المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحداث النجف و سقوط الأقنعة - إفتتاحية عبد الباري عطوان



nassr17
18-08-2004, 03:36 PM
أحداث النجف و سقوط الأقنعة - إفتتاحية عبد الباري عطوان


2004/08/18

عبد الباري عطوان
نستغرب هذا الصمت المريب في اوساط المرجعيات الشيعية في العراق وخارجه ازاء الاشتباكات العنيفة التي تجري حاليا في مدينة النجف الاشرف، بين القوات الامريكية وجيش المهدي الذي يتزعمه السيد مقتدي الصدر. مثلما نستغرب ايضا هروب معظم هذه المرجعيات الي الخارج تحت ذرائع وحجج غير مفهــومة، علاوة علي كونها غير مبررة علي الاطلاق.
وحتي كلمات الادانة التي صدرت عن بعض هذه المرجعيات والقيادات السياسية الشيعية جاءت باهتة وروتينية وفاقدة المصداقية، حتي لكأن ارضاء الولايات المتحدة، وتجنب اغضاب عملائها، اهم كثيرا واكثر قداسة من الدفاع عن مرقد الامام علي كرم الله وجهه.
الدبابات الامريكية تقف علي بعد امتار من الصحن الحيدري، وقذائف دباباتها تقصف الاماكن المقدسة، والحرائق تشتعل في المنازل المجاورة، ولكننا لا نسمع دعوة واحدة للجهاد دفاعا عن هذه المقدسات من المرجعيات الشيعية، والاحزاب التي رفعت، وعلي مدي عشرين عاما او اكثر، شعارات اسلامية ثورية.
السؤال الذي يطرح نفسه بالحاح حاليا هو عما اذا كان قتل العراقيين بالمئات برصاص القوات الامريكية وقذائف دباباتها محللا حسب فتاوي هذه المرجعيات؟ وهل الذين يسقطون شهداء دفاعا عن هذه المقدسات هم من غير المسلمين او من الخارجين علي الملة والمذهب؟
نحن نتحدث دائما عن الازدواجية الامريكية والكيل بمكيالين، ولكن الا ينطبق هذا القول نفسه علي معظم المرجعيات الشيعية في العراق، خاصة تلك التي تصمت حاليا عما يحدث في النجف، مثلما صمتت قبل ذلك عن مجازر الفلوجة والتعذيب وهتك اعراض السجناء في سجن ابو غريب؟
العراق محتل، وهناك مئة وخمسون الف جندي امريكي وبريطاني يجثمون علي ارضه، ويتحكمون بمقدراته، ويحاولون اعادة تشكيل هويته، وصياغة مستقبله، ولم نر مطلقا، وعلي مر التاريخ، مرجعيات اسلامية تنحاز الي الاحتلال، وترفض مقاومته الا في العراق.
رجال الدين الحقيقيون يقدمون الآخرة علي الدنيا، وينحازون دائما الي ضمائرهم، ويترفعون عن السياسة ونفاقها، ويقدمون مثلا طيبا لاتباعهم في الشهادة والمقاومة، باستثناء بعض رجال الدين ومرجعياته في العراق، الذين يلهثون خلف امور دنيوية، ويريدون ان يحكموا العراق عبر الدبابات الامريكية، وليس عبر المقاومة، وطرد قوات الاحتلال، وانجاز هدف التحرير.
سبعة عشر شهرا مرت علي احتلال العراق، وموقف معظم المرجعيات الشيعية العراقية ينطوي علي الكثير من اللبس والغموض، يتواطؤون مع الاحتلال، ويبررون وجوده، ويغلفون تواطؤهم هذا بالحديث عن الاوضاع السابقة، علي امل ان تستقر سفينة الاحتلال، ويحققوا مكاسب طائفية دنيوية.
الجماهير الشيعية تتظاهر بعشرات الآلاف في بغداد والبصرة والعمارة تضامنا مع المدافعين عن النجف الاشرف، وادانة للقوات الامريكية ومجازرها في المدينة، ومراجعها تدير وجهها الي الناحية الاخري لا تريد ان تعرف شيئا عما يحدث، وكأن النجف الاشرف تقع قرب آلاسكا او جنوب استراليا.
الجماهير الشيعية، ولله الحمد، متقدمة كثيرا عن معظم مرجعياتها، وقياداتها السياسية، ولولا حركة السيد مقتدي الصدر هذه التي اعطت وجها مشرفا ومشرقا لهذا المذهب الاسلامي العريق، لتعرض هذا المذهب لأكبر عملية تشويه في تاريخه.
السيد الصدر كسب قلوب العراقيين، سنة وشيعة، عندما قاوم الاحتلال، وأدان الحكومة الحالية، ووصفها بانها صنيعة الاحتلال، وقرر المقاومة حتي الشهادة، مقدما بذلك نموذجا في الوطنية يتوق اليه معظم العراقيين.
التذرع خلف الوساطات و المساعي الحميدة لانهاء الازمة مثلما تفعل بعض المرجعيات، ومطالبة الاطراف ذات العلاقة بضبط النفس، كلها حيل وخدع لا يمكن ان تنطلي علي المواطن العراقي البسيط الذي يري بلاده ترزح تحت جنازير دبابات الاحتلال.
احداث النجف كشفت الكثير من العورات التي كانت مستترة خلف شعارات شتي، وخاصة عورات رفاق النضال في المعارضة العراقية، فقد اثبت هــــــؤلاء انهم مستعدون لعمل كل شيء من اجل كرسي الحكم، او مركز في مؤسسات الاحتلال، بما في ذلك مباركة قصف النجف، وانتهاك حرمة مقدساته.
مثلما كشفت هذه الاحداث انتهازية القيادات السياسية والدينية الايرانية، فاين مبادئ وقيم الثورة الايرانية، مما يجري حاليا في النجف؟
ولماذا هذا الصمت من قبل معظم المرجعيات الدينية في قم ، واذا كانت الملايين لا تزال في الشوارع بشكل عفوي احتجاجا علي انتهاك حرمة المقـــدسات، فمــتي ستخرج ومتي ستتظاهر؟
هناك طلاق بائن بين رجال الدين ومرجعياته والدبلوماسية، ولا حلول وسطا في المفاصل التاريخية الحاسمة، ولا حياد في مسائل انتهاك المقدسات وقتل الابرياء بالمئات. فالتاريخ لا يرحم، والشعب ايضا لا يرحم.
الاختفاء في ظل ما يجري في العراق هو تنصل من المسؤولية الدينية والوطنية، والصمت عن قتل الابرياء هو تأييد مبطن، ومباركة واضحة، وسقوط كبير في امتحان العقيدة والتاريخ.