المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الهجوم على النجف: التوقيت والدلالات



الفرقاني
13-08-2004, 09:35 PM
الهجوم على النجف: التوقيت والدلالات
المحرر
13/08/2004
مرة أخرى تتورط القوات الأمريكية في مستنقع جديد وتحرك أوراقها وأوراق حلفائها سواء الذين اصطفوا معها أو التي صنعتهم بايديها، ولعل أبرز "المحترقين" في الهجمة الأخيرة على مدينة النجف، عميلها علاوي وحكومته، وكذا أهدافها السياسية المزعومة في العراق، ناهيك عن حرق "أوراق" أبرز المراجع الشيعية، التي آثرت "التخفي" لتسهيل استهداف والانفراد بالصدر.
ويمكن للقوات الأمريكية أن تكسب "معركة النجف" وأغلب الهجمات الآنية "التكتيكية"، لكنها بالتأكيد ستخسر الحرب على العراق، وهذا باعتراف محللي وخبراء الحروب الأمريكان، حيث صرح أحدهم –مسئول سابق في المخابرات المركزية الامريكية- قائلا: "لأننا لا نضع الهجمات التكتيكية ضمن السياق الواسع للأهداف السياسية للحرب".
وقد تهيئ الهجمات الأمريكية ضد النجف الأجواء والظروف والشروط لاندلاع قتال طويل المدى منخفض المستوى والحدة وربما شبيه بما حدث في المثلث السني.
والقتال في النجف تتجاذبه إشارات معقدة، قد تعمق أزمة الأمريكان في العراق. فالشيعة في العراق ليسوا كيانا مستقلا، وأي محاولات أمريكية للإبعاد أو التهميش أو العزل من المحتمل أن تسبب في تغذية التفاعلات ومظاهر التلاحم من إيران مرورا بلبنان إلى باكستان، خاصة وأن حكومة إيران تتعرض فعلا لضغط شديد من الحرس الثوري لاتخاذ إجراءات ملموسة دفاعا عن مقتدى الصدر.
وفي المحصلة، فإن إدارة الرئيس بوش قد تورطت في مغامرة عسكرية يائسة في النجف على أمل فرض حالة من التواطؤ والتوافق مع قوى الاحتلال والوصول إلى حالة من "التهدئة" في العراق الساخن، قد يستثمر تداعياتها في حملته الرئاسية، حيث تأمل إدارة بوش أن قمعا وحشيا بشكل كاف لتيار الصدر سيؤجل ثورة شيعية وشيكة على الأقل إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم. ولكن تجربته هذه محفوفة باحتمال هزيمة عسكرية رئيسية أخرى على المستوى الإستراتيجي، بينما يأمل قادته العسكريون في أنه بدلاً من ذلك، سيؤدي هذا الهجوم إلى "نصر" عسكري نادر, طالما أنهم يحاربون مجموعات مسلحة محدودة وعديمة الخبرة؟، وحتى وإن تحقق هذا "النصر" الذي يبدو أن القادة العسكريين أغربوا به إدارة بوش، فإنه سيكون محدودا وقصير الأجل في أحسن الأحوال، كما سيعزز معارضة تيار واسع في أوساط شيعة العراق للاحتلال.
ويبدو أن المناورة الاستراتيجية اليائسة الأخيرة في النجف جاءت في وقت تحتاج فيه القوات الأمريكية إلى "نصر" في العراق، والهجوم الأخير استهدف تحويل النجف من خلال استعراض عسكري إلى نصر، وهو ما فشلت في تحقيقه القوات الأمريكية في الفلوجة، فانتقلت إرادة "النصر" التي تحطمت في الفلوجة إلى النجف، خاصة وأن احتمال "سحق" جيش المهدي متبوع بسيطرة شبه كاملة على المدينة، كان متوقعا.
ومع تعيين حكومة "عراقية" جديدة و"انتقال" شكلي للسلطة، كان لزاما على القوات الأمريكية –أو هكذا ترى- أن تفرض سيطرتها السياسية والعسكرية، إيذانا بعهد جديد في حرب الولايات المتحدة على العراق وتسجيل نقاط في السباق الرئاسي الأمريكي يعزز به بوش رصيده المتآكل.
ويمكن رصد أبرز دوافع المخططين الأمريكان في شن الهجوم على النجف من خلال الملاحظات التالية:
- قد يكون الهجوم الكبير الأخير مدفوعا بالاحتمال المتزايد أن الولايات المتحدة وحلفاءها يفقدون السيطرة على معظم المدن الكبيرة في العراق، إذ في الأجزاء السنية، تبنت أكثر المدن والحصون "نموذج" الفلوجة، من خلال رفض السماح بوجود القوات الأمريكية داخلها وإنشاء حكمها المحلي.
- هجوم النجف محاولة لإيقاف هذا المدَ المناهض والرافض للاحتلال قبل أن يغمر المناطق الشيعية أيضا.
- ربما اختارت الولايات المتحدة وعملاءها العراقيين النجف لأنه يمثل أفضل فرصهم للنجاح الفوري. وهذا لعدة عوامل منها نقص خبرة جيش المهدي في القتال وعدم حيازتهم للدعم غير المشروط للسكان المحليين، فالمدينة المنقسمة أسهل للاجتياح. وحتى إن تسبب "النصر السريع" في تعزيز أسهم المناهضين للاحتلال، فإنه قد يكون رادعا ومانعا للمقاتلين في مدن الشيعة بعدم اتباع "نموذج" الفلوجة.