المهند
18-08-2004, 09:07 AM
مبادئ التدريب العسكري في الإسلام
القوات المسلحة هي الدرع الواقي بعد الله تعالى للدولة ضد العدوان، وهي التي تحافظ على سلامة دينها وتدافع عن مكتسباتها وتذود عن مقدساتها، كما أنها أداتها في ردع المعتدي وتدميره إذا مافكر في العدوان. وهي كذلك سبيل إلى مهاجمة الرافضين لحكم الإسلام في عقر دارهم، لنشر دين الله تعالى في الأرض، ولتكون كلمة الله هي العليا، وليكون الدين كله له، كما أمرت بذلك النصوص الشرعية. ولا يمكن أن تكون القوات المسلحة قادرة على تحقيق هذه المهام في الحرب إلا إذا تم إعدادها، وبناؤها بناءً سليماً منذ أيام السلم.
وثمة تدابير أساسية لابد من إنجازها من أجل إعداد القوات المسلحة، ومن تلك التدابير؛ التدريب والإعداد القتالي للقوات المسلحة.
يعتبر التدريب القتالي للقوات من أهم واجباتها في أثناء السلم، وهو أساس إعدادها للحرب، فالتدريب الشاق الجيد المبني على أسس سليمة هو حجر الزاوية في بناء قوات مسلحة كفوءة وقادرة على الدخول في القتال، ومواجهة أية مواقف وبالتالي تحقيق حماية الدولة ضد أي عدوان. لذلك فإن أهم الخطط السنوية للقوات المسلحة هي خطة التدريب القتالي التي تهدف إلى تطوير الكفاءة القتالية والاستعداد القتالي لمختلف وحدات وقطعات أنواع القوات المسلحة - برية، جوية، بحرية - وتشكيلاتها وكذلك أجهزة القيادة العامة ومصالحها وفروعها ووحداتها الاختصاصية [1].
وللتدريب القتالي أشكال مختلفة في وقتنا الحاضر لا مجال لذكرها في هذا الموضوع، لكن المهم هو التركيز على الفرد المقاتل لرفع كفاءته في القتال، وعلى استخدام سلاحه ومعداته وعلى رفع لياقته البدنية.
وكذلك على رفع مستواه الثقافي وغرس روح المبادرة وحسن التصرف، وكذلك التركيز على التدريب المشترك للوحدات. حتى تصل إلى مستوى التدريب العملياتي الذي تشترك فيه التشكيلات الكبرى في القوات المسلحة بمشاركة جميع أنواع القوات المسلحة البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي.. الخ.. والذي يتم التدريب فيه على مهام العمليات الحربية وذلك لحل جميع المشاكل التي قد تواجه القوات المسلحة في الحرب. وذلك بأن يأخذ التدريب صورة الحرب الحقيقية الحديثة، كذلك يجب التركيز في الظروف الراهنة على تدريب القوات على العمل في ظروف استخدام العدو لأسلحة التدمير الشامل.
ونجد في نصوص الإسلام أن التدريب على القتال يعد من الضرورات الحيوية لإعداد "القوة" التي أمر بها الإسلام لردع الأعداء ورد عدوانهم، وللمحافظة على درجة الاستعداد العالية لصد العدوان في أية لحظة. وينبه الله جل شأنه إلى أن العدو يريد أن نتهاون في التدريب وأن نتخلى عن السلاح فيجد فرصته في النيل منا ولذا يقول الحق سبحانه وتعالى: {... ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة..} [النساء-102]. ويوجه الإسلام إلى العناية بالموضوعات التالية في التدريب على القتال كتقوية الأجسام، والتدريب على السلاح والرماية، ومحو الأمية، والتدريب على ركوب الخيل والحرب بها، وموضوعات أخرى لها علاقة بالجاهزية القتالية.
وتحتوي توجيهات الإسلام في التدريب على القتال عدة مبادئ هامة، تطبقها كل الجيوش الحديثة في هذا العصر وخاصة بعد التطور التكنولوجي الذي طرأ على وسائط الصراع المسلح نذكر منها مايلي [2]:
1) إتقان التدريب:
يحث الإسلام على إتقان التدريب لبلوغ أعلى قدر من الكفاءة القتالية، يرشد إلى ذلك قول رسول الله : "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، ومن مقتضيات هذا المبدأ ألا يكتفي المسلم بالمستوى التدريبي الذي بلغه، بل عليه أن يجود فيه ويرفع مستواه بالمزيد من التمرين والمعرفة. فقد أمر الله تعالى نبيه الكريم أن يقول: رب زدني علما [طه-114]. وهذه المسئولية تقع على عاتق الفرد المقاتل قبل أن تقع على قيادته.
2) استمرار التدريب:
وهو من أهم مباديء التدريب الحديثة في الجيوش المعاصرة. لأن "الاستمرار" يحقق فائدتين كبيرتين: الأولى هي المحافظة على مستوى كفاءة الفرد المقاتل ليكون قادراً على القتال بكفاءة في أية لحظة، والثانية هي دعم هذه الكفاءة والارتفاع بها إلى مستوى أفضل. وهذا ما يفهم من قول رسول الله وهو يحذر المسلمين من الانقطاع عن التدريب: (من ترك الرمي بعد ما علمه فإنما هي نعمة جحدها) [3] رواه أبو داود وغيره، وقوله أيضاً: (من علم الرمي ثم تركه فليس منا) [4] أو (فقد عصى) رواه أحمد ومسلم، وتذكر كتب السيرة أن بعض المسلمين كانوا يتدربون على السلاح حتى في يوم العيد.
3) ملاحقة التطور في أسلحة القتال:
كذلك عني النبي القائد بملاحقة التطور في أسلحة القتال ووسائط الصراع المسلح المبتكرة، فكان حريصاً على تزويد جيش الإسلام بالأسلحة المعاصرة، والتي لم يألفها العرب من قبل، وعلى تدريب المسلمين عليها، ثم استخدامهافي القتال. فقد أرسل عليه الصلاة والسلام بعثة في إثنين من المسلمين هما: عروة ابن مسعود وغيلان بن سلمة إلى "جرش" ليتعلما صنعة العرادات والمنجنيق والدبابات وكلها من أسلحة القتال التي لم يألفها المسلمون من قبل [5].
وقد استخدم الرسول الكريم المنجنيق والدبابات في حصار الطائف. كما روي أنه نصب المنجنيق في حصار "خيبر" للتهديد، ولكنه لم يرم به فعلاً. فقد روى ابن خلدون : (أن الرسول هم بنصب المنجنيق على خيبر. فلما أيقنوا بالهلكة سألوه الصلح) [6]. ولم يكتف المسلمون في عهد النبوة وعهد الخلفاء الراشدين وما بعده بملاحقة التطور في أسلحة القتال على النحو الذي ذكر آنفاً، بل إنهم تناولوا الأسلحة والمعدات الحربية بالتحسين والتطوير حتى أدهشوا في ذلك الفرس والروم خلال سير الفتوحات الإسلامية.
4) ملاحقة مستويات الكفاءة المعاصرة:
ويدل على ذلك الاهتمام الفائق لرسول الله بتدريب المسلمين على الرمي بصورة توحي برغبته الشديدة في رفع مستوى كفاءتهم فيه إلى أعلى المستويات كما هو واضح في الأحاديث الشريفة التالية:
(ألا إن القوة الرمي) وكررها ثلاثاً [رواه مسلم].
(إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه المحتسب في عمله الخير، والرامي به، والممد به، فارموا واركبوا، وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا) [رواه الخمسة] [7].
(كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل، إلا ثلاثة: رميه عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله. فإنهن من الحق) [رواه الخمسة] [8] عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
ويشيد الرسول القائد بمن يجيد الرمي. فيقول لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو يرمي بين يديه يوم أحد (ارم فداك أبي وأمي) [رواه الشيخان والترمذي] [9]. وما جمع النبي أبويه لأحد غير سعد بن أبي وقاص. وفي أحد أيضاً كان رسول الله يقول لأصحابه: (نبلوا سهيلاً) [10] ويقصد سهيل بن الأحنف رضي الله عنه، أي اعطوه نبلكم وذلك لدقته ومهارته في الرمي.
5) مراعاة احتياطات الأمن في التدريب:
يعرف العسكريون في كل مكان اصطلاح"احتياطات الأمن" في التدريب. وهو يعني الإجراءات والتدريبات التي تتخذ أو تراعي في أثناء التدريب لمنع حدوث إصابات للجنود أوضرر مادي للمواطنين أيضاً. وقد عني الإسلام الحنيف بهذه الاحتياطات قبل غيره من الأنظمة كما يتضح في الأمثلة التالية:
أ) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: (لايشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لايدري لعل الشيطان ينزع في يده. فيقع في حفرة من النار) [متفق عليه] [11].
ب) وعنه أيضاً أن رسول الله قال: (من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه) [12] [رواه مسلم].
ج) وعن جابر رضي الله عنه قال: "نهى النبي أن يتعاطى السيف مسلولاً" [رواه أبو داود والترمذي] [15].
د) وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك، أو ليقبض على نصالها بكفه، أن يصيب - أي حتى لايصيب - أحداً من المسلمين منها بشيء) [متفق عليه] [14].
6) استخدام الحواس والعقل، والمنافسة:
يعد ستخدام الحواس من أساليب التدريب الحديثة في الجيوش. وخاصة بعد أن بدأت هذه الجيوش تستخدم علم النفس وأصول التدريب الحديثة في أوجه نشاطها التدريبي المتعددة. وظهرت وسائل الإيضاح السمعية والبصرية وغيرها التي تساعد في إنجاح العملية التدريبية. كما صاحب هذا التطور. تطور آخر هو استخدام الأسلوب الذي يجعل الجندي يستخدم عقله فيفكر في الموقف الذي يواجهه ثم يتخذ التصرف الذي يهديه إليه تفكيره السليم.
ولقد سبق الإسلام غيره، بتقرير مبدأ "استخدام الحواس" و"استخدام العقل" في مجال العلم والتعليم والمنهج العلمي القويم. حيث يدعونا الإسلام إلى أن نستعمل الحواس والعقل معاً في كل تجاربنا المادية والمعنوية فكلاهما متمم للآخر.
ويشير الله تعالى في تعداد نعمه علينا إلى الحواس والعقل معاً فيقول تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لاتعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} [النحل-78]. كما جعلنا الله سبحانه وتعالى مسئولين عن استخدام الحواس والعقل فقال جل شأنه: {.. إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} [الإسراء-36]. كما قال أيضاً: {وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون} [المؤمنون-78].
ومن المعروف أيضاً أن المنافسة من أفضل الحوافز على الإجادة والإتقان لأنها من وجهة نظر علم النفس تحرك في الإنسان دافعاً ذاتياً لكي يتفوق على غيره. ولهذا كان التنافس من مباديء التدريب التي تستهدف رفع مستوى الكفاءة لدى المقاتلين وبين الوحدات العسكرية أيضاً. وقد كان رسول الله معنياً غاية العناية بهذا المبدأ، فكان يشجع على المسابقات في كل مجالات التدريب البدنية والرياضية والفروسية والرمي بالسلاح بل كان عليه الصلاة والسلام يشترك بنفسه فيها حفزاً للهمم وإذكاءً لروح التنافس البريء والمشجع [15].
7) تدريب القادة:
لا تكتفي الجيوش في وقتنا الحاضر بتدريب جنودها على القتال، بل تقوم بتدريب ضباطها وقادتها، ويعد كل قائد مسئولا عن إعداد نفسه والتزود بالمعارف والخبرات اللازمة له. كما تقوم قيادات الجيوش حالياً بوضع المناهج والدورات والمناورات لتدريب الضباط والقادة والأركان. وقد قرر الرسول هذا المبدأ ضارباً بنفسه المثل الأعلى فكان اشتراكه في كل أشكال التدريب كما تروي كتب السيرة دليلاً عملياً على تطبيق مبدأ تدريب القائد. وعلى أن مسئولية القائد في مجال التدريب على القتال لاتنحصر في تدريب رجاله فقط، بل تشمل أيضاً تدريب نفسه [16] وتدريب القادة المعاونين - المساعدين - أيضاً.
الخلاصة:
تعرفنا من خلال هذا المقال الموجز والمختصر على المبادئ الأساسية للتدريب على القتال، في الماضي والحاضر، وكيف أن الإسلام الحنيف سبق غيره من الأنظمة الحضارية في تأصيل وتجديد وإقرار هذه المبادئ التدريبية الإيجابية والتي يؤدي تطبيقها من خلال العملية التدريبية إلى رفع مستوى الكفاءة النوعية لدى القوات المسلحة. وكل ذلك ينطوي تحت قول الحق سبحانه وتعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..} [الأنفال-60] [17] صدق الله العظيم.
[عن مجلة "الجندي المسلم" / العدد 102]
1) انظر كتاب [الاستراتيجية السياسية العسكرية] العماد الأول الدكتور مصطفى طلاس ومجموعة من الباحثين الجزء الأول، ص [167] دمشق، دار طلاس عام 1991م.
2) انظر كتاب [المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية العسكرية الإسلامية] اللواء الركن محمود جمال الدين علي محفوظ الطبعة الأولى، ص [278 279]،القاهرة، دار الإعتصام 1976م.
3) رواه ابن ماجة عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، كتاب 24 باب 19.
4) رواه الإمام أحمد [وفي شرح صحيح مسلم للنووي]، الكتاب الرابع، الحديث 113و144.
5) انظر كتاب: [السيرة النبوية] لأبي الحسن علي الحسني الندوي، الطبعة الثانية [ص299] دار الشروق، جدة، المملكة العربية السعودية 1399ه.
6) انظر المصدر السابق، ص [261] غزوة خيبر.
7) صحيح مسلم الكتاب 33 الحديث 167و169.
8) سنن النسائي الكتاب 28 الباب [8].
9) صحيح البخاري الكتاب 62، باب15، والكتاب 64، باب 18.
10) انظر كتاب [زاد المعاد في هدي خير العباد] لابن القيم الجزء الثاني، غزوة أحد [ص95].
11) مسند ابن حنبل الكتاب الثاني، ص256 و505 الكتاب السادس ص266.
12) صحيح مسلم الكتاب 45 الحديث 125 و126. وسنن الترمذي الكتاب 31 الباب4، ومسند الطيالسي، الحديث 520،844.
13) [مكرر] طبقات ابن سعد الجزء4 القسم2 ص [72] ومسند ابن حنبل الثالث ص300 و347 و361و370.
14) صحيح البخاري الكتاب 8 الباب 66و67 والكتاب 92 الباب7.
15) انظر هامش رقم [3] باب التدريب على القتال، الصفحة رقم [282].
16) نفس المرجع السابق.
17) مجلة الحرس الوطني العسكرية، العدد رقم [211] شوال عام 1420هـ الصفحة [51] الباحث غازي ملهوف. الرياض المملكة العربية السعودية.
القوات المسلحة هي الدرع الواقي بعد الله تعالى للدولة ضد العدوان، وهي التي تحافظ على سلامة دينها وتدافع عن مكتسباتها وتذود عن مقدساتها، كما أنها أداتها في ردع المعتدي وتدميره إذا مافكر في العدوان. وهي كذلك سبيل إلى مهاجمة الرافضين لحكم الإسلام في عقر دارهم، لنشر دين الله تعالى في الأرض، ولتكون كلمة الله هي العليا، وليكون الدين كله له، كما أمرت بذلك النصوص الشرعية. ولا يمكن أن تكون القوات المسلحة قادرة على تحقيق هذه المهام في الحرب إلا إذا تم إعدادها، وبناؤها بناءً سليماً منذ أيام السلم.
وثمة تدابير أساسية لابد من إنجازها من أجل إعداد القوات المسلحة، ومن تلك التدابير؛ التدريب والإعداد القتالي للقوات المسلحة.
يعتبر التدريب القتالي للقوات من أهم واجباتها في أثناء السلم، وهو أساس إعدادها للحرب، فالتدريب الشاق الجيد المبني على أسس سليمة هو حجر الزاوية في بناء قوات مسلحة كفوءة وقادرة على الدخول في القتال، ومواجهة أية مواقف وبالتالي تحقيق حماية الدولة ضد أي عدوان. لذلك فإن أهم الخطط السنوية للقوات المسلحة هي خطة التدريب القتالي التي تهدف إلى تطوير الكفاءة القتالية والاستعداد القتالي لمختلف وحدات وقطعات أنواع القوات المسلحة - برية، جوية، بحرية - وتشكيلاتها وكذلك أجهزة القيادة العامة ومصالحها وفروعها ووحداتها الاختصاصية [1].
وللتدريب القتالي أشكال مختلفة في وقتنا الحاضر لا مجال لذكرها في هذا الموضوع، لكن المهم هو التركيز على الفرد المقاتل لرفع كفاءته في القتال، وعلى استخدام سلاحه ومعداته وعلى رفع لياقته البدنية.
وكذلك على رفع مستواه الثقافي وغرس روح المبادرة وحسن التصرف، وكذلك التركيز على التدريب المشترك للوحدات. حتى تصل إلى مستوى التدريب العملياتي الذي تشترك فيه التشكيلات الكبرى في القوات المسلحة بمشاركة جميع أنواع القوات المسلحة البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي.. الخ.. والذي يتم التدريب فيه على مهام العمليات الحربية وذلك لحل جميع المشاكل التي قد تواجه القوات المسلحة في الحرب. وذلك بأن يأخذ التدريب صورة الحرب الحقيقية الحديثة، كذلك يجب التركيز في الظروف الراهنة على تدريب القوات على العمل في ظروف استخدام العدو لأسلحة التدمير الشامل.
ونجد في نصوص الإسلام أن التدريب على القتال يعد من الضرورات الحيوية لإعداد "القوة" التي أمر بها الإسلام لردع الأعداء ورد عدوانهم، وللمحافظة على درجة الاستعداد العالية لصد العدوان في أية لحظة. وينبه الله جل شأنه إلى أن العدو يريد أن نتهاون في التدريب وأن نتخلى عن السلاح فيجد فرصته في النيل منا ولذا يقول الحق سبحانه وتعالى: {... ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة..} [النساء-102]. ويوجه الإسلام إلى العناية بالموضوعات التالية في التدريب على القتال كتقوية الأجسام، والتدريب على السلاح والرماية، ومحو الأمية، والتدريب على ركوب الخيل والحرب بها، وموضوعات أخرى لها علاقة بالجاهزية القتالية.
وتحتوي توجيهات الإسلام في التدريب على القتال عدة مبادئ هامة، تطبقها كل الجيوش الحديثة في هذا العصر وخاصة بعد التطور التكنولوجي الذي طرأ على وسائط الصراع المسلح نذكر منها مايلي [2]:
1) إتقان التدريب:
يحث الإسلام على إتقان التدريب لبلوغ أعلى قدر من الكفاءة القتالية، يرشد إلى ذلك قول رسول الله : "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، ومن مقتضيات هذا المبدأ ألا يكتفي المسلم بالمستوى التدريبي الذي بلغه، بل عليه أن يجود فيه ويرفع مستواه بالمزيد من التمرين والمعرفة. فقد أمر الله تعالى نبيه الكريم أن يقول: رب زدني علما [طه-114]. وهذه المسئولية تقع على عاتق الفرد المقاتل قبل أن تقع على قيادته.
2) استمرار التدريب:
وهو من أهم مباديء التدريب الحديثة في الجيوش المعاصرة. لأن "الاستمرار" يحقق فائدتين كبيرتين: الأولى هي المحافظة على مستوى كفاءة الفرد المقاتل ليكون قادراً على القتال بكفاءة في أية لحظة، والثانية هي دعم هذه الكفاءة والارتفاع بها إلى مستوى أفضل. وهذا ما يفهم من قول رسول الله وهو يحذر المسلمين من الانقطاع عن التدريب: (من ترك الرمي بعد ما علمه فإنما هي نعمة جحدها) [3] رواه أبو داود وغيره، وقوله أيضاً: (من علم الرمي ثم تركه فليس منا) [4] أو (فقد عصى) رواه أحمد ومسلم، وتذكر كتب السيرة أن بعض المسلمين كانوا يتدربون على السلاح حتى في يوم العيد.
3) ملاحقة التطور في أسلحة القتال:
كذلك عني النبي القائد بملاحقة التطور في أسلحة القتال ووسائط الصراع المسلح المبتكرة، فكان حريصاً على تزويد جيش الإسلام بالأسلحة المعاصرة، والتي لم يألفها العرب من قبل، وعلى تدريب المسلمين عليها، ثم استخدامهافي القتال. فقد أرسل عليه الصلاة والسلام بعثة في إثنين من المسلمين هما: عروة ابن مسعود وغيلان بن سلمة إلى "جرش" ليتعلما صنعة العرادات والمنجنيق والدبابات وكلها من أسلحة القتال التي لم يألفها المسلمون من قبل [5].
وقد استخدم الرسول الكريم المنجنيق والدبابات في حصار الطائف. كما روي أنه نصب المنجنيق في حصار "خيبر" للتهديد، ولكنه لم يرم به فعلاً. فقد روى ابن خلدون : (أن الرسول هم بنصب المنجنيق على خيبر. فلما أيقنوا بالهلكة سألوه الصلح) [6]. ولم يكتف المسلمون في عهد النبوة وعهد الخلفاء الراشدين وما بعده بملاحقة التطور في أسلحة القتال على النحو الذي ذكر آنفاً، بل إنهم تناولوا الأسلحة والمعدات الحربية بالتحسين والتطوير حتى أدهشوا في ذلك الفرس والروم خلال سير الفتوحات الإسلامية.
4) ملاحقة مستويات الكفاءة المعاصرة:
ويدل على ذلك الاهتمام الفائق لرسول الله بتدريب المسلمين على الرمي بصورة توحي برغبته الشديدة في رفع مستوى كفاءتهم فيه إلى أعلى المستويات كما هو واضح في الأحاديث الشريفة التالية:
(ألا إن القوة الرمي) وكررها ثلاثاً [رواه مسلم].
(إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه المحتسب في عمله الخير، والرامي به، والممد به، فارموا واركبوا، وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا) [رواه الخمسة] [7].
(كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل، إلا ثلاثة: رميه عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله. فإنهن من الحق) [رواه الخمسة] [8] عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
ويشيد الرسول القائد بمن يجيد الرمي. فيقول لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو يرمي بين يديه يوم أحد (ارم فداك أبي وأمي) [رواه الشيخان والترمذي] [9]. وما جمع النبي أبويه لأحد غير سعد بن أبي وقاص. وفي أحد أيضاً كان رسول الله يقول لأصحابه: (نبلوا سهيلاً) [10] ويقصد سهيل بن الأحنف رضي الله عنه، أي اعطوه نبلكم وذلك لدقته ومهارته في الرمي.
5) مراعاة احتياطات الأمن في التدريب:
يعرف العسكريون في كل مكان اصطلاح"احتياطات الأمن" في التدريب. وهو يعني الإجراءات والتدريبات التي تتخذ أو تراعي في أثناء التدريب لمنع حدوث إصابات للجنود أوضرر مادي للمواطنين أيضاً. وقد عني الإسلام الحنيف بهذه الاحتياطات قبل غيره من الأنظمة كما يتضح في الأمثلة التالية:
أ) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: (لايشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لايدري لعل الشيطان ينزع في يده. فيقع في حفرة من النار) [متفق عليه] [11].
ب) وعنه أيضاً أن رسول الله قال: (من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه) [12] [رواه مسلم].
ج) وعن جابر رضي الله عنه قال: "نهى النبي أن يتعاطى السيف مسلولاً" [رواه أبو داود والترمذي] [15].
د) وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك، أو ليقبض على نصالها بكفه، أن يصيب - أي حتى لايصيب - أحداً من المسلمين منها بشيء) [متفق عليه] [14].
6) استخدام الحواس والعقل، والمنافسة:
يعد ستخدام الحواس من أساليب التدريب الحديثة في الجيوش. وخاصة بعد أن بدأت هذه الجيوش تستخدم علم النفس وأصول التدريب الحديثة في أوجه نشاطها التدريبي المتعددة. وظهرت وسائل الإيضاح السمعية والبصرية وغيرها التي تساعد في إنجاح العملية التدريبية. كما صاحب هذا التطور. تطور آخر هو استخدام الأسلوب الذي يجعل الجندي يستخدم عقله فيفكر في الموقف الذي يواجهه ثم يتخذ التصرف الذي يهديه إليه تفكيره السليم.
ولقد سبق الإسلام غيره، بتقرير مبدأ "استخدام الحواس" و"استخدام العقل" في مجال العلم والتعليم والمنهج العلمي القويم. حيث يدعونا الإسلام إلى أن نستعمل الحواس والعقل معاً في كل تجاربنا المادية والمعنوية فكلاهما متمم للآخر.
ويشير الله تعالى في تعداد نعمه علينا إلى الحواس والعقل معاً فيقول تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لاتعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} [النحل-78]. كما جعلنا الله سبحانه وتعالى مسئولين عن استخدام الحواس والعقل فقال جل شأنه: {.. إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} [الإسراء-36]. كما قال أيضاً: {وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون} [المؤمنون-78].
ومن المعروف أيضاً أن المنافسة من أفضل الحوافز على الإجادة والإتقان لأنها من وجهة نظر علم النفس تحرك في الإنسان دافعاً ذاتياً لكي يتفوق على غيره. ولهذا كان التنافس من مباديء التدريب التي تستهدف رفع مستوى الكفاءة لدى المقاتلين وبين الوحدات العسكرية أيضاً. وقد كان رسول الله معنياً غاية العناية بهذا المبدأ، فكان يشجع على المسابقات في كل مجالات التدريب البدنية والرياضية والفروسية والرمي بالسلاح بل كان عليه الصلاة والسلام يشترك بنفسه فيها حفزاً للهمم وإذكاءً لروح التنافس البريء والمشجع [15].
7) تدريب القادة:
لا تكتفي الجيوش في وقتنا الحاضر بتدريب جنودها على القتال، بل تقوم بتدريب ضباطها وقادتها، ويعد كل قائد مسئولا عن إعداد نفسه والتزود بالمعارف والخبرات اللازمة له. كما تقوم قيادات الجيوش حالياً بوضع المناهج والدورات والمناورات لتدريب الضباط والقادة والأركان. وقد قرر الرسول هذا المبدأ ضارباً بنفسه المثل الأعلى فكان اشتراكه في كل أشكال التدريب كما تروي كتب السيرة دليلاً عملياً على تطبيق مبدأ تدريب القائد. وعلى أن مسئولية القائد في مجال التدريب على القتال لاتنحصر في تدريب رجاله فقط، بل تشمل أيضاً تدريب نفسه [16] وتدريب القادة المعاونين - المساعدين - أيضاً.
الخلاصة:
تعرفنا من خلال هذا المقال الموجز والمختصر على المبادئ الأساسية للتدريب على القتال، في الماضي والحاضر، وكيف أن الإسلام الحنيف سبق غيره من الأنظمة الحضارية في تأصيل وتجديد وإقرار هذه المبادئ التدريبية الإيجابية والتي يؤدي تطبيقها من خلال العملية التدريبية إلى رفع مستوى الكفاءة النوعية لدى القوات المسلحة. وكل ذلك ينطوي تحت قول الحق سبحانه وتعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..} [الأنفال-60] [17] صدق الله العظيم.
[عن مجلة "الجندي المسلم" / العدد 102]
1) انظر كتاب [الاستراتيجية السياسية العسكرية] العماد الأول الدكتور مصطفى طلاس ومجموعة من الباحثين الجزء الأول، ص [167] دمشق، دار طلاس عام 1991م.
2) انظر كتاب [المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية العسكرية الإسلامية] اللواء الركن محمود جمال الدين علي محفوظ الطبعة الأولى، ص [278 279]،القاهرة، دار الإعتصام 1976م.
3) رواه ابن ماجة عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، كتاب 24 باب 19.
4) رواه الإمام أحمد [وفي شرح صحيح مسلم للنووي]، الكتاب الرابع، الحديث 113و144.
5) انظر كتاب: [السيرة النبوية] لأبي الحسن علي الحسني الندوي، الطبعة الثانية [ص299] دار الشروق، جدة، المملكة العربية السعودية 1399ه.
6) انظر المصدر السابق، ص [261] غزوة خيبر.
7) صحيح مسلم الكتاب 33 الحديث 167و169.
8) سنن النسائي الكتاب 28 الباب [8].
9) صحيح البخاري الكتاب 62، باب15، والكتاب 64، باب 18.
10) انظر كتاب [زاد المعاد في هدي خير العباد] لابن القيم الجزء الثاني، غزوة أحد [ص95].
11) مسند ابن حنبل الكتاب الثاني، ص256 و505 الكتاب السادس ص266.
12) صحيح مسلم الكتاب 45 الحديث 125 و126. وسنن الترمذي الكتاب 31 الباب4، ومسند الطيالسي، الحديث 520،844.
13) [مكرر] طبقات ابن سعد الجزء4 القسم2 ص [72] ومسند ابن حنبل الثالث ص300 و347 و361و370.
14) صحيح البخاري الكتاب 8 الباب 66و67 والكتاب 92 الباب7.
15) انظر هامش رقم [3] باب التدريب على القتال، الصفحة رقم [282].
16) نفس المرجع السابق.
17) مجلة الحرس الوطني العسكرية، العدد رقم [211] شوال عام 1420هـ الصفحة [51] الباحث غازي ملهوف. الرياض المملكة العربية السعودية.