب الي الحرب دون تفويض دولي. فربما لو فعل ذلك، لأثر بطريقة او بأخري في تطورات الاحداث، وحرك الرأي العام الدولي، والامريكي والبريطاني خاصة، ضد هذه الحرب .
ومثل هذا الرأي ينطوي علي وجهة نظر صحيحة، ولكن ربما يرد الأمين العام للامم المتحدة او المدافعون عنه، بأن التأني في اصدار مثل هذه الفتاوي القانونية والسياسية من شخص يتولي منصبا حساسا كمنصبه، امر ضروري، ويعطي نتائج افضل واكثر حسما.
بمعني آخر، الامين العام للامم المتحدة لم يصدر هذه الفتوي الا بعد ان اتضح للعالم بأسره ان الاسباب التي تذرعت بها الحكومتان البريطانية والامريكية، واستخدمتاها كأرضية قانونية لشن هذه الحرب ثبت انها واهية. فأسلحة الدمار الشامل العراقية ثبت انها اكذوبة، والشيء نفسه يقال عن الصلات بين نظام الرئيس العراقي صدام حسين وتنظيم القاعدة . وكولن باول وزير الخارجية الامريكي الذي كذب علي مجلس الامن والمجتمع الدولي بأسره، عندما تحدث عن ادلة واثباتات قوية حول وجود معامل كيماوية وبيولوجية عراقية متنقلة، ولوح بصورها امام المندوبين بكل ثقة، خرج قبل اسبوع معترفا بانه لا توجد اسلحة دمار شامل، ولن يتم العثور عليها.
شهادة الأمين العام للأمم المتحدة هذه تعني ان الولايات المتحدة وبريطانيا انتهكتا القانون الدولي، وشنتا حربا غير شرعية ضد بلد ضعيف محاصر، ادت الي تدمير هذا البلد بالكامل، واستشهاد اكثر من خمسة وعشرين الفاً من ابنائه، وتدمير الآلاف من منازله، وكل البني التحتية الاقتصادية والخدماتية والاجتماعية ايضا، وتحويله الي دولة فاشلة تعمها الفوضي الدموية واعمال القتل والخطف. ويمكن ترجمة ذلك قانونيا في النقاط التالية:
اولا: بات من حق العراقيين او اي هيئة تمثلهم في المستقبل، اللجوء الي المحاكم الدولية للمطالبة بتعويضات كاملة، عن كل الاضرار التي لحقت بهم وبوطنهم، تماما مثلما حصل الكويتيون علي تعويضات لسبعة اشهر من احتلال بلادهم من قبل القوات العراقية.
الدول التي يجب ان تدفع هذه التعويضات هي امريكا وبريطانيا والكويت، والمملكة العربية السعودية، وهي الدول التي شاركت في الحرب بطريقة مباشرة (بريطانيا وامريكا) وارسلت قوات الي العراق، او بطريقة غير مباشرة (الكويت والسعودية) وهي الدول التي فتحت اراضيها لانطلاق القوات الغازية.
ثانيا: يملك العراقيون والرأي العام العالمي بأسره، حقا شرعيا وفق نصوص القانون الدولي، وميثاق الامم المتحدة، في المطالبة بمحاكمة الرئيس الامريكي جورج بوش، وشريكه توني بلير رئيس وزراء بريطانيا، باعتبارهما مجرمي حرب، تماما مثل سلوبودان ميلسوفيتش الزعيم الصربي الذي يحاكم حاليا بالتهمة نفسها.
ثالثا: بات من حق العراقيين محاكمة جميع قادة الفصائل العراقية المعارضة، وخاصة زعيمي الحزبين الكرديين الرئيسيين، جلال الطالباني ومسعود البارزاني، علاوة علي قادة حزب الدعوة والمجلس الاعلي للثورة الاسلامية، والسيد محمد بحر العلوم والدكتور احمد الجلبي والدكتور اياد علاوي وكل الذين شاركوا في هذه الحرب، وسهلوا الغزو الامريكي للعراق، سواء بالتعاون الاستخباري او العسكري، او من خلال التضليل الاعلامي، والبروباغاندا الدعائية المضللة.
هؤلاء جميعا مسؤولون عما لحق بالعراق الان من دمار وخراب، ومجازر جماعية ترتكبها القوات الغازية يوميا في الفلوجة ومدينة الصدر والرمادي. وهم مسؤولون ايضا عن تحول العراق الي ميدان للفوضي، والانقسامات الداخلية والتدخلات الخارجية.
العراق الآن يتجه الي التفكيك، وبما يؤدي الي تحقيق الطموحات الاسرائيلية، والنغمة السائدة حاليا والتي يرددها ما يسمي بالمحللين الاسرائيليين، هي ان العراق دولة مصطنعة، وان تركيبتها الاساسية التي تبلورت عام 1920 بعد انهيار الامبراطورية العثمانية كانت تركيبة خاطئة، ولا بد من اعادة صياغة العراق وفق تقسيمات طائفية وعرقية.
سبحان الله، هذا العراق الذي يحمل جينات حضارة امتدت لاكثر من سبعة آلاف عام، واحتضن اكثر من خمس امبراطوريات عظمي، وقدم للبشرية اسهامات عظيمة في شتي ميادين العلم والفلسفة والآداب، هذا العراق دولة مصطنعة، اما اسرائيل التي قامت علي ارض مغتصبة قبل خمسين عاما فقط فهي دولة شرعية واصيلة!
الشعب العراقي أفاق علي الحقيقة المرة، واكتشف حجم الخديعة التي تعرض لها من قبل عملاء امريكا من الذين يدعون الانتماء اليه، ولهذا بدأ يرفض الاحتلال ويقاومه ببسالة ورجولة، ولولا هذه المقاومة الشرسة لما سمعنا بشهادة كوفي عنان، ولما قرأنا التقرير المتشائم الذي اصدره عملاء الـ سي.آي.ايه ، ونشرته صحيفة نيويورك تايمز امس وقالوا فيه ان العراق مقدم علي حرب اهلية وعدم استقرار، وان المستقبل قاتم تماما.
اين الديمقراطية، وحقوق الانسان، والازدهار الاقتصادي، وهل اصبحت بغداد مثل نيويورك والموصل مثل سان فرانسيسكو، والبصرة مثل ميامي؟
نوجه هذا السؤال للدكتور احمد الجلبي والدكتور اياد علاوي، وكل مثقفي العراق الذين حملوا المشروع الامريكي علي اكتافهم لسنوات عديدة قبل الغزو وبعده.