المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة 11 سبتمبر



khammad
09-08-2004, 04:38 PM
قصة سبتمبر (1):خالد الشيخ محمد: بن لادن علم بخطة هجمات (سبتمبر) في تورا بورا عام 1996 لكنه لم يعط "الضوء الأخضر" سوى بعد عامين
الحياة/ لندن - كميل الطويل / يروي تقرير لجنة التحقيق في هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الكثير من النقاط الغامضة في التحضير للعملية وبعضها يُكشف للمرة الأولى. وفي ما يأتي بعض ما ورد في التقرير عن "العقل المدبّر" لمؤامرة التفجيرات, كما قالها بنفسه للمحققين الذين اعتقلوه في باكستان قبل سنتين. وفي حين ان محضر التحقيقات معه ليس وثيقة يُعتد بها قضائياً, كما انه لا يُعرف كيف حصل الاميركيون على المعلومات منه في ظل التقارير التي تشير الى انهم يعتمدون أساليب تعذيب في استنطاق الموقوفين, إلا ان روايته لا يمكن تجاهلها.

نشأ خالد الشيخ محمد في الكويت لاسرة بلوشية مسقط رأسها الحدود الايرانية - الباكستانية. وهو يقول, في اعترافاته, انه تربى في عائلة ملتزمة دينياً, والتحق بـ"الاخوان المسلمين" وعمره 16 سنة حين شارك في "مخيمات جهادية" في الصحراء. وبعد تخرجه من الثانوية العامة, في 1983, سافر الى "كلية شوان", وهي مدرسة معمدانية مسيحية في ولاية نورث كارولينا. ومنها انتقل الى الجامعة الزراعية والتقنية في الولاية نفسها, حيث درس مع شقيق رمزي يوسف الذي أشرف على محاولة تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993. ويوسف ابن شقيقة خالد الذي لا يكبره سوى بثلاث سنوات.

حصل خالد شيخ محمد على شهادة في الهندسة الميكانيكية في كانون الاول (ديســمبر) 1986. بعد ذلك بدأ يقوم بـ"اعمال جهادية" لمساعدة الافغان. ففي 1987 زار بيشاور حـيث عرّفه شقيقه زاهد الى "عبد الرسول سياف (الاتحاد الاسلامي). درّبه الأخير في مخيم تابع لحزبه يدعى "صعدة". ويقول خالد انه شارك في المعارك ضد الروس لمدة ثلاثة شهور, قبل ان يُستدعى ليعمل "إدارياً" مع "شيخ المجاهدين العرب" عبدالله عزام. وبعد ذلك عمل في شركة اتصالات تؤمن للأفغان حاجاتهم من الأجهزة الالكترونية. كذلك تعلم كيف تتم عملية حفر المغارات في افغانستان.

بين 1988 و1992 ساعد خالد في تسيير منظمات غير حكومية يديرها سياف بين يشاور وجلال آباد. وفي 1992 امضى بعض الوقت يحارب مع المجاهدين في البوسنة ويجمع لهم التبرعات. وعاد بعدها الى باكستان, ثم نقل عائلته الى قطر. وعمل مهندساً في وزارة الكهرباء والماء, وسافر مراراً على حسابها, لكنه كان يعمل في "نشاطات ارهابية". فر من قطر الى باكستان في 1996 لتفادي اعتقاله.

يقول خالد انه علم من رمزي يوسف انه يفكّر في شن هجوم داخل الولايات المتحدة عام 1991 او 1992, حين كان يوسف يتلقى تدريباً على المتفجرات في افغانستان. وفي خريف 1992 عندما كان رمزي يوسف يحضّر لتفجير مركز التجارة في نيويورك, كان على اتصال مع خاله يطلعه على "تقدم التحضيرات للعملية" وليطلب مساعدته مالياً. وحوّل خالد في 3 تشرين الثاني (نوفمير) 1993 مبلغ 660 دولاراً من حساب في قطر الى محمد سلامة, شريك لرمزي يوسف في العملية. لكن لا يبدو انه قدم مساعدات اخرى.

في 1994 سافر هو ورمزي يوسف الذي استطاع الفرار من الولايات المتحدة بعد فشل عملية تفجير مركز التجارة, الى الفيليبين لحبك "مؤامرة بوينكا" التي كانت تقضي بتفجير 10 طائرات ركاب في الجو. كذلك خطط هو وابن شقيقته لاغتيال الرئيس بيل كلينتون خلال زيارته مانيلا, ولتهريب "سـترات مفخخة" على متن طائرة شحن متوجهة الى الولايات المتحدة. و"اخترع" يوسف "ساعة توقيت" لاستخدامها في العـميلة وجربها في سينما في مانيلا وعلى متن طائرة فيليبينية متوجهة الى طوكيو. لكن العملية انكشفت بعد انفجار مواد كيماوية كان يوسف يجري تجارب عليها. وكان خالد سبقه الى قطر حيث عاد والتحق بوظيفته في الوزارة. وفي 7 شباط (فبراير) 1995, اعتُقل يوسف في باكستان بعدما وشى به أحد المشاركين في عملية كان يخطط لها. ويقول خالد انه سافر مراراً في تلك الفترة, لكنه فشل في لقاء أسامة بن لادن في السودان عام 1995. غير انه نجح في لقاء محمد عاطف (أبو حفص المصري) الذي تولى قيادة "القاعدة" عسكرياً بعد غرق "ابو عبيدة البنشيري" في بحيرة فيكتوريا. اعطى عاطف خالداً رقم شخص ليتصل به في البرازيل, لكن لا يُعرف اذا حصل مثل ذلك الاتصال. إذ عاد الاخير الى قطر في 1996, وهناك علم بأن الأميركيين يخططون للقبض عليه ففر الى افغانستان.

وصادف ان بن لادن انتقل من السودان الى افغانستان. ومن خلال محمد عاطف, تم ترتيب لقاء بينه وبين بن لادن في تورا بورا, قدّم خالد خلاله لبن لادن لائحة بأفكار عمليات. ويقول خالد ان ذلك اللقاء كان الاول مع بن لادن منذ 1989, على رغم انهما قاتلا سوياً في أفغانستان في 1987. وشرح خالد لبن لادن, تفاصيل مؤامرة مانيلا, ومؤامرة تفجير طائرات الشحن, وقدّم اقتراحاً جديداً بتدريب طيارين لشن هجمات ضد مبانٍ في الولايات المتحدة. لم يعط بن لادن رأياً في اقتراح خالد, لكنه طلب منه الالتحاق رسمياً بـ"القاعدة" ونقل عائلته الى افغانستان. لكن خالد رفض, مفضّلاً ان يبقى مستقلاً ويبقي خياراته مفتوحة للعمل مع مجموعات المجاهدين الأخرى.

وبعد لقاء بن لادن, انتقل خالد الى الهند ثم اندونيسيا وماليزيا حيث التقى "الحنبلي" القائد العسكري لـ"الجماعة الاسلامية". بعد ذلك انتقل خالد الشيخ الى ايران وعمل على نقل افراد عائلته الى كراتشي, وهو ما تم في كانون الثاني (يناير) 1997. ومن كراتشي حاول الالتحاق بـ"ابن الخطاب" في الشيشان, لكنه لم يستطع عبور اذربيجان, فعاد الى افغانستان وعاود اتصاله ببن لادن.

ويقول خالد ان بن لادن تحت الحاح من محمد عاطف, وافق في اواخر 1998 او بداية 1999 (بعد نجاح عملية تفجير السفارتين في شرق افريقيا) على فكرة خالد تنفيذ هجمات بطيارين انتحاريين واعطاه "الضوء الاخضر" لتنفيذ 11 ايلول. ووافق خالد هنا على طلب بن لادن نقل عائلته الى قندهار, والتحق بـ"القاعدة", لكنه امتنع عن مبايعة بن لادن "ليبقي خياراته مفتوحة". واضافة الى تحضيره عملية 11 ايلول, تولى خالد الاشراف على اللجنة الاعلاميـة فـي "القاعـدة".

وفي صيف 2001, اقترح خالد على بن لادن العمل على تجنيد طيار سعودي لشن غارة على إيلات, لكن بن لادن, الذي اُعجب بالفكرة, طلب منه ان "يركّز اهتمامه على 11 ايلول".

ويبدو ان علاقة خالد بـ"الحنبلي" كانت وثيقة. إذ ساعده الأخير في تأمين مقر اقامة في كوالالمبور لعدد من الذين تدربوا عنده وهم توفيق بن عطاش (المعروف بـ"خالد") الذي ساهم لاحقاً في عملية تفجير المدمرة كول في اليمن عام 2000, ونواف الحازمي وخالد المحضار (شاركا في 11 ايلول). كذلك أمن مكاناً لزكريا موسوي بناء على طلب خالد ومحمد عاطف.

ويذكر تقرير لجنة 11 ايلول ان "الحنبلي" عرّف الدكتور أيمن الظواهري إلى عضو في "الجماعة الاسلامية" تخرّج في اميركا ويدعى يزيد صوفات الذي عمل في مختبر قرب قندهار عام 2001, على انتاج مادة "الانثراكس" لـ"القاعدة".
قصة سبتمبر (2):خالد الشيخ محمد أراد مهاجمة أميركا بـ10 طائرات تضرب "مفاعلات نووية"... ويقود هو آخرها وكلفت العملية نصف مليون دولار

الحياة/عرضت "الحياة", أمس, "اعترافات" خالد الشيخ محمد للأميركيين عن تاريخ خطة شن الهجمات على الولايات المتحدة بطائرات مدنية مخطوفة, بدءاً بـ"مؤامرة بوينكا" في مانيلا عام 1995 (تفجير 10 طائرات متجهة إلى أميركا), ثم عرضه الفكرة ذاتها في 1996 على أسامة بن لادن في جبال تورا بورا, وأخيراً إعطاء زعيم "القاعدة" الضوء الأخضر لتنفيذها في أواخر 1998. واليوم تستكمل "الحياة" نشر اعترافاته - التي يمكن أن تكون انتُزعت بالقوة منه - عن تفاصيل التخطيط للعملية وتنفيذها في 11 أيلول (سبتمبر) 2001.

يقول الشيخ محمد, في اعترافاته, إن فكرة ضرب مركز التجارة العالمي بطائرات ناقشها هو وابن اخته رمزي يوسف (مهندس عملية التفجير الأولى التي استهدفت مركز التجارة في 1993) خلال تخطيطهما لمؤامرة "بوينكا" في مانيلا في 1995. ويوضح أنهما فكّرا فقط في خطف طائرات لضرب مركز التجارة ومقر وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) في لانغلي. ويوضح أنه فكّر في ضرب نيويورك لأنها "مركز الثقل الاقتصادي" الأميركي, وللسبب ذاته فكّر أيضاً في ضرب كاليفورنيا. وأضاف إنه أخذ يتصوّر فكرة "إبادية": خطف وتفجير 10 طائرات دفعة واحدة ضد الأهداف الأربعة التي هوجمت في 11 أيلول, وإضافة إليها مقر "سي آي أي" في لانغلي, ومقر "أف بي آي" في واشنطن, ومفاعلات طاقة نووية (لم يحددها), وأطول برجين في كاليفورنيا وولاية واشنطن (الساحل الغربي الأميركي). وأضاف أنه كان يريد أن يقود الطائرة العاشرة بنفسه ويهبط فيها في مطار أميركي بعد أن يقتل "جميع الركاب الذكور" على متنها, ويتصل بوسائل الإعلام ليشرح كيف تدعم أميركا إسرائيل والفيليبين والحكومات العربية.

ويعترف خالد بأن الفكرة لقيت ترحيباً فاتراً من بن لادن وقادة "القاعدة" بسبب تعقيداتها وضخامتها. وقال إن بن لادن استمع إلى فكرته عندما طرحها عليه في تورا بورا, لكنه رآها "غير عملية", وأن زعيم "القاعدة" لم يدعم مشروعه شن هجمات بطائرات تجارية على الولايات المتحدة سوى بعدما التحق هو بـ"القاعدة" أواخر 1998 أو بداية 1999, علماً أن بن لادن طلب ذلك منه في 1996 لكنه لم يستجب طلبه. وأضاف أن بن لادن استدعاه إلى قندهار في آذار (مارس) أو نيسان (أبريل) 1999 وقال له إن "القاعدة" ستساند فكرته. وكان خالد يريد تنفيذ الفكرة في أي حال, لكنه كان يعرف أنه لا يقدر على ذلك من دون تنظيم قادر على تجنيد عشرات المتطوعين. واعترف بأن محمد عاطف (أبو حفص) لعب دوراً في اقتناع بن لادن بالفكرة.

جلس خالد وبن لادن وعاطف في "مجمع المطار" في قندهار لمناقشة الأهداف ووضع لائحة بها: البيت الأبيض, مبنى الكابيتول, البنتاغون, برجا مركز التجارة. قال بن لادن إنه يريد تحديداً ضرب البيت الأبيض والبنتاغون, فيما قال خالد إنه يريد ضرب مركز التجارة.
الأربعة الأوائل

انتقى بن لادن فوراً أربعة أشخاص ليكونوا جزءاً من العملية: خالد المحضار, نواف الحازمي, "خلاد", و"أبو البراء اليمني". قال بن لادن لخالد إن اثنين منهما, المحضار والحازمي, كانا بالغي التشوق للمشاركة حتى أنهما استحصلا على تأشيرة أميركية. فنصح خالد بن لادن أن يرسلهما إلى أميركا لتعلم الطيران.

كان الحازمي والمحضار من المجاهدين في أفغانستان والبوسنة, وكلاهما متمرس في القتال. وربما يعود تشوّقهما للمشاركة في عملية انتحارية, أنهما كانا يريدان تكرار عمل صديقهما "عزام", ابن أخت القائد الميداني لـ"القاعدة" في الخليج عبدالرحيم الناشري, الذي فجّر نفسه في الشاحنة المفخخة التي ضربت السفارة الأميركية في نيروبي في 7 آب (أغسطس) 1998. أما "خلاد" فهو يمني طُرد والده من اليمن إلى السعودية بسبب آرائه المتطرفة. وهناك تعرف والده إلى بن لادن وعبدالله عزام وعمر عبدالرحمن (الشيخ المصري الضرير). انتقل "خلاد" إلى أفغانستان عام 1994 وكان عمره 15 عاماً. وبعد ثلاث سنوات من وصوله فقد الجزء الأسفل من ساقه اليمنى في معركة ضد تحالف الشمال (قُتل في المعركة شقيقه أيضاً). وبعد ذلك, بايع بن لادن وتطوع لعملية انتحارية.

أرسله بن لادن إلى اليمن لمساعدة الناشري في جمع متفجرات. وهناك قدّم طلباً للحصول على تأشيرة أميركية, ولم يثنه رفض الطلب عن تكرار المحاولة, فقدّم طلباً باسم مختلف للذهاب إلى أميركا بهدف الحصول على ساق اصطناعية. حصل من رفيق له في "القاعدة" على اسم شخص في الولايات المتحدة ليرتب له موعداً لدى عيادة تطبيب, بهدف تبرير طلبه الحصول على التأشيرة. لكن قبل حصوله على الموعد اعتقلته أجهزة الأمن اليمنية "خطأ". إذ كان في سيارة مطلوب لأجهزة الأمن. تدخل والد "خلاد" وبن لادن لإطلاقه, وهو ما حصل في صيف 1999. وكان سبب تدخل بن لادن شخصياً لإطلاق "خلاد" خشية أن يفضح في التحقيق معه خطط الناشري لتفجير سفن أمام سواحل اليمن. فاتصل بمسؤول يمني وطلب منه إطلاق "خلاد" في مقابل ألا يتعرض هو لليمنيين ما لم يتعرضوا هم له. فأطلق "خلاد", وعاد إلى أفغانستان.
"مس إيناك"

في خريف 1999 أُرسل الأربعة المختارون للعملية إلى مخيم "مس إيناك", وهو عبارة عن منجم نحاس روسي سابق قرب كابول, مخصص لقوات "النخبة" لدى "القاعدة". كان بن لادن نفسه من يختار الذين يلتحقون بالدورات في هذا المعسكر, وهي غالباً ما تكون تحضيراً لعمليات ضخمة. فمثلاً إبراهيم الثوار المكنى "نبراس" خضع لتدريب في المعسكر قبل مشاركته في تفجير المدمرة "كول" في تشرين الأول (أكتوبر) 2000 في اليمن.

افتُتح "مس إيناك" في 1999 بعدما دمّر الأميركيون معسكر تدريب في خوست في 1998, وقبل أن تأذن حركة "طالبان" بفتح معسكر "الفاروق" قرب قندهار. وكان يُشرف على الدروس في المعسكر "سيف العدل". وعندما احتج "صلاح الدين", أحد المدربين فيه, على كثرة عدد الطلاب قائلاً إنه لا ينبغي تدريب أكثر من 20 شخصاً في الدفعة الواحدة, أصر بن لادن على أن يجرى تدريب كل شخص يرسله هو للالتحاق بالدورات, مهما كان عددهم. وبعدما أنهى الأربعة دورتهم انتقل ثلاثة منهم ("خلاد" و"أبو البراء" والمحضار) إلى "منزل آمن" في كراتشي. وهناك أخذ خالد الشيخ محمد يدرّبهم على كيفية التصرف في مجتمع غربي. أعطاهم مجلات عن الطيران وأفلاماً عن خطف الطائرات وأجهزة تدريب على الطيران, وعلّمهم أيضاً كيفية استخدام الانترنت واستخدام أسماء "كودية" في المراسلات.

ومن كراتشي انتقلت المجموعة إلى كوالالمبور, في الشهر الأول من العام 2000, للتدرّب على تفاصيل متعلقة بالطيران. استخدم بعضهم جوازات يمنية في السفر إلى ماليزيا, وهناك استخدموا جوازات سعودية لئلا يُكتشف أنهم كانوا في باكستان. وفي كوالالمبور اتصل "خلاد" و"أبو البراء" بـ"الحنبلي" القائد العسكري لتنظيم "الجماعة الإسلامية" المحلي, وأخذهما هذا للإقامة في منزله. وبما أن الهدف من انتقال المجموعة إلى ماليزيا كان استكشاف إمكان خطف طائرات من جنوب شرقي آسيا في إطار خطة خالد الشيخ محمد, سافر "خلاد" من كوالالمبور إلى هونغ كونغ ليتعرف إلى قلب الطائرة ويراقب إجراءات الأمن فيها, وهرّب معه "شفرات قاطعة" (مثل التي استُخدمت لاحقاً في 11 أيلول). وقف في قلب الطائرة عندما كان الركاب شبه نيام, وسحب الشفرات من حقيبة اليد التي أخذها معه. لم ينتبه إليه أحد.

عاد إلى كوالالمبور, وهناك قرر السفر إلى سنغافورة لمقابلة "نبراس" وفهد القوصو الانتحاريين في "خلية الناشري" التي كانت تخطط لتفجير مدمرات وسفن في اليمن. قبل أيام فقط فشلت خطتهما لتفجير المدمرة "يو أس أس سوليفان" عندما غرق زورقهما المفخخ في ميناء عدن.

لكن زيارة سنغافورة لم تكن ممكنة لعدم حصول الجميع على تأشيرة. فالتقوا في تايلاند. تحدث "خلاد" معهما عن سبب فشل عملية اليمن, وعاد إلى أفغانستان, عبر كراتشي, وقدّم إلى بن لادن تقريراً عن مهمته في جنوب شرقي آسيا. عندها قرر بن لادن التخلي عن "الجزء الآسيوي" من عملية 11 أيلول لعدم القدرة على تنسيقها مع الهجمات التي كانت ستنطلق من داخل الولايات المتحدة. وصدر قراره هذا في ربيع 2000.
دفعة ثانية

في 15 كانون الثاني (يناير) 2000 وصل المحضار والحازمي إلى الولايات المتحدة للتحضير للهجمات. تزامن وصولهما مع وصول دفعة ثانية من أعضاء فريق الهجمات الانتحارية للتدرب في أفغانستان. جاء الأربعة, وهم زياد الجراح ورمزي بن الشيبة ومروان الشحي ومحمد عطا, من أربعة بلدان مختلفة (لبنان واليمن والإمارات ومصر). أرادوا المشاركة في "الجهاد في الشيشان", إلا أن "القاعدة" قدّرت أهميتهم كونهم متعلمين في الغرب, وجنّدتهم لعملية 11 أيلول.

وعلى رغم أن الأربعة الأعضاء في "خلية هامبورغ" (مع عدد من المغاربة مثل منير المتصدق وسعيد بهاجي وزكريا الصبار وعبدالغني مزودي) كانوا معروفين في أواخر التسعينات بالتزامهم الديني القوي ورغبتهم في الجهاد, إلا أن لقاء لبن الشيبة والشحي صدفة مع شخص يدعى "خالد المصري" في قطار ألماني تطوّر إلى نقاش عن الجهاد ورغبة الإماراتي واليمني في القتال في الشيشان. نصحهم المصري بأن يتصلا بـ"أبو مصعب" في مدينة دويسبيرغ (اسمه الحقيقي محمد ولد صلاحي), ففعلا. وعلى رغم أن "أبو مصعب" معروف منذ فترة طويلة لأجهزة الاستخبارات الأميركية والألمانية بصفته "عضواً مهماً" في "القاعدة", إلا أن هذه الأجهزة لم تكن تعرف أنه كان ناشطاً في ألمانيا في أواخر 1999. التقى بن الشيبة والشحي مع ولد صلاحي الذي قال لهما إن جورجيا تعتقل الذاهبين إلى الشيشان وأن نصيحته لهما ولرفاقهما في "خلية هامبورغ" الذهاب إلى أفغانستان للتدرب على الجهاد. وطلب منهم الحصول على تأشيرة باكستانية, والعودة إليه ليشرح لهم كيف ينتقلون من كراتشي الى كويتا وفيها يتصلون بـ"عمر المصري" الذي يعمل في "مكتب طالبان", على أن يتولى هذا نقلهم إلى أفغانستان. ويقول بن الشيبة في اعترافاته أن الجميع غادروا ألمانيا في تشرين الثاني (نوفمبر) 1999 إلى أفغانستان, وكان هو آخرهم. وعندما وصل إلى مكتب "طالبان" في كويتا لم يكن هناك أحد باسم "عمر المصري" فقد كان ذلك اسماً كودياً ليفهم الأفغان في المكتب الهدف من إرساله. ويقول إنه وصل إلى قندهار ليجد أن الجراح وعطا بايعا بن لادن, وقالا له إن الشحي فعل الأمر ذاته وانه سافر الى الإمارات للتحضير لمهمة كُلّف بها. فبايع هو أيضاً بن لادن.

اختار زعيم "القاعدة" عطا لقيادة المجموعة, وكلّف محمد عاطف (أبو حفص) ان يتابع معهم مناقشة المهمة التي سيُكلّفون بها. قال لهم عاطف انهم سيقومون بعملية "بالغة السرية", وأنه عليهم العودة إلى ألمانيا لتلقي "تدريب على الطيران". في ذلك الوقت, كان عطا وحده يعقد لقاءات متكررة مع بن لادن لدرس الأهداف التي سيتم ضربها. وبلّغهم بن لادن أن "ربيع المكّي" (لقب نواف الحازمي) سيكون جزءاً من عمليتهم.

في بدايات 2000 بدأ أعضاء الفريق في العودة إلى ألمانيا, بعد لقاءات مع خالد شيخ محمد في كراتشي. وكان لافتاً أن الجراح وعطا حلقا لحيتيهما وصارا يرتديان ملابس غربية وابتعدا عن حيدر الزمار, الشيخ السوري المتشدد الناشط في هامبورغ, خشية أن يلفتا الانظار إليهما. أما الشحي فأقام حفلة عرسه في الإمارات وحلق لحيته أيضاً.

تولى ابن عم خالد الشيخ محمد واسمه علي عبدالعزيز علي مساعدة أفراد المجموعة من الإمارات حيث يعيش. إذ استخدم بطاقة ائتمان تعود إلى الشحي واشترى أجهزة تدريب على قيادة طائرات "بوينغ". لكن تبيّن لقيادة "القاعدة" أن أعضاء الفريق لا بد من أن يسافروا بأنفسهم إلى أميركا لتعلم الطيران. وعمل خالد الشيخ محمد و"أبو زبيدة" على تسهيل سفرهم. فقد كان لـ"القاعدة" مكتب مختص بتزوير الجوازات وتأشيرات السفر يقع داخل مطار قندهار ويشرف عليه محمد عاطف شخصياً. وكانت "القاعدة" تأخذ جوازات سفر الذين يذهبون للقتال, حتى إذا قتلوا تعيد استخدام جوازاتهم.

ويفيد تقرير لجنة 11 أيلول أن "القاعدة" لم تدفع سوى ما بين 400 - 500 ألف دولار لتمويل العملية بكاملها. وأشرف على تحويل الأموال مصطفى الحوسوي وخالد الشيخ محمد وبن الشيبة.
قصة سبتمبر (3):بن لادن اختار "العضلات" واحداً واحداً و"أبو تراب" درّبهم على خطف طائرات بذبح حيوانات
الحياة/عرضت حلقتا السبت والأحد, قصة التخطيط لهجمات 11 ايلول (سبتمر) منذ اقترحها خالد الشيخ محمد على أسامة بن لادن في جبال تورا بورا عام 1996, مروراً بموافقة زعيم "القاعدة" عليها في 1998, وقراره في ربيع 2000 التخلي عن "الجزء الآسيوي" من مؤامرة خطف الطائرات وضربها ضد أهداف أميركية. وتتناول حلقة اليوم بدء التنفيذ الفعلي للهجمات, كما أوردها تقرير لجنة التحقيق في 11 ايلول.

كان خالد المحضار ونواف الحازمي أول الواصلين الى كاليفورنيا للتحضير لهجمات 11 أيلول بعدما انتقاهما أسامة بن لادن للمهمة. لكن لم تمر شهور قليلة على وصولهما, في كانون الثاني (يناير) 2000, حتى تيقنا من عدم قدرتهما على القيام بالمطلوب منهما: تعلّم الطيران. فقررا التخلي عنها في أيار (مايو) 2000.

كان المحضار مشغول البال على عائلته. فقد انجبت زوجته طفلهما الاول. لم يعد يطيق البقاء في كاليفورنيا. فأغلق حسابه المصرفي وحوّل ملكية سيارته الى الحازمي, ودبّر أمره للسفر الى اليمن.

كان خالد الشيخ محمد, مهندس الهجمات, طلب من عضو "القاعدة" المعروف بـ"خالد" - الذي انتدبه بن لادن ليكون عضواً في فريق الانتحاريين, لكنه فشل في الحصول على تأشيرة أميركية - ان يبقى على اتصال بالبريد الالكتروني مع المحضار والحازمي. وعندما عرّف خالد بقرار المحضار السفر وترك الحازمي وحده في سان دييغو جنّ جنونه وأصر على سحبه من العملية. ولو لم تكن الكلمة الأخيرة لبن لادن, لكان خالد سحب المحضار من العملية.

وهكذا بقي الحازمي وحده في كاليفورنيا. كان يشعر بالوحدة. فطلب الإذن له بالبحث عن زوجة من خلال الانترنت, وجاءته الموافقة من خالد الشيخ محمد. لكن بحثه عن زوجة لم يثمر.

في صيف تلك السنة بدأ فريق "الطيارين" يصل الى الولايات المتحدة. كان أفراد "خلية هامبورغ" - زياد الجراح, مروان الشحي, رمزي بن الشيبة ومحمد عطا - انتقلوا في نهاية 1999 الى أفغانستان وطلب منهم بن لادن بعدما عيّن عطا قائداً لهم ان يسافروا الى أميركا للتدرب على الطائرات. لكن ابن الشيبة فشل في الحصول على تأشيرة, فسافر رفاقه الثلاثة فقط. وصل مروان الشحي في 29 أيار (مايو). محمد عطا, كما يقول رمزي بن الشيبة في اعترافاته, سافر في 2 حزيران (يونيو) بالباص من المانيا الى تشيخيا, وطار من براغ الى مطار نيويورك. وكان هدفه من السفر من براغ تلافي الاقلاع من هامبورغ لئلا تشتبه الاستخبارات في كثرة سفر اعضاء "خلية القاعدة" من المطار الألماني (وليس للقاء مسؤول في الاستخبارات العراقية, كما زُعم لاحقاً). أما الجراح فوصل الى الولايات المتحدة في 27 حزيران (يونيو).

في نهاية 2000 كان الثلاثة, الجراح وعطا والشحي, نالوا شهادات تؤهلهم لقيادة طائرات. لكنهم أرادوا التدرب على قيادة طائرات تجارية ضخمة.

الطيار الرابع في المجموعة, هاني الحنجور, كان الوحيد بين رفاقه الذي يعرف الطيران, بحسب ما قال في بياناته عندما التحق بمعسكر "الفاروق" في أفغانستان. وعندما علم بن لادن ومحمد عاطف (أبو حفص) بتلك الخلفية, قررا الافادة من خبرته وأرسلاه الى أميركا.

في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2000 وصل الحنجور الى سان دييغو, وسكن مع الحازمي.

لم يبق الطيارون الانتحاريون طوال الوقت في الولايات المتحدة. فالجراح, مثلاً, قام بزيارات عدة الى لبنان وألمانيا للقاء صديقته التركية التي رافقته الى أميركا وحضرت معه مرة درس طيران في فلوريدا. كذلك سافر عطا الى المانيا وقدّم تقريراً الى ابن الشيبة عن "اكتمال التحضيرات للعملية" بعدما صار الطيارون الأربعة داخل الولايات المتحدة و"ينتظرون اشارة البدء" بالهجوم. فطار ابن الشيبة الى باكستان فوراً وأبلغ خالد الشيخ محمد بذلك.

لكن مؤامرة التفجيرات كادت بكاملها ان تنكشف صدفة, بسبب عائلة مروان الشحي التي بدأت عام 2001 تقلق عليه بعدما قطع أي اتصال بها. تدخلت السفارة الاماراتية في برلين وطلبت من الشرطة الالمانية البحث عنه عرف الشحي ان عائلته تبحث عنه. فاتصل بها وكذّب قائلاً انه ما زال يدرس في هامبورغ.
"العضلات"

في موازاة تحضير "الطيارين" الأربعة لعمليتهم, كانت "القاعدة" تُحضّر "العضلات" التي لا تنجح عملية خطف الطائرات من دونها, وذلك للسيطرة على الركاب وأخذ مكان الطيار. وكانت مهمة اختيار "العضلات" مسؤولية بن لادن شخصياً. فقد كان يعقد لقاءات مع الانتحاريين المرشحين و"يختبرهم". وبعد انتقائه, كان بن لادن يرسل المرشّح الى خالد الشيخ محمد للتدرب وتسجيل وصيته في شريط فيديو. وطلب خالد من الانتحاريين السعوديين, العودة الى المملكة لنيل تأشيرات أميركية من الرياض أو جدة. وحصل ذلك أواخر عام 2000.

وإضافة الى السعوديين الذين شاركوا مع الخاطفين الـ19 في هجمات 11 ايلول (وائل الشهري ووليد الشهري وسطام السقامي وعبدالعزيز العمري في طائرة محمد عطا, وفايز بني حماد وأحمد الغامدي وحمزة الغامدي ومهند الشهري في طائرة مروان الشحي, نواف الحازمي وخالد المحضار وماجد موقد وسالم الحازمي في طائرة هاني الحنجور, وسعيد الغامدي وأحمد الحزنوي وأحمد النعمي في طائرة زياد الجراح), انتقى بن لادن ما لا يقل عن تسعة انتحاريين سعوديين آخرين لم يأخذوا دوراً في العملية, وهم محمد ماني, أحمد القحطاني, خالد سعيد, أحمد الزهراني, علي عبدالرحمن الفقعسي الغامدي, سعيد البلوشي, قتيبة النجدي, زهير الثبيتي, سعيد عبدالله سعيد الغامدي, سعود الرشيد, مشبيب الحملان. وإضافة الى هؤلاء السعوديين التسعة, اختار بن لادن انتحارياً عاشراً لم يأخذ دوراً في الهجمات هو التونسي عبدالرؤوف جدي الذي يحمل جواز سفر كندياً. واختير جدي ربما ليشارك في 11 ايلول او في عملية أخرى. (وكما هو معروف, تعتقل السلطات السعودية والمغربية والأميركية عدداً من هؤلاء, وتلاحق عدداً آخر).

وبعد عودة الانتحاريين الى أفغانستان من السعودية حاملين تأشيراتهم الأميركية, خضعوا لتدريب خاص في قاعدة "المطار" في قندهار تحت اشراف "أبو تراب الأردني".
"أبو تراب" وذبح الحيوانات

وكان "أبو تراب", كما يقول خالد الشيخ محمد, الوحيد المطلع على كل تفاصيل مؤامرة خطف الطائرات, وهو الذي تولّى تدريب "العضلات" على كيفية خطف طائرة والسيطرة على ملاحيها والتعامل مع المتفجرات. ويقول خالد الشيخ محمد ان "أبو تراب" جعل المتدربين يذبحون بأنفسهم خروفاً وجملاً لكي يحضّرهم نفسياً على استخدام السكين للذبح خلال عملية الخطف (وهو ما حصل لاحقاً عندما ذبح الخاطفون بعض ركاب الطائرات في 11 ايلول). لكن حتى تلك اللحظة, لم يكن "العضلات" يعرفون انهم سيخطفون طائرات, بل انهم ذاهبون في "مهمة استشهادية" في الولايات المتحدة. وللتغطية على حقيقة انهم ذاهبون لخطف طائرات, أخذ "أبو تراب" يدرّبهم أيضاً على طريقة استخدام الشاحنات المتفجرة. وكان الهدف من ذلك انه إذا اعتُقل واحد منهم خلال سفره لا يؤدي ذلك الى تعطيل مؤامرة 11 ايلول. ويقول خالد الشيخ محمد ان الانتحاريين لم يعرفوا انهم سيشاركون في خطف الطائرات حتى وصولهم الى الولايات المتحدة, وهو ما تم في نيسان (ابريل) 2001. وقبل وصولهم الى هناك, اخفاهم في كراتشي باكستانيون من شبكة خالد الشيخ محمد مثل "ابو رحمة" (عبدالرحيم غلام رباني) وعبدالله السندي, قبل الانتقال الى الإمارات حيث سهّل لهم شراء تذاكر السفر علي عبدالعزيز علي (قريب خالد الشيخ محمد) ومصطفى الحوسوي (الذي كان يعمل مع خالد في "اللجنة الاعلامية" لـ"القاعدة").
قصة سبتمبر(4): خلاف اللبناني الجراح مع عطا دفع "القاعدة" الى تحضير الموسوي بديلاً له
الحياة/ لندن - كميل الطويل - عرضت الحلقات الثلاث السابقة قصة التخطيط لهجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001, وكيف اختار أسامة بن لادن بنفسه "العضلات" الذين كُلّفوا السيطرة على الطائرات المخطوفة في الجو. وتعرض حلقة اليوم تفاصيل الشهور الأخيرة التي سبقت "الثلثاء الأسود" يوم أمطرت السماء طائرات مخطوفة فوق واشنطن ونيويورك. وتكشف هذه الحلقة كيف كادت الهجمات تُحبط بسبب خلاف بين الطيارين الانتحاريين المصري محمد عطا واللبناني زياد الجراح, وكيف كانت "القاعدة" تُحضّر الفرنسي - المغربي زكريا الموسوي ليكون "بديلاً" للجراح إذا انسحب, أو ليكون طياراً في "موجة جديدة" تتلو موجة هجمات 11 أيلول. وتعتمد هذا المعلومات في جزء كبير منها على اعترافات "مهندس 11 أيلول" خالد الشيخ محمد و"منسق" الهجمات اليمني رمزي بن الشيبة المعتقلين لدى وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي) التي يُعتقد انها مارست ضغوطاً عليهما للافشاء بأسرار 11 ايلول.

بعدما انجز الطيارون الانتحاريون الأربعة, محمد عطا ومروان الشحي وزياد الجراح وهاني الحنجور, التحضير لمهمتهم وتقسيم عناصر مجموعاتهم (العضلات) في ما بينهم, كان لا بد من إبلاغ قيادة "القاعدة" بذلك. فرتّب قائد الخاطفين محمد عطا للقاء "منسق" الهجمات اليمني رمزي بن الشيبة, زميله في "خلية هامبورغ".

كان اليمني يريد اللقاء في كوالالمبور, فطار اليها من كراتشي بعدما اعطاه خالد الشيخ محمد جواز سفر سعودياً مزوراً وعنوان البريد الالكتروني لزكريا الموسوي الذي كان يتدرب على الطيران في أميركا, لـ"يتصل به في المستقبـل".

وفي العاصمة الماليزية, علم ابن الشيبة ان عطا يريد اللقاء في اسبانيا, وانه سيطير من الولايات المتحدة الى مدريد في 8 تموز (يوليو) 2001. فلحق به الى إسبانيا, بعدما اضطر الى الانتقال الى المانيا ومنها الى برشلونة (إذ لم يجد طائرة الى مدريد). التقيا في اليوم التالي (9 تموز) في مدينة كامبريلز قرب برشلونة.


قال ابن الشيبة لعطا ان أسامة بن لادن يريد استعجال الهجمات, فهو يخشى ان يؤدي وجود العدد الكبير من عناصر "القاعدة" في الولايات المتحدة الى كشف العملية. وقال له ان بن لادن يريد منه التزام ضرب الأهداف المُتفق عليها: برجي مركز التجارة في نيويورك, مقر وزارة الدفاع (البنتاغون), مقر البرلمان في الكابيتول هيل, أو البيت الأبيض. فرد عطا بأنه قام بجولات طيران "استطلاعية" ورصد منشأة نووية قرب واشنطن وانه يفكّر في ضربها لكن "الطيارين" الآخرين معه اعتبروا ذلك خطأ لأن المجال الجوي فوق المنشآت النووية محظور الطيران فيه. فأجابه ابن الشيبة, بحسب اعترافاته, ان زعيم "القاعدة" يريده ان يتمسك بالأهداف المحددة, لا سيما البيت الأبيض. فعلّق عطا قائلاً انه يتفهم رغبة بن لادن في ضرب البيت الأبيض و"سيرى ما يمكن فعله" على رغم اعتقاده بصعوبة اصابة مقر الرئاسة الأميركية.

.

khammad
09-08-2004, 04:40 PM
قال ابن الشيبة ان زعيم "القاعدة" يريد منه أيضاً الا يُخبر أعضاء فريق الخاطفين (العضلات) بالأهداف المحددة حتى "الدقيقة الأخيرة" التي تسبق تنفيذ الهجمات, وانه يريد ان يعلم بالموعد مسبقاً. فرد عطا بأنه يحتاج الى بضعة أسابيع لحسم الموعد والتأكد من ان الهجمات ستحدث في وقت متزامن تقريباً. قال له ان الطيارين يعرفون الأهداف التي عليهم مهاجمتها: هاني الحنجور كُلّف قصف "البنتاغون", والجراح مبنى الكابيتول, على ان يهاجم هو ومروان الشحي برجي مركز التجارة. وقال له ايضاً ان الطيارين اتفقوا على ان من يفشل منهم في الوصول الى هدفه يُحطّم طائرته, وانه سيفجّرها في شوارع نيويورك لو عجز عن ضرب مركز التجارة. وقال له ايضاً ان رفاقه حملوا معهم "شفرات قطع" ("بوكس كاترز") على متن رحلات عدة ولم ينتبه أحد اليهم, وانه يريد خطف طائرات "بوينغ" ملأى بالوقود بدل طائرات "ايرباص" لأنه يعرف ان في الأخيرة نظاماً آلياً يمنع تحطيمها في الأرض.

وقال كذلك لابن الشيبة ان بعض طاقم الانتحاريين طلب الاتصال بعائلته لتوديعها وانه رفض السماح له بذلك.

بعد انتهاء اللقاء, سافر ابن الشيبة عائداً الى المانيا, وهناك استحصل على خط هاتف جديد اتصل منه بخالد الشيخ محمد (في كراتشي) لابلاغه بنتيجة لقائه مع عطا. حصل الاتصال في منتصف تموز (يوليو) 2001, وكان اللافت فيه - إضافة الى نقل تفاصيل التحضير للهجمات - ان ابن الشيبة ابلغ خالد ان عطا وزياد الجراح ليسا على تفاهم وثمة حساسيات بينهما. إذ لم يكن اللبناني سعيداً تحت إمرة المصري عليه وشعر انه ليس في "دائرة اتخاذ القرار". فشدد خالد على ضرورة ان يتفاهم اللبناني والمصري خشية ان يتسبب ذلك في إفشالهما العملية, فرد ابن الشيبة بأنه واثق من انهما سيتصالحان.

وفي هذا الاتصال المهم, يطرأ عنصر ثان لا يُعرف حتى الآن مدى ارتباطه بهجمات 11 ايلول. إذ طلب خالد من ابن الشيبة ان يُرسل "التنورة" الى "سالي", وهي عبارة "كودية" تعني تحويل أموال الى زكريا الموسوي الذي يتدرب على الطيران في الولايات المتحدة. وعلى رغم ان ابن الشيبة يُقر في التحقيق معه بأن خالد طلب منه تحويل الأموال الى الموسوي في تلك المحادثة, إلا انه يؤكد انه لم يكن يعرف لماذا على رغم اعتقاده انها تدخل "في إطار" عملية 11 ايلول.

وتقول لجنة التحقيق في هجمات 11 ايلول ان خالد الشيخ ربما كان يحضّر الموسوي ليخلف الجراح في قيادة الطائرة, إذا انسحب اللبناني من العملية. وربما لهذا الشعور ما يبرره. ففي 20 تموز (يوليو) 2001, اشترت ايسيل سنغوين, الألمانية - التركية التي كانت صديقة الجراح طوال سنين في ألمانيا, تذكرة سفر بالطائرة لوجهة واحدة لصديقها اللبناني من ميامي الى دوسلدورف. في الرحلات السابقة الأربع للجراح من الولايات المتحدة لرؤية صديقته التركية وعائلته, كان دائماً يحجز تذكرة ذهاب وإياب. هذه المرة كانت التذكرة لوجهة واحدة.

وفي حين يبدو ان عطا هو الذي أوصله الى مطار ميامي, فإن ابن الشيبة كان في استقباله في مطار دوسلدورف في 25 تموز. وكان أول شيء أرداه اللبناني رؤية صديقته بعد وصوله الى ألمانيا, فاتفق ان يلتقي اليمني بعد أيام. وعندما التقيا حض ابن الشيبة الجراح على إكمال دوره في عملية 11 ايلول.

وخلال تلك الأيام, حوّل ابن الشيبة 15 الف دولار الى الموسوي بعدما حوّلها اليه مصطفى الحوسوي - عضو اللجنة الإعلامية في "القاعدة" - من الإمارات. ودفع الموسوي جزءاً كبيراً من ذلك المبلغ لإكمال تدربه على الطيران, كما انه اشترى "شفرات قطع" مماثلة لتلك التي استخدمها الخاطفون في 11 ايلول. لكن تصرّف الموسوي خلال تعلّمه الطيران أدى الى إثارة الريبة فيه (كان يريد فقط تعلّم كيف يتحكّم في الطائرة في الجو, غير آبه بتعلّم كيفية الهبوط أو الإقلاع), فاعتقلته إدارة الهجرة في منتصف آب (اغسطس).

وينفي خالد الشيخ محمد, في التحقيق معه, انه كان يريد استخدام الموسوي في عملية 11ايلول, ويقول انه كان يحضّره لـ"موجة ثانية" من الهجمات جنّد لها طياريين آخرين إضافة الى المغربي - الفرنسي. أما ابن الشيبة فيقول, في اعترافاته, ان خالد الشيخ لم يكن أصلاً موافقاً على الموسوي, وانه لم يسحبه من العملية لسبب أساس, فقد كان بن لادن هو من اختاره بنفسه. وفي أي حال, لم يعلم خالد باعتقال الموسوي في منتصف آب (اغسطس) سوى بعد حصول هجمات 11 ايلول, وساعتها "هنّأ" ابن الشيبة لأنه لم يعط الموسوي وسيلة اتصال ببقية الخاطفين في الولايات المتحدة, الأمر الذي كان يمكن ان يؤدي الى كشفهم.

وفي النهاية, لم تكن هناك حاجة لايجاد بديل للجراح. ففي الوقت الذي اعتُقل الموسوي, كان اللبناني عاد الى الولايات المتحدة وحلّ خلافاته مع عطا.
الوداع

في 3 آب, حصل اتصال جديد بين ابن الشيبة وعطا ناقشا فيه آخر التحضيرات للعملية. ذكّره الأوّل بأن بن لادن يريد منه ان يضرب البيت الأبيض, فقال عطا - بعد إلحاح الأول - انه سيضع مقر الرئاسة الأميركية في لائحة الأهداف, على ان يبقى "الكابيتول" هدفاً احتياطياً إذا لم يمكن ضرب مقر الرئيس جورج بوش.

كذلك قال ان الهجمات لن تحصل سوى بعد الأسبوع الأول من ايلول عندما يكون البرلمان انهى عطلته الصيفية. ناقش الرجلان أيضاً مسألة "الصديق الآتي سائحاً", في إشارة الى السعودي محمد القحطاني الذي كان يُفترض ان يكون العنصر الأخير في طاقم الخاطفين. فذهب عطا لاستقباله في مطار أورلندو (فلوريدا) في اليوم التالي (في 4 آب), لكن سلطات الهجرة لم تسمح له بدخول الولايات المتحدة. فقد كان يحمل تأشيرة لوجهة واحدة (الذهاب فقط), لا يحمل مالاً, لا يتكلم الانكليزية, ولا يعرف تبرير سبب زيارته. فأُعيد الى دبي, ومن هناك طلب مصطفى الحوسوي من رئيسه في "اللجنة الإعلامية" لـ"القاعدة" خالد الشيخ محمد ان يساعده في تدبير عودته الى كراتشي. (القحطاني معتقل حالياً في غوانتانامو, ولم يكن الأميركيون يعرفون من هو لفترة طويلة من احتجازه).

بين 25 آب و5 ايلول, كان جميع طاقم الخاطفين اشترى تذاكر سفر ليوم 11 ايلول. تاريخ العملية أبلغه عطا لابن الشيبة في اتصال "كودي" بينهما في الأسبوع الثالث من آب, ونقله ابن الشيبة الى خالد الشيخ محمد عبر عضو مغربي في "خلية هامبورغ" يدعى زكريا الصبار.

ويقول ابن الشيبة وخالد الشيخ, في اعترافاتهما, ان الصبار لم يكن يعرف ماذا يعني ذلك التاريخ, وانه "نقل رسالة" فقط من الأول الى الثاني. لكن ابن الشيبة يقول انه نصح الصبار والمغربي الآخر في "خلية هامبورغ" سعيد بهاجي بمغادرة ألمانيا الى أفغانستان, لأن ذلك "سيكون صعباً" في الفترة المقبلــة. فغادر الصبار الى كراتشي في 30 آب, وتبعه بهاجي في 3 أيلول.

اتصل عطا بوالده لتوديعه, على ما يبدو, في 9 ايلول, على رغم انه منع بقية اعضاء فريقه من فعل الشيء نفسه. لكنه طلب من ابن الشيبة ان يوصل "رسالة" من عضو في طاقم الخاطفين الى عائلته, وأن ينقل "وداعاً" من بقية الخاطفين. وكان زياد الجراح الوحيد الذي كتب رسالة وداع خطية الى صديقته ايسيل.

وجاء صباح الثلثاء, 11 أيلول, واستقل جميع الخاطفين طائراتهم. ما إن أقلعت وصارت في الجو, حتى كان "العضلات" يسيطرون عليها. أخذ محمد عطا مقود طائرته وضرب البرج الأول لمركز التجارة. تبعه مروان الشحي في البرج الثاني. ثم أسقط هاني الحنجور طائرته فوق "البنتاغون". الجراح كان الوحيد الذي لم يستطع الوصول الى هدفه فأسقط طائرته عمداً, لكنها انفجرت في حقل خال في بنسلفانيا. فهل كان يريد الوصــول الى البيت الأبيض أم "الكابيتول"؟ لن يُعرف الجواب, فقد أخذ سره معه.

قصة سبتمبر(5): الفرص الضائعة" لأميركا لقتل بن لادن في أفغانستان وتفاصيل خطة خطفه

الحياة/لم تبدأ "حرب" زعيم تنظيم "القاعدة" اسامة بن لادن على الأميركيين بتنفيذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 التي عرضت الحلقات الأربع السابقة تفاصيل طرحها من قبل خالد الشيخ محمد عام 1996 وصولاً الى تنفيذها, بل ولدت فكرة منذ اليوم الأول لتأسيس التنظيم في نهاية الثمانينات, ثم تطورت الى رسم خطط لمهاجمتهم وتنفيذها في التسعينات. ويورد تقرير لجنة التحقيق الأميركية في الهجمات معلومات عن تورط بن لادن وتنظيمه في هجمات ضد الأميركيين في اليمن عام 1992 والصومال عام 1993 والسعودية عام 1995. وأجريت كل تلك العمليات خلال وجود بن لادن في السودان. وفي حين ان الأميركيين كانوا يكتفون بمراقبة زعيم "القاعدة" ورصد خططه في "محطته السودانية", فإنهم انتقلوا الى مرحلة وضع خطط لاعتقاله أوالقضاء عليه بعد طرده الى افغانستان عام 1996, وهو أمر اعتبره مسؤولو الاستخبارات الأميركية, خطأ, "ضربة حظ" ستتيح لهم الإمساك بطريدتهم.

خرج أسامة بن لادن من المملكة العربية السعودية عام 1991 وذهب الى باكستان ثم أفغانستان. لكنه سرعان ما انتقل الى السودان بدعوة من الزعيم الإسلامي الدكتور حسن الترابي. وعلى رغم ان زعيم "القاعدة" ادار من الخرطوم مشاريع تجارية عدة, إلا ان اهتمامه شمل ايضاً دعم الجماعات "الجهادية" ومساعدتها في انشاء معسكرات تدريب في "مزارع" سودانية.

وفي موازاة ذلك, انشغل بن لادن بالتحضير لمعركته التالية ضد ما يصفه بـ"رأس الثعبان": اميركا. وتولّى القائد العسكري لـ"القاعدة" المصري علي أمين الرشيدي "أبو عبيدة البنشيري", مهمة الإشراف على خلية كُلّفت التحضير لعمليات في شرق افريقيا, ورصد سفارات ومنشآت أميركية وغربية واسرائيلية. لكن "البنشيري" كان دائم السفر, فاضطر بن لادن الى إرسال السعودي خالد الفواز المعتقل حالياً في لندن ليتابع عملية رصد المواقع التي ستُضرب.

وتقول لجنة التحقيق الأميركية في هجمات 11 ايلول (سبتمبر) ان عملية رصد المنشآت انجزت عبر كاميرات فيديو حديثة, وان بن لادن و"البنشيري" ومحمد عاطف "أبو حفص المصري" وعدداً آخر من قادة "القاعدة" اجتمعوا عام 1994 لمناقشة تقرير عن عمليات الرصد, ووضع خطط لتفجير السفارة الأميركية في نيروبي.

وتضيف لجنة التحقيق ان التحضير لتلك العملية بدأ بارسال فريق من كبار مسؤولي "القاعدة" وعناصر التنظيم للتدرب في مخيمات لـ"حزب الله" في لبنان. وهو ما ينفيه الاخير. لكن تنفيذ خطط تلك الهجمات تعرقل بسبب المشاكل التي واجهها بن لادن مع الحكومة السودانية عام 1995 واضطراره لمغادرة الخرطوم في العام التالي. واعترف خالد الشيخ محمد للأميركيين ان بن لادن علم لدى وصوله الى جلال آباد بوفاة "البنشيري" في فيكتوريا.

من جهتهم, علم الأميركيون من الحكومة السودانية بمغادرة بن لادن بعد حصولها. وتقول لجنة 11 ايلول ان مسؤول "محطة بن لادن" في الاستخبارات الأميركية والذي يُعرف فقط بـ"مايك", اعتبر انتقال زعيم "القاعدة" الى أفغانستان "ضربة حظ" في ظل اعادة الـ "سي آي أي" فتح خطوطها مع مصادرها القديمة في افغانستان وباكستان ضمن متابعتها تحركات مير أمل قانصي الذي قتل عام 1993 عنصرين من الـ"سي آي أي" في لانغلي وفر الى باكستان.

واعتقد الأميركيون ان مصادرهم ستتضمن القاءهم القبض على بن لادن, أو قتله, في أفغانستان. لكن زعيم "القاعدة" لم يكن آنذاك العدو الرقم واحد للأميركيين, ولم يكن قام بعمليات ارهابية ثابتة ضدهم.

ما بعد "النكسة السودانية"

ولاحقاً, تغير هذا الوضع انطلاقاً من ان بن لادن لم يأتِ الى أفغانستان لكي يستريح. وشملت اجراءات اعادة بناء تنظيمه بعد "النكسة السودانية" وغرق البنشيري, تعييّن "أبو حفص المصري" قائداً عسكرياً, وأصدر بياناً اعلن فيه "الجهاد" ضد القوات الأميركية في السعودية, ثم بدأ يُحضّر مجدداً لتنفيذ الخطط التي اُعدّت في السودان ولم تسمح الظروف بتطبيقها.

لكن في آب (اغسطس) 1997 شعرت "القاعدة" بالقلق بعد إطلاعها على تقرير صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية في شأن تسليم مسؤولها المالي الطيب المدني نفسه الى السعوديين, وان هؤلاء "تقاسموا اعترافاته" مع الاميركيين والبريطانيين. لكن الخبر لم يكن صحيحاً. إذ تقول لجنة التحقيق في 11 ايلول ان الأميركيين طلبوا فعلاً و"على أعلى مستوى" من السعوديين, في 1998 (وليس 1997), ان يسمحوا لهم بالاطلاع على التحقيق مع الطيب المدني, لكن طلبهم رُفض.

الأميركيون كانوا يعرفون ان بن لادن يخطط لشيء ما ضدهم, فأعدوا خططاً للقبض عليه في أفغانستان, نصت احداها على نصب قبيلة افغانية مكمناً له خلال انتقاله من قندهار, حيث كان يقضي بعض لياليه, الى مقر اقامته الرئيسي في "مزارع ترنك". وتقول القبيلة للاستخبارات الأميركية انها حاولت فعلاً نصب مكمن له, لكنها فشلت من دون ان يقتنع الأميركيون بذلك.

ولاحقاً, طوّر الأميركيون خطتهم الى تنفيذ غارة على "مزارع ترنك" التي تضم 80 مبنى من الإسمنت أو الطين يحيط بها جدار بارتفاع 10 اقدام, وتقع في منطقة صحراوية معزولة في ضواحي مطار قندهار. ووضع ضباط الـ"سي آي أي" رسماً تفصيلياً للموقع حدد منازل زوجات بن لادن والمكان الذي اعتاد النوم فيه على الأرجح. ونفّذ الأميركيون بالتنسيق مع رجال القبائل الأفغان عمليتي إنزال وهميتين على مكان مماثل لـ"مزارع ترنك" داخل الولايات المتحدة في خريف العام 1997.

وفي مطلع عام 1998, طلبت الاستخبارات الأميركية موافقة البيت الأبيض على العملية. وعرض مدير الـ"سي آي أي" جورج تينيت تفاصيل العملية يوم 13 شباط (فبراير) مع مستشار الأمن القومي ساندي بيرغر. وقضت الخطة بأن يبدأ رجال القبائل الأفغان الغارة بالسيطرة على الحراس, ثم يدخلون المجمّع بسرعة ويقبضون على بن لادن ويأخذونه الى موقع في الصحراء خارج قندهار ويسلموه الى مجموعة ثانية. وتتولى المجموعة الثانية نقله الى موقع لهبوط الطائرات كان استخدم من قبل في عملية اعتقال مير قانصي في 1997 (اُعدم في اميركا بجريمة قتل عنصرين في الاستخبارات). وتأخذ طائرة تابعة للاستخبارات الأميركية زعيم "القاعدة" الى نيويورك أو عاصمة عربية او أي مكان آخر لتوجيه اتهامات اليه.

لكن الخطة أقرّت أيضاً بأن عقبات قد تحصل خلال عملية التنفيذ, وان ضحايا ابرياء قد يسقطون, وأن انصار بن لادن قد يأخذون أميركيين رهائن في قندهار رداً على العملية. لكن واضعيها حذروا من ان عدم تنفيذها "عاجلاً أم آجلاً (...) سيسمح لبن لادن بضرب المصالح الاميركية".

طلبت الإدارة الأميركية درس الخطة بعمق والتأكد انها تتعلق ببن لادن شخصياً. ودعت الى تحضير كل وثائق المحاكمة المزمعة. وحضرت الـ"سي آي أي" بالتالي تفاصل الخطة مجدداً, وأجرت عملية تطبيق ميدانية لها في آذار (مارس) 1998. وفي أيار (مايو), كانت كل تفاصيل العملية جاهزة, بما في ذلك ان يُبقي رجال القبائل الأفغان بن لادن في حوزتهم شهراً بكامله لتفادي انكشاف أي دور للأميركيين في اعتقاله. وقالت الاستخبارات الاميركية انها متأكدة من ان العملية ستنجح بنسبة تبلغ نحو 40 في المئة, في وقت حصلت على تأكيد القبيلة من قدرتها على اعتقال بن لادن او قتله. لكن الاميركيين قلقوا في مرحلة اولى من ترك الأفغان وحدهم ينفّذون العملية وهم يتفرّجون من بعيد, ولاحقاً من قدرة الأفغان على الاحتفاظ ببن لادن طوال شهر قبل تسليمه الى الـ"سي آي أي". وامتلاك ادلة قوية تُثبت التهم الموجهة ضد بن لادن.
قصة سبتمبر (6): ابن لادن يضرب والاميركيون يتباخلون بثمن الصواريخ لقتله
الحياة/منح تخلي الاميركيين عن خطة اعتقال زعيم تنظيم "القاعدة" بن لادن أو قتله في افغانستان مطلع عام 1998 فرصة تنفيذ الاخير مشاريعه الارهابية في شرق افريقيا. وترجم ذلك في تفجير السفارتين الاميركيتين في نيروبي ودار السلام في السابع من آب (اغسطس) من العام ذاته, في وقت غرق الرئيس بيل كلينتون في سبات عميق. ولاحقاً رد الاميركيون بضرب مصنع "الشفاء" الطبي في السودان أيضاً لمنع بن لادن من الحصول على "غاز سام" يستخدم لتحقيق رغبته في رؤية "هيروشيما" ثانية تحصل ضدهم. كما قصفوا قاعدة خوست في افغانستان حيث عقد اجتماع لمئات من قادة "القاعدة" بحضور بن لادن نفسه من دون ان ينجحوا في اغتياله. ولاحقاً اختلف مسؤولو الادارة الاميركية والاستخبارات في شأن آلية استهدافه عسكرياً, قبل ان يجمدوها كلياً.

انجزت "القاعدة" في منتصف عام 1998 تحضيرات تنفيذ الخطة الموضوعة منذ 1994 لضرب السفارة الأميركية في نيروبي عبر شاحنة مفخخة, وأضافت اليها أيضاً السفارة الأميركية في دار السلام. وباشر اعضاء مغادرة كينيا وتنزانيا عائدين الى أفغانستان من طريق كراتشي, من اجل "ازالة آثار الجريمة", في وقت لم يبقَ الا عُنصر واحد أو إثنين في البلدين اضافة الى الانتحاريين الذين سيقودون الشاحنات المفخخة في 7 آب.

وفي افغانستان, انسحب بن لادن وكبار قادته من قندهار الى الجبال متوقعين رداً أميركياً, وأُعدّ بيان مكتوب يتبنى فيه "جيش المقدسات" عمليات التفجير, وأُرسل الى "مكتب مشترك" لـ"القاعدة - جماعة الجهاد" في باكو, عاصمة أذربيجان, مع تعليمات بإرساله "فور" وقوع التفجيرات الى جريدة "القدس العربي" في لندن. واوضح تقرير لجنة التحقيق الاميركية في اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 ان نسخاً من تلك الفاكسات صودرت في عملية دهم في باكو في أيلول 1998.

ويذكر ان الولايات المتحدة اتهمت السعودي خالد الفواز والمصريين عادل عبدالمجيد وابراهيم العيدروس بالتورط في مؤامرة تفجير السفارتين. ويزعم الإدعاء الأميركي ان العيدروس كان مسؤول مكتب "جماعة الجهاد" في باكو قبل انتقاله الى لندن, وانه وزّع بياناً تبني تفجير السفارتين.
الرد الأميركي

وغرق الرئيس بيل كلينتون في سبات عميق لدى وقوع الانفجارين, نظراً الى فارق التوقيت بين شرق افريقيا والولايات المتحدة, وهرع مستشاره للأمن القومي ساندي بيرغر لايقاظه في الساعة الخامسة و35 دقيقة.

وبعد أيام قليلة, تأكد الأميركيون ان خيط تفجير السفارتين يقود الى أفغانستان, فتقرر الرد على بن لادن بمهاجمة معسكراته بصواريخ "توماهوك". واطلع مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) جورج تينيت معاونيه على معلومات عن حضور بن لادن نفسه ومئات من قادة "جماعات ارهابية" اجتماع في قاعدة في خوست, شرق أفغانستان, لدرس شن هجمات جديدة. واعتبرت الـ"سي آي أي" المنطقة التي سيحصل فيها الاجتماع مثالية لتنفيذ عملية عسكرية كونها بعيدة عن التجمعات المدنية.

ودرست إدارة كلينتون خططاً ايضاً لقصف مصنع جلود يملكه بن لادن في السودان (للتأثير عليه مادياً) وضرب مصنع "الشفاء" الطبي في السودان أيضاً (لمنعه من الحصول على "غاز سام" كانت الاستخبارات تخشى ان يلجأ الى استخدامه في هجمات جديدة). وقالت لجنة 11 أيلول ان خيار ضرب المصنع الطبي اتخذ في اعقاب ابلاغ الاستخبارات الادارة الاميركية بأنها سمعت ان بن لادن يتكلّم عن رغبته في رؤية "هيروشيما" ثانية تحصل ضد الاميركيين ويسقط فيها "ما لا يقل عن مئة ألف قتيل". وفي النهاية, قرر كلينتون الاكتفاء بضرب "الشفاء" وعدم استهداف مصنع الجلود السوداني لتفادي سقوط ضحايا ربما لا علاقة لهم ببن لادن.

أُطلقت صواريخ الـ"توماهوك" على خوست, لكنها "وصلت بعد ساعات" من مغادرة بن لادن مكان الاجتماع الذي قُتل فيه بين 20 و30 شخصاً. وقبل انطلاق الـ"توماهوك" نبه الاميركيون الباكستانيين الى ان صواريخ ستعبر فوق بلادهم لئلا يتفاجأوا بها ويظنوا انهم يتعرضون لهجوم هندي. ويعتقد الاميركيون اليوم ان مسؤولاً باكستانياً حذر بن لادن للاستعداد للصواريخ الآتية صوبهم.

بعد فشلهم في قتل بن لادن في خوست, رأى أميركيون ان تنفيذ عمليات جديدة ضد معسكرات "القاعدة" في افغانستان لا يستأهل ثمن الصواريخ التي ستُطلق عليها, إذ انها عبارة عن "حبال للتسلق" و"نادي تدريب في الادغال". وقالوا ايضاً أن ضرب بن لادن مجدداً يمكن ان يعزز شعبيته, خصوصاً إذا نجا.

كذلك فكّر بعض المسؤولين الأميركيين في أن يطلبوا من السعوديين عرض 250 مليون دولار على حركة "طالبان" لطرد بن لادن. لكن اصحاب هذه الفكرة خشوا طرحها لئلا تغضب وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت وزوجة الرئيس الأميركي هيلاري كلينتون, وكلتاهما من أشد منتقدي "طالبان" لطريقة معاملتها النساء. ثم اقترح رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف تدريب الأميركيين وحدة من قوات النخبة الباكستانية للقبض على بن لادن. لكن انقلاب الجنرال برويز مشرف عليه في تشرين الأول (اكتوبر) 1999 قضى على الفكرة.

وقبل ذلك, في شباط (فبراير) 1999, وضع الاميركيون خططاً لقتل بن لادن في مخيم للصيد يرتاده خليجيون معظمهم من الامارات. لكنهم خشوا ان تؤدي العملية الى مقتل أمراء ومشايخ إماراتيين, فاتصل ريتشارد كلارك بمسؤول إماراتي وأثار معه المسألة, من دون ان يُبلغ الـ"سي اي اي" بذلك. وفي أقل من اسبوع, فكك مخيم الصيد واختفى أي أثر لبن لادن, ما اثار جنون الـ"سي اي اي".

وفي ايار (مايو) 1999, علمت الـ"سي آي أي" على مدى خمسة ايام متواصلة بكل حركة لبن لادن في منطقة محددة في قندهار, لكنهم لم يحصلوا على امر ضرب مكان زعيم "القاعدة" بالصواريخ. وعلق احد مسؤوليهم بلهجة غاصبة: "كان يجب ان يقتل بن لادن هذه الليلة".

ومن أيار 1999 وحتى أيلول 2001 لم تفكّر الاستخبارات في شن اي عملية جديدة ضد زعيم "القاعدة" الذي نفذ مخططات تفجير المدمرة "كول" في اليمن في تشرين الأول (اكتوبر) 2000 واعتداءات 11 أيلول 2001