الفرقاني
20-08-2004, 05:34 PM
نحو جبهةٍ وطنيةٍ موحدةٍ نداءُ المقاومة العراق باقٍ . . .
للمقاومـة والتحريـر والإحتلال إلى زوال
نشرةٌ دوريةٌ دورية يصدرها التحالف الوطني العراقي ـ إعلام الخارج
العدد الخامس والعشرون ، السنة الثانية ، 15 / 8 / 2004
الإفتتاحية
مبادرة سعود الفيصل
شؤم متواصل من المبادرات السعودية
فجأةً إهتمت وكالات الأنباء بأخبار ((مأساة)) الشعب العراقي والصراعات ((التناحرية)) بين أبناء المجتمع العراقي ، وسيادة لغة السلاح في فرض ((التفاهم)) بين العراقيين ، وتناغمت أصوات كانت ، ولا تزال ، ترى فيما يأتي من العرب الشر السياسي وقد تجسّد أفعالاً ، ترحب بالمبادرة ((العربية الإسلامية)) التى أطلقها سـعود الفيصل وزير خارجية آل سعود والتي ستنشر الطمأنينة الأمنية داخل العراق ، بعد أنْ تسبب في إشعالها ((الإرهابيون)) ، ، وبرز إلى العلن العقل الدبلوماسي ((العربي)) رغم كون النظم العربية على فراق مزمن مع الديموقراطية السياسية ، إذ بينها وبين مُثل الحرية بيدٌ دونها بيد كما يقول المتنبي الشاعر .
كان واضحاً أنَّ يد العناية الأمريكية قد أشرفت على إخراج تلك المبادرة ، ولبس السادة المحافظون الجدد قفازات الهدوء المزعوم والديموقراطية المزعومة والحرية المزعومة الذي ستُجلَبْ للعراق بعد أنْ أغرقوه بالدماء والآلام والدموع والتخلف والتمزق والتشرذم ، وذلك في أعقاب ((إلتقاء)) وزير خارجيتها كولن باول برجالات المطبخ السياسي للسعودية وتلقي التعليمات منهم ، وفي سياق زيارة رئيس الوزراء العراقي الذي إستلم ((السيادة)) ذات الأنياب القمعية التي يستعين صاحبها بالطائرات القاصفة والطائرات العمودية من الأمريكان ، و((حرر)) العراق في أعقاب تأمينه على تنفيذ مخططهم السياسي في مرحلة غياب المندوب السامي بول بريمر وحلول السفير الأمريكي الجديد محله : حاكمٌ مطلقٌ للعراق ! ، رغم إنَّ القوات الأجنبية ما تزال تتدفق على العراق من دون الحصول على فيزا الدخول له التي لوح بها علاوي وغيره كشرط للتوجه إلى العراق ؟ ! وهو الذي أقر على رؤوس الأشهاد بـ((تعاونه)) مع أجهزة الإستخبارات الأمريكية والبريطانية ، وغيرهما .
للجهد الدبلوماسي السعودي تاريخ طويل في خدمة الرؤية السـياسـية الغربية ، ولا نتجاوز على الحقيقة ، إنْ قلنا أنَّ أغلب سنوات النصف الثاني من القرن العشرين ، شهدت نشاطاً سياسياً مكثفاً تساوق مع العمل البريطاني ـ الفرنسي ـ الأمريكي ـ الإسرائيلي ، ففي كل منعطف سياسي تاريخي مضاد للأمة العربية ، ومخرِّب لطموحات شعوب أقطارها المستقبلية ، كانت المملكة العربية السعودية : سلطة ونظاماً ، تصبُّ كل إمكاناتها في الإستراتيجية الغربية الساعية للهيمنة على الأوضاع العربية ، وفي سياق محاولاتها المتكررة لإرجاع حركة التحرر العربية إلى قمقم التشرذم وإستبدال الأولويات ونشر التخلف بالإستناد إلى مجموعة مفاهيم غيبية وفتاوى مذهبية بررت الإستعانة بالأجنبي : الشيطان الأكبر والكفار بكل القيم الإنسانية ، الباحثين عن مصالحهم ، بذريعة ((إحقاق الحق)) رغم أنَّ القرآن الكريم قد أكد على ضرورة تجنب ((التحالف)) مع الأعداء لمحاربة المسلمين : ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياءً بعضهم أولياء بعض ومَنْ يتولهم منكم فإنه منهم إنَّ الله لا يهدي القوم الظالمين)) ، مثلما أجزم على التحذير حول (( الذين يتخذون الكافـرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهـم العِزة فإنَّ العزة لله وحده)) . وغير ذلك الكثير . وبهدف منع تراكمات التقدم التاريخي العربي أيضاً للحاق بالأمم المتطورة التي تعمل في سبيل ذاتها الوطنية والقومية ، ومنعها من تتبع الخطوات العملية الهادفة خدمة شعوبها في الحاضر والمستقبل ، ولعل أبرز مؤشرات ذلك الدور السياسي الخبيث لآل سعود تتجسَّـد بالأفعال والخطوات التالية :
1 ــ شنَّ الحرب المتعددة الأشكال على اليمن إثر تحرره من حكم الإمامة الفاسد في 26 أيلول عام 1962 ، وإستجلاب العصابات الغربية وأجهزة المخابرات السرية لرفد ((الجهد الملكي والإمامة)) بالقوة المناوئة للجمهورية العربية المصرية التي هبّت لنجدة الجمهورية ، وإستمرت هذه الحرب حتى سنوات عدوان الخامس من حزيران عام 1967 ، فضلاً عن مساندة البريطانيين الذين كانوا يحاولون القضاء على حركة الكفاح المسلح ضد القوات الأجنبية في الجنوب اليمني سواء التي إنطلقت من جنوب اليمن الشمالي أو إندلعت من سفوح جبال ردفان وذراها .
2 ــ توظيف الجهد ((الإسلامي)) في المسعى الغربي ، من خلال إيجاد الشرخ الأساسي بين الإتجاه المحافظ الذي تمثل بالحلف الإسلامي المضاد لطموحات الأمة العربية في التوحد والتقدم والتحرر من الهيمنة الغربية ، وجعله بديلاً عن الدوائر التضامنية الثلاث التي إختطتها حركة الثورة المصرية بقيادة الفقيد جمال عبد الناصر ، وكان مؤتمر عام 1966 في الرياض والمُسـمى مؤتمر الحج الإسلامي ، قمة هذا النشاط وذروة هذا المسعى ، الذي جرى توظيف حركة الإخوان المسلمين في إطار نشاطه ، وضمن نطاق عمله .
3 ــ وشهدت أعوام السبعينات والثمانينات النشاط السعودي المتميز في تفتيت الجهد القومي العربي لجعل سلاح النفط الإستراتيجي في يد العرب ولصالح طموحهم القومي ، وتوظيفه لصالح الإحتكارات الغربية وشركاتها المستغلة ، وما يزال هذا الخط السياسي السعودي متبعاً . مثلما جرى توظيف الأموال الناجمة عن تصدير النفط في تزييت آلات الإنتاج الغربية ، وهي مبالغ تفوق على 800 مليار دولار ، فضلاً عن السفاهات التي وسمت تصرفات أفراد العائلة السعودية ، التي ألحقت ضرراً فادحاً بالسمعة العربية على كل الصعد .
4 ــ جعل الأراضي السعودية ومياهها وأجوائها قواعد تجسسية لصالح الرؤية الغربية ، بذريعة حرمان القوى الدولية السائرة في ركاب الإتحاد السوفيتي من أي إمتياز سياسي في الشرق ، ومحاربة الحركة القومية العربية التحررية ، في حين كان الأمريكيون لا يخفون تعاطفهم في شتى المجالات مع كيان الإغتصاب الصهيوني ، وتزويده بمختلف أشكل الدعم السياسي والعسكري والتقني .
5 ــ دعم السادات من أجل صياغة إتفاقية كامب ديفيد التي نرى تأثيراتها الكارثية على الأمة العربية ، والتي سحبت مصر العربية من وضعها الإستراتيجي لصالح حركة التحرر العربية ، ومساعدة نظام السادات على توظيف مصر في نطاق الجهد الأمريكي الإسرائيلي في سياق النشاط السياسي لفرض النظام الشرق الأوسطي تحت الهيمنة الإسرائيلية .
6 ــ إستطاع النظام السعودي وبمساعدة الأموال النفطية التأثير على بعض الحلقات الضعيفة بالثورة الفلسطينية من أجل تمرير مبادرة الأمير/الملك فهد حول القضية الفلسطينية وجعلها مبادرة عربية ، من خلال مؤتمر قمة فاس الأول ، التي لم تكن الظروف قد أنضجت إقراره ــ كما قال الملك الحسن الثاني : ملك المغرب ــ فجاء عدوان كيان الإغتصاب الصهيوني على لبنان في الرابع من حزيران 1982 وإحتلال ثاني عاصمة عربية : بيروت بعد القدس العربية ، لينضج ظرف صيرورة تلك المبادرة سياسة عربية جماعية ، وما أعقب ذلك من حروب أهلية : فلسطينية ولبنانية ، وبالتالي جعل المسيرة الإستسلامية هي المظهر الرئيس للنشاط الفلسطيني التي إنتهت بأوسلو والمحولات المستمرة لضرب الإنتفاضة الفلسطينية ، وإرتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني . . .
7 ــ توظيف الأرض السعودية ومياهها وأجوائها ، ناهيك عن الأموال السعودية والخليجية وغيرها التي نافت عن 61 ملياراً من الدولارات ، في سياق الهجمة الإمبريالية على العراق ، التي كانت فيها الحرب لصالح كيان الإغتصاب الصهيوني ، من الألف إلى الياء ، كما عبر عنها جورج بوش الأب وديك تشيني وكولن باول وشوارتزكوف ، فضلاً عن التمسـك بخط الحصار الشـامل على الدولة العراقية ، وهو خط سياسي أمريكي ــ بريطاني ــ إسرائيلي أساساً طبقته أنظمة الجوار : العربية الإسلامية بجدارة وحرفية عالية رغم كونها عربية ومسلمة ، وصولاً إلى إنطلاق الطائرات الأمريكية البريطانية للقصف اليومي للجنوب ، تمهيداً للغز والإحتلال الأمريكي لكل العراق التي ساهمت تلك المملكة فيه بشكل ملاشر وغير مباشر . إنَّ إعتراف ((الجنرال)) خالد بن سلطان بدور ((المملكة)) في هذا العدوان وإقراره بالقول ((لولا الجهود الجبارة للمملكة)) لما نجح العدوان يغني عن كل شهادة ووثائق على أهميتها .
8 ــ في هذا السياق تأتي مبادرة سعود الفيصل لإرسال قوات عربية وإسلامية للعراق ، بغية إفتداء الدم الأمريكي : الأسياد ، بالدم العربي والمسلم ، بعد أنْ أثخنت عمليات المقاومة الوطنية العراقية الجراح في الجسـد الأمريكي المعتدي ، تمهيداً لتعريب الصراع في المنطقة ، وأســلمة القتال في العراق ، وإلا أين كانت الســلطة الحاكمة للسـعودية طوال سـنوات الحصار والقصف والحرب المسـتمرة ؟ ألم يكن الشعب العراقي يعاني كل المرار الأمريكية ؟ أم أنَّ الجديد في لوحة التطورات الموضوعية التي يشهدها العراق هو الدم الأمريكي المراق بسلاح رجال المقاومة الوطنية العراقية ؟ .
في أية حال ، إنَّ آل سعود وجهدهم السياسي لصالح الأمريكيين موصول بتاريخهم المديد في خدمة المشاريع السياسية الأمريكية ، ولصالح مخططاتهم الفكرية والسياسية ، وبما يصُّب في نهاية المطاف في خدمة الرؤية الصهيونية وكيانها القائم على الإجلاء لأصحاب الأرض ، وإستيطانها من قبل الصهاينة الذين يتدفقون عليها من كل أنحاء المعمورة ، ولكن ما فات على أصحاب الفيل السعوديون هو وعي شعبنا السياسي بالأهداف الأمريكية . . . وعي طلائعه من فصائل المقاومة الوطنية العراقية وإنسجامهم التاريخي مع تراثهم الجهادي المضيء : الأصغر والأكبر ضد أعداء الوطن والأمة والتراث الحضاري الديني ، الأمر الذي يجعله مصمماً على تحرير أرض العراق من رجس الإحتلال ، سواء أكانت الدماء المستنزفة أمريكية أو غربية أو ((إسلامية أو عربية)) ، وحتى لو كانت ((عراقية)) تعمل لصالح المحتلين ، فالعراق باقٍ والإحتلال إلى زوال .
حصاد المقاومة
ــ 1 ــ
شهدت الأسابيع عمليات مقاومة واسعة ضد العدو المحتل ، كان مسرحها كل العراق . . . من الموصل إلى البصرة ، ومن العمارة إلى تل عفر . . . سلمية ومسلحة ، وراح المحتلون يعلنون في كل يوم عن خسائرهم الجسدية : قتلى أو مجروحين ، رغم محاولة تقليلهم الخسائر التي تصيبهم ، للدرجة التي باتت تستثير التساؤل حتى من قبل البسطاء العراقيين ، حول الأسباب الكامنة وراء إصابة التفجيرات للعراقيين بالعشرات : قتلى وجرحى ، فيما تقتصر التفجيرات التي تخلف النيران المشتعلة بآليات المحتلين وحرائقها المصورة تلفزيونياً مقتل فرد أمريكي وجرح واحد أو إثنين أو ثلاثة على أبعد تقدير ، ألكون تلك التفجيرات شديدة العقاب مع العراقيين والمتفجرات قاسية التأثير عليهم ، رحيمة بالمحتلين لا تمسهم القاذفات والنيران المشتعلة المتصاعدة ، كأنَّ الواحد منهم بسبعة أرواح ؟ أم أنَّ وكالات الأنباء العربية والأجنبية تستجيب لتعليمات المحتلين بدقة الآلة الكونترولية ؟ .
لقد صعّد الأعداء المحتلون وعملاؤهم عملياتهم العسكرية ضد شعبنا المقاوم ، وأطقلوا نيرانهم المسعورة على كل مَـنْ لا يرضى بالإحتلال العسكري لبلادنا ، وكانت طائراتهم تجوب السماء للقصف عشوائياً أو تنتقي أهدافها في بعض المدن ((بذريعة)) وجود الزرقاوي فيها ، أو تخفي بعض قواه في تلك البيوت الآمنة ، ولكن القوة الأمريكية المتحكمة بالقرار لم تقل لنا لماذا يقتصر القصف على مدينة وحيدة ومحددة ، في وقت تعلن وكالات الأنباء التي تتمسك بالرؤية الأمريكية وتنقل الرواية الأمريكية عن عشرات العمليات العسكرية للزرقاوي وتكون مواقعها في المدن العراقية ؟ أيكون شبح ((الزرقاوي)) الكذبة المفضلة لأجهزة الدعاية المخاتلة / المكشـوفة لنثر جرائم الأمريكيين بحق العراقيين ؟ أم أنَّ الزرقاوي هو الأجنبي الوحيد : المسيحي المتصهين في العراق لذا فهو يستحق المطاردة والقتل ، والجنود المحتلون للعراق هم العرب المسلمون الذين جاءوا لنجدة الشعب العراقي الذين ينبغي تقديم آيات الشكر لهم وإكرامهم بأنواع الأطعمة التي تتدفق لهم من دول الجوار ، فضلاً عن تلقيهم الرواتب الضخمة المدفوعة من ثروات العراق ؟ .
ــ 2 ــ
منذ أسبوع ، ومدن العراق تقاوم الهجمات العسكرية للأمريكيين وعملائهم الحاكمين ، وتمتد المعارك البطولية التي تتصدى للعدوانيين إلى مدن الجنوب الوسط والعاصمة بغداد بالتوازي مع التصعيد العسكري العدواني على مدينة النجف الباسلة ، التي يقاوم أبناؤها تحالف الغزاة مع العملاء ، بما يتيسر لهم من وسائل التصدي للعدو فوق الأرض بآلياتهم المدججة والطائرات المحلقة في السماء وهي تصب حممها على مواطني النجف الكرام ، وتحرق بيوتهم وثرواتهم ، وكان منظراً مقززا لتدفق رجال السلطة على مدينة النجف وإطلاقهم الوعود المزمجرة والإنذارات المتكررة بضرورة مغادرة أبناء النجف لمدينتهم ، بغية بقاء قوات الإحتلال وعملائها يستمتعون بالطمأنينة والأمان في تلك المدينة المقدسة التي يربض في جوف أرضها الأمام علي بن أبي طالب رمز حرب خيبر الإسلامية وعنوان معارك المؤمنين ضد يهود الجزيرة العربية وداحي بابها ، عليه السلام .
وإذا كان رئيس الوزراء ووزير داخليته ودفاعه لا يستحقون أي تعقيب لأنهم لا يخفون عمالتهم للأمريكيين ويحاولون وضع العراق في آتون معارك مع دول جوار العراق العربية والإسلامية لصالح الأمريكيين ، فإنَّ الأمر الضروري هو التوقف عند كلٍ من : ((بطل إعلان الشيعة)) مسؤول ملف الأمن القومي : كريم شاهبور المعروف بإسم موفق الربيعي ، ومحافظ النجف ومدير أمنه ومدير شرطته الذين يدعون الإلتزام بحزب الدعوة الإسلامي ، وبقية المنتمين لجماعة عزيز حكيم ومجلسه ((الأعلى)) وفيلق بدر المسلح الذي طالما جرى توظيفه ضد العراقيين ولمقاتلتهم ، أهذا المصير لبلدة النجف وأهلها كنتم به توعدون وتبشرون ولا نقول تتوعدون ــ وكذلك لعموم مستقبل المدن العراقية ــ أم زعمتم الحديث الطائفي بغية تغرير البسطاء والسذج للإلتفاف التنظيمي حولكم ؟ وماذا يقول أولئك المغررون حول سلوككم القمعي الراهن ؟ ألا يكشـف كل ذلك عن الحقائـق العملية السـرية التي كنتم تخفونهـا عن المـلأ ، وتتشـدقون بغير ما كنتـم تلتزمون فيه أمـام الأسـياد الأجانب ؟ أينسـجم البعد الوطنـي الفعلي والموحد والحضاري الديني الإسلامي مع التوجه الطائفي المشـرذِم وحماية القوات المحتلة وقيادتها المسيحية المتصهينة ؟ .
لقد أضاف مثال النجف حيث لم يتوانَ المحتلون برميها بمدافعهم ودباباتهم ، وقصفها بطائراتهم ، وترويع الآمنين فيها بالأعمال الحربية المشينة المجرمة ، ومطاردة أبناء النجف الرافضين للإحتلال بغية إعتقالهم أو قتلهم ، حتى من دون أسباب أو ذرائع ، إلا مقاومتهم للمحتلين سلمياً ، دليلاً دامغاً وقوياً على سلوك المحتلين الذين لم يراعوا حرمةً لقدسية مدينة تتمتع لتقديس مئات الملايين من المسلمين الشيعة ، وهذا السلوك يثير حفيظة كل الوطنيين العراقيين ويدعوهم للتساؤل حول الموقف العملي للعلماء المجتهدين الذي طالما دأبوا على ترديد الأقوال بوجود خط أحمر حول بعض المدن ، فماذا هم فاعلون ؟ أيعلنون الجهاد وفقاً حتى لمعاييرهم الدينية ومقاييسـهم الإنسـانية ؟ علينا القول ، باديء ذي بدء ، أنَّ كل العراق بمدنه وجباله وفيافيه ووديانه هو مقدس ، وأنَّ مَنْ لا يفكر بعقلية الروح النبوية المحمدية : المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً ، سيكون الضحية القادمة ، لا شك في ذلك ، فالواقع العراقي الذي نحيا في ظله ، يقول أنَّ البلد المسلم قد وقع تحت إحتلال أجنبي متصهين في كل تفاصيله ، وأنَّ الخطط السياسية التي يجري تنفيذها : عنفاً أو سياسة ، هي تتواكب خطوة إثر أُخرى مع متطلبات الرؤية السياسية الأمريكية ، وتنسجم مع أهداف كيان الإغتصاب الصهيوني ، التي يجمعهما ما يسمة بفرض النظام الشرق أوسطي الكبير ، وكل ذلك سيكون في سياق مصلحتهما المهيمنة ، وعلى حساب الحقوق السياسية والحضارية للشعب العراقي والأمة العربية وبعدها الحضاري المسلم ، ولنا في الحاضر خير مثال ، وفي المستقبل القريب الدليل العملي على إتجاه تطور الأحداث ، ولات ساعة ندم ، ولكن العقاب الإلهي سيكون في المرصاد : سواء في الدنيا أو الآخرة .
ــ 3 ــ
من الظواهر الملفتة للنظر ، نشاط القنوات المرئية في سبيل إظهار بعض العوائل : نساء وأطفال يبكون ويتباكون على مصير ذويهم الذين أسرهم فرسان المقاومة الوطنية العراقية ، وهم يجلبون معدات الغذاء والشرب ــ بما فيها المشروبات الكحولية ــ إلى قوات الغزو والإحتلال ، ويناشدون خلالها : إستناداً إلى معايير قومية ودينية وإنسانية ، بإطلاق سراحهم كونهم ذهبوا إلى العراق للحصول على لقمة عيشهم ، والعمل من أجل الحصول على فرصة عمل ! .
الذي تنساه تلك القنوات ــ أو بالأحرى تتناساه ــ هو إستكمال عرض الصورة ، عمَنْ يخدم أولئك ((السواق)) المأسورين ! أيخدمون إخوانهم العراقيين أم يخدمون المحتلين ، ومَنْ عينهم أحكوماتهم أم الشركات الموثوقة التي إرتضى التعامل معها الغزاة المحتلون ؟ ولماذا يُصور السواق ((المأسورون)) ولا يتطرق الإعلام إلى الشاحنات وبضائعها ومحتوياتها الغذائية ؟ ولماذا لا يجري التطرق أبداً للأرباح المالية التي تحققها تلك الشـركات التي يدفع ثمنها : غصاباً وغلاباً العراقيون من ثرواتهم لإطعام محتليهم ؟ لماذا . . . لماذا . . . لماذا ؟ وبإمكاننا إيراد المزيد من الأسئلة حول الموضوع . . . ولكننا نتوقف عند هذا الحد نظراً لمحدودية الصفحات التي تضم الرؤية الوطنية العراقية وتصدر بإسم ((نداء المقاومة)) . . .
لقد سبق للملك فهد أنْ وصف دخول العراق للكويت : ((أفظع عدوان عرفته الأمة العربية في تاريخها الحديث)) [كتاب مقاتل من الصحراء ، ص 218] وإذا كان الملك السعودي قد أغفل ذكر كيان الإغتصاب الصهيوني وحديثه الأفظع عن العدوان ، فما هو قائل عن الإحتلال الأمريكي للعراق في هذا اليوم ، أيقول أنه اليوم الأجمل والأكثر بهجة نظراً لهيمنة المحافظين الجدد على العراق ؟ ولكن في أية حال ما لنا وحديث المملوك فهد ونحن بصدد أسر سواق النقل الغذائي للمحتلين ، ولكن مما يجدر ذكره بهذه المناسبة هو إستذكار مفهوم الحرب وأساسياته ، على ضوء تجربة العدوان العسكري الأول ، إذ يقول ((الجنرال)) خالد بن سلطان بن عبد العزيز في كتابـ((ـه)) المعنون : ((مقاتل من الصحراء)) عن دور بلاده في رفد القوة الأمريكية ببممكنات تنفيذ حلقات العدوان العسكري الشامل على العراق العربي المسلم بأنه أساسي ودون ذلك لكان العدوان صعباً . . . بل مستحيلاً جداً ، ومن أجل ذلك ينقل بفرح غامر ((لفتة الإعتراف بالجميل لشوارتزكوف)) التي يقول فيها : ((منذ أنْ وطئت قدم أول جندي أمريكي أرض المملكة ، بدأنا بتلقي المساندة 100% من السعوديين ، كنا نحصل منهم على طعامنا ومياهنا ووقودنا ووسائل إنتقالنا وجميع متطلباتنا الأخرى)) [ص 355] ولكنه يعتب عليه لعدم تضمين ذلك في كتابه : مذكرات شوارزتكوف المعنون : الأمر لا يحتاج إلى بطل ، ولكن ((القائد العسكري السعودي)) يغفل عن حقيقة : أنَّ الشكر قد قدِّم فقط إلى كيان الإغتصاب الصهيوني ، وأنَّ القائد الأمريكي قد تعامل مع العملاء بما يليق التعامل معهم أثر إنتهاء مهمتهم : الرفس ، سيما وأنَّ كولن باول رئيس الأركان وقتها كان قد كشف عن إقامة خط هاتفي في الرياض مع تل أبيب لتنسيق عمليات الحرب العدوانية على العراق .
السواق المأسورون يجلبون المياه والطعام للجنود الغزاة المحتلين ، وهو جزء أساسي من تنفيذ خطط الإحتلال وبقائه ، ويعملون لدى شركات تؤدي هذه المهمة يومياً بهدف البحث عن الربح ، ويقومون بمهام تهريبية أخرى لصالح ذاتهم رغم ما يتركه عملهم على العراقيين من آثار شنيعة ، مثلما يقوم آخرون بأعمال تجسسية لصالح أنظمتهم السياسية ، الأمر الذي يديم الإحتلال للعراق ويعمق الإستغلال لثرواته ، ومحاربته هي الحلقة الرئيسية التي وضعتها المقاومة الوطنية العراقية لبقاء العراق خالياً من قوات الغزو والإحتلال ، الأمر الذي يعنى شيئاً واضحاً ومحدداً أمام الجميع : القضاء على كل ما يمكِّن من إستمرار الأمريكيين في بلدنا وإستمرار حلفائهم وأحبائهم الصهاينة ، أما نهب خيرات العراق للصرف على أفعال المحتلين المختلفة + أرباح شركاتهم الإقتصادية فلن يساوي عشر معشار ما يصرفونه على القوات الغازية + والشركات التي تصرف رواتبها لهؤلاء السواق ، ومن هنا تنبع مشروعية هذا العمل المقاوم الوطني .
إنَّ الحل الذي طرحته المقاومة الوطنية العراقية هو حل مثالي وفق كل المقاييس الإنسانية : الحفاظ على الروح الإنسانية للأفراد شريطة سحب الشركات لنشاطاتها من العراق بدلاً من خدمة القوات الأمريكية ، وفي ذلك يتجلى معنى الإخلاص الوطني للأنظمة الحاكمة لدول السواق ، التي تصدر البيانات المستنكرة أو المتوسلة ، فمهمة الحفاظ على المواطن تتعدى نطاق الإهتمام بمصالح الدول الإمبريالية الأخرى ، وغنى بعض الشركات الباحثة عن الربح المالي ، أما المعايير الوطنية والقومية والدينية التي توجب التضامن مع العراقيين الذين يدافعون عن وطنهم المحتل : وهو أمرٌ تقره كل الشرائع الوضعية والسماوية ، فإنَّ هذه الأنظمة قد وضعته في عالم الخضوع للقطب الواحد ونظامه الإستغلالي القائم على العولمة ! .
إنَّ رأس المال العزيز على مالكي هذه الشاحنات ، يجب أنْ يُحرق باديء ذي بدء بما فيها من مواد غذائية ، ومن ثم أسر السواق الذين يعملون في خدمة المحتل ، أو بالتتالي للفعل الوطني المقاوم ، وإستثماره للإعلام والإعلان عن الحكم الصادر بحق منفذي هذا العمل الآثم الذي لا يرعى أية حرمة وطنية وقومية ودينية أو يراعي أية قيمة إنسانية ، وتكثيف هذه العمليات هو واجب وطني عراقي تفرضه معايير تحريره ودفع الظلم عنه ، وواجب ديني بقرينة إقدام النبي محمد [ص] على مهاجمة القوافل القرشية قبيل معركة بدر المضيئة التي كانت تقوّي الكافرين وهم في ديارهم ، أما الغزاة المحتلون الجاثمون على صدور أبناء شعبنا العراقي فهم أمريكيون أجانب قطعوا آلاف الكيلومترات بغية خدمة مصالحهم الإستغلالية ، وليجعل المقاومون أمريكا تتخبط بمردود جرائمها الطبيعي ، ولتنشط سياسياً مع حلفائها وأذنابها لتخليصهم من ورطة الغرق في رمال العراق المزحلقة ، وإصدار البيانات مع الدول الأخرى بضرورة عدم الخضوع لمطالب ((الخاطفين)) ، فالعراق باقٍ والإحتلال إلى زوال .
بيان سياسي
عمليات القمع والإجتياح لن توقف روح المقاومة
يا جماهير شعبنا العراقي . . . أيها الغيارى من العرب والمسلمين
على مدى أكثر من أُسبوع والقوات الأمريكية المحتلة ، علاوة على حلفائها وعملائها ، يشـنّون حملات عسكرية على أبناء شعبنا في مختلف بقاع العراق ، ويوقعون أفدح الأضرار بالممتلكات المادية والخسائر بالأرواح البشرية ، ويحاولون إجتياح المدن العراقية دون أنْ ترف جفونهم عن أية مأساة إنسانية ، إنهم يحتذون المثال الصهيوني الإسرائيلي الذي يقتل الإنسان الفلسطيني ويهدم الممتلكات ويقضي على المزروعات ، فيقومون بقصف الشعب العراقي بمدافعهم وطائراتهم وكل ما ملكت أياديهم القذرة من أسلحة فتّاكة ، مستخدمين ما إختزنته عقولهم الشريرة من أسـاليب وحشية في التعامل مع الشـعوب المحتلة أراضيها . كانت مدينة النجف الأشرف هي العراق المصغر الذي تلقى الحرب العدوانية المباشرة والواسعة والمستمرة على يد الغزاة ، وكان موقف حكومة علاوي وأركانها : وزراء الداخلية والدفاع ومسؤول الأمن القومي رضا شاهبور المعروف بإسم موفق ربيعي ــ صاحب إعلان الشيعة ــ هو الوجه المعلن لتلك الحرب ، والشرطة التي أقامها المحتلون و((الحرس الوطني)) وفصائل من ((الجيش العراقي)) هي الأداة التي تخفَّت وراءها القوة الأمريكية الغازية المحتلة التي لم تتوان عن قصف المناطق العراقيـة المقدسـة التي يرقد في حضرتها فارس حرب خيبر ضد اليهود ، وتجاوز الخطوط الحمر التي زعم البعض أنها تشـكل جرس الإنذار لإعلان موقفه الجهادي المقاوم ، ورغم أنَّ العراق كله مقدس ينبغي التضحية لأجله عندما يتعرض للغزو ، فإنَّ ما حدث للنجف طوال الأسبوع الماضي يفضح ((تقية)) البعض وتبريرات نكوصه عن نصرة الدين والحق بالدفاع عن الأرض والعرض ، ويمزق حجب ذرائع سكوته المتعددة .
لقد تبينت معاني الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان التي تذرع بها العدو لشن حربه الغاشمة الظالمة على الشعب العراقي ، وتبدَّت معه كذلك كمْ ونوعْ مخاتلات البعض الذي سار خلف الأطروحات الأمريكية ، وطالما رددوا دعاياتها السياسية والفكرية ، فالحرية وفق عُرف المحتلين هي الإعتقال الشامل وعمليات الإذلال التي شهدتها السجون المختلفة ومنها سجن أبو غريب ، والديموقراطية وفق أعمالهم هي القتل الجماعي بالقصف الشامل لمدن بغداد والنجف وسامراء وبعقوبة والكوت والعمارة ، وحقوق الإنسان هي قطع شأفة الإنسان العراقي الرافض للإحتلال وإماتة طموحاته الوطنية بالتحرر والتقدم والعيش في ظل حياة تظللها معالم الحرية وترفرف عليها راية الكرامة . ومع هذا الإنكشاف الواضح هبَّ أبناء الشعب العراقي في البصرة والحلة والديوانية والرمادي والعمارة والناصرية والفلوجة ومناطق بغداد المختلفة التي تتقدمها مدينة الثورة والجعيفر وشارع حيفا وبقية محلات الكرخ ، للتضامن المشترك مع أبناء النجف البواسل ، ومع الرمز الرافض للإحتلال الأمريكي الصهيوني وأفعال عملائه ((العراقيين)) : السيد مقتدى الصدر ، يقدمون دماءهم رخيصة للدفاع عن العراق ومجتمعه الباسل ، ومواجهة القوات المحتلة والجنود الغُزاة . لقد أوضحت المظاهرات الوطنية الشعبية التي كانت مدن بغداد والبصرة والكوت وكربلاء ــ وغيرها ــ ساحاتها ، طبيعة الأهداف السياسية التي يتطلع إلى تحقيقها كل الشعب العراقي ، التي يتقدمها نيل التحرر الوطني وتحقيق الحرية السياسية ودحر الإحتلال الأمريكي عن العراق العظيم وإقامة حياة حرة خالية من القتل والقمع . . . حياة مزدهرة فعلاً وديموقراطية حقاً .
للمقاومـة والتحريـر والإحتلال إلى زوال
نشرةٌ دوريةٌ دورية يصدرها التحالف الوطني العراقي ـ إعلام الخارج
العدد الخامس والعشرون ، السنة الثانية ، 15 / 8 / 2004
الإفتتاحية
مبادرة سعود الفيصل
شؤم متواصل من المبادرات السعودية
فجأةً إهتمت وكالات الأنباء بأخبار ((مأساة)) الشعب العراقي والصراعات ((التناحرية)) بين أبناء المجتمع العراقي ، وسيادة لغة السلاح في فرض ((التفاهم)) بين العراقيين ، وتناغمت أصوات كانت ، ولا تزال ، ترى فيما يأتي من العرب الشر السياسي وقد تجسّد أفعالاً ، ترحب بالمبادرة ((العربية الإسلامية)) التى أطلقها سـعود الفيصل وزير خارجية آل سعود والتي ستنشر الطمأنينة الأمنية داخل العراق ، بعد أنْ تسبب في إشعالها ((الإرهابيون)) ، ، وبرز إلى العلن العقل الدبلوماسي ((العربي)) رغم كون النظم العربية على فراق مزمن مع الديموقراطية السياسية ، إذ بينها وبين مُثل الحرية بيدٌ دونها بيد كما يقول المتنبي الشاعر .
كان واضحاً أنَّ يد العناية الأمريكية قد أشرفت على إخراج تلك المبادرة ، ولبس السادة المحافظون الجدد قفازات الهدوء المزعوم والديموقراطية المزعومة والحرية المزعومة الذي ستُجلَبْ للعراق بعد أنْ أغرقوه بالدماء والآلام والدموع والتخلف والتمزق والتشرذم ، وذلك في أعقاب ((إلتقاء)) وزير خارجيتها كولن باول برجالات المطبخ السياسي للسعودية وتلقي التعليمات منهم ، وفي سياق زيارة رئيس الوزراء العراقي الذي إستلم ((السيادة)) ذات الأنياب القمعية التي يستعين صاحبها بالطائرات القاصفة والطائرات العمودية من الأمريكان ، و((حرر)) العراق في أعقاب تأمينه على تنفيذ مخططهم السياسي في مرحلة غياب المندوب السامي بول بريمر وحلول السفير الأمريكي الجديد محله : حاكمٌ مطلقٌ للعراق ! ، رغم إنَّ القوات الأجنبية ما تزال تتدفق على العراق من دون الحصول على فيزا الدخول له التي لوح بها علاوي وغيره كشرط للتوجه إلى العراق ؟ ! وهو الذي أقر على رؤوس الأشهاد بـ((تعاونه)) مع أجهزة الإستخبارات الأمريكية والبريطانية ، وغيرهما .
للجهد الدبلوماسي السعودي تاريخ طويل في خدمة الرؤية السـياسـية الغربية ، ولا نتجاوز على الحقيقة ، إنْ قلنا أنَّ أغلب سنوات النصف الثاني من القرن العشرين ، شهدت نشاطاً سياسياً مكثفاً تساوق مع العمل البريطاني ـ الفرنسي ـ الأمريكي ـ الإسرائيلي ، ففي كل منعطف سياسي تاريخي مضاد للأمة العربية ، ومخرِّب لطموحات شعوب أقطارها المستقبلية ، كانت المملكة العربية السعودية : سلطة ونظاماً ، تصبُّ كل إمكاناتها في الإستراتيجية الغربية الساعية للهيمنة على الأوضاع العربية ، وفي سياق محاولاتها المتكررة لإرجاع حركة التحرر العربية إلى قمقم التشرذم وإستبدال الأولويات ونشر التخلف بالإستناد إلى مجموعة مفاهيم غيبية وفتاوى مذهبية بررت الإستعانة بالأجنبي : الشيطان الأكبر والكفار بكل القيم الإنسانية ، الباحثين عن مصالحهم ، بذريعة ((إحقاق الحق)) رغم أنَّ القرآن الكريم قد أكد على ضرورة تجنب ((التحالف)) مع الأعداء لمحاربة المسلمين : ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياءً بعضهم أولياء بعض ومَنْ يتولهم منكم فإنه منهم إنَّ الله لا يهدي القوم الظالمين)) ، مثلما أجزم على التحذير حول (( الذين يتخذون الكافـرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهـم العِزة فإنَّ العزة لله وحده)) . وغير ذلك الكثير . وبهدف منع تراكمات التقدم التاريخي العربي أيضاً للحاق بالأمم المتطورة التي تعمل في سبيل ذاتها الوطنية والقومية ، ومنعها من تتبع الخطوات العملية الهادفة خدمة شعوبها في الحاضر والمستقبل ، ولعل أبرز مؤشرات ذلك الدور السياسي الخبيث لآل سعود تتجسَّـد بالأفعال والخطوات التالية :
1 ــ شنَّ الحرب المتعددة الأشكال على اليمن إثر تحرره من حكم الإمامة الفاسد في 26 أيلول عام 1962 ، وإستجلاب العصابات الغربية وأجهزة المخابرات السرية لرفد ((الجهد الملكي والإمامة)) بالقوة المناوئة للجمهورية العربية المصرية التي هبّت لنجدة الجمهورية ، وإستمرت هذه الحرب حتى سنوات عدوان الخامس من حزيران عام 1967 ، فضلاً عن مساندة البريطانيين الذين كانوا يحاولون القضاء على حركة الكفاح المسلح ضد القوات الأجنبية في الجنوب اليمني سواء التي إنطلقت من جنوب اليمن الشمالي أو إندلعت من سفوح جبال ردفان وذراها .
2 ــ توظيف الجهد ((الإسلامي)) في المسعى الغربي ، من خلال إيجاد الشرخ الأساسي بين الإتجاه المحافظ الذي تمثل بالحلف الإسلامي المضاد لطموحات الأمة العربية في التوحد والتقدم والتحرر من الهيمنة الغربية ، وجعله بديلاً عن الدوائر التضامنية الثلاث التي إختطتها حركة الثورة المصرية بقيادة الفقيد جمال عبد الناصر ، وكان مؤتمر عام 1966 في الرياض والمُسـمى مؤتمر الحج الإسلامي ، قمة هذا النشاط وذروة هذا المسعى ، الذي جرى توظيف حركة الإخوان المسلمين في إطار نشاطه ، وضمن نطاق عمله .
3 ــ وشهدت أعوام السبعينات والثمانينات النشاط السعودي المتميز في تفتيت الجهد القومي العربي لجعل سلاح النفط الإستراتيجي في يد العرب ولصالح طموحهم القومي ، وتوظيفه لصالح الإحتكارات الغربية وشركاتها المستغلة ، وما يزال هذا الخط السياسي السعودي متبعاً . مثلما جرى توظيف الأموال الناجمة عن تصدير النفط في تزييت آلات الإنتاج الغربية ، وهي مبالغ تفوق على 800 مليار دولار ، فضلاً عن السفاهات التي وسمت تصرفات أفراد العائلة السعودية ، التي ألحقت ضرراً فادحاً بالسمعة العربية على كل الصعد .
4 ــ جعل الأراضي السعودية ومياهها وأجوائها قواعد تجسسية لصالح الرؤية الغربية ، بذريعة حرمان القوى الدولية السائرة في ركاب الإتحاد السوفيتي من أي إمتياز سياسي في الشرق ، ومحاربة الحركة القومية العربية التحررية ، في حين كان الأمريكيون لا يخفون تعاطفهم في شتى المجالات مع كيان الإغتصاب الصهيوني ، وتزويده بمختلف أشكل الدعم السياسي والعسكري والتقني .
5 ــ دعم السادات من أجل صياغة إتفاقية كامب ديفيد التي نرى تأثيراتها الكارثية على الأمة العربية ، والتي سحبت مصر العربية من وضعها الإستراتيجي لصالح حركة التحرر العربية ، ومساعدة نظام السادات على توظيف مصر في نطاق الجهد الأمريكي الإسرائيلي في سياق النشاط السياسي لفرض النظام الشرق الأوسطي تحت الهيمنة الإسرائيلية .
6 ــ إستطاع النظام السعودي وبمساعدة الأموال النفطية التأثير على بعض الحلقات الضعيفة بالثورة الفلسطينية من أجل تمرير مبادرة الأمير/الملك فهد حول القضية الفلسطينية وجعلها مبادرة عربية ، من خلال مؤتمر قمة فاس الأول ، التي لم تكن الظروف قد أنضجت إقراره ــ كما قال الملك الحسن الثاني : ملك المغرب ــ فجاء عدوان كيان الإغتصاب الصهيوني على لبنان في الرابع من حزيران 1982 وإحتلال ثاني عاصمة عربية : بيروت بعد القدس العربية ، لينضج ظرف صيرورة تلك المبادرة سياسة عربية جماعية ، وما أعقب ذلك من حروب أهلية : فلسطينية ولبنانية ، وبالتالي جعل المسيرة الإستسلامية هي المظهر الرئيس للنشاط الفلسطيني التي إنتهت بأوسلو والمحولات المستمرة لضرب الإنتفاضة الفلسطينية ، وإرتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني . . .
7 ــ توظيف الأرض السعودية ومياهها وأجوائها ، ناهيك عن الأموال السعودية والخليجية وغيرها التي نافت عن 61 ملياراً من الدولارات ، في سياق الهجمة الإمبريالية على العراق ، التي كانت فيها الحرب لصالح كيان الإغتصاب الصهيوني ، من الألف إلى الياء ، كما عبر عنها جورج بوش الأب وديك تشيني وكولن باول وشوارتزكوف ، فضلاً عن التمسـك بخط الحصار الشـامل على الدولة العراقية ، وهو خط سياسي أمريكي ــ بريطاني ــ إسرائيلي أساساً طبقته أنظمة الجوار : العربية الإسلامية بجدارة وحرفية عالية رغم كونها عربية ومسلمة ، وصولاً إلى إنطلاق الطائرات الأمريكية البريطانية للقصف اليومي للجنوب ، تمهيداً للغز والإحتلال الأمريكي لكل العراق التي ساهمت تلك المملكة فيه بشكل ملاشر وغير مباشر . إنَّ إعتراف ((الجنرال)) خالد بن سلطان بدور ((المملكة)) في هذا العدوان وإقراره بالقول ((لولا الجهود الجبارة للمملكة)) لما نجح العدوان يغني عن كل شهادة ووثائق على أهميتها .
8 ــ في هذا السياق تأتي مبادرة سعود الفيصل لإرسال قوات عربية وإسلامية للعراق ، بغية إفتداء الدم الأمريكي : الأسياد ، بالدم العربي والمسلم ، بعد أنْ أثخنت عمليات المقاومة الوطنية العراقية الجراح في الجسـد الأمريكي المعتدي ، تمهيداً لتعريب الصراع في المنطقة ، وأســلمة القتال في العراق ، وإلا أين كانت الســلطة الحاكمة للسـعودية طوال سـنوات الحصار والقصف والحرب المسـتمرة ؟ ألم يكن الشعب العراقي يعاني كل المرار الأمريكية ؟ أم أنَّ الجديد في لوحة التطورات الموضوعية التي يشهدها العراق هو الدم الأمريكي المراق بسلاح رجال المقاومة الوطنية العراقية ؟ .
في أية حال ، إنَّ آل سعود وجهدهم السياسي لصالح الأمريكيين موصول بتاريخهم المديد في خدمة المشاريع السياسية الأمريكية ، ولصالح مخططاتهم الفكرية والسياسية ، وبما يصُّب في نهاية المطاف في خدمة الرؤية الصهيونية وكيانها القائم على الإجلاء لأصحاب الأرض ، وإستيطانها من قبل الصهاينة الذين يتدفقون عليها من كل أنحاء المعمورة ، ولكن ما فات على أصحاب الفيل السعوديون هو وعي شعبنا السياسي بالأهداف الأمريكية . . . وعي طلائعه من فصائل المقاومة الوطنية العراقية وإنسجامهم التاريخي مع تراثهم الجهادي المضيء : الأصغر والأكبر ضد أعداء الوطن والأمة والتراث الحضاري الديني ، الأمر الذي يجعله مصمماً على تحرير أرض العراق من رجس الإحتلال ، سواء أكانت الدماء المستنزفة أمريكية أو غربية أو ((إسلامية أو عربية)) ، وحتى لو كانت ((عراقية)) تعمل لصالح المحتلين ، فالعراق باقٍ والإحتلال إلى زوال .
حصاد المقاومة
ــ 1 ــ
شهدت الأسابيع عمليات مقاومة واسعة ضد العدو المحتل ، كان مسرحها كل العراق . . . من الموصل إلى البصرة ، ومن العمارة إلى تل عفر . . . سلمية ومسلحة ، وراح المحتلون يعلنون في كل يوم عن خسائرهم الجسدية : قتلى أو مجروحين ، رغم محاولة تقليلهم الخسائر التي تصيبهم ، للدرجة التي باتت تستثير التساؤل حتى من قبل البسطاء العراقيين ، حول الأسباب الكامنة وراء إصابة التفجيرات للعراقيين بالعشرات : قتلى وجرحى ، فيما تقتصر التفجيرات التي تخلف النيران المشتعلة بآليات المحتلين وحرائقها المصورة تلفزيونياً مقتل فرد أمريكي وجرح واحد أو إثنين أو ثلاثة على أبعد تقدير ، ألكون تلك التفجيرات شديدة العقاب مع العراقيين والمتفجرات قاسية التأثير عليهم ، رحيمة بالمحتلين لا تمسهم القاذفات والنيران المشتعلة المتصاعدة ، كأنَّ الواحد منهم بسبعة أرواح ؟ أم أنَّ وكالات الأنباء العربية والأجنبية تستجيب لتعليمات المحتلين بدقة الآلة الكونترولية ؟ .
لقد صعّد الأعداء المحتلون وعملاؤهم عملياتهم العسكرية ضد شعبنا المقاوم ، وأطقلوا نيرانهم المسعورة على كل مَـنْ لا يرضى بالإحتلال العسكري لبلادنا ، وكانت طائراتهم تجوب السماء للقصف عشوائياً أو تنتقي أهدافها في بعض المدن ((بذريعة)) وجود الزرقاوي فيها ، أو تخفي بعض قواه في تلك البيوت الآمنة ، ولكن القوة الأمريكية المتحكمة بالقرار لم تقل لنا لماذا يقتصر القصف على مدينة وحيدة ومحددة ، في وقت تعلن وكالات الأنباء التي تتمسك بالرؤية الأمريكية وتنقل الرواية الأمريكية عن عشرات العمليات العسكرية للزرقاوي وتكون مواقعها في المدن العراقية ؟ أيكون شبح ((الزرقاوي)) الكذبة المفضلة لأجهزة الدعاية المخاتلة / المكشـوفة لنثر جرائم الأمريكيين بحق العراقيين ؟ أم أنَّ الزرقاوي هو الأجنبي الوحيد : المسيحي المتصهين في العراق لذا فهو يستحق المطاردة والقتل ، والجنود المحتلون للعراق هم العرب المسلمون الذين جاءوا لنجدة الشعب العراقي الذين ينبغي تقديم آيات الشكر لهم وإكرامهم بأنواع الأطعمة التي تتدفق لهم من دول الجوار ، فضلاً عن تلقيهم الرواتب الضخمة المدفوعة من ثروات العراق ؟ .
ــ 2 ــ
منذ أسبوع ، ومدن العراق تقاوم الهجمات العسكرية للأمريكيين وعملائهم الحاكمين ، وتمتد المعارك البطولية التي تتصدى للعدوانيين إلى مدن الجنوب الوسط والعاصمة بغداد بالتوازي مع التصعيد العسكري العدواني على مدينة النجف الباسلة ، التي يقاوم أبناؤها تحالف الغزاة مع العملاء ، بما يتيسر لهم من وسائل التصدي للعدو فوق الأرض بآلياتهم المدججة والطائرات المحلقة في السماء وهي تصب حممها على مواطني النجف الكرام ، وتحرق بيوتهم وثرواتهم ، وكان منظراً مقززا لتدفق رجال السلطة على مدينة النجف وإطلاقهم الوعود المزمجرة والإنذارات المتكررة بضرورة مغادرة أبناء النجف لمدينتهم ، بغية بقاء قوات الإحتلال وعملائها يستمتعون بالطمأنينة والأمان في تلك المدينة المقدسة التي يربض في جوف أرضها الأمام علي بن أبي طالب رمز حرب خيبر الإسلامية وعنوان معارك المؤمنين ضد يهود الجزيرة العربية وداحي بابها ، عليه السلام .
وإذا كان رئيس الوزراء ووزير داخليته ودفاعه لا يستحقون أي تعقيب لأنهم لا يخفون عمالتهم للأمريكيين ويحاولون وضع العراق في آتون معارك مع دول جوار العراق العربية والإسلامية لصالح الأمريكيين ، فإنَّ الأمر الضروري هو التوقف عند كلٍ من : ((بطل إعلان الشيعة)) مسؤول ملف الأمن القومي : كريم شاهبور المعروف بإسم موفق الربيعي ، ومحافظ النجف ومدير أمنه ومدير شرطته الذين يدعون الإلتزام بحزب الدعوة الإسلامي ، وبقية المنتمين لجماعة عزيز حكيم ومجلسه ((الأعلى)) وفيلق بدر المسلح الذي طالما جرى توظيفه ضد العراقيين ولمقاتلتهم ، أهذا المصير لبلدة النجف وأهلها كنتم به توعدون وتبشرون ولا نقول تتوعدون ــ وكذلك لعموم مستقبل المدن العراقية ــ أم زعمتم الحديث الطائفي بغية تغرير البسطاء والسذج للإلتفاف التنظيمي حولكم ؟ وماذا يقول أولئك المغررون حول سلوككم القمعي الراهن ؟ ألا يكشـف كل ذلك عن الحقائـق العملية السـرية التي كنتم تخفونهـا عن المـلأ ، وتتشـدقون بغير ما كنتـم تلتزمون فيه أمـام الأسـياد الأجانب ؟ أينسـجم البعد الوطنـي الفعلي والموحد والحضاري الديني الإسلامي مع التوجه الطائفي المشـرذِم وحماية القوات المحتلة وقيادتها المسيحية المتصهينة ؟ .
لقد أضاف مثال النجف حيث لم يتوانَ المحتلون برميها بمدافعهم ودباباتهم ، وقصفها بطائراتهم ، وترويع الآمنين فيها بالأعمال الحربية المشينة المجرمة ، ومطاردة أبناء النجف الرافضين للإحتلال بغية إعتقالهم أو قتلهم ، حتى من دون أسباب أو ذرائع ، إلا مقاومتهم للمحتلين سلمياً ، دليلاً دامغاً وقوياً على سلوك المحتلين الذين لم يراعوا حرمةً لقدسية مدينة تتمتع لتقديس مئات الملايين من المسلمين الشيعة ، وهذا السلوك يثير حفيظة كل الوطنيين العراقيين ويدعوهم للتساؤل حول الموقف العملي للعلماء المجتهدين الذي طالما دأبوا على ترديد الأقوال بوجود خط أحمر حول بعض المدن ، فماذا هم فاعلون ؟ أيعلنون الجهاد وفقاً حتى لمعاييرهم الدينية ومقاييسـهم الإنسـانية ؟ علينا القول ، باديء ذي بدء ، أنَّ كل العراق بمدنه وجباله وفيافيه ووديانه هو مقدس ، وأنَّ مَنْ لا يفكر بعقلية الروح النبوية المحمدية : المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً ، سيكون الضحية القادمة ، لا شك في ذلك ، فالواقع العراقي الذي نحيا في ظله ، يقول أنَّ البلد المسلم قد وقع تحت إحتلال أجنبي متصهين في كل تفاصيله ، وأنَّ الخطط السياسية التي يجري تنفيذها : عنفاً أو سياسة ، هي تتواكب خطوة إثر أُخرى مع متطلبات الرؤية السياسية الأمريكية ، وتنسجم مع أهداف كيان الإغتصاب الصهيوني ، التي يجمعهما ما يسمة بفرض النظام الشرق أوسطي الكبير ، وكل ذلك سيكون في سياق مصلحتهما المهيمنة ، وعلى حساب الحقوق السياسية والحضارية للشعب العراقي والأمة العربية وبعدها الحضاري المسلم ، ولنا في الحاضر خير مثال ، وفي المستقبل القريب الدليل العملي على إتجاه تطور الأحداث ، ولات ساعة ندم ، ولكن العقاب الإلهي سيكون في المرصاد : سواء في الدنيا أو الآخرة .
ــ 3 ــ
من الظواهر الملفتة للنظر ، نشاط القنوات المرئية في سبيل إظهار بعض العوائل : نساء وأطفال يبكون ويتباكون على مصير ذويهم الذين أسرهم فرسان المقاومة الوطنية العراقية ، وهم يجلبون معدات الغذاء والشرب ــ بما فيها المشروبات الكحولية ــ إلى قوات الغزو والإحتلال ، ويناشدون خلالها : إستناداً إلى معايير قومية ودينية وإنسانية ، بإطلاق سراحهم كونهم ذهبوا إلى العراق للحصول على لقمة عيشهم ، والعمل من أجل الحصول على فرصة عمل ! .
الذي تنساه تلك القنوات ــ أو بالأحرى تتناساه ــ هو إستكمال عرض الصورة ، عمَنْ يخدم أولئك ((السواق)) المأسورين ! أيخدمون إخوانهم العراقيين أم يخدمون المحتلين ، ومَنْ عينهم أحكوماتهم أم الشركات الموثوقة التي إرتضى التعامل معها الغزاة المحتلون ؟ ولماذا يُصور السواق ((المأسورون)) ولا يتطرق الإعلام إلى الشاحنات وبضائعها ومحتوياتها الغذائية ؟ ولماذا لا يجري التطرق أبداً للأرباح المالية التي تحققها تلك الشـركات التي يدفع ثمنها : غصاباً وغلاباً العراقيون من ثرواتهم لإطعام محتليهم ؟ لماذا . . . لماذا . . . لماذا ؟ وبإمكاننا إيراد المزيد من الأسئلة حول الموضوع . . . ولكننا نتوقف عند هذا الحد نظراً لمحدودية الصفحات التي تضم الرؤية الوطنية العراقية وتصدر بإسم ((نداء المقاومة)) . . .
لقد سبق للملك فهد أنْ وصف دخول العراق للكويت : ((أفظع عدوان عرفته الأمة العربية في تاريخها الحديث)) [كتاب مقاتل من الصحراء ، ص 218] وإذا كان الملك السعودي قد أغفل ذكر كيان الإغتصاب الصهيوني وحديثه الأفظع عن العدوان ، فما هو قائل عن الإحتلال الأمريكي للعراق في هذا اليوم ، أيقول أنه اليوم الأجمل والأكثر بهجة نظراً لهيمنة المحافظين الجدد على العراق ؟ ولكن في أية حال ما لنا وحديث المملوك فهد ونحن بصدد أسر سواق النقل الغذائي للمحتلين ، ولكن مما يجدر ذكره بهذه المناسبة هو إستذكار مفهوم الحرب وأساسياته ، على ضوء تجربة العدوان العسكري الأول ، إذ يقول ((الجنرال)) خالد بن سلطان بن عبد العزيز في كتابـ((ـه)) المعنون : ((مقاتل من الصحراء)) عن دور بلاده في رفد القوة الأمريكية ببممكنات تنفيذ حلقات العدوان العسكري الشامل على العراق العربي المسلم بأنه أساسي ودون ذلك لكان العدوان صعباً . . . بل مستحيلاً جداً ، ومن أجل ذلك ينقل بفرح غامر ((لفتة الإعتراف بالجميل لشوارتزكوف)) التي يقول فيها : ((منذ أنْ وطئت قدم أول جندي أمريكي أرض المملكة ، بدأنا بتلقي المساندة 100% من السعوديين ، كنا نحصل منهم على طعامنا ومياهنا ووقودنا ووسائل إنتقالنا وجميع متطلباتنا الأخرى)) [ص 355] ولكنه يعتب عليه لعدم تضمين ذلك في كتابه : مذكرات شوارزتكوف المعنون : الأمر لا يحتاج إلى بطل ، ولكن ((القائد العسكري السعودي)) يغفل عن حقيقة : أنَّ الشكر قد قدِّم فقط إلى كيان الإغتصاب الصهيوني ، وأنَّ القائد الأمريكي قد تعامل مع العملاء بما يليق التعامل معهم أثر إنتهاء مهمتهم : الرفس ، سيما وأنَّ كولن باول رئيس الأركان وقتها كان قد كشف عن إقامة خط هاتفي في الرياض مع تل أبيب لتنسيق عمليات الحرب العدوانية على العراق .
السواق المأسورون يجلبون المياه والطعام للجنود الغزاة المحتلين ، وهو جزء أساسي من تنفيذ خطط الإحتلال وبقائه ، ويعملون لدى شركات تؤدي هذه المهمة يومياً بهدف البحث عن الربح ، ويقومون بمهام تهريبية أخرى لصالح ذاتهم رغم ما يتركه عملهم على العراقيين من آثار شنيعة ، مثلما يقوم آخرون بأعمال تجسسية لصالح أنظمتهم السياسية ، الأمر الذي يديم الإحتلال للعراق ويعمق الإستغلال لثرواته ، ومحاربته هي الحلقة الرئيسية التي وضعتها المقاومة الوطنية العراقية لبقاء العراق خالياً من قوات الغزو والإحتلال ، الأمر الذي يعنى شيئاً واضحاً ومحدداً أمام الجميع : القضاء على كل ما يمكِّن من إستمرار الأمريكيين في بلدنا وإستمرار حلفائهم وأحبائهم الصهاينة ، أما نهب خيرات العراق للصرف على أفعال المحتلين المختلفة + أرباح شركاتهم الإقتصادية فلن يساوي عشر معشار ما يصرفونه على القوات الغازية + والشركات التي تصرف رواتبها لهؤلاء السواق ، ومن هنا تنبع مشروعية هذا العمل المقاوم الوطني .
إنَّ الحل الذي طرحته المقاومة الوطنية العراقية هو حل مثالي وفق كل المقاييس الإنسانية : الحفاظ على الروح الإنسانية للأفراد شريطة سحب الشركات لنشاطاتها من العراق بدلاً من خدمة القوات الأمريكية ، وفي ذلك يتجلى معنى الإخلاص الوطني للأنظمة الحاكمة لدول السواق ، التي تصدر البيانات المستنكرة أو المتوسلة ، فمهمة الحفاظ على المواطن تتعدى نطاق الإهتمام بمصالح الدول الإمبريالية الأخرى ، وغنى بعض الشركات الباحثة عن الربح المالي ، أما المعايير الوطنية والقومية والدينية التي توجب التضامن مع العراقيين الذين يدافعون عن وطنهم المحتل : وهو أمرٌ تقره كل الشرائع الوضعية والسماوية ، فإنَّ هذه الأنظمة قد وضعته في عالم الخضوع للقطب الواحد ونظامه الإستغلالي القائم على العولمة ! .
إنَّ رأس المال العزيز على مالكي هذه الشاحنات ، يجب أنْ يُحرق باديء ذي بدء بما فيها من مواد غذائية ، ومن ثم أسر السواق الذين يعملون في خدمة المحتل ، أو بالتتالي للفعل الوطني المقاوم ، وإستثماره للإعلام والإعلان عن الحكم الصادر بحق منفذي هذا العمل الآثم الذي لا يرعى أية حرمة وطنية وقومية ودينية أو يراعي أية قيمة إنسانية ، وتكثيف هذه العمليات هو واجب وطني عراقي تفرضه معايير تحريره ودفع الظلم عنه ، وواجب ديني بقرينة إقدام النبي محمد [ص] على مهاجمة القوافل القرشية قبيل معركة بدر المضيئة التي كانت تقوّي الكافرين وهم في ديارهم ، أما الغزاة المحتلون الجاثمون على صدور أبناء شعبنا العراقي فهم أمريكيون أجانب قطعوا آلاف الكيلومترات بغية خدمة مصالحهم الإستغلالية ، وليجعل المقاومون أمريكا تتخبط بمردود جرائمها الطبيعي ، ولتنشط سياسياً مع حلفائها وأذنابها لتخليصهم من ورطة الغرق في رمال العراق المزحلقة ، وإصدار البيانات مع الدول الأخرى بضرورة عدم الخضوع لمطالب ((الخاطفين)) ، فالعراق باقٍ والإحتلال إلى زوال .
بيان سياسي
عمليات القمع والإجتياح لن توقف روح المقاومة
يا جماهير شعبنا العراقي . . . أيها الغيارى من العرب والمسلمين
على مدى أكثر من أُسبوع والقوات الأمريكية المحتلة ، علاوة على حلفائها وعملائها ، يشـنّون حملات عسكرية على أبناء شعبنا في مختلف بقاع العراق ، ويوقعون أفدح الأضرار بالممتلكات المادية والخسائر بالأرواح البشرية ، ويحاولون إجتياح المدن العراقية دون أنْ ترف جفونهم عن أية مأساة إنسانية ، إنهم يحتذون المثال الصهيوني الإسرائيلي الذي يقتل الإنسان الفلسطيني ويهدم الممتلكات ويقضي على المزروعات ، فيقومون بقصف الشعب العراقي بمدافعهم وطائراتهم وكل ما ملكت أياديهم القذرة من أسلحة فتّاكة ، مستخدمين ما إختزنته عقولهم الشريرة من أسـاليب وحشية في التعامل مع الشـعوب المحتلة أراضيها . كانت مدينة النجف الأشرف هي العراق المصغر الذي تلقى الحرب العدوانية المباشرة والواسعة والمستمرة على يد الغزاة ، وكان موقف حكومة علاوي وأركانها : وزراء الداخلية والدفاع ومسؤول الأمن القومي رضا شاهبور المعروف بإسم موفق ربيعي ــ صاحب إعلان الشيعة ــ هو الوجه المعلن لتلك الحرب ، والشرطة التي أقامها المحتلون و((الحرس الوطني)) وفصائل من ((الجيش العراقي)) هي الأداة التي تخفَّت وراءها القوة الأمريكية الغازية المحتلة التي لم تتوان عن قصف المناطق العراقيـة المقدسـة التي يرقد في حضرتها فارس حرب خيبر ضد اليهود ، وتجاوز الخطوط الحمر التي زعم البعض أنها تشـكل جرس الإنذار لإعلان موقفه الجهادي المقاوم ، ورغم أنَّ العراق كله مقدس ينبغي التضحية لأجله عندما يتعرض للغزو ، فإنَّ ما حدث للنجف طوال الأسبوع الماضي يفضح ((تقية)) البعض وتبريرات نكوصه عن نصرة الدين والحق بالدفاع عن الأرض والعرض ، ويمزق حجب ذرائع سكوته المتعددة .
لقد تبينت معاني الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان التي تذرع بها العدو لشن حربه الغاشمة الظالمة على الشعب العراقي ، وتبدَّت معه كذلك كمْ ونوعْ مخاتلات البعض الذي سار خلف الأطروحات الأمريكية ، وطالما رددوا دعاياتها السياسية والفكرية ، فالحرية وفق عُرف المحتلين هي الإعتقال الشامل وعمليات الإذلال التي شهدتها السجون المختلفة ومنها سجن أبو غريب ، والديموقراطية وفق أعمالهم هي القتل الجماعي بالقصف الشامل لمدن بغداد والنجف وسامراء وبعقوبة والكوت والعمارة ، وحقوق الإنسان هي قطع شأفة الإنسان العراقي الرافض للإحتلال وإماتة طموحاته الوطنية بالتحرر والتقدم والعيش في ظل حياة تظللها معالم الحرية وترفرف عليها راية الكرامة . ومع هذا الإنكشاف الواضح هبَّ أبناء الشعب العراقي في البصرة والحلة والديوانية والرمادي والعمارة والناصرية والفلوجة ومناطق بغداد المختلفة التي تتقدمها مدينة الثورة والجعيفر وشارع حيفا وبقية محلات الكرخ ، للتضامن المشترك مع أبناء النجف البواسل ، ومع الرمز الرافض للإحتلال الأمريكي الصهيوني وأفعال عملائه ((العراقيين)) : السيد مقتدى الصدر ، يقدمون دماءهم رخيصة للدفاع عن العراق ومجتمعه الباسل ، ومواجهة القوات المحتلة والجنود الغُزاة . لقد أوضحت المظاهرات الوطنية الشعبية التي كانت مدن بغداد والبصرة والكوت وكربلاء ــ وغيرها ــ ساحاتها ، طبيعة الأهداف السياسية التي يتطلع إلى تحقيقها كل الشعب العراقي ، التي يتقدمها نيل التحرر الوطني وتحقيق الحرية السياسية ودحر الإحتلال الأمريكي عن العراق العظيم وإقامة حياة حرة خالية من القتل والقمع . . . حياة مزدهرة فعلاً وديموقراطية حقاً .