المنصور بالله
03-08-2010, 03:00 PM
المقاومة العراقية تغير أساليبها / عوني القلمجي
التاريخ: 21/8/1431 الموافق 02-08-2010
المختصر / "يكفي للأنصار 'المقاومين' أن لا يخسروا حتى يربحوا'. هذه هي المقولة الشائعة التي يستخدمها وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر، كلما جرى تقييم للوضع العسكري في العراق. وهو بذلك أراد الهروب من الاعتراف بهزيمة قوات الاحتلال لعجزها عن إنهاء المقاومة الباسلة، في حين كان الكاتب والخبير الاستراتيجي الأمريكي جارلس رايس أكثر شجاعة، حيث قال 'أننا جيدون في الحرب التقليدية ولكننا فاشلون في الحرب ضد المقاومة، ليس هناك من ضوء في نهاية النفق، أن استخباراتنا فاشلة في العراق ولا تستطيع التمييز بين الأشرار 'المقاومين' والجيدين 'العملاء'، تماما كما كنا في فيتنام، فلا ندري الموظف العراقي الذي يعمل معنا، هل هو معنا بالفعل أو أنه يتجسس علينا ويعمل لصالح المقاومة؟!!!... أن استمرارية هذه الهجمات وتكرارها ستقضي على إرادتنا ورغبتنا في مواصلة الحرب وتجعل المقاومة تنتصر في النهاية'.
أما الآخرون الذين أكدوا هذه الحقيقة، من جنسيات مختلفة، فعددهم يفوق العشرات، منهم، على سبيل المثال، الألماني شبنغلر في كتابه تدهور الحضارة الغربية، وويلي ولسن الانكليزي في كتابه سقوط الحضارة، وجيمس دوبنز، المحلل في مركز 'راند كوربوريشن' للأبحاث، وشون كاي، الأستاذ الجامعي في أوهايو، ونعوم تشومسكي، وبرجنسكي وغيرهم. في حين تنبأ بول كندي، صاحب كتاب صعود وسقوط الإمبراطوريات، قبل الاحتلال بعدة شهور، بـ 'ظهور مقاومة عراقية قادرة على الحاق الهزيمة بأمريكا وبأسلحة بدائية بسيطة، وبعمليات استشهادية لم تألفها من قبل'. بينما حذر مؤلف كتاب تناقض القوة الأمريكية، جوزيف ناي، الذي كان يعمل مساعداً لوزير الدفاع السابق في حكومة بيل كلينتون، في نهاية كتابه، الحكومة الأمريكية من 'المصير الذي قد تجد نفسها منساقة إليه، والذي يشبه مصير الإمبراطورية الرومانية، التي فسدت من داخلها، وذلك للتناقضات الكبيرة الموجودة في سياسات القوة الأمريكية'. وأخيرا وليس أخرا، نقرأ شهادة المفكر الأمريكي المعروف فرانسيس فوكوياما، صاحب نظرية نهاية التاريخ، في مقال له، بأن 'نظرة على صورة العالم اليوم تصيب بالغم وتثبط الهمة: فوضى في العراق، طموحات نووية إيرانية، تزايد النفوذ الروسي باستخدام الثروة النفطية، كوريا الشمالية النووية، انتصار أعداء أمريكا في انتخابات أمريكا اللاتينية خاصة فنزويلا وبوليفيا والإكوادور. وان النموذج الديمقراطي الأمريكي أصبح يرمز إليه بسجناء 'أبي غريب' معصوبي العينين أكثر مما يرمز إليه تمثال الحرية الشهير'.!
الاستطراد هنا له وظيفة كونه يكتسب أهمية خاصة جراء الحملات الضخمة التي يقودها الإعلام الأمريكي العملاق ضد المقاومة العراقية، فمثل هذه الاعترافات والتنبؤات تؤكد على أن انتصار المقاومة ضد قوات الاحتلال أمر حتمي في نهاية المطاف، مادامت لم تخسر المعركة. وان تراجع المقاومة لا يعني هزيمتها، كما أشاع أصحاب الفيل، لتبرير انتقالهم إلى عملية المحتل السياسية، لتحقيق مكاسب ذاتية او فئوية ضيقة. فالتراجع في الحروب الشعبية الطويلة الأمد، ليس سوى صفحة من صفحاتها يتم اللجوء إليه، لأسباب تتطلبها تطورات الصراع، أو لدواع ذاتية او موضوعية. والتاريخ لم يقدم لنا مثالا واحدا عن مقاومة خاضت حرب تحرير شعبية طويلة الامد، كالتي تجري رحاها على ارض العراق، وسارت بخط صاعد على الدوام. بل ان هذه الحروب تعتمد أصلا على مبدأ الكر والفر قبل انتقال المقاومة إلى الهجوم الاستراتيجي النهائي لطرد قوات الاحتلال. وفي ظني ان معركة المقاومة العراقية لا تزال في بدايتها.
لندع كل ذلك ونترك القادمين الجدد للعملية السياسية يغرقون في أخطائهم، والمكاسب التافهة التي يسعون إلى تحقيقها، فهؤلاء مثلهم مثل المنافقين الذين قال الله عز وجل عنهم' أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين'، فالمقاومة العراقية تحث الخطى على طريق استكمال استعداداتها لتوسيع ساحة الصراع في المرحلة المقبلة، أن لم تكن قد استكملتها فعلا. وفي هذا الخصوص، لا أذيع سرا ان ذكرت، أننا كنا ومنذ سنتين نتابع الجهود المبذولة لبناء قواعد للمقاومة في المدن الجنوبية للعراق، ورغم عديد الصعوبات وتنوعها، تمكن الرجال الموحدون المرابطون من تأمين مستلزمات انطلاق مقاومة فاعلة ضد المحتلين في بغداد وجنوبي العراق، وكانت باكورة عملياتهم المباركة في تموز الخير، حيث وجهوا صواريخ الحق ضد سفارة العدوان في المنطقة الخضراء، فقتلوا وجرحوا أكثر من (19) من موظفي السفارة وعناصر شركات الحماية، ومن ضمنهم عدد من عناصر شركة الحماية (شجرة طوبى) الإسرائيلية، ثم تتابعت ضرباتهم ضد قوات الاحتلال في البصرة والناصرية. ونعلم أن القادم من الأيام، أيام رمضان العطاء والخير والبركة، ستكون أشد وأقسى على المحتلين وعملائهم في العملية السياسية المخابراتية ، وعندها يطبق جناحا الوطن على الغزاة والأذناب.
وعلى عكس أصحاب الفيل الذي اخذوا يتحدثون عن المقاومة باستخدام الفعل الناقص كان وأخواتها، ويعددون مناقبها بما يشبه رثاء الشهداء، فان قوات الاحتلال قد أدركت ما تخبئ لها المقاومة العراقية، وأخذت تتعامل مع أي تصعيد في العمليات العسكرية بجدية وقوة، بحيث اضطرت في الأسبوعين الماضيين إلى القيام بعدة إنزالات لجنود مظليين في مدن عديدة، منها هيت وديإلى والفلوجة وكركوك، والاشتباك في قتال ضار مع قوات المقاومة في هذه المدن. ليس هذا فحسب وإنما قامت قيادة قوات الاحتلال في الأسبوع الأخير من هذا الشهر، وعلى وجه التحديد في 22 منه، بإرسال 3000 جندي مارينز إلى محافظة الأنبار عموما، وإلى مدينة هيت خصوصا لاستعادتها من سيطرة قوات المقاومة عليها.
نحن إذن أمام مرحلة جديدة من الصراع قد بدأت ملامحها منذ عدة شهور، والتي نجد بداياتها في المعارك المتنوعة، ومنها القصف اليومي لجميع القواعد العسكرية المنتشرة في طول البلاد وعرضها، وتكبيد قوات الاحتلال خسائر جسيمة في الارواح والمعدات، رغم التعتيم الإعلامي عليها. ويمكن القول بان المقاومة العراقية قد بلغت مرحلة التوازن مع قوات الاحتلال، وهي في طريقها للانتقال إلى معارك نوعية تدخل في خانة الهجوم الاستراتيجي. وهذا يعيد للأذهان عودة المقاومة العراقية بقوة إلى ساحات القتال حين تصدت، لإستراتيجية بوش المهزوم في بداية عام 2007 وكسرت حدته في أماكن متعددة، بعد حالة التراجع التي اضطرت إليها جراء الخسائر التي تكبدتها بسبب الهجوم البربري ضد معاقلها ومدنها الرئيسية، بل وانتقلت حينها إلى الهجوم المقابل مستهدفة واحدة من اكبر قواعد المحتل العسكرية في العاصمة العراقية بغداد، ونعني به الهجوم الشجاع الذي شنته المقاومة العراقية على قاعدة الطارمية، التي تبعد عدة كيلومترات شمال بغداد وتدميرها وقتل أكثر من خمسين جنديا أمريكيا، وإسقاط عدد من طائرات الهليكوبتر بكل أنواعها المتطورة والمحصنة ضد الصواريخ .
الأهم من ذلك كله هو أن المقاومة العراقية، وهي تستعد لخوض غمار المرحلة القادمة من الصراع، قد استوفت جميع الشروط والمستلزمات التي لها صلة بخصائص حروب التحرير الطويلة الأمد. ومنها على سبيل المثال لا الحصر، قدرتها على خوض حرب استنزاف طويلة الأمد وبأسلحة بسيطة، وقدرتها أيضا على توسيع ساحة المعارك وانتزاع زمام المبادرة، والعمل بمرونة كبيرة، وحرية القيام بالعمليات الهجومية السريعة والمباغتة، واختيار نوع العمليات والأهداف، وبراعتها في الاختفاء عن عيون العدو، وإمكانية الانتقال من مرحلة إلى أخرى، بما فيها الانتقال من مرحلة الدفاع الاستراتيجي إلى الهجوم الاستراتيجي. على عكس المحتل، الذي رغم قوته وما تتمتع به قواته من حجم كبير وجودة في الأسلحة والمعدات وحسن التدريب العسكري، فهو يعجز عن توظيف هذه الخصائص لصالحه. حيث تتحول قواته الكبيرة إلى قوات صغيرة، إذا ما دخلت وسط ملايين الشعب المحتل، وتفقد في نفس الوقت عناصر قوتها الرئيسية، مثل تفردها التكنولوجي وفاعلية أسلحتها الذكيّة وصواريخها البعيدة المدى وقوة طائراتها التدميرية، بل ويختل لديها ميزان السيطرة والقيادة المركزية وتتعطل عقائدها العسكريّة، التي تعتمد على السرعة والحركيّة. يضاف إلى ذلك جهلها في جغرافية البلد وطبيعة شعبه.
بالمقابل وعلى الجهة الأخرى، فان المقاومة العراقية، استوفت أيضا مستلزمات وشروط الانتصار النهائي ضد قوات الاحتلال طال الزمن أم قصر. فثقة شعبنا بالمقاومة، تزداد يوما بعد أخر. مثلما تزداد رعاية وحماية الناس للمقاومة، وتقديم كل ما يلزم لمساعدتها، يضاف إلى ذلك ما تمتلكه المقاومة من رصيد ضخم من القدرة على التحمل والإرادة القوية على مواصلة القتال، والخبرة الواسعة، واستقلال القرار السياسي والعسكري، وفق كل ذلك، فان رجال المقاومة مثلهم كمثل المؤمنين الذين وصفهم القرآن الكريم 'والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس'. ناهيك عن أن المقاومة تدافع عن أرضها وكرامة أهلها واستقلال بلادها، في حين أن القوات المحتلة أتت من بعيد لتعتدي على البلاد والعباد خلافا لكل القوانين والشرائع الدولية.
لكن، ومع كل ذلك، فان كل هذه المزايا والخصائص تبقى بحاجة، وخصوصا لجهة تحقيق الأهداف الكبرى في مرحلة التحرير وما بعدها، إلى توحيد فصائل المقاومة وتشكيل جيش التحرير تحت قيادة موحدة ذات توجه سياسي مشترك، قبل الانتقال إلى معارك تحرير المدن وإقامة سلطة مركزية موحدة عليها، وصولا إلى تحرير العاصمة العراقية بغداد. ليس هذا فحسب، وإنما ينبغي، إلى جانب ذلك، تحقيق الانجاز السياسي الأهم، والمتمثل بقيام الجبهة العريضة التي تضم جميع الفصائل والأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية المعادية للاحتلال، سواء كانت مسلحة أو سلمية. وإذا كان العمل العسكري يتطلب التخطيط والتنسيق، فان انجاز مهمة الجبهة تتطلب أكثر من ذلك، خاصة وان هناك العديد من القوى والعناصر المساومة والمتخاذلة، ستسارع لتغير مواقفها وتتظاهر بعدائها للاحتلال لتلتقط الثمار على حساب دماء الشهداء. فليس من الحكمة والحالة هذه احتواء هؤلاء تحت ذريعة مفهوم الجبهة العريضة، فكلمة الحق هنا لابد وان يراد بها الحق فعلا وليس الباطل.
نحن على يقين بانتصار المقاومة العراقية، ومثلما خاض أجدادنا الأوائل أول حرب تحرير في التاريخ الإنساني، حسب المصادر الآثارية، بقيادة الملك السومري 'اتوحيكال' ضد المستعمرين القوطيين الذين قدموا من الشرق، وحرر الأرض والإنسان من الغاصبين الأجانب، فان المقاومة العراقية ستحرر العراق من المستعمرين الأمريكيين وأتباعهم لتتحرر شعوب الأرض قاطبة.
المصدر: القدس العربي
التاريخ: 21/8/1431 الموافق 02-08-2010
المختصر / "يكفي للأنصار 'المقاومين' أن لا يخسروا حتى يربحوا'. هذه هي المقولة الشائعة التي يستخدمها وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر، كلما جرى تقييم للوضع العسكري في العراق. وهو بذلك أراد الهروب من الاعتراف بهزيمة قوات الاحتلال لعجزها عن إنهاء المقاومة الباسلة، في حين كان الكاتب والخبير الاستراتيجي الأمريكي جارلس رايس أكثر شجاعة، حيث قال 'أننا جيدون في الحرب التقليدية ولكننا فاشلون في الحرب ضد المقاومة، ليس هناك من ضوء في نهاية النفق، أن استخباراتنا فاشلة في العراق ولا تستطيع التمييز بين الأشرار 'المقاومين' والجيدين 'العملاء'، تماما كما كنا في فيتنام، فلا ندري الموظف العراقي الذي يعمل معنا، هل هو معنا بالفعل أو أنه يتجسس علينا ويعمل لصالح المقاومة؟!!!... أن استمرارية هذه الهجمات وتكرارها ستقضي على إرادتنا ورغبتنا في مواصلة الحرب وتجعل المقاومة تنتصر في النهاية'.
أما الآخرون الذين أكدوا هذه الحقيقة، من جنسيات مختلفة، فعددهم يفوق العشرات، منهم، على سبيل المثال، الألماني شبنغلر في كتابه تدهور الحضارة الغربية، وويلي ولسن الانكليزي في كتابه سقوط الحضارة، وجيمس دوبنز، المحلل في مركز 'راند كوربوريشن' للأبحاث، وشون كاي، الأستاذ الجامعي في أوهايو، ونعوم تشومسكي، وبرجنسكي وغيرهم. في حين تنبأ بول كندي، صاحب كتاب صعود وسقوط الإمبراطوريات، قبل الاحتلال بعدة شهور، بـ 'ظهور مقاومة عراقية قادرة على الحاق الهزيمة بأمريكا وبأسلحة بدائية بسيطة، وبعمليات استشهادية لم تألفها من قبل'. بينما حذر مؤلف كتاب تناقض القوة الأمريكية، جوزيف ناي، الذي كان يعمل مساعداً لوزير الدفاع السابق في حكومة بيل كلينتون، في نهاية كتابه، الحكومة الأمريكية من 'المصير الذي قد تجد نفسها منساقة إليه، والذي يشبه مصير الإمبراطورية الرومانية، التي فسدت من داخلها، وذلك للتناقضات الكبيرة الموجودة في سياسات القوة الأمريكية'. وأخيرا وليس أخرا، نقرأ شهادة المفكر الأمريكي المعروف فرانسيس فوكوياما، صاحب نظرية نهاية التاريخ، في مقال له، بأن 'نظرة على صورة العالم اليوم تصيب بالغم وتثبط الهمة: فوضى في العراق، طموحات نووية إيرانية، تزايد النفوذ الروسي باستخدام الثروة النفطية، كوريا الشمالية النووية، انتصار أعداء أمريكا في انتخابات أمريكا اللاتينية خاصة فنزويلا وبوليفيا والإكوادور. وان النموذج الديمقراطي الأمريكي أصبح يرمز إليه بسجناء 'أبي غريب' معصوبي العينين أكثر مما يرمز إليه تمثال الحرية الشهير'.!
الاستطراد هنا له وظيفة كونه يكتسب أهمية خاصة جراء الحملات الضخمة التي يقودها الإعلام الأمريكي العملاق ضد المقاومة العراقية، فمثل هذه الاعترافات والتنبؤات تؤكد على أن انتصار المقاومة ضد قوات الاحتلال أمر حتمي في نهاية المطاف، مادامت لم تخسر المعركة. وان تراجع المقاومة لا يعني هزيمتها، كما أشاع أصحاب الفيل، لتبرير انتقالهم إلى عملية المحتل السياسية، لتحقيق مكاسب ذاتية او فئوية ضيقة. فالتراجع في الحروب الشعبية الطويلة الأمد، ليس سوى صفحة من صفحاتها يتم اللجوء إليه، لأسباب تتطلبها تطورات الصراع، أو لدواع ذاتية او موضوعية. والتاريخ لم يقدم لنا مثالا واحدا عن مقاومة خاضت حرب تحرير شعبية طويلة الامد، كالتي تجري رحاها على ارض العراق، وسارت بخط صاعد على الدوام. بل ان هذه الحروب تعتمد أصلا على مبدأ الكر والفر قبل انتقال المقاومة إلى الهجوم الاستراتيجي النهائي لطرد قوات الاحتلال. وفي ظني ان معركة المقاومة العراقية لا تزال في بدايتها.
لندع كل ذلك ونترك القادمين الجدد للعملية السياسية يغرقون في أخطائهم، والمكاسب التافهة التي يسعون إلى تحقيقها، فهؤلاء مثلهم مثل المنافقين الذين قال الله عز وجل عنهم' أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين'، فالمقاومة العراقية تحث الخطى على طريق استكمال استعداداتها لتوسيع ساحة الصراع في المرحلة المقبلة، أن لم تكن قد استكملتها فعلا. وفي هذا الخصوص، لا أذيع سرا ان ذكرت، أننا كنا ومنذ سنتين نتابع الجهود المبذولة لبناء قواعد للمقاومة في المدن الجنوبية للعراق، ورغم عديد الصعوبات وتنوعها، تمكن الرجال الموحدون المرابطون من تأمين مستلزمات انطلاق مقاومة فاعلة ضد المحتلين في بغداد وجنوبي العراق، وكانت باكورة عملياتهم المباركة في تموز الخير، حيث وجهوا صواريخ الحق ضد سفارة العدوان في المنطقة الخضراء، فقتلوا وجرحوا أكثر من (19) من موظفي السفارة وعناصر شركات الحماية، ومن ضمنهم عدد من عناصر شركة الحماية (شجرة طوبى) الإسرائيلية، ثم تتابعت ضرباتهم ضد قوات الاحتلال في البصرة والناصرية. ونعلم أن القادم من الأيام، أيام رمضان العطاء والخير والبركة، ستكون أشد وأقسى على المحتلين وعملائهم في العملية السياسية المخابراتية ، وعندها يطبق جناحا الوطن على الغزاة والأذناب.
وعلى عكس أصحاب الفيل الذي اخذوا يتحدثون عن المقاومة باستخدام الفعل الناقص كان وأخواتها، ويعددون مناقبها بما يشبه رثاء الشهداء، فان قوات الاحتلال قد أدركت ما تخبئ لها المقاومة العراقية، وأخذت تتعامل مع أي تصعيد في العمليات العسكرية بجدية وقوة، بحيث اضطرت في الأسبوعين الماضيين إلى القيام بعدة إنزالات لجنود مظليين في مدن عديدة، منها هيت وديإلى والفلوجة وكركوك، والاشتباك في قتال ضار مع قوات المقاومة في هذه المدن. ليس هذا فحسب وإنما قامت قيادة قوات الاحتلال في الأسبوع الأخير من هذا الشهر، وعلى وجه التحديد في 22 منه، بإرسال 3000 جندي مارينز إلى محافظة الأنبار عموما، وإلى مدينة هيت خصوصا لاستعادتها من سيطرة قوات المقاومة عليها.
نحن إذن أمام مرحلة جديدة من الصراع قد بدأت ملامحها منذ عدة شهور، والتي نجد بداياتها في المعارك المتنوعة، ومنها القصف اليومي لجميع القواعد العسكرية المنتشرة في طول البلاد وعرضها، وتكبيد قوات الاحتلال خسائر جسيمة في الارواح والمعدات، رغم التعتيم الإعلامي عليها. ويمكن القول بان المقاومة العراقية قد بلغت مرحلة التوازن مع قوات الاحتلال، وهي في طريقها للانتقال إلى معارك نوعية تدخل في خانة الهجوم الاستراتيجي. وهذا يعيد للأذهان عودة المقاومة العراقية بقوة إلى ساحات القتال حين تصدت، لإستراتيجية بوش المهزوم في بداية عام 2007 وكسرت حدته في أماكن متعددة، بعد حالة التراجع التي اضطرت إليها جراء الخسائر التي تكبدتها بسبب الهجوم البربري ضد معاقلها ومدنها الرئيسية، بل وانتقلت حينها إلى الهجوم المقابل مستهدفة واحدة من اكبر قواعد المحتل العسكرية في العاصمة العراقية بغداد، ونعني به الهجوم الشجاع الذي شنته المقاومة العراقية على قاعدة الطارمية، التي تبعد عدة كيلومترات شمال بغداد وتدميرها وقتل أكثر من خمسين جنديا أمريكيا، وإسقاط عدد من طائرات الهليكوبتر بكل أنواعها المتطورة والمحصنة ضد الصواريخ .
الأهم من ذلك كله هو أن المقاومة العراقية، وهي تستعد لخوض غمار المرحلة القادمة من الصراع، قد استوفت جميع الشروط والمستلزمات التي لها صلة بخصائص حروب التحرير الطويلة الأمد. ومنها على سبيل المثال لا الحصر، قدرتها على خوض حرب استنزاف طويلة الأمد وبأسلحة بسيطة، وقدرتها أيضا على توسيع ساحة المعارك وانتزاع زمام المبادرة، والعمل بمرونة كبيرة، وحرية القيام بالعمليات الهجومية السريعة والمباغتة، واختيار نوع العمليات والأهداف، وبراعتها في الاختفاء عن عيون العدو، وإمكانية الانتقال من مرحلة إلى أخرى، بما فيها الانتقال من مرحلة الدفاع الاستراتيجي إلى الهجوم الاستراتيجي. على عكس المحتل، الذي رغم قوته وما تتمتع به قواته من حجم كبير وجودة في الأسلحة والمعدات وحسن التدريب العسكري، فهو يعجز عن توظيف هذه الخصائص لصالحه. حيث تتحول قواته الكبيرة إلى قوات صغيرة، إذا ما دخلت وسط ملايين الشعب المحتل، وتفقد في نفس الوقت عناصر قوتها الرئيسية، مثل تفردها التكنولوجي وفاعلية أسلحتها الذكيّة وصواريخها البعيدة المدى وقوة طائراتها التدميرية، بل ويختل لديها ميزان السيطرة والقيادة المركزية وتتعطل عقائدها العسكريّة، التي تعتمد على السرعة والحركيّة. يضاف إلى ذلك جهلها في جغرافية البلد وطبيعة شعبه.
بالمقابل وعلى الجهة الأخرى، فان المقاومة العراقية، استوفت أيضا مستلزمات وشروط الانتصار النهائي ضد قوات الاحتلال طال الزمن أم قصر. فثقة شعبنا بالمقاومة، تزداد يوما بعد أخر. مثلما تزداد رعاية وحماية الناس للمقاومة، وتقديم كل ما يلزم لمساعدتها، يضاف إلى ذلك ما تمتلكه المقاومة من رصيد ضخم من القدرة على التحمل والإرادة القوية على مواصلة القتال، والخبرة الواسعة، واستقلال القرار السياسي والعسكري، وفق كل ذلك، فان رجال المقاومة مثلهم كمثل المؤمنين الذين وصفهم القرآن الكريم 'والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس'. ناهيك عن أن المقاومة تدافع عن أرضها وكرامة أهلها واستقلال بلادها، في حين أن القوات المحتلة أتت من بعيد لتعتدي على البلاد والعباد خلافا لكل القوانين والشرائع الدولية.
لكن، ومع كل ذلك، فان كل هذه المزايا والخصائص تبقى بحاجة، وخصوصا لجهة تحقيق الأهداف الكبرى في مرحلة التحرير وما بعدها، إلى توحيد فصائل المقاومة وتشكيل جيش التحرير تحت قيادة موحدة ذات توجه سياسي مشترك، قبل الانتقال إلى معارك تحرير المدن وإقامة سلطة مركزية موحدة عليها، وصولا إلى تحرير العاصمة العراقية بغداد. ليس هذا فحسب، وإنما ينبغي، إلى جانب ذلك، تحقيق الانجاز السياسي الأهم، والمتمثل بقيام الجبهة العريضة التي تضم جميع الفصائل والأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية المعادية للاحتلال، سواء كانت مسلحة أو سلمية. وإذا كان العمل العسكري يتطلب التخطيط والتنسيق، فان انجاز مهمة الجبهة تتطلب أكثر من ذلك، خاصة وان هناك العديد من القوى والعناصر المساومة والمتخاذلة، ستسارع لتغير مواقفها وتتظاهر بعدائها للاحتلال لتلتقط الثمار على حساب دماء الشهداء. فليس من الحكمة والحالة هذه احتواء هؤلاء تحت ذريعة مفهوم الجبهة العريضة، فكلمة الحق هنا لابد وان يراد بها الحق فعلا وليس الباطل.
نحن على يقين بانتصار المقاومة العراقية، ومثلما خاض أجدادنا الأوائل أول حرب تحرير في التاريخ الإنساني، حسب المصادر الآثارية، بقيادة الملك السومري 'اتوحيكال' ضد المستعمرين القوطيين الذين قدموا من الشرق، وحرر الأرض والإنسان من الغاصبين الأجانب، فان المقاومة العراقية ستحرر العراق من المستعمرين الأمريكيين وأتباعهم لتتحرر شعوب الأرض قاطبة.
المصدر: القدس العربي