مشاهدة النسخة كاملة : الصيام في الأحاديث النبوية الشريفة
عبدالغفور الخطيب
10-08-2010, 03:37 PM
الصيام في الأحاديث النبوية الشريفة
الصيام في اللغة الإمساك وفي الشرع: إمساك مخصوص في زمن مخصوص من شخص مخصوص بشرطه
1ـ باب فضل شهر رمضان
الحديث رقم 1079: حدثنا يحيى ابن أيوب وقتيبة وابن حجر، قالوا: حدثنا إسماعيل (وهو ابن جعفر) عن أبي سُهيل، عن أبيه.
عن أبي هُريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جاءَ رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغُلقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين [أخرجه البخاري 1898؛ 1899؛ 3277]
أما قوله (فُتحت أبواب الجنة، وغُلقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين) فقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: يُحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن تفتيح أبواب الجنة وتغليق أبواب جهنم وتصفيد الشياطين علامة لدخول الشهر وتعظيم لحرمته ويكون التصفيد ليمتنعوا من إيذاء المؤمنين والتهويش عليهم. قال ويحتمل أن يكون المراد المجاز ويكون إشارة الى كثرة الثواب والعفو وإن الشياطين يقل إغواؤهم وإيذاؤهم ليصيرون كالمصفدين ويكون تصفيدهم عن أشياء دون أشياء ولناسٍ دون ناس.
ويؤيد هذه الرواية الثانية (فتحت أبواب الرحمة) وجاء في حديث آخر (صُفدت مردة الشياطين) قال القاضي: ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله تعالى لعباده من الطاعات في هذا الشهر التي لا تقع في غيره عموما، كالصيام والقيام وفعل الخيرات والانكفاف عن كثيرٍ من المخالفات وهذه أسباب لدخول الجنة وأبواب لها. وكذلك تغليق أبواب النار وتصفيد الشياطين، عبارة عما ينكفون عنه من المخالفات.
· وحدثني حرملة ابن يحيى، أخبرنا ابن وهبٍ أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، عن ابن أبي أنس أن أباه حدثه..
أنه سمع أبا هُريرة، يقول: قال رسول الله صلوات الله عليه وتسليمه: إذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة، وغُلِّقت أبواب جهنم وسُلْسِلت الشياطين.
مصدر هذه الحلقات: المنهاج في شرح صحيح مسلم. تأليف: العلامة شيخ الإسلام الإمام محيي الدين أبي زكريا النووي (621ـ676هـ)/ بيت الأفكار الدولية/ عمان: الأردن؛ الرياض: السعودية (سنة 1421هـ/2000م) هذا الحديث من صفحة 680
عبدالغفور الخطيب
11-08-2010, 12:26 PM
2ـ باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطرِ لرؤية الهلال، وأنه إذا غُمَّ في أولهِ أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوماً
أ ـ هذه الروايات كلها في الكتاب على هذا الترتيب وفي رواية للبخاري: (فإن غبى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين). واختلف العلماء في معنى فاقدروا له فقالت طائفةٌ من العلماء معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب وممن قال بهذا أحمد بن حنبل وغيره ممن يُجَوِّز صوم ليلة الغيم من رمضان. وقال ابن سُريج وجماعة منهم مطرف بن عبد الله وابن قتيبة وآخرون: معناه قدروه بحساب المنازل. وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وجمهور السلف والخلف الى أن معناه قدروا له تمام العدد ثلاثين يوماً، قال أهل اللغة يقال قدرت الشيء وأقدره وقدرته وأقدرته بمعنى واحد وهو من التقدير.
قال الخطابي: ومنه قول الله تعالى { فقدرنا فنعم القادرون} واحتج الجمهور بالروايات المذكورة فأكملوا العدة ثلاثين وهو تفسير لا قدروا له.
ب ـ الحديث رقم 1080: حدثنا يحيى ابن يحيى، قال قرأت على مالك، عن نافع.
عن ابن عمر، عن النبي صلوات الله وتسليمه عليه، أنه ذكر رمضان فقال: (لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن أغمي عليكم فاقدروا له [أخرجه البخاري 1906،1907].
ج ـ حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، حدثنا عُبيد الله، عن نافع.
عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر رمضان، فضرب بيديه فقال: ((الشهرُ هكذا وهكذا وهكذا، (ثم عقد إبهامه في الثالثة) فصوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين))
وعندما عقد إبهامه، معناه أن الشهر قد يكون تسعاً وعشرين.
وقوله صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته: المراد رؤية بعض المسلمين ولا يشترط رؤية كل إنسان بل يكفي جميع الناس رؤية عدلين في الصوم ويجوز بعدل واحد، لكن في الفطر لا يجوز إلا بعدلين لرؤية هلال شوال، إلا أبا ثور فجوزه بعدل واحد.
د ـ وقوله (فإن غم عليكم) فمعناه حال بينكم وبينه غيم. وعند مالك والشافعي والجمهور أنه لا يجوز صوم يوم الشك ولا يوم الثلاثين من شعبان عن رمضان إذا كانت ليلة الثلاثين ليلة غيم.
هـ ـ ( ) وحدثني زهير ابن حرب، حدثنا إسماعيل، عن أيوب، عن نافع.
عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الشهر تسعٌ وعشرون فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)
عبدالغفور الخطيب
12-08-2010, 11:48 AM
3ـ باب لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين
الحديث رقم 1082: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة وأبو كُريب، قال أبو بكر: حدثنا وكيع، عن علي ابن مبارك، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة.
عن أبي هُريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَقَدَّموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين، إلا رجلٌ كان يصوم صوماً، فليصمه) [أخرجه البخاري 1914].
قوله لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه، فيه التصريح بالنهي عن استقبال رمضان بصوم يوم ويومين لمن لم يصادف عادة له أو يصله بما قبله، فإن لم يصله ولا صادف عادة فهو حرام. هذا هو الصحيح في مذهبنا لهذا الحديث، وللحديث الآخر في سنن أبي داوود وغيره (إذا انتصف شعبان فلا صيام حتى يكون رمضان) فإن وصله بما قبله أو صادف عادة له فإن كانت عادته صوم يوم الاثنين ونحوه، فصادفه فصامه تطوعاً بنية ذلك جاز.
4ـ باب الشهر يكون تسعاً وعشرين
الحديث (1083) حدثنا عبْدُ ابن حُميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر، عن الزهري، أن النبي صلى الله عليه وسلم، أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهراً، قال الزهري: فأخبرني عروة.
عن عائشة قالت: لما مضت تسع وعشرون ليلة أَعُدُهُن دخل علي رسول الله صلوات الله عليه، فقلت يا رسول الله! إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهراً، وإنك دخلت من تسع وعشرين، أعدهن فقال: (إن الشهر تسعٌ وعشرون).
الأحاديث من (1084ـ 1086) كلها تؤكد نفس المعنى من رواة مختلفين.
عبدالغفور الخطيب
17-08-2010, 05:44 AM
5ـ باب بيان أن لكل بلَدٍ رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلدٍ لا يثبُتُ حُكمه لما بعد عنهم
الحديث (1087): حدثنا يحيى ابن يحيى ويحيى ابن أيوب وقُتيبة وابن حجر (قال يحيى ابن يحيى: أخبرنا، وقال الآخرون: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر)، عن محمد (وهو ابن أبي حرملة)، عن كُريب..
أن أم الفضل بنت الحارثِ بعثته الى معاوية بالشام، قال: فقدمتُ الشام، فقضيت حاجتها، واستهل علي رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله ابن عباس، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصومُ حتى نكمل ثلاثين، أو نراه، فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وشك يحيى ابن يحيى في: نكتفي أو تكتفي.
*ـ الاتفاق: على أن الرؤية لا تعم الناس بل تختص بمن قَرُبَ على مسافة لا تقصر فيها الصلاة. وقيل إن اتفق المطلع لزمهم وإن اتفق الإقليم وإلا فلا. وقال البعض: تعم الرؤيا في موضع جميع أهل الأرض، ولم يعمل ابن عباس بخبر كُريب لأنه شهادة لرؤية البعيد، فهي تُرد ولا تلزم غير أهل الإقليم. [المصدر السابق صفحة 684].
عبدالغفور الخطيب
20-08-2010, 04:59 PM
6 ـ باب بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وصغره
الحديث (1088) حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا محمد ابن فُضيل، عن حُصين، عن عمرو ابن مُرة، عن أبي البختري*1، قال: خرجنا، للعمرة فلما نزلنا ببطن نخلة قال: تراءينا الهلال*2 فقال بعض القوم: هو ابن ثلاثٍ، وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين، قال: فلقينا ابن عباس، فقلنا: إنَّا رأينا الهلال، فقال بعض القوم: هو ابن ثلاثٍ، وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين، فقال: أي ليلة رأيتموه؟ فقلنا ليلة كذا وكذا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله مَدَّهُ*3 للرؤية، فهو لليلةٍ رأيتموه)
*1ـ أبو البختري: هو سعيد بن فيروز ويقال ابن عمران ويقال ابن أبي عمران الطائي، توفي سنة 83هجري (أي عام الجماجم).
*2ـ قوله تراءينا الهلال: أي تكلفنا النظر الى جهته لنراه.
*3ـ مدَّه أي أطال مدته ليتمكن من ينتظره من الروية.
7ـ باب بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم (شهرا عيدٍ لا ينقصان)
الحديث (1089) حدثنا يحيى ابن يحيى، قال: أخبرنا يزيدُ ابن زُريع عن خالد عن عبد الرحمن ابن أبي بكرة.
عن أبيه عن النبي صلوات الله وتسليمه عليه، قال: (شهرا عيدٍ لا ينقصان، رمضان وذو الحجة) [أخرجه البخاري 1912]
*ـ الأصح أن معناه لا ينقص أجرهما والثواب المترتب عليهما، وإن نقص عددهما (أيام الشهر) وقيل معناه لا ينقصان جميعاً في سنة واحدة غالباً، وقيل: لا ينقص ثواب ذي الحجة عن ثواب رمضان لأن فيه المناسك [حكاه الخطابي وهو ضعيف والأول هو الصواب المعتمد].
ومعناه أن قوله صلى الله عليه وسلم (( من صام رمضان إيماناً واحتساباً)) و(( من قام رمضان إيماناً واحتساباً)) وغير ذلك فكل هذه الفضائل تحصل سواء تم عدد رمضان أم نقص والله أعلم.
عبدالغفور الخطيب
21-08-2010, 05:54 PM
8ـ باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر.
وبيان صفة الفجر الذي تتعلق به الأحكام من الدخول في الصوم، ودخول وقت صلاة الصبح، وغير ذلك*1
*1وغير ذلك: وهو الفجر الثاني ويسمى الصادق والمستطير وأنه لا أثر للفجر الأول في الأحكام وهو الكاذب المستطيل (باللام) كذنب السرحان وهو الذئب.
الحديث (1090) حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا عبد الله ابن إدريس، عن حُصين، عن الشعبي:
عن عُدي ابن حاتم، قال: لما نزلت { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجرْ} [البقرة 187] قال له عدي ابن حاتم: يا رسول الله! إني أجعل تحت وسادتي عقالين: عقالاً أبيض وعقالاً أسود، أعرف الليل من النهار، فقال صلى الله عليه وسلم ((إن وسادتك لعريض*2، إنما هو سواد الليل وبياض النهار)) [أخرجه البخاري: 1916؛ 4509؛ 4510].
*2ـ قوله صلى الله عليه وسلم: (إن وسادك لعريض) قال القاضي: معناه إن جعلت تحت وسادك الخيطين الذين أرادهما الله تعالى وهما الليل والنهار فوسادك يعلوهما ويغطيهما وحينئذ يكون عريض وهو معنى الرواية الأخرى في صحيح البخاري (إنك لعريض القفا) لأن من يكون هذا وساده يكون عظم قفاه من نسبته بقدره وهو معنى الرواية الأخرى (إنك لضخم). وأنكر القاضي عياض قول من قال: إنه كناية عن الغباوة أو عن السمن لكثرة أكله الى بيان الخيطين. وقال بعضهم: المراد بالوساد النوم أي أن نومك كثير وقيل أراد به الليل أي من لم يكن النهار عنده إلا إذا بان له العقالان طال ليله وكثر نومه والصواب ما اختاره القاضي عياض والله أعلم.
وهناك الأحاديث (1091ـ 1094) كلها تقريباً بنفس المعنى، وسنذكرها بإيجاز:
الحديث (1091) حدثنا عُبيد الله ابن عمر القواريري، حدثنا فُضيل ابن سليمان، حدثنا أبو حازم.
حدثنا سهل ابن سعد، قال: لما نزلت الآية { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} قال: كان الرجل يأخذ خيطاً أبيض وخيطا أسود، فيأكل حتى يستبينهما، حتى أنزل عز وجل {من الفجر} فبين ذلك [أخرجه البخاري 1917؛ 4511].
الحديث (1092) حدثنا يحيى ابن يحيى ومحمد ابن رمح قالا: أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن سالم ابن عبد الله
عن عبد الله، عن رسول الله صلوات الله وتسليمه عليه، أنه قال: (( إن بلال يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم كلثوم))*1
*1ـ كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان: بلال وابن أم مكتوم (الأعمى)، فيبدأ بلال بأذان يفصله عن ابن أم مكتوم وقت الصعود والنزول من على مكان رفع الأذان.
الحديث (1093) حدثنا زهير ابن حرب، حدثنا إسماعيل عن إبراهيم عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان.
عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا يمنعن أحداً منكم أذان بلال (أو قال نداء بلال) من سحوره فإنه يؤذن (أو قال ينادي) بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم)).
المقصود هنا ( قائمكم) أي من كان يقوم الليل، ليذهب للراحة قليلاً وتناول السحور والوضوء استعدادا للصلاة، وهي مدة يمكن تقديرها. ويوقظ نائمكم: أيضاً المدة الواجبة ليستعيد النائم نشاطه ووضوءه وإعداد أو تناول سحوره.
الحديث (1094) حدثنا شيبان ابن فروخ، حدثنا عبد الوارث، عن عبد الله ابن سوادة القشيري، حدثني والدي أنه سمع سمرة ابن جندب يقول:
سمعت محمداً صلى الله عليه وسلم يقول: (( لا يغرن أحدكم نداء بلال من السحور، ولا هذا البياض حتى يستطير))
المصدر: نفس المصدر صفحات 686 و687
salah71
21-08-2010, 07:36 PM
رمضانكم كريم أخي عبدالغفور الخطيب وجميع الإخوان
وكل عام والجميع بخير
عبدالغفور الخطيب
23-08-2010, 02:09 PM
أعاده الله عليكم وعلينا وعلى جميع المسلمين
وقد طُهرت بلادهم من دنس المحتل وأعوانه
كل عام وأنتم بخير على حب وطاعة الله
عبدالغفور الخطيب
23-08-2010, 02:10 PM
9ـ باب فضل السحورِ وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر
الحديث (1095) حدثنا يحيى ابن يحيى قال: أخبرنا هُشيم، عن عبد العزيز ابن صهيب عن أنس... وحدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة وزهير ابن حرب عن ابن عُلية، عن عبد العزيز عن أنس... وحدثنا قتيبة ابن سعيد، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة وعبد العزيز ابن صهيب،
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((تسحروا فإن في السُحور بَرَكَة)) [أخرجه البخاري 1923]
قوله صلوات الله عليه وتسليمه: تسحروا فإن في السحور بركة، فهو حث على السحور، وتبيان استحبابه، وليس واجباً، لكن في السحور بركة، تأكيد على استحبابه.. أما البركة فيه، فإنه يقوي على الصيام وينشط له وتحصل بسببه الرغبة في الازدياد من الصيام لخفة المشقة فيه على المتسحر فهذا هو الصواب المعتمد في معناه وقيل: لأنه يتضمن الاستيقاظ والذكر والدعاء والاستغفار وربما توضأ صاحبه وصلى أو أدام الاستيقاظ للذكر والدعاء والصلاة أو التأهب لها حتى يطلع الفجر.
الحديث (1096) حدثنا قُتيبة ابن سعيد، حدثنا ليث، عن موسى ابن عُلَّي، عن أبيه، عن أبي قيس مولى عمرو ابن العاص
عن عمرو ابن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( فصلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أَكلة السَّحر))
ومعناه أن من بين ما يفرق بين صيام المسلمين هي أَكلة (بفتح الألف) السَحَر، وقد نطق بها القاضي عياض بضم الألف (أُكلة) كما هي دارجة في بلاد المغرب، أما الأُكلة في بلاد المشرق فهي اللقمة الواحدة بعكس الأَكلة بفتح الألف التي تعني الطعام..
الحديث (1097) حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن هشام، عن قتادة، عن أنس
عن زيد ابن ثابت قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا الى الصلاة. قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: خمسين آية [أخرجه البخاري 575؛ 1921].
ويفهم من هذا الحديث الحث على تأخير السحور، حيث أن مدة قراءة خمسين آية ليست بالكثيرة.
الحديث (1098) حدثنا يحيى ابن يحيى، أخبرنا عبد العزيز ابن أبي حازم، عن أبيه.
عن سهل ابن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)) [ أخرجه البخاري 1957]
معناه: الحث على تعجيله بعد تحقق غروب الشمس، ومعناه أيضاً أن أمر الأمة لا يزال منتظما وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنة وإذا أخروه كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه.
الحديث (1099) حدثنا يحيى ابن يحيى وأبو كُرَيب محمد ابن العلاء، قالا: أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة ابن عمير، عن أبي عطية، قال:
دخلت أنا ومسروق على عائشة، فقلنا: يا أم المؤمنين! رَجُلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قال قلنا: عبد الله ابن مسعود، قالت: كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
زاد أبو كُريب على الحديث: والآخر هو أبو موسى الأشعري.
عبدالغفور الخطيب
24-08-2010, 02:55 PM
باب النهي عن الوصال في الصوم
اتفق الجميع على النهي عن الوصال وهو صوم يومين فصاعداً من غير أكل أو شرب بينهما. ونص الشافعي على كراهته وله في هذه الكراهة وجهان: أصحهما أنها كراهة تحريم والثاني كراهة تنزيه وبالنهي عنه قال جمهور العلماء وقال القاضي عياض اختلف العلماء في أحاديث الوصال فقيل النهي عنه رحمة وتخفيف فمن قدر فلا حرج، وقد واصل جماعة من السلف الأيام، قال: وأجازه ابن وهب وأحمد واسحق الى السحر، ثم حكى عن الأكثرين كراهته فقال الخطابي وغيره:
الوصال من الخصائص التي أُبيحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرمت على الأمة..
الحديث (1102) حدثنا يحيى ابن يحيى، قال: قرأت على مالكٍ، عن نافع.
عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا له: إنك تواصل، قال: (( إني لست كهيئتكم، إني أُطعم وأُسقى)) [أخرجه البخاري 1922؛ 1962].
ـ وحدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا عبد الله ابن نمير... عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واصل في رمضان، فواصل الناسُ، فنهاهم، قيل له: أنت تواصل؟ قال: ((إني لست مثلكم، إني أطعم وأُسقى)).
الحديث (1103) حدثني حرملة ابن يحيى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، حدثني أبو سلمة ابن عبد الرحمن.
أنا أبا هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، فقال رجل من المسلمين: فإنك يا رسول الله! تواصل! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( وأيكم مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني*1)). فلما أبوا أن ينتهوا، عن الوصال واصل بهم يوماً ثم يوماً، ثم رأوا الهلال، فقال: (( لو تأخر الهلال لزدتكم)) [ أخرجه البخاري 1965؛ 1966؛ 6851؛ 7299].
*1ـ قوله صلى الله عليه وسلم (إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) معناه يجعل الله في قوة الطاعم الشارب وقيل هو على ظاهره وأنه يطعم من طعام الجنة كرامة له، والصحيح الأول لأنه لو أكل حقيقة لم يكن مواصلا.
ـ وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إياكم والوصال)) قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله! قال: ((إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فاكلفوا من الأعمال ما تُطيقون)).
عبدالغفور الخطيب
25-08-2010, 07:26 PM
باب بيان أن القُبلة في الصوم ليست محرمة على مَنْ لَم تُحرَّك شهوته
قال الشافعي والأصحاب: القُبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته لكن الأولى له ولا يقال إنها مكروهة له وإنما قالوا إنها خلاف الأولى في حقه مع ثبوت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها لأنه كان يؤمن في حقه مجاوزة حد القُبلة ويخاف على غيره مجاوزتها كما قالت عائشة: كان أملككم لإربه وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه على الأصح، وقيل: مكروهة كراهة تنزيه.
قال القاضي: قد قال بإباحتها للصائم مطلقاً جماعة من الصحابة والتابعين وأحمد واسحق وداود وكرهها على الإطلاق مالك وقال ابن عباس وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي: تُكره للشباب دون الشيخ الكبير وهي رواية عن مالك. وروى ابن وهب عن مالك رحمه الله إباحتها في صوم (النفل) دون (الفرض)، ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم إلا أن ينزل المني بالقبلة.
واحتجوا له بالحديث المشهور في السنن وهو قوله صلى الله عليه وسلم ((أرأيت لو تمضمضت)) ومعنى المضمضة مقدمة الشرب وقد علمتم أنها لا تفطر وكذا القبلة مقدمة للجماع فلا تفطر، وحكى الخطابي وغيره عن ابن مسعود وسعيد بن المسيب أن مَنْ قّبَّل قضى يوماً مكان يوم القبلة.
الحديث (1106) حدثني علي ابن حجر، حدثنا سفيان، عن هشام ابن عروة، عن أبيه.
عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل إحدى نسائه وهو صائم [أخرجه البخاري 1927؛ 1928].
الحديث (1107) وحدثنا يحيى ابن يحيى وأبو بكر ابن أبي شيبة وأبو كُريب، عن الأعمش، عن مسلم، عن شُتير ابن شكل.
عن حفصة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم.
باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جُنبٌ
الحديث (1109) حدثني محمد ابن حاتم، حدثنا يحيى ابن سعيد، عن ابن جُريج، وحدثني محمد ابن رافع (واللفظ له) حدثنا عبد الرزاق ابن همام، أخبرنا ابن جُريج، أخبرني عبد الملك ابن أبي بكر ابن عبد الرحمن، عن أبي بكر قال:
سمعت أبا هريرة يقُصُ، يقول في قصصه: من أدركه الفجر جُنباً فلا يصم، فذكرت ذلك لعبد الرحمن ابن الحارث، فأنكر ذلك، فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة فسألهما عبد الرحمن عن ذلك، قال فكلتاهما قالت: (( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جُنبا من غير حلم ثم يصوم))، قال: فانطلقنا حتى دخلنا على مروان، فذكر ذلك له عبد الرحمن، فقال مروان: عزمت عليك إلا ما ذهبت، الى أبي هريرة، فرددت عليه ما يقول، قال: فجئنا أبا هريرة، وأبو بكر حاضر ذلك كله، قال: فذكر له عبد الرحمن، فقال أبو هريرة: أهما قالتاه لك؟ قال: نعم، قال: هما أعلم.
قال أبو هريرة: سمعت ذلك من الفضل ابن العباس ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك. قلت لعبد الملك: أقالتا: في رمضان؟ قال كذلك، كان يصبح جُنباً من غير حُلم ثم يصوم [أخرجه البخاري 1925؛ 1926؛ 1931].
عبدالغفور الخطيب
28-08-2010, 03:25 PM
باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان، على الصائم ووجوب الكفارة الكبرى
في هذا الباب حديث أبي هريرة في المجامع امرأته في نهار رمضان ومذهبنا ومذهب العلماء كافة وجوب الكفارة عليه إذا جامع عامداً جماعاً أفسد به صوم يوم رمضان والكفارة عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب التي تضر بالعمل إضرارا بيناً، فإن عجز عنها فصوم شهرين متتابعين فإن عجز فإطعام ستين مسكيناً كل مسكين (مُد من طعام) (والمد يساوي 2.5 كغم من القمح)
الحديث (1111) حدثنا يحيى ابن يحيى وأبو بكر ابن أبي شيبة وزهير ابن حرب وابن نمير، كُلهم، عن ابن عُيينة.
قال يحيى: أخبرنا سفيان ابن عيينة، عن الزهري، عن حُميد ابن عبد الرحمن.
عن أبي هُريرة قال: جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكت يا رسول الله! قال: (وما أهلكك؟). قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: (هل تجد ما تعتق رقبة؟) قال: لا، قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟) قال: لا، قال: (فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟) قال: لا، قال: ثم جلس، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعِرقٍ فيه تمرٌ فقال: (تصدق بهذا) قال: أفقرَ منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (اذهب فأطعمه أهلك) [ أخرجه البخاري: 1936؛ 1937؛ 2600؛ 5368؛ 6087؛ 6164؛ 6709؛ 6710؛ 6711؛ 6821].
للشافعي قولان:
أحدهما لا شيء عليه وإن استطاع بعد ذلك فلا شيء عليه، واحتج لهذا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بعجزه عن أداء الكفارة بأنواعها، وأجاز له إطعام أهل بيته بما قدمه له من تمر، ولم يقل له أن ذلك ديناً ثابتاً في ذمته.
والقول الثاني وهو المتبع عند أصحابنا (القول للنووي) وهو أن الكفارة لا تسقط بل تستقر في ذمته.
عبدالغفور الخطيب
29-08-2010, 03:41 PM
باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية إذا كان سفره مرحلتين فأكثر
اختلف العلماء في صوم رمضان في السفر فقال بعض أهل الظاهر لا يصح صوم رمضان في السفر فإن صامه لم ينعقد ويجب قضاؤه لظاهر الآية التي تشير الى ذلك، وظاهر الحديث (( ليس من البر الصيام في السفر)).
وقال جماهير العلماء وجميع أهل الفتوى: يجوز صومه في السفر وينعقد ويجزيه واختلفوا في أن الصوم أفضل أم الفطر أم هما سواء. فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي والأكثرون: الصوم أفضل لمن أطاقه بلا مشقة ظاهرة ولا ضرر فإن تضرر به فالفطر أفضل واحتجوا بصوم النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة وغيرهما وبغير ذلك من الأحاديث ولأنه يحصل به براءة الذمة في الحال. وقال سعيد ابن المسيب والأوزاعي وأحمد واسحق وغيرهم الفطر أفضل مطلقاً.
الحديث (1114) حدثني محمد ابن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا جعفر عن أبيه.
عن جابر ابن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح الى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كُراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه، حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: (( أولئك العصاة، أولئك العصاة))*1
*1ـ هكذا هو مكرر مرتين وهذا محمول على من تضرر بالصوم أو أنهم أمروا بالفطر أمرا جازما لمصلحة بيان جوازه فخالفوا الواجب. وعلى التقديرين لا يكون الصائم اليوم في السفر عاصياً إذا لم يتضرر به ويؤيد التأويل الأول قوله في الرواية الثانية: إن الناس قد شق عليهم الصيام.
ـ وحدثناه قتيبة ابن سعيد، حدثنا عبد العزيز الدراوردي، عن جعفر، بهذا الإسناد، وزاد: فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر.
الحديث (1115) عن جابر ابن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فرأى رجلاً قد اجتمع الناس عليه، وقد ظُلل عليه، فقال: ((ما له ؟)) قالوا: رجل صائم فقال صلى الله عليه وسلم: (( ليس من البر أن تصوموا في السفر)). [ أخرجه البخاري 1946]
الحديث (1116) حدثنا هدَّاب ابن خالد، حدثنا همام ابن يحيى، حدثنا قتادة، عن أبي نضرة..
عن أبي سعيد الخدري، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لست عشرة مضت من رمضان، فمنا من صام ومنا من أفطر، فلم يعِب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.
باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل
الحديث (1119) حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، أخبرنا أبو معاوية، عن عاصم، عن مورق.
عن أنس، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حار، أكثرنا ظلاً صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصُوَّام، وقام المفطرون، فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ذهب المفطرون اليوم بالأجر)) [أخرجه البخاري 2890].
باب التخيير في الصوم والفطر في السفر
الحديث (1121) حدثنا قتيبة ابن سعيد، حدثنا ليث، عن هشام ابن عروة، عن أبيه.
عن عائشة؛ أنها قالت: سأل حمزة ابن عمرو الأسلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الصيام في السفر؟ فقال: ((إن شئت فصُم، وإن شئت فافطر)) [ أخرجه البخاري 1942؛ 1943].
باب استحباب الفطر للحاج بعرفات يوم عرفة
مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وجمهور العلماء استحباب فطر يوم عرفة بعرفة للحاج وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان ابن عفان وابن عمر والثوري قال: وكان ابن الزبير وعائشة يصومانه.
الحديث (1123) حدثنا يحيى ابن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن أبي النضر، عن عُمير مولى عبد الله ابن عباس
عن أم الفضل بنت الحارث؛ أن ناساً تماروا عندها، يوم عرفة، في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: هو صائم وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلتُ إليه بقدح لبن، وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه. [ أخرجه البخاري: 1658؛ 1661؛ 1988؛ 5604؛ 5618؛ 5636].
عبدالغفور الخطيب
30-08-2010, 03:24 PM
باب بيان نسخ قوله تعالى: { وعلى الذين يُطيقونه فدية} بقوله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه}
الحديث (1145) حدثنا قتيبة ابن سعيد، حدثنا بكر ابن مضر، عن عمرو ابن الحارث، عن بُكير، عن يزيد مولى سلمة.
عن سلمة ابن الأكوع، قال: لما نزلت هذه الآية { وعلى الذين يُطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة 184] كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية { فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [ أخرجه البخاري 4507].
قال القاضي عياض: اختلف السلف في الآية الأولى هل هي محكمة أو مخصوصة أو منسوخة كلها أو بعضها؟ فقال الجمهور منسوخة كقول (سلمة). ثم اختلفوا هل بقى منها ما لم يُنسخ فروى عن ابن عمر والجمهور أن حكم الإطعام باق على من لم يطق الصوم لكبر. وقال جماعة من السلف ومالك وأبو ثور وداود، جميع الإطعام منسوخ، وليس على الكبير إذا لم يطق الصوم إطعام.
لكن ابن عباس وغيره قالوا: نزلت هذه الآية في الكبير والمريض اللذين لا يقدران على الصوم فهي عنده محكمة، لكن المريض يقضي إذا برئ، وأكثر العلماء يرون أنه لا إطعام على المريض. وقال زيد بن أسلم ومالك هي آية محكمة نزلت في المريض.
باب قضاء رمضان في شعبان
الحديث (1146) حدثنا أحمد ابن عبد الله ابن يونس، حدثنا زهير، حدثنا ابن سعيد، عن أبي سلمة، قال:
سمعت عائشة تقول: كان يكون عَلَيَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشُغلُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم. [ أخرجه البخاري 1950].
ـ في رواية أخرى قالت: إن إحدانا لتفطر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تقدر أن تقضيه مع رسول الله حتى يأتي شعبان، ويعني قولها أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم، كن يهيئن أنفسهن في جميع الأوقات لرغبة رسول الله، ولم يستطعن الاستئذان بالصوم من باب الأدب، خشية أن يعطيهن الرسول الأذن، وهو راغب بإحداهن. وكان النبي صلوات الله عليه يصوم شعبان أو معظمه.
وقد اتفق العلماء على أن المرأة لا يحل لها صوم التطوع وزوجها حاضر إلا بإذنه. وقال داود: تجب المبادرة في قضاء المرأة في أول يوم من شوال بعد أول أيام العيد.. والحديث السابق قد يختص بنساء الرسول صلوات الله عليه..
باب قضاء الصوم عن الميت
اختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجب من رمضان أو قضاء أو نذر أو غيره هي يقضي عنه. وللشافعي في المسألة قولان مشهوران، أشهرهما، لا يصام عنه ولا يصح عن ميت صوم أصلاً، والثاني يستحب لوليه أن يصوم عنه ويصح صومه عنه ويبرأ به الميت، ولا يحتاج الى إطعام عنه وهذا القول هو الصحيح المختار.
أما الحديث الوارد: ( من مات وعليه صيام أُطعم عنه) فليس بثابت ولو ثبت أمكن الجمع بينه وبين هذه الأحاديث بأن يحمل على جواز الأمرين فإن من يقول بالصيام يجوز عنده الإطعام والولي مخير بينهما والمراد بالولي القريب سواء كان عصبة أو وارثا أو غيرهما.
الحديث (1147) حدثني هارون ابن سعيد الأيلي، وأحمد ابن عيسى، قال: حدثنا ابن وهب، أخبرنا عمرو ابن الحارث، عن عبيد الله ابن أبي جعفر، عن محمد ابن جعفر ابن الزبير، عن عروة.
عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) [ أخرجه البخاري 1952]
الحديث (1148) حدثنا اسحق ابن إبراهيم، أخبرنا عيسى ابن يونس، حدثنا الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد ابن جبير.
عن ابن عباس، أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فقال: ((أرأيتِ لو كان عليها دينٌ، أكنتِ تقضيه؟)). قالت: نعم، قال: (( فدين الله أحقُ بالقضاء)) [ أخرجه البخاري 1953].
عبدالغفور الخطيب
01-09-2010, 08:03 AM
باب الصائم يُدعى لطعام فليقل: إني صائم
الحديث (1150) حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير ابن حرب، قالوا: حدثنا سفيان ابن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج.
عن أبي هُريرة قال صلى الله عليه وسلم: (( إذا دُعي أحدكم الى طعام، وهو صائم، فليقل: إني صائم)).
قوله صلى الله عليه وسلم فيما إذا دعي وهو صائم (فليقل إني صائم) محمول على أنه يقول له اعتذاراً له وإعلاماً بحاله، فإن سمح له ولم يطالبه بالحضور سقط عنه الحضور وإن لم يسمح له وطالبه بالحضور لزمه الحضور وليس الصوم عذرا في إجابة الدعوة ولكن إذا حضر لا يلزمه الأكل ويكون الصوم عذرا في ترك الأكل بخلاف المفطر فإنه يلزمه الحضور والأكل.
وفي هذا الحديث أنه لا بأس بإظهار نوافل العبادة من الصوم والصلاة وغيرهما إذا دعت الحاجة، والمستحب إخفاؤها إذا لم تكن حاجة.
باب حفظ اللسان للصائم
الحديث (1151) حدثني زهير ابن حرب، حدثنا سفيان ابن عيينة، عن ابن الزناد عن الأعرج.
عن أبي هريرة، رواية، قال: (( إذا أصبح أحدكم يوماً صائماً، فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم)). [ أخرجه البخاري 1894].
والرفث هو السخف وفاحش الكلام، وهو خلاف الحكمة وخلاف الصواب من القول والفعل.
والقول (إني صائم) مرتين، اختلفوا في معناه، فقيل: يقوله بلسانه جهراً يسمعه الشاتم والمقاتل فينزجر، وقيل: لا يقوله بلسانه، بل يحدث به نفسه ليمنعها من الانزلاق في الشتم والمقاتلة.
باب فضل الصيام
( ) حدثني حرملة ابن يحيى التُجِيِبي، أخبرنا ابن وهب، أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، أخبرني سعيد ابن المسيب.
أنه سمع أبا هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، هو لي وأنا أجزي به، فوالذي نفس محمد بيده! لخُلفة فم الصائم أطيب عند الله، من ريح المسك)) [أخرجه البخاري 5927].
وقوله تعالى (وأنا أجزي به) بيان لعظمه وفضله وكثرة ثوابه لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظم قدر الجزاء وسعة العطاء.
خلفة (خلوف) فم الصائم: هو الحالة التي يكون عليها نتيجة الامتناع عن تناول الطعام والشراب.. ويقول القاضي: إن الله يجازي الصائم بجعل رائحة فمه يوم القيامة كرائحة المسك، وهو ما يحصل لدم الشهيد.
ـ وفي رواية أخرى للحديث نقلت عن محمد ابن رافع ... عن أبي صالح الزيات أضاف للحديث (( ...وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه)) [أخرجه البخاري 1894؛ 1904؛ 5927].
ـ وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( كل عمل ابن آدم يُضاعف، الحسنة عشرُ أمثالها الى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك)) [ أخرجه البخاري: 7492؛ 7538].
الحديث (1152) حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا خالد ابن مخلد، عن سليمان ابن بلال، حدثني أبو حازم.
عن سهل ابن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم، أغلق فلم يدخل منه أحدٌ)) [أخرجه البخاري: 1896؛ 3257].
عبدالغفور الخطيب
05-09-2010, 02:50 PM
باب فضل ليلة القدر، والحث على طلبها، وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها
قال العلماء: وسميت ليلة القدر لما يكتب فيها للملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة كقوله تعالى: {فيها يفرق كل أمرٍ حكيم} وقوله تعالى: { تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر} ومعناه يظهر للملائكة ما سيكون فيها ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به وتقديره له وقيل سميت ليلة القدر لعظم قدرها وشرفها وأجمع من يُعتد به على وجودها ودوامها الى آخر الدهر للأحاديث الصحيحة المشهورة، قال القاضي واختلفوا في محلها فقال جماعة هي متنقلة تكون في سنة في ليلة وفي سنة أخرى في ليلة أخرى وهكذا.
وبهذا يجمع بين الأحاديث ويقال كل حديث جاء بأحد أوقاتها ولا تعارض فيها، قال ونحو هذا قول مالك الثوري وأحمد واسحق وأبي ثور وغيرهم قالوا: وإنما تنتقل في العشر الأواخر من رمضان وقيل بل في كله وقيل إنها معينة فلا تنتقل بل هي ليلة معينة في جميع السنين لا تفارقها وعلى هذا قيل في السنة كلها وهو قول ابن مسعود وأبي حنيفة وصاحبيه وقيل بل في شهر رمضان كله وهو قول ابن عمر وجماعة من الصحابة وقيل: بل في العشر الوسط والأواخر وقيل في العشر الأواخر وقيل تختص بأوتار العشر وقيل بأشفاعها كما في حديث أبي سعيد وقيل: بل في ثلاثٍ وعشرين أو سبعٍ وعشرين وهو قول ابن عباس وقيل: تطلب في ليلة سبع عشرة أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين وحكي عن علي وابن مسعود وقيل: ليلة ثلاث وعشرين وهو قول كثيرين من الصحابة وغيرهم. وقيل ليلة أربع وعشرين وهو محكي عن بلال وابن عباس والحسن وقتادة. وقيل ليلة سبع وعشرين وهو قول جماعة من الصحابة، وقيل: سبع عشرة وهو محكي عن زيد بن أرقم وابن مسعود أيضاً وقيل: تسع عشرة وحكي عن ابن مسعود أيضاً وحكي عن علي، وقيل آخر ليلة من الشهر.
الحديث (1165) وحدثنا يحيى ابن يحيى، قال: قرأت عن مالك، عن نافع.
عن ابن عمر، أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان مُتحريها فليتحرها في السبع الأواخر)) [أخرجه البخاري 1158؛ 2015].
قوله صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد تواطأت: أي توافقت..
ـ وحدثني حرملة ابن يحيى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني سالم ابن عبد الله ابن عمر.
أن أباه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، لليلة القدر: ((إن ناساً منكم قد أروا أنها في السبع الأول، وأُري ناسٌ منكم أنها في السبع الغوابر [الأواخر]، فالتمسوها في العشر الغوابر)).
ـ وحدثنا محمد ابن المثنى، حدثنا محمد ابن جعفر، حدثنا شُعبة، عن عُقبة ابن حُريث قال:
سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( التمسوها في العشر الأواخر فإن ضعف أحدكم أو عجز، فلا يُغلبن على السبع البواقي)).
ـ وحدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا علي ابن مسهر، عن الشيباني، عن جبلة ومحارب.
عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( تحينوا ليلة القدر في العشر الأواخر. أو قال: (في التسع الأواخر))
قوله تحينوا ليلة القدر أي أطلبوا حينها أو زمنها
الحديث (1166) حدثنا أبو الطاهر وحرملة ابن يحيى، قالا: أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن.
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُريت ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها، فالتمسوها في العشر الغوابر))
الحديث (1167) حدثنا قتيبة ابن سعيد، حدثنا بكر ابن مضر، عن ابن الهاد، عن محمد ابن إبراهيم، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن.
عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر التي وسط الشهر، فإذا كان من حين تمضي عشرون ليلة، ويستقبل إحدى وعشرين، يرجع الى مسكنه، ورجع من كان يجاور معه، ثم إنه أقام في شهر، جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها، فخطب الناس، فأمرهم بما شاء الله، ثم قال: (( إني كنت أجاور هذه العشر، ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه، وقد رأيت هذه الليلة فأُنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، في كل وِتْرٍ، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين)).
قال أبو سعيد الخُدْرِي: (مُطرنا ليلة إحدى وعشرين، فوكف المسجد في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح، ووجهه مُبتلٌ طيناً وماءً) [أخرجه البخاري 2018؛ 2027].
وكف المسجد: أدلف، أي تقطر الماء من سقفه.. وعلى هذا الحديث يستند العلماء أنه لا يُحبذ مسح الوجه بعد الصلاة، حتى لو كانت مغبرة أو عليها طين.
مصدر هذه الحلقة: المنهاج في شرح صحيح مسلم. تأليف: العلامة شيخ الإسلام الإمام محيي الدين أبي زكريا النووي (621ـ676هـ)/ بيت الأفكار الدولية/ عمان: الأردن؛ الرياض: السعودية (سنة 1421هـ/2000م) هذا الحديث من صفحات 723ـ 727
Powered by vBulletin® Version 4.1.11 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved