الأمين
16-09-2004, 01:37 PM
الثورة العراقية تسقط اوهام المخمورين
شبكة البصرة
صلاح المختار
معارك العراق تتصاعد وتتسع وتزداد خطورة وتعقيدا وتتخذ اليات التطور فيه منحى صعوديا لا يقبل التراجع او الانكفاء ، رغم ان الاحتلال الامريكي يبذل جهودا جبارة لعرقلة تصاعد الثورة العراقية المسلحة ، اذ بعد تحرير اغلب مدن العراق ، مثل كل مدن محافظة ديالى وكل مدن محافطة الانبار والموصل وسامراء وبيجي (وتكريت وكركوك نصف تحرير بسبب تمركز قوات الاحتلال في الاولى ووجود الاحتلال والعناصر العميلة في الثانية) والدور وبلد والتاجي والمشاهدة وبغداد بكل مناطقها باستثناء (المنطقة الخضراء) ، وشملت عملية التحرير مدن المحمودية واليوسفية واللطيفية والمسيب والزعفرانية وبابل (الحلة) ، وبدء عملية تنظيف كربلاء والنجف والكوفة من العملاء وتكثيف العمليات في البصرة والعمارة والناصرية ، بعد تحرير هذه المدن والمحافظات او بدء ذلك، و تتصدر مدينة تلعفر واجهة الاحداث لقيام المقاومة الوطنية العراقية بتحريرها بعمليات بطولية فاجئت الاحتلال ووجهت له ضربات موجعة ، فكان طبيعيا ان تتصدر الاحداث بصفتها اخر المدن التي تم تحريرها .
تلعفر : كيف تأكل الخروف على الطريقة الصينية؟
تاتي معركة تلعفر في سياق الاستخدام المكثف لاحد اهم اساليب حرب الشعب وهو التهام الخروف لقمة بعد لقمة ، لان التهامه مرة واحدة سيؤدي لاختناق من يلتهمه . في تحليله لاليات وقواعد حرب التحرير الشعبية في الصين قال قائدها ماو تسي تونغ ان الثوار يجب ان يدمروا قوات العدو جزء بعد اخر وفق سياسة النفس الطويل ، لان محاولة تدميره مرة واحدة قد يؤدي الى تعريض الثورة المسلحة لخطر الموت اختناقا تماما كما يحدث لمن يحاول التهام الخروف بلقمة واحدة ، لانه كبير الحجم قياسا بحجم الانسان . وكان ماو يحاول تاكيد ان العدو قوي ولا يجوز ان نفكر بدحره بمعركة واحدة بل يجب ان يستدرج لسلسلة معارك كبيرة وصغيرة تقوم كل منها بتدمير جزء من قوته ، وهو وضع يؤدي الى تدمير معنوياته تدريجيا ايضا وهذا الانجاز هو الاهم ، ومع تصاعد العمليات تزداد عملية القضم التدريجي وتؤدي كل واحدة منها الى تقليص حجم الخروف والى انحطاط معنوياته ايضا ، وهكذا يكون الثائر قد هيأ المناخ المناسب لانهاء الخروف كليا بعد التغلب على مشكلة حجمه الكبير
واذا نظرنا لحرب تحرير العراق وجدنا ان المقاومة الوطنية العراقية تطبق هذه القاعدة الذهبية ، لانها ابتدات بمعارك كان الهدف منها هو انهاك الخروف وارباكه وجره الى معارك متعددة ينتف فيها صوفه ثم تقتطع من جسده اجزاء معينة واخيرا يبدء التهام قطع اكبر في كل معركة . والان وبعد عام ونصف على اندلاع الثورة المسلحة نلاحظ ان الخروف الامريكي قد فقد صوفه كله وقطع من جسده واصبح يئن من الالم ويحاول الابتعاد قدر الامكان عن خوض معارك مع المقاومة ، لذلك انشأ جيشا عميلا وشرطة عميلة لتجنب الاستمرارفي قضم لحمه , وتلك كانت اللحظة التي انتقلت فيها المقاومة الى مرحلة تحرير مدن واجبار العدو على دخولها بين فترة واخرى كي يتعرض في كل مرة الى فقدان جزء من لحمه فيصغر حجمه ، وكانت الفلوجة اول المدن التي تحررت وتبعتها الرمادي وبعقوبة ثم كرت السبحة واصبحنا الان نعرف ان اغلب مدن العراق قد تحررت ، وان كل عملية تحرير كانت عبارة عن قضم لقمة كبيرة او صغيرة من جسد الاحتلال حتى وصلت المقاومة الى حد اقناع كل فرد عراقي ان العدو الكبير الحجم اصبح اصغر واضعف وانكشفت عيوبه ونقاط ضعفه التي كان يخفيها .
ماذا ترتب على ذلك ؟ لقد انقلبت الاية فبدل شعور المقاوم وكل عراقي (ان العدو قوي ولا يقهر) اصبح العدو ذاته متيقنا ان المقاومة قوة لا تقهر ، وهو ما اعترف به كبار المسؤولين الامريكيين ، وتلك هي البداية الحتمية للنصر ، كما تجلت في معركة تلعفر التي هرب فيها الاحتلال ولجأ الى القصف الجوي والصاروخي بدل الاشتباك الجبهي ، اي القتال بين جنود ومقاومين ، بعد ان اوقع في فخ مميت خسر فيه 215 جنديا وضابطا قتلوا في تلعفر فقط وثمانية طائرات مروحية !
حيفا : كيف تعد المسكوف على الطريقة العراقية ؟
بعد ان يدرك الخروف انه يتعرض لالتهام قاتل وتدريجي يبدا خوفه بالتحول الى رعب يفقده عقله بادراكه ان المقاومة العراقية تعده ليشوى كالمسكوف ، والمسكوف هو الاكلة العراقية السمكية الفريدة في طريقة طبخها حيث يتم الشواء على نار شديدة ولكن من بعد ، اي ان السمكة تتعرض لسخونة النار وليس النار ذاتها بفعل هبات الريح التي تنقل السخونة اليها لذلك يصبح طعمها فريدا ، وهذه الفرادة هي التي جعلت الرئيس الفرنسي جاك شيراك يصاب ب(جنون المسكوف) حينما زار العراق بدعوة من الرئيس صدام حسين! كيف ذلك ؟ لتجنب التهامه قطعة قطعة لجا الاحتلال الى محاولة حماية جنوده بارسال الدبابات واوقف ارسال الدرعات اولا ، كما كان يفعل حتى نيسان الماضي ، فالدبابات تتقدم وبعد ان (تدمر) قسما من المقاومين تتقدم المدرعات التي تحمل الجنود كي يقاتل هؤلاء وتمسك المواقع المطلوب الامساك بها .
ومع هذا الاستخدام المكثف للدبابات تقوم الطائرات المقاتلة والسمتيات باسناد القطعات الارضية بقصف شديد جدا . لكن المقاومة التي تدرك جيدا انها يجب ان تتجنب تعريض نفسها للابادة تناور وتداور ، وهي تواجه دبابات متطورة ، فتقوم مجموعات منها بضمان تدمير الافراد والمدرعات القريبة لجعل الدبابة دون حماية بشرية خارجية ، وعندها تنطلق عملية اعداد المسكوف بالمناورة حول الدبابة والوصول الى مناطق الضعف فيها وضربها هناك فتحترق وتبدا عملية شواء من فيها لان من يحاول الخروج سيقتل فورا برصاص المقاومين او قناصتهم . كما تستخدم المقاومة قنابل حارقة ترميها على الدبابات عن قرب فتشتعل النار فوق بدن الدبابة وتدريجيا ترتفع الحرارة في الداخل ويأخذ المسكوف بالتعرض لحرارة الدبابة التي تسخن من الخارج ، وهذا الشواء يختلف عن شواء (الباربكيو) ، والباربكيو هي طريقة اعدادالاكل المفضلة لدى الامريكيين في (الويك اند) حيث يشوون الدجاج والصوصج ولحم الضلع في الحديقة او البارك على منقلة تعرض اللحم للنار مباشرة !
بين التهام الخروف الامريكي على الطريقة الصينية وشواءه على الطريقة العراقية في اعداد المسكوف يجد القادة العسكريون الامريكيون في العراق انفسهم في ورطة لا امل في الخروج الامن منها ابدا ! وحينما ارادوا استخدام عملاء من العراق وجدوا ان العميل لا يقاتل وان فعل مات مقتولا قبل ان يكتشف ان رصاصة مقاوم تاتيه من اي مكان ، وهكذا تجبر القوات الامريكية على الاختيار فقط بين الطريقة الصينية والطريقة العراقية في الشواء والاكل . في شارع حيفا وفي الرمادي والفلوجة وبعقوبة والموصل وعشرات المدن الاخرى راينا، وراى العالم كله، عروضا احترافية لاعداد الخرفان الامريكية المصدرة من مزارع تكساس ، او السمك الامريكي المصدر من نهر التوماهوك الى عراق لا يوجد شعب في العالم يتقن افضل منه صنع القوزي (الخروف المشوي) والمسكوف ، كل ضيوفنا يشهدون على ذلك ايام كان ياتينا الالاف لحضورمهرجانات المربد و بابل والموسيقى ومسابقات القران الكريم وغيرها ، فيصابون بالتخمة وهم يرددون : لم نتناول اطيب من هذا الطعام ! هؤلاء ، وفي مقدمتهم شيراك ، لا يتذكرون القوزي ولا المسكوف الان وشعب العراق يواجه محنة الغزو الصهيوامريكي ، بل يتسابقون، مخمورين بعقار ال(ل.س.دي) ، لالتهام قطع (كنتاكي فراي جكن) ودهنها يسيل على ربطات اعناقهم ! او على عمائمهم المستلقية في احضانهم لتسهيل التهام الطبخة الامريكية !
اسقاط اوهام مخمورين
ان معارك العراق التي وصلت ذروة تاريخية يوم الاحد (12/9/2004 ) تسقط مرة اخرى واخرى اوهام وافتراضات وتمنيات اطلقها اناس مخمورين ارادوا استبدال الواقع العراقي بسلسلة تمنيات واكاذيب حول ما يجري في العراق لكن المقاومة المسلحة ، وليس المخمورين ، هي التي تحسم الاوضاع وتقرر المسارات ، ففي يوم واحد فقط خسرت القوات الامريكية 437 جنديا وضابطا قتلوا في المعارك الشاملة التي تصاعدت في مختلف انحاء العراق بالتزامن مع قصف النجف ، وهذا الرقم هو الحد الادنى لخسائر امريكا فيما اطلق عليه الاعلام تسمية يوم (الاحد الدامي) ، فقط دققوا ارقام الخسائر الامريكية التي نشرتها وكالات الانباء الاجنبية، واعادت نشرها مواقع انترنيت مثل البصرة ودورية العراق ، واجمعوها، ستجدون ان الرقم الذي ذكرناه هو الحد الادنى وذلك لعدم تضمين الخسائر الامريكية في مدن عديدة وحتى اذا قيل انه رقم مبالغ فيه دعونا نقسمه ومع ذلك ستبقى خسائر امريكا كارثية لان 200 قتيل في يوم واحد كارثة حقيقية بالنسبة لامريكا حتى لو كان القسم الاكبر منهم من المرتزقة الذين لا يحسبون ضمن قتلاها . ان ما جرى ويجري في العراق منذ الاتفاق بين مقتدى الصدر وقوات الاحتلال يشكل تطورا بالغ الاهمية في مجرى تصاعد الثورة العراقية المسلحة ، اذ لم يسبق ان خسر الاميركيون في يوم واحد هذا العدد من القتلى منذ بدء غزو العراق ، واذا اضفنا رقم الحد الادنى لخسائر امريكا في الاسلحة تتضح صورة كارثة امريكا في العراق بشكل افضل، فلقد تم اسقاط وتدمير41 سمتية (في قاعدة الحبانية فقط دمرت 15 سمتية) من مختلف الانواع بما في ذلك شينوك الحاملة للجنود ، ودمرت او احرقت 43 دبابة و62 مدرعة ، وفي كل تلك الحالات كان الجنود والضباط الاميركيون يموتون شويا كما في الباربكيو ، اذا اردنا اعتماد (الطريقة الامريكية ) في الشواء ، او يتحولون الى قوزي يشوى في تنور مغلق، او مسكوف اذا اخذنا الطريقة العراقية في الشواء ، حيث تاتي فيها الى السمكة ريح ساخنة تطبخها على نار هادئة ! هذه المعارك الضخمة والشرسة على امتداد العراق ماذا تعني ؟ ما هي اهم الاوهام التي اسقطتها ؟
وهم معركة بغداد الكبرى
من بين اهم ما اسقطته المقاومة وهم يقول بان العالم ينتظر حصول (معركة بغداد الكبرى) فلقد استغل الكثير من الطفيليين ما اعلنه احد قادة المقاومة قبل مسرحية ( تسليم السلطة ) لعراقيين من ان التسليم هذا سيشهد وقوع (معركة بغداد الكبرى) ، وبسرعة بادر بعض المشبوهين بالكتابة عن هذه المعركة وكانه عارف بها وعلى صلة بالمقاومة لخداع البسطاء ! ان معركة بغداد الكبرى لم تعد حدثا متوقعا وسيحدث في المستقبل لانها ببساطة تجري الان تحت بصرنا ونشاهد اثارها من شاشات التلفزيون . لقد ابتدات في تموز وزامنتها معارك ضخمة على امتداد العراق ، وهي مستمرة حتى الان ، رغم ان احد اسباب اشعال معارك النجف كان التعتيم عليها ، ففي بغداد نجدها في شارع حيفا والاعظمية والدورة والعامرية وحي الخضراء (الشرطة) والمنطقة الخضراء ومدينة صدام والعامرية وفي مطار صدام الدولي ومطار المثنى والتاجي وغيرها ، ويعبر عن وقوعها حجم العمليات العسكرية الامريكية في بغداد ، حيث تقوم قوات الاحتلال بالاستخدام الواسع النطاق للطائرات المقاتلة والسمتيات والدبابات وتكثيف استخدام القنابل العنقودية ضد المدنيين وتعمد قتل اكبر عدد منهم ، ففي شارع حيفا فقط استشهد 92 عراقي خلال يومين ، ومقابل ذلك تعرضت المنطقة الخضراء ، التي يسيطر الاحتلال عليها فقط من كل بغداد، الى القصف بصواريخ غراد ونزل الى ساحة المعركة بكثافة ملحوظة مؤخرا صاروخ طارق المدمر (في تحية واضحة للمناضل طارق عزيز فك الله اسره) ، واستخدمت قذائف الهاون ولكن باعداد هائلة وغير مسبوقة وصلت المئات كل ساعة فاشعلت حرائق حولت ليل بغداد الى نهار شاهده العالم من شاشات التلفاز ! وفي معركة حيفا التي ما زالت مستمرة زحفت قوات المقاومة باتجاه المنطقة الخضراء واخذت الدبابات الامريكية تهرب بذعر واضح واستخدمت المدفعية الثقيلة لضرب مقر نيغروبونتي بقوة ادخلت الرعب في نفوس قادة الاحتلال ! اما حكومة علاوي فقد اختبئ اركانها في انفاق تحت الارض حفرها الاحتلال موخرا .
كان تكتيك الاحتلال الجديد (والقديم) هو فرض تعتيم شديد جدا على عمليات المقاومة ومنع الفضائيات من تغطيتها واعطاء انطباع بانها تراجعت واخذت تسير باتجاه الانطفاء ، لكن حدة المعارك واتساعها وضخامتها وارتفاع خسائر الطرفين فيها جعل مستحيلا تجاهلها ، خصوصا وان الاعلام الذي يحترم نفسه ويتمسك بحريته في الغرب ، وبالذات هيئة الاذاعة (والتلفاز) البريطانية ، قام ويقوم بتغطية فيها قدر من المعلومات يكفي لتقديم ادلة جديدة على خدمة الفضائيات العربية للصهيونية الامريكية ، لذلك لم يكن ممكنا تجاهل هذه الفضائيات للحرب الدائرة بشراسة في العراق فقدمت بعض المعلومات الناقصة . لقد اختارت المقاومة ان تفجر معركة بغداد في تزامن مخطط مع التصعيد الشامل في كل العراق والذي تجلى في شن هجمات منسقة وكبرى على قوات الاحتلال الاستعماري في البصرة وغيرها من مدن الجنوب مما ادى الى اختباء القوات البريطانية والبولندية والايطالية وغيرها في معسكراتها التي تعرضت لمئات الصواريخ والقذائف ولم يكن امامها من خيار سوى طلب النجدة من القوات الامريكية ، فتصوروا حجم الكارثة التي تتعرض لها امريكا في العراق لانها جلبت تلك القوات لنجدتها وتخفيف الضغط عليها فاصبح الامر معكوسا تماما بعد تحويل ما كان نزهة في جنوب العراق الى جحيم لا يطاق! الان على القوات الامريكية حماية القوات الحليفة وهذا يعني خوض الامريكيين القتال في الجنوب ايضا ، وتلك من اعظم انجازات المقاومة في الشهرين الاخيرين ما دام اهم هدف قتالي تكتيكي لها هو تكبيد الاحتلال اكبر قدر من الخسائر البشرية والمادية مقابل هدف الاحتلال وهو تجنب التعرض لتلك الخسائر ا.
وهم استحالة انضمام الاقليات للثورة المسلحة
بعد محاولات يائسة لتلفيق اكاذيب من قبل الاحتلال والحكومة العميلة لترويج اكذوبة ان المقاومة تتراجع وانها في طريقها للزوال انتقلت حرب التحرير الى منطقة لم تكن تخطر ببال الاحتلال ابدا لا زمانيا ولا مكانيا وهي اقصى شمال العراق : تلعفر . وعنصر المفاجئة بالنسبة للاحتلال ليس المكان فقط بل طبيعة المكان ايضا ، فهذه المدينة الصغيرة تضم تناسبا سكانيا اعتقد العدو انه يخدمه ، فهي تضم تركمان وعرب وليست عربية خالصة، كما ان تركمانها ينقسمون الى سنة وشيعة ، وفي اطار مخطط الاحتلال المعروف القائم على اثارة صراع طائفي وعرقي، من خلال نظام المحاصصة الاستفزازي ، لم يخطر على باله (الاحتلال) ابدا ان تصل ثورة التحرير الى هذه المدينة ، وكان اقسى ما ادركه هو ان تركمان العراق جزء اصيل من المقاومة والثورة المسلحة ضد الاحتلال ، فلقد راهن على استخدامهم ضد وطنهم العراق ونجح في تجنيد عملاء منهم تماما كما جند عربا واكراد ، لكن الصفعة التركمانية الوطنية العراقية كانت من الشدة بحيث افقدته العقل فلجأ لاسلوب ابادة السكان هناك مركزا بشكل خاص على قتل التركمان والتمثيل بجثثهم الطاهرة مستخدما القصف الجوي و صهاينة العراق : البيش مركة الكردية .
ورغم ان انتقال الثورة الى تلعفر هوثمرة قرار القيادة المركزية للثورة العراقية المسلحة بايصالها الى كل شبر في العراق الا ان تلعفر المتحررة ، والتي صارت راس حربة في النضال الوطني التحرري العراقي ، هي رسالة اخرى للعالم تؤكد ان الثورة العراقية متجذرة في نفوس كل العراقيين وانها ليست فورة عاطفية او قرارا فرديا او فئويا او حزبيا فقط بل هي ارادة شعب حر بكافة مكوناته تعرض للاستعباد الاستعماري الامريكي فقرر نسيان خلافاته الداخلية مهما كانت حدتها وطبيعتها، كما يفعل اي شعب حي ، واللجوء للثورة المسلحة، في اطار تحالف وطني عريض ، بصفتها الخيار الوحيد لاي وطني عراقي يريد تحرير وطنه ، لان اي خيار سلمي في مناهضة الاحتلال ليس سوى دعم مباشر له مهما غلف ذلك بتبريرات ايا كانت ، اذا لم يكن الخيارالسلمي احد الطرق الفرعية لدعم النضال المسلح ، وليس بصفته الطريقة الوحيدة لمقاومته .
وما جري في معركة تلعفر امر يؤكد وحدة المقاومة المسلحة ومركزية قيادتها وشمولها العراق كله وفق مخطط عسكري مدروس ودقيق لاستكمال متطلبات المرحلة الرابعة من حرب التحرير الوطنية وابرزها تحرير مدن العراق و تحويلها الى مناطق امنة للثوار، فبعد قيام البيش مركة بجرائم ابادة في تلعفر تسندها القوات الامريكية قامت قوات المقاومة بتدمير الشرطة والجيش العميلين وقبلهما القوة الصهيونية المسماة البيش مركة واجبار قوات الاحتلال الامريكية على الهرب من المدينة بعد تكبيدها خسائر فادحة فاحكمت المقاومة سيطرتها على المدينة . وحينما ارادت قوات الاحتلال استعادة السيطرة على المدينة ، بعد قصف جوي مدمر قضى على حياة عشرات العراقيين وجرح الالاف واعتقدت ان المقاومة قد سحقت، تقدمت ارتال الدبابات الامريكية مسنودة بالبيشمركة والقصف الجوي الشديد ولم تجد مقاومة فاستمرت بالتقدم حتى وصلت نقطة يصعب الانسحاب منها دون التعرض لخسائر بشرية فادحة ، عندها شرعت قوات المقاومة بفتح نيران كثيفة على الارتال الامريكية والصهاينة المرافقين لها فتم قتل عشرات الامريكيين وعشرات البيشمركة واحكمت المقاومة قبضتها على المدينة بعد انسحاب من بقي حيا من قوات الاحتلال والبيش مركة ، وعندها طوقت المدينة من الخارج ومنع الدخول اليها والخروج منها وابتدا قصف جوي ومدفعي شديدين كان الهدف منه هو القتل المجرد للمدنيين ، وهو وضع يتطلب انسحاب المقاومة لتجنب خسارتها افراد ومعدات اكثر مما خططت ، واستعدادها للعودة الى السيطرة على المدينة في اطار عملية غسل دماغ الاحتلال واقناعه بترك هذه المدينة والبقاء خارجها تماما كما حدث في مختلف المدن التي تحررت .
ان اهم دلالات معركة تلعفر هي تاكيدها ان كل مكونات العراق الدينية والاثنية تشارك في الثورة المسلحة وان كل الدعاية وصرف مليارات الدولارات رشاوي من اجل اشعال صراعات عنصرية وطائفية قد فشلت تماما ، فبعد الفشل الذريع في اشعال فتنة طائفية في الجنوب ها هي امريكا الان تلعق جراح الفشل في اشعال فتنة عرقية بواسطة عناصر تركمانية عميلة .
وهم استحالة تشتيت قوة العدو
مع تصعيد معركة بغداد الكبرى تفتح المقاومة جبهات اخرى للحرب وبمستوى كبير جدا يجبر الاحتلال على ارسال قوات كبيرة الى تلك الجبهات القتالية . والمقصود بالجبهة هنا هو تحويل مدينة او منطقة الى ساحة قتال رئيسي مستمر حتى لو توقف لايام او ساعات ووضع كهذا يجبر الاحتلا ل على تخصيص قوات لتلك المنطقة بشكل دائم وبذلك تستقطع هذه القوات من الجسم الكلي للقوات المحتلة ويصبح اصغر واضعف ، وهذا بالضبط هو احد اهم متطلبات انتصار اي ثورة مسلحة تنتقل الى مرحلتها الرابعة ، لان مدن عديدة كانت تجري فيها عمليات منذ وقع الاحتلال لكنها كانت متفرقة وليست مستمرة بنسق قتالي مضبوط او شبه مضبوط. ومن اهم الجبهات الجديدة التي فتحت هي الصقلاوية واللطيفية والزعفرانية والمسيب والحلة (بابل) .
وقد ابتدات المعارك تشتد وتتسع في البصرة والنجف (حينما وقع مقتدى الصدر اتفاقية هدنة استمرت المقاومة الوطنية الاصلية بعملياتها في الجنوب ولم توقفها وتوقف انصاره فقط) وكربلاء والكوفة والعمارة والناصرية. واذا اضفنا هذه المدن التي تحررت مؤخرا ، او التي تسير على درب التحرير ، الى الاخرى التي تحررت قبل شهور ، مثل مدن محافظات الانبار وديالى والموصل وسامراء وبيجي وصلاح الدين وغيرها تتكون لدينا صورة واضحة ومهمة ابرز ما فيها حقيقة اساسية وهي ان قوات الاحتلال تجبر على نشر افرادها ودروعها في مختلف مدن وقرى العراق وبذلك يعد المسرح بصورة انموذجية لتحقيق اقوى واخطر استنزاف للعدو ، وزيادة ازمة نقص الجنود التي يعاني منها بشدة ، ومنعه من حلها عبر اجباره على الاستمرار في نشر القوات وتوسيع نطاق النشر بتحرير المزيد من المدن والمحلات والقرى . ان نشر قوات العدو يعد من اهم مصادر ضعفه وتسهيل وتسريع عملية استنزافه ، ولذلك لا مفر من تاكيد ان المقاومة قد نجحت بشكل هائل في تحقيق واحد من اهم اهدافها الرئيسية الواردة في برنامجها القتالي والسياسي الذي اعلن في ايلول/ سبتمبر الماضي .
وهم استحالة فقأ (عيون) العدو
كان هناك من يروج لفكرة ان للاحتلال عيون متلصصة في كل مكان وانه يرصد كل الناس، وان اغراء الدلار قوي وخطر وقادر على تجنيد العملاء بسهولة ...الخ من هذه الدعايات الامريكية التي ان نجحت الى حد ما في افغانستان فانها واجهت فشلا ذريعا في العراق ، لان المقاومة المعتمدة على تنظيمات البعث المنتشرة في كل مدينة وقرية وحارة ، والتي تضم جهاز مخابرات قوي جدا وفعال ، كانت ومازالت قادرة على متابعة وكشف وتصفية العملاء ، بل اكثر من ذلك عانى الاحتلال من القدرة الفائقة لمخابرات المقاومة على اختراقه وتنفيذ عمليات خطيرة بناء على الحصول على معلومات (بالغة السرية)عن تحركات المسؤولين الامريكيين الذين زاروا العراق وتعرضوا لمحاولات اسرهم او قتلهم ، كما حصل للجنرال جون ابي زيد في الفلوجة او كما حصل لبول ولفووتز نائب وزير الدفاع الامريكي عند قصف غرفته في فندق الرشيد ، واخيرا وليس اخرا تنفيذ واحدة من اخطر واهم العمليات الاستخبارية مؤخرا بوصول مخابرات المقاومة الى داخل القصر الجمهوري المحتل ، والذي يتخذ مقرا لقيادة الاحتلال ، بما في ذلك مقر السي .اي .اية ، فلقد دخلت عناصرها ذلك المقر واحرقت ملفات تخص الرئيس صدام حسين واستولت على وثائق مهمة اخرى من بينها قوائم باسماء العملاء الكبار للمخابرات الامريكية غير المكشوفين في العراق والذين تعد بعضهم لحكم العراق بعد استنفاد الغرض من اياد علاوي وغيره من العملاء المكشوفين !
والتفوق الاستخباري للمقاومة اعترفت به قوات الاحتلال مرارا وعدته من اخطر التحديات التي تواجهها في العراق ، وهكذا تكون العيون ، التي يفترض ان تمتلكها قوات الاحتلال داخل العراق لاستغلالها لكشف المقاومة وتصفيتها ، غير قادرة على الرؤية والتلصص وذلك لوجود مناخ مجاف لها وخطر عليها ومقابل ذلك توجد عيون المخابرات الوطنية العراقية التي تعمل ليل نهار لحماية المقاومة والشعب العراقي من مؤامرات امريكا واسرائيل وبريطانيا .
وهم القضاء على ثورة النجف الاشرف
منذ البداية كانت المقاومة الوطنية تدرك الابعاد الحقيقية لما كان يعد للنجف وفيها ، فلقد كان واضحا ان التعاون بين الحوزة وقوات الاحتلال والعملاء المعروفين مثل الجلبي والجعفري والحكيم كان يقوم على تكتيك تقاسم الادوار بحيث تضمن هذه العناصر السيطرة على العراق ومستقبله من خلال تقديم الدعم المطلق لقوات الاحتلال من جهة واستمرار الولاء لايران من جهة ثانية ، رغم ما قد يبدو من تناقض شكلي بين هذين الهدفين . وكان انشاء ما سمي ب(البيت الشيعي) خطوة امريكية-اسرائيلية مهمة على طريق تفتيت العراق طائفيا . وفي اطار هذا المخطط كان يجب احتواء وتصفية العناصر الوطنية الشيعية التي تشكل قوة حاسمة داخل المقاومة الوطنية المسلحة ، خصوصا في البعث ، والتي نجحت في ايصال المقاومة المسلحة الى الجنوب رغم الحملات الفاشية التي شنت لاغتيال وتصفية كوادر البعث والمقاومة الوطنية هناك ، والتي وصلت حد اغتيال ما بين 40- 50 منضلا يوميا حتى شهر ايار /مايو الماضي ، وهو ما اعترف به مدير معهد الطب العدلي في بغداد .
لذلك وضعت خطة امريكية—ايرانية لجر مقتدى الصدر رغما عنه الى معارك مع قوات الاحتلال لاجل تحقيق هدفين اساسيين ، الاول هو امتصاص نقمة الاغلبية الساحقة من شيعة العراق الرافضة للاحتلال والضاغطة من اجل الالتحاق بالمقاومة الوطنية المسلحة والتي ادانت الموقف الذي تبنته الحوزة والقائم على الاكتفاء بالمقاومة السلمية للاحتلال، وقد نظرشيعة العراق الي هذا الموقف بصفته سياسة تلحق العار بالتاريخ النضالي للشيعة ، لانه يتطابق مع اهم ما طالب ويطالب به الاحتلال هو مقاومته سلميا وعدم اللجوء للسلاح (اليست تلك هي ديمقراطية الاحتلال ؟) ، اما الهدف الثاني فكان تصفية التيار الشيعي الوطني جسديا وسياسيا وحرقه معنويا وبلورة موقف (شيعي) عام متوافق مع الاحتلال وداعم له وضمان القضاء التام على المقاومة المسلحة في الجنوب ، وفي هذا السياق اهتم الجميع بشكل استثنائي بما اعلنته الادارة الامريكية من انها تدعم تيار السيستاني ووصفته ب(الاعتدال) وانها تسعى للتعاون معه من اجل رسم صورة العراق الجديد ! وفي ضوء هذه المعادلة الامريكية – الايرانية اتجهت المقاومة العراقية الى دعم مقتدى الصدر عسكريا وماديا على الاقل لضمان تغلب التيار الشيعي الوطني ولمنع تصفية الثورة المسلحة في الجنوب ، وهذا الموقف مكن المقاومة من انهاء تذبذب تيارات معينة وضمها الى صف الثورة وترسيخ قاعدة استمرار المقاومة المسلحة وانتشارها في كل مدن الجنوب والقضاء على العناصر العميلة لامريكا وايران بنفس الوقت ، او على الاقل اضعافها .
وحينما اجبر تيار الصدر على التراجع والقبول بالهدنة والتخلي عن خيار الكفاح المسلح استمرت المقاومة الوطنية في عملها المسلح ووسعته في الجنوب وامسكت بالوضع هناك بقوة تتزايد يوما بعد اخر ، مقابل انحسار نفوذ الداعين للمقاومة السلمية خصوصا بعد اجتياح قوات الغزو للنجف الاشرف وتدنيس مرقد الامام علي كرم الله وجهه . لقد كانت معركة النجف تستهدف من وجهة نظر امريكا والحوزة ، بالاضافة لما تقدم ، لفت النظر عن بدء معارك التحرير الاعظم والاكبر في مختلف مدن العراق والتعتيم عليها ومنع ذيوع اخبارها والمساعدة على خنقها ، لكن هذا الهدف هو الاخر لم يتحقق لان الثورة المسلحة امتدت بزخم لا يصد لتشمل كل العراق مكتسحة العوائق المصطنعة التي وضعها الاحتلال بالتعاون مع الحوزة ورموز العمالة ، فاسقط وهم ان بالامكان فصل شيعة العراق عن وطنهم وواجبهم الوطني ، وتعزز وتعمق اندفاعهم القتالي بقوة ليخطوا بدمائهم الطاهرة مأثر وطنية جديدة تضاف الى دورهم الوطني في ثورات العراق التحررية ، كثورة العشرين، وفي بناء تنظيمات الحركة الوطنية العراقية خصوصا دور الشيعة المتميز في انشاء (الفرع العراقي) للبعث في نهاية الاربعينيات من القرن الماضي .
وهم تعاون (جنرلات) صدام
بذل الاحتلال ويبذل جهودا تضليلية جبارة لتشويه صورة الجيش العراقي الباسل قبل واثناء وبعد حصول الغزو ، ولكن واقع هذا الجيش العظيم نسف وبدد كل الاكاذيب التي روجت حوله ، مثل اتهامه بعدم القتال وسوء اداءه ولا مبداية ضباطه ، فها هي عروسة كل مقاومات العالم (المقاومة الوطنية العراقية) تزهوا بانتصاراتها على اقوى امبراطورية في التاريخ بفضل ضباط هذا الجيش الذين نهضوا منذ اليوم الاول للغزو الاستعماري للقيام بواجبهم الوطني واستمروا حتى اليوم وهم يقودون التشكيلات الاساسية في المقاومة العراقية مستخدمين خبرتهم العسكرية في تنظيم اعظم واخطر مقاومة ناجحة في التاريخ كله . ومن بين الاشاعات البائسة واليائسة التي روجتها اجهزة الاحتلال عبر الاعلام الامريكي اتهام من اسمتهم (جنرالات صدام الاربعين) بالتعاون مع الاحتلال في مدينة بعقوبة من اجل القضاء على المقاومة المسلحة لقاء مائتي دولار عن كل اجتماع يحضرونه !!! وان هذا التعاون قد ادى الى انخفاض كبير في عمليات المقاومة في بعقوبة المجاهدة ! كيف رد الجيش العراقي على هذه الروايات ؟ لم يكد يمضي يوم واحد على نشر هذا التقرير حتى شهد العالم كله ان مقاومة بعقوبة قد تطورت على نحو مدهش وغير مسبوق ، اذ لم تكتفي المقاومة بمضاعفة عملياتها كميا بل عمدت للقيام بتصفيات جماعية لقوات الاحتلال وللمتعاونين معه وحولت بعقوبة الى جهنم بالنسبة للاحتلال وعملاءه . لقد اكد جنرلات صدام ، مرة اخرى واخرى ، انهم الاخوة الاوفياء لهدلة وانهم كانوا ومازالوا قرة عين العراق وامله في التحرير الكامل من الغزو الاستعماري ، فكل عراقي يراهم يوميا من خلال اعمالهم وانجازاتهم رغم انهم يعملون تحت الارض، فالاسلحة الجديدة وتطويرها وحسن استخدامها وقدرتهم الفائقة وغير المسبوقة في تاريخ الثورات المسلحة على تقليص خسائر المقاومة الى حد مدهش وعدم سماحهم بوقوع المقاتلين في الاسر رغم ان العمليات قد وصل عددها الى اكثر من 300 عملية رئيسية يوميا في مختلف انحاء العراق ، كل ذلك اجبرالعدو يوم السبت 11/9/2004 على الاعتراف بان عدد عمليات المقاومة اليومي قد بلغ مائة عملية ، وحتى اذا قبلنا هذا الرقم فانه يؤكد ان المقاومة العراقية هي الانشط والاقوى في تاريخ الثورات المسلحة المعروفة ، بما في ذلك الثورة الفيتنامية العظيمة .
وهم التقدم النمطي للثورة المسلحة
يخطئ من يظن ان التاكيدعلى ان الثورة المسلحة تتقدم ولا تتراجع يعني انها عند تحرير المدن تمنع العدو كليا من دخولها وان كل شيئ قد استتب للمقاومة ! ان هذا التصور هو تصور ينمط تطور الثورة المسلحة بصورة الية لا خلق فيها، اي يدخلها في قناة مستقيمة ضيقة وخانقة بنفس الوقت ، فما دام العدو يمتلك وسائل التفوق المطلق عسكريا وماديا فمن المستحيل الامساك التام والنهائي بالمدن المحررة وعدم السماح له بدخولها مجددا . اذن ما المقصود بتحرير المدن ؟ ان تحرير مدينة في ظل اختلال موازين القوى لصالح العدو يعني تحديدا منعه من التمتع بامتياز البقاء في المدينة بلا خسائر فادحة لا يستطيع تحملها ، لذلك يضطر للانسحاب منها وقصفها من المحيط او الجو ، ثم يحاول العودة اليها لجس النبض ، فيواجه برد مكلف يجبره على الانسحاب مجددا ، وبتكرار هذه العمليات يقتنع العدو بانه يجب البقاء خارج المدينة ، وعندها تتم شروط اعتبارها مدينة محررة ويعاد تنظيمها بطريقة تخدم عمل المقاومة خصوصا من الناحية الامنية ، دون ان يعني ذلك عدم دخول العدو اليها مجددا ، لانه يستطيع ذلك بفضل تفوقه التام ماديا ، لكنه في هذه الحالة يتعرض لهجمات مكلفة جدا .
في ضوء ما تقدم يتضح ان معنى تحرير المدن في حروب الشعب لا يعني المنع التام للعدو من دخولها بل هو يعني ان المدينة لم تعد مكانا امنا للعدو وان بقاءه فيها سيعرضه لخسائر بشرية ومادية لا يستطيع تحملها لزمن طويل ، ومن ثم اقتناعه بانها اصبحت (منطقة قتل) له ، لذلك يضطر لتركها والخروج منها وتطويقها من الخارج (في الحالة العراقية) ، وقصفها على امل اضعافها ومعاودة محاولة احتلالها . وتنطوي هذه البديهية في حرب الشعب على معنى محدد : ان دخول قوات الاحتلال اللى مدينة محررة بارتال دبابات كثيرة وغطاء جوي لا يعني استعادتها لان تلك القوات ستواجه مقاومة استنزافية مكلفة تعيد قيادة الاحتلال الى المربع الاول ! اي انها ومهما عملت ستضطر للانسحاب مجددا .
ويترتب على هذه الحقيقة ادراك ضروري وهو ان الاحتلال ،ومهما حشد من قوات ، لن يستطيع تغيير الموازنة القتالية على الارض ، لان الارض المحررة صارت زئبقا ساخنا ، وذلك يعني انها كالزئبق في افلاته من اليد وعدم امكانية الامساك به من مكان محدد لانه سيتحول باتجاه اخر غير متوقع ، ويفلت من اليد ، وهي كذلك ، اي الارض المحررة ، ساخنة كالزئبق ، ومن ثم فانها تلتهم وتحرق فجاة من يقف عليها جاهلا طبيعتها . واذا اخذنا بنظر الاعتبار حقيقة اصبحت ثابتة ومعترف بها من قبل الاحتلال وهي ان المقاومة تتقدم باستمرار وتتعاظم وتنتشر افقيا وعموديا ، رغم محاولاته المستميتة لخنقها ، ولم تتراجع منذ الانتقال من الحرب النظامية الى حرب الشعب يوم 9/4/2003 ندرك ان ما يخطط له الاحتلال لن يكون سوى عبث مقرون بالياس ، بل ان اللجوء لخيار القسوة المفرطة سيحول المزيد من العراقيين الى صف المقاومة المسلحة .
ان الثورة تتقدم بلا اي تراجع ، وهي تكتسح اي عقبة يضعها الاحتلال معتمدة على انماط من العمل بالغة المرونة وقادرة على استيعاب كل المفاجات الممكنة التصور او غير المتصورة ، فهي تتقدم حينما ترى ان ذلك يقرب يوم النصر لكنها تتراجع حينما تدرك ان العدو قد حشد قوات قادرة على الحاق اذى خطير بالمقاومة . وهذا التراجع مصمم للحفاظ على كادر وطاقات الثورة وعدم السماح للعدو بفتح جبهة لا تريدها المقاومة .
الخاتمة
بكل فخر يمكن لاي عراقي ان يقول ان يوم التحرير قد اصبح اقرب مما كنا نتصور ، فهاهي الثورة تتقدم وتحرر الارض والعرض والانسان المدافع عن العرض، وهاهو العدو يترنح كالمخمور الذي لم يعد يستطيع الوقوف باستقامة ، وهاهي قيادة الثورة تعزز دورها الريادي والقيادي وتحول المقاومة الى صورة لمستقبل العراق ، ولذلك نرى العدو يلجأ لمحاولة تفتيت المقاومة وشق القوة الضاربة التي تقودها وفبركة اسماء واحزاب لا وجود لها في الواقع ، كل ذلك من اجل تاجيل يوم التحرير ، ولكن هيهات فالمارد انطلق من القمقم ولم يعد بامكان احد ان يعيده اليه .
salahalmukhtar@hotmail.com
شبكة البصرة
الخميس 2 شعبان 1425 / 16 أيلول 2004
شبكة البصرة
صلاح المختار
معارك العراق تتصاعد وتتسع وتزداد خطورة وتعقيدا وتتخذ اليات التطور فيه منحى صعوديا لا يقبل التراجع او الانكفاء ، رغم ان الاحتلال الامريكي يبذل جهودا جبارة لعرقلة تصاعد الثورة العراقية المسلحة ، اذ بعد تحرير اغلب مدن العراق ، مثل كل مدن محافظة ديالى وكل مدن محافطة الانبار والموصل وسامراء وبيجي (وتكريت وكركوك نصف تحرير بسبب تمركز قوات الاحتلال في الاولى ووجود الاحتلال والعناصر العميلة في الثانية) والدور وبلد والتاجي والمشاهدة وبغداد بكل مناطقها باستثناء (المنطقة الخضراء) ، وشملت عملية التحرير مدن المحمودية واليوسفية واللطيفية والمسيب والزعفرانية وبابل (الحلة) ، وبدء عملية تنظيف كربلاء والنجف والكوفة من العملاء وتكثيف العمليات في البصرة والعمارة والناصرية ، بعد تحرير هذه المدن والمحافظات او بدء ذلك، و تتصدر مدينة تلعفر واجهة الاحداث لقيام المقاومة الوطنية العراقية بتحريرها بعمليات بطولية فاجئت الاحتلال ووجهت له ضربات موجعة ، فكان طبيعيا ان تتصدر الاحداث بصفتها اخر المدن التي تم تحريرها .
تلعفر : كيف تأكل الخروف على الطريقة الصينية؟
تاتي معركة تلعفر في سياق الاستخدام المكثف لاحد اهم اساليب حرب الشعب وهو التهام الخروف لقمة بعد لقمة ، لان التهامه مرة واحدة سيؤدي لاختناق من يلتهمه . في تحليله لاليات وقواعد حرب التحرير الشعبية في الصين قال قائدها ماو تسي تونغ ان الثوار يجب ان يدمروا قوات العدو جزء بعد اخر وفق سياسة النفس الطويل ، لان محاولة تدميره مرة واحدة قد يؤدي الى تعريض الثورة المسلحة لخطر الموت اختناقا تماما كما يحدث لمن يحاول التهام الخروف بلقمة واحدة ، لانه كبير الحجم قياسا بحجم الانسان . وكان ماو يحاول تاكيد ان العدو قوي ولا يجوز ان نفكر بدحره بمعركة واحدة بل يجب ان يستدرج لسلسلة معارك كبيرة وصغيرة تقوم كل منها بتدمير جزء من قوته ، وهو وضع يؤدي الى تدمير معنوياته تدريجيا ايضا وهذا الانجاز هو الاهم ، ومع تصاعد العمليات تزداد عملية القضم التدريجي وتؤدي كل واحدة منها الى تقليص حجم الخروف والى انحطاط معنوياته ايضا ، وهكذا يكون الثائر قد هيأ المناخ المناسب لانهاء الخروف كليا بعد التغلب على مشكلة حجمه الكبير
واذا نظرنا لحرب تحرير العراق وجدنا ان المقاومة الوطنية العراقية تطبق هذه القاعدة الذهبية ، لانها ابتدات بمعارك كان الهدف منها هو انهاك الخروف وارباكه وجره الى معارك متعددة ينتف فيها صوفه ثم تقتطع من جسده اجزاء معينة واخيرا يبدء التهام قطع اكبر في كل معركة . والان وبعد عام ونصف على اندلاع الثورة المسلحة نلاحظ ان الخروف الامريكي قد فقد صوفه كله وقطع من جسده واصبح يئن من الالم ويحاول الابتعاد قدر الامكان عن خوض معارك مع المقاومة ، لذلك انشأ جيشا عميلا وشرطة عميلة لتجنب الاستمرارفي قضم لحمه , وتلك كانت اللحظة التي انتقلت فيها المقاومة الى مرحلة تحرير مدن واجبار العدو على دخولها بين فترة واخرى كي يتعرض في كل مرة الى فقدان جزء من لحمه فيصغر حجمه ، وكانت الفلوجة اول المدن التي تحررت وتبعتها الرمادي وبعقوبة ثم كرت السبحة واصبحنا الان نعرف ان اغلب مدن العراق قد تحررت ، وان كل عملية تحرير كانت عبارة عن قضم لقمة كبيرة او صغيرة من جسد الاحتلال حتى وصلت المقاومة الى حد اقناع كل فرد عراقي ان العدو الكبير الحجم اصبح اصغر واضعف وانكشفت عيوبه ونقاط ضعفه التي كان يخفيها .
ماذا ترتب على ذلك ؟ لقد انقلبت الاية فبدل شعور المقاوم وكل عراقي (ان العدو قوي ولا يقهر) اصبح العدو ذاته متيقنا ان المقاومة قوة لا تقهر ، وهو ما اعترف به كبار المسؤولين الامريكيين ، وتلك هي البداية الحتمية للنصر ، كما تجلت في معركة تلعفر التي هرب فيها الاحتلال ولجأ الى القصف الجوي والصاروخي بدل الاشتباك الجبهي ، اي القتال بين جنود ومقاومين ، بعد ان اوقع في فخ مميت خسر فيه 215 جنديا وضابطا قتلوا في تلعفر فقط وثمانية طائرات مروحية !
حيفا : كيف تعد المسكوف على الطريقة العراقية ؟
بعد ان يدرك الخروف انه يتعرض لالتهام قاتل وتدريجي يبدا خوفه بالتحول الى رعب يفقده عقله بادراكه ان المقاومة العراقية تعده ليشوى كالمسكوف ، والمسكوف هو الاكلة العراقية السمكية الفريدة في طريقة طبخها حيث يتم الشواء على نار شديدة ولكن من بعد ، اي ان السمكة تتعرض لسخونة النار وليس النار ذاتها بفعل هبات الريح التي تنقل السخونة اليها لذلك يصبح طعمها فريدا ، وهذه الفرادة هي التي جعلت الرئيس الفرنسي جاك شيراك يصاب ب(جنون المسكوف) حينما زار العراق بدعوة من الرئيس صدام حسين! كيف ذلك ؟ لتجنب التهامه قطعة قطعة لجا الاحتلال الى محاولة حماية جنوده بارسال الدبابات واوقف ارسال الدرعات اولا ، كما كان يفعل حتى نيسان الماضي ، فالدبابات تتقدم وبعد ان (تدمر) قسما من المقاومين تتقدم المدرعات التي تحمل الجنود كي يقاتل هؤلاء وتمسك المواقع المطلوب الامساك بها .
ومع هذا الاستخدام المكثف للدبابات تقوم الطائرات المقاتلة والسمتيات باسناد القطعات الارضية بقصف شديد جدا . لكن المقاومة التي تدرك جيدا انها يجب ان تتجنب تعريض نفسها للابادة تناور وتداور ، وهي تواجه دبابات متطورة ، فتقوم مجموعات منها بضمان تدمير الافراد والمدرعات القريبة لجعل الدبابة دون حماية بشرية خارجية ، وعندها تنطلق عملية اعداد المسكوف بالمناورة حول الدبابة والوصول الى مناطق الضعف فيها وضربها هناك فتحترق وتبدا عملية شواء من فيها لان من يحاول الخروج سيقتل فورا برصاص المقاومين او قناصتهم . كما تستخدم المقاومة قنابل حارقة ترميها على الدبابات عن قرب فتشتعل النار فوق بدن الدبابة وتدريجيا ترتفع الحرارة في الداخل ويأخذ المسكوف بالتعرض لحرارة الدبابة التي تسخن من الخارج ، وهذا الشواء يختلف عن شواء (الباربكيو) ، والباربكيو هي طريقة اعدادالاكل المفضلة لدى الامريكيين في (الويك اند) حيث يشوون الدجاج والصوصج ولحم الضلع في الحديقة او البارك على منقلة تعرض اللحم للنار مباشرة !
بين التهام الخروف الامريكي على الطريقة الصينية وشواءه على الطريقة العراقية في اعداد المسكوف يجد القادة العسكريون الامريكيون في العراق انفسهم في ورطة لا امل في الخروج الامن منها ابدا ! وحينما ارادوا استخدام عملاء من العراق وجدوا ان العميل لا يقاتل وان فعل مات مقتولا قبل ان يكتشف ان رصاصة مقاوم تاتيه من اي مكان ، وهكذا تجبر القوات الامريكية على الاختيار فقط بين الطريقة الصينية والطريقة العراقية في الشواء والاكل . في شارع حيفا وفي الرمادي والفلوجة وبعقوبة والموصل وعشرات المدن الاخرى راينا، وراى العالم كله، عروضا احترافية لاعداد الخرفان الامريكية المصدرة من مزارع تكساس ، او السمك الامريكي المصدر من نهر التوماهوك الى عراق لا يوجد شعب في العالم يتقن افضل منه صنع القوزي (الخروف المشوي) والمسكوف ، كل ضيوفنا يشهدون على ذلك ايام كان ياتينا الالاف لحضورمهرجانات المربد و بابل والموسيقى ومسابقات القران الكريم وغيرها ، فيصابون بالتخمة وهم يرددون : لم نتناول اطيب من هذا الطعام ! هؤلاء ، وفي مقدمتهم شيراك ، لا يتذكرون القوزي ولا المسكوف الان وشعب العراق يواجه محنة الغزو الصهيوامريكي ، بل يتسابقون، مخمورين بعقار ال(ل.س.دي) ، لالتهام قطع (كنتاكي فراي جكن) ودهنها يسيل على ربطات اعناقهم ! او على عمائمهم المستلقية في احضانهم لتسهيل التهام الطبخة الامريكية !
اسقاط اوهام مخمورين
ان معارك العراق التي وصلت ذروة تاريخية يوم الاحد (12/9/2004 ) تسقط مرة اخرى واخرى اوهام وافتراضات وتمنيات اطلقها اناس مخمورين ارادوا استبدال الواقع العراقي بسلسلة تمنيات واكاذيب حول ما يجري في العراق لكن المقاومة المسلحة ، وليس المخمورين ، هي التي تحسم الاوضاع وتقرر المسارات ، ففي يوم واحد فقط خسرت القوات الامريكية 437 جنديا وضابطا قتلوا في المعارك الشاملة التي تصاعدت في مختلف انحاء العراق بالتزامن مع قصف النجف ، وهذا الرقم هو الحد الادنى لخسائر امريكا فيما اطلق عليه الاعلام تسمية يوم (الاحد الدامي) ، فقط دققوا ارقام الخسائر الامريكية التي نشرتها وكالات الانباء الاجنبية، واعادت نشرها مواقع انترنيت مثل البصرة ودورية العراق ، واجمعوها، ستجدون ان الرقم الذي ذكرناه هو الحد الادنى وذلك لعدم تضمين الخسائر الامريكية في مدن عديدة وحتى اذا قيل انه رقم مبالغ فيه دعونا نقسمه ومع ذلك ستبقى خسائر امريكا كارثية لان 200 قتيل في يوم واحد كارثة حقيقية بالنسبة لامريكا حتى لو كان القسم الاكبر منهم من المرتزقة الذين لا يحسبون ضمن قتلاها . ان ما جرى ويجري في العراق منذ الاتفاق بين مقتدى الصدر وقوات الاحتلال يشكل تطورا بالغ الاهمية في مجرى تصاعد الثورة العراقية المسلحة ، اذ لم يسبق ان خسر الاميركيون في يوم واحد هذا العدد من القتلى منذ بدء غزو العراق ، واذا اضفنا رقم الحد الادنى لخسائر امريكا في الاسلحة تتضح صورة كارثة امريكا في العراق بشكل افضل، فلقد تم اسقاط وتدمير41 سمتية (في قاعدة الحبانية فقط دمرت 15 سمتية) من مختلف الانواع بما في ذلك شينوك الحاملة للجنود ، ودمرت او احرقت 43 دبابة و62 مدرعة ، وفي كل تلك الحالات كان الجنود والضباط الاميركيون يموتون شويا كما في الباربكيو ، اذا اردنا اعتماد (الطريقة الامريكية ) في الشواء ، او يتحولون الى قوزي يشوى في تنور مغلق، او مسكوف اذا اخذنا الطريقة العراقية في الشواء ، حيث تاتي فيها الى السمكة ريح ساخنة تطبخها على نار هادئة ! هذه المعارك الضخمة والشرسة على امتداد العراق ماذا تعني ؟ ما هي اهم الاوهام التي اسقطتها ؟
وهم معركة بغداد الكبرى
من بين اهم ما اسقطته المقاومة وهم يقول بان العالم ينتظر حصول (معركة بغداد الكبرى) فلقد استغل الكثير من الطفيليين ما اعلنه احد قادة المقاومة قبل مسرحية ( تسليم السلطة ) لعراقيين من ان التسليم هذا سيشهد وقوع (معركة بغداد الكبرى) ، وبسرعة بادر بعض المشبوهين بالكتابة عن هذه المعركة وكانه عارف بها وعلى صلة بالمقاومة لخداع البسطاء ! ان معركة بغداد الكبرى لم تعد حدثا متوقعا وسيحدث في المستقبل لانها ببساطة تجري الان تحت بصرنا ونشاهد اثارها من شاشات التلفزيون . لقد ابتدات في تموز وزامنتها معارك ضخمة على امتداد العراق ، وهي مستمرة حتى الان ، رغم ان احد اسباب اشعال معارك النجف كان التعتيم عليها ، ففي بغداد نجدها في شارع حيفا والاعظمية والدورة والعامرية وحي الخضراء (الشرطة) والمنطقة الخضراء ومدينة صدام والعامرية وفي مطار صدام الدولي ومطار المثنى والتاجي وغيرها ، ويعبر عن وقوعها حجم العمليات العسكرية الامريكية في بغداد ، حيث تقوم قوات الاحتلال بالاستخدام الواسع النطاق للطائرات المقاتلة والسمتيات والدبابات وتكثيف استخدام القنابل العنقودية ضد المدنيين وتعمد قتل اكبر عدد منهم ، ففي شارع حيفا فقط استشهد 92 عراقي خلال يومين ، ومقابل ذلك تعرضت المنطقة الخضراء ، التي يسيطر الاحتلال عليها فقط من كل بغداد، الى القصف بصواريخ غراد ونزل الى ساحة المعركة بكثافة ملحوظة مؤخرا صاروخ طارق المدمر (في تحية واضحة للمناضل طارق عزيز فك الله اسره) ، واستخدمت قذائف الهاون ولكن باعداد هائلة وغير مسبوقة وصلت المئات كل ساعة فاشعلت حرائق حولت ليل بغداد الى نهار شاهده العالم من شاشات التلفاز ! وفي معركة حيفا التي ما زالت مستمرة زحفت قوات المقاومة باتجاه المنطقة الخضراء واخذت الدبابات الامريكية تهرب بذعر واضح واستخدمت المدفعية الثقيلة لضرب مقر نيغروبونتي بقوة ادخلت الرعب في نفوس قادة الاحتلال ! اما حكومة علاوي فقد اختبئ اركانها في انفاق تحت الارض حفرها الاحتلال موخرا .
كان تكتيك الاحتلال الجديد (والقديم) هو فرض تعتيم شديد جدا على عمليات المقاومة ومنع الفضائيات من تغطيتها واعطاء انطباع بانها تراجعت واخذت تسير باتجاه الانطفاء ، لكن حدة المعارك واتساعها وضخامتها وارتفاع خسائر الطرفين فيها جعل مستحيلا تجاهلها ، خصوصا وان الاعلام الذي يحترم نفسه ويتمسك بحريته في الغرب ، وبالذات هيئة الاذاعة (والتلفاز) البريطانية ، قام ويقوم بتغطية فيها قدر من المعلومات يكفي لتقديم ادلة جديدة على خدمة الفضائيات العربية للصهيونية الامريكية ، لذلك لم يكن ممكنا تجاهل هذه الفضائيات للحرب الدائرة بشراسة في العراق فقدمت بعض المعلومات الناقصة . لقد اختارت المقاومة ان تفجر معركة بغداد في تزامن مخطط مع التصعيد الشامل في كل العراق والذي تجلى في شن هجمات منسقة وكبرى على قوات الاحتلال الاستعماري في البصرة وغيرها من مدن الجنوب مما ادى الى اختباء القوات البريطانية والبولندية والايطالية وغيرها في معسكراتها التي تعرضت لمئات الصواريخ والقذائف ولم يكن امامها من خيار سوى طلب النجدة من القوات الامريكية ، فتصوروا حجم الكارثة التي تتعرض لها امريكا في العراق لانها جلبت تلك القوات لنجدتها وتخفيف الضغط عليها فاصبح الامر معكوسا تماما بعد تحويل ما كان نزهة في جنوب العراق الى جحيم لا يطاق! الان على القوات الامريكية حماية القوات الحليفة وهذا يعني خوض الامريكيين القتال في الجنوب ايضا ، وتلك من اعظم انجازات المقاومة في الشهرين الاخيرين ما دام اهم هدف قتالي تكتيكي لها هو تكبيد الاحتلال اكبر قدر من الخسائر البشرية والمادية مقابل هدف الاحتلال وهو تجنب التعرض لتلك الخسائر ا.
وهم استحالة انضمام الاقليات للثورة المسلحة
بعد محاولات يائسة لتلفيق اكاذيب من قبل الاحتلال والحكومة العميلة لترويج اكذوبة ان المقاومة تتراجع وانها في طريقها للزوال انتقلت حرب التحرير الى منطقة لم تكن تخطر ببال الاحتلال ابدا لا زمانيا ولا مكانيا وهي اقصى شمال العراق : تلعفر . وعنصر المفاجئة بالنسبة للاحتلال ليس المكان فقط بل طبيعة المكان ايضا ، فهذه المدينة الصغيرة تضم تناسبا سكانيا اعتقد العدو انه يخدمه ، فهي تضم تركمان وعرب وليست عربية خالصة، كما ان تركمانها ينقسمون الى سنة وشيعة ، وفي اطار مخطط الاحتلال المعروف القائم على اثارة صراع طائفي وعرقي، من خلال نظام المحاصصة الاستفزازي ، لم يخطر على باله (الاحتلال) ابدا ان تصل ثورة التحرير الى هذه المدينة ، وكان اقسى ما ادركه هو ان تركمان العراق جزء اصيل من المقاومة والثورة المسلحة ضد الاحتلال ، فلقد راهن على استخدامهم ضد وطنهم العراق ونجح في تجنيد عملاء منهم تماما كما جند عربا واكراد ، لكن الصفعة التركمانية الوطنية العراقية كانت من الشدة بحيث افقدته العقل فلجأ لاسلوب ابادة السكان هناك مركزا بشكل خاص على قتل التركمان والتمثيل بجثثهم الطاهرة مستخدما القصف الجوي و صهاينة العراق : البيش مركة الكردية .
ورغم ان انتقال الثورة الى تلعفر هوثمرة قرار القيادة المركزية للثورة العراقية المسلحة بايصالها الى كل شبر في العراق الا ان تلعفر المتحررة ، والتي صارت راس حربة في النضال الوطني التحرري العراقي ، هي رسالة اخرى للعالم تؤكد ان الثورة العراقية متجذرة في نفوس كل العراقيين وانها ليست فورة عاطفية او قرارا فرديا او فئويا او حزبيا فقط بل هي ارادة شعب حر بكافة مكوناته تعرض للاستعباد الاستعماري الامريكي فقرر نسيان خلافاته الداخلية مهما كانت حدتها وطبيعتها، كما يفعل اي شعب حي ، واللجوء للثورة المسلحة، في اطار تحالف وطني عريض ، بصفتها الخيار الوحيد لاي وطني عراقي يريد تحرير وطنه ، لان اي خيار سلمي في مناهضة الاحتلال ليس سوى دعم مباشر له مهما غلف ذلك بتبريرات ايا كانت ، اذا لم يكن الخيارالسلمي احد الطرق الفرعية لدعم النضال المسلح ، وليس بصفته الطريقة الوحيدة لمقاومته .
وما جري في معركة تلعفر امر يؤكد وحدة المقاومة المسلحة ومركزية قيادتها وشمولها العراق كله وفق مخطط عسكري مدروس ودقيق لاستكمال متطلبات المرحلة الرابعة من حرب التحرير الوطنية وابرزها تحرير مدن العراق و تحويلها الى مناطق امنة للثوار، فبعد قيام البيش مركة بجرائم ابادة في تلعفر تسندها القوات الامريكية قامت قوات المقاومة بتدمير الشرطة والجيش العميلين وقبلهما القوة الصهيونية المسماة البيش مركة واجبار قوات الاحتلال الامريكية على الهرب من المدينة بعد تكبيدها خسائر فادحة فاحكمت المقاومة سيطرتها على المدينة . وحينما ارادت قوات الاحتلال استعادة السيطرة على المدينة ، بعد قصف جوي مدمر قضى على حياة عشرات العراقيين وجرح الالاف واعتقدت ان المقاومة قد سحقت، تقدمت ارتال الدبابات الامريكية مسنودة بالبيشمركة والقصف الجوي الشديد ولم تجد مقاومة فاستمرت بالتقدم حتى وصلت نقطة يصعب الانسحاب منها دون التعرض لخسائر بشرية فادحة ، عندها شرعت قوات المقاومة بفتح نيران كثيفة على الارتال الامريكية والصهاينة المرافقين لها فتم قتل عشرات الامريكيين وعشرات البيشمركة واحكمت المقاومة قبضتها على المدينة بعد انسحاب من بقي حيا من قوات الاحتلال والبيش مركة ، وعندها طوقت المدينة من الخارج ومنع الدخول اليها والخروج منها وابتدا قصف جوي ومدفعي شديدين كان الهدف منه هو القتل المجرد للمدنيين ، وهو وضع يتطلب انسحاب المقاومة لتجنب خسارتها افراد ومعدات اكثر مما خططت ، واستعدادها للعودة الى السيطرة على المدينة في اطار عملية غسل دماغ الاحتلال واقناعه بترك هذه المدينة والبقاء خارجها تماما كما حدث في مختلف المدن التي تحررت .
ان اهم دلالات معركة تلعفر هي تاكيدها ان كل مكونات العراق الدينية والاثنية تشارك في الثورة المسلحة وان كل الدعاية وصرف مليارات الدولارات رشاوي من اجل اشعال صراعات عنصرية وطائفية قد فشلت تماما ، فبعد الفشل الذريع في اشعال فتنة طائفية في الجنوب ها هي امريكا الان تلعق جراح الفشل في اشعال فتنة عرقية بواسطة عناصر تركمانية عميلة .
وهم استحالة تشتيت قوة العدو
مع تصعيد معركة بغداد الكبرى تفتح المقاومة جبهات اخرى للحرب وبمستوى كبير جدا يجبر الاحتلال على ارسال قوات كبيرة الى تلك الجبهات القتالية . والمقصود بالجبهة هنا هو تحويل مدينة او منطقة الى ساحة قتال رئيسي مستمر حتى لو توقف لايام او ساعات ووضع كهذا يجبر الاحتلا ل على تخصيص قوات لتلك المنطقة بشكل دائم وبذلك تستقطع هذه القوات من الجسم الكلي للقوات المحتلة ويصبح اصغر واضعف ، وهذا بالضبط هو احد اهم متطلبات انتصار اي ثورة مسلحة تنتقل الى مرحلتها الرابعة ، لان مدن عديدة كانت تجري فيها عمليات منذ وقع الاحتلال لكنها كانت متفرقة وليست مستمرة بنسق قتالي مضبوط او شبه مضبوط. ومن اهم الجبهات الجديدة التي فتحت هي الصقلاوية واللطيفية والزعفرانية والمسيب والحلة (بابل) .
وقد ابتدات المعارك تشتد وتتسع في البصرة والنجف (حينما وقع مقتدى الصدر اتفاقية هدنة استمرت المقاومة الوطنية الاصلية بعملياتها في الجنوب ولم توقفها وتوقف انصاره فقط) وكربلاء والكوفة والعمارة والناصرية. واذا اضفنا هذه المدن التي تحررت مؤخرا ، او التي تسير على درب التحرير ، الى الاخرى التي تحررت قبل شهور ، مثل مدن محافظات الانبار وديالى والموصل وسامراء وبيجي وصلاح الدين وغيرها تتكون لدينا صورة واضحة ومهمة ابرز ما فيها حقيقة اساسية وهي ان قوات الاحتلال تجبر على نشر افرادها ودروعها في مختلف مدن وقرى العراق وبذلك يعد المسرح بصورة انموذجية لتحقيق اقوى واخطر استنزاف للعدو ، وزيادة ازمة نقص الجنود التي يعاني منها بشدة ، ومنعه من حلها عبر اجباره على الاستمرار في نشر القوات وتوسيع نطاق النشر بتحرير المزيد من المدن والمحلات والقرى . ان نشر قوات العدو يعد من اهم مصادر ضعفه وتسهيل وتسريع عملية استنزافه ، ولذلك لا مفر من تاكيد ان المقاومة قد نجحت بشكل هائل في تحقيق واحد من اهم اهدافها الرئيسية الواردة في برنامجها القتالي والسياسي الذي اعلن في ايلول/ سبتمبر الماضي .
وهم استحالة فقأ (عيون) العدو
كان هناك من يروج لفكرة ان للاحتلال عيون متلصصة في كل مكان وانه يرصد كل الناس، وان اغراء الدلار قوي وخطر وقادر على تجنيد العملاء بسهولة ...الخ من هذه الدعايات الامريكية التي ان نجحت الى حد ما في افغانستان فانها واجهت فشلا ذريعا في العراق ، لان المقاومة المعتمدة على تنظيمات البعث المنتشرة في كل مدينة وقرية وحارة ، والتي تضم جهاز مخابرات قوي جدا وفعال ، كانت ومازالت قادرة على متابعة وكشف وتصفية العملاء ، بل اكثر من ذلك عانى الاحتلال من القدرة الفائقة لمخابرات المقاومة على اختراقه وتنفيذ عمليات خطيرة بناء على الحصول على معلومات (بالغة السرية)عن تحركات المسؤولين الامريكيين الذين زاروا العراق وتعرضوا لمحاولات اسرهم او قتلهم ، كما حصل للجنرال جون ابي زيد في الفلوجة او كما حصل لبول ولفووتز نائب وزير الدفاع الامريكي عند قصف غرفته في فندق الرشيد ، واخيرا وليس اخرا تنفيذ واحدة من اخطر واهم العمليات الاستخبارية مؤخرا بوصول مخابرات المقاومة الى داخل القصر الجمهوري المحتل ، والذي يتخذ مقرا لقيادة الاحتلال ، بما في ذلك مقر السي .اي .اية ، فلقد دخلت عناصرها ذلك المقر واحرقت ملفات تخص الرئيس صدام حسين واستولت على وثائق مهمة اخرى من بينها قوائم باسماء العملاء الكبار للمخابرات الامريكية غير المكشوفين في العراق والذين تعد بعضهم لحكم العراق بعد استنفاد الغرض من اياد علاوي وغيره من العملاء المكشوفين !
والتفوق الاستخباري للمقاومة اعترفت به قوات الاحتلال مرارا وعدته من اخطر التحديات التي تواجهها في العراق ، وهكذا تكون العيون ، التي يفترض ان تمتلكها قوات الاحتلال داخل العراق لاستغلالها لكشف المقاومة وتصفيتها ، غير قادرة على الرؤية والتلصص وذلك لوجود مناخ مجاف لها وخطر عليها ومقابل ذلك توجد عيون المخابرات الوطنية العراقية التي تعمل ليل نهار لحماية المقاومة والشعب العراقي من مؤامرات امريكا واسرائيل وبريطانيا .
وهم القضاء على ثورة النجف الاشرف
منذ البداية كانت المقاومة الوطنية تدرك الابعاد الحقيقية لما كان يعد للنجف وفيها ، فلقد كان واضحا ان التعاون بين الحوزة وقوات الاحتلال والعملاء المعروفين مثل الجلبي والجعفري والحكيم كان يقوم على تكتيك تقاسم الادوار بحيث تضمن هذه العناصر السيطرة على العراق ومستقبله من خلال تقديم الدعم المطلق لقوات الاحتلال من جهة واستمرار الولاء لايران من جهة ثانية ، رغم ما قد يبدو من تناقض شكلي بين هذين الهدفين . وكان انشاء ما سمي ب(البيت الشيعي) خطوة امريكية-اسرائيلية مهمة على طريق تفتيت العراق طائفيا . وفي اطار هذا المخطط كان يجب احتواء وتصفية العناصر الوطنية الشيعية التي تشكل قوة حاسمة داخل المقاومة الوطنية المسلحة ، خصوصا في البعث ، والتي نجحت في ايصال المقاومة المسلحة الى الجنوب رغم الحملات الفاشية التي شنت لاغتيال وتصفية كوادر البعث والمقاومة الوطنية هناك ، والتي وصلت حد اغتيال ما بين 40- 50 منضلا يوميا حتى شهر ايار /مايو الماضي ، وهو ما اعترف به مدير معهد الطب العدلي في بغداد .
لذلك وضعت خطة امريكية—ايرانية لجر مقتدى الصدر رغما عنه الى معارك مع قوات الاحتلال لاجل تحقيق هدفين اساسيين ، الاول هو امتصاص نقمة الاغلبية الساحقة من شيعة العراق الرافضة للاحتلال والضاغطة من اجل الالتحاق بالمقاومة الوطنية المسلحة والتي ادانت الموقف الذي تبنته الحوزة والقائم على الاكتفاء بالمقاومة السلمية للاحتلال، وقد نظرشيعة العراق الي هذا الموقف بصفته سياسة تلحق العار بالتاريخ النضالي للشيعة ، لانه يتطابق مع اهم ما طالب ويطالب به الاحتلال هو مقاومته سلميا وعدم اللجوء للسلاح (اليست تلك هي ديمقراطية الاحتلال ؟) ، اما الهدف الثاني فكان تصفية التيار الشيعي الوطني جسديا وسياسيا وحرقه معنويا وبلورة موقف (شيعي) عام متوافق مع الاحتلال وداعم له وضمان القضاء التام على المقاومة المسلحة في الجنوب ، وفي هذا السياق اهتم الجميع بشكل استثنائي بما اعلنته الادارة الامريكية من انها تدعم تيار السيستاني ووصفته ب(الاعتدال) وانها تسعى للتعاون معه من اجل رسم صورة العراق الجديد ! وفي ضوء هذه المعادلة الامريكية – الايرانية اتجهت المقاومة العراقية الى دعم مقتدى الصدر عسكريا وماديا على الاقل لضمان تغلب التيار الشيعي الوطني ولمنع تصفية الثورة المسلحة في الجنوب ، وهذا الموقف مكن المقاومة من انهاء تذبذب تيارات معينة وضمها الى صف الثورة وترسيخ قاعدة استمرار المقاومة المسلحة وانتشارها في كل مدن الجنوب والقضاء على العناصر العميلة لامريكا وايران بنفس الوقت ، او على الاقل اضعافها .
وحينما اجبر تيار الصدر على التراجع والقبول بالهدنة والتخلي عن خيار الكفاح المسلح استمرت المقاومة الوطنية في عملها المسلح ووسعته في الجنوب وامسكت بالوضع هناك بقوة تتزايد يوما بعد اخر ، مقابل انحسار نفوذ الداعين للمقاومة السلمية خصوصا بعد اجتياح قوات الغزو للنجف الاشرف وتدنيس مرقد الامام علي كرم الله وجهه . لقد كانت معركة النجف تستهدف من وجهة نظر امريكا والحوزة ، بالاضافة لما تقدم ، لفت النظر عن بدء معارك التحرير الاعظم والاكبر في مختلف مدن العراق والتعتيم عليها ومنع ذيوع اخبارها والمساعدة على خنقها ، لكن هذا الهدف هو الاخر لم يتحقق لان الثورة المسلحة امتدت بزخم لا يصد لتشمل كل العراق مكتسحة العوائق المصطنعة التي وضعها الاحتلال بالتعاون مع الحوزة ورموز العمالة ، فاسقط وهم ان بالامكان فصل شيعة العراق عن وطنهم وواجبهم الوطني ، وتعزز وتعمق اندفاعهم القتالي بقوة ليخطوا بدمائهم الطاهرة مأثر وطنية جديدة تضاف الى دورهم الوطني في ثورات العراق التحررية ، كثورة العشرين، وفي بناء تنظيمات الحركة الوطنية العراقية خصوصا دور الشيعة المتميز في انشاء (الفرع العراقي) للبعث في نهاية الاربعينيات من القرن الماضي .
وهم تعاون (جنرلات) صدام
بذل الاحتلال ويبذل جهودا تضليلية جبارة لتشويه صورة الجيش العراقي الباسل قبل واثناء وبعد حصول الغزو ، ولكن واقع هذا الجيش العظيم نسف وبدد كل الاكاذيب التي روجت حوله ، مثل اتهامه بعدم القتال وسوء اداءه ولا مبداية ضباطه ، فها هي عروسة كل مقاومات العالم (المقاومة الوطنية العراقية) تزهوا بانتصاراتها على اقوى امبراطورية في التاريخ بفضل ضباط هذا الجيش الذين نهضوا منذ اليوم الاول للغزو الاستعماري للقيام بواجبهم الوطني واستمروا حتى اليوم وهم يقودون التشكيلات الاساسية في المقاومة العراقية مستخدمين خبرتهم العسكرية في تنظيم اعظم واخطر مقاومة ناجحة في التاريخ كله . ومن بين الاشاعات البائسة واليائسة التي روجتها اجهزة الاحتلال عبر الاعلام الامريكي اتهام من اسمتهم (جنرالات صدام الاربعين) بالتعاون مع الاحتلال في مدينة بعقوبة من اجل القضاء على المقاومة المسلحة لقاء مائتي دولار عن كل اجتماع يحضرونه !!! وان هذا التعاون قد ادى الى انخفاض كبير في عمليات المقاومة في بعقوبة المجاهدة ! كيف رد الجيش العراقي على هذه الروايات ؟ لم يكد يمضي يوم واحد على نشر هذا التقرير حتى شهد العالم كله ان مقاومة بعقوبة قد تطورت على نحو مدهش وغير مسبوق ، اذ لم تكتفي المقاومة بمضاعفة عملياتها كميا بل عمدت للقيام بتصفيات جماعية لقوات الاحتلال وللمتعاونين معه وحولت بعقوبة الى جهنم بالنسبة للاحتلال وعملاءه . لقد اكد جنرلات صدام ، مرة اخرى واخرى ، انهم الاخوة الاوفياء لهدلة وانهم كانوا ومازالوا قرة عين العراق وامله في التحرير الكامل من الغزو الاستعماري ، فكل عراقي يراهم يوميا من خلال اعمالهم وانجازاتهم رغم انهم يعملون تحت الارض، فالاسلحة الجديدة وتطويرها وحسن استخدامها وقدرتهم الفائقة وغير المسبوقة في تاريخ الثورات المسلحة على تقليص خسائر المقاومة الى حد مدهش وعدم سماحهم بوقوع المقاتلين في الاسر رغم ان العمليات قد وصل عددها الى اكثر من 300 عملية رئيسية يوميا في مختلف انحاء العراق ، كل ذلك اجبرالعدو يوم السبت 11/9/2004 على الاعتراف بان عدد عمليات المقاومة اليومي قد بلغ مائة عملية ، وحتى اذا قبلنا هذا الرقم فانه يؤكد ان المقاومة العراقية هي الانشط والاقوى في تاريخ الثورات المسلحة المعروفة ، بما في ذلك الثورة الفيتنامية العظيمة .
وهم التقدم النمطي للثورة المسلحة
يخطئ من يظن ان التاكيدعلى ان الثورة المسلحة تتقدم ولا تتراجع يعني انها عند تحرير المدن تمنع العدو كليا من دخولها وان كل شيئ قد استتب للمقاومة ! ان هذا التصور هو تصور ينمط تطور الثورة المسلحة بصورة الية لا خلق فيها، اي يدخلها في قناة مستقيمة ضيقة وخانقة بنفس الوقت ، فما دام العدو يمتلك وسائل التفوق المطلق عسكريا وماديا فمن المستحيل الامساك التام والنهائي بالمدن المحررة وعدم السماح له بدخولها مجددا . اذن ما المقصود بتحرير المدن ؟ ان تحرير مدينة في ظل اختلال موازين القوى لصالح العدو يعني تحديدا منعه من التمتع بامتياز البقاء في المدينة بلا خسائر فادحة لا يستطيع تحملها ، لذلك يضطر للانسحاب منها وقصفها من المحيط او الجو ، ثم يحاول العودة اليها لجس النبض ، فيواجه برد مكلف يجبره على الانسحاب مجددا ، وبتكرار هذه العمليات يقتنع العدو بانه يجب البقاء خارج المدينة ، وعندها تتم شروط اعتبارها مدينة محررة ويعاد تنظيمها بطريقة تخدم عمل المقاومة خصوصا من الناحية الامنية ، دون ان يعني ذلك عدم دخول العدو اليها مجددا ، لانه يستطيع ذلك بفضل تفوقه التام ماديا ، لكنه في هذه الحالة يتعرض لهجمات مكلفة جدا .
في ضوء ما تقدم يتضح ان معنى تحرير المدن في حروب الشعب لا يعني المنع التام للعدو من دخولها بل هو يعني ان المدينة لم تعد مكانا امنا للعدو وان بقاءه فيها سيعرضه لخسائر بشرية ومادية لا يستطيع تحملها لزمن طويل ، ومن ثم اقتناعه بانها اصبحت (منطقة قتل) له ، لذلك يضطر لتركها والخروج منها وتطويقها من الخارج (في الحالة العراقية) ، وقصفها على امل اضعافها ومعاودة محاولة احتلالها . وتنطوي هذه البديهية في حرب الشعب على معنى محدد : ان دخول قوات الاحتلال اللى مدينة محررة بارتال دبابات كثيرة وغطاء جوي لا يعني استعادتها لان تلك القوات ستواجه مقاومة استنزافية مكلفة تعيد قيادة الاحتلال الى المربع الاول ! اي انها ومهما عملت ستضطر للانسحاب مجددا .
ويترتب على هذه الحقيقة ادراك ضروري وهو ان الاحتلال ،ومهما حشد من قوات ، لن يستطيع تغيير الموازنة القتالية على الارض ، لان الارض المحررة صارت زئبقا ساخنا ، وذلك يعني انها كالزئبق في افلاته من اليد وعدم امكانية الامساك به من مكان محدد لانه سيتحول باتجاه اخر غير متوقع ، ويفلت من اليد ، وهي كذلك ، اي الارض المحررة ، ساخنة كالزئبق ، ومن ثم فانها تلتهم وتحرق فجاة من يقف عليها جاهلا طبيعتها . واذا اخذنا بنظر الاعتبار حقيقة اصبحت ثابتة ومعترف بها من قبل الاحتلال وهي ان المقاومة تتقدم باستمرار وتتعاظم وتنتشر افقيا وعموديا ، رغم محاولاته المستميتة لخنقها ، ولم تتراجع منذ الانتقال من الحرب النظامية الى حرب الشعب يوم 9/4/2003 ندرك ان ما يخطط له الاحتلال لن يكون سوى عبث مقرون بالياس ، بل ان اللجوء لخيار القسوة المفرطة سيحول المزيد من العراقيين الى صف المقاومة المسلحة .
ان الثورة تتقدم بلا اي تراجع ، وهي تكتسح اي عقبة يضعها الاحتلال معتمدة على انماط من العمل بالغة المرونة وقادرة على استيعاب كل المفاجات الممكنة التصور او غير المتصورة ، فهي تتقدم حينما ترى ان ذلك يقرب يوم النصر لكنها تتراجع حينما تدرك ان العدو قد حشد قوات قادرة على الحاق اذى خطير بالمقاومة . وهذا التراجع مصمم للحفاظ على كادر وطاقات الثورة وعدم السماح للعدو بفتح جبهة لا تريدها المقاومة .
الخاتمة
بكل فخر يمكن لاي عراقي ان يقول ان يوم التحرير قد اصبح اقرب مما كنا نتصور ، فهاهي الثورة تتقدم وتحرر الارض والعرض والانسان المدافع عن العرض، وهاهو العدو يترنح كالمخمور الذي لم يعد يستطيع الوقوف باستقامة ، وهاهي قيادة الثورة تعزز دورها الريادي والقيادي وتحول المقاومة الى صورة لمستقبل العراق ، ولذلك نرى العدو يلجأ لمحاولة تفتيت المقاومة وشق القوة الضاربة التي تقودها وفبركة اسماء واحزاب لا وجود لها في الواقع ، كل ذلك من اجل تاجيل يوم التحرير ، ولكن هيهات فالمارد انطلق من القمقم ولم يعد بامكان احد ان يعيده اليه .
salahalmukhtar@hotmail.com
شبكة البصرة
الخميس 2 شعبان 1425 / 16 أيلول 2004