المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعداد الأمة لمواجهة العدوان



المهند
18-08-2004, 09:51 PM
إعداد الأمة لمواجهة العدوان

حقيقة لا ينبغي أن نغفل عنها :
من أهم حقائق العصر الذي نعيشه فيه أنه حين تنشب الحرب، فإن الدولة بأسرها شعبا وجيشا تخوض الحرب، وتدفع تكاليفها، وتتحمل نتائجها، فقد انتهى ذلك العهد الذي كانت فيه الحروب قاصرة على تصارع الجيوش في ميادين القتال، ولم تعد هناك في عصرنا بقعة من أرض الدولة أو سمائها أو مياهها الإقليمية بمنأى عن متناول العدو.

من أجل ذلك أصبحت قوة أية دولة وقدرتها على الدفاع عن نفسها وتحقيق أهدافها الاستراتيجية لا تقاس بمدى قوتها العسكرية فحسب، بل بمتانة اقتصادها وقوة معنويات شعبها وتقدمها العلمي والتقني، إلى غير ذلك من عناصر القوة، وقد ظهرت للتعبير عن هذا المعنى مصطلحات جديدة في علوم الحرب وفنونها مثل " الحرب الشاملة " و " إعداد الدولة للحرب "، ويقصد بالحرب الشاملة الحرب التي لا تقف عند خط جبهة القتال فحسب، وإنما تتعداها إلى "العمق" بكل ما فيه من مرافق ومنشآت وتجمعات سكانية وذلك بواسطة السلاح الجوي والصواريخ وغيرها.

أما " إعداد الدولة للحرب " فهو ذلك العمل الضخم الذي اقتضته طبيعة الحرب الشاملة، وتحشد لـه كل قوى الدولة الاقتصادية والشعبية والسياسية إلى جانب القوة العسكرية في تخطيط منسق لتحقيق قدرة الدولة عل التصدي للعدوان.

يقول المشير مونتجمري: (والحرب الحديثة قد ازدادت صورتها تعقيدا وأصبحت تشمل كل أوجه الحياة والنشاط للدولة لفترة طويلة بما في ذلك معنويات هذه الدولة، فالحرب الشاملة في العصر الحديث تمتص كل جهود القوى العاملة رجالا ونساء وتحول كل قوى الصناعة لسد الحاجات الضرورية للمجهود الحربي، وفي أثناء هذه الحرب يكون المرء دائما محوطا بالخطر سواء استدعي للخدمة العسكرية أو كان قائما بأي عمل مدني أو صناعي، فالخطر يصبح ماثلا في كل مكان، وقد اقتضى ذلك وجود نظام خاص يكفل حماية المدنيين داخل المدن أطلق عليه الدفاع المدني أو الدفاع الوطني... ) [1].

ثمار الإعداد الشامل :
فهذا العمل الكبير، الذي أصبح الركيزة الأساسية للقدرات الدفاعية ومن الضرورات الحيوية لبنائها هو الذي يمنح الدولة ما يلي:
1 - القدرة على رد العدوان وردع المعتدي في أية لحظة.
2 - تحقيق النصر في أقل وقت ممكن [2].
3 - التقليل من الخسائر التي تسببها ضربات العدو.
4 - الصمود للحرب "طويلة الأمد".
5 - المحافظة على مستوى عال من الروح المعنوية وإرادة القتال لدى الشعب والجيش. وهكذا يتضح أن مثل هذه ا لإنجازات والقدرات لا تتحقق مطلقا إلا بحشد طاقات الأمة المادية والمعنوية في تخطيط منسق نحو غاية واحدة .

مفهوم القوة في الإسلام :
ويتضح كذلك أن ما يتصوره بعضهم من أن القوة التي على الأمة إعدادها لمواجهة العدوان تنحصر في القوة المسلحة، هو تصور بعيد كل البعد عن الصواب وعن مقتضيات العصر، وليس هذا فحسب، بل أنه تصور ينطوي على عقوق للدين وغفلة عن توجيهاته.

فلقد شاءت حكمة الله جل شأنه أن تكون الأمة الإسلامية أمة قوية مرهوبة الجانب في كل عصر، فأمرها بإعداد القوة والمرابطة التي ترهب الأعداء، ووجهها إلى أن تكون تلك القوة ؛ قوة شاملة، تحتشد فيها كل مصادر القوة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية والمعنوية والعسكرية:

1 - يقول الله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} [الأنفال: 60] ، فورود لفظ " قوة " مطلقا بغير تحديد، يعني القوة الشاملة، وذكر المال والإنفاق {وما تنفقوا} يعني القوة الاقتصادية ويؤكد أهميتها.

2 - والجهاد في سبيل الله، لا ينحصر في إطار قتال الأعداء المحدود، بل يمتد ليشمل جوانب أخرى، فقد اقترن الجهاد بالنفس بالجهاد بالمال، كما اقترن بالجهاد باللسان، قال تعالى: {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} [التوبة: 41].

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) [رواه أحمد والنسائي وصححه وغيرهما].

3 - والتكليف بإعداد القوة الشاملة، والتكليف بالجهاد عل هذا النحو الشامل أيضا، كلاهما قائم ومستمر حتى تقوم الساعة، كما يتضح من الآية الكريمة من سورة الأنفال ومن آيات الجهاد ومن الحديث: (الجهاد ماض إلى يوم القيامة)، والحديث: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا) [رواه البخاري].

4 - والتكليف بإعداد القوة وبالجهاد أمر مستمر لا ينقطع في السلم والحرب على حد سواء، ففي السلم استعداد وإعداد وعمل لا يفتر في كل الميادين المادية والمعنوية، وفي الحرب توجيه لكل الطاقات نحو قمع العدوان وردع المعتدي.

5 - والأمة الإسلامية ؛ أمة مجاهدة، كل أبنائها مجاهدون، سواء المقاتلين منهم في الميدان أو غير المقاتلين الذين يؤدون واجبهم خلف الجيش في مجالات العمل المختلفة، وهذا ما أكده الرسول صلى الله عليه وسلم حين جعل حصة من غنائم بدر لمن تخلف بالمدينة لأنه كان قائما بعمل للمسلمين وقد تخلف عن بدر طلحة بن عبيد الله لأنه سافر بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم في تجارة إلى الشام، وقد عده الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل ذلك بدريا وضرب لـه بسهمه وشهد له بأجره، كما أكده عليه الصلاة والسلام بقوله : (من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا) [رواه الشيخان]، وقوله: (إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه يحتسب في صنعه الخير، والرامي به، والممد به) - أي الذي يناول السهم للرامي - [رواه الخمسة].

القوة الشاملة هي القدرة على الردع :
والقوة الشاملة في نظر الإسلام هي القوة القادرة على ردع الأعداء وإيقاع الرهبة في قلوبهم حتى يمتنعوا عن العدوان. والأمر المدهش أن الإسلام يجعل من كل عنصر من عناصر قوة الأمة " قوة ردع " ولا يخص بذلك القوة المسلحة فحسب!

فالقوة الاقتصادية مثلا يكون لها فعل الردع حين يجد العدو أنه إذا اعتدى على المسلمين، فسوف يواجه جيشا قويا وراءه قاعدة اقتصادية متينة وقادرة على إمداده باحتياجاته - مهما طال أمد الحرب - الأمر الذي يجعله يرجع عن فكرة العدوان، وهكذا وعلى المنوال نفسه يكون هناك قوة ردع للشعب العامل المجتهد المنتج المتحد الذي يتمتع بالروح المعنوية العالية وإرادة القتال والصمود والاستعداد لتحمل أعباء الحرب - مهما طال أمدها -

مقتضيات الردع :
ولكي يتحقق للقوة الإسلامية هدفها في ردع العدوان فإن الإسلام يوجه إلى ما يلي:

1 - إن أخطر ما تتعرض لـه الأمة هو الغفلة عن الخطر المحدق بها والتقاعس عن إعداد القوة القادرة عل الدفاع عنها، وإن على الأمة أن تعد ذلك مسألة حياة أو موت بالنسبة لها، فالله تعالى يقول: {ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة} [النساء 102].

2 - إذا كان الإسلام " دين سلام ورحمة "، فإنه في الوقت نفسه " دين قوة" لأنه دين عملي ، يأخذ الحياة من واقعها وطبائع الخلائق وميلها إلى المشاحنات، فأمر بإعداد القوة التي تحمي المسلمين، والتي هي أقوى ضمان لتحقيق السلام أيضا، وحذر من أن يفهم الناس أن السلام معناه إلقاء السلاح أو القعود عن الاستعداد ما دام في الدنيا شعوب لا تعرف قيمة السلام ولا تحترم حرية غيرها من الشعوب في أن تعيش آمنة مطمئنة في بلادها.

3 - لكي تكون للقوة الإسلامية فعاليتها في الدفاع وردع العدوان يجب أن تكون عل مستوى عصرها بل ومتفوقة على قوة عدوها، وإلا فكيف تستطيع التغلب عل عدو سبقها وتقدم وتطور واستثمر منجزات عصره إلى أقصى حد.

إعداد الشعب :
وسوف نتناول في هذا البحث بعض عناصر إعداد الدولة لمواجهة العدوان التي نرى أنها تستحق قدرا كبيرا من انتباه وعناية قادة الأمة الإسلامية.

ونبدأ بإعداد الشعب، فقد أصبح من الحقائق الاستراتيجية أن صلابة الجبهة الداخلية وقوة الإرادة القتالية للشعب ليست فقط من دعائم النصر في الحرب، بل لقد أصبحت الروح المعنوية والإرادة القتالية للقوات المسلحة ذاتها ثمرة لروح الشعب وموقفه وراءها، والاستراتيجية العسكرية التي لا تضع هذا العامل في حسابها، وتعتمد عل تفوق مواردها المادية فحسب، استراتيجية قاصرة تعرض الجيش والوطن كله للخطر والهزيمة.

وللإسلام في هذا المجال منهج في غاية الإحكام إذ يشمل الأسس الآتية:

وحدة الأمة وتماسك الجبهة الداخلية.

قوة معنويات الشعب وإرادته القتالية.

الأمن ومقاومة الحرب النفسية والجاسوسية.

الدفاع الشعبي والتوعية والنشاط السياسي والدبلوماسي.

ولا يتسع المقام لتناول هذه الأسس بالتفصيل، وإنما ننبه إلى بعض الأمور التي تستحق الاهتمام.

أولا : في أوقات الخطر لا محل للخلافات :
ففي الحرب العالمية الثانية وضع الغرب يده في يد الاتحاد السوفييتي لمواجهة ألمانيا لقد اتحدا وتضامنا في وقت الخطر رغم ما بينهما من تناقض في المذاهب السياسية والاقتصادية وصراع على مناطق النفوذ، فكان من ثمار هذا الاتحاد القضاء على الخطر وتحقيق النصر. وفي العالم اليوم تكتلات وأحلاف تضم دولا عديدة قضت الظروف والمصالح أن تتجمع وتتعاون في وحدة صف وهدف في مواجهة الأخطار التي تتهددها رغم ما بين الدول في كل حلف أو تكتل من خلافات لأن كل الدول تدرك فضل التعاون لتحقيق وحدة الهدف.

فالمسلمون بذلك أولى، لأن الدعوة إلى وحدة الأمة من طبيعة الإسلام ومن مبادئه، وهي وحدة قائمة على مبادئ ومثل كريمة، وقد ألف الإسلام بين قلوب أبنائه على الإيمان وجاءت تعاليمه تقوي هذه الرابطة وتدعم أواصر الوحدة بما افترض عليهم من فرائض وبما دعاهم إليه من الاعتصام بحبل الله المتين ودينه القويم، قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون} [آل عمران 103].

وقال عليه الصلاة والسلام: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات، مات ميتة جاهلية، ومن قتل تحت راية عمية يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة فليس من أمتي، ومن خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها، لا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي بذي عهدها، فليس مني)[رواه مسلم عن أبى هريرة] [3].

ثانيا : ضرورة التصدي لمحاولات التفرقة :
وإذا كانت وحدة الأمة من أسس القوة فعل الأمة أن تكون يقظة لمحاولات التفرقة، فإنه لأمر طبعي أن يسعى الأعداء إلى ضرب الوحدة، باعتبارها مصدر قوة، وقد فضح القرآن محاولات التفرقة وحث المسلمين عل التصدي لها في مثل قوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين، وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم} [آل عمران 100 - 101].

ويعلن الإسلام الحرب على المفسدين والدساسين والمنافقين والمرجفين ومرضى القلوب، إذ أن هؤلاء جميعا هم أعدى أعداء الأمة وأخطرهم على وحدتها وأمنها، ويذكر القرآن هؤلاء أقبح الذكر، إذ يقول: {والمنافقون والمنافقات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون، وعد الله المنافقون والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم} [التوبة 67 - 68].

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمركم جامع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه) [رواه مسلم].

ثالثا : حراسة المنشآت الحيوية والدفاع المدني :
ونظرا لامتداد الحرب الحديثة إلى عمق الدولة - كما قدمنا - فقد أصبح من الواجبات القومية على أبناء الأمة جمعاء حراسة المنشآت الحيوية كالمصانع والكباري والسدود والمطارات والموانئ ومحطات السكك الحديدية والتجمعات السكانية وغيرها من المرافق، ويعد هذا العمل من مهام " الرباط " بمفهوم العصر، بعد أن كان معناه في الماضي ربط الخيل في الثغور التي يتوقع هجوم العدو منها بقصد الاستعداد لرده، فكان المرابطون يقضون الليل والنهار متأهبين للقتال لا يغادرون أماكنهم حتى يحل غيرهم محلهم.

فكل الأعمال المتعلقة بحراسة المنشآت الحيوية والدفاع عنها تدخل في إطار الجهاد والرباط من قام بها فهو مجاهد، ومن مات وهو يؤديها فهو شهيد، كما يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد...).

ولابد أن ننوه إلى أن العدو يعمد في حالة الحرب إلى "ضرب العمق" لأنه المستودع الحقيقي للقوة المادية والمعنوية، فيحرص على إحداث الخسائر في الأرواح لإضعاف الروح المعنوية وعلى تخريب القاعدة الاقتصادية، وعلى شل المرافق العامة والخدمات الحيوية المستمرة للشعب كمرافق المياه والكهرباء والمواصلات لإحداث الارتباك والفوضى في حياته وحركته.

من أجل ذلك يتحتم أن يتعاون أبناء الأمة مع أجهزة الدولة على نطاق واسع سواء في المنزل أو المدينة أو المصنع أو المدرسة، وأن يتقدموا للتطوع في أجهزة الحراسة والدفاع المدني والإسعاف والإنذار والإطفاء والإنقاذ، وتقوم الدولة بتدريب أبناء الأمة على هذه الأعمال وترويدهم بالمعدات اللازمة، فضلا عن تجهيز الملاجئ ووسائل الإنذار والمعدات التي تتطلبها أعمال الدفاع المدني.

وللمرأة المسلمة دور فعال في هذا المجال فيما تصلح له، فمما يذكر أن يهود بني قريظة بعد أن نقضوا العهد في غزوة الخندق أرسلوا رجلا منهم إلى داخل المدينة، فاستطاع التسلل إلى الدور التي تجمع بها النساء والأطفال. لكن السيدة صفية بنت عبد المطلب رأته يستطلع المواضع، فنزلت إليه فقتلته، وبذلك خلصت المسلمين من خطر داهم، إذ جعل اليهود يفكرون أن في داخل المدينة حراسا أشداء من المسلمين، ليس من السهل التغلب عليهم، لذلك قبع اليهود في حصونهم لا يفكرون في الخروج.

رابع : وعي الأمن :
وفي وقت الحرب - وحتى قبل أن تبدأ - تنشط إلى أقصى حد إجراءات العدو للحصول على المعلومات والدعاية والحرب النفسية وترويج الشائعات والتجسس والتخريب المعنوي والمادي إلى غير ذلك من الأعمال التي يستهدف بها التأثير عل عواطف وأفكار وسلوك الأمة وقيادتها نحو الاستسلام والهزيمة.

من أجل ذلك وجب أن يتسلح الشعب بالوعي الذي يحصنه ضد هذه الإجراءات ويقيه من التأثر بها ويفوت عل العدو أغراضه، وذلك بالحرص على كتمان الأسرار وعدم ترويج الشائعات، ومعاونة السلطات في الإرشاد عن الجواسيس وكبح شهوة الكلام والثرثرة والتحدث بدون حرص أمام من يعرفه ومن لا يعرفه.

والحق أن توجيهات الإسلام في هذا المجال تجعل " الصمت " جوهر الوعي الأمن فهو المانع الأصيل والأكيد، لإفشاء ا لأسرار، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) [متفق عليه] ، (من سره أن يسلم فليلزم الصمت) [رواه البيهقي في شعب الإيمان].

خامسا : دور الدعاة وأجهزة الإعلام :
يوجه الإسلام إلى حشد كل الوسائل التي تدخل في مجال " الجهاد باللسان " الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) [رواه أحمد والنسائي وصححه وغيرهما]، وتدخل أيضا في مجال النصح لله وللرسول كما يستوحى من قول الله تعالى: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم} [التوبة 91].

والنصح العام ركن من الأركان المعنوية للإسلام، به عز المسلمون الأوائل وانتصروا على أعدائهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة)، فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم)، فالنصح العام في حالة الحرب يكون في كل ما فيه مصلحة للأمة وللمجاهدين منها، ومن ذلك ما يلي:

1- إعلام أبناء الأمة بطبيعة الحرب ومتطلباتها وتضحياتها وتزويدهم بالمعلومات والبيانات عن حقائق الموقف أو القتال وتبصيرهم بأهداف العدو وبواجباتهم ومسؤولياتهم تجاه القضية التي يقاتلون من أجلها أو الأخطار المحدقة بأمتهم.

2 - توظيف الإنتاج الأدبي والفني والثقافي وتوجيهه نحو خدمة الأهداف الوطنية والتعبئة المعنوية لأبناء الأمة.

3 - غرس وعي الأمن ومقاومة أساليب العدو في الحرب النفسية والدعاية وكل ما يستهدف تدمير الروح المعنوية للشعب والجيش وتفتيت الجبهة الداخلية.

4 - قيام الدعاة والعلماء والمصلحين وحملة الأقلام بتزويد الأمة بسلاح العلم والإيمان وعلاج الأمراض الاجتماعية ومحاربة السلبية والجهل والترف، والإسراف والتبذير، وتنمية الإرادة القتالية في أبنائها.

5 - الإعلام الخارجي والنشاط السياسي والدبلوماسي الذي يستهدف شرح قضية الأمة على الصعيد الدولي، وكسب تأييد الرأي العام العالمي وفضح أهداف العدو وفرض العزلة عليه، وتحييد القوى الأخرى التي قد يسعى العدو إلى جذبها نحوه، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوة في هذا المجال بعقده المعاهدات مع القبائل العربية في شبه الجزيرة لكفالة حرية الدعوة من ناحية وكفالة حسن الجوار والمعاملة من ناحية أخرى، وبكتبه إلى الملوك والرؤساء والأمراء في بلاد الروم وفارس والشام ومصر والحبشة واليمن وغيرها لدعوتهم إلى الإسلام.



[1] فيكونت مونتجمري: الحرب عبر التاريخ ج 1 ص 23.
[2] المقياس العلمي للنصر في الحرب هو أن يتم هذا النصر بدون أو بأقل قدر من الخسائر في الأرواح والمعدات وفي أقل وقت، من أجل ذلك لا يعد نصرا حقيقيا بالمقياس العلمي ذلك النصر الذي تدفع به الشعوب والجيوش ثمنا أكبر من اللازم في الأرواح وفي المعدات وتستغرق في الحصول عليه وقتا أطول من اللازم.
[3] "مات ميتة جاهلية" أي على هيئة موت أهل الجاهلية، فإنهم كانوا لا ينضمون إلى جماعة واحدة بل كانوا فرقا وعصائب يقاتل بعضها بعضا و"تحت راية عمية " - بضم العين وكسرها وتشديد الميم - أي من قاتل تحت راية اجتمع أهلها على أمر مجهول لا يعرف أنه حق أو باطل يدعون إليه ويقاتلون لأجله من غير

http://www.baghdadalrashid.com/vb3/images/imgcache/2005/10/14.jpg