عبدالغفور الخطيب
30-05-2009, 11:13 PM
عن الصراع العربي الفارسي
ان تتبع تاريخ العلاقات العربية ـ الفارسية يؤكد حقيقة متوافرة عبر الحقب التاريخية المختلفة، تؤيدها شواهد التاريخ وأحداثه، وهي أن هذه العلاقات اتسمت بروح العداء الفارسي للعرب، والنزعة التوسعية على حساب أراضيهم وبلادهم، والرغبة الشديدة التي تصل الى حد الهوس للسيطرة عليهم وإذلالهم والانتقاص من مكانتهم ودورهم الإنساني.
وإذا كان تأكيد هذه الحقيقة، مدعاة للأسف، لأنها حالة شاذة وغير طبيعية لأن العرب والفرس أمتان متجاورتان، يفترض أن تقوم بينهما علاقات حسن الجوار والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، فإن ذكرها هنا لا يعني غير تقرير الواقع وتقرير أن دراسة التاريخ كشفت لنا على أن الفرس لم ينظروا أبدا الى جيرانهم العرب غير نظرة المتغطرس المغرور الطامع في أرضهم وفي ثرواتهم.
أولا: مظاهر العدوان العسكري المسلح
كان السلوك الثابت للفرس تجاه العرب ولا يزال هو العدوان العسكري المسلح.. إذ كانوا يشنون عدوانهم كلما وجدوا لديهم قدرة الفعل العسكري، وكلما رأوا الدولة العربية في العراق أو الخليج العربي تعاني من الضعف.. لقد أصبح العدوان والتوسع أشبه ما يكون بالقانون الثابت لدى الفرس، واستقراء التاريخ في الحقب القديمة والحديثة والمعاصرة يوفر لنا الأدلة القاطعة على هذا السلوك.
استقر الفرس في الهضبة الإيرانية حوالي 900 ق م، بدأوا يهيئون أنفسهم للانقضاض على الدولة البابلية وتحينوا فرصة ضعفها واستفادوا من تحالفهم مع اليهود (الذين سباهم نبوخذ نصر لداخل الدولة البابلية) ومن هم خارج بابل، فغزوا الدولة البابلية سنة 539 ق م بقيادة (كورش الاخميني) ودمروا مظاهر تحضرها ومؤسساتها وآثارها وأعملوا بسكانها القتل والإبادة.
في سنة 250 ميلادي غزا (سابور الثاني) دولة الحضر (مدينة الحضر لا تزال أطلالها قائمة جنوب الموصل ـ العراق على بعد حوالي 100كم) ودمر الدولة تدميرا كاملا. ثم غزا سابور نفسه شرق الجزيرة العربية وقتل الالاف من سكانها، وكان يربطهم من أكتافهم ومن هنا جاء لقبه (سابور ذو الأكتاف).
في سنة 540م غزا (كسرى أنو شروان) بلاد الشام. وفي سنة 602م قتل الفرس النعمان ابن المنذر ملك الحيرة لعدم موافقته على زواج ابنته من كسرى. وفي سنة 616م هاجم الفرس غزة.
وعندما ظهر الاسلام، قابله الفرس بالعداء والحقد، ومزق ملكهم كسرى كتاب رسول الله صلوات الله عليه الذي دعاهم فيه الى الإسلام.. وبانتصار الاسلام عليهم في معارك التحرير وخاصة القادسية. وبعد انتهاء معركة (نهاوند) ورغم اسلامهم عبر كثير من الفرس عن عدائهم للعرب بصيغ وأشكال مختلفة، كان أبرزها التعاون مع اليهود في فتنة مقتل عثمان، وتذكية النزعة الشعوبية في الدولة الإسلامية وقد كانت أهدافهم تأخذ ثلاثة أبعاد:
أ ـ البعد الديني: ويقوم على تشويه مبادئ الإسلام وهدمها بكل الوسائل، منها إنشاء حركات الغلو والزندقة منطلقين من مبادئ دياناتهم القديمة كالزردشتية والمانوية والمزدكية، وتصدير حركات مثل البابية والبهائية وغيرها، وإضفاء طابع تحريضي على طقوسهم الدينية من أجل التذكير بالفتن.
ب ـ البعد السياسي: الذي يقوم على محاربة الأمة العربية، والعمل على إزالة كيانها وزعزعة ثقة أبنائها بإنجازاتها العظيمة المستمرة، واتخذ هذا البعد عدة أشكال كعمليات اغتيال الخلفاء، والحركات التي حاولت زعزعة كيان الدولة العربية كحركات الراوندية والمقنع وسنباذ وبابك الخرمي والأفشين، ومحاولات أبي مسلم الخراساني والبرامكة.
ج ـ البعد الحضاري: ويستهدف الحضارة العربية والانتقاص منها، إذ عمل الفرس على الطعن بالعرب وحضارتهم وإحياء التراث الفارسي القديم والإشادة به وإظهاره بصورة متقدمة على التراث والحضارة العربية.
في العصر الحديث
استمر السلوك العدواني وبغض النظر عن طبيعة الحكم في فارس، فلما تسلم الصفويون الحكم، احتل اسماعيل الصفوي بغداد سنة 1508م، وتحالف الصفويون مع البرتغاليين (والذين يعتبروا أكبر خطر على الإسلام والمسلمين في وقتها عندما طاردوا المسلمين الفارين من الأندلس) ورغم زعم الدولة الصفوية أنها دولة دينية إسلامية. فقد عقد الفرس الصفويون مع البرتغاليين اتفاقية عام 1515 تنص على جعل السفن البرتغالية تحت تصرف الفرس في شن هجماتهم على البحرين وقطيف.
وفي سنة 1623 قام الشاه (عباس الصفوي) بغزو العراق وقام بأعمال تخريب وهدم.
وفي سنوات 1733 و 1736 و 1743 قام (نادر شاه) بثلاث غزوات للعراق، خرب فيها المدن ونكل بأهلها.
وفي عام 1775 قاد (كريم خان الزند) ثلاث غزوات لاحتلال العراق فشلت اثنتان منها ونجحت واحدة إذ تمكن من احتلال البصرة، وأزال الدولة المشعشعية التي كانت عاصمتها (الحويزة) والتي كانت تمتد من أطراف ما بعد الأحواز وتنتهي عند (الديوانية جنوب بغداد) والتي استمرت زهاء ثلاث قرون. وأجبر أهلها على التشيع لإنشاء كيان ديني شيعي ينافس الكيان السني الذي تتزعمه الدولة العثمانية.
وفي العهد القاجاري في عام 1820 تعرض العراق لهجوم فارسي، واستمرت الأعمال العدوانية بعد انتهاء الحكم القاجاري ومجيء النظام البهلوي عندما اغتصبت ايران كل الأحواز عام 1925 بالتعاون مع بريطانيا وضمتها لدولتها.
وبعد مجيء خميني، عاودت الأحلام الصفراء للظهور، فادعى بأن البصرة إيرانية والبحرين إيرانية والعراق إيرانية، وسجل العراق 224 شكوى لاعتداءات إيرانية قبل أن يرد عليه بالعمل العسكري.
يتبع
ان تتبع تاريخ العلاقات العربية ـ الفارسية يؤكد حقيقة متوافرة عبر الحقب التاريخية المختلفة، تؤيدها شواهد التاريخ وأحداثه، وهي أن هذه العلاقات اتسمت بروح العداء الفارسي للعرب، والنزعة التوسعية على حساب أراضيهم وبلادهم، والرغبة الشديدة التي تصل الى حد الهوس للسيطرة عليهم وإذلالهم والانتقاص من مكانتهم ودورهم الإنساني.
وإذا كان تأكيد هذه الحقيقة، مدعاة للأسف، لأنها حالة شاذة وغير طبيعية لأن العرب والفرس أمتان متجاورتان، يفترض أن تقوم بينهما علاقات حسن الجوار والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، فإن ذكرها هنا لا يعني غير تقرير الواقع وتقرير أن دراسة التاريخ كشفت لنا على أن الفرس لم ينظروا أبدا الى جيرانهم العرب غير نظرة المتغطرس المغرور الطامع في أرضهم وفي ثرواتهم.
أولا: مظاهر العدوان العسكري المسلح
كان السلوك الثابت للفرس تجاه العرب ولا يزال هو العدوان العسكري المسلح.. إذ كانوا يشنون عدوانهم كلما وجدوا لديهم قدرة الفعل العسكري، وكلما رأوا الدولة العربية في العراق أو الخليج العربي تعاني من الضعف.. لقد أصبح العدوان والتوسع أشبه ما يكون بالقانون الثابت لدى الفرس، واستقراء التاريخ في الحقب القديمة والحديثة والمعاصرة يوفر لنا الأدلة القاطعة على هذا السلوك.
استقر الفرس في الهضبة الإيرانية حوالي 900 ق م، بدأوا يهيئون أنفسهم للانقضاض على الدولة البابلية وتحينوا فرصة ضعفها واستفادوا من تحالفهم مع اليهود (الذين سباهم نبوخذ نصر لداخل الدولة البابلية) ومن هم خارج بابل، فغزوا الدولة البابلية سنة 539 ق م بقيادة (كورش الاخميني) ودمروا مظاهر تحضرها ومؤسساتها وآثارها وأعملوا بسكانها القتل والإبادة.
في سنة 250 ميلادي غزا (سابور الثاني) دولة الحضر (مدينة الحضر لا تزال أطلالها قائمة جنوب الموصل ـ العراق على بعد حوالي 100كم) ودمر الدولة تدميرا كاملا. ثم غزا سابور نفسه شرق الجزيرة العربية وقتل الالاف من سكانها، وكان يربطهم من أكتافهم ومن هنا جاء لقبه (سابور ذو الأكتاف).
في سنة 540م غزا (كسرى أنو شروان) بلاد الشام. وفي سنة 602م قتل الفرس النعمان ابن المنذر ملك الحيرة لعدم موافقته على زواج ابنته من كسرى. وفي سنة 616م هاجم الفرس غزة.
وعندما ظهر الاسلام، قابله الفرس بالعداء والحقد، ومزق ملكهم كسرى كتاب رسول الله صلوات الله عليه الذي دعاهم فيه الى الإسلام.. وبانتصار الاسلام عليهم في معارك التحرير وخاصة القادسية. وبعد انتهاء معركة (نهاوند) ورغم اسلامهم عبر كثير من الفرس عن عدائهم للعرب بصيغ وأشكال مختلفة، كان أبرزها التعاون مع اليهود في فتنة مقتل عثمان، وتذكية النزعة الشعوبية في الدولة الإسلامية وقد كانت أهدافهم تأخذ ثلاثة أبعاد:
أ ـ البعد الديني: ويقوم على تشويه مبادئ الإسلام وهدمها بكل الوسائل، منها إنشاء حركات الغلو والزندقة منطلقين من مبادئ دياناتهم القديمة كالزردشتية والمانوية والمزدكية، وتصدير حركات مثل البابية والبهائية وغيرها، وإضفاء طابع تحريضي على طقوسهم الدينية من أجل التذكير بالفتن.
ب ـ البعد السياسي: الذي يقوم على محاربة الأمة العربية، والعمل على إزالة كيانها وزعزعة ثقة أبنائها بإنجازاتها العظيمة المستمرة، واتخذ هذا البعد عدة أشكال كعمليات اغتيال الخلفاء، والحركات التي حاولت زعزعة كيان الدولة العربية كحركات الراوندية والمقنع وسنباذ وبابك الخرمي والأفشين، ومحاولات أبي مسلم الخراساني والبرامكة.
ج ـ البعد الحضاري: ويستهدف الحضارة العربية والانتقاص منها، إذ عمل الفرس على الطعن بالعرب وحضارتهم وإحياء التراث الفارسي القديم والإشادة به وإظهاره بصورة متقدمة على التراث والحضارة العربية.
في العصر الحديث
استمر السلوك العدواني وبغض النظر عن طبيعة الحكم في فارس، فلما تسلم الصفويون الحكم، احتل اسماعيل الصفوي بغداد سنة 1508م، وتحالف الصفويون مع البرتغاليين (والذين يعتبروا أكبر خطر على الإسلام والمسلمين في وقتها عندما طاردوا المسلمين الفارين من الأندلس) ورغم زعم الدولة الصفوية أنها دولة دينية إسلامية. فقد عقد الفرس الصفويون مع البرتغاليين اتفاقية عام 1515 تنص على جعل السفن البرتغالية تحت تصرف الفرس في شن هجماتهم على البحرين وقطيف.
وفي سنة 1623 قام الشاه (عباس الصفوي) بغزو العراق وقام بأعمال تخريب وهدم.
وفي سنوات 1733 و 1736 و 1743 قام (نادر شاه) بثلاث غزوات للعراق، خرب فيها المدن ونكل بأهلها.
وفي عام 1775 قاد (كريم خان الزند) ثلاث غزوات لاحتلال العراق فشلت اثنتان منها ونجحت واحدة إذ تمكن من احتلال البصرة، وأزال الدولة المشعشعية التي كانت عاصمتها (الحويزة) والتي كانت تمتد من أطراف ما بعد الأحواز وتنتهي عند (الديوانية جنوب بغداد) والتي استمرت زهاء ثلاث قرون. وأجبر أهلها على التشيع لإنشاء كيان ديني شيعي ينافس الكيان السني الذي تتزعمه الدولة العثمانية.
وفي العهد القاجاري في عام 1820 تعرض العراق لهجوم فارسي، واستمرت الأعمال العدوانية بعد انتهاء الحكم القاجاري ومجيء النظام البهلوي عندما اغتصبت ايران كل الأحواز عام 1925 بالتعاون مع بريطانيا وضمتها لدولتها.
وبعد مجيء خميني، عاودت الأحلام الصفراء للظهور، فادعى بأن البصرة إيرانية والبحرين إيرانية والعراق إيرانية، وسجل العراق 224 شكوى لاعتداءات إيرانية قبل أن يرد عليه بالعمل العسكري.
يتبع