خطاب
26-11-2012, 09:14 PM
المختصر/ منذ أنْ اصطفت بقايا وفلول دولة مبارك في خندق واحد لدعم مرشحهم أحمد شفيق ضد المرشح الإسلامي ومرشح الثورة د. محمد مرسي- لم تترك هذه البقايا والفلول هذا الاصطفاف ساعة واحدة، بل إنهم يتجمعون ويتوحدون، ويمنون أنفسهم بإسقاط وتفشيل الرئيس المنتخب د. محمد مرسي؛ حتى تعود لهم مصالحهم، ونهبهم، ونفوذهم، وسرقاتهم، وفسادهم، واستبدادهم.
ولا يجب أنْ يهوّن البعض من حجم هؤلاء الفلول والبقايا؛ فهم موجودون بكثافة في كل مصلحة حكومية، وفي كل إدارة ومؤسسة ووزارة، وهم موجودون بكثرة في الأجهزة الأمنية المختلفة، وهم يمثلون كتلة لا يستهان بها في عالم الاقتصاد والاستثمار ورجال الأعمال، وهم موجودون بكثافة في القضاء الذي أفسده المخلوع مبارك، أما في مجال الإعلام فإن الغالبية العظمى للعاملين فيه من هذه البقايا والفلول الذين يخوضون معركتهم الأخيرة ضد الحرية وضد الرئيس المنتخب.
فما أنْ أصدر الرئيس الدكتور محمد مرسي القرار الجمهوري بإعادة مجلس الشعب المنتخب إلى الانعقاد حتى فتحت عليه أبواق فلول وبقايا دولة مبارك العميقة من كل حدب وصوب، وراح القوم بمنتهى قلة الأدب وقلة الحياء يرمون الرئيس الشرعي المنتخب بكل ما هو سافل.
* أحد هؤلاء المدافعين عن دولة المخلوع مبارك- ويعمل أستاذًا للقانون الدستوري، وهو من الكارهين لثورة يناير، والكارهين لكل ما هو إسلامي- رفض التعامل مع قرار رئيس الجمهورية على أنه واقع حقيقي، قائلًا: هذا شيء لا يتصوره، عقل بعد أنْ صنع مرسي لنفسه سلطة من العدم لكون حل المجلس أسدل الستار عليه بحكم المحكمة الدستورية العليا، وطالب المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمحاصرة قصر الرئاسة؛ لحماية الشرعية القانونية والدستورية التي انتهكها رئيس الجمهورية، كذلك محاصرة مجلس الشعب، ومنع النواب من دخوله نظرًا لفقدانهم الصفة النيابية بمجرد صدور الحكم، كما طالب بمحاكمة رئيس الجمهورية بتهمة الخيانة العظمي؛ لكونه أقسم على احترام الدستور والقانون إلا أنَّه ضرب بالقانون والدستور والأحكام القضائية عُرض الحائط- على حد قوله.
* أما رئيس نادي القضاة- الذي أتى به الرئيس المخلوع لمواجهة وتطويق تيار الاستقلال في القضاء- فقد بلغ ذروة الانفلات بدعوته رئيس الجمهورية أنْ يعود إلى رشده، وإمهاله له 36 ساعة حتى يسحب قراره.
لكن غالبية رجال القضاء والقانون، ومعظمهم من الهامات الرفيعة في أماكنها، أيدوا قرار الرئيس المنتخب، وأكدوا أنَّ بديهيات الديمقراطية لا تسمح لمحكمة بحل برلمان، وأنَّ حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص يقتضي العودة للإرادة الشعبية لا استباقها، فالبرلمانات لا يحلها سوى من اختارها، أي الشعب، ومرسي سحب قرار العسكري وحدد أجلًا لانتخاب مجلس الشعب.
ويؤكد القانونيون المحترمون أنَّ المجلس الأعلى للقوات المسلحة دائمًا ما دفع البلاد إلى حافة الهاوية بسياساته، ومَن ينتقد الرئيس مرسي لإلغاء قرار العسكري بحل الشعب فليس قلقًا على الديمقراطية، بل هو قلق من إغضاب المجلس العسكري ومهاجمته.
ويؤكد فقهاء القانون أيضًا أنَّ قرار الرئيس بإجراء انتخابات خلال 60 يومًا من الاستفتاء على الدستور الجديد- جاء احترامًا لأحكام القضاء الدستوري، وبُني على أكثر التفسيرات تشددًا، وهي التي قالت إنَّ بطلان النصوص الأربعة لا يقف عند حدِّ الأعضاء الحزبيين على المقاعد الفردية، وإنما يمتد ليؤثر في كل أعضاء البرلمان، وبالتالي دعا الرئيس إلى انتخابات برلمانية مبكرة عقب الاستفتاء على الدستور الجديد، وعقب وضع قانون انتخابات جديد.
إنَّ الرئيس استخدم صلاحياته في تصحيح قرار تنفيذي غير دستوري أصدره المجلس العسكري بحل البرلمان؛ ترتب عليه تغييب السلطة التشريعية والرقابية، واستمرار المجلس العسكري في الحكم بعد 30 يونيو؛ فأصدر هذا القرار الجمهوري لمنع الفراغ المؤسسي الذي وظَّفه الإعلان الدستوري المكمل.
إنَّ المحكمة الدستورية العليا حينما أصدرت حكمها بحل مجلس الشعب كان الحكم قاصرًا على عدم دستورية المواد التي انتخب على أساسها أعضاء الثلث الفردي، وهذا المنطوق ارتبط بأسبابه فأصبح الثلث هو الواجب التنفيذ فقط، وكذلك الأسباب المؤدية إليه.
لقد أخطأت المحكمة الدستورية العليا خطأ فادحًا حينما أوردت أسبابًا زائدة- تسمى بـ"نافلة القول"- حيث تحدثت فيها عما لا يدخل في اختصاصها حينما قالت بحل البرلمان، وهذا ليس من شأن المحكمة الدستورية العليا.
كما أنَّ المشير طنطاوي تعجل في إصدار قرار إداري بحل مجلس الشعب، وكان يجب أن يتضمن هذا القرار الإداري إحالة ثلث أعضاء البرلمان على المقاعد الفردية إلى محكمة النقض للنظر في شأنهم؛ فالعضو الذي ينتمي للأحزاب وترشح على المقعد الفردي المستقل تصبح عضويته صحيحة، وتنفيذ الحكم بهذه الكيفية معناه أننا ننفذ الحكم حسب النوايا التي هي غير خالصة لوجه الله.
هناك سوء نوايا من الدستورية التي تحدث الكثيرون عن عدم اختصاصها، وهناك سوء نوايا في تعجل المجلس العسكري في حل مجلس الشعب بقرار إداري دون دراسة، كما تعجل المجلس في تنفيذ الحكم دون دراسة أسبابه، وقد ظهر سوء النوايا في إصدار إعلان دستوري مكمل لا يملك المجلس العسكري إصداره، فعمله فقط هو تسيير الأعمال.
ومن العجيب أنَّ الذين يملئون الشاشات اليوم حديثًا عن عدم أحقية الرئيس المدني المنتخب في القرار الجمهوري الذي أصدره- هم فقط من بين جموع الشعب المصري الذين صمتوا على القرار العسكري بحلِّ البرلمان، وسكتوا عن استمرار العسكر في الحكم من خلال الإعلان الدستوري المكمل، بل هلَّلوا له ودافعوا عنه!.
وخلاصة رأي فقهاء القانون أنَّ قرار رئيس الجمهورية نفَّذ حكم المحكمة الدستورية بدعوته لإجراء انتخابات بعد الاستفتاء على الدستور، ولم يخالف القانون والدستور في إعادة البرلمان المنحل بقرار من المجلس العسكري؛ فالرئيس بهذا القرار استدعى مهامه في عودة المؤسسة التشريعية المنتخبة لسدِّ الفراغ التشريعي، ولضمان عدم تكريس السلطات في يده بتوليه مهمة التشريع، كما أنَّ قرار انعقاد البرلمان تصحيح لقرار المجلس العسكري، ولا يمس حكم الدستورية العليا- خاصة- أنَّ البرلمان المنحل جاء بإرادة شعبية حرة شارك في صياغته 30 مليونًا مصريًّا في انتخابات شهد العالم بنزاهتها، وأنَّ هذا القرار كان واجبًا على الرئيس إصداره في تلك الظروف.
لقد بلغ حد الاستخفاف أنَّ أحد المتحدثين الدائمين في القنوات الفضائية يطالب الرئيس المنتخب أنْ يحدد موقفًا واضحًا من أمرين هما: مسألة بيع قناة السويس، والتنازل عن بعض أراضي سيناء للفلسطينيين.
المشكلة تكمن في الحالة العقلية والنفسية التي جعلت أمثال هذا المتحدث مستعدًّا لتصديق إمكانية بيع قناة السويس، أو التنازل عن جزء من سيناء، وهي الفكرة التي لا يصدقها أي فاقد للعقل في مصر، ولكن القوم يستخفون بالناس وبعقولهم وبتفكيرهم، وينسون أنَّ كثيرًا من المشاهدين أوعى وأكثر ثقافة من أولئك الذين خدمتهم الظروف في الظهور المتكرر أمام وسائل الإعلام.
وقد بلغ الأمر بالصحفيين والكتَّاب ومقدمي البرامج الحوارية التجرؤ على شخصية ومكانة رئيس الجمهورية والتدني بالكتابة والحوار إلى أوضع مستوى، وهو الأمر الذي لم يحدث في مصر من قبل، الأمر الذي يدل على ترابط مصالح بقايا وفلول نظام مبارك، ووصولهم لمستوى غير مسبوق من الانهيار المهني والأخلاقي.
والغريب أنَّ أولئك الذين يتمادون في نقد الرئيس المنتخب وفي التهكم عليه، لم نكن نسمع أصواتهم أيام المخلوع، ويرجع ذلك إلى أنهم كانوا منتفعين بفساده وفساد حاشيته ودولته، وفجأة وجدوا أنفسهم مهددين بواقع آخر لا مستقبل لهم فيه؛ فأحد هؤلاء المتفاخرين بسب الرئيس المنتخب والهجوم عليه نشر عام 2007م تقريرًا تحدث فيه عن مرض الرئيس المخلوع، وبسببه تم تقديمه للمحاكمة، وصدر ضده حكم بالحبس ستة أشهر خفضت إلى شهرين، لكن المخلوع عفا عنه بعد ذلك.
إنَّ مخطط إفشال الرئيس المنتخب يتكون من الآتي:
أولًا: من هذه الحملة الإعلامية المشبوهة التي تفوح منها رائحة عناصر دولة مبارك المبثوثة في كل مؤسسات الدولة.
ثانيًا: محاولات إثارة الفوضى وتوسيع نطاق المطالبات والإضرابات الفئوية، وتشجيع الناس على التجمهر أمام القصر الرئاسي، وهذا يتورط فيه أطراف كثيرة سياسية وإعلامية وأمنية وحزبية.
ثالثًا: نشر الكثير من الشائعات اليومية التي تثير البلبلة بين الناس، والتي تشكك في قدرة الرئيس المنتخب على إدارة البلاد، وهذه الجزئية تتولاها أجهزة أمنية ولاؤها للرئيس المخلوع.
رابعًا: حماية المجلس العسكري وتحصين قراراته، والتصدي لأي قرار يصدره الرئيس المنتخب، وهذا مسئولية قضاء مبارك، وعلى رأسه المحكمة الدستورية العليا، التي تركت القضاء وأحكامه وتفرغت لمساندة المجلس العسكري والوقوف ضد الرئيس المنتخب.
ونحن لا نرمي المحكمة الدستورية بالباطل، وإنما هي التي وضعت نفسها في هذا الموقف؛ فها هي نائب رئيس المحكمة الدستورية المستشارة "تهاني الجبالي" تقول لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: إنها خططت مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة للحفاظ على سلطة العسكر السياسية، والتصدي لصعود التيارات الإسلامية، في الوقت الذي وعد فيه بتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة. ونقلت الصحيفة عن المستشارة تهاني الجبالي أنها نصحت المجلس العسكري بعدم التنازل على السلطة للمدنيين حتى يتم كتابة دستور جديد.
وأشارت الصحيفة إلى أنَّ المحكمة الدستورية أصدرت بعد ذلك قرارًا يقضي ببطلان قانون انتخاب مجلس الشعب، الأمر الذي أعاد سلطة التشريع مرة أخرى إلى المجلس العسكري، وقد يسمح لهم بالإشراف على كتابة الدستور.
وأضافت الجبالي أنَّ اتصالاتها المباشرة مع رجال المجلس العسكري بدأت في شهر مايو عام 2011م، بعد مليونية قام بها عدد من النشطاء تطالب بدولة ليبرالية مدنية، وأنْ يتضمن الدستور الحفاظ على الحريات العامة والحقوق السياسية، مشيرة إلى أنَّ المجلس العسكري بدأ في تغيير رؤيته منذ ذلك الحين؛ حيث كان يعتقد قبل ذلك أنَّ القوة الوحيدة الموجودة في الشارع هي قوة جماعة الإخوان المسلمين.
فهل بعد ذلك تأكيد على أنَّ المحكمة الدستورية غارقة لأذنيها في العمل السياسي، ومنحازة في هذا العمل لصالح طرف؟ وللأسف هو الطرف العسكري الذي لا يمكن لأحد القول إنه يحترم ثورة 25 يناير.
ومما يدل على النية المبيتة لدى المحكمة الدستورية، وأنها تخوض حربًا ضد الرئيس المنتخب- أنها حكمت بعدم صحة قراره بدعوة مجلس الشعب للانعقاد، بعد 24 ساعة فقط من تلقيها دعاوى بهذا الشأن، وهي التي تنظر الدعوة الواحدة في 3 سنوات على أقل تقدير!.
المصدر: الاسلام اليوم
ولا يجب أنْ يهوّن البعض من حجم هؤلاء الفلول والبقايا؛ فهم موجودون بكثافة في كل مصلحة حكومية، وفي كل إدارة ومؤسسة ووزارة، وهم موجودون بكثرة في الأجهزة الأمنية المختلفة، وهم يمثلون كتلة لا يستهان بها في عالم الاقتصاد والاستثمار ورجال الأعمال، وهم موجودون بكثافة في القضاء الذي أفسده المخلوع مبارك، أما في مجال الإعلام فإن الغالبية العظمى للعاملين فيه من هذه البقايا والفلول الذين يخوضون معركتهم الأخيرة ضد الحرية وضد الرئيس المنتخب.
فما أنْ أصدر الرئيس الدكتور محمد مرسي القرار الجمهوري بإعادة مجلس الشعب المنتخب إلى الانعقاد حتى فتحت عليه أبواق فلول وبقايا دولة مبارك العميقة من كل حدب وصوب، وراح القوم بمنتهى قلة الأدب وقلة الحياء يرمون الرئيس الشرعي المنتخب بكل ما هو سافل.
* أحد هؤلاء المدافعين عن دولة المخلوع مبارك- ويعمل أستاذًا للقانون الدستوري، وهو من الكارهين لثورة يناير، والكارهين لكل ما هو إسلامي- رفض التعامل مع قرار رئيس الجمهورية على أنه واقع حقيقي، قائلًا: هذا شيء لا يتصوره، عقل بعد أنْ صنع مرسي لنفسه سلطة من العدم لكون حل المجلس أسدل الستار عليه بحكم المحكمة الدستورية العليا، وطالب المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمحاصرة قصر الرئاسة؛ لحماية الشرعية القانونية والدستورية التي انتهكها رئيس الجمهورية، كذلك محاصرة مجلس الشعب، ومنع النواب من دخوله نظرًا لفقدانهم الصفة النيابية بمجرد صدور الحكم، كما طالب بمحاكمة رئيس الجمهورية بتهمة الخيانة العظمي؛ لكونه أقسم على احترام الدستور والقانون إلا أنَّه ضرب بالقانون والدستور والأحكام القضائية عُرض الحائط- على حد قوله.
* أما رئيس نادي القضاة- الذي أتى به الرئيس المخلوع لمواجهة وتطويق تيار الاستقلال في القضاء- فقد بلغ ذروة الانفلات بدعوته رئيس الجمهورية أنْ يعود إلى رشده، وإمهاله له 36 ساعة حتى يسحب قراره.
لكن غالبية رجال القضاء والقانون، ومعظمهم من الهامات الرفيعة في أماكنها، أيدوا قرار الرئيس المنتخب، وأكدوا أنَّ بديهيات الديمقراطية لا تسمح لمحكمة بحل برلمان، وأنَّ حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص يقتضي العودة للإرادة الشعبية لا استباقها، فالبرلمانات لا يحلها سوى من اختارها، أي الشعب، ومرسي سحب قرار العسكري وحدد أجلًا لانتخاب مجلس الشعب.
ويؤكد القانونيون المحترمون أنَّ المجلس الأعلى للقوات المسلحة دائمًا ما دفع البلاد إلى حافة الهاوية بسياساته، ومَن ينتقد الرئيس مرسي لإلغاء قرار العسكري بحل الشعب فليس قلقًا على الديمقراطية، بل هو قلق من إغضاب المجلس العسكري ومهاجمته.
ويؤكد فقهاء القانون أيضًا أنَّ قرار الرئيس بإجراء انتخابات خلال 60 يومًا من الاستفتاء على الدستور الجديد- جاء احترامًا لأحكام القضاء الدستوري، وبُني على أكثر التفسيرات تشددًا، وهي التي قالت إنَّ بطلان النصوص الأربعة لا يقف عند حدِّ الأعضاء الحزبيين على المقاعد الفردية، وإنما يمتد ليؤثر في كل أعضاء البرلمان، وبالتالي دعا الرئيس إلى انتخابات برلمانية مبكرة عقب الاستفتاء على الدستور الجديد، وعقب وضع قانون انتخابات جديد.
إنَّ الرئيس استخدم صلاحياته في تصحيح قرار تنفيذي غير دستوري أصدره المجلس العسكري بحل البرلمان؛ ترتب عليه تغييب السلطة التشريعية والرقابية، واستمرار المجلس العسكري في الحكم بعد 30 يونيو؛ فأصدر هذا القرار الجمهوري لمنع الفراغ المؤسسي الذي وظَّفه الإعلان الدستوري المكمل.
إنَّ المحكمة الدستورية العليا حينما أصدرت حكمها بحل مجلس الشعب كان الحكم قاصرًا على عدم دستورية المواد التي انتخب على أساسها أعضاء الثلث الفردي، وهذا المنطوق ارتبط بأسبابه فأصبح الثلث هو الواجب التنفيذ فقط، وكذلك الأسباب المؤدية إليه.
لقد أخطأت المحكمة الدستورية العليا خطأ فادحًا حينما أوردت أسبابًا زائدة- تسمى بـ"نافلة القول"- حيث تحدثت فيها عما لا يدخل في اختصاصها حينما قالت بحل البرلمان، وهذا ليس من شأن المحكمة الدستورية العليا.
كما أنَّ المشير طنطاوي تعجل في إصدار قرار إداري بحل مجلس الشعب، وكان يجب أن يتضمن هذا القرار الإداري إحالة ثلث أعضاء البرلمان على المقاعد الفردية إلى محكمة النقض للنظر في شأنهم؛ فالعضو الذي ينتمي للأحزاب وترشح على المقعد الفردي المستقل تصبح عضويته صحيحة، وتنفيذ الحكم بهذه الكيفية معناه أننا ننفذ الحكم حسب النوايا التي هي غير خالصة لوجه الله.
هناك سوء نوايا من الدستورية التي تحدث الكثيرون عن عدم اختصاصها، وهناك سوء نوايا في تعجل المجلس العسكري في حل مجلس الشعب بقرار إداري دون دراسة، كما تعجل المجلس في تنفيذ الحكم دون دراسة أسبابه، وقد ظهر سوء النوايا في إصدار إعلان دستوري مكمل لا يملك المجلس العسكري إصداره، فعمله فقط هو تسيير الأعمال.
ومن العجيب أنَّ الذين يملئون الشاشات اليوم حديثًا عن عدم أحقية الرئيس المدني المنتخب في القرار الجمهوري الذي أصدره- هم فقط من بين جموع الشعب المصري الذين صمتوا على القرار العسكري بحلِّ البرلمان، وسكتوا عن استمرار العسكر في الحكم من خلال الإعلان الدستوري المكمل، بل هلَّلوا له ودافعوا عنه!.
وخلاصة رأي فقهاء القانون أنَّ قرار رئيس الجمهورية نفَّذ حكم المحكمة الدستورية بدعوته لإجراء انتخابات بعد الاستفتاء على الدستور، ولم يخالف القانون والدستور في إعادة البرلمان المنحل بقرار من المجلس العسكري؛ فالرئيس بهذا القرار استدعى مهامه في عودة المؤسسة التشريعية المنتخبة لسدِّ الفراغ التشريعي، ولضمان عدم تكريس السلطات في يده بتوليه مهمة التشريع، كما أنَّ قرار انعقاد البرلمان تصحيح لقرار المجلس العسكري، ولا يمس حكم الدستورية العليا- خاصة- أنَّ البرلمان المنحل جاء بإرادة شعبية حرة شارك في صياغته 30 مليونًا مصريًّا في انتخابات شهد العالم بنزاهتها، وأنَّ هذا القرار كان واجبًا على الرئيس إصداره في تلك الظروف.
لقد بلغ حد الاستخفاف أنَّ أحد المتحدثين الدائمين في القنوات الفضائية يطالب الرئيس المنتخب أنْ يحدد موقفًا واضحًا من أمرين هما: مسألة بيع قناة السويس، والتنازل عن بعض أراضي سيناء للفلسطينيين.
المشكلة تكمن في الحالة العقلية والنفسية التي جعلت أمثال هذا المتحدث مستعدًّا لتصديق إمكانية بيع قناة السويس، أو التنازل عن جزء من سيناء، وهي الفكرة التي لا يصدقها أي فاقد للعقل في مصر، ولكن القوم يستخفون بالناس وبعقولهم وبتفكيرهم، وينسون أنَّ كثيرًا من المشاهدين أوعى وأكثر ثقافة من أولئك الذين خدمتهم الظروف في الظهور المتكرر أمام وسائل الإعلام.
وقد بلغ الأمر بالصحفيين والكتَّاب ومقدمي البرامج الحوارية التجرؤ على شخصية ومكانة رئيس الجمهورية والتدني بالكتابة والحوار إلى أوضع مستوى، وهو الأمر الذي لم يحدث في مصر من قبل، الأمر الذي يدل على ترابط مصالح بقايا وفلول نظام مبارك، ووصولهم لمستوى غير مسبوق من الانهيار المهني والأخلاقي.
والغريب أنَّ أولئك الذين يتمادون في نقد الرئيس المنتخب وفي التهكم عليه، لم نكن نسمع أصواتهم أيام المخلوع، ويرجع ذلك إلى أنهم كانوا منتفعين بفساده وفساد حاشيته ودولته، وفجأة وجدوا أنفسهم مهددين بواقع آخر لا مستقبل لهم فيه؛ فأحد هؤلاء المتفاخرين بسب الرئيس المنتخب والهجوم عليه نشر عام 2007م تقريرًا تحدث فيه عن مرض الرئيس المخلوع، وبسببه تم تقديمه للمحاكمة، وصدر ضده حكم بالحبس ستة أشهر خفضت إلى شهرين، لكن المخلوع عفا عنه بعد ذلك.
إنَّ مخطط إفشال الرئيس المنتخب يتكون من الآتي:
أولًا: من هذه الحملة الإعلامية المشبوهة التي تفوح منها رائحة عناصر دولة مبارك المبثوثة في كل مؤسسات الدولة.
ثانيًا: محاولات إثارة الفوضى وتوسيع نطاق المطالبات والإضرابات الفئوية، وتشجيع الناس على التجمهر أمام القصر الرئاسي، وهذا يتورط فيه أطراف كثيرة سياسية وإعلامية وأمنية وحزبية.
ثالثًا: نشر الكثير من الشائعات اليومية التي تثير البلبلة بين الناس، والتي تشكك في قدرة الرئيس المنتخب على إدارة البلاد، وهذه الجزئية تتولاها أجهزة أمنية ولاؤها للرئيس المخلوع.
رابعًا: حماية المجلس العسكري وتحصين قراراته، والتصدي لأي قرار يصدره الرئيس المنتخب، وهذا مسئولية قضاء مبارك، وعلى رأسه المحكمة الدستورية العليا، التي تركت القضاء وأحكامه وتفرغت لمساندة المجلس العسكري والوقوف ضد الرئيس المنتخب.
ونحن لا نرمي المحكمة الدستورية بالباطل، وإنما هي التي وضعت نفسها في هذا الموقف؛ فها هي نائب رئيس المحكمة الدستورية المستشارة "تهاني الجبالي" تقول لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: إنها خططت مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة للحفاظ على سلطة العسكر السياسية، والتصدي لصعود التيارات الإسلامية، في الوقت الذي وعد فيه بتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة. ونقلت الصحيفة عن المستشارة تهاني الجبالي أنها نصحت المجلس العسكري بعدم التنازل على السلطة للمدنيين حتى يتم كتابة دستور جديد.
وأشارت الصحيفة إلى أنَّ المحكمة الدستورية أصدرت بعد ذلك قرارًا يقضي ببطلان قانون انتخاب مجلس الشعب، الأمر الذي أعاد سلطة التشريع مرة أخرى إلى المجلس العسكري، وقد يسمح لهم بالإشراف على كتابة الدستور.
وأضافت الجبالي أنَّ اتصالاتها المباشرة مع رجال المجلس العسكري بدأت في شهر مايو عام 2011م، بعد مليونية قام بها عدد من النشطاء تطالب بدولة ليبرالية مدنية، وأنْ يتضمن الدستور الحفاظ على الحريات العامة والحقوق السياسية، مشيرة إلى أنَّ المجلس العسكري بدأ في تغيير رؤيته منذ ذلك الحين؛ حيث كان يعتقد قبل ذلك أنَّ القوة الوحيدة الموجودة في الشارع هي قوة جماعة الإخوان المسلمين.
فهل بعد ذلك تأكيد على أنَّ المحكمة الدستورية غارقة لأذنيها في العمل السياسي، ومنحازة في هذا العمل لصالح طرف؟ وللأسف هو الطرف العسكري الذي لا يمكن لأحد القول إنه يحترم ثورة 25 يناير.
ومما يدل على النية المبيتة لدى المحكمة الدستورية، وأنها تخوض حربًا ضد الرئيس المنتخب- أنها حكمت بعدم صحة قراره بدعوة مجلس الشعب للانعقاد، بعد 24 ساعة فقط من تلقيها دعاوى بهذا الشأن، وهي التي تنظر الدعوة الواحدة في 3 سنوات على أقل تقدير!.
المصدر: الاسلام اليوم