المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقاومة العراقية تدخل مرحلة تحرير المدن



البصري
09-08-2004, 03:42 PM
مجدى أحمد حسين

فى العراق كما ذكرنا مرارا تجرى معركة الحسم الكبرى.. نحن لسنا أمام معركة لتحرير العراق, وإن كان هذا فى حد ذاته هدفا عظيما , وإنما معركة لتحرير العرب والمسلمين , بل معركة لدحر الإمبراطورية الأمريكية , والمقاومة العراقية بهذا المعنى حدث عالمى, سيغير مجرى التاريخ , وليس غريبا على العرب والمسلمين أن يغيروا مجرى التاريخ خاصة فى هذه الآونة التى تشهد الصعود العربى الإسلامى الشعبى.

تنبأنا –فى حزب العمل المصري- بذلك قبل العدوان, وهاهو يتحقق بإذن الله بصورة أروع من الخيال, وإن كان هذا المخاض العظيم على أرض الرافدين لا يحقق ذلك بين عشية وضحاها, بل وسط بركة مستمرة من الدماء والعذابات والتضحيات, ولكن بكل المقاييس فإن ما تحقق خلال 15 شهرا من الإحتلال انجاز كبير على طريق النصر.

ودحر الأمريكان على أرض العراق يعنى منعهم من تحقيق أهدافهم وهو ما عجزوا عنه خلال 15 شهرا ومن ثم اجبارهم على الإنسحاب بعد كسر هيبة الدولة العظمى الأولى بأكثر كثير مما تحقق خلال حرب فيتنام. لأن المقاومة الفيتنامية كانت مدعومة من دولة عظمى (الإتحاد السوفيتى) ودولة كبيرة (الصين). وأيضا لأن هذه الهزيمة فى العراق ان شاء الله تأتى فى وقت بالغ الحرج لقوة عظمى فى مرحلة تأزم وهبوط , مما سيعجل بأزمتها الداخلية, وبانحسار نفوذها الدولى.
وأمريكا حتى الآن عجزت عن احكام سيطرتها على العراق, وتساقطت خططها واحدة تلو الأخرى وهى عاجزة عن الإستفادة من نفط العراق , بل ارتفع سعر النفط الى أكثر من 44 دولار! وعاجزة عن تحويل العراق إلى قاعدة عسكرية للوثوب على بلدان عربية واسلامية أخرى.

وأعلنت فشلها تماما فى إقامة دولة على النمط الأمريكى فى إطار من التبعية والعمالة, بل أصبحت مشكلة أمريكا الأولى كيف تخرج من هذا المستنقع الذى ماله من قرار , بما يحفظ الحد الأدنى من ماء الوجه,

الإعلام الرسمى العربى والأمريكى لا يوضح حجم وفداحة خسائر أمريكا فى العراق, وخلال سفرياتى المتعددة أخيرا واتصالاتى مع عناصر قريبة من المقاومة العراقية, ومن خلال متابعات أخرى عبر الإنترنت , يمكن القول أن المقاومة العراقية بدأت تدخل مرحلة جديدة وهى مرحلة تحرير المدن ( ولا نقول القرى لأن القوات الأمريكية لم تتمكن أصلا فى معظم الأوقات من التغلغل فى القرى, ولاحظوا أن ما يسمى المثلث السنى وحده مساحته تبلغ مساحة بريطانيا!!) وبالتالى فإن عشرات المدن تسير على طريق الفلوجة, أى أصبحت الفلوجة النموذج الذى يتم تعميمه. أى بتوسيع عدد المدن المحرمة على القوات الأمريكية.


والقوات الأمريكية والحليفة لم تعد متواجدة إلا فى بعض أحياء بغداد والبصرة ، أما القواعد الأساسية فهى خارج المدن , وكذلك تتحرك القوات على الطرقات التى لم تعد آمنة بدورها!!

والمعارك الكبرى التى جرت فى الموصل أخيرا هى الخطوة الأولى على طريق تحرير المدينة , وتلك التى جرت فى البصرة خطوة على طريق الخلاص من الوجود الخجول للإنجليز. بل لقد بدأت دائرة القتال تتسع فى بغداد لحصر المعتدين داخل ما يسمى المنطقة الخضراء.

عملاء الحكومة المؤقتة أصبح يصعب عليهم التحرك فى العراق حتى لقد أكدت صحيفة التايمز البريطانية أن ما يسمى وزير خارجية العراق (زيبارى) تعرض فى أواخر شهر يوليو لمحاولة اغتيال حيث قتل فى هذا الهجوم مسؤول كبير فى وزارة الخارجية وجرح اثنان آخران, لم تعد هناك منطقة فى العراق بعيدة عن ضربات المقاومة العراقية.

وما يصوره البعض على أنه فوضى وانعدام استراتيجية, هو نوع من الغفلة أو نقص المعلومات فالمقاومة لديها خطة محكمة وتتدرج فى تنفيذها , وقد أطلعت على هذه الخطة وهى مكتوبة على الإنترنت منذ حوالى سنة , وما يجرى على أرض الواقع هو تطبيق لها.

إن الشرائح القومية (أجهزة النظام العراقي) مع عناصر الجيش العراقى , مع التيار الإسلامى انصهرت فى سبيكة واحدة وطنية عربية اسلامية وهناك درجات متصاعدة من التنسيق السياسى والعسكرى.
المؤتمر الوطنى التأسيسى الذى تم تأسيسه مؤخرا يعتبر المظلة السياسية للمقاومة المسلحة.

وبعد حرمان العدو من سرقة ثروات العراق خاصة النفطية نجحت المقاومة فى احباط مخطط بناء الدولة العميلة. بضرب أى محاولة لبناء جيش وشرطة عميلة, وضرب خطوط الإمداد والتموين للجيش الأمريكى. عمليات الخطف ليست عشوائية ويتم التعامل بها بأكثر قدر من الذكاء والإلتزام بالضوابط الشرعية إلى حد بعيد , وهى وإن كانت تشير إلى سيطرة المقاومة على الطرق السريعة , فإنها تشير أيضا إلى مخطط ذكى لتصدير مشكلة العراق لمختلف بلدان العالم حتى توقف التعاون الإقتصادى مع قوات الإحتلال , فالإختطاف لم يساعد فى منع وصول قوات جديدة فحسب , ولا فى جلاء بعض القوات فحسب , بل أيضا أدى إلى إجلاء الشركات الأجنبية التى جاءت تلتهم من كعكة العراق مع الإحتلال, وأدت عمليات الإختطاف التى لم يقتل فيها أحد فى أغلب الأحيان , إلى سحب شركات روسية وتركية وكويتية وغيرها..الخ بل أصبحت هناك تعليمات من حكومات العالم لمواطنيها بعدم الذهاب للعراق (كالهند – الفلبين).

حتى بعض الشركات الأمريكية بدأت تنسحب لإنعدام ظروف الأمان بالحد الأدنى.
وكل هذه الأمور أدت إلى شلل عملية التعمير فى إطار دولة عميلة, وإن كان الشعب العراقى يعانى من نقص البنزين والكهرباء والماء وفرص العمل والأمن, فهذه من أهم تضحيات الشعب العراقى , ولكن عدم تمكين دولة الإحتلال من الإستقرار هدف عظيم يستحق العناء وسيقصر من المدى الزمنى لوجود الإحتلال.
ونحن لا نتحدث عن سنوات عديدة , فها هو باول جاء يتسول قوات عربية وإسلامية لستر عورة الأمريكان بعد رفض قوات الناتو التورط, ولكن الجزائر وباكستان وأندونيسيا ومصر وغيرها رفضت إرسال قوات. ولم يبق أمام الأمريكان سوى مواصلة نزيف الدم ومعاناة المهانة , وفقدان البدائل المشرفة!

والحديث عن تهديد السودان فى دارفور فى ظل هذا المناخ أمر مثير للسخرية , وإن كانت السلطة الأمريكية تتصرف كفأر فى المصيدة ومن الممكن أن ترتكب حماقات جديدة وإن كنت أرى أن اقتراب موعد الإنتخابات يجعل المقامرة بفتح جبهة حربية جديدة أى مستنقع جديد قد يكون ضربة قاصمة لبوش , لكن لا شك أنه يصعد فى اتجاه ضرب السودان على أمل تحقيق نصر بدون معركة حربية بإدعاء القيام بعمل إنسانى , بينما الهدف تمزيق السودان وإخضاعه حتى وإن اكتمل المخطط فى الدورة الثانية للإدارة إذا نجحت فى الإنتخابات.

* * * * *
نحن أمام مشروع أمريكى واحد متفق عليه ولا يخص الحزب الجمهورى وحده أو ما يسمى اليمين المحافظ والمسيحية الصهيونية, ولكن الطاقم الحاكم الآن, ينفذ المشروع بطريقته.

والمشروع الإستراتيجى المتفق عليه فى وثائق رسمية يستهدف الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة على العالم بعد سقوط الإتحاد السوفيتى ومنع ظهور دولة أو كتلة دول منافسة لهذه السيادة وهو التقرير الذى أثار حفيظة أوروبا لدى الإعلان عنه أو تسريبه إلى وسائل الإعلام.
وأشرنا من قبل إلى أن الولايات المتحدة لكى تحقق هذا الهدف لابد أن تعتمد على القوة العسكرية بصورة مبالغ فيها لتعويض التراجع الإقتصادى والحضارى للقوة الأمريكية.
وقلنا أن المبالغة فى استخدام القوة أو الإستعجال فى استخدامها يعكس حالة القلق الحالية من تراجع عناصر القوة الأخرى. ولكننا لاحظنا أن تراجع عناصر القوة الأخرى يعود ليؤثر على قدرات أمريكا العسكرية.

وإزاء هذه المعضلة فإن النخبة الحاكمة الأمريكية تنقسم إلى رؤيتين:

1- رؤية أكثر واقعية تسعى إلى استمرار صدارة أمريكا لشؤون العالم ولكن فى إطار تحالف واسع تكون لأمريكا الدور الأكبر فيه.
2- رؤية الطاقم الحاكم الامريكى حاليا التى تركز على التفوق العسكرى وسيلةً لتحقيق الإنفراد بالعالم بصورة مطلقة.

زبيجنو بريجنسكى (مسئول الأمن القومى السابق) لخص هذه المعضلة فى كتابه الأخير الاختيار تحت عنوان "السيطرة على العالم أم قيادة العالم؟" وهو يحمل الرؤية الأكثر واقعية وينحاز لخيار قيادة العالم لا السيطرة عليه (الإنفراد). ولكن رؤيته تحمل نفس الأطماع الإمبريالية والعداء الدفين للإسلام والعروبة.
إن الفارق بين المدرستين هو الفارق بين احكام الحصار على العراق وقتل 2 مليون عراقى , وبين حالة الإحتلال الراهنة بكل ما فيها من ويلات على الشعب العراقى.
ولكن ما يهمنا الآن ادراك فريق متزايد من النخبة الحاكمة الأمريكية حدود القوة الأمريكية وأنها لا تستطيع أن تقول للشيء كن فيكون من خلال القوة العسكرية وحدها.

وهذه الرؤية سنجدها فى كتابات غالبية الكتاب الاستراتيجيين فى أمريكا وبعضهم من الجمهوريين, والمتطرفين لكنهم أكثر عقلانية .. ومن هؤلاء على سبيل المثال: كيسنجر وهنتنجتون وبول كيندى, وناى.

وما يعنينا فى المقام الأول هو موقف النخبة العربية والإسلامية التى لا تتابع هذه الأمور , فإذا تحدثنا عن التراجع الأمريكى تصوروا أننا نحلم أو نعبر عن أمانينا , وما فتئوا يرددون أن أمريكا هى القوة العظمى الوحيدة فى العالم وأنها تملك أن تفعل ما تريد دون معقب, وهم يحبطون الجماهير ويبررون للحكام خيانتهم.
وما يحدث على أرض العراق يفضح هؤلاء المتخاذلين.. فالتعثر الأمريكى السريع فى العراق هو نتاج عدة عوامل...

1- الانفراد بالقرار العسكرى والعزلة عن العالم. والذى وصل إلى أزمة غير مسبوقة مع فرنسا وألمانيا, بل وصل الى حد التهديد العسكرى لهما من خلال بعض الأقلام الأمريكية المحسوبة على أجهزة الحكم.
2- عدم قدرة العسكرى الأمريكى على تحمل مآسى الحروب ومعاناتها, فى معارك التلاحم البرية.
3- عدم حساب ردود الفعل الوطنية العراقية , وردود الفعل العربية والإسلامية , وتصور أن كل شيئ فى المنطقة تحت قبضة أمريكا من خلال خيانة الحكام.
4- تأثر الإقتصاد الأمريكى بنفقات الحرب وتفاقم مشكلاته الأصلية.

لقد كنا دائما فى هذه النقطة نسبح ضد التيار , وهذا لا يهمنا , المهم أن ندافع عن الحقيقة, لكى ندرك الفرص الإستراتيجية الضائعة , وأن الخوف المبالغ فيه من العدو هو أكبر عدته فى الإنتصار علينا. مهما تكن قوة أمريكا فإننا لن نقبل بها غازية أو محتلة, ولكن من المفيد فى تعبئة الشعوب أن تدرك أن القول الأمريكى ليس بتلك الأوصاف التى نقرأ منها فى إعلامنا العربى وبأقلام وأصوات المتخاذلين والعملاء, والتى ترفع أمريكا إلى مرتبة الإله.
* * * * *

مشكلة أمريكا الرئيسية أن حكومتها وشركاتها وأفرادها يعيشون بأكبر من امكانياتهم, أو بالأحرى يستهلكون أكثر مما ينتجون , وهو أمر بالغ الخطر على أى مجتمع, ويؤدى فى النهاية إلى تآكل وتهالك الأصول الإقتصادية له. ويفقد استقلاليته على المدى الطويل من خلال الإعتماد المتعاظم على الخارج.

وقد وصلت أمريكا إلى تنظيرات خاطئة فى هذا المجال وتفتخر بأنها تحولت من اقتصاد منتج للسلع والخدمات إلى اقتصاد خدمات ومعلومات وقد أدى ذلك إلى تراجع القطاعات المنتجة وازدهار اقتصاد السمسرة , حتى تحولت قدرة أمريكا الإقتصادية إلى قوة من نوع جديد وعجيب, أى أنها أصبحت قوة مستهلكة وأن الإقتصادات التى تبغى الإزدهار كالصين واليابان وأوروبا عليها أن تضمن أن يظل هذا السوق الكبير مفتوحا لصادراتها. ولكن مساومة أمريكا بفتح سوقها الكبير النهم للإستهلاك تتحول –مع مرور الوقت- الى مساومة الضعيف خاصة وأنها لا تستغنى بطبيعة الحال عن الإستيراد.

وتدفع الطبقات الأكثر فقرا فاتورة هذا التدهور, وهو ما يؤثر على حماس الأمريكيين للمغامرات العسكرية التى لا تنعكس على زيادة رفاهيتهم الإجتماعية , والشعور بالظلم والفقر شعور نسبى لأن فقراء أمريكا أو الفئات الأقل دخلا لا تقارن وضعها بفقراء تشاد , ولكن بأغنياء أمريكا وفرص الإستهلاك الكبرى المحيطة بهم.

إن المجتمع الأمريكى هو نموذج مجتمع المترفين الذى يود أن يعيش فى أعلى درجات الرفاهية دون أن يدفع ثمن ذلك من الجدية والصرامة فى العمل. والجيل الحالى لا يفكر فى الأجيال القادمة , وبالتالى فإن أمريكا حكومة وشعبا تعيش على الدين ولابد أن تدفع ثمن ذلك قريبا , من تداعى داخلى بالغ الخطر.

فقد كشفت فضائح إفلاس كبرى الشركات الأمريكية فى البورصة الخلل البنيوى فى الإقتصاد الأمريكى وكيف أن قوة الشركات ورأسمالها تعتمد على التدليس لا القوة المالية والإقتصادية الحقيقية فيما يعرف بنظرية فقاعة الصابون.

فقد طورت الأسواق المالية عددا من الأسهم التى تم التداول بها لمساعدة الشركات فى انتاج السيولة التى تحتاج اليها ولكن هذه الأسهم أصبحت منفصلة عن السبب الأساسى الذى أوجدت من أجله أصلا , وأصبحت قيمة أسهم الشركة منبتة أو ضعيفة الصلة بالحالة الإقتصادية الحقيقية للشركة , من خلال عمليات النصب التى تخصصت فيها هيئات مراقبة البورصة.

وفى واقع الأمر لقد تقلص القطاع الإنتاجى فى الولايات المتحدة إلى حد مخيف حتى أن قطاع الخدمات أصبح يستوعب 80% من اليد العاملة !! فى حين أن قطاع الخدمات قد أوجد أصلا لخدمة القطاعات الإنتاجية. وانتقلت معظم النشاطات الصناعية إلى خارج الولايات المتحدة ولم تعد أمريكا هى المنتج الأول فى العالم للسلع الصناعية. وهناك شركات معروفة ورائدة فى مجالاتها تم بيعها للأجانب.. مثل شركة آموكو وكرايزلر. أما أى.بى.إم فقد باعت وحدة انتاج أقراصها الصلبة الى شركة يابانية.

وقد تدنت حصة الولايات المتحدة من الصادرات الصناعية فى العالم من 13,5% عام 2001 إلى 11% عام 2002 وهذا الإنهيار الصناعى وراء لجوء أمريكا لسياسة الحماية الجمركية بالمخالفة لاتفاقية التجارة العالمية وهو ما يثير المشكلات مع أوروبا كما حدث فى قطاعات الحديد والصلب والسكر.وقد أشرت فى مقال سابق إلى انهيار صناعات التلفزيون والنسيج والأثاث.
وقد أدى هذا التراجع الإنتاجى إلى عجز فى الميزان التجارى بصورة متزايدة من 100 مليار عام 1989 الى 500 مليار عام 2002 ويطال هذا العجز كل قطاعات الإنتاج.
حتى الفائض الذى كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع به فى ميدان التكنولوجيا الدقيقة وكان يوازى 35 مليارا عام 1990 تحول اليوم إلى عجز! والمنافسة بين أريان وصواريخ الناسا بين الإير باص وبوينج تشهد على هشاشة الأفضلية الأمريكية.

ولا تتمتع الولايات المتحدة بمزايا مقارنة مستقرة إلا فى قطاع التسلح وتحديدا لأن هذا القطاع يتفلت من قواعد السوق ويتمتع بدعم الدولة.
وقد أدى عجز الميزان التجارى إلى عجز فى الموازنة العامة بنفس الرقم تقريبا (500 مليار دولار) بينما تصل النفقات الحربية الفعلية إلى 754 مليار دولار عام 2004.

وقد أدت هذه التفاعلات الى انخفاض سعر الدولار وهو ما انعكس سلبا على تدفق رؤوس الأموال على الولايات المتحدة , وبالفعل انخفضت قيمة الإستثمار الأجنبى المباشر من 300 مليار دولار عام 2000 الى 23 مليارا فقط عام 2002.
وقدتآكلت القدرة التنافسية للولايات المتحدة حتى أنه بعد سقوط الإتحاد السوفيتى , فإن أوروبا هى التى أخذت نصيب الأسد فى التجارة مع روسيا (37% مقابل 5% لأمريكا) كذلك تفوقت عليها ألمانيا و الإتحاد الأوروبى فى مجال الإستثمار فى روسيا.

المهم لقد أدت كل هذه العوامل إلى تراكم الديون على كل من الحكومة الإتحادية وحكومات الولايات والشركات والعائلات. وقد تجاوزت نسبة الدين من رأس مال الشركات الخط الأحمر وبلغت 90,2% فى الفترة (1991-2000) أى أن معظم رأس مال الشركات تآكل بسبب الدين المتراكم. أما مدخرات العائلات فهى شبه معدومة حيث بلغت نسبة الدين من دخل العائلات 95,6% فى نفس الفترة.

أما دين الدولة الإتحادية فقد تجاوز 6 ترليون (6,2 ألف مليار دولار) ويفيد المراقب المالى العام للولايات المتحدة أن القيمة الحقيقية للدين العام هى 30 ألف مليار دولار إذا أخذ بعين الإعتبار التزامات الضمان الإجتماعى والصحى مثلا.
وحتى على مستوى الأصول فمنذ عام 1985 أصبحت أمريكا دولة مدينة تجاه العالم أى أن الأصول التى تملكها فى الخارج هى والشركات والأفراد أصبحت أقل من الأصول التى يملكها الأجانب فى الولايات المتحدة . فدين الولايات المتحدة للخارج تجاوز 1,6 ألف مليار دولار 2001 أى ما يوازى 16% من الناتج القومى.

( للمزيد من التفاصيل راجع على سبيل المثال.. دراسة زياد حافظ: المشهد الإقتصادى فى الولايات المتحدة وتداعياته على سياستها الخارجية. مجلة المستقبل العربى العدد 306 أغسطس 2004, ودراسة سمير أمين جيوسياسية الإمبريالية المعاصرة مجلة المستقبل العربى العدد 303 مايو 2004 )
* * * * *

نحن فى كل الأحوال سنجاهد المعتدين أيا كانت قواهم واستعداداتهم , متوكلين على الله, وآخذين بالأسباب, ولقد انتهى على مستوى العالم بشكل عام منذ العام الثالث لبعثة الرسول عليه الصلاة والسلام مسألة سرية الدعوة, إن موازين القوى بين قبائل العرب التى دخلت الإسلام والإمبراطوريتين الفارسية والرومانية لم تكن متناسبة ولا متكافئة , وانتصر المسلمون.

إن الأخذ بالأسباب لا يعنى تأجيل الجهاد لحين امتلاك قوة مادية موازية للأعداء.
لقد كانت معركة ذى قار التى هزم فيها العرب الفرس قبل الإسلام, هى المواجهة التى كسرت هيبة الإمبراطورية الفارسية , وما حدث فى معركتى مؤتة وتبوك كسر هيبة الإمبراطورية الرومانية.

وما يحدث الآن على أرض العراق كان ضروريا لكسر هيبة الإمبراطورية الأمريكية, فعلى أرض العرب انسحب الأمريكيون بسرعة من لبنان والصومال فلم نشعر بأننا هزمناهم هزيمة ساحقة. أما الآن فإننا نخوض لأول مرة معركة مع هذا الغول الأمريكى لنعرف حدود قوته وحدود قوة المؤمنين بالله, والنتائج واضحة ومبشرة فى العراق.

ان حكامنا الأذلاء أمام أمريكا لإعتبارات مصلحية وشخصية فى إطار شبكة معقدة للتبعية تم نسجها عبر عشرات السنين .. هؤلاء الحكام هم نقطة ضعف الأمة , ونقطة قوة الأعداء.

ومهمة المخطط الإستراتيجى فى مواقع الجهاد أو فى مواقع السلطات فيما تبقى من مواقع الإستقلال القليلة فى بلاد العروبة والإسلام , مهمته أن يقدر بجدية مؤشرات التراجع الأمريكى , ومؤشرات الرفض العالمى للإنفراد الأمريكى.
نحن الآن فى زمن التقدم لا التراجع , وإذا لم نتقدم فسيظل الأمريكان يمارسون لعبة التخويف والإنفراد بكل دولة على حدة.

لابد من كسر الهجوم الأمريكى الصهيونى عند نقطة محددة ودفعه إلى الوراء , وما يحدث فى العراق هو البداية الحقيقية لذلك شريطة أن نوسع الجبهة ضد المعتدين بشتى الوسائل فى مختلف البلاد العربية والإسلامية , بل أن حماقة العدو هى التى تفتح لنا هذه الجبهات , وهاهى جبهة السودان – دارفور على وشك أن تنفتح- وبينما كان النظام السودانى يستعد لمباراة سلمية مع حركة التمرد حفاظا على وحدة السودان دون فقدان هويته , هاهم الأعداء يصرون على إعادة فتح جبهة للجهاد فى الغرب ضد قوات غازية محتملة. وقد كان موقف السودان مشرفا ويستأهل المزيد من الدعم والمساندة من العرب والمسلمين.
إن تخلى مصر عن دورها القيادى وتحولها إلى مطية للأمريكان هو الأمر الذى أدى إلى كثير من الكوارث التى نراها.

وقد رأينا كيف استبدل الله قوما غيرنا فرأينا المجاهدين فى فلسطين والعراق وأفغانستان على فترات مختلفة يحملون رايات الجهاد.. بينما كانت مصر الرسمية ترفع راية "العقل" و"العقلانية" و"الواقعية" وهى شعارات المستسلمين فى مواجهة الغزاة.

ولتكن معركة دارفور المرتقبة اشارة البدء لحملة شعبية جديدة فى مصر ضد النفوذ الأمريكى – الصهيونى وعملائه فى مصر لا فى دارفور!

magdyhussien@el3amal.net