المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقاومة العراقية والانسحاب الامريكي المزعوم



مكافحpflp
21-09-2010, 01:16 AM
حين وصف باراك اوباما انسحاب قسم من قواته من العراق في نهاية الشهر الماضي بانه نهاية للمهمة القتالية، وعودة لاستقلال العراق وسيادته الوطنية، فانه كذب على نفسه قبل ان يكذب على الاخرين. فالحشد العسكري الضخم الذي بقى في العراق، تحت ذريعة تدريب القوات العراقية، ينسف اي ادعاء من هذا القبيل. فمهمة من هذا النوع لا تحتاج الى اكثر من عشرات او مئات العسكريين المتخصصين في هذا المجال، وليس الى 50 الف مقاتل، واكثر من 100 ألف من المرتزقة والشركات الأمنية المرتبطة كليا بوزارة الدفاع الأميركية، و96 قاعدة عسكرية، منها 14 قاعدة كبيرة واربعة عملاقة، فيها من الاسلحة والمعدات والخبراء وجنود النخبة ما يكفي امريكا لخوض حرب عالمية ثالثة. اضافة الى وجود سفارة هي الاكبر من نوعها في العالم، يحميها ستة الاف جندي من خيرة القوات الامريكية. وكل ذلك قد تم شرعنته باتفاقات جائرة، من قبيل الاتفاقية الامنية، التي تسمح ببقاء القوات الامريكية الى امد غير محدود، وتبيح لها بناء قواعد عسكرية جديدة، وتعطيها الحق في استخدام اراضي العراق، ومياهه وأجوائه لضرب أي دولة تهدد مصالح امريكا. ان تسمية هذا الحشد بالمدربين واصحاب المشورة، يعيد للاذهان مهزلة مجلس الامن الذي استبدل اسم القوات الامريكية والبريطانية، من قوات المحتلة الى قوات المتعددة الجنسيات.

لندع اوباما ورهطه يكذبون كما يحلو لهم، ويروجون ما شاءوا من اشاعات حول استقلال العراق وسيادته الوطنية. فما قام به اوباما انما هو تنفيذ لخطة امريكية، كان سلفه بوش قد وضعها في الشهور الاولى للاحتلال، والتي تقضي بنقل مهمة القوات الامريكية، وعلى مراحل، الى ما سمي بالقوات العراقية والاجهزة الامنية التي شكلها المحتل على انقاض الدولة العراقية، ليتسنى سحب قسم منها الى خارج العراق، ونقل المتبقي منها إلى قواعد عسكرية بعيدة عن متناول فصائل المقاومة. غير ان تنفيذها قد تعطل بسبب تصاعد عمليات المقاومة المسلحة. بمعنى اخر اكثر وضوحا، فان اوباما قد نفذ ما عجز سلفه بوش عن تنفيذه، ظنا منه بان المقاومة العراقية قد فقدت تاثيرها الفعال من جهة، وان "القوات العراقية والاجهزة الامنية" قد اصبحت قادرة على مواجهة المقاومة، اما بمفردها، او بمساعدة ودعم من قواته، او المشاركة في القتال معها اذا دعت الحاجة الى ذلك، من جهة اخرى.

لو توقف هذا الفعل الخبيث عند هذا الحد، لهان الامر. لكن خطة انسحاب من هذا النوع، وفي ظل ظروف من هذا القبيل يمكن وصفها بانها غير حرجة، بالقدر الكافي، لجهة قوات الاحتلال، لا تتوقف عند حدود تقليل الخسائر البشرية والمادية فحسب، وانما تدخل على الدوام ، حسب العلوم العسكرية ذات الصلة، ضمن استراتيجية اوسع واشمل وابعد من ذلك بكثير، ولها علاقة مباشرة بما يطلق عليه تاسيس لحالة انتصار دائم. فالمحتل عبر عصور التاريخ المختلفة، يسعى بعد احتلاله للبلد واسقاط نظامه وتحطيم اجهزته، الى تكريس الاحتلال وتثبيت اركانه في جميع مجالات الحياة. ومن بين اهم الخطوات التي اتبعها المحتلون في هذا الشان، هي فرض الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية والامنية على البلد المحتل، وفق اليات محكمة، وتغيير البنى التحتية الممسكة بقرار الدولة، وسن قوانين وتشريعات ودستور وفقا لوجهة نظر المحتل. كذلك فرض نظمه وقيّمه، وحتى عاداته وتقاليده على الناس، سواء بواسطة القوة او الترغيب او الخداع والتضليل، لحملهم على نبذ عقيدتهم ونظمهم وقيمهم، ليجري الوصول، الى تحويل البلد المحتل الى مستعمرة وفق مقاساته.

هنا وعند هذه النقطة، فالمقاومة بحاجة الى نظرة شاملة وموضوعية لاستراتيجية الانسحاب المزعوم ان صح التعبير، وما يتبعه من خطوات، والى معرفة دقيقة بما حققته امريكا كدولة محتلة على هذا الطريق. اذ من دون ذلك لا يمكن للمقاومة من مواجهة هذه الاستراتيجية الخطيرة والتغلب عليها. وفي هذا الصدد، فان المحتل الامريكي، حسب اعتقادنا، قد قطع شوطا مهما في هذا المجال، وان اوباما، القائد الجديد للاحتلال، يسعى بقوة الى استكماله وتحقيق الانتصار الدائم، وليس كما يتخيل البعض بان امريكا باتت في حكم المهزومة، ولا يغير من هذه الحقيقة الانتصارات العظيمة التي حققتها المقاومة ضد قواتها المحتلة، وهذا ما يفسر لجوء اوباما الى استخدام تعبير "انتهاء العمليات القتالية" بدل انتهاء الاحتلال، او حتى انتهاء الحرب، حيث هذا التعبير ليس له علاقة وثيقة بانسحاب شامل وفعلي، بقدر ما له علاقة اكثر بانسحاب تكتيكي، الذي يتطلب فترة انتقالية مديدة تسمح بمراجعة دائمة، يتمكن من خلالها اصحاب القرار في امريكا من اعادة النظر في قرار الانسحاب، أوالتخلي عنه الى امد غير منظور. وعلى هذا الاساس لا نستبعد حدوث ذلك في المستقبل القريب، خصوصا وان المقاومة العراقية قد استعادت قوتها، وتصاعدت عملياتها العسكرية، التي نجد نموذجا عنها في هزيمة قوات الحكومة امام المقاومة العراقية في مدينة ديالى قبل ايام، الامر الذي اضطر قوات الاحتلال للتدخل باستخدام الطائرات المقاتلة. ومن الجدير بالذكر ان وزير الدفاع روبرت غيتس اختصر هذا الامر بالعبارات التالية، إن "الوقت ليس للاحتفالات المبكرة بالنصر أو للاعتزاز بالنفس فما يزال أمامنا عمل علينا القيام به ومسؤوليات هناك". في حين كان الجنرال اوديرنو، قائد قوات الاحتلال اكثر وضوحا، حين أكد على امكانية عودة القوات اذا ما دعت الحاجة الى ذلك.

اذا كان ذلك صحيحا، ترى هل يكفي المقاومة فهم استراتيجية المحتل الامريكي؟ ام ينبغي العمل على وضع استراتيجية مضادة، وتوفير كافة مستلزماتها العسكرية والسياسية والاعلامية، من اجل افشال استراتيجية المحتل، وفي المقدمة منها وحدة فصائل المقاومة، او على الاقل تشكيل قيادة ميدانية مشتركة وعلى وجه السرعة؟.

تشير الوقائع والاحداث، بان جميع فصائل المقاومة العراقية العاملة في الميدان قد ادركت ما وراء الانسحاب المزعوم، ودعك من الطبول الجوفاء التي صورت الانسحاب الامريكي المزعوم على انه هزيمة شنعاء او منكرة. بل ان قيادات المقاومة، حسب علمنا، قد وضعت يدها على مفاصل هذا الفعل والية تطبيقه، وعرفت مكامن قوته وضعفه، ومدى القدرة على تحقيق اهدافه. خصوصا وان حملة السلاح قد شاهدوا ممارسة الانسحاب قبل حدوثه منذ اكثر من سنتين بشكل تدريجي، حين قللت قوات الاحتلال من تواجدها في المدن، وابتعدت عن مناطق التماس، وتجنبت المواجهات المباشرة مع المقاومة قدر الامكان. ووصل الامر بها الى استبدال وسائط النقل البري لتموينها، بطائرات الهليكوبتر لتفادي العبوات الناسفة على جانبي الطريق. وهذا ما يفسر انخفاض ارقام القتلى من الجنود طيلة الفترة الماضية. ولا يغير من هذه الحقيقة التراجع الملحوظ الذي اصاب المقاومة في تلك الفترة،لاسباب معروفة.

لكن تشخيص الحالة شيء، ومعالجتها شيء اخر تماما. ويبدو ان وضع استراتيجية مضادة لاستراتيجية المحتل لم تظهر بوادرها بعد. حيث كان من المفترض ظهور توجه من قبل الفصائل المسلحة لملء الفراغ في المدن التي انسحبت منها قوات الاحتلال، او على الاقل تلك التي كانت تحت سيطرة المقاومة في فترات سابقة، والتي احصاها البنتاغون بانها بلغت 30 مدينة وبلدة، الامر الذي اضطر بوش المهزوم الى زيادة عدد القوات لاستعادة هذه المدن والبلدات من يد المقاومة العراقية. ان بلوغ هذه المرحلة اصبحت امكانية قابلة للتحقيق، حيث انسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية بهذا الحجم، يفسح الطريق امام المقاومة العراقية لتحقيق اهداف من هذا النوع، ويمهد الطريق لتحرير المدن العراقية الواحدة تلو الاخرى. خصوصا وان القوات العراقية لم تستكمل بعد استعداداتها للدفاع عن نفسها، فهي لم تزل ضعيفة وجاهلة في جميع الفنون القتالية، وتفتقر لاي عقيدة عسكرية، جراء ولائها الى احزابها وطوائفها. وفي ظني ان حساب عامل الزمن يكتسب اهمية قصوى بهذا الخصوص . حيث اي تاخير في هذا الاتجاه، سيعطي قوات الحكومة الفرصة لتاهيل نفسها والدفاع عن المدن في مواجهة المقاومة.

ان توجها كهذا هو الرد الحاسم على مواجهة استراتيجية الانسحاب المزعوم واسقاطها. فقوات الاحتلال المتحصنة في قواعدها ستضطر للخروج من مكامنها للدفاع عن الحكومة وقواتها وحماية المدن من السقوط في يد المقاومة العراقية، الامر الذي سيعيدها الى المربع الاول، ويجبرها على القتال وجها لوجها، وهذا وحده الذي سيزيد من حجم الخسائر البشرية والمادية حتى تصل الى الدرجة التي لم يعد بامكان المحتل تحملها. اما التركيز بشكل رئيسي على شن هجمات صاروخية، او بقنابل الهاون او ما شابه ضد القواعد العسكرية، على الرغم من اهميتها، فانها لن تلحق الخسائر الجسيمة بقوات الاحتلال، نظرا لشدة تحصيناتها من جهة، وقدرتها على اسكات مواقع الهجوم من جهة اخرى.

ان الانسحاب المجدول الذي يتحدثون عنه ليس سوى اكذوبة مفضوحة، فاحتلال العراق والاهداف المراد تحقيقها من ورائه، وخصوصا ذات البعد الكوني منها، لا تبيح حتى التفكير بالانسحاب الطوعي، ومن يعتقد بوجود خلاف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول هذه المسالة فهو ناقص عقل ودين، واذا كان هناك من خلاف فانه محصور في ادارة مشروع الاحتلال واساليب انقاذه من السقوط، وليس حول مشروع الاحتلال ذاته. ان الانسحاب لاي سبب كان يعد من قبل الحزبين هزيمة منكرة، مهما اطلق عليها من تسميات مبتكرة، مثل هزيمة مشرفة او انسحاب يحفظ ماء الوجه او غيرها من التسميات. امريكا لن تنسحب من العراق فعلا الا في حالة واحدة، هي ان تبلغ خسائرها البشرية والمادية حدا، لا تستطيع امريكا تحملها. بكلمات موجزة وبلغة بسيطة جدا جدا، فان ماحدث هو تراجع قوات الاحتلال الى الخلف، وتقدم قوات الحكومة الى الامام، لتصبح راس الحربة في مواجهة المقاومة بدل عنها.

ليس لدى شعبنا ما يفقده غير الذل والأغلال اذا واصل القتال ضد المحتلين من اجل الحاق الهزيمة بهم. فالشعوب لا تتحرر بالوسائل السلمية او عن طريق المساومات الرخيصة او المفاوضات المذلة، او اللجوء الى دول ومنظمات وهيئات، كالجامعة العربية والامم المتحدة، وانما تتحرر بالمقاومة، وبكل اشكالها، وفي المقدمة منها المقاومة المسلحة.

ترى، هل نحن على موعد قريب لاعلان استراتيجية مضادة تنطوي على عناصر الانتصار وفي المقدمة منها وحدة فصائل المقاومة واقامة الجبهة الوطنية المنشودة، او على الاقل تشكيل قيادة ميدانية مشتركة؟.

عوني القلمجي